رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 11 بقلم روز امين
رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 11 هى رواية من كتابة روز امين رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 11 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 11 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 11
رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الحادي عشر 11
عالمي مُعتمٌ وشمسي خلف الغيوم تختبئ، حياتي حالكة السوادِ ومصابيحي أكلها الصَدأ، يتوارى قمري وراء السحابِ خجلاً كما المَوصومُ،عفوًا؛ لقد أسأتُ تقدير وصفي ووقعتُ في شِرك الخطأ، في واقع الأمرِ أنا هي الموصومةٌ بجميع الرواياتِ، أنا التي تلاحقني ذنوب الماضي أينما حللتُ، أنا التي يحملني الجميعُ خطاياهم و أوزار سوالفهم ، أنا، أنا هي “زينة”، “إبنة الخطيئة والذنب الذي لا يغتفر.”
خاطرة “زينة البنهاوي”
بقلمي «روز أمين»
____________
فتح الباب ليري رجلاً بالخمسين من عمره، بجسدٍ رياضي ممشوق، سألهُ بفضولٍ حين رأى صمته ونظراتهُ الغريبة:
-أفندم؟
-إنتِ مش عارفني يا يوسف؟… قالها الرجُل بحنينٍ ونظراتٍ تجمعت بهم الكثير من قطرات الدموع ، ضيق بين عينيه يسألهُ مستفسرًا وهو يُشير على حاله:
-وهو المفروض أكون عارف حضرتك؟!
بسط يده للأمام ليحتوي ذقن الشاب ونطق بصوتٍ باكِ:
-أنا أبوك يا يوسف
تراجع للخلف بغتةً لإبعاد كف الأخر وكأنهُ شيئًا مقززًا سيلوثُ برائته، ملامحهُ بقيت ثابتة لم يحرك ساكنًا ولم يظهر عليه أي ردة فعلٍ، بل وضع كفهُ بجيب بنطاله القطني بلامبالاة مما استدعى لاستغراب الأخر لينطق من جديدٍ مكررًا جملتهُ متأملاً لعدم إدراك نجلهِ للخبر:
-أنا أبوك يا يوسف
-سمعتك… قالها بجمودٍ مُميت وكبرياء لتتحول ملامح الأخر لمصدومة فتابع الشاب تحت صدمة الأخر:
-فيه حاجة تانية حابب تضيفها؟
ونظر بساعة يده لينطق بلامبالاة:
-عندي شُغل مهم ومش فاضي.
ابتلع لعابهُ قهرًا ليخرج صوتهُ متأثرٍ وعينين لامعتين بفضل دموعهُ الحبيسة التي تجمعت بفضل لقاء نجله بعد مرور كل تلك السنوات:
-هو ده استقبالك ليا بعد السنين دي كلها يا يوسف؟!
رفع حاجبهُ مستنكرًا ليخرج صوتهُ ثابتًا وبنبرة صارمة سألهُ مبكتًا:
-لا هو السؤال الصح اللي المفروض يتقال في الحالة اللي إحنا فيها، إنتَ جاي ليه بعد السنين دي كلها؟!
بقلبٍ يتمزقُ قهرًا أجابهُ بعينين متأثرتين بصدقٍ يرجع لعشقه لذاك الحبيب الذي طالما امتلك القلب منذ ان طل بوجههٍ البريء على الدنيا وأنار حياتهُ أملاً:
-جاي علشانك يا ابني
-وأنا لا فاكرك، ولا عاوز وجودك في حياتي… قالها بصياحٍ حاد أذهل الرجل ليتابع بقوة وعينين تطلقُ حممًا بركانية لو تُرك لها المجال لانطلقت شراراتها المستعرة وألتهمت ألسنة لهبها ذاك الواقف أمامهُ وحولهُ لكتلة من التوهج:
-فبكل هدوء ياريت تتفضل تمشي.
وأشار بكفه باتجاه باب المصعد الكهربائي:
-وياريت كمان تنسى العنوان ده وتمحيه من ذاكرتك للأبد، وزي ما عيشت حياتك كلها ناسيني، ياريت تكمل جميلك ده للأخر.
وتابع بفحيحٍ مشتعل محذرًا بإشارة من سبابته:
-لأني مش هسمح لك تدمر لي اللي جاي من حياتي زي ما عملت في اللي راح
لم يتوانى في اعطائه حق الرد وتراجع خطوة للخلف صافقًا الباب بقوة بوجه ذاك الذي اتسع بؤبؤُ عينيه ذهولًا من استقبال الفتى وهجومهُ عليه ،نعم كان يتوقع استقبالاً فاتر وهطول أسئلةً كثيرة وعتابًا ولومًا لتركه كل تلك السنوات الطوال دون سؤالًا،لكنهُ أبدًا ما جال بخاطره تلك المقابلة الجافة وذاك الجحود من نجله الذي طالما كان مدللهُ بل والأقرب للقلب من حبل الوتين.
بالداخل توقف بمكانهُ مسلطًا نظراتهِ النارية على الباب، كور قبضتهِ بقوة مفرطة وبات يتنفسُ بصوتٍ عالي وصدرٍ يهبط ويعلو بعنفٍ من فرط الإنفعالِ، وما يشعر به من غضبٍ كامن بأعماق صدره، تعرف على شخصه منذ الوهلة الأولى التي فتح بها الباب ورأهُ مجسدًا بهيئته، فكان يُشبه ملامحهُ كثيرًا للحد الذي جعله يفطن معرفته، أخذ نفسًا عميقًا ثم استدار ليعود للداخل، اتسعت عينيه ذهولًا بعدما لمح تلك البائسة تتسمرُ بوقفتها أمام الحُجرة كصنمٍ، فقط دموعها تتساقطُ بغزارةٍ وجسدها ينتفضُ بقوة مرعبة تظهر مدى الهلع الذي اقتحمها،أسرع بخطواته لينتشل تلك البريئة من الضياع والتشتُت اللذان أصاباها من هول المفاجأة، ضمها لصدره بقوة واحتواءٍ ليلف ساعديه حولها وينطق قائلاً وهو يربتُ فوق ظهرها بحنوٍ ورعاية:
-إهدي يا زينة، خلاص مشي.
بالكاد أنهى جملته لتنتفض بين أحضانه عندما استمعت لصوت طرقاتٍ مرتفعة من ذاك الذي فاق من صدمته وقرر عدم الاستسلام والمحاولة مرارًا حتى يكسب نجله بصفه مهما كلفه الأمر، أطبق على جفنيه بعنفٍ وبات يستغفر الله بهمسٍ طالبًا منه العون في التصدي لذاك الجبان المسمىَ بوالده،تعالت شهقات “زينة” فتحدث كي يحثها على الصمود والاستكانة:
متخافيش يا حبيبتي، هيخبط لحد ما يزهق ويمشي من نفسه
انتفض جسدها من جديد إثر صوت ذاك الغاضب الذي تحدث بعدما خرج سخطهُ عن السيطرة:
-إفتح يا يوسف، عيب قوي اللي بتعمله مع أبوك ده
وتابع بقرعٍ أعلى:
-هي دي الأصول اللي علمتها لك إيثار!،ولا مكانتش فاضية تعلمك بسبب اللي باعتني علشانه؟
لم يتحمل ذكر اسم غاليته بالسوء من ذاك الرجل،إحتدم غضبًا وتحولت ملامحهُ لساخطة،أسرع مهرولاً باتجاه الباب تحت انكماش جسد الأخرى وانقباض قلبها،جذب الباب بعنفٍ ليفتحهُ على مصراعيه واشتدت رياح الغضب بعينيه لينطلق من داخلهما الجحيم،هتف صائحًا بنبرة أظهرت فقدانه للصبر والثبات:
-لازم تحمد ربنا ألف مرة على إني تربيتها هي، لأني لو كنت تربيتك ونفس أخلاقك كنت هتشوف تصرف يليق بيك بجد
بات يحرك رأسهُ بذهولٍ وعدم استيعاب، من ذاك المتمردُ الكارهُ بحق الله، هل هذا نجلهُ الحبيب، من كان أقرب للقلب من الجميع،نطق بشرودٍ وانكار:
-إيثار قالت لك إيه عني كرهك فيا بالشكل ده؟
وتابع متسائلاً بنظراتٍ صارخة متألمة يسعى بها لاستقطاب عاطفة الشاب نحوه:
-صدقت كلام جوزها الحقير وافترائاته عليا يا يوسف؟
تنفس بعمقٍ ليجيبهُ متمالكًا أعصابه:
-إنتَ غلطان يا عمرو بيه، أنا أتربيت صح للدرجة اللي تخليني احكم على الناس بضميري الحي واللي لمسته من تصرفاتهم، مش من شوية كلام يتحكوا لي
-وإنتَ كنت لمست إيه من تصرفاتي يخليك تحكم عليا من قبل حتى ما تسمعني؟!
هتف يوسف بجدية:
-يعني حضرتك مُصر تفتش في الدفاتر القديمة وتستعرضها؟
نطق مؤكدًا على حديثه:
-ومش همشي يا يوسف قبل ما نتكلم وافهمك كل حاجة
-تمام كده قوي…قالها بحدة ثم تنحى جانبًا ليُشير للداخل بكف يده متابعًا بصرامة:
-إتفضل، بس يا ريت تفتكر إن إنتَ اللي طلبت ده بنفسك
ولچ عمرو للداخل يتحركُ بخطواتٍ ثابتة،ليُصدم بوجود تلك المنهارة، توقف بَغتةً يتطلعُ عليها في محاولةٍ منه للإستيعاب، من تلك الفتاة، هل هي لعنتهُ التي تلاحقهُ منذ ولادتها، نعم علم من رجاله أنها تسكن مع يوسف.
كانت تتطلعُ عليهِ بانهيارٍ تام، بدت كمدينةٍ تهدمت أعمدتُها منذ بدء نشأتها، كغارقةٌ لا تُجيد السباحة وكأن أحدهم دفعها بقوة داخل الماء بلا مِراسٍ ،خاضعةً بلا مقاومة ولا حِراك، فقط تستسلمُ لغرقها بهدوءٍ وانكسارٍ مُميت.
أغلق الباب واتجه إليه لينطق متهكمًا:
-واقف ليه يا باشا، مش تروح تسلم على بنتك، ولا،
وأكمل ساخرًا:
-اوعى تكون معرفتهاش؟!
ضحك ليتابع والالم ينهش داخله:
-وإنتَ هتعرفها منين صحيح، ده إيه الغباء اللي أنا فيه ده.
جاهد ليُخرج صوته الذي اُحتجز حرجًا من حديث نجله الساخر:
-ازيك يا زينة
لازال يُحملها أذناب الماضي اللعين حيث تلاحقهُ ذيولهُ للأن، فلولا وجودها ما كانت تركته المرأةِ الوحيدة التي عشق أنفاسها حد الهوس، طالعتهُ بنظراتٍ صارخة تلومهُ بشدة،كانت تود الصراخ لتسألهُ، لما لم يحبها يومًا كشقيقها، ما الذنب الذي اقترفتهُ أياديها لتستحق عليه التجاهل الذي طالما كان نصيبها منه، لما تلك النظرات الفاترة التي تراها الأن داخل عينيه، لا، ليست فاترة، بل رافضة لرؤياها ووجودها، يا الله، إلى متى سأظل أسدد فواتيري الفائتة، إلى متى ستلاحقني أذناب الماضي وذيولهُ اللعينة.
وقف يوسف حائلاً بينهما لينطق بقوة وصلابة:
-واقفة كده ليه يا زينة؟
وتابع بلهجة متهكمة أراد من خلالها إظهار مدى قُبح ما اقترفه بحقهما:
-متجري يا قلب أخوكِ على بابا وتاخديه في حُضنك وتقولي له حمدالله على السلامة
تعالت شهقات الفتاة وانكمشت أكثر محتضنة حالها ليسرع عليها يوسف ويجاورها قائلاً بصياحٍ هز أرجاء المكان:
-كنت بتقولي برة قالوا لك إيه علشان يكرهوك فيا؟
وتابع بكفه:
-أحب أعرفك على بنتك، “زينة”، ضحيتك يا”جلاد الولايا”، الأول أمي، وبعدها المسكينة دي
حاوط كتفيها وتحدث لذاك الواقف متأثرًا جراء الموقف:
-اوعى تكون مستني منها سلام، زينة مش هتيجي لك عارف ليه؟
واسترسل بقلبٍ يأنُ ألمًا لإجلها:
-لأن أختي مريضة بالرُهاب الإجتماعي، أختي بقالها ست شهور بتتعالج عند أفضل دكتور نفسي ومع ذلك مبتتقدمش خطوة واحدة، عارف ليه؟
وصرخ وهو يشدد على تلك التي انفجرت لتتعالى شهقاتها لتقطع بها نياط قلب شقيقها:
-لأنك أب فاااااشل، دمرتها من وهي طفلة وزرعت المرض فيها من صغرها ونميته لحد ما كبر معاها،
دفنت الفتاة وجهها تختبيءُ بصدره ليتابع هو صارخًا بعنفٍ واتهامٍ صريح خالي من اللباقة وأبجديات الأدب بعدما خرج عن السيطرة وما عاد فيه الإحتمال أكثر:
-وكل ده بسبب أنانيتك ونزواتك الحقيرة
توقف ليتابع بهدوء ما قبل العاصفة:
-دي أختي، وده الحال اللي وصلت له بسببك
فرت دمعة من عينيه ليجففها سريعًا رفضًا لانهيار كبريائه أمام ذاك الغريب عنه، لاحت شبح ابتسامة ساخرة على محياه ليتابع:
-تعالى بقى لما أعد لك ذنوبك اللي ورثتها لي ، واقول لك تمن فواتيرك اللي انا سددتها بالنيابة عن معاليك، وإنتَ هايص ومتنعم في فرنسا مع مراتك الجديدة وولادك
خرج صوتهُ بغصة مرة:
-كفاية يا يوسف، أنا مش جاي علشان أسمع منك كده يا ابني
حرك رأسه يسأل باستنكار:
-امال جاي علشان إيه، فاكرنا هُبل واول ما هنشوفك هنجري عليك ونترمي في حضنك ونقول لك حمدالله على السلامة يا بابا؟
– يلا بينا نعيش كلنا في بيت واحد، إحنا ومراتك وولادك علشان نعوضك سنين الغربة وندوق مع بعض نعيم دفى العيلة
كاد ان ينطق فصرخ يوسف من جديد ليسترسل بحدة واصرار:
-وأه لازم تسمع اللي أنا عاوز اقوله، علشان تشوف إنتَ وصلتنا لإيه
وتابع بفحيحٍ كالأفعى:
-إنتَ دمرتني، تاريخك وتاريخ عيلتك المُحمل بالذنوب والخطايا ضيع كل أحلامي
أكمل مسترسلاً باستسلام وعيون تملؤها غشاوة دمعاتٍ تأبى النزول إمتثالاً للكرامة:
– كنت عايش مرتاح ومرتب لمستقبلي ومخطط له بالورقة والقلم، ذاكرت واجتهدت واشتغلت على نفسي، حلمت أكون وكيل نيابة شريف زي أبويا وجدي اللي ربوني وزرعوا فيا المبادئ والأخلاق الحميدة
احتدت ملامح عمرو واكفهرت حقدًا ليتابع الشاب بوتيرة أقل عنفًا:
-لحد ما خلصت الثانوية العامة، وهنا كانت صدمتي لما حبيت أقدم في كلية الحقوق
هز رأسه بأسى وتحدث بضياعٍ وقلبٍ يصرخ ألمًا:
-ماضيك ضيع لي الحاضر والمستقبل، ضيع حلمي ومكتفاش بكده
وهنا نزلت دموعهُ التي جاهد بحجزها لكنها بالنهاية تدفقت لعدم قدرتها على الصمود عند ذِكر الحبيبة:
-سيرتك واسم عيلتك ضيعوا مني حبيبتي اللي عيشت عمري كله أحلم باليوم اللي هيجمعني بيها.
ابتلع لعابهُ وتحدث بقلبٍ يتمزق لاجل ابنهُ الحبيب:
-أنا رجعت لك يا حبيبي وهعوضك، هعوضك عن كل حاجة يا يوسف
وتابع متلهفًا لإغرائه:
-أنا راجع بفلوس كتير قوي يا يوسف، فلوس من كترها خلتني أتحكم في بعض رجال السلطة وأبقى صاحب قوة ونفوذ اكتر منهم هما نفسهم
وتابع بزهوٍ وعينين متسعتين بصلابة وإغواء:
-يعني أي حاجة هتتمناها باشارة واحدة منك هنفذها لك في الحال.
أخذ نفسًا مطولاً قبل أن يقول بنبرة إنهزامية:
-للأسف مفيش فايدة، كنت فاكر إني بتكلم مع إنسان عنده شعور وبيحس
واسترسل بابتسامة ساخرة:
-طلعت بهلك طاقتي على الفاضي
وتابع بتبكيتٍ:
-بحكي لك عن كم الخزلان والوجع اللي جوانا،وإنتَ بتكلمني عن الفلوس ونفوذك اللي عرفت تكونها بفلوسك المشبوهة،جاي تستعرض تأثيرك الجبار على ضعاف النفوس الخونة اللي قدرت تسيطر عليهم بالمال الحرام، وتخليهم يبيعوا ضمايرهم ويشتروا رضاك
تطلع لتلك التي مازالت تختبئ بداخل أحضانه وتحدث:
-ده أنتَ قلبك محنش حتى على المسكينة اللي منهارة بسببك واتحركت وخدتها في حضنك،هو أنتَ للدرجة دي مُجرد من المشاعر؟!
-دي بنتك،لحمك ودمك…قالها بعدم استيعاب لجحوده ليتابع:
-طب بالنسبة لي هلاقي لك عُذر إنك على الأقل كنت مطمن عليا مع أمي، وعارف إنها حِصني المنيع اللي هتبلع أي حد يحاول يقرب بس مني، مش يأذيني
ومال برأسهِ متأثرًا:
-لكن المسكينة اللي رميتها واتخليت عنها وسيبتها تواجه مصيرها المجهول!
-مخطرش على بالك إن ممكن محدش من عيلتك يتقبلها وتترمي في الشارع لكلاب السكك تنهش في لحمها؟!
اعتراهُ شعور الخزي من حديث نجله المهين لكرامته كرجل، لكنه تمالك من حاله وتحدث بخفوت:
-أنا كنت متأكد إن عمك حسين مش هيسيبها، وحتى لو هو سابها جدتك إجلال كان لايمكن تتخلى عنها
حرك رأسهُ عدة مرات بخيبة أمل ليجيبه وشبح ابتسامة متهكمة لاحت بجانب ثغره:
-مصدقك طبعاً،بدليل إنها مسألتش عنها ولا فكرت تشوفها ولو لمرة واحدة من يوم ما خرجت مع عمي حسين.
تنهد والألمُ حل بقلبهِ حين تذكر ما عانته والدته،لقد تحول تجبرها لذُلٍ طاح بكبريائها وغرس به تحت أقدام الجميع، وبعد أن كانت تتحكم بمصائر جميع من حولها، أصبحت تحت رحمة جُل المحيطين وأولهما شقيقها وزوجته التي نصرت أزهار عليها، مما أصاب الأخرى بالغضب والقهرة، تحدث بعينين ظهر بعمقهما التألم:
-إنتَ أصلك متعرفش حاجة يا ابني،جدتك اتعرضت لأبشع أنواع الخيانة، جدتك إجلال أخوها اللي من دمها حدد إقامتها،فرض عليها إقامة جبرية في بيته وحتى الشارع اتحرم عليها،وكل ده علشان متخرجش وتنتقم من ولاد أزهار اللي غدرت بجدك وق*لته في سجنه
لم يدع له المجال لاستكمال قصته المخجلة ليصرخ مشمئزًا:
-كفاية،مش عاوز أسمع قصص عيلتك ،إنتَ إيه،مش مكسوف وإنتَ بتحكي عنهم بالشكل ده؟!
حرك رأسهُ بهزيانٍ مستنكرًا رفض الفتى لكل مبرراته وتحدث:
– بنت غانم وجوزها الحقير عملوا فيك إيه خلاك تكرهني وتكره عيلتك بالشكل ده.؟!
قاطعه بحدة مدافعًا:
-متجيبش سيرة أمي على لسانك،أمي هي الحاجة الوحيدة اللي تشرف في تاريخ حياتي كله
تألقت عينيه بوميض مُشرق وهو يتحدث بفخرٍ عن سيدة النساء بعينه:
-أمي كانت شعاع النور اللي خد بإيدي ووصلني لطريق النجاة، لولاها يا عالم كان زماني بقيت إيه
وتابع بما أحرق قلب الأخر:
-والراجل اللي إنت عمال تهاجمه من وقت ما جيت، رباني على إني أكون راجل من صُغري، عمره ما فرق بيني وبين إخواتي منه، لدرجة إن مع السنين صدقت إني إبنه بجد ونسيت كل الماضي،وجدي علام زرع فيا كل الصفات المحترمة،علمني إني اتقي ربنا في كل حاجة أعملها علشان يبارك لي فيها،وأحط ربنا قدام عيوني طول الوقت واتحصن بيه
-هو ده اللي عمله بابا معايا… قالها وهو ينظر بعيني الأخر الذي انفجر رافضًا وهو يهرول عليه محاولاً جذبه لأحضانه:
-بابا مين يا يوسف، أنا بابا، أنا اللي أمك ظلمتني لما راحت رمت نفسها في حُضن وكيل النيابة ومشيت معاه على حل شعرها
دفعه الفتى ليبعده وصرخ مستنكرًا:
-إخرس، متجبش سيرة أمي على لسانك، أمي اشرف منك ومن عيلتك كلها
هتف الأخر بحدة:
-هي دي الحقيقة يا ابني، حتى اسأل إخوالك، روح لخالك عزيز واسأله هو ليه حبسها هو وجدته واخوالك بعد مو*ت جدك غانم، لما عرفوا انها ماشية مع وكيل النيابة وهتفضحهم، حبسوها وكلموني جبت المأذون وكنت هكتب عليها تاني واخدك علشان تعيش في حضني
وتابع بافتراءٍ:
– غفرت لها خيانتها ومشيها الشمال علشانك إنتَ يا يوسف
صرخ الفتي من جديد مستنكرًا تحت دموع زينة وانتفاضة جسدها بقوة ونظراتها الزائغة المتفرقة بين كلاهما:
-إسكت يا ضلالي يا كذاب، أمي أشرف ست في الدنيا كلها
صرخ بصرامة:
-لا مش هسكت يا يوسف، و زي ما ملوا دماغك من ناحيتي وسمموك هفضحهم وهكشف سترهم قدامك، علشان تعرف حقيقتهم الـ….. هما الاتنين
وتابع بحقدٍ دفين ظهر بنظراته الساخطة:
-الهانم أمك كانت متجوزاه بورقة عرفي ودايرة معاه في الشقق المفروشة
اتسعت عيني الفتي فتابع بخ سمه مسترسلاً افترائه الكافر:
-ده مش كلامي يا ابني، ده كلام الكلب اللي اسمه فؤاد لما دخل علينا واحنا بنكتب الكتاب، ولو مش مصدقني روح اسألها هي والبيه وأكيد مش هينكروا لأن فيه بدل الشاهد عشرين، ولا روح اسأل جدتك منيرة وخالك عزيز وهما هيأكدوا لك كلامي،ولما حاولت أخدك منهم جوزها لفق لي تهمة وحبس عمك طلعت وأنا هربت
وتابع بعينين متألمتين وقلبٍ يئنُ ألمًا:
-هربت وسيبتك غصب عني يا يوسف
-إنتَ إيه، الشيطان موكلك بالنيابة عنه…. جملة نطقت بها الفتاة بتوترٍ وصوتٍ مرتبك لتتابع وهي تتطلع باشفاق على شقيقها التائه:
-مش مكفيك انك دمرت كل حياتنا
تحركت تجاور شقيقها تتشبثُ بذراعه بقوة لتحتمي به وتمدهُ بالقوةِ أيضًا:
-سيب لي أخويا بخير وامشي، الله يخليك تمشي وتسيبنا في حالنا.
التفت للفتاة وانتبه لشيءٍ مهم، قرر استخدام دهائه معها بعدما علم بمدى أهمية مكانتها لدى نجله الغالي:
-أنا مش جاي علشان أأذيكم يا زينة، أنا جاي أعوضكم عن كل اللي فات، وإنت بالذات
واستطرد بإغراءٍ لاغوائها:
-أنا هحولك لواحدة تانية، هخلي الكل يتكلم عن زينة عمرو البنهاوي والرفاهية اللي بقت عايشة فيها، هاخدك تعيشي معايا في الكمبوند، هعلمك السواقة وهجيب لك عربية أحدث موديل، هغرقك لبس وجواهر وهنقلك بنفوذي لجامعة خاصة تليق بإسمي
وتابع معتذرًا بعينيه:
-هعوضك يا بنتي عن كل اللي فات
وتابع بصوتٍ نادم:
-صدقوني أنا جاي أعوضكم، وكل اللي محتاجه هو حُضنكم وإنكم تقفوا في صفي.
نطقت بدموعٍ وجسدٍ متيبس:
-أنا مش عاوزة منك أي حاجة، أنا عايشة مع أخويا ومش عاوزة غيره
وتابعت وهي تشدد من تشبثها به تحت تأثرهُ:
-يوسف الوحيد اللي حسسني إني إنسانة وعاملني على إني بني أدمة من لحم ودم، لأول مرة في حياتي حد يهتم بيا
نظرت بعيني شقيقها وتابعت مسترسلة:
-في حُضنه عرفت يعني إيه حنية ويعني إيه اطمئنان، الوحيد اللي حسيت وأنا معاه إني مطمنة
حولت بصرها صوبهُ ثم مالت برأسها جانبًا لتتابع باستعطاف:
-الله يخليك تمشي وتسيب لي أخويا كويس،الله يخليك
احتدم الشاب وقرر إنهاء ذاك اللقاء المُضني لجميعهم، أفلت ذراعه من قبضة زينة وتوجه مسرعًا صوب الباب ليفتحه مشيرًا للخارج وبصوتٍ صارم تحدث:
-المقابلة انتهت،خدت أكتر من وقتك ولحد هنا وخلص الكلام
ثم تابع بوتيرة أعنف وهو يرمقهُ بشراسة بعدما رأى تسمرهُ:
-اتفضل علشان عاوزين ننام
تحرك إليه بخطواتٍ واثقة إلى أن وقف أمامه ليتحدث بقوة:
-أنا همشي يا يوسف بس هرجع تاني وتالت وعاشر، ومش هبطل أحاول لحد ما أرجعك لحضني تاني
وتذكر تعلق نجله بابنة “سُمية”فتحدث لاستقطاب مشاعره:
-إنتَ وزينة ولادي، ومحدش يقدر ينكر ده، ومع الوقت هتكتشفوا الحقيقة وانكم ظلمتوني لما صدقتوا الاشاعات اللي طلعوها عليا علشان يشوهوا صورتي في عنيكم
يا الله، من أي مادة مصنوعًا أنتَ يا رجُل، ألم تكتفي من الكذب وإلقاء التهم على الأخرين بَعد، لك من الله ما تستحق أيها المخادع
بالكاد خطى بساقيه للخارج ليصفق الباب خلفهُ بقوة ونارًا مستعرة تحرق قلبهُ لما استمعهُ عن والدته من ذاك الحقير،توجه لشقيقته وتحرك بها إلى ان وصلا للأريكة فساعدها على الجلوس، ثم اتجه إلى حجرة تجهيز الطعام وبعد قليل حضر ومعهُ كأسًا من الماء وبعض الأدوية الخاصة بها، وتحدث وهو يُفرغ أحد الاقراص:
-خدي الدوا بتاعك وهتهدي على طول
بيدٍ مرتجفة تناولت القرص وساعدها هو بالتمسك بالكأس لترتشف بعض الماء التي نزل بعضها فوق ثيابها لشدة الاتباك، جاورها الجلوس فتحدثت وهي تتمسكُ بكفه:
-إوعى تكون صدقت الكلام اللي بباك قاله يا يوسف
صمت فتابعت بعينين صادقتين:
-لو أمك ست خاينة زي ما قال، كنت أنا أول واحدة هعرف، بحكم عيشتي مع عمي حسين،
وتابعت بتأكيد:
-والله العظيم خالتي مروة ما كانت بتجيب سيرة مامتك غير بكل خير، وكانت دايمًا تحكي لنا قد إيه ابوك ظلمها وهي استحملت، وكمان جدتك واللي عملته فيها
بهدوءٍ مريب ونظراتٍ غامضة نطق:
-متشغليش بالك بيا يا زينة، أنا كويس يا حبيبتي
نطقت بارتياب:
-هو أنا ليه حاسة انك صدقته يا يوسف
التفت يطالعها بعينين تطلق شزرًا:
-أصدق إيه وكلام هبل إيه يا زينة، أنا عارف إنه بيكذب وبيفتري عليها، ومتأكد إن أمي أطهر من إن سيرتها تيجي على لسانه الزفر
وتابع بقلبٍ نازف:
-أنا بس موجوع لأني مقدرتش أوقفه عند حده
امتلئت عينيه بالقسوة ليتابع بقسمٍ ووعيد:
-ورب العزة لولا إنه أبويا لكنت ق*لته ورميت جتته لكلاب الشوارع تنهش فيها
بات يتنفس في محاولة منه لضبط انفعالاته ثم تابع بهدوء:
-قومي ادخلي اوضتك وحاولي تنامي، علشان تقومي فايقة لجامعتك
اومأت بعدما شعرت لحاجتها للنوم بفضل الادوية المهدئة التي تناولتها للتو
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
نزل بالمصعد الكهربائي ليجد اسطول حراسته بسياراتهم الخاصة بانتظاره أمام البناية تحت استغراب المارة بتلك المنطقة المتواضعة، تنهد براحة وتحرك إلى سيارته الخاصة فقام احد الحراس بفتح الباب الخلفي ليتخذ مقعده وما أن أُغلق الباب حتى ابتسم بشرٍ وتفاؤل لما رأهُ من تشتت ظهر بنظرات الفتى، استمع لصدوح هاتفه فرد على الفور قائلاً:
-إيه يا حبيبتي
ردت متلهفة لمعرفة آخر المستجدات:
-إي حياتي،طمني،شو عملت مع يوسف؟
وتابعت مستفسرة:
-عطاك فرصة لتحكي معه؟
تنفس بضيقٍ ليجيبها:
-المقابلة مكانتش كويسة أكيد، بس بالنسبة لي بداية معقولة
وتابع بنبراتٍ تحملُ الأسى كمجني عليه:
-أهم حاجة إني قولت له على كل اللي عملته الخاينة وجوزها معايا
تنهدت بأسى لأجله لتنطق بمؤازرة:
-خليك متفائل يا قلبي ، كل شي مع الوئت بينحل ، بكرة بيعرف الحقيقة ويلي تآمروا عليك ليشوهو إسمك، هِنُن اللي راح يدفعوا التمن، لما تنكشف ألاعيبن الوسخة ويعرف يوسف أديش ظلمك لمن صدق افتراهن عليك
وتابعت بتفاخر وزهوٍ بذاك الحبيب تحت ابتساماته:
-مع الوئت راح يتأكد إن عنده أب بيجنن ومافي منه، وأنا رح ساعدك، إنتَ حد كتير حنون يا تؤبرني، وأنا كتير فخورة إنك بي لنور وسَليم
وتابعت بهيامٍ ظهر بصوتها:
– يوسف ونور وسَليم كتير محظوظين إن إلهن بي أبضاي متلك حياتي.
تحمحم لينتبه أنه ما ذكر لها على الإطلاق أن لديه ابنة غير يوسف،فدائمًا يراها نقطته السوداء بتاريخه،لذا يتجنب الحديث عنها أو ذكرها حتى لزوجته، لكنه مجبرٌ الآن لإخبارها بالأمر بدلاً من معرفتها من الخارج،نطق كي يغير مجرى الحديث:
-حبيبة قلبي يا رولا،ربنا يخليكِ ليا،المهم،عاوزين نرتب أمورنا ونحضر لهجمتنا علشان نضرب ضربتنا وتصيب صح
تطقت بتوعدٍ:
-لا تعتل هم، أنا عم جهزلُن خطة راح تقضي عليهن تنيناتن وتچيب أخرتن…وتابعت بغرورٍ وزهو:
-بس إنتَ لا تهتم، معك مرة بتجنن، واقفة بضهرك ومعك للمو*ت.
برغم سعيه للانتقام وعدم الالتفات لغيره، إلا أنهُ شعر بزهوٍ وكبرياء من عشق تلك شديدة الجمال له، وأقسم داخلهُ لولا عشق تلك الإيثار الذي استوطن داخلهُ وجرى بعروقهِ كالدماء، لكان عشق تلك الشقراء التي قدمت لهُ كل ما يجعل رجلاً مثلهُ سعيدًا، لكن قلبهُ خُتم بلعنة إيثار وانتهى الأمر.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بمنزل الحاج محمد ناصف،يترأس مجلس العائلة التي اجتمعت بناءًا على طلبه لبحث عودة “عمرو البنهاوي”للقرية واحتمالية ملكيتهُ للمطعم المجهول،هتف أحد رجال العائلة بحمية:
-إبن نصر البنهاوي لو نزل البلد يبقى قول على كرامتنا واسم عيلتنا يا رحمن يا رحيم
وتابع بتشددٍ:
-إنتَ لازم تمنع الواد ده بكل قوتك يا حاج
ضحك احدهم لينطق ساخرًا وهو يهز رأسهُ:
-باين عليك كبرت وعقلك فوت يا عبدالسلام، قوة مين اللي عاوز الحاج محمد ناصف بجلالة قدره يقف بيها قدام الواد عمرو؟!
وتابع مشمئزًا:
-حقا بطلوا ده واسمعوا دا يا ولاد،ده الزمن جاب اخره خلاص، مبقاش إلا الفلاتي بتاع النسوان كمان اللي هنعمل له حساب
-طب تصدقوا بمين؟
رد الجميع بصوتٍ متناسق:
-لا إله إلا الله
استرسل متهكمًا:
-انا أصلاً مستكتر جمعتنا دي على عيل شمال زيه
تعالت القهقهات المتهكمة لينطق”محمد” بجدية ووجهٍ عابس:
-سيبك من الهزار وخلينا نتكلم جد يا عويس
انتبه الجميع ليتابع مسترسلاً:
-الإفتتاح بتاع المطعم اللي جنب مطعم ولاد غانم الجوهري بعد يومين،إحنا لازم نتجمع كلنا ونقف بسلاحنا عند المطعم
وتابع:
-علشان لو طلع بتاعه زي ما أنا شاكك، نبقى موجودين ونقطع رجله قبل ما يفكر يدخل الكفر هو ولا حد من اخواته.
-هو ده الكلام الصحيح يا حاج… قالها أحدهم ليتابعوا الحديث تحت تنصت تلك العجوز الشمطاء المستندة بأذنها خلف الباب لتسترق السمع وترسل ما قيل لنجلها، ارتعبت عندما أمسكت شريفة كتفها وهي تقول:
-نهارك مش فايت يا إجلال
التفتت تطاعها بعينين جاحدتين لتتابع الاخرى:
-إنتِ بتتصنطي على أخوكِ والرجالة يا ولية يا خرفانة؟!
واسترسلت مستنكرة فعلتها:
-ده انا مصدقتش العيال الصغيرة اللي جم يجروا عليا ويقولولي إلحقي يا جدة، جدتي إجلال بتتسنط على جدي محمد في المندرة
أشاحت بكفها وتحركت للداخل لتنطق لتلك التي تلحق بخطواتها:
-إتهدي يا شريفة وابعدي عن وشي الساعة دي
لتتوقف بغتةً ثم تابعت بتهديد:
-وبلاش تضايقيني علشان حسابك ميتقلش معايا،وقت الحساب وجب يا بومة،روحي شوفي لك خرابة استخبي فيها يمكن انساكِ في عز المعمعة اللي هتحصل
احتوت فكها بأصابعها لتقول باستهجان:
-باينك كبرتي وخرفتي يا إجلال، معمعة إيه اللي هتحصل يا ولية، يا خسارة يا ولاد، بقى دي إجلال بنت الحاج ناصف اللي البلد كلها كانت بتحلف بعقلها اللي يوزن بلد، صحيح دنيا دوارة
كانت تتحرك بصعوبة لكِبر سنها فهتفت بفحيحٍ محذرة:
-يا ولية قولت لك غوري من وشي بخلقتك اللي تقطع الخميرة من البيت دي.
دقت بكفها على الأخر لتهتف بحدة وغيظ:
-ماشي يا إجلال،هغور،بس والله ما تروحي تتصنطي على الرجالة تاني لاكون قايلة للحاج محمد، وهو يشوف شغله معاكِ.
شيعت رحيلها بعينين حادة كالصقر لتهمس لنفسها:
-نيلة عليكِ وعلى الحاج محمد بتاعك.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
يجلس بغرفته بعدما اطمئن على زينة، قلبهُ مشتعلاً بنار الغضب، كلما هدء قليلاً تذكر كلمات ذاك الحقير عن والدته وهي تترددُ داخل أذناه لتهب عاصفة ناره ويشتعل صدرهُ من جديد، استمع لصدوح هاتفه فنظر إليه وجدها والدته، تأفف وضغط زِر كتم الصوت،زفر بقوة وأرجع شعره للخلف بحدة كادت أن تق*لعه من جذوره، أمسك بهاتفه وأتى برقم حبيبته”بيسان”، كم شعر بشدة احتياجهُ إليها والحنين لنبرات صوتها، يحتاجُ للحديث معها الآن وبشدة، تذكر عشقها الهائل له وكيف كانت تُترجم على هيئة أفعالٍ واهتمام، لقد عشقها بكل ذرةٍ بكيانه، عشق غرامها الهائل له، تفهمها حنينها عليه، جال بخاطره كل مواقفهما وكيف كانت تخرجه بكل سلاسة من حالات الضياع حين تتملك منه، بمجرد نظرة حنون من عيناها كانت تنتشله من الحزن وتعود ضحكاتهِ تصدح من جديد وتملئ الدنيا مرحًا، يا الله، كم تغير وأصبح شخصًا لا يشبههُ سوى بالملاح فقط، ليته بقي على حاله ولم يتعرف على ذاك الماضي اللعين، يا الله كم كانت تشبه الجنة ومع رحيلها تحولت حدائقهُ المزهرة لصحراءٍ كاحلة
فكر مليًا بالظغط على زِر الإتصال لكنهُ تراجع باللحظة الأخيرة، توقفت كرامتهُ حائلاً بينهُ وبين الحياة، فحقًا هي بالنسبة إليه الحياة، ألقى برأسه للخلف بقوة فاصتدمت بظهر التخت ليغمض عينيه مطلقًا زفرة عالية أظهرت كم احتراق روحه.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
ولچ فؤاد إلى غرفته بعد جلسة عمل قضاها مع والدهُ بحجرة المكتب، وجد حبيبته تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا ممسكة بهاتفها تنظر بشاشته والتوتر يسيطر على ملامحها، سألها بجبينٍ مقطب:
-مالك يا حبيبتي؟
أجابتهُ وكأنها تشتكي إليه مُر زمانها:
-اتصلت على يوسف تلات مرات مبيردش عليا
هرولت إليه وتابعت مترجية بعدما احتوت كفيه:
-كلمه إنتَ يا فؤاد
ربت على كفها وتحدث:
-مهو لو هيرد من الأولى يرد عليكِ إنتِ يا حبيبي
نطقت على عجلة:
-إنتَ غير، هو بيحبك وبيحترمك، ولما بتتصل بيه في أي وقت بيرد، لكن أنا ساعات بيبقى عنده شغل ويطنش مكالمتي، ولما يفضى بيكلمني
زفر بهدوء ليجيبها بترقب:
-عاوز أقول لك على حاجة بس توعديني متتوتريش
ما هي إلا ثواني والذعر ملئ عينيها لتهتف وهي تشدد على كفيه بقوة غارسة أظافرها بهما دون شعور:
-ابني جرى له حاجة يا فؤاد؟، أنا كنت متأكدة، من الصبح وأنا قلبي واكلني عليه ومش مرتاحة
-يا حبيبي إهدى، الولد كويس وفي شقته
حركت راسها باستفهام:
-أمال إيه اللي حصل؟
نطق دون مقدمات متعمقًا بمقلتيها:
-“عمرو البنهاوي “زار يوسف وزينة النهاردة
بمجرد نطقه لحروف ذاك الوغد انقبض قلبها، ابتلعت لعابها تسأله بتلعثم:
-يوسف هو اللي كلمك وقال لك؟
حرك رأسهُ نافيًا لتتابع بتمعن:
-أمال عرفت منين؟!
-من وقت ما عرفت برجوعه عينت حراسة تراقب بيت يوسف
وتابع محذرًا:
-إيثار، الكلام ده هيفضل بينا، مش هيوصل ليوسف، إنتِ عارفة دماغ إبنك كويس، لو عرف اني معين له حراسه هيزعل واحتمال يقاطعني فيها، مش هياخدها من باب خوفي وحرص عليه، هيتهمني إني بتعدى على خصوصيته
نطقت بامتنان واستحسان لتصرفه:
-مش هجيب سيرة لأي حد صدقني، المهم أنا كده قلقت أكتر
-ليه يا بابا؟
أجابته بذُعرٍ يرجع اسبابه لمعرفتها لمدى حقارة زوجها السابق:
-عدم رد يوسف على مكالماتي خصوصًا بعد زيارة الحقير ده ليه، شئ مُرعب
تحرك بجانبها إلى أن وصلا لحافة الفراش ليجلسا ثم تحدث بعقلانية:
-الاول خلينا نكون واقعيين ونتكلم بالعقل
وتابع تحت ترقبها:
-إحنا عارفين إن مقابلة يوسف بأبوه كانت لازم هتحصل،إنتِ مش هتقدري تمنعي أب يشوف إبنه يا إيثار
ظهر التوتر جليًا برغم محاولاته لطمأنتها لتنطق بصوتٍ مهزوز:
-ده إنسان حقير وخبيث،يوسف برئ ونقي ومش قد ألاعيبه، أكيد هيحاول يشوه صورتي في عنيه علشان يبعده عني
وتابعت بهلعٍ وقلبٍ ينتفضُ من شدة الفزع:
– وبكدة يكون انتقم مني أشد انتقام، وعرف يدمرني ويقضي عليا بجد
تحدث بهدوء ليزيد جرعة الطمأنينة:
-اللي في دماغك ده عمره ما هيحصل، لسبب بسيط جداً، يوسف راجل يا إيثار، متربي كويس وميتخافش عليه
-طب تفسر بإيه عدم رده عليا؟!
نطق يجيب سريعًا:
-يا حبيبي إدي له وقته وبلاش تضغطي عليه
وتابع موضحًا:
-أنا لما بقول لك إن يوسف متربي وميتخافش عليه ده مش معناه إنه مش هيتأثر، بالعكس، الموضوع صعب وجدًا كمان، الولد بيشوف ابوه لأول مرة يا إيثار، يوسف كان صغير لما اتجوزنا وحرفيًا نسي كل ذكرياته اللي كانت مع عيلته لما اندمج معانا، فأكيد اللقاء هيكون أصعب مما نتخيل على نفسية يوسف وزينة
وتابع:
-ضيفي على كل ده، إن الراجل اللي يوسف قابله ده كان سبب رئيسي في ضياع أغلى حلمين على قلبه
لم تتحمل تخيلها لمشاعر ولدها الحبيب فهطلت دموعها ليسحبها بأحضانه فخرجت سريعًا تنطق برجاءٍ:
-وديني عند يوسف يا فؤاد
-مش هينفع، سيبي الولد يعيش مشاعره من غير ضغط يا إيثار، بلاش تحسسيه إنه محاصر علشان مينفرش ويهرب منك
شهقت وزاد انهمار دموعها ليربط على كتفها بحنوٍ:
-علشان خاطري متعيطيش، إنتِ عارفة إني بتجنن وبحس بالعجز لما بشوف دموعك.
نطقت بترجي أظهر هلعها:
-خليك جنب يوسف يا فؤاد، بلاش تسيب عمرو يستفرد بيه وياخده مني
بمجرد خروج حروف اسمه من بين شفايفها اشتلعت نار الغيرة بجسده بالكامل، وبرغم تعاطفهُ الكبير معها إلا انه نطق بغضبٍ جحيمي انطلق من مقلتيه وهو يسب الاخر بأبشع الألفاظ:
-أخر مرة أسمع إسم الـ….. ده على لسانك، ولو حصل
وضعت أصابعها سريعًا فوق شفتيه الغليظة تمنعه من الحديث لتنطق في محاولة لاحتواء ذاك الجحيم المشتعل:
-غلطة ومش هكررها تاني، صدقني يا حبيبي
وتابعت متوسلة بدموعها:
-بس أوعدني إنك مش هتسيب يوسف
زفر بقوة محاولاً السيطرة على غضبه:
– هو انتِ فاكرة إن يوسف ده ابنك لوحدك، ده أبني اكتر منك يا إيثار، ولا يمكن هفرط فيه أبدًا
ألقت بجسدها داخل أحضانه تحتمي بهما من غدر الدنيا وقساوتها ليشدد هو عليها قائلاً:
-تحبي أملى لك البانيو ماية سخنة تهدي أعصابك شوية
حركت رأسها بنفيٍ:
-مش قادرة، أنا هحاول أنام يمكن أهدى
جهز لها الفراش ودثرها بالغطاء بعد ان جاورها لتضع رأسها فوق صدره ويلف هو ذراعه حولها باحتواء.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بمنزل دكتور “ماجد”
كان يتحرك بالحديقة يدخن سيجارهُ بشراهة تحت نظرات بيسان المراقبة له من خلف الحائط الزجاجي ببهو المنزل، التفتت وتحركت لتجلس بجوار والدتها وهي تقول:
-وبعدين يا مامي، هتفضلي مخاصمة بابي وقاعدة في اوضه لوحدك لحد امتى؟
بملامح وجه منطفأة نطقت بيأسٍ:
-أنا مش مخصماه يا بيسان، انا بعد اللي حصل والغلط الكبير اللي بباكي عمله في حق الباشا وخالك ويوسف، كان لازم أخد موقف قوي علشان ميكررش اللي عمله تاني
شعرت بوغزة قوية بعد ذِكر حبيبها لكنها تخطت بكبرياءٍ وتحدثت:
-بس بابي عرف غلطه فعلاً،وراح اعتذر من جدو وخالو
وتابعت تسرد عليها ما قصه أبيها لها:
– بس خالو فؤاد رفض الإعتذار وعامله بطريقة وحشة جداً
طالعتها فريال باستغراب لتعاطفها الزائد لتتابع الأخرى وكأنها قرأت ما يجول بخاطر والدتها:
-أنا عارفة إنك زعلانة جداً من بابي، ويمكن مستغربة دفاعي عنه، بابي بقى وحيد قوي في بُعدك، وحاول يتقرب مني الفترة اللي فاتت، ومنكرش إنه صعب عليا، ده في النهاية أبويا، وكرامته تهمني جداً قدام الكل، وعمري ما هكون مبسوطة لما ألاقي خالي أو جدو بيقللوا من شأنه
برغم حزنها وسخطها على ماجد إلا أنها سعدت بحديث نجلتها وحُسن تربيتها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بالصباح،فاقت إيثار على مكالمة من يوسف يعتذر بها عن عدم استطاعته الرد لانشغاله بالتجهيز لعملٍ هام خاص بعمله وجب إنجازهُ على وجه السرعة، فطنت إختلاقه اعذارًا واهية لكي لا يحزنها فلم تعلق وسألته عن أحواله، وباتت تستدرجهُ بالحديث علهُ يخبرها عن زيارة عمرو، لكنه تجاهل الأمر تمامًا وتحدث بمواضيع أخرى مما أدى لاستغرابها لكن فؤاد طمأنها ورجح تصرف الشاب على أنهُ خوفًا على مشاعرها وعدم استدعاء قلقها عليه.
داخل منزل عبدالرحمن، ذهب عمرو محملاً بالهدايا الباهظة الثمن لشقيقه وابنائه فاستقبله عبدالرحمن بحفاوة لا لجلب الهدايا بل لصلة الدم وحبه لشقيقه، لم يأتي بمفرده بل اصطحب معه طلعت الذي اشتدت سعادته برجوع عمرو والمال والسلطةِ معًا، وبعد مدة قص خلالها ما ينوي فعله وطلب منه مساندته هو وطلعت فرد حُسين بأسى وحسرة:
-أنا كنت فاكر اللي حصل لنا علمك درس وقربك من ربنا يا عمرو، بس واضح إن مفيش فايدة
وتابع بشرودٍ وتذكره للماضي:
-الحاج نصر الله يرحمه كان دايمًا يقول إن طلعت هو اللي ورث كل صفاتي، بس اللي أنا شايفه، إن إنتِ اللي ورثت طباع أبوك بالملي يا عمرو
هتف طلعت بعينين ساختطين:
-بقول لك إيه يا حسين يا اخويا، بطل الفزلقة الفاضية ودور الدروشة اللي عايش لنا فيه ده، وفكر في مستقبل عيالك
ثم تطلع حولهُ بازدراءٍ ليتابع:
-ولا عاجبك الفقر اللي معشش في كل ركن في بيتك
-الفقر فقر النفوس مش الفلوس يا طلعت… هتف عمرو بعدم احتمال:
-أنا معنديش وقت للخطب دي يا حسين، من الأخر كده، هتيجي معانا البلد نرجع هيبتنا قدام الناس تاني وناخد حقنا من كل اللي ظلمونا ولا لاء؟
نطق بهدوء ورضى:
-ربنا يهديكم،أنا قاعد هنا ومش هرجع البلد دي تاني،وده أكرم ليا ولعيالي
هب عمرو واقفًا لينطق بعدم صبر يرجع لانشغاله:
-براحتك، يلا بينا يا طلعت
تحركا صوب الباب ليوقفهما صوت حسين القوي:
-متنساش تاخد حاجتك معاك وانتَ نازل يا عمرو بيه
وتابع:
-أنا بيتي مبيدخلهوش أي مال حرام
احتدم غيظًا من حديث شقيقه المهين لينطق بعدما استدار يرمقهُ بسخطٍ:
-هبعت رجالتي ياخدوها حالاً
رمقهُ طلعت بازدراء لينطق بتعدي:
-طول عمرك وش فقر، خليك لما الفقر ينهش جتتك وجتت عيالك، وساعتها هتجي لنا زاحف على اديك
خرج كلاهما واستغفر حسين وطلب من الله الهداية لشقيقيه، خرجت مروة التي كانت تستمع للحديث لتقول بارتيابٍ:
-زين ما عملت يا اخويا، ربنا يكفينا بحلاله عن حرامه، ويبعد عننا شر اخواتك.
حزن داخله لاجلهما وتمنى لو كان بيده شيئًا لفعله لردعهما وإبعاد كلاهما عن ذاك الطريق المفروش بالدماء.
مر اليومين سريعًا ليَحين موعد إفتتاح المطعم،تجمهر أهالي القرية بأكملها أمام ذاك المطعم الفخم وتعجب الجميع من فخامته، حتى وصل الأمر باتهام البعض لمالك المكان ووصمه بالمعتوه، فأي عاقلٍ يضع كل تلك الاموال الطائلة في مطعم بقرية بسيطة اهلها ليسوا بترف أهل المدينة، وصلت عائلة ناصف تترقب ذاك المالك تحسبًا لصحة شك محمد، اتسعت أعين الجميع وهم يرون اسطول السيارات الفخمة التي داهمت المكان ليتفاجأ محمد بحضور مأمور المركز بسيارته التابعة للشرطة، ليأمر الرجال بتخبأة السلاح سريعًا تحت عباءة كل منهم، نزل عمرو بهيئة أذهلت الجميع وجعلت نظراتهم مشدوهة مما رأوا، فقد بان عليه الهيبة والوكار وكأنهُ تبدل، مع احتفاظه بجسدٍ ممشوق ليبدو كشاب في بداية الاربعين، إقترب منه المأمور وتحدث باحترام:
-حمدالله على السلامة يا عمرو بيه، نورت بلدك
-الله يسلمك يا سيادة المأمور… قالها باحترام ليتابع تحت ذهول أهل البلدة وعزيز ووجدي:
-تشريف معاليك لافتتاح مطعمي شرف كبير ليا
تحدث المأمور بصوتٍ عالي قاصدًا وصول الحديث للجميع:
-أنا جاي بشكل رسمي علشان ادخلك بلدك واوصلك لحد باب بيتك، وأطمن إن الأمن مستتب
ثم حول بصره للحاج محمد الذي تسمر بأرضه ليتابع مسترسلاً:
-وأكيد الحاج محمد هيساعدني في ده، بما إنه كبير البلد والكل بيحترمه وبيسمع كلامه
خرجت حروف الرجل مجبرة:
-تحت أمر جنابك يا باشا
-هتفضل واقف بعيد كده يا خالي… قالها عمرو بابتسامة شامتة تحت زهو طلعت وعلو رأسهُ الشامخ ليتابع عمرو:
-مش المفروض تيجي تستقبل ولاد أختك وترحب بينا في بلدنا.
انتهى الفصل