رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والثلاثون 37 هى رواية من كتابة سيلا وليد رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والثلاثون 37 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والثلاثون 37 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والثلاثون 37

رواية شظايا قلوب محترقة بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والثلاثون 37

لو لم تكوني أنت في لوح القدر
لكنت صورتك بصورة من الصور
كنت استعرت قطعة من القمر
وحفنة من صدف البحر وأضواء السحر
كنت استعرت البحر والمسافرين والسفر
كنت رسمت الغيم من أجل عينيك وراقصت المطر
لو لم تكوني أنتِ في الواقع
كنت اشتغلت أشهراً وأشهراً على الجبين الواسع
على الفم الرقيق والأصابع
لو لو لو لم تكوني
لو لم تكوني أنتِ في الواقع
كنت اشتغلت أشهراً وأشهراً على الجبين الواسع
على الفم الرقيق والأصابع
لو لو لو لم تكوني
كنت رسمت امرأة مثلك يا حبيبتي شفافة اليدين
كنت على أهدابها رميت نجمتين
لكنّ من مثلك يا حبيبتي ؟
نزار قباني
قبل عدَّةِ ساعات..
بمنزلِ يزن، استمعَ إلى صوتِ هاتفه، رفعه مجيبًا:
-أيوة ياإلياس؟..أجابهُ إلياس بنبرةٍ جادَّة، مما جعلهُ يركِّز بدقة:
- "يزن، فيه حاجة مش مظبوطة في مخزن الشركة، وعرفت مكان رحيل، شوف هتعمل إيه."
أجابهُ يزن منتفضًا بقلق، وهو ينهض من مقعده: 
-"ابعتلي عنوان رحيل، ياإلياس، وشكرًا أوي..أمَّا موضوع المخزن، عندي معلومات عنُّه."
- "تمام، بس حبيت تتأكِّد من المعلومة دي..رحيل في شرم الشيخ، يا يزن."
شعرَ يزن بانقباضٍ في صدرهِ وازدادت دقَّاتُ قلبهِ وشردَ بها، ولكنَّهُ تمتمَ بصوتٍ ثابتٍ يخفي توتُّره:
-"طلب أخير يا إلياس، معلش..عايز طيران خلال ساعة ينفع؟"
أجابه إلياس مؤكدًا: 
-اعتبره حصل، ولو عايز طيارة خاصة كمان..
- لا، مش للدرجة دي، بس كده أنا فهمت الرسالة اللي جات لي."
نهضَ إلياس من مكانهِ متسائلًا:
- رسالة إيه؟ وليه مقولتش؟"
توجَّهَ إلى خزانته، أخرجَ ثيابهِ بسرعةٍ وهو يضعُ الهاتفَ بين كتفهِ وأذنه، وأردفَ بنبرةٍ خافتة، لكنَّها محمَّلةٌ بالغضب:
- بيهدِّدني...ياأرجَّع له كلِّ حاجة، ياإما هياخد اللي بدوَّر عليه."
تمتم إلياس بقلق: 
-"تمام...خلِّي بالك من نفسك، وأنا هكلِّم حد هناك يتابع معاك."
رد يزن بامتنان:
- شكرًا ياإلياس...بجد، شكرًا على كلِّ حاجة."
إبتسمَ إلياس ابتسامةً خفيفةً رغم توتره من حديثِ يزن:
- متقولش كده يا لا، إنتَ قبل ما تكون ابنِ عمِّي، أخو مراتي.
-ربِّنا يخليك ياابنِ عمِّي..وجوز أختي."
قالها بضحكة 
بعد ساعات...
هبطت الطائرة في مطارِ شرم الشيخ، نظرَ إلى المكانِ حوله بتيه، ولا يعلمُ لما ارتفعت دقَّاتهِ بأنفاسهِ السريعة، فتحَ هاتفهِ واتَّصلَ بكريم:
- كريم، عرفت هتعمل إيه؟ شوف إلياس هيكون معاك، وعايز الكلِّ يعرف إنِّي في الشركة."
أجابهُ كريم بعزيمة:
-اعتبره حصل، يا معلم..."
استقلَّ سيارةَ أجرة، واتَّجهَ إلى الفندق الذي تمكثُ به رحيل، بينما تحرك كريم إلى الشركة ليعلن وجود يزن بداخل الشركة  
عند رحيل قبلَ قليل...
دلفت إلى غرفتها وألقت هاتفها على الطاولة، ثمَّ نزعت حذاءها، وتحرَّكت للداخل، لحظة واحدة...وشعرت ببرودةِ شيئٍ ما يلامسُ رأسها..تجمَّدت أطرافها، ولم تستطع حتى التقاطَ أنفاسها.
نطقَ أحد الرجالِ بصوتٍ خشن: "هتتحرَّكي، هموِّتِك."
تسارعت دقَّاتُ قلبها وتوقَّف عقلها للحظات، ولكنَّها فاقت سريعًا بعدما تسلَّلَ الخوفُ لجسدها، فوقعت عيناها  على المصباحِ الذي يقاربها، بسطت يدها بلا تفكير، وأمسكت بالمصباحِ بكلِّ قوَّتها وضربتهُ فوق رأسِ الرجل..سقطَ متأوِّهًا، واستغلَّت اللحظة، دفعت بابَ الغرفةِ وأغلقتهُ بسرعة، ثمَّ هرولت خارجَ الغرفةِ حافيةَ القدمين، تصرخُ طالبةً النجدة..
تلفَّتت حولها بذعر، لم تثق في أحد، رغم خروجِ بعض النزلاءِ على صوتِ صراخها..فجأة، ظهرَ أمامها ذلك الرجل... الرجلُ الذي كانت تشعرُ بمراقبتهِ لها منذ فترة...
ارتفعَ صوتهِ محاولًا تهدئتها، لكنَّ عقلها لم يستطع استيعابَ أيَّ شيء، كلَّ ما تفكِّرُ فيه هو النجاةَ من ذاك المجهول…صاحَ الرجلُ حتى وصل صياحهِ للمجهولين، ليصلوا أمنَ الفندق  واقتحموا غرفتها...
بذلك الوقت...
ترجَّلَ يزن من السيارة، لم ينتظر حتى تستقرَّ قدماهُ على الأرض، اندفعَ إلى الاستقبالِ بخطواتٍ سريعة، عينيهِ تبحثانِ عنها بجنون.
دلفَ سريعًا الى أن توقَّفَ أمام الاستقبال:
- لو سمحتي، رحيل العامري نازلة في أنهي جناح؟"
نظرت الموظفةُ إلى جهازها، ثمَّ رفعت عينيها إليه بنظرةٍ متوترة..ثم أجابتهُ الموظفة بهدوءٍ رغم تجلجلِ كلماتها: 
-أستاذة رحيل في غرفة المسؤولين."
انتفضَ قلبهِ وكأنَّهُ سقطَ بين ساقيه: 
-مسؤولين!!ليه؟..قالها منتظرًا إجابتها بلهفةِ مقاتلٍ على الحدود، ولكن قطعَ لهفتهِ خروجها ببطء، بخطواتٍ ثقيلة، وجسدٍ هزيل، عيناها تحملانِ أثرَ الخوف، وكأنَّها خرجت للتوِّ من معركة..
هنا شعر بشيءٍ يشبهُ اللهبَ يشتعلُ في صدره، غضب..قلق..وألم، لم يعرف له اسم..تحرَّكَ نحوها دون أن يشعرَ بساقيهِ التي تطير، ليصلَ إليها ودون حديثٍ جذبها بقوةٍ بين ذراعيه..بعدما ترنَّحَ جسدها وتشوَّشت الرؤية أمامها.. 
عند إلياس..
كان امسكُ بهاتفهِ، عينيهِ تلمعانِ بحدَّة، وملامحهِ متجهِّمة، وكأنَّهُ يحاولُ استيعابَ حديثِ الرجلِ الذي يراقبُ رحيل....
- طيب، اتمسك ولَّا هرب؟
أجابهُ بنبرةٍ مُحمَّلةٍ بالهزيمة:
- للأسف يا باشا، هرب…بس الكاميرا لقطته.
ضغطَ إلياس أصابعهِ على المكتب، ثمَّ نقرَ عليه ببطء، وشردَ في الفراغ، وعيناهُ تنطقُ بالغضب، وعقلهِ يعملُ بدهاءٍ محاولًا الاتِّزان..تنفَّسَ ببطء، وردَّ بنبرةٍ واثقة:
- اتواصل مع جماعتنا، عندك الصور وهمَّا هيساعدوك..
- تمام يا فندم..قالها الرجل قبل أن ينهي المكالمة.
تراجعَ إلياس في كرسيه، ينظرُ إلى نقطةٍ غير مرئيةٍ في الفراغ، أفكارهِ تتصارع، وصوتُ عقلهِ يهمس:
"هشوف آخرك يا راجح…مفكَّرني همشي معاك بالقانون؟ لا..اللعب هيكون على المكشوف."
لحظةُ صمت، قبل أن يقطعها دخولُ الساعي وهو يضعُ فنجانَ القهوةِ بعنايةٍ أمامه...ثمَّ رفع رأسهِ وتطلَّعَ إليه :
- تؤمر بحاجة تانية يا باشا؟
أشارَ له إلياس بالخروجِ دون أن يرفعَ عينيه:
- لا…هشرب القهوة وأروح..وإنتَ كمان، شوف شريف لو هيروح ولَّا هيبات، وبعدها امشي.
- حاضر يا باشا.
قاطعهما دخول  شريف مندفعًا، تنطقُ ملامحهِ بالقلق:
-سمعت اللي حصل؟
رفعَ إلياس حاجبًا، يخفي اهتمامهِ خلف قناعِ البرود:
- خير… فيه إيه؟
تقدَّم وجذبَ مقعدًا أمامه، ثمَّ تنهَّدَ وأردفَ بصوتٍ خافتٍ لكنَّهُ متوتر:
- شركة العامري ولَّعت…وفيه أخبار بتقول إنِّ يزن السوهاجي جوا.
مرَّرَ إلياس لسانهِ على شفتيهِ ببطء، كمن يتذوَّقُ قهوته، التي رفعها يرتشفُ منها..
ولم يظهر عليه الذعر، ثم أومأ برأسهِ بهدوء:
- المطافي راحت ولَّا لسه؟
قطَّبَ شريف جبينه، اقتربَ بجسدهِ للأمام  يحاولُ قراءة ملامحه:
- شايفك مش متفاجئ يعني؟…
رفعَ فنجانهِ ورشفَ منه رشفةً بطيئة، وكأنَّ الحديثَ لا يعنيه. ثمَّ وضعَّ الفنجانَ على المكتبِ ونهض، يرتِّبُ سترته ليرتديها: 
- مش هتروح ولَّا إيه؟ الساعة داخلة على واحدة، قوم قوم، الليلة وترية، صلِّي ركعتين وادعي ربِّنا بترقية حلوة.
لكنه، وقفَ أمامه، بنظراتٍ متفحِّصة:
- إلياس…إنتَ السبب في حريق شركة العامري؟
توقَّفَ إلياس عن ترتيبِ سترته، ثمَّ زفرَ ببطء، و التفتَ إليه بنظرةٍ ساخرةٍ متمتًا:
- توبة يا ربي توبة على الغباءِ اللي عندي…
رمقهُ شريف بشكّ، لكن إلياس أكملَ بسخرية :
- وأنا هستفاد إيه يا غبي لمَّا أولَّع في الشركة؟
هزَّ شريف رأسه، وأردفَ بصوتٍ مليءٍ بالريبة:
- وحياة سيادة اللوا، الموضوع ده فيه إنَّ..
ابتسمَ إلياس ابتسامةً جانبيةً وهو يتِّجهُ إلى الباب، قبل أن يغمغمَ بتهكُّم:
- آه، "إنَّ" و"كان" والأسماء الخمسة وولاد عمامها…
قالها ثمَّ غادر، بينما توقف شريف والشكوك تتراقصُ  في عقل
وصلَ إلياس إلى منزلهِ بعد ليلةٍ طويلة، تخلَّلها ضغوطُ العمل..ورغم ذلك تلاشى كلَّ التعب، عندما ترجَّلَ من سيارتهِ ووقعت عيناهُ عليها..
كانت تجلسُ على العشب، تحملُ طفلهما بحنان، تلاعبهُ بأناملها، وابتسامتها الهادئةِ تذيبُ أيِّ تعبٍ في الدنيا...وجهها المنيرُ تحت ضوءِ القمر كأنَّهُ لوحةً لمبدع، أبدعَ برسمها، ولما لا والمبدعُ الخالقُ هو الله، توقَّفَ لحظة، يراقبُها وروحه تتلهفها، ظلت عيناه ترسم كل حركة تفعلها، يقسم بداخله أنه ينعم بالجنة بقربها، ابتسم متذكر لحظاتهما بالأمس بعد عودتهم ثمَّ اقتربَ بلهفة، ألقى السلام بصوتٍ خافت، ثمَّ انحنى نحوها، طبعَ قبلةً دافئةً على وجنتها
-"عاملين إيه؟" همسَ وهو يمدِّ يديهِ ليحملَ يوسف، ثمَّ رفعهُ في الهواءِ عاليًا، فضجَّت ضحكاتُ الطفلِ البريئةِ تملأُ المكان بفرحٍ نقي، نظرت ميرال إليهما بابتسامةٍ حالمة، ترسمُ كلَّ تفصيلةٍ في وجهه، وكأنَّها تراهُ بعينِ عاشقةٍ للمرًَّةِ الأولى.
اقتربت منهُ برقَّة، وتناولت يوسف منه بحذر، ثمَّ نادت على مربيته، و عينيها معلقتينِ به، تراقبُ كلَّ إنشٍ في ملامحه.. 
غادرت المربية بيوسف عن ناظريهما، حتى اقتربت منهُ أكثر، استندت على ذراعِ المقعدِ بجواره، ثمَّ همست بنبرةٍ قلقة:
"اتأخرت ليه؟ مش كنت بتقول هنروح الفيلا النهاردة؟"
أمسكَ بكفَّيها، وجذبها نحوهِ بحركةٍ رقيقة، حتى أجلسها على ساقيه، ضمَّها بقوَّةٍ بين ذراعيه، وكأنَّهُ يخشى أن تبتعد، ودفنَ رأسهِ في عنقها، أخذَ نفسًا طويلًا، يحاولُ اختزانَ رائحتها داخله، وكأنَّها الأكسجين الوحيد الذي يحتاجهُ ليبقى...وأجابها بأنفاسٍ حارة:
- كان عندي شغل، معرفتش..قالها بصوتٍ هادئ، رفعَ رأسه، نظرَ إليها بعينينِ تحملانِ كم الاشتياقِ الذي لم يستطع قوله، ثمَّ أكملَ بصوتٍ أهدأ: "المهم...إنتي عاملة إيه؟"..وحشتيني!!
رفعت يدها تلامسُ وجنتهِ بحنان، وإبهامها يمرُّ بخفَّةٍ على ملامحهِ المتعبة، تحاولُ أن تسحبَ منه أيَّ حزنٍ صامت، غرقت في عينيهِ قائلة:
- إلياس، إنتَ مخبي عليَّا حاجة؟..هزَّ رأسهِ بالنفي..فتساءلت:
-ليه يزن سافر شرم الشيخ؟ وليه رحيل سافرت من غير ما تقولُّه؟ مش هوَّ جوزها؟"
أشاحَ بوجههِ للحظة، وتمتمَ بنبرةٍ جعلها متَّزنة، بعدما تسلَّلت الغيرةُ إلى قلبه:
"ميرال، بقولِّك وحشتيني، تسألي عن يزن ورحيل؟"رفعت يدها تلامسُ وجنتهِ بإصبعها..
-وإنتَ كمان وحشتني أوي، بس جاوب الأوَّل، ليه رحيل…
لم يمهلها الفرصة، فقاطعها فجأة:
"قومي من على رجلي."
نظرت إليهِ بذهول، وانعكست الصدمةُ على عينيها غير متوقِّعةً ردَّةَ فعلهِ بهذا الشكل، فقط لأنَّها سألت سؤالًا..تمتمت بدهشة، نبرتها منخفضة لكنّّها مشحونةً بالذهول:
"ده ليه؟ علشان بسأل عن يزن؟"
نهضَ من مكانه، وتحرَّك بخطواتٍ واسعة، ثقيلة، توجَّهَ إلى الداخلِ دون أن يلتفتَ إليها، تاركًا إيَّاها خلفهِ مذهولة..
ظلَّت مكانها للحظات، تنظرُ إلى الفراغِ الذي تركهُ خلفه، ثمَّ زفرت بضيق، همست وكأنَّها تحدِّثُ نفسها:
"وبعدين بقى..هوَّ ليه زعل بالشكلِ ده؟"
تحرَّكت للداخلِ سريعًا بعدما تذكَّرت شيئًا، دلفت إلى المطبخِ ونادت على الخادمة:
- منال..رؤى لسة نايمة؟.. 
- أيوة يامدام..أومأت لها وهي تجذبُ الأطباق: 
-طيب هاتي العصير وخرَّجي الفراولة والكريز من التلاجة..
-حضرتك ارتاحي وانا أجهِّزهم..عارضتها تشيرُ بعينيها:
-نفِّذي وإنتي ساكتة وبس..قالتها وهي تقومُ بتقطيعِ قالبِ الكيك، ثمَّ تناولت الشيكولاتة ووضعتها باحترافيةٍ فوقه،  تمَّمت كلَّ ماتريده، لتشيرَ إلى الخادمة:
-طلَّعي دي عند رؤى، ومتنسيش تديلها العلاج..قالتها وتحرَّكت تحملُ ما أنجزتهُ اليوم..ولجت إلى الداخلِ بهدوءٍ حتى لا تلفتَ انتباهه، تعلَّمُ أنَّهُ يقيمُ صلاةَ القيام، وصلت إلى الداخل، بعدما لمحت ظهرهِ وهو يصلي، وضعت مابيديها على الطاولةِ بالشرفة، وقامت بإغلاقِ الإنارة، سوى فانوسِ رمضان الذي يعلَّقُ بجانبِ الجدارِ بألوانهِ الزاهيةِ المبدعة، اتَّجهت إلى غرفةِ ملابسها وانتقت شيئًا مناسبًا، مع نثرها لعطرها المميَّز، ووضعِ القليلِ من الزينةِ التجميليةِ على وجهها، نظرت برضا على طلَّتها، ثمَّ جذبت وشاحًا خفيفًا تضعهُ على أكتافها، وخرجت متَّجهةً إلى غرفةِ ابنها، دلفت للداخلِ وجدت المربية قد أنهت استحمامه، قبَّلتهُ بحنانٍ ثمَّ أشارت إليها: 
-خلِّيه كدا الجو حر أوي، بلاش تكييف لو عيَّط شغَّليه..
-حاضر يامدام..ظلَّت تنظرُ إلى طفلها للحظاتٍ ثمَّ انسحبت للخارج، قابلتها رؤى تتحرَّكُ بصعوبةٍ وهي تحتضنُ جسدها، توقَّفت أمامها: 
-رايحة فين حبيبتي؟..ابتسمت لها وتمتمت:
-هتمشى شوية، تعلَّقت أعينُ رؤى بما ترتديهِ ميرال لتتساءل:
-هوَّ إنتي كنت تحت كدا؟!!إلياس وافق؟..
أشارت إلى غرفةِ صغيرها متمتمة:
-لا حبيبتي كنت بشوف يوسف..
-هوَّ إلياس فين؟..رغم شعورِ ميرال بالغضبِ من سؤالها إلَّا أنَّها أجابتها بابتسامة:
-بيصلي عايزة حاجة؟..هزَّت رأسها بالنفي، ثمَّ اقتربت منها تستعطفها:
-ميرو ممكن تخلِّيه يسامحني..ربتت على كتفها وردَّت قائلة:
-سبيه لمَّا يروق، جوزي وعرفاه، أنا اللي حبيبته عاقبني أربعة شهور، تخيَّلي إنتي هيسامحك إزاي…
ردَّت سريعًا دون تفكير:
-ماهو بيحبِّني برضو وأكيد هيسامحني بسرعة، يمكن قدِّ المدَّة بتاعتك بدليل أنُّه رفض أرجع الفيلا..
أشارت ميرال للخادمة:
-خلِّي بالك من أستاذة رؤى. 
-ميرال إنتي زعلتي علشان بقولِّك هيسامحني بسرعة؟..أكيد إنتي عارفة العلاقة بينا..دقَّقت ميرال النظرَ إليها للحظات، ثمَّ أردفت بنبرةٍ تحملُ الثقة:
-لا حبيبتي هزعل ليه، يمكن فعلًا زي مابتقولي علشان علاقته الأخوية بيكي، أمَّا أنا فطبيعي يعمل كدا يارؤى، صعب لمَّا شخص تعتبره روحك ويسحب منَّك النفس أو الروح، أصلك مجربتيش الخذلان، فللأسف أنا بعترف إنِّي خذلت إلياس كتير، بس على قدِّ مازعل منِّي مقدرشِ يرتاح بعيد عنِّي، بكرة لمَّا تحبي هتحسِّي بدا، أهمِّ حاجة إنِّك تحسِّي بالإنسان دا شايفك إيه..
-وإنتي شايفة إلياس شايفك إيه ياميرال؟..قالتها بلسانٍ ثقيل..اقتربت منها خطوة وعينيها تحدجها:
-شايف فيَّا حياة إلياس يارؤى، زي ماأنا شايفة فيه حياة ميرال، يعني لو هوَّ موجود ميرال موجودة، أمَّا لو مش موجود..ميرال مالهاش وجود، ياله 
انزلي اتمشي تحت بس خلِّي بالك من نفسك..قالتها ودلفت إلى جناحها تغلقُ البابَ وتستندُ عليه، تنظرُ إلى زوجها الذي مازال يصلِّي بعيونٍ محتجزةٍ بالدموع، ماذا عليها أن تفعل وهي ترى لهفةُ رؤى عليه، الفكرة نفسها كادت أن تنحرَ عنقها بسكينٍ بارد..استندت تلتقطُ أنفاسها بهدوءٍ محاولةً التنفُّس، وشردت بعلاقتهما التي أصبحت سوية، فاقت من شرودها على صوته:
-ميرال بتعملي إيه عندك؟..تعلَّقت نظراتها به بصمتٍ إلى أن اقتربَ منها: 
-حبيبتي واقفة كدا ليه؟..ألقت نفسها بأحضانهِ وعانقت رقبتهِ تدفنُ نفسها بهِ كأنَّها تريدُ أن تختبئَ داخل قلعتها...ضمَّها بقوَّةٍ يرفعها إليه حتى سقطَ الوشاحَ من فوقِ أكتافها..لتظهرَ منامتها الرقيقة تحتَ عينيه، تحرَّكَ ومازالت بأحضانه، همسَ بحنان:
-إيه اللي حصل؟..وكنتي فين بالهدوم دي؟..خرجت من أحضانهِ ولم تشعر بنفسها سوى وهي تقبِّلهُ وكأنَّها تثبتُ لنفسها أنَّه ملكها وحدها، راقَ لهُ فعلتها ليتولَّى مهمَّتها بقوَّة، ونبضُ عازف، لتتلاحمَ القلوبُ قبل الأجسادِ في قصيدةِ عشقٍ..شطرها النبضُ وحروفها الهمسات التي توحي بكمِّ العشق، ناهيكَ عن نقاطِ سجعها المترادفِ بالإيقاعِ الموسيقي المتذبذبِ بالصدور، فترةٌ لا يعلمُ كم مرَّ عليهما من الوقت، لا يريدا أن يلتفتا للوقتِ حتى لا يُبترَ العزفُ باللحنِ الرومانسي، أخيرًا انتهت نيرانُ الاشتياقِ رغم ارتفاعِ النبضِ القابعِ بالصدور، خلَّل أناملهِ بخصلاتها يستمعُ إلى مايؤرقُ روحها، ليعتدلَ متَّكئًا على ذراعيهِ يفترسها بعينيه: 
-وإنتي إيه رأيك بكلامك دا؟..اقتربت تدفنُ نفسها بأحضانه: 
-الموضوع تعبني..بس مش شك، والله ماشك قدِّ ماهوَّ مؤلم..رفعت رأسها تنظرُ لعينيه: 
-عارف إحساس إنَّك قاعد جنبِ حد وإنتَ عارف عينه على حاجة ملكك؟..
اعتدلَ يجذبُ سجائره، ثمَّ نفثَ دخانها بالفراغ، واتَّجهَ بنظرهِ إليها: 
-ميرال مفيش مشاعر لرؤى من ناحيتي، أنا متأكد من اللي بقوله، ومعرفشِ ليه بتعمل كدا، بس هي شايفة فيَّا البطل اللي حبِّته، فاكرة موضوع المعيد بتاع الجامعة؟..من وقت ماغصبت عليه يتجوِّزها ويطلَّقها، هيَّ هنا فرحت بهيبة إلياس..بس مش حبّ أبدًا، عايزك متخافيش من الحتة دي..
-بس دي أختي ياإلياس..
-يعني إيه أختك ممكن أفهم؟..اعتدلت تضعُ رأسها على صدرهِ وذهبت بشرودٍ مزعج:
-مش عارفة بس هيَّ صعبانة عليَّا..
أمالَ بجسدهِ على أذنها: 
-أنا شايف إنِّ جوزك اللي يصعب عليكي، علشان دمَّرتي حياته.. 
هبَّت من مكانها متناسيةً حالتها التي كانت عليها:
-دمَّرتك!!..أنا..ليه؟..أوعى تقولِّي حصلك حاجة في الشغل بسبب إنِّي بنتِ راجح، أيوة كنت عارفة أنُّهم لمَّا يعرفوا هيدمَّروك..وضعَ أناملهِ على شفتيها واقتربَ يهمسُ بجوارِ ثغرها حتى لمست خاصتهِ إيَّاه، ليرتفعَ نبضُ قلبها من حركتهِ وحديثهِ الذي تسلَّلَ لقلبها قبلَ أذنها حينما قال:
-دمَّرتي ثبات إلياس، ومبقاش قادر يبعد عن نار قربك، حرقتيني يابنتِ مدام فريدة، ورغم الحرقِ دا مستمتع جدًا، بقيتي عاملة زي المخدِّر اللي بيهدِّي الألم.. 
-ألم ياإلياس!!..أنا ألم؟..
سحبها لتقبعَ بأحضانهِ وحاوطها بذراعيه:
-أصعب ألم..مالوش علاج، شوفتي أصعب من ألم الحرق ياميرال، إنتي الحرق نفسه، قوليلي إزاي أتعافى منُّه وأنا مش قادر…لازم يوم عن يوم جرعته تزيد، علشان أتحمِّل قوِّته..
مرَّرت أناملها على وجهه، بعدما طبعت قبلةً سريعة، وغاصت بمتعةِ النظرِ إليه:
-للدرجة دي حبُّي مؤلم؟..رفعَ كفَّها وقبَّله: 
-للدرجة دي برتاح في حضنك، ابتسمت وحاولت الهروبَ من نظراتهِ الافتراسية:
-عارفة إنَّك اتغيَّرت علشاني، ودا مخلِّيني أسعد انسانة في الدنيا..
كرَّر فعلتهِ بالاقتراب منها مرَّةً أخرى وهمسَ بصوتهِ الأجش:
-مش قدِّ سعادتي ياميرا، وأنا هنا..أغمضت عينيها تتذوَّقُ بسمعها حلاوةَ كلماته..    
-ايه حكاية ميرا دي ياالياس 
-ميرا دي خاصتي انا، هنا سكنت وعذبت وتمادت بس على قلبي زي العسل..حاوطت عنقه ولمعت عيناها بالسعادة
-عايزك كدا على طول، سعيدة، قرأت المقال اللي عملتيه على الجماعات الإرهابية اللي بيتاجروا بالدين، فخور بيكي اوي 
-وأنا كمان..قالتها بهمس خافت اذابه، مما جعله ينحني يضع جبينه فوق جبينها 
-وانت ايه ؟! 
-فخورة بجوزي، خلتني أحب أمن الدولة اللي كنت بعاديه 
ارتفعت ضحكاته غامزًا
-حلو مش كدا ..قطبت جبينها ونهضت من أحضانه متجهة إلى الحلويات التي احضرتها 
-وأنا كمان حلوة ماتستهبلش 
رفع حاجبه ساخرًا وردد بنبرة اعتراضية:
-دا غرور بقى ..جلست أمامه ووضعت حبة من الفراولة بفمه قائلة
-دي ثقة ياحبيبي، مش غرور، علشان تعرف استحملت ورضيت بيك، متجوز ملكة جمال تنكر اخدتها اربع سنين في الكلية والكل كان هيموت على ميرال ..دفعها حتى هوت على الفراش مع ضحكاتها بعدما أصابت هدفها 
كبل ذراعيها ونظر إليها بنيران الغيرة التي اشعلتها داخل صدره
-بتقولي ايه ؟! 
وضعت فراولية أخرى ثم قالت
-بقول عايزة اكل فراولة ...قالتها مع ارتفاع أنفاسها من وضعهما، دقيقة واحدة كفيلة أن يجعلها كالفراشة التي تترنم بين الازهار وهو يذيقها من العشق مايصهر القلوب 
اعتدل مبتعدا وكأنه خرج من مارثون رياضي، ولم يشعر بنفسه وهو يسحب الوعاء الذي يحمل فاكهة الفراولة متحركا به إلى الشرفة 
-هستناكي في البلكونة، توقف مستديرا يشير إلى قميصه 
-ألبسيه ولمي شعرك، هزت رأسها بصمت مع ارتفاع أنفاسها تهرب من نظراته
بمنزلِ آدم… 
دلفَ إلى غرفتهما وجدها مازالت تقيمُ صلاةَ القيام، انسحبَ بهدوءٍ متَّجهًا إلى المطبخ، تجوَّلَ بنظراتهِ على أرجاءِ المطبخِ يهمسُ لنفسه:
-طيب فين البن؟..سميحة الشغالة نايمة، أصحِّيها ولَّا أستنى لمَّا إيلين تخلَّص صلاة..تحرَّكَ يبحثُ في خزانةِ المطبخِ حتى وجده، فتحَ الثلاجة وأخرجَ علبةُ اللبن، ثمَّ قامَ بتشغيلِ ماكينةِ القهوة، وأشعلَ النارَ لتحضيرِ كوبَ لبن لزوجته..دقائقَ وانتهى ممَّا يفعلهُ بعد تجاربهِ الكثيرةِ لتحضيرِ كوبَ قهوته..
حملهُ يرتشفُ منه بعضَ الرشفات، زمَّ شفتيهِ قائلًا:
-مش بطَّال، أهو نصِّ العمى ولا العمى كلُّه يادوك، لازم تتعلِّم، جه الوقت اللي تعتمد على نفسك في كلِّ حاجة، إنتَ في السفر كنت أنشط من كدا، كان ناقص المحشي وأبقى طبَّاخ بريمو، دلوقتي فنجان القهوة مش عارف أعمله..
-آدم بتكلِّم نفسك حبيبي؟..استدارَ إليها وأفلتَ ضحكةً رجولية يشيرُ إلى كوبِ قهوته:
-بكلِّم القهوة ياروحي، بحاول أظبَّطها، 
اقتربت منه وعيناها على الذي يمسكه:
-قهوة ياآدم..دلوقتي..
شهقَ مستديرًا إلى موقدِ الغاز: 
-كدا اللبن اندلق، مش تصحصحي معايا ياإيلي؟..
ضحكت مقتربةً منه وسحبتهُ بعيدًا عن الموقد، ثمَّ سكبت اللبن المتبقِّى بالكوبِ وتحرَّكت معه للخارج:
-أنا برضو اللي أصحصح، امشي يادوك، شوية لبن ودلقتهم، وبتقولِّي هساعدِك..
حاوطَ أكتافها ودلفَ إلى غرفةِ المعيشة:
-اشربي اللبن، علشان نراجع مع بعض محاضرات الدوك البارد.. 
رفعت عيناها التي لمعت بعشقه:
-متغلطشِ في الدوك بتاعي لو سمحت، دا مش مسموح لحدِّ يغلط فيه.. 
مسَّدَ بكفَّيهِ على خصلاتها ثمَّ جذبها لأحضانه:
-والدوك بيقولِّك هوَّ أسعد راجل على وجهِ الأرض، بيحبِّك أوي أوي وبيشكرك علشان سامحتيه وسمحتي له بفرصة تانية.. 
دفنت وجهها بصدرهِ مردفة:
-حبيب قلبي إنتَ ياآدم، صعب أنسى أوَّل من دقّ له القلب يادوك.رفعَ ذقنها وانحنى يحتضنُ ثغرها لينثر لها ترانيمَ عشقهِ ..دقائقَ وهي بجنَّةِ عشقه، حتى تراجعَ يُغلقُ شاشةَ التلفازِ ويجذُبَ كتبها، يضعها أمامهِ يشيرُ إلى أحضانه: 
-تعالي هنا علشان المعلومة توصل بسرعة..وضعت رأسها على كتفهِ وردَّت مبتسمة:
-لا بلاش، أنا مش ضامنة نفسي..قهقهَ عليها وهو يسحبها بقوَّةٍ حتى سقطت بأحضانه..وأردفَ من بين ضحكاته:
-متخافيش أنا ضامن نفسي..
ظلَّت ضحكاتهما لبعضِ الدقائق، صمتت تحدجهُ بنظرةٍ علمَ ماهيتها:
-أنا عارف إنِّك اضيَّقتي النهاردة من اللي حصل في الجامعة، بس واللهِ أنا كنت عايز أعملهالك مفاجأة..
-ليه البنت دي لسة بتلاحقك؟..
تراجعَ بجسدهِ يسحبها معه وأجابها: 
-علشان مغرورة، إزاي أرفضها، اللي زيها بيكون مريض بيحاول يستولى بأيِّ طريقة على الإنسان اللي عرَّاه قدَّام نفسه.. 
-آدم أنا اضيَّقت جدًا منها، مش عارفة المرَّة الجاية ممكن أعمل إيه..
خلَّلَ أناملهِ بخصلاتها يمشِّطها بهدوءٍ وأردف:
-أنا سعيد وفخور بيكي أوي، اللي عملتيه النهاردة حسِّسني بقيمتك أوي ياإيلي، وبشكر ربِّنا إنِّك مراتي.. 
تمسَّحت بصدرهِ تضعُ رأسها بحضنهِ.. وذهبت بذاكرتها لصباحِ اليوم.. 
صعدت سريعًا إلى مكتبهِ كي تتأكَّدَ من وجوده، فتحت البابَ إذ بها تقفُ متجمِّدة وهي ترى حنين تجلسُ بمقابلتهِ تضعُ ساقًا فوقَ الأخرى، وصوتها الذي تردَّدَ بأذنِ إيلين كصوتِ الرعدِ حينما قالت:
-بلاش أبارك لك يادومي..رمقها بنظرةٍ مشمئزة:
-وأنا مستغني عن المباركة دي، ليه عايزة تفكرني بأبشع ايام حياتي، رفعَ رأسهِ بعدما شعرَ بدخولِ أحدهم ليتمتم: 
-إيلين ...قالها وخطا إليها بقلبٍ ينتفضُ بالخوفِ على أن تسيئَ الظن، حاوطها وسحبها للداخلِ وحاولَ التحدُّث..ولكنَّهُ فشلَ بعدما أنزلت كفَّيهِ واقتربت من حنين 
-أهلًا مدام حنين، ياريتك عرَّفتينا، أو زورتينا في البيت..على الأقل كنَّا علمَّناكي الأصول..أشارت إليها بأرجاءِ الغرفة وأردفت بتذمُّر: 
-آسفة معلش زي ماإنتي شايفة في الجامعة، ودا مكان طاهر، مش علِّموكي إنِّ الحرم الجامعي مكان للعلم مش للحاجات التانية؟.. 
هبَّت حنين مقتربةً منها تطلقها بقذائفَ من عينيها:
-إنتي بتقولي إيه يابت؟..إنتي ناسية ممكن أعمل إيه؟..ولولا وجودي وتدخُّلي مكنشِ الدكتور خرج.. 
اقتربت إيلين أكثر وسحبت المقعد وجلست بمقابلتها، تضعُ ساقًا فوقَ الأخرى:
-أوَّلًا هراعي شعورك، ماهو شعور الهزيمة والفشل وحش، زي نكسة 67 كدا للمصريين، طبعًا إنتي مش عارفة الشعور دا إيه، لأنِّك سوري نو إحساس، بس فيه عندنا مثل مصري بيقول الستِّ اللي تجري ورا راجل متجوِّز تبقى إيه...أوبس، لساني مش قادر ينطقها، أصلي متربيَّة ومحترمة، أمَّا لو زعلانة على كلامي، فسوري للمدام لأنَّها بتفهم بعقلها اللي يشبهها، دقَّقت النظرَ بها ورمقتها باستهزاءٍ وتابعت حديثها تحت استشاطةِ عيناها: 
-أنا قصدي الجامعة للتعليم مش للمباركات، ولو كنتي جيتي بيتي كنت عرفت أرحَّب بيكي، غير طبعًا إنِّنا في نهار رمضان وصايمين، ولَّا المدام عندها عذر شرعي؟.. 
رمقت حنين آدم بنظراتٍ ناريةٍ تشيرُ إلى إيلين وأردفت بنبرةٍ تحملُ الغضب:
-إنتَ إزاي سايبها تشتم فيا كدا؟..دا جزاتي على اللي عملته معاك.. 
توقَّفت إيلين تشيرُ إلى آدم: 
-آسفة حبيبي ممكن تسمح لي بالرد، التفتت قبل أن ينطقَ آدم وردَّت بقوَّة:
-عملتي إيه؟..قتلتي القتيل ومشيتي في جنازته، وعلى العموم ياستِّي شكرَ الله سعيكم..قالتها وأشارت إلى الباب: 
-اتفضَّلي برَّة مش مرَّحب بيكي.. 
-آدم ..قالتها حنين مزمجرة.. 
-مش عايز أشوف وشِّك ياحنين، وعلى ماأظن أخدتي تمن عملتك، يعني زي ماقالت إيلين قتلتي القتيل وأخدتي تمنه..
قاطعتهُ إيلين مردِّدة: 
-أوعي تفكَّري هتتهنِّي بأيِّ قرش أخدتيه لوي دراع، إنسانة قبيحة..قالتها وتحرَّكت للخارجِ قائلة:
-آدم هستناك في المدرَّج ..
اقتربت حنين منهُ وأردفت: 
-خسارة ياآدم فكَّرتك أعقل من كدا.. 
-امشي ياحنين، حاولي تحافظي على شوية الكرامة اللي عندك..دا لو لسة فيه كرامة، بس أنا بشكرك على إنِّك فتَّحتي عينيَّ على حاجات كتيرة، وأوَّلها إزاي الباشا أبوكي عمل ثروة، ياريت تنفعكم..
-آدم.. دقائق ودلفت إيلين تشيرُ إلى أمنِ الجامعة: 
-الستِّ دي إزاي تدخل الكلية وهي مالهاش صلة؟..لازم أعمل محضر لأنَّها جاية تهدِّدني بمسائل شخصية جوا الكلية..
توقَّفت تطالعها بصدمة، اقتربَ منها الأمنُ متسائلًا عن البطاقة..صاحت بغضبٍ تدفعهم واقتربت من إيلين:
-مش حتة بنت زيك تهدِّد حنين الشهاوي..قاطعتها إيلين:
-خدوها برَّة ولَّا تتقدِّموا للمحاسبة القانونية..لا هي مصرية ولا ليها علاقة بالجامعة كلَّها..
-دكتور آدم..إيه رأيك في كلام الدكتورة؟..استدارَ إلى إيلين التي تنظرُ إليهِ بلهفةٍ منتظرةً ردِّه، مع صيحاتِ حنين..نطقَ آدم قائلًا:
-دكتور إيلين بتقول الحقيقة، دي واحدة جاية تهدِّدنا بمسائل شخصية.. 
سحبها الأمن مع صرخاتها وسبِّها لآدم وإيلين..
-إيلين مكنتش أعرف إنَّها جاية، كنت عايز أعملِّك مفاجأة صدَّقيني..
-هستناك في القاعة حبيبي..قالتها وتحرَّكت سريعًا للخارج..خرجت من شرودها على فتحهِ لأحدِ الكتب، يشيرُ إليها:
-إيه رأيك نبدأ بالتقيل الأوَّل؟.. 
ابتسمت تهزُّ رأسها بإرهاق..شعرَ بها فبسطَ كفَّيهِ يعيدُ خصلاتها للخلف: 
-حبيبتي مالك تعبانة؟..
-ضهري وجعني، يمكن علشان وقفت فترة وأنا بصلِّي القيام..
-أيوة، ليه اتأخرتي كدا في الصلاة؟..
تراجعت تستندُ بظهرها عليهِ وردَّت:
-اتعوِّدت حبيبي أصلِّي بصلي بجزء كامل.. 
أعدلَ جلسوها واحتضنَ وجهها: 
-إيلين حبيبتي إنتي حامل مش شرط تصلِّي القيام، وبعدين دا المفروض تفطري كمان..مسموح لك بدا..
هزَّت رأسها رافضةً حديثه..ثمَّ أردفت باقتناع: 
-عارف ياآدم إيه اللي بميِّز رمضان عن أيِّ شهر؟..رغم في كلِّ الأيام قيام وقرآن، إنَّك بكلِّ سنة أعضاءك كلَّها حاضرة وإنتَ عارف ومتأكِّد أنُّه شهر حسنات..لازم تتسابق فيه علشان تجني الأكتر والأكتر..ابتسمت وهزَّت رأسها قائلة:
فضل القيام في رمضان له طعم تاني، شعور مش عارفة أوصفه إزاي بس بجد طعمه زي الأمِّ المحرومة من ابنها كان في السفر وفجأة رجع لها، بتبقى مش عارفة تعملُّه إيه ولَّا إيه من كترِ فرحتها... وبعدين نسيت فضلِ القيام ولَّا إيه يادوك؟..
حاوطها بذراعهِ وأجابها بفخرٍ لما تقوله: 
- لا، حبيبتي عارف فضل قيامه 
"قربةٌ إلى الله ومنهاةٌ عن الإثمِ وتكفيرٍ للسيئاتِ ومطردةٍ للداءِ عن الجسد."
صفَّقت له كدعابةٍ ثمَّ أكملت: 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ...
شوفت يادوك الموضوع مش موضوع أنُّه ربِّنا سمح لي، الموضوع فرص بتجي لنا ببلاش للفوز بالجنة، نقوم إحنا ندلَّع علشان شوية تعب بسيطة، أومال أصحاب الأمراض يعملوا إيه إن شاءالله؟.. 
"أنا اسعد انسان بجد، كدا اطمِّنت على ولادنا أنُّهم هيتربُّوا صح ويتعلِّموا الدين والخلق"
بفيلا السيوفي..
هبَّت من نومها فزعةً تستغفرُ ربَّها، أضاءَ مصطفى الإنارة: 
-فريدة مالك؟..قالها وهو يسحبُ كوبَ مياهٍ ويساعدها بارتشافه:
-أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم..كابوس يامصطفى، قالتها منتفضةً من مكانها وخطت تجذبُ هاتفها..أوقفها متسائلًا:
-واخدة التليفون فين وليه؟.. 
هطَّمن على الولاد، قلبي وجعني يا مصطفى، نهضَ من مكانهِ وحاولَ تهدئتها، كانت تخطو كالذي يحاربُ سكراتِ الموت، ضمَّها إلى أحضانهِ بعدما انسدلت دموعها تتمتم:
-كلِّم الولاد يامصطفى أنا قلبي وجعني، حاسة فيهم حدِّ تعبان، شوف إلياس ليكون زعلان مع مراته، ولَّا أرسلان اللي معرفشِ هوَّ فين..
ربتَ على ظهرها وخطا إلى السرير، وضعها بهدوءٍ يمسحُ على رأسها: 
-حاضر اهدي وأنا هكلِّم إلياس حالًا.. 
هزَّت رأسها تزيلُ دموعها وعيناها تثقبُ الهاتف، الذي وضعهُ على أذنه.. 
عند إلياس:
جلسَ على فراشهِ يُنهي بعض أعماله، تطلَّعَ على زوجتهِ التي تغفو فوق ساقيه..أمالَ بجسدهِ يلاطفها بصوتهِ الحنون:
-ميرال اتعدلي على السرير علشان رقبتك هتوجعك كدا.. 
ولكنَّها احتضنت ساقيها قائلة:
-لا هستنَّى لمَّا تخلص، وبعدين أنا نايمة صاحية، شوية كدا هقوم آخد شاور وأنزل للسحور.. 
قاطعهم صوتُ هاتفه، جذبهُ ينظرُ إلى المتصلِ ثمَّ أجابَ بلهفة: 
-بابا !! فيه إيه؟..أنتوا كويسين؟..
على الجانبِ الآخر أجابهُ مصطفى: 
-إحنا كويسين يابابا، مامتك بس اللي عايزة تطمِّن عليك، خد طمِّنها أصلها قلقانة.. 
أمسكت الهاتفَ بكفٍّ مرتعشٍ تطالعُ مصطفى الذي هز رأسهِ يشيرُ إلى الهاتف:
-كلِّمي إلياس حبيبتي..
-إلياس..قالتها بدموعٍ صامتة..نهضَ من مكانهِ سريعًا بعدما هبَّت ميرال على صوتِ مصطفى..
-ماما مالك؟..ومال صوتك؟..أنتوا كويسين؟. 
-أه..لا ..آااه، شهقة أخرجتها مع بكائها دون انقطاع، ليرتجفَ جسدهِ من الخوفِ على حالتها، ممَّا جعلهُ يتحرَّكُ سريعًا إلى خزانةِ ملابسه:
-طيب اهدي ياماما مسافة الطريق وأكون عندك.. 
-لا ياحبيبي مفيش داعي، قلقت عليكو، إنتَ كويس؟ومراتك كويسة؟..نزعَِ كنزته وأجابها: 
-حبيبتي أنا شوية وأكون عندك. 
-لا ياحبيبي أنا يمكن شوفت منام وحش، علشان كدا قلقتك، أنا كويسة وحياتك عندي أنا كويسة، بس طمِّني على أخوك.. قلبي وجعني عايزة أسمع صوته، خلِّيه يكلِّمني.. 
-لمَّا آجي لك نكلِّمه مع بعض..
-لو بتحبِّ أمَّك فعلًا ماتنزلشِ دلوقتي، خلاص حبيبي الصبح عدِّي عليَّا نكلِّمه قبلِ ما تروح الشغل، إدِّيني ميرال أكلِّمها..استدارَ إلى ميرال التي سحبت روبها وارتدتهُ مقتربةً منه
-في إيه؟!
-كلِّميها وطمِّنيها..
-ماما حبيبتي مالك؟.. 
-روح ماما إنتي، أنتوا كويسين حبيبتي، 
-أيوة..قالتها وعيناها على إلياس الذي يمسحُ على خصلاتهِ بغضبٍ ثمَّ أردفت:
-حبيبتي اهدي، إحنا كويسين والياس دلوقتي يكلِّم أرسلان ويطمِّنه، المهمِّ تهدي.. 
بعد فترةٍ انتهت المكالمة، ليرفعَ هاتفهِ محاولًا الوصولَ إلى أرسلان ولكنَّ هاتفهِ مغلق..اقتربت منهُ تمسكُ ذراعهِ ثمَّ ربتت عليه:
-حبيبي ممكن تهدى، ماما شافت حلم وحش، علشان كدا خافت، اهدى مش معنى أرسلان مابيردش يبقى فيه حاجة حصلت.. 
دارَ بالغرفة: 
-كان المفروض يكلِّمني بس ماكلِّمنيش، ممكن يكون مشغول..تذكَّرَ حديثَ أرسلان في الصباح: 
-العملية النهاردة ياإلياس ادعيلي، المكان اللي هدخلُه صعب، ياربِّ أعرف أخرج بحاجة مفيدة.. 
-في أمانِ الله ياحبيبي، ربِّنا يحفظك، عمر الباطل مابيفوز ياأرسلان، ممكن الحقِّ يتأخَّر شوية بس دايمًا الحقِّ قوي..
-ونعمَ بالله حبيبي، هكلِّمك لمَّا أخلص، يبقى طمِّن ماما وميرال..نسيت أسألك 
يزن وصل لمراته؟.. 
-في الطيارة، ساعة ويكون عندها إن شاءالله، المهمِّ إنتَ خلِّي بالك من نفسك..
-لا إله إلا الله..
-محمد رسول الله..قالها وأغلقَ الهاتف..خرجَ من شرودهِ على احتضانِ ميرال إليه بعدما ظهرَ القلقُ بوجهه:
-إلياس ممكن تهدى، كلِّم عمُّه إسحاق لو قلقان، مش دا اللي معاه كلِّ حاجة؟.. 
أومأ متراجعًا ينظرُ بساعته:
-الوقت اتأخَّر أتِّصل دلوقتي، وممكن يكون قلق على الفاضي، هستنَّى للصبح..قالها وهو يمسحُ على وجهه محاولًا أن يصبِّرَ نفسهِ من تسلِّلِ الألم بداخله.. 
دنت منه وجلست بجوارهِ وأردفت بنبرةٍ هادئةٍ رغم تلهُّفها على الاطمئنانِ على أرسلان: 
-حبيبي ممكن يكون نايم وقفل تليفونه، وكمان إنتَ بتقول مقالش أنُّه رايح فين، يعني ممكن يكون فرق التوقيت أو شبكة، المهمِّ اهدى وكلِّ حاجة هتبقى كويسة.. 
تأرجحت عيناهُ بالخوفِ فنهضَ يهزُّ رأسهِ قائلًا: 
-لا، أنا عندي إحساس مش مريَّحني، هتِّصل بإسحاق وزي ماتيجي..أوَّل مرَّة من وقتِ ما عرفنا بعض يغيب كدا..
قالها وهو يبحثُ عن اسمِ إسحاق ولم يتردَّد لحظة بالاتصال..لحظات وأجابهُ إسحاق:
-أيوة ..
نهضَ من مكانهِ وحاولَ جمعَ شتاتِ نفسه، فكلَّما تخيَّلَ أنَّ أخيهِ أصابهُ مكروهًا يشعرُ بانسحابِ روحه.. 
-آسف إسحاق باشا، قلقت معاليك
- ولا يهمَّك ياإلياس، خير؟،،
حمحمَ ليتجلَّى صوتهِ ولأوَّلِ مرَّةٍ يشعرُ بأنَّهُ كطفلٍ يبحثُ عن مفرداتٍ تعبِّرُ عن قلقهِ بصفةٍ غير مباشرة ..لحظات إلى أن نطقَ بنبرةٍ حاولَ أن تكونَ طبيعية:
-أرسلان كلِّم حضرتك النهاردة؟.. 
أجابهُ إسحاق بهدوءٍ وكأنَّهُ أغلقَ منذ لحظاتٍ الاتصالَ به:
-أيوة، هوَّ كويس، بس المكان اللي فيه مفهوش شبكة، اطَّمن عليه.. 
-شكرًا لمعاليك..قالها مغلقًا دون الخوضِ بتفاصيلَ أخرى.
زفرةٌ حارقةٌ يشعرُ بدمويتها كبلِّورٍ يشحذُ جوفهِ قائلًا:
-الحمدُ لله..ابتسمت ميرال قائلة:
-مش قولت لك ممكن يكون شبكة، اتِّصل بماما وطمِّنها، زمانها قلقانة..
أومأ وقامَ بمهاتفةِ فريدة التي هبَّت فزعةً على رنينِ الهاتفِ ظنًّا أنَّهُ فلذةُ كبدها: 
-إلياس!!
-أرسلان كويس؟.،المكان مفهوش شبكة اطمِّني، وبطَّلي تعيشي في دور أمينة رزق يامدام فريدة، قلقتي منامي على الفاضي.. 
أفلتت ميرال ضحكةً ناعمةً تجذبُ الهاتفَ من يديه 
-ماما حبيبتي، إلياس كلِّم إسحاق وطمِّنه، ارتاحي ياستِّ الكل.، 
-ربِّنا يريَّح بالكم يابنتي، لو كلِّمكم خليه يتِّصل بيَّا، وحشني أوي بقاله كام يوم مسمعنيش صوته.، 
تحرَّكَ إلياس إلى الحمَّامِ وهو يشاكسها:
-متحسِّسنيش أنُّه متربي في حضنك يامدام فريدة، مش كام شهر دول.. 
أشارت إليهِ ميرال متذمرةً وتابعت حديثها مع فريدة: 
-شوفتي ابنك بيطلع منُّه أفيهات حلوة أهو، وكان معيِّشنا في جحيم الراجل الغامض بسلامته.. 
ابتسمت فريدة وتمتمت:
-ربِّنا يهديكم لبعض..قالتها وأغلقت الهاتفَ تنظرُ إلى مصطفى الذي جذبها لأحضانهِ وطبعَ قبلةً فوق رأسها: 
-استرخي بقى وحاولي ترتاحي، قولت مليون مرَّة العصبية والزعل مش حلوين عليكي، إيه مش خايفة على جوزك؟.. 
-ربنا يخليك ليَّا يامصطفى، بس قلبي وجعني على الولاد أوي، لو مش مكسوفة من عيلة الجارحي كنت أصرِّيت عليه يبقى زي أخوه، لازم  آخد ابني في حضني ويكون تحت عنيَّا يامصطفى، مش حقِّي؟.. 
غمغمَ باعتراضٍ خافت، ثمَّ أعدلَ وضعيةِ جلوسها واحتضنَ كفَّيها بين راحتيهِ يربتُ عليهما:
-فريدة إنتي المفروض تحمدي ربِّنا أوي، كنتي فين وبقيتي فين، ولادك بعد تلاتين سنة رجعوا لحضنك والاتنين، ومش بس كدا، ماشاء الله مناصب غير الناس بتحبُّهم، أنا كأب لإلياس عانيت من فكرة أنُّه يتغيَّر عليَّا، منكرشِ كنت رافض أنُّه يعرف علشان مايخرجشِ من حضني، أنا ربِّيته، دا ابني البكري اللي من نظرة بنفهم بعض، كان صعب عليَّا أنُّه يتَّاخد من بين إيدي وحضني، بس برجع وأقول إيه الطمع دا، يعني المفروض أحمد ربنا أوي، بما إنِّك أمُّه، يعني مهما يعمل ومهما تعملي هيكون في حضني كدا كدا، طيب عيلة الجارحي بقى يعملوا إيه؟..دا الراجل لمَّا حس أنُّه هيفقده عمل حادثة واتحجز وكان هيموت، ولَّا إسحاق اللي استخدم نفوذه غير تهديده ليَّا، حقُّهم يافريدة عليه، وطبعًا إنتي قعدتي مع مدام صفية وعرفتي قدِّ إيه إنَّها تستاهل إنِّ أرسلان يكون ابنها، عارف الموضوع مش سهل عليكي، بس حرام ناخد حقِّهم في تربيته، وماشاء الله طالع راجل عارف دينه قبل دنياه، وهوَّ مش بيقصَّر معاكي بيحاول يرضي الكل، أنا لمَّا ببصِّ في عيونه بحسِّ جوَّاهم صراع كبير بس ليه معرفشِ.. فبلاش لمَّا يرجع تشيَّليه فوق طاقته..
وضعت رأسها على كتفهِ تغمضُ عيناها 
وأردفت بنبرةٍ راضية:
-أنا عملت إيه في دنيتي يامصطفى؟..علشان ربنا يعوَّضني بدا كلُّه..
حاوطَ جسدها يضمُّها لأحضانهِ بقوَّةٍ وردَّ بنبرةٍ واثقة:
-لأنِّك فريدة يافريدة، اسم على مسمى، أنا اللي المفروض عملت إيه..علشان ربِّنا يبعتك ليا في وقت كنت فاقد الأمل في كلِّ حاجة..أوّّل مادخلتي بيتي ربِّنا رزقنا بنعمة فضلت سنين أتمنَّاها، وأوَّل مادخلتي حضني عرفت يعني إيه إحساس الرضا والسعادة، مش بعترض على حياتي مع غادة، غادة كانت نعم الزوجة، وعمري ماأنسى أفضالها عليَّا، أوَّل دنيا ليا، وأوَّل إيد مسحت حزني بعد خسارتي لوالدي، غير أنَّها أوَّل من نبض لها القلب.. 
رفعت رأسها وتعمَّقت بالنظرِ إلى عينيهِ وأردفت بحاجبٍ مرفوع: 
-طيب لاحظ إنِّي مراتك وفي حضنك.. وسيادة اللوا بيتغزَّل في ستِّ تانية، مع احترامي لذكرى غادة وحبِّي ليها، بس أنا مهما كنت مراتك ومن حقِّي تتكلِّم عنِّي بس..قالتها بصوتٍ مختنقٍ حتى شعرَ بأنَّها سوف تبكي.
رفعَ ذقنها وسبحَ بعينيها يمرِّرُ أناملهِ على وجهها، الذي رغم مرورِ السنينِ إلَّا أنَّها مازالت تلك التي اقتحمت حياتهِ واخترقت نبضَ قلبه، ليردفَ بصوتهِ الأجشِّ الرجولي:
-غيرانة يافريدة ؟!
خانتها دموعها لا تعلمُ لماذا تشعرُ بذلك الشعور الذي لأوَّلِ مرَّةٍ يتسرَّبُ لجوارحها، لتهزَّ رأسها مردفةً بنبرةٍ باكية لم تستطع إخفاءها:
-ليه مش راجل وتستاهل أغير عليك؟..ولَّا إنتَ شايف إنِّي مستهلشِ دا..
لم تكمل حديثها حينما انقضَّ عليها يحتضنُ ثغرها ..الذي نطق ماجعلهُ يشعرُ وكأنَّهُ شابٌّ عشرينيّ من ِقوَّةِ ماشعرَ به من خفقانِ شقِّهِ الأيسر.. تراجعَ للخلفِ يحتضنُ وجهها وآاااه أخرجها وكأنَّهُ كان يُدفنُ داخل قبر، والآن حُرِّرَ ليخرجَ آهاتهِ قائلًا:
-عارفة، كان نفسي أسمع الكلام دا من إمتى؟..
رفرفت أهدابها تنظرُ إليه منتظرةً تكملةَ حديثه..لمسَ وجنتيها، زمَّ شفتيهِ بشبهِ ابتسامةٍ قائلًا:
-من وقت ماشوفتي أرسلان وطلع جنانك بيه وإنتي ماشية تقولي جمال رجع، من وقتها وحسِّيت إنِّ حياتنا كانت سراب، حسِّيت بنقصِ جوايا معرفتش أحتويكي كويس..وأحسِّسك بالأمان والحبِّ اللي كان بيدهولك جمال، غيرت منُّه أوي، أوَّل مرَّة أكون أناني في حاجة، بس كنت بتمنَّى إنِّ أرسلان دا ميقرَّبشِ من بيتي تاني، لدرجة كلِّمت إسحاق وقولت له يبعد أرسلان عن إلياس لو هوَّ مش معترف أنُّه ابنك..
شهقت فريدة تطالعهُ بصدمة، وتمتمت بلسانٍ ثقيل: 
-إنتَ يامصطفى، إنتَ تعمل كدا؟!..
هزَّ رأسهِ بتنهيدة وتابعَ مستطردًا:
-أنكرتي وجودي يافريدة، أنكرتي قلبي اللي حبِّك واتعلَّق بيكي، ومكنتيش شايفة غير أرسلان اللي يشبه جمال وبس، خلِّتيني أعاقب إلياس وهوَّ راجل علشان يقرَّب منِّك ويحاول يسحب حبِّك لأرسلان، خلِّيتيني أتِّفق مع إلياس وإسحاق أنُّهم يوافقوا على رجوعه بس بشرط اسمه يفضل زي ماهوَّ، كرهت اسمِ جمال بسبب لهفة عيونك عليه لمَّا يدخل، خلِّتيني أكره حضنِ الأمِّ لابنها علشان شوفت فيه جمال جوزك وإنتي بتحضنيه. 
-اسكت يامصطفى، اسكت متكمِّلش، إيه اللي بتقوله دا!! جمال ماضي وانتهى، زي ماغادة كانت ماضي عندك، ربِّنا يشهد عليَّا عمري مافكَّرت فيه من بعدِ ما دخلت حضنك، ولا عمري فكَّرت أخونك حتى لو بالمشاعر، بس غصب عنِّي ذكرياته ساعات بتيجي على بالي مش علشان إنتَ معرفتش تحسِّسني بالحب، لا علشان من حقُّه يامصطفى، من حقِّ ولاده عليه يكون له ذكرى.. 
قالتها وتوقَّفت تتطلَّعُ بتيهٍ وتشتُّت تحدِّثُ نفسها:
-للدرجة دي أنا مكنتش براعي شعورك؟..خلِّيتك تحسِّ إنِّي ستِّ خاينة..
نهضَ من فوق السريرِ وتوجَّهَ إلى وقوفها يجذبها لأحضانهِ يمسِّدُ على خصلاتها: 
-متزعليش منِّي، أنا حبيت أفضفض على اللي واجع روحي منِّك يافريدة، بس واللهِ عمري ماشفتك ستِّ خاينة، أوعي تقولي كدا تاني يافريدة، الكلمة وحشة وبتوجع أوي..
رفعت رأسها ونظرت بداخلِ مقلتيه: 
-مصطفى إنتَ أغلى من روحي، أوعى تقول كدا تاني أنا بحبَّك أوي، ومش متخيِّلة حياتي من غيرك، وربِّنا ياخد أمانته منِّي قبلِ مايوجع قلبي عليك.. 
لم يتبقَّ هنا حديثًا يُقال سوى التقرُّبِ بنبضِ القلوبِ الذي ينبضُ بالصدور، ليسحبها لجنَّةِ خلدهِ يثبتُ لها وبها أنَّها الحياة..ولا حياةَ بدونها.
بفيلا راجح 
دار كالأسد الجريح، وشعر بأنه سيصاب بسكتة قلبية، هبطت الدرج تطلع إليه 
-معرفش ايه دا كله، اول مرة تخسر صفقة اثار 
أطبق على ذراعيها يهدر كالمجنون:
-مين اللي عمل كدا، ماهو مش الواد الصايع، لانه كان جوا المخزن وقالوا اتحرق ونقلوه مستشفى البنداري، قولي مين 
نظرت إليه بذهول تشير إلى نفسها
-بتخوني ياراجح، انت مجنون ..زجها بعيدًا عنه، وصعد إلى الأعلى يأكل درجات السلم، دلف إلى غرفته وقام بتحطيم كل مايقابله، ظل لفترة كالذي فقد عقله، ثم رفع هاتفه 
-اسمعني كويس، بكرة الصبح هننزل السويس عايزك تأجرلي يخت يكون لحد مهم..قالها وأغلق الهاتف ينظر بشرود ثم تمتم 
-بتخونيني يارانيا، والله لاخليكي وجبة للسمك اهو تونسي حبيب قلبك بدل سرحانك ورا الصايع اللي مفكراني اهبل ومش عارف بلاويكي 
قاطعه صوته هاتفه
-ايه اللي حصل ياراجح، يعني انا اقف لابن اخويا وفي الاخر تطلع عيل ياراجح، انت كدا كتبت شهادة وفاتك بايدك ..قالها واغلق الهاتف ..ليهوى الآخر على المقعد
-ياولاد الكلب لعبتوها عليا 
عند إلياس 
استمع الى رنين هاتفه
-يزن السوهاجي في الطيارة ياباشا، بس الراجل بتاعنا كلمني وقال مدام رحيل حد بيراقبها
-اعرف لي مين دا وخلي بالك كويس، يزن وقت ماينزل من الطيارة تكون ظله 
-حاضر ياباشا
عند ارسلان 
جلس لبعض الوقت بالمركب، إلى أن استمع الى صوت ضحكات أنثوية بمركب يخص أحد الأثرياء بمقابلته، ازداد تعرقه ينظر بتشوش إلى جرحه، استند ليستند على ركبته يدعو الله أن تكون مايريد ..نظر من الفراغات، ليهوي متنهد يحمد الله، زحف متأوهًا إلى أن تسلل بالبحر مرة أخرى بعدما استمع الى صوت قوات الأمن يأمر بالبحث بكل السفن والمراكب 


انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا