رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السادس 6 بقلم سعاد محمد سلامة

رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السادس 6 بقلم سعاد محمد سلامة

رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السادس 6 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامة رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السادس 6 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السادس 6 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السادس 6

رواية طوفان الدرة طوفان ودرة بقلم سعاد محمد سلامة

رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السادس 6

❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
القلق ينهش قلب كريمان،تشعر بالندم ليتها ذهبت معهم الى المحكمة ليس لمعرفة النُطق بالحُكم بل بالبقاء جانب أبنائها، القلق ينهشها أكتر من رد فعل دُرة، باسل لديه قُدرة فى التحكم فى أعصابه عكس دُرة مُندفعة للغاية وقت عصبيتها لا تُفكر وتفقد السيطرة على كلماتها وتصرفاتها، مما قد يُفاقم الأمور… تتخيل أسوأ السيناريوهات، تخشى أن تُقدم دُرة على تصرف طائش يُعقد الموقف أكثر… تُراقب عقارب الساعة وهي تتمنى لو بإمكانها تسريع الزمن، أو استعادت الوقت لتصحح قرارها وذهبت معهم، تُمسك هاتفها بتوتر، تُفكر في الاتصال بـ باسل، لكنها تراجعت، تعلم أنه قد لا يرُد في مثل هذه اللحظات.
تنهدت بأسي وهي تتذكر ليلة أمس، حاولت تهدئة دُرة وإقناعها بعدم حضور جلسة المحكمة لكن كان بلا جدوى، دُرة أشبه ببركان على وشك الانفجار، عيناها تلمعان بالغضب، وكلماتها تُقطر تحديًا… باسل كان هادئًا كعادته، لكن أحيانًا الصمت أسوء وأكثر إثارة للقلق من اظهار الانفعال…. أغلقت كريمان عينيها للحظة تحاول الثبات،سُرعان فتحتها على صوت رنين هاتفها ، إنتفضت يدها كذالك قلبها بصدرها قبل أن تفتح الهاتف… وترا هوية من يتصل… هل خاب توقع النُطق بالحُكم وتحققت العدالة بيظ القانون… أم أن الكارثة المتوقعة قد وقعت….
خاب ذلك حين علمت هوية المُتصل حاولت تمالك أعصابها، إلا أن ارتجافة خفيفة سرت في أطرافها رغمًا عنها… حدقت في الشاشة للحظات، ثم قامت بالرد:
مساء الخير يا ماما.
تفوهت والدتها بقلق سألة:
إيه الأخبار عندك… عرفتي المحكمة حكمت بإيه.
أجابتها بقلق مُستعر:
لاء، بندم ياريتني روحت معاهم، قلبي مش مطمن وخايفه من دُرة أكتر من باسل، باسل بيعرف يتحكم فى أعصابه، إنما دُرة إنتِ عارفاها، بتتعصب بسرعة… وتفقد سيطرتها على أعصابها.
حاولت والدتها تهدئتها قائلة:
لاء متقلقيش إن شاء الله القانون هيحكم بالعدل و….
قاطع حديث والدتها صوت رنين الهاتف الأرضي للمنزل، دب القلق فى قلب كريمان وإنتفض جسدها برعشة قويه وتعلثمت فى الرد على والدتها وأغلقت الهاتف دون وعي منها، توقفت لحظات تنظر الى الهاتف الأرضي حتى توقف الرنين، ينبض قلبها بعنف، ونظراتها لم تفارق الهاتف، كأنها تتوقع أن يدق مرة أخرى حاملاً معها خبرًا بالتأكيد سيُغير كل شيء… بالفعل عاود الرنين، سُرعان ما رفعت سماعة الهاتف، وهي تسمع حديث المحامي:
إحنا عملنا اللى علينا بس للآسف المحكمة لها، بالادلة والبراهين، كمان شهادة الشهود.
بعقلها أغلقت الهاتف لا تود سماع أكثر من ذلك ليتأكد حدس قلبها، والآن لابد من قرار أن لا تنتظر، بالفعل، أخذت هاتفها وكادت تخرج من المنزل لكن تصنمت مكانها حين رأت من يقترب منها، تفوهت بصوت مختنق:
إنت…
اتسعت عيناها في ذهول، وقلبها يشتعل غضبً لم تكن تتوقع رؤيته هنا، في هذه اللحظة بالذات… كان وجهه جامدًا، يخفي وراءه شيئًا لا تستطيع قراءته، لكن نظراته كانت كفيلة بأن تتيقن أن العدالة إنتهي دورها بخسارة…وضياع الحق…والقادم إعصار.
❈-❈-❈-❈-❈
على الجانب الاخر بمنزل طوفان
بغرفة وجدان، ختمت قراءة القرآن، أغلقت المصحف ووضعته جانبًا، ثم نهضت من فوق الفراش… سارت بخطوات هادئة نحو شُرفة الغرفة، تنظر إلى الخارج داعبت الشمس القوية عينيها، فأغمضتهما سريعًا قبل أن تتراجع قليلًا إلى جانب به ظل يحميها من وهجها القاسي
عقلها لم يكن أقل اضطرابًا من قلبها، أفكارها تتشابك كسُحب صيفية ثقيلة توشك أن تمطر… على يقين أن هناك عاصفة تلوح في الأفق، لكنها لم تكن تملك سوى الانتظار، والمقاومة بصمت
رغم عِلمها أن القضية لا تمس طوفان مباشرةً، إلا أن القلق يضرب قلبها بلا هوادة… تلك القضية قد تكون إعصارًا يضرب الجميع، لا يترك خلفه سوى الفوضى والدمار، وقد يدخل طوفان وسط ذلك، ويتحقق ما يُرعبها… أن يُرغم على الاندفاع نحو قلب العاصفة، حيث لا ملاذ ولا مفر…. كل الطرق تبدو محفوفة بالمخاطر، وكل الاحتمالات تقود إلى هاوية مجهولة… تنهدت بعمق، محاولةً كبح ارتجافة خفيفة تسللت إلى أناملها… عليها أن تجد مخرجًا قبل أن تبتلعهم العاصفة جميعًا…
والسؤال الذي لا إجابة له
ماذا تفعل، كي تبعد طوفان عن ذلك الإعصار القادم…
طوفان…
نطق إسمه قلبها
طوفان التي خافت أن يرث جحود والده أنقذته منه تسع أعوام شكلت شخصية أخري بعيدة عن مُبتغي والده القاسي، رغم كل ذلك الحذر بالنهاية كان القدر، الذي أجبره على التنازل عن أمنياته والإستسلام لرغبات وأمنيات والده حاول الهروب منها … لكن بلحظة فاز القدر وتحققت أمنيات والده،كأنها قدرًا موصود.
❈-❈-❈
المحكمة
الصمت للحظات كان كفيل بسماع دوي نبضات قلوب الجميع، وهم ينتظرون سماع الحُكم، حتى القاضي نفسه بداخله يشعر بآسف مصحوب بتوتر غريب، وكأن كلماته القادمة ستحمل ثُقل العالم على كاهله… كانت معظم العيون تنظر نحوه، تترقب بشغف ممزوج بالخوف، بينما الهواء في القاعة أصبح أثقل، يكاد يُسمع صوت الأنفاس المتلاحقة… رفع القاضي نظره عن الأوراق أمامه، تنحنح قليلًا، ثم قال بصوت هادئ لكنه حاسم:
“بعد النظر والمداولة في جميع الأدلة والاستماع إلى أقوال الشهود..”
ثم توقف للحظة، وكأنه يمنح الزمن فرصة للتمدد أكثر، يحاول التخفيف، قبل أن ينطق بالحكم الذي بالتأكيد سيُغير مصائر الجميع…
أستطرد حديثه:
حكمت المحكمة على المتهم
“وليد عزمي مهران”… حسب الدلائل
حيث أن القتل كان بالخطأ ودفاع عن النفس،بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ مع بقاء حق النيابة فى إلاستئناف على الحُكم،كذالك من حق المُدعين بالحق طلب الإستئناف…. رفعت الجلسة.
نهض القُضاة سريعًا غادروا القاعة
بينما أول من فتح عيناه طوفان ونظر نحو دُرة
شعر بإنقباض فى قلبه حين رأي تلك الدمعة تسيل فوق إحد وجنتيها، قبل أن تفتح عينيها وترفع إحد يديها تمسح تلك الدموع التى سالت من عين واحدة والثانية تحجرت الدموع بين أهدابها، تشعر كآن عينيها تشارك إنشطار قلبها،
ضاعت العدالة، وسط تهليل وزراغيد والدة ذلك المجرم القابع خلف القضبان يُهلل ويرقُص هو الآخر… لم تستطع النهوض ظلت جالسة، بينما باسل رغم شعوره بغصة تفتك بقلبه لكن مد يده ليساعدها على النهوض، لكن درة لم تستجب، وكأن قدميها إلتصقت في الأرض، تأبى الرحيل قبل أن تستوعب ما حدث…
نظرت إلى القفص حيث يقف ذلك المجرم، يتراقص وكأنه يحتفل بنصرٍ عظيم مُستحق، بينما أمه تزغرد كأنها تزفّه لعُرس… في تلك اللحظة، لم تعد تفهم شيئًا، كيف يفرح الظالم بينما يُجلد قلوب المكلومين.. كيف تتساقط دموعها وحدها بينما يملأ ضحك ذلك المجرم القاعة.
أما باسل، فكان يحاول جاهدًا أن يحتفظ بثباته، لكنه شعر بمرارة تهز كيانه… لكن خوفه الاكبر الآن على دُرة ورد فعلها حدق بوجهها رأى في عينيها كل الألم الذي لم تفصح عنه، وكل الظلم الذي سقط عليهم كصخرةٍ ثقيلة…
بثبات ظاهري همس لها بصوت متحشرج:
دُرة قومي.
لكنه لم يجد منها سوى صمتًا جامدًا، وصورة فتاة أُنهِك قلبها من الظلم، لكنه ما زال ينبض رغم كل شيء… بصعوبة بالغة جذبها باسل حتى إستطاعت الوقوف على قدميها، تسير لجواره… حتى توقف باسل حين توقف أمامه طوفان عيناه لا تفارق دُرة التى أصبحت مثل الدُمية بلا روح تُحرك قدميها، لكنها لا تعرف إلى أين… نظراتها تائهة، مُعلقة في اللاشيء… حتى لم تهتم أو بالأصح لم ترا وقوف طوفان ولا تجاهُل باسل له ومحايدته له يستكمل السير….
بينما حاتم منذ أن فتح عيناه على أصوات التهليل ثار عقله
شعر كأن شيئًا يُكبّله، لكن عقله هو الأكثر ضجيجًا…. من أين يأتي هذا التهليل.. ولماذا يشعر أن قلبه يضرب بقوة كأنه سينفجر بلحظة
نهض ببطء، أنصت أكثر… كان الهتاف يعلو ثم يخفت، يتغلغل في مسامه، يوقظ داخله ذكرى قريبة و”حسام” يُخبره أنه لم يتبقي سوا أيام قليلة على زواجه وأحلامه بهذا اليوم،وتلقيه خبر مقتله بعد ساعات، شعر بضيق حاد في صدره، لا بل إعصارًا يُمزقه من الداخل… رفع يده إلى جبينه، وكأنه يحاول كتم الضجيج الذي يزداد داخله، لكن بلا فائدة… لحظة وأخرى ولم يُفكر وهو يقترب من ذاك القضبان الحديدي بلا تفكير، جذب سلاحه الميري من فوق خصره وفتح صمام الامان،رفع سلاحه، أنفاسه تتسارع كأنها تدفعه إلى الهاوية، لم يكن بحاجة إلى تفكير إضافي، لقد اتخذ قراره… كأنه يُعلنها
“إن كانت عدالة القانون ضعيفة، فماذا عن عدالة الروح بالروح”
تشنجت يده، وانحرف السلاح قليلًا، ليرتد صوت رصاصة أصابت حديد القفص مدويًا في المكان…لم يهتم أنه على شفير الهاوية عيناه ثابتتين لا خوف فيهما، فقط يقين واحد، أن هذا هو القصاص العادل…
سريعًا تدخل الأمن وذهبوا نحوه جعلوه
يُخفض سلاحه، لا يشعرون بكم الألم في الذي بصدره الثائر
صرخ فيهم قالها بصوت مشحون بالغضب والضياع:
قتل حسام دمر فرحته.
مازال يقبض على السلاح بشدة، لكن بصعوبة سيطروا على إندفاعه، أخذوه الى خارج القاعة وضعوه بغرفة جانبية،تركوه وحده لحظات دقائق حتى حاول السيطرة على إندفاعه، أو هكذا ظن…
حين دخل الى الغرفة ذلك القائد ونظر نحو حاتم بلوم قائلًا:
إيه اللى حصل ده يا حضرة الضابط.
كاد يعترض وهو يقول:
ده قاتل يا أفندم، المحكمة كده بتكافئه مش بتعاقبه.
شعر القائد بآسف لكن هو ينفذ القانون، تنهد بآسف وهو يُربت على كتف حاتم:
أنا مقدر موقفك، بس إنت ظابط شرطة مهمتك هي تنفيذ القانون، وعشان حاسس بموقفك هتغاضي عن مُعاقبتك، وبلاش تندفع لسه القضية مخلصتش، لسه الإستئناف، وارد يحصل مفاجأة تغير مسار القضية، حاول تهدا، ودلوقتي أنا هسمح لك بأجازة يومين تحاول تهدا فيهم، إحنا رجال بتنفذ القانون.
بداخله تهكم حاتم، فعن أي قانون يتحدث، عدالة ضالة… لكن تحكم فى ذاته وامأ للقائد بإستجابة واهيه لا أكثر.
❈-❈-❈
مر النهار كان صعبً على البعض وعلى البعض الآخر عكس ذلك
بشقة خاصة بأحد مُدن المنيا
وضعت تلك السيدة الأرجيلة وجلست جوارها أيضًا، تناول ذلك الجالس الخرطوم قائلة:
” الف مبروك يا سي عزمي”.
أخذ منها الخرطوم نفث دخان كثيف قائلًا بإستفسار:
مبروك على إيه يا” إبتهاج”.
أجابته ببراءة:
على براءة سي وليد،مش هو طلع براءة من الجضية.
ضيق بين عينيه سائلًا بنبرة إستفسار مصحوبة بنبرة شك:
وإنتِ عرفتي منين إن وليد خد براءة.
توترت إبتهاج قليلًا، لكنها حاولت السيطرة على نفسها سريعًا، فابتسمت وهي ترد بنبرة مُتحفظة:
الخبر انتشر في المنطقة، والناس كلها بتتكلم عنه. مش انت عارف إن الحاجات دي بتتنقل بسرعة.
ظل عزمي يحدق فيها للحظات، ثم أعاد سحب نفسٍ عميق من الأرجيلة قائلًا بخباثة:
آه.. صحيح، الحاجات دي بتتنقل بسرعة، بس مش لأي حد.
رغم محاولتها إخفاء ارتباكها، إلا أن يدها امتدت لا إراديًا نحو كوب الشاي الموضوع أمامها، رفعته إلى شفتيها لتخفي رعشة خفيفة، لكنها شعرت بنظراته تحاصرها… وهو يسألها بنبرة شك:
عرفتي منين يا إبتهاج.، إنتِ بتروحي فين من ورايا.
ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تضع الكوب على الطاولة، ثم قالت بتردد مصحوب بمحاولة للتملص:
والله عرفت صدفة كنت فى السوق بشتري خُضار و سمعت الخبر وفرحت بيه.
ابتسم عزمي نصف ابتسامة، تلك التي تحمل وراءها ألف سؤال وألف احتمال، ثم قال بنبرة بطيئة لكنها ثقيلة بالمعاني:
طيب يا سِت ابتهاج، لو سمعتِ حاجة تانية.. برضو قوليلي، ها.
أومأت برأسها سريعًا، بينما كان قلبها يخفق بقوة، متساءلة إن كان قد صدقها أم أنه فقط يمنحها مساحة كافية لتورط نفسها أكثر…أخفت توترها الزائد وهي تنهض من على الأرض قائلة:
الفحم إنطفي هجيب غيره من المطبخ.
غابت عن عيناه بينما هو يتابع سحب نفس آخر من الأرجيلة ببطء، وعيناه مسلطتان على البخار المتصاعد أمامه، لكنه في الحقيقة لم يكن يرى الدخان، بل كان يحاول تحليل الموقف… إبتهاج مش ساذجة، وعمرها ما كانت تنقل كلام لمجرد النقل…فكّر في نفسه وهو يمرر أصابعه على لحيته القصيرة.
حرك الخرطوم بين يديه، ثم ضرب طرفه على حافة الطاولة بحركة غير مقصودة، وكأنها ترجمة لحيرته…
عاد بظهره للوراء، مسندًا رأسه للحائط، وهو يردد في داخله:
الموضوع مش داخل دماغي.
بنفس اللحظة، عادت ابتهاج تحمل بيدها ملقط الفحم وطبق صغير به قطع جديدة متوهجة، فوضعتهم على المنقد أمامه قبل أن ترفع نظرها إليه بحذر، متسائلة إن كان قد نسي حديثهما أم لا… لكنه باغتها بسؤال آخر، هذه المرة بنبرة أكثر هدوءًا لكنها أكثر ضغطًا أيضًا:
والناس كانت بتقول ايه فى السوق كمان.
توترت إبتهاج مجاوبة:
معرفش أنا جولت اللى سمعته.
نظر لها بشك لكن أخفي ذلك وهو يضع خرطوم الأرجيله على الطاولة ثم جذبها على غفلة، شهقت بخضة سُرعان ما بدلت شهقتها الى ضحكة خليعة وهي ترا تلك النظرة التى تضُخ بالرغبة الشهوانية الواضحة ابتسم وهو يراقب ضحكتها ، قبل أن يمد يده ببطء، ينزع ذلك المئزر عن جسدها ،يُراقب ارتجاف أنفاسها الخافتة…ثم همس بصوت خفيض لكنه محمل بالضغط ذاته:
متأكدة إن ده كل اللي سمعتيه.
أخفضت عينيها سريعًا وأومأت برأسها قائلة بصوت مهتز قليلًا:
هو ده اللي سمعته… والناس بتتكلم كتير، وكل واحد بيزود من عنده.
لم يقل شيئًا للحظات، فقط ظل يراقبها بصمت، يداه تسير تُعطي دافئًا لجلدها البارد تحت لمساته… التقط أنفاسها ببطء، وكأن صبره بدأ ينفد… وهو يُقبلها بشهوانية، ثم ترك شفتيها قائلًا:
ابقي بعد كده ركزي كويس فى اللى بتسمعيه، وابقي قولي لي لو افتكرتي حاجة تانية، مفهوم.
رفعت وجهها إليه، تنظر له بنظرة مترددة تملأ عينيها، لكنها وجدت في عينيه شيئًا جعلها تبتلع ريقها ببطء… شيئًا جعل قلبها يضطرب من جديد… وأمأت رأسها بقبول… لمعت عيناه كأنه السيد وهي الخاضعة، شعور مُميز من تلك الرهبة الذى يراها بعينيها، شعور مفقود لديه مع زوجته الأولى وأم إبنيه التى يشعر أنها إمرأة جليدية بلا مشاعر أنثوية رقيقة، عكس تلك الخاضعة التى أسفله، شعور بالنقص هي تُكمله، بل تُغرقه فيه حتى ينسى كل ما افتقده من سطوة… يُدرك أنها ليست مجرد استسلام، بل استسلام مشوب بالخوف والتردد، لكنه استسلام رغم ذلك… نظر إليها بعينيه الحادتين، متلذذًا بذلك التباين بين قوتها الخارجية وبين الرهبة التي تتملكها الآن… تلك الرجفة التي تسري في أوصالها لم تكن فقط من رهبة الموقف، بل من شيء آخر… شيء يجذبها نحوه رغم كل محاولات عقلها للهرب… تراه سيدًا بالفعل، ليس بالقوة فقط، بل بقدرته على جعلها تستجيب له، على أن يفرض حضوره الطاغي حتى دون أن يطلب.
أما هو فشعر بلذة الانتصار. لذة جعلته يزداد تعلقًا بها، ليس كحبيبة ، بل كإنسان يضفي عليه إحساسًا لم يعرفه من قبل… إحساسًا بأنثى تعترف به، تخشاه، وتتهاوى أمامه، رغم كل محاولاتها للصمود…لكن بهذه اللحظة هو السيد المُبجل.
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
ليلًا
لم تستطيع كريمان النوم وهي تشعر بالخوف والقلق على دُرة، ردة فعلها الصامته توجع بشدة، ليتها تصرخ قد ترتاح من ذلك الثُقل على صدرها.. لامت نفسها لما إستسلمت لها و نهضت من فراشها متجهة إلى النافذة، علّها تجد في الظلام سكينة تهدئ من روعها. كان الليل هادئًا بشكل مخيف، لا صوت سوى دقات قلبها المتسارعة. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها وهي تستعيد نظرات دُرة الشاحبة، صمتها الموجع، والبرود الذي غلف ملامحها كأنها تخلت عن كل شيء حتى عن الألم…
أغمضت عينيها بقوة، كأنها تحاول طرد أفكارها، لكن الشعور بالذنب كان ينهشها بلا رحمة… لماذا لم تصرّ على الحديث معها أكثر لماذا تركتها تغرق في صمتها دون أن تحاول كسر جدار الجمود التي تتظاهر به دُرة، والليل ينسحب حتى إقترب الفجر وهي مازالت جالسه تنظر الى ذلك الألبوم تارة تبتسم بعفوية وتارة تسيل دموع الفقدان المريرة…”مختار” تزوجا عن قصة حُب،رغم رفض والدته لها فى البداية بحِجة أنها ليست صعيدية “مصراوية”كما لقبتها”المصراوية الجريئة”
كيف لفتاة بمقتبل العقد الثاني من عمرها وتتغرب بعيد عن أهلها من أجل وظيفة مُمرضة بأحد مشافي المنيا…لكنه كان القدر الذي جاء بها لتلتقي بحبيب عمرها الذي سرق قلبها منذ اللحظة الأولى، بنظراته الواثقة وابتسامته الدافئة التي لم تفارق مخيلتها يومًا… مختار كان مختلفًا بروحه القوية واعتزازه بجذوره الصعيدية…. لم تبالِ بكلام والدته، ولا بالرفض الذي واجهته، فحبها له كان أقوى من أي اعتراض… لكن الحب وحده لم يكن كافيًا ليحميها من قسوة الأيام… كم تمنت لو أن الزمن توقف عند لحظات سعادتها معه ذكري ليلة زفافهم وخجلها الذي غمر وجنتيها حين همس باسمها لأول مرة بصوت يملؤه الشوق… كانت تلك الليلة حلمًا تجسد في الواقع، حيث اختلطت مشاعرها بين الفرح والخجل، وبين الخوف من المجهول والأمل بحياة دافئة في كنفه… لم تكن الأيام كلها، حُب فقط بل مشاعر مُتعددة بينهم، تشعبت بقلوبهم، زواج كان متوقع فشله بأشهر قليلة إستمر ونضج الحُب وتشعب لمشاعر كثيرة، فرحة أول طفلة كانت دُرة شقاوتها وهي صغيرة تعلُقها بـ مختار، ذكري ميلاد باسل رغم صِغر عُمره لكن يمتاز بكثير من خِصال مُختار،
تنهدت كريمان وهي تقلب صفحات الألبوم، تراقب صور الماضي كأنها تبحث عن إجابة بين الذكريات… كانت دُرة أول ثمرة لهذا الحب، طفلة جميلة بعينيها السوداء الواسعتين، لكن شيئًا ما في تلك العيون تغيّر… أصبحت شاحبة، خاوية، كأنها تحمل همومًا ..
ذكريات إنتهت بدموع فُراق جائر، مُختار لم يكُن يستحق تلك النهاية البشعة على يد ذلك القاتل القذر، لكنه القدر
كم تمنت لو استطاعت أن تعود بالزمن إلى تلك اللحظات، حين كان يمسك بيديها برفق، يقسم لها أن تكون سعادتها غايته… ولكن الزمن لا يعود، والواقع لا يعرف الرحمة أغلقت الألبوم.. نهضت تشعر ببعض التقلُصات بظهرها، لم تهتم بها، وقررت الذهاب الى غرفة أول ثمرة جمعت بينها وبين مختار
أغلقت الألبوم ببطء، نظرت إلى خارج الشرفة…ظلام الليل يقترب على الرحيل
مازال ينتابها شعور القلق بل ينهش بضراوة، وضعت الالبوم على الطاولة ونهضت تعلم الى أين، بعد لحظات فتحت غرفة دُرة بهدوء، كانت الغرفة مُظلمة للغاية، شعرت بتوجس وأشعلت الضوء، سُرعان ما خفق قلبها بشدة حين نظرت نحو الفراش كان فارغًا، تجولت عيناها بالغرفة، لم تكُن موجودة، شعرت بقلق سريعًا بدأت بالبحث عنها بين أركان المنزل لكن ليست موجودة، إزداد الخوف والقلق والتوجس، وعقلها يسأل بذهول…
أين ذهبت بهذا الوقت.
❈-❈-❈
أثناء سيرهُ سمع آنين بُكاء، ذهب نحوه سريعًا أشعل ضوء هاتفه ونظر أمامه بذهول قائلًا:
دُرة!
توقعت إنك تجي لهنا.
نظرت له بكراهية حادة قائلة بإتهام مباشر:
إنت السبب، إنت كنت عارف إن الحُكم هيبقي ضعيف، عشان كده سلمت القاتل للشرطة.
أجابها وهو يقترب منها بدفاع:
أنا عملت اللى كان لازم يحصل… ومتأكد لو عمي مختار مكاني كان هيعمل نفس الشئ يا دُرة.
نظرت له بإزدراء وقاطعته بشبه صُراخ:
متجبش سيرة بابا، إنت كداب، إنت خوفت على نفسك.
توجع قلبه وأصبح المسافة صغيرة بينهما، لكنه لم يتراجع… أخذ نفسًا عميقًا محاولًا تهدئتها، لكن دموعها كانت تُخبره أن الغضب ليس الشيء الوحيد الذي تشعر به، بل الخذلان أيضًا.
دافع بصوت هادئ لكنه مُصر:
دُرة، أنا خوفت عليكِ وعلى باسل، مش على نفسي… كنت عارف إن القانون ممكن ميحققش العدالة اللي كنتِ عايزاها، بس لو كنتِ خدتي حقك بإيدك، كنتِ هتضيعي حياتك.
قهقهت بسخرية مُرة ومسحت دموعها بعنف:
حياتي ضاعت من يوم ما بابا وحسام إتقتلوا.
غص قلبه بشدة، رغم أنه كان يتوقع تلك الكلمات… نظر إلى وجهها المتعب، إلى عينيها اللتين رغم الغضب ما زالتا تحملان بريق الألم الذي يعرفه جيدًا توقفت أنفاسها للحظة، لكنها لم ترد،كآن عقلها تائه بين الغضب والحنين، بين الرغبة في الصراخ وبين الرغبة في كتمان ذلك الألم…
نبضات قلبها قلبها تتسارع بعنف، وكأنها تُذكرها بكل لحظة خذلان، بكل دمعة حبستها، وبكل صرخة لم تستطع إطلاقها… لم تكن تريد أن تظهر ضعفها أمامه، لكنها لم تستطع إخفاء ألمها أكثر.
شعر بتهتك نياط قلبه،مد يده إليها بأمل، وكأنه يقترب من نصل حاد قد يجرحه في أي لحظة، همس بصوت مبحوح:
دُرة… أنا مش عدوك.
رفعت عينيها نحوه ببطء، كانت نظرتها مزيجًا من الاحتقار… تكرهه بقدر ما كانت تحتاج الى يد والدها الآن تنتشلها من ذلك التوهان يضمها يُضمد ذلك الوجع الذي يكاد يفتك بها وليته يفعل ذلك وتنتهي… بعين مغشية من كثرة الدموع، تفوهت بصرامة
إبعد عن طريقي يا طوفان، اللى بينا هو الدم اللى إنت ضيعت حقه…
فى اللحظة اللي سلمت فيها القاتل بإيدك.
تصلبت كلماته في حلقه، شعر وكأنها أطلقت عليه رصاصة مباشرة إلى صدره، لكنه لم يتحرك… ظل ينظر إليها بعينين تحملان وجعًا لا يقل عن وجعها.
قال بهدوء قاتل، كأنه يحاول لملمة ما تبقى من روحه:
لو كان بإيدي كنت رجعت الزمن لورا… بس مكنش عندي اختيار تاني، دُرة.
قهقهت مجددًا، لكن ضحكتها كانت أكثر وجعًا هذه المرة، ، وها هي تُعلن انسحابها، أو ربما هزيمتها أمام كل شيء:
لأ، كان عندك اختيار… بس اخترت إنك تفضل خاين
شعر وكأن كلماتها صفعت روحه، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يُتهم فيها بالخيانة، ولن تكون الأخيرة… لكنها الأكثر إيلامًا، الأكثر تمزيقًا لما تبقى منه… كأنها غرست خنجرًا في قلبه ثم أدارت النصل ببطء، لتتأكد من أنه لن يُشفى أبدًا.
«يتبع»
ده آخر فصل فى رمضان، ❤❤❤كل عام وانتم بخير❤ ربنا يعود علينا الايام المباركة بخير دايمًا ياااارب 🤲🏻❤❤ أفتكروني فى دعواتكم، ولكم بالمثل وأكثر
الفصل الجاي الثلاثاء وهيبقي فى انتظام حسب التفاعل طبعًا
❤❤❤كل عام وانتم بخير❤❤❤
للحكاية بقية
#طوفان_الدُرة “ملحمة طوفان هزمهُ العشق”
الطوفان السادس
#سعادمحمدسلامه
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
القلق ينهش قلب كريمان،تشعر بالندم ليتها ذهبت معهم الى المحكمة ليس لمعرفة النُطق بالحُكم بل بالبقاء جانب أبنائها، القلق ينهشها أكتر من رد فعل دُرة، باسل لديه قُدرة فى التحكم فى أعصابه عكس دُرة مُندفعة للغاية وقت عصبيتها لا تُفكر وتفقد السيطرة على كلماتها وتصرفاتها، مما قد يُفاقم الأمور… تتخيل أسوأ السيناريوهات، تخشى أن تُقدم دُرة على تصرف طائش يُعقد الموقف أكثر… تُراقب عقارب الساعة وهي تتمنى لو بإمكانها تسريع الزمن، أو استعادت الوقت لتصحح قرارها وذهبت معهم، تُمسك هاتفها بتوتر، تُفكر في الاتصال بـ باسل، لكنها تراجعت، تعلم أنه قد لا يرُد في مثل هذه اللحظات.
تنهدت بأسي وهي تتذكر ليلة أمس، حاولت تهدئة دُرة وإقناعها بعدم حضور جلسة المحكمة لكن كان بلا جدوى، دُرة أشبه ببركان على وشك الانفجار، عيناها تلمعان بالغضب، وكلماتها تُقطر تحديًا… باسل كان هادئًا كعادته، لكن أحيانًا الصمت أسوء وأكثر إثارة للقلق من اظهار الانفعال…. أغلقت كريمان عينيها للحظة تحاول الثبات،سُرعان فتحتها على صوت رنين هاتفها ، إنتفضت يدها كذالك قلبها بصدرها قبل أن تفتح الهاتف… وترا هوية من يتصل… هل خاب توقع النُطق بالحُكم وتحققت العدالة بيظ القانون… أم أن الكارثة المتوقعة قد وقعت….
خاب ذلك حين علمت هوية المُتصل حاولت تمالك أعصابها، إلا أن ارتجافة خفيفة سرت في أطرافها رغمًا عنها… حدقت في الشاشة للحظات، ثم قامت بالرد:
مساء الخير يا ماما.
تفوهت والدتها بقلق سألة:
إيه الأخبار عندك… عرفتي المحكمة حكمت بإيه.
أجابتها بقلق مُستعر:
لاء، بندم ياريتني روحت معاهم، قلبي مش مطمن وخايفه من دُرة أكتر من باسل، باسل بيعرف يتحكم فى أعصابه، إنما دُرة إنتِ عارفاها، بتتعصب بسرعة… وتفقد سيطرتها على أعصابها.
حاولت والدتها تهدئتها قائلة:
لاء متقلقيش إن شاء الله القانون هيحكم بالعدل و….
قاطع حديث والدتها صوت رنين الهاتف الأرضي للمنزل، دب القلق فى قلب كريمان وإنتفض جسدها برعشة قويه وتعلثمت فى الرد على والدتها وأغلقت الهاتف دون وعي منها، توقفت لحظات تنظر الى الهاتف الأرضي حتى توقف الرنين، ينبض قلبها بعنف، ونظراتها لم تفارق الهاتف، كأنها تتوقع أن يدق مرة أخرى حاملاً معها خبرًا بالتأكيد سيُغير كل شيء… بالفعل عاود الرنين، سُرعان ما رفعت سماعة الهاتف، وهي تسمع حديث المحامي:
إحنا عملنا اللى علينا بس للآسف المحكمة لها، بالادلة والبراهين، كمان شهادة الشهود.
بعقلها أغلقت الهاتف لا تود سماع أكثر من ذلك ليتأكد حدس قلبها، والآن لابد من قرار أن لا تنتظر، بالفعل، أخذت هاتفها وكادت تخرج من المنزل لكن تصنمت مكانها حين رأت من يقترب منها، تفوهت بصوت مختنق:
إنت…
اتسعت عيناها في ذهول، وقلبها يشتعل غضبً لم تكن تتوقع رؤيته هنا، في هذه اللحظة بالذات… كان وجهه جامدًا، يخفي وراءه شيئًا لا تستطيع قراءته، لكن نظراته كانت كفيلة بأن تتيقن أن العدالة إنتهي دورها بخسارة…وضياع الحق…والقادم إعصار.
❈-❈-❈-❈-❈
على الجانب الاخر بمنزل طوفان
بغرفة وجدان، ختمت قراءة القرآن، أغلقت المصحف ووضعته جانبًا، ثم نهضت من فوق الفراش… سارت بخطوات هادئة نحو شُرفة الغرفة، تنظر إلى الخارج داعبت الشمس القوية عينيها، فأغمضتهما سريعًا قبل أن تتراجع قليلًا إلى جانب به ظل يحميها من وهجها القاسي
عقلها لم يكن أقل اضطرابًا من قلبها، أفكارها تتشابك كسُحب صيفية ثقيلة توشك أن تمطر… على يقين أن هناك عاصفة تلوح في الأفق، لكنها لم تكن تملك سوى الانتظار، والمقاومة بصمت
رغم عِلمها أن القضية لا تمس طوفان مباشرةً، إلا أن القلق يضرب قلبها بلا هوادة… تلك القضية قد تكون إعصارًا يضرب الجميع، لا يترك خلفه سوى الفوضى والدمار، وقد يدخل طوفان وسط ذلك، ويتحقق ما يُرعبها… أن يُرغم على الاندفاع نحو قلب العاصفة، حيث لا ملاذ ولا مفر…. كل الطرق تبدو محفوفة بالمخاطر، وكل الاحتمالات تقود إلى هاوية مجهولة… تنهدت بعمق، محاولةً كبح ارتجافة خفيفة تسللت إلى أناملها… عليها أن تجد مخرجًا قبل أن تبتلعهم العاصفة جميعًا…
والسؤال الذي لا إجابة له
ماذا تفعل، كي تبعد طوفان عن ذلك الإعصار القادم…
طوفان…
نطق إسمه قلبها
طوفان التي خافت أن يرث جحود والده أنقذته منه تسع أعوام شكلت شخصية أخري بعيدة عن مُبتغي والده القاسي، رغم كل ذلك الحذر بالنهاية كان القدر، الذي أجبره على التنازل عن أمنياته والإستسلام لرغبات وأمنيات والده حاول الهروب منها … لكن بلحظة فاز القدر وتحققت أمنيات والده،كأنها قدرًا موصود.
❈-❈-❈
المحكمة
الصمت للحظات كان كفيل بسماع دوي نبضات قلوب الجميع، وهم ينتظرون سماع الحُكم، حتى القاضي نفسه بداخله يشعر بآسف مصحوب بتوتر غريب، وكأن كلماته القادمة ستحمل ثُقل العالم على كاهله… كانت معظم العيون تنظر نحوه، تترقب بشغف ممزوج بالخوف، بينما الهواء في القاعة أصبح أثقل، يكاد يُسمع صوت الأنفاس المتلاحقة… رفع القاضي نظره عن الأوراق أمامه، تنحنح قليلًا، ثم قال بصوت هادئ لكنه حاسم:
“بعد النظر والمداولة في جميع الأدلة والاستماع إلى أقوال الشهود..”
ثم توقف للحظة، وكأنه يمنح الزمن فرصة للتمدد أكثر، يحاول التخفيف، قبل أن ينطق بالحكم الذي بالتأكيد سيُغير مصائر الجميع…
أستطرد حديثه:
حكمت المحكمة على المتهم
“وليد عزمي مهران”… حسب الدلائل
حيث أن القتل كان بالخطأ ودفاع عن النفس،بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ مع بقاء حق النيابة فى إلاستئناف على الحُكم،كذالك من حق المُدعين بالحق طلب الإستئناف…. رفعت الجلسة.
نهض القُضاة سريعًا غادروا القاعة
بينما أول من فتح عيناه طوفان ونظر نحو دُرة
شعر بإنقباض فى قلبه حين رأي تلك الدمعة تسيل فوق إحد وجنتيها، قبل أن تفتح عينيها وترفع إحد يديها تمسح تلك الدموع التى سالت من عين واحدة والثانية تحجرت الدموع بين أهدابها، تشعر كآن عينيها تشارك إنشطار قلبها،
ضاعت العدالة، وسط تهليل وزراغيد والدة ذلك المجرم القابع خلف القضبان يُهلل ويرقُص هو الآخر… لم تستطع النهوض ظلت جالسة، بينما باسل رغم شعوره بغصة تفتك بقلبه لكن مد يده ليساعدها على النهوض، لكن درة لم تستجب، وكأن قدميها إلتصقت في الأرض، تأبى الرحيل قبل أن تستوعب ما حدث…
نظرت إلى القفص حيث يقف ذلك المجرم، يتراقص وكأنه يحتفل بنصرٍ عظيم مُستحق، بينما أمه تزغرد كأنها تزفّه لعُرس… في تلك اللحظة، لم تعد تفهم شيئًا، كيف يفرح الظالم بينما يُجلد قلوب المكلومين.. كيف تتساقط دموعها وحدها بينما يملأ ضحك ذلك المجرم القاعة.
أما باسل، فكان يحاول جاهدًا أن يحتفظ بثباته، لكنه شعر بمرارة تهز كيانه… لكن خوفه الاكبر الآن على دُرة ورد فعلها حدق بوجهها رأى في عينيها كل الألم الذي لم تفصح عنه، وكل الظلم الذي سقط عليهم كصخرةٍ ثقيلة…
بثبات ظاهري همس لها بصوت متحشرج:
دُرة قومي.
لكنه لم يجد منها سوى صمتًا جامدًا، وصورة فتاة أُنهِك قلبها من الظلم، لكنه ما زال ينبض رغم كل شيء… بصعوبة بالغة جذبها باسل حتى إستطاعت الوقوف على قدميها، تسير لجواره… حتى توقف باسل حين توقف أمامه طوفان عيناه لا تفارق دُرة التى أصبحت مثل الدُمية بلا روح تُحرك قدميها، لكنها لا تعرف إلى أين… نظراتها تائهة، مُعلقة في اللاشيء… حتى لم تهتم أو بالأصح لم ترا وقوف طوفان ولا تجاهُل باسل له ومحايدته له يستكمل السير….
بينما حاتم منذ أن فتح عيناه على أصوات التهليل ثار عقله
شعر كأن شيئًا يُكبّله، لكن عقله هو الأكثر ضجيجًا…. من أين يأتي هذا التهليل.. ولماذا يشعر أن قلبه يضرب بقوة كأنه سينفجر بلحظة
نهض ببطء، أنصت أكثر… كان الهتاف يعلو ثم يخفت، يتغلغل في مسامه، يوقظ داخله ذكرى قريبة و”حسام” يُخبره أنه لم يتبقي سوا أيام قليلة على زواجه وأحلامه بهذا اليوم،وتلقيه خبر مقتله بعد ساعات، شعر بضيق حاد في صدره، لا بل إعصارًا يُمزقه من الداخل… رفع يده إلى جبينه، وكأنه يحاول كتم الضجيج الذي يزداد داخله، لكن بلا فائدة… لحظة وأخرى ولم يُفكر وهو يقترب من ذاك القضبان الحديدي بلا تفكير، جذب سلاحه الميري من فوق خصره وفتح صمام الامان،رفع سلاحه، أنفاسه تتسارع كأنها تدفعه إلى الهاوية، لم يكن بحاجة إلى تفكير إضافي، لقد اتخذ قراره… كأنه يُعلنها
“إن كانت عدالة القانون ضعيفة، فماذا عن عدالة الروح بالروح”
تشنجت يده، وانحرف السلاح قليلًا، ليرتد صوت رصاصة أصابت حديد القفص مدويًا في المكان…لم يهتم أنه على شفير الهاوية عيناه ثابتتين لا خوف فيهما، فقط يقين واحد، أن هذا هو القصاص العادل…
سريعًا تدخل الأمن وذهبوا نحوه جعلوه
يُخفض سلاحه، لا يشعرون بكم الألم في الذي بصدره الثائر
صرخ فيهم قالها بصوت مشحون بالغضب والضياع:
قتل حسام دمر فرحته.
مازال يقبض على السلاح بشدة، لكن بصعوبة سيطروا على إندفاعه، أخذوه الى خارج القاعة وضعوه بغرفة جانبية،تركوه وحده لحظات دقائق حتى حاول السيطرة على إندفاعه، أو هكذا ظن…
حين دخل الى الغرفة ذلك القائد ونظر نحو حاتم بلوم قائلًا:
إيه اللى حصل ده يا حضرة الضابط.
كاد يعترض وهو يقول:
ده قاتل يا أفندم، المحكمة كده بتكافئه مش بتعاقبه.
شعر القائد بآسف لكن هو ينفذ القانون، تنهد بآسف وهو يُربت على كتف حاتم:
أنا مقدر موقفك، بس إنت ظابط شرطة مهمتك هي تنفيذ القانون، وعشان حاسس بموقفك هتغاضي عن مُعاقبتك، وبلاش تندفع لسه القضية مخلصتش، لسه الإستئناف، وارد يحصل مفاجأة تغير مسار القضية، حاول تهدا، ودلوقتي أنا هسمح لك بأجازة يومين تحاول تهدا فيهم، إحنا رجال بتنفذ القانون.
بداخله تهكم حاتم، فعن أي قانون يتحدث، عدالة ضالة… لكن تحكم فى ذاته وامأ للقائد بإستجابة واهيه لا أكثر.
❈-❈-❈
مر النهار كان صعبً على البعض وعلى البعض الآخر عكس ذلك
بشقة خاصة بأحد مُدن المنيا
وضعت تلك السيدة الأرجيلة وجلست جوارها أيضًا، تناول ذلك الجالس الخرطوم قائلة:
” الف مبروك يا سي عزمي”.
أخذ منها الخرطوم نفث دخان كثيف قائلًا بإستفسار:
مبروك على إيه يا” إبتهاج”.
أجابته ببراءة:
على براءة سي وليد،مش هو طلع براءة من الجضية.
ضيق بين عينيه سائلًا بنبرة إستفسار مصحوبة بنبرة شك:
وإنتِ عرفتي منين إن وليد خد براءة.
توترت إبتهاج قليلًا، لكنها حاولت السيطرة على نفسها سريعًا، فابتسمت وهي ترد بنبرة مُتحفظة:
الخبر انتشر في المنطقة، والناس كلها بتتكلم عنه. مش انت عارف إن الحاجات دي بتتنقل بسرعة.
ظل عزمي يحدق فيها للحظات، ثم أعاد سحب نفسٍ عميق من الأرجيلة قائلًا بخباثة:
آه.. صحيح، الحاجات دي بتتنقل بسرعة، بس مش لأي حد.
رغم محاولتها إخفاء ارتباكها، إلا أن يدها امتدت لا إراديًا نحو كوب الشاي الموضوع أمامها، رفعته إلى شفتيها لتخفي رعشة خفيفة، لكنها شعرت بنظراته تحاصرها… وهو يسألها بنبرة شك:
عرفتي منين يا إبتهاج.، إنتِ بتروحي فين من ورايا.
ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تضع الكوب على الطاولة، ثم قالت بتردد مصحوب بمحاولة للتملص:
والله عرفت صدفة كنت فى السوق بشتري خُضار و سمعت الخبر وفرحت بيه.
ابتسم عزمي نصف ابتسامة، تلك التي تحمل وراءها ألف سؤال وألف احتمال، ثم قال بنبرة بطيئة لكنها ثقيلة بالمعاني:
طيب يا سِت ابتهاج، لو سمعتِ حاجة تانية.. برضو قوليلي، ها.
أومأت برأسها سريعًا، بينما كان قلبها يخفق بقوة، متساءلة إن كان قد صدقها أم أنه فقط يمنحها مساحة كافية لتورط نفسها أكثر…أخفت توترها الزائد وهي تنهض من على الأرض قائلة:
الفحم إنطفي هجيب غيره من المطبخ.
غابت عن عيناه بينما هو يتابع سحب نفس آخر من الأرجيلة ببطء، وعيناه مسلطتان على البخار المتصاعد أمامه، لكنه في الحقيقة لم يكن يرى الدخان، بل كان يحاول تحليل الموقف… إبتهاج مش ساذجة، وعمرها ما كانت تنقل كلام لمجرد النقل…فكّر في نفسه وهو يمرر أصابعه على لحيته القصيرة.
حرك الخرطوم بين يديه، ثم ضرب طرفه على حافة الطاولة بحركة غير مقصودة، وكأنها ترجمة لحيرته…
عاد بظهره للوراء، مسندًا رأسه للحائط، وهو يردد في داخله:
الموضوع مش داخل دماغي.
بنفس اللحظة، عادت ابتهاج تحمل بيدها ملقط الفحم وطبق صغير به قطع جديدة متوهجة، فوضعتهم على المنقد أمامه قبل أن ترفع نظرها إليه بحذر، متسائلة إن كان قد نسي حديثهما أم لا… لكنه باغتها بسؤال آخر، هذه المرة بنبرة أكثر هدوءًا لكنها أكثر ضغطًا أيضًا:
والناس كانت بتقول ايه فى السوق كمان.
توترت إبتهاج مجاوبة:
معرفش أنا جولت اللى سمعته.
نظر لها بشك لكن أخفي ذلك وهو يضع خرطوم الأرجيله على الطاولة ثم جذبها على غفلة، شهقت بخضة سُرعان ما بدلت شهقتها الى ضحكة خليعة وهي ترا تلك النظرة التى تضُخ بالرغبة الشهوانية الواضحة ابتسم وهو يراقب ضحكتها ، قبل أن يمد يده ببطء، ينزع ذلك المئزر عن جسدها ،يُراقب ارتجاف أنفاسها الخافتة…ثم همس بصوت خفيض لكنه محمل بالضغط ذاته:
متأكدة إن ده كل اللي سمعتيه.
أخفضت عينيها سريعًا وأومأت برأسها قائلة بصوت مهتز قليلًا:
هو ده اللي سمعته… والناس بتتكلم كتير، وكل واحد بيزود من عنده.
لم يقل شيئًا للحظات، فقط ظل يراقبها بصمت، يداه تسير تُعطي دافئًا لجلدها البارد تحت لمساته… التقط أنفاسها ببطء، وكأن صبره بدأ ينفد… وهو يُقبلها بشهوانية، ثم ترك شفتيها قائلًا:
ابقي بعد كده ركزي كويس فى اللى بتسمعيه، وابقي قولي لي لو افتكرتي حاجة تانية، مفهوم.
رفعت وجهها إليه، تنظر له بنظرة مترددة تملأ عينيها، لكنها وجدت في عينيه شيئًا جعلها تبتلع ريقها ببطء… شيئًا جعل قلبها يضطرب من جديد… وأمأت رأسها بقبول… لمعت عيناه كأنه السيد وهي الخاضعة، شعور مُميز من تلك الرهبة الذى يراها بعينيها، شعور مفقود لديه مع زوجته الأولى وأم إبنيه التى يشعر أنها إمرأة جليدية بلا مشاعر أنثوية رقيقة، عكس تلك الخاضعة التى أسفله، شعور بالنقص هي تُكمله، بل تُغرقه فيه حتى ينسى كل ما افتقده من سطوة… يُدرك أنها ليست مجرد استسلام، بل استسلام مشوب بالخوف والتردد، لكنه استسلام رغم ذلك… نظر إليها بعينيه الحادتين، متلذذًا بذلك التباين بين قوتها الخارجية وبين الرهبة التي تتملكها الآن… تلك الرجفة التي تسري في أوصالها لم تكن فقط من رهبة الموقف، بل من شيء آخر… شيء يجذبها نحوه رغم كل محاولات عقلها للهرب… تراه سيدًا بالفعل، ليس بالقوة فقط، بل بقدرته على جعلها تستجيب له، على أن يفرض حضوره الطاغي حتى دون أن يطلب.
أما هو فشعر بلذة الانتصار. لذة جعلته يزداد تعلقًا بها، ليس كحبيبة ، بل كإنسان يضفي عليه إحساسًا لم يعرفه من قبل… إحساسًا بأنثى تعترف به، تخشاه، وتتهاوى أمامه، رغم كل محاولاتها للصمود…لكن بهذه اللحظة هو السيد المُبجل.
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
ليلًا
لم تستطيع كريمان النوم وهي تشعر بالخوف والقلق على دُرة، ردة فعلها الصامته توجع بشدة، ليتها تصرخ قد ترتاح من ذلك الثُقل على صدرها.. لامت نفسها لما إستسلمت لها و نهضت من فراشها متجهة إلى النافذة، علّها تجد في الظلام سكينة تهدئ من روعها. كان الليل هادئًا بشكل مخيف، لا صوت سوى دقات قلبها المتسارعة. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها وهي تستعيد نظرات دُرة الشاحبة، صمتها الموجع، والبرود الذي غلف ملامحها كأنها تخلت عن كل شيء حتى عن الألم…
أغمضت عينيها بقوة، كأنها تحاول طرد أفكارها، لكن الشعور بالذنب كان ينهشها بلا رحمة… لماذا لم تصرّ على الحديث معها أكثر لماذا تركتها تغرق في صمتها دون أن تحاول كسر جدار الجمود التي تتظاهر به دُرة، والليل ينسحب حتى إقترب الفجر وهي مازالت جالسه تنظر الى ذلك الألبوم تارة تبتسم بعفوية وتارة تسيل دموع الفقدان المريرة…”مختار” تزوجا عن قصة حُب،رغم رفض والدته لها فى البداية بحِجة أنها ليست صعيدية “مصراوية”كما لقبتها”المصراوية الجريئة”
كيف لفتاة بمقتبل العقد الثاني من عمرها وتتغرب بعيد عن أهلها من أجل وظيفة مُمرضة بأحد مشافي المنيا…لكنه كان القدر الذي جاء بها لتلتقي بحبيب عمرها الذي سرق قلبها منذ اللحظة الأولى، بنظراته الواثقة وابتسامته الدافئة التي لم تفارق مخيلتها يومًا… مختار كان مختلفًا بروحه القوية واعتزازه بجذوره الصعيدية…. لم تبالِ بكلام والدته، ولا بالرفض الذي واجهته، فحبها له كان أقوى من أي اعتراض… لكن الحب وحده لم يكن كافيًا ليحميها من قسوة الأيام… كم تمنت لو أن الزمن توقف عند لحظات سعادتها معه ذكري ليلة زفافهم وخجلها الذي غمر وجنتيها حين همس باسمها لأول مرة بصوت يملؤه الشوق… كانت تلك الليلة حلمًا تجسد في الواقع، حيث اختلطت مشاعرها بين الفرح والخجل، وبين الخوف من المجهول والأمل بحياة دافئة في كنفه… لم تكن الأيام كلها، حُب فقط بل مشاعر مُتعددة بينهم، تشعبت بقلوبهم، زواج كان متوقع فشله بأشهر قليلة إستمر ونضج الحُب وتشعب لمشاعر كثيرة، فرحة أول طفلة كانت دُرة شقاوتها وهي صغيرة تعلُقها بـ مختار، ذكري ميلاد باسل رغم صِغر عُمره لكن يمتاز بكثير من خِصال مُختار،
تنهدت كريمان وهي تقلب صفحات الألبوم، تراقب صور الماضي كأنها تبحث عن إجابة بين الذكريات… كانت دُرة أول ثمرة لهذا الحب، طفلة جميلة بعينيها السوداء الواسعتين، لكن شيئًا ما في تلك العيون تغيّر… أصبحت شاحبة، خاوية، كأنها تحمل همومًا ..
ذكريات إنتهت بدموع فُراق جائر، مُختار لم يكُن يستحق تلك النهاية البشعة على يد ذلك القاتل القذر، لكنه القدر
كم تمنت لو استطاعت أن تعود بالزمن إلى تلك اللحظات، حين كان يمسك بيديها برفق، يقسم لها أن تكون سعادتها غايته… ولكن الزمن لا يعود، والواقع لا يعرف الرحمة أغلقت الألبوم.. نهضت تشعر ببعض التقلُصات بظهرها، لم تهتم بها، وقررت الذهاب الى غرفة أول ثمرة جمعت بينها وبين مختار
أغلقت الألبوم ببطء، نظرت إلى خارج الشرفة…ظلام الليل يقترب على الرحيل
مازال ينتابها شعور القلق بل ينهش بضراوة، وضعت الالبوم على الطاولة ونهضت تعلم الى أين، بعد لحظات فتحت غرفة دُرة بهدوء، كانت الغرفة مُظلمة للغاية، شعرت بتوجس وأشعلت الضوء، سُرعان ما خفق قلبها بشدة حين نظرت نحو الفراش كان فارغًا، تجولت عيناها بالغرفة، لم تكُن موجودة، شعرت بقلق سريعًا بدأت بالبحث عنها بين أركان المنزل لكن ليست موجودة، إزداد الخوف والقلق والتوجس، وعقلها يسأل بذهول…
أين ذهبت بهذا الوقت.
❈-❈-❈
أثناء سيرهُ سمع آنين بُكاء، ذهب نحوه سريعًا أشعل ضوء هاتفه ونظر أمامه بذهول قائلًا:
دُرة!
توقعت إنك تجي لهنا.
نظرت له بكراهية حادة قائلة بإتهام مباشر:
إنت السبب، إنت كنت عارف إن الحُكم هيبقي ضعيف، عشان كده سلمت القاتل للشرطة.
أجابها وهو يقترب منها بدفاع:
أنا عملت اللى كان لازم يحصل… ومتأكد لو عمي مختار مكاني كان هيعمل نفس الشئ يا دُرة.
نظرت له بإزدراء وقاطعته بشبه صُراخ:
متجبش سيرة بابا، إنت كداب، إنت خوفت على نفسك.
توجع قلبه وأصبح المسافة صغيرة بينهما، لكنه لم يتراجع… أخذ نفسًا عميقًا محاولًا تهدئتها، لكن دموعها كانت تُخبره أن الغضب ليس الشيء الوحيد الذي تشعر به، بل الخذلان أيضًا.
دافع بصوت هادئ لكنه مُصر:
دُرة، أنا خوفت عليكِ وعلى باسل، مش على نفسي… كنت عارف إن القانون ممكن ميحققش العدالة اللي كنتِ عايزاها، بس لو كنتِ خدتي حقك بإيدك، كنتِ هتضيعي حياتك.
قهقهت بسخرية مُرة ومسحت دموعها بعنف:
حياتي ضاعت من يوم ما بابا وحسام إتقتلوا.
غص قلبه بشدة، رغم أنه كان يتوقع تلك الكلمات… نظر إلى وجهها المتعب، إلى عينيها اللتين رغم الغضب ما زالتا تحملان بريق الألم الذي يعرفه جيدًا توقفت أنفاسها للحظة، لكنها لم ترد،كآن عقلها تائه بين الغضب والحنين، بين الرغبة في الصراخ وبين الرغبة في كتمان ذلك الألم…
نبضات قلبها قلبها تتسارع بعنف، وكأنها تُذكرها بكل لحظة خذلان، بكل دمعة حبستها، وبكل صرخة لم تستطع إطلاقها… لم تكن تريد أن تظهر ضعفها أمامه، لكنها لم تستطع إخفاء ألمها أكثر.
شعر بتهتك نياط قلبه،مد يده إليها بأمل، وكأنه يقترب من نصل حاد قد يجرحه في أي لحظة، همس بصوت مبحوح:
دُرة… أنا مش عدوك.
رفعت عينيها نحوه ببطء، كانت نظرتها مزيجًا من الاحتقار… تكرهه بقدر ما كانت تحتاج الى يد والدها الآن تنتشلها من ذلك التوهان يضمها يُضمد ذلك الوجع الذي يكاد يفتك بها وليته يفعل ذلك وتنتهي… بعين مغشية من كثرة الدموع، تفوهت بصرامة
إبعد عن طريقي يا طوفان، اللى بينا هو الدم اللى إنت ضيعت حقه…
فى اللحظة اللي سلمت فيها القاتل بإيدك.
تصلبت كلماته في حلقه، شعر وكأنها أطلقت عليه رصاصة مباشرة إلى صدره، لكنه لم يتحرك… ظل ينظر إليها بعينين تحملان وجعًا لا يقل عن وجعها.
قال بهدوء قاتل، كأنه يحاول لملمة ما تبقى من روحه:
لو كان بإيدي كنت رجعت الزمن لورا… بس مكنش عندي اختيار تاني، دُرة.
قهقهت مجددًا، لكن ضحكتها كانت أكثر وجعًا هذه المرة، ، وها هي تُعلن انسحابها، أو ربما هزيمتها أمام كل شيء:
لأ، كان عندك اختيار… بس اخترت إنك تفضل خاين
شعر وكأن كلماتها صفعت روحه، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يُتهم فيها بالخيانة، ولن تكون الأخيرة… لكنها الأكثر إيلامًا، الأكثر تمزيقًا لما تبقى منه… كأنها غرست خنجرً

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا