رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم سعاد محمد سلامه
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والثلاثون 33 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامه رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والثلاثون 33 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والثلاثون 33 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والثلاثون 33
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والثلاثون 33
بالشركة
عيني ميسون تتبادل النظراتٍ الساحقة بين تاج وفراس، الذي ينظر إليها بثقة وتحدٍّ واضح... أدركت أنه يحاول الضغط عليها، يدفعها بصمته المُحكم نحو الزاوية لإجبارها على بيع أسهمها... ورغم محاولتها التماسك، لم تفلح في إخفاء التوتر الذي تسلل إلى نظراتها... أما تاج فكانت تراقب المشهد بصمت، تقرأ الصراع الخفي بينهما، بينما ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة تحمل من الإدراك أكثر مما تود ميسون أن تعترف به.
شعرت ميسون بأن الخناق يضيق حولها، لكنها لم تكن من النوع الذي يستسلم بسهولة... رفعت ذقنها بشموخ، محاولة أن تبدو غير مبالية، ثم قالت بصوت ناعم لكنه مشحون بالتحدي:
إنتم مفكربن أنكم بكده تقدروا تضغطوا عليا عشان أبيع الأسهم بتاعتِ.
لم يرمش فراس، بل انحنى بصدره للأمام قليلًا، مسندًا مرفقه على الطاولة، وعيناه تزدادان ثباتًا قائلًا بيقين:
للآسف يا مدام ميسون إنتِ غلطانة فى كلامك، وأنا مش بضغط عليك لسبب واحد، لآن الشركة الإنجليزية للآسف وصلني منها عدم رغبتها فى شراء أسهُم جديدة من المساهمين فى الشركة،إكتفت بالأسهُم اللى بتمتلكها.
لوهلة إنصدمت وإرتجفت أناملها ، لكن ابتسامتها لم تتزحزح، بل زادتها حدة... أطلقت ضحكة قصيرة قبل أن تنقل بصرها بينه وبين تاج التي لم تفارقها ابتسامتها الغامضة..
الصدمه جعلتها تتسرع بالرد:
قصدك إيه، يعني لو عرضت أبيع الأسهم بتاعتِ محدش هيشتريها.
صمت الجميع... شعرت بغضب وغيظ من تاج التي قالت بإستبياع وغيظ لها:
عن نفسي مش بفكر أشتري أي أسهم كفاية عليا الأسهم اللى إتنازل عنها جاسر ليا، مش بفكر فى الإدارة الفترة الجاية هركز فى حياتي الشخصية أكتر.
نظرت نحو آسر الذي تغاضي عن النظر لها وهو يعبث بالقلم على تلك الورقة أمامه، إغتاظت بشدة لكن لن تُعطي فرصة للتشفي بها... أطلقت ضحكة غيظ، قبل أن تستقيم في جلستها، تنقل بصرها بينها وبين تاج التي لم تفارقها ابتسامتها الغامضة... تفوهت بحِدة وثقة واهية بوعيد:
واضح إن فى لعبة، هنشوف مين اللى يفوز باللعبة ويضحك فى الأخر.
قالت ذلك ونهضت، تسحب حقيبتها بحركة بطيئة متعمدة، وكأنها تمنح نفسها لحظة لالتقاط أنفاسها، قبل أن تخطو خارج المكتب، تجرّ خلفها ظل معركة تظن أنها لم تُحسم بعد.
بمجرد أن خرجت تبسمت تاج لـ فراس ثم نظرت نحو آسر قائلة بإمتنان:
شكرًا يا آسر لدعمك لينا قصاد ميسون.
لوهلة شعر آسر بالندم على أنه يومً إقترن بـ ميسون تلك المُتسلقة الطماعة، كان مُسير بلا قرار، لكن بداخله إنشرح أنه فاق قبل أن ينجرف بأحقاد قلب ميسون التي كانت واضحة من البداية لكن كان ضائعً بأحداث الماضي التي كانت صادمة له منذ صِباه صبي يرا والدته بحضن عمه بعد فترة قليلة من وفاة والدته، ليتها كانت أخبرته بمساومته لها كان إختار لها الكرامة والابتعاد عن ذلك الحقير،كذالك كانت الطامة الثانية زواج أمينه صاحبة أول دقة قلب،صديقته أو هكذا هي ظنت وقبلت زواج هي الاخرى ظنت أنها ستجد به ملجأ لأسرة لكن كان هشًا لم يتحمل وإنسحق من أول رياح أصابته،الإثنين كانا ضحية الإحتياج،حتى عادا وإلتقيا ليسترد هو ما تبقي من ضميره الذي رفض الإنصياع وراء أضغان ميسون،فإنقلبت عليه هو الآخر،لوهلة شعر بذم فى عقله الذي كان غافلًا بإرادته ثم تبسم لـ تاج التي تمنى يومً إكمال زواجهما ربما كانت إختلفت تلك الجلسة الآن،لكن تاج كانت ومازالت مُغرمة بالجاسر الأحق بها، تنهد قائلًا:
لما وافقتي على وصية عمي إننا نتجوز منكرش إني وقتها إتمنيت يكمل جوازنا ونستمر مع بعض، لكن واضح إن مشاعرك إتجاه جاسر عمرها ما إهتزت عشان كده إنتِ إختارتي أسهُم الشركة، عارف إنها من حقك اللى سلبهُ عمي،بس أنا كمان زيك يا تاج عمي سلب حق والدي اللى آمن له،يعني نصيبِ فى الشركة حقي ومش بقول كده عشان أبقي عقبة معاكم بالعكس أنا واثق فيكِ وفى إدارة الشركة وإنكم ترفعوا قيمتها،أنا صحيح درست إدارة الأعمال لكن عمري ما كانت أحلامي إدارة شركة عقارات،أنا بدأت فى مشروع تاني كان حلمي من وأنا صغير،كمان عندي موهبة وهستغلها فى الشئ اللى كان نفسي فيه،يعني مش هبقي منافس،بس مجرد شريك معاكم وتأكدي مش هتلاقوا مني أي عقبات زي قبل كده.
إبتسم فراس كذالك تاج التى قالت:
هنسى الماضي وهثق فيك
ومازال العرض قائم يا آسر وقت ما تحب تبيع أسهُمك... أنا جاهزة أشتري بالتمن اللى تقول عليه.
رغم فحوى كلامها انها تفترض به الثقه لديها الحق سابقًا كان مجرد واجهه يُنفذ لـ ميسون غرضها، تبسم قائلًا:
على فكرة يا تاج جاسر بعد آخر إجتماع طلب مني يشتري الأسهم بتاعتِ بإسمك...بتمني لكم السعادة.
لمعت عين تاج وأومأت ببسمة دافئة وهي تنظر إلى فراس ، ثم التفتت إلى آسر بنظرة ثقة وشُكر:
دا قرارك في النهاية يا آسر، بس أنا مش هغير كلامي… أي وقت تحب تبيع، هكون جاهزة.
بينما خفق قلب تاج عقلها يدور بسرعة، لم تكن تتوقع خطوة جاسر، لكنها لم تستغربها أيضًا، مازال يؤكد لها دعمه المُطلق لها.
بعد قليل غادر آسر وترك فراس وتاج التى تبسمت، وضع فراس يده فوق يدها بمؤازرة قائلًا:
إنتِ أقوى من ما بتتصوري يا تاج… وأهو الزمن بيأكد إن اللي ليكِ هيرجعلك، حتى لو حاولوا يبعدوه عنك.
نظرت إليه تاج بعينين تحملان مزيجًا من الامتنان واليقين.
...... ❈-❈-❈
بسيارتها
صفعت ميسون مقود السيارة عدة مرات بقوة غاضبة للغاية، تضغط على زامور السيارة بقوة تسب سائق تلك السيارة التى أمامها حتى تجنب سارعت بالمرور من جواره تقود السيارة بسرعة فائقة عقلها غير مستوعب لقد وضعت بخانة ضيقة وجب عليها الخروج منها قبل أن تضيق أكثر عليها، لكن الطمع بداخلها عليها الخروج بأعلى المكاسب لن تسمح بالخسارة والإنهزام أمام تلك الوضيعة تاج....فكرت وعقلها كآنه توقف لكن رنين هاتفها جعلها تفصل للحظات وهي تسحب هاتفها من الحقيبة،إبتسمت بشرر وفكرت تلك فرصة بالتأكيد ستضرب بها تاج.
نظرت إلى اسم المتصل، وضغطت على زر الرد بسرعة، متصنعة الهدوء:
ألو… كنت مستنياك تتصل.
جاءها صوت الطرف الآخر واثقًا لكن ميسون لم تكن في حالة تسمح لها بالصبر... شحذت كلماتها كرمح، وبنبرة تحمل مزيجًا من الحنق والخداع، قالت:
عندي ليك عرض ممتاز... لازم نتقابل مش هينفع الكلام عالموبايل.
سمعت ترددًا من الطرف الآخر، فتابعت بإلحاح:
صدقني، دي الفرصة اللي مش هتتعوض… ولو استنيت، ممكن يسبقك حد تاني.
بصعوبة وافق الطرف الآخر على اللقاء أغلقت المكالمة بعد أن اتفقت على مكان اللقاء بعد ساعة ونصف، ثم ألقت الهاتف بجانبها، وعينيها تضيئان بتلك النظرة المتوحشة التي لا تخطئها عين... وتحدثت بوعيد
لعبتِ بالنار يا تاج… وآن الأوان تدوقي ناري.
ضغطت على دواسة الوقود أكثر، وكأن سرعتها المجنونة تعكس العاصفة التي تدور بداخلها.
❈-❈-❈
بمنزل والدة جاسر
فتحت هالة الباب ودلفت دون شعور من والدتها التى كانت تجلس بغرفتها تتحدث عبر الهاتف، سارت بصمت نحو الغرفة، لتقف مُتصنمة تشعر بغيظ واجم، وهي تسمع حديث والدتها وذكرها لإسم تاج، إذن هي تتحدث معها لكن كيف تتحدث بتلك الطريقة اللطيفة معها...لكن تملُك الغيظ المحتدم في صدرها كان أقوى من أن تتجاهله... قبضت أصابعها بقوة، وشفتاها ارتجفتا بحنق وهي تسمع والدتها تضحك بلطف، تردد اسم تاج وكأنها صديقتها أو ابنتها المفضلة، تتحدث معها بصوت ممزوج بالود والاهتمام، وكأنها ليست هي نفسها المرأة التي لطالما تجاهلت حديثها عن تلك الفتاة بازدراء... ذُهل عقلها بسؤال:
كيف.... كيف تغيرت بهذه البساطة؟
شعرت هالة بوخزة غضب في صدرها، وكأن شيئًا ما يُسحب منها ببطء... كانت دومًا تعتقد أن والدتها تكره تاج مثلما تفعل هي، بل ربما أكثر! لكنها الآن تسمع نبرة لم تعهدها من قبل، نبرة تجعلها تشعر بأنها الخاسرة
حاولت الثبات بصمت، غليلها وغضبها يتصارعان داخلها، لكنها لم تستطع احتمال المزيد. ...كادت تغادر لكن بسبب تحكُم الغيظ فيها صدمت منضدة بالردهة كان فوقها قطعة ديكور سقطت وإفتعلت صوت جعل والدتها تنهض وتخرج من الغرفة، وقفت في مكانها متجمدة، كأن جسدها فقد القدرة على الحركة، بينما هالة عيناها التقتا بعيني والدتها المندهشتين... للحظة، لم تنطق أي منهما بكلمة، وكأن الزمن توقف بينهما، لكن نظرة والدتها سرعان ما تحولت إلى صرامة مريبة، عابسة وهي تتفحص ملامح ابنتها التي لم تفلح في إخفاء اضطرابها.
-هالة؟ إنتِ هنا من إمتى.
سألتها والدتها بحدة، بينما اقتربت منها بخطوات حذرة، وكأنها تشك في أنها سمعت حديثها.
حاولت هالة أن تتدارك نفسها، أن تختلق أي عذر، لكن حلقها كان جافًا، وصدرها يعلو ويهبط بغضب مكتوم. لم تستطع منع الكلمات التي اندفعت منها فجأة:
إنتِ بتتكلمي مع تاج!
1
صمتت والدتها وقامت بإنهاء الحديث مع تاج بوعد بحديث لاحق،اغاظ ذلك هالة وإستطردت حديثها بهجوم:
إزاي بتكلمي تاج كده؟ من إمتى وبقيتي تحبيها.
انعقد حاجبا والدتها، وتغيرت ملامحها إلى برود غامض، قبل أن تقول بصوت متزن لكنه يحمل نبرة تحذير خفية:
وأنتِ مالك.
لم تتوقع هالة تلك الإجابة، توقعت إنكارًا أو تبريرًا، لكنها وجدت في رد والدتها نوعًا من الحسم جعلها تشعر بأنها أصبحت فجأة خارج الصورة... وكأنها لم تعد تتحكم في مسار الأمور كما اعتادت شعرت هالة بصفعة خفية خلف كلمات والدتها، وكأنها تخبرها بوضوح أنها ليست طرفًا في الأمر، وأن اعتراضها لا قيمة له... ازدردت ريقها بصعوبة، تحاول أن تستوعب هذا الجفاء المفاجئ، لكنها لم تستطع كبح إحساسها بالخذلان.
-إزاي ماليش دعوة.
صاحت باندفاع، غير قادرة على كبح غيظها...وأكملت بتذكير لوالدتها:
قبل فترة كنت بتقولي إنها مش مناسبة لـ جاسر... فجأةدلوقتي فجأة بقت حبيبتك المدللة.
1
تقدمت والدتها خطوة للأمام، ووضعت يديها على كتف هالة تنظر إليها نظرة ممزوجة بالحنان والحِدة جعلت هالة تشعر بانقباض في صدرها.. رغم نبرة والدتها الهادئة، لكنها حادة كالسكين، وهي تقول بعطف:
أنا دلوقتي كل اللى بفكر مصلحة .
تجمدت هالة، وكأن والدتها سحبت الأرض من تحت قدميها. لم يكن الغضب فقط ما اجتاحها، بل إحساس عميق بالخيانة، وكأنها كانت تعيش في وهم، تصدق كذبة لم تكن سوى لعبة في يد والدتها.
قبضت أصابعها حتى كادت أظافرها تنغرز في راحتيها، ثم تفوهت بغضب:
وإيه مصلحة جاسر عند تاج دي واحدة آنانية وإستغلالية دايمًا و...
قاطعتها والدتها بغضب قائلة بنهي:
كفاية يا هالة كذب على نفسك جاسر قالي حقيقة اللى حصل من زمان وأنا من وقتها صدقتك إنتِ وكرهت تاج واتحاملت عليها زيك وأكتر وجاسر إتحمل، لكن يوصل بيك الشر فى قلبك إنك...
قاطعتها هالة بشرر:
وإيه اللى إتغير دلوقتي وصدقتيه.
جاوبتها بأسي ومواجهه:
الحقيقة يا هالة،وصل بيك الشر تتسبي فى إجهاض مرات أخوكِ بعد ما أنقذت إبنك من الحصان..إمتى الشر ده كله إتمكن من قلبك.
إرتبكت هالة للحظات ثم تهكمت بإنكار قائله:
إيه التخاريف دي،كمان أنا مكنتش أعرف إنها حامل غير بعد ما....
قاطعتها والدتها:
ممكن مكنتش تعرفي إنها حامل،لكن إنت السبب إن الحصان لو كان إتمكن منها كان ممكن يقتلها، فين ضميرك.
إرتبكت بتوتر ومازالت تُصر على النفي والتهجم على تاج، الى أن صفعتها والدتها قائلة:
لسه مُصرة عالكدب،تسجيل كاميرا المزرعة وضح حقيقة اللى حصل، أنا شوفت الفيديو، وكمان جاسر... أخوكِ اللى حرقتي قلبه وبسببك ظلم مراته وصل بينهم الحال للطلاق إستريحتي كده يا هالة، بقيتِ مريضة نفسيه محتاجة علاج، فوقي أنا بسببك ساهمت فى تعب قلب أخوكِ لما كُنت دايمًا بتحامل معاكِ على تاج... ولما اكتشفت الحقيقة كان فات الأوان، حياته مع حبييته اتدمرت، ومراته اتظلمت ظلم كبير... جاسر عِرف ومقدرش يواجهك، قالي حياته إنتهت مع تاج، حتى لو واجهك بالكلام، تاج عمرها ما هتسامحه، عمرها ما هتنسي إزاي ظلمها، وإزاي سبها وهي مظلومة ومحتاجه لدعمه، وهو نفسه مش قادر يسامح نفسه…
شهقت هالة بانفعال، عيناها تبرقان بالغضب والألم معًا تُبرر:
أنا ما قصدتش... كنت عايزة أحميه منها.
لكن والدتها قاطعتها بحدة، صوتها يقطر حسرة ووجعًا:
وحميتيه.... دي الحماية اللي بتتكلمي عنها.. حماية مبنية على الكذب والافتراء.. دمّرتي بيته، خربتي حياته، وأذيتِ إنسانة ملهاش ذنب، إزاي هتغفري لنفسك.
انهارت هالة جالسة على الأرض، دموعها تتساقط بغزارة، لكنها هذه المرة لم تكن دموع العناد أو التبرير، بل دموع الانهيار التام وبداية الندم.
❈-❈-❈
بالسباق
بنفس اللحظة، الذي كاد ينفلت اللجام من بين يديه استجمع قواه، وقبض على اللجام بقوة أكبر، ثم ضغط بقدميه على جوانب الحصان ليعيد توجيهه... نجح في تهدئته تدريجيًا، ورغم أن الحاجز الأخير كان يقترب بسرعة، استطاع جعل الحصان يقفز فوقه بانسيابية، ليصل إلى خط النهاية وسط ذهول الجميع.
نزل جاسر عن الحصان، يتنفس بصعوبة، والعرق يتصبب من جبينه. نظرات الحاضرين تمزج بين الإعجاب والدهشة، لكن عينيه اتجهتا إلى جهة محددة في المدرجات… كانت تاج هناك، تتابعه بعينين لامعتين، تفيضان بمزيج من القلق والفخر... أغمض عيناه ثم فتحهما إكتشف أن حضور تاج كان مجرد أمنية تمناها .. لكنها ليست موجودة وها هو يُكرم بجائزة الفارس الأول وشعور آخر بلا لذة.
بينما كانت روزالينا بالمدرجات تشعر بالغضب من نجاة وفوز جاسر، تذكرت أن من أخبرتها بأن جاسر سيشارك بذلك السباق هي هالة، تلك الحمقاء التى تتلاعب على وتر كراهيتها لـ تاج،لكن قبضت على قبضتها بقوة، وشعرت بسخط يتصاعد في صدرها... لم يكن الأمر مجرد سباق بالنسبة لها، بل كان فرصة لترى جاسر يسقط، فرصة لتنتقم بطريقتها وهي تراه مهزوم علانية، لكنها فشلت... بل الأسوء من الفشل خسرت حتى مكانتها وشأنها، هالة أوهمتها أن تاج قد تكون نزوة بحياة جاسر لكن كانت مُخطئة وها هي اللحظة الحاسمة، جاسر لم يُهزم، بل فاز ويُهدي الفوز لتلك الغائبة الحاضرة فى قلبه بإستمرار
تنفست بعمق، وألقت نظرة حادة علي جاسر، وإبتسامته الواثقة أشعلت داخلها شعورًا أكثر مرارة... إن كانت هالة تلعب لعبتها الخاصة، بالتفريق بين جاسر وتاج ... عليها أن تكون أكثر حذرًا... لا مجال لأن تتنازل عن مكانتها وتطارد السراب... عليها الإعتراف هي كانت نزوة مرت بحياة جاسر...وعليها الاعتراف بذلك بل الإنسحاب قبل أن يتمكن الحقد منها وتُصبح أسيرة لدوامة الانتقام... لم تكن من النساء اللاتي يتوسلن الحب، ولا ممن يقبلن الفتات العاطفي، لكنها كانت إنسانة، تملك قلبًا يأبى أن يُهان... ولكن، هل تملك الشجاعة الكافية للمغادرة بكرامتها؟ أم أن شيئًا خفيًا بداخلها لا يزال يأمل أن يكون الأمر أكثر من مجرد نزوة؟
والجواب معروف لابد من الاعتراف به… ومواجهة الحقيقة التي تحفر داخلها كخنجر بارد، كلما رأت نظراته تمر عبرها دون أن تتوقف، كأنها لم تكن يومًا جزءًا من عالمه.
لقد حسم الأمر دون أن ينطق بكلمة، ومع ذلك، قلبها ما زال يئن،أنها كانت مجرد عابر في قصة لم تُكتب لها نهاية سعيدة... وعليها أن تنسحب من معركة محسوم خسارتها.
❈-❈-❈
بعد عِدة أيام
بمرسى مطروح بالموقع
كانت تنظر حولها بترقب تنتظر أن ترا صهيب حتى إن كان كلامهما مُختصر على سير العمل، لكن اليوم تشعر بشئ غريب لقد تأخر الوقت وإقترب من الظهيرة وهو لم يظهر بعد، إستغربت ذلك شعرت بخفقان... وسألت عقلها عن سبب لتأخيره، لكن لم يُعطي سوا سبب واحد أيكون مريض.. أة حدث له شيء؟ تسللت إليها موجة من القلق غير المبرر، حاولت أن تطردها لكنها وجدت نفسها تحدق في هاتفها، تنتظر منه أي رسالة، أي إشارة تخبرها أنه بخير.
مرت الدقائق بطيئة، ثقيلة، وكلما نظرت حولها بالموقع شعرت بانقباض في صدرها، كأنها تترقب خبرًا لا تود سماعه... لم تكن معتادة على هذا الشعور، لكنها لم تستطع إنكاره... ترى، متى بدأ صهيب يشغل هذا الحيز من تفكيرها دون أن تدرك ذلك، مر الوقت والفِكر السيئ يشتعل برأسها غصبً ذهبت نحو رئيس العمال وبأسلوب غير مباشر سألت عن عدم وجوده بالموقع، فأخبرها:
البشمهندس صهيب سافر القاهرة النهاردة الفجر وقالى إنه مش هيغيب هناك، سفريه مهمة وراجع النهاردة المسا.
تجمدت ملامحها لوهلة، لم تكن تتوقع هذا الرد. شعرت بغصة لم تفهم سببها، لكنها سرعان ما تماسكت وأجبرت نفسها على إظهار اللامبالاة.
اكتفت بهز رأسها وكأن الأمر لا يعنيها، لكنها في داخلها لم تستطع منع ذلك التساؤل من التغلغل في عقلها... لماذا لم يخبرها؟ أليس من المفترض أن يكون بينهما تواصل، ولو في حدود العمل.
حاولت طرد تلك الأفكار وهي تعود إلى جمودها، لكن قلبها ظل معلقًا بسؤال واحد…
- ما سبب سفره المفاجئ.
والجواب لديه
ها هو يجلس مع فراس وجنات وخليل ومعهم والدته، يُخبرهم:
أنا عاوز اتمم زفافي أنا وفايا فى أقرب وقت.
ساد الصمت لثوانٍ، وكأن كلماته سقطت كحجر في بحيرة راكدة، قبل أن تتبادل العيون نظرات الدهشة... كانت جنات أول من استعاد توازنها، فتساءلت بنبرة هادئة لكن لم تخلُ من الفضول:
ليه الاستعجال يا صهيب.
ابتسم، لكن في عينيه كان بها إصرار لا يقبل الجدل.
يا طنط.. مفيش داعي للتأجيل أكتر، كل حاجة جاهزة تقريبًا، وفايا كُل ما أحاول افاتحها تأجل الموضوع بدون سبب، رأيي نحطها قدام الأمر الواقع.
تدخل فراس وهو يرمقه بنظرة متفحصة:
أنت متأكد يا صهيب الجواز مش مجرد خطوة وخلاص، لازم تكون مستعد لكل تفاصيله.
اجابه صهيب:
أنا مستعد يا فراس، وفايا مفيش عندها سبب مُقنع للتأجيل.
لكن والدته لم تبدو مقتنعة تمامًا، وضعت كوب الشاي أمامها بتأنٍ قبل أن تسأله بلهجة لم تخلُوا من الحذر:
صهيب، أنت متأكد إنك واخد القرار ده بعقلك مش بقلبك وبس،وفايا موافقة على كده .
نظر إليها بثبات وقال بحزم:
متأكد وده القرار اللى مش هرجع فيه ومحتاج منكم دعم...فايا بتأجل بدون سبب مُقنع لمجرد التأجيل مش أكتر.
تبادلت جنات وخليل نظرات ذات مغزى، بينما ظل فراس يدرس ملامح صهيب وكأنه يحاول سبر أغوار ما يخفيه خلف إصراره هذا... أما والدته، فتنهدت بعمق قبل أن تقول:
إحنا معاك يا ابني، بس كل شيء في وقته، والاستعجال ساعات مش بيكون فى المصلحة.
لكن صهيب لم يكن مستعدًا للتراجع عليه وضع فايا امام الامر الواقع ، فقال بإصرار:
ده مش استعجال، أنا عارف أنا بعمل إيه، واثق إن ده الصح.
سكت لحظة قبل أن يضيف بصوت أكثر هدوءًا:
كل اللي بطلبه منكم إنكم تكونوا جنبي، وتساعدوني أتمم الجواز بأسرع وقت.
تدخل خليل بابتسامته الحكيمة:
مدام واثق من قرارك، يبقى علينا ندعمك، بس برضه خلينا نتفق إننا نعمل كل حاجة بروية ومن غير استعجال، علشان نفرح بيكم على خير.
أومأ صهيب برأسه، لكنه ظل صامتًا للحظات، كأن هناك شيئًا آخر يريد قوله لكنه آثر كتمانه... كُل ما يريده الآن هو تحديد الزفاف بأقرب وقت والباقي لديه بقلبه يقين أنه قادر على كسر جمود فايا الواهي.
❈-❈-❈
بمنزل والدة جاسر
بعد مواجهة والدتها لها بمعرفة جاسر أنها السبب بإصابة وإجهاض تاج شعرت بالخزي من مقابلته، لم تعُد تستطع مواجهة انعكاسها في المرآة، فكيف ستواجهه هو؟ شعرت بثقل الذنب يجثم على صدرها، يخنق أنفاسها كلما تخيلت نظراته المليئة بالغضب أو الاشمئزاز والخذلان منها... لكن كانت تعلم أن المواجهة حتمية، لكنها لم تكن مستعدة لرؤية الكراهية في عينيه... كيف ستدافع عن نفسها؟ كيف ستبرر فعلتها؟ أم أنها ستقبل بحكمه بصمت، كما لو كانت تنتظر الإدانة المستحقة؟
ارتجفت ساقيها وهي تقف أمام الشقه ، ترددت للحظة قبل أن تقرر الدخول… وتواجه مصيرها معه، أم تظل مختبئة في ظل خطيئتها...
فكرت بالمُغادرة، لكن طفلها فضحها حين تحمس ودلف سريعًا للداخل، قابله جاسر بحماس وعانقه بسعادة، بينما دلفت هالة تنظر لـ جاسر بترقُب لرد فعل جاسر بعد أن رأها ظل يحمل الطفل بين ذراعيه، يتأمل ملامحه ببسمة، ثم رفع عينيه ببطء نحو هالة... لم يكن في نظرته الغضب الذي توقعته، ولا حتى الدهشة، بل شيء أعمق… مزيج من الحنين والخذلان المكتوم.
شعرت هالة بأنفاسها تتسارع، تنتظر منه كلمة، أي رد فعل. هل سيوبخها، أو يرفضها
لكن جاسر لم يقل شيئًا... فقط وضع صغيرها الذي ذهب نحوها وسخب يدها للداخل،بينما جاسر اماء برأسه لها كآنه يُرحب بها بفتور، ثم تحجج برنين هاتفه ودخل لغرفته تركها تدمع عينيها تستوعب فتور استقباله، كيف يمكن له أن يكون هادئًا إلى هذا الحد... هل فقدت مكانتها لديه كشقيقة لها مَعزَة خاصة... حاولت أن تمسح دموعها بسرعة قبل أن يراها طفلها، لكنها شعرت بأن قدميها لا تستطيعان حملها... جلست على أقرب مقعد، تحتضن نفسها وكأنها تواسي قلبها المُخطئ... تلتفت حولها وكأنها غريبة في هذا المكان ... فاقت من عتمة ندمها على صوت صرخة مدوية... خرج جاسر على إثرها من غرفته وتوجه خلفها الى الخارج وهي تقف تكاد تفقد عقلها وهي ترا طفلها ينزلق على درجات السلم بعد أن تعثر على السلم... توقفت أنفاسها للحظة، وكأن الزمن تجمد عند المشهد المروع أمامها... طفلها يتدحرج على درجات السلم، جسده الصغير يتقلب مع كل درجة يسقط فوقها، وصرخاته تخترق قلبها كرؤوس سهام حادة... شعرت بأقدامها تثقل، وكأنها مُسمرة في الأرض، بينما عقلها يرفض استيعاب ما يحدث.
لكن جاسر لم يتوقف... اندفع كالصاعقة، قافزًا عبر الدرجات في محاولة للوصول إلى الطفل قبل أن يرتطم بالأرض... مدَّ يده، وأمسك به قبل أن ينزلق إلى النهاية، ليحتضنه بقوة بين ذراعيه... توقف الصغير عن الصراخ، صدره يعلو ويهبط بذعر، وعيناه الغارقتان بالدموع تتشبثان بوجه جاسر.
هرعت نحوهما، قلبها يكاد يقفز من صدرها... أخذت طفلها بين ذراعيها، تتفقده بعينين مذعورتين، تتحسس وجهه، يديه، جسده الصغير، تبحث عن أي علامة للأذى. بكت وهي تضمه إليها، تهمس باسمه، تدعو له بصوت مرتعش.
وقف جاسر أمامها، عيناه الداكنتان تحملان شيئًا لم تلحظه منذ زمن… قلق... خوف... شيء أشبه بإلقاء الذنب عليها لكنه لم يقل شيئًا، فقط أدار وجهه جانبًا وكأنه يحاول إخفاء اضطرابه، ثم قال بصوت منخفض لكنه حاد:
إزاي سبتيه لوحده.
رفعت رأسها نحوه، والدموع تلمع في عينيها، مزيج من الصدمة والإنهاك يجتاحها... أرادت أن تجيب، أن تبرر، لكن الكلمات خانتها... هل كان غضبه دليلًا على اهتمامه؟ أم أنه مجرد عتاب جاف آخر يضاف إلى جدار الجفاء بينهما... لكن أدركت أنه كان عتابُ ولوم صامت منه، وهي يتآكل قلبها من الندم، هي كانت على دراية بحمل تاج وساهمت بإجهاضها لأحقاد بقلبها.... وجاسر لم يُفكر للحظة وهرول مُنفذًا لطفلها قبل أن يتأذى أكتر...ندم وألم خنقها، واليوم تذوق طعم الندم بكل مرارته... جاسر لم يتوقف أمامها طويلًا، لم يواجهها بتلك الحقيقة التي تعرفها جيدًا، لكنه أيضًا لم يمنحها العذر أو الغفران... كان عتابه صامتًا، لكنه أثقل من أي صرخة بوجهها، وكان إنقاذه لطفلها دون تردد صفعة تُذكرها بأنه لم يكن يومًا مثلها، لم يكن يحمل ذلك الحقد في قلبه.... أحاطت طفلها بذراعيها، تحاول أن تستمد منه بعض الطمأنينة، لكنها لم تجد سوى فراغ يزداد اتساعًا في داخلها... لم يعد هناك مفر من الحقيقة، لم يعد هناك مجال للهروب من تأنيب ضميرها.... رفعت عينيها نحوه، تبحث عن أي شيء، نظرة، كلمة، حتى لو كانت قاسية، لكنها لم تجد سوى ظهره وهو يبتعد... يرحل عنها دون أن يمنحها حتى فرصة الاعتذار.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام أخرى
بالمطار
أعلن المذياع الداخلي عن قيام الرحلة المُتجهه الى أسبانيا
بألم نهض واقفً يتوجه الى مكان الطائرة كل خطوة يشعر بثقل غير معتاد في قدميه، وكأن الأرض تحاول أن تثنيه عن المضي قدمًا... ازدحمت الأفكار في رأسه، أصوات متداخلة بين الماضي والحاضر، ذكريات كانت أشبه بالظلال تطارده حيثما ذهب...
عند بوابة الصعود، وقف للحظات متردداً، يتأمل بطاقة السفر في يده... كان من المُفترض الغاء هذه الرحلة ببداية ثانية مع تاج، لكن الواقع أعطى نهاية أخرى.... بعمق تنهد، ثم شدّ قامته وأكمل سيره نحو الطائرة، غير مدرك أن القدر قد أعد له ما لم يكن في الحسبان…
حين دلف إلى الطائرة، كان ضجيج المسافرين وصوت المضيفات المألوف في أذنيه مجرد همسات بعيدة، وكأن عقله كان منفصلاً عن جسده... شق طريقه إلى مقعده بجوار النافذة، وجلس بثقل، محدقًا عبر الزجاج إلى مدرج الطائرات الذي بدا وكأنه خط فاصل بين حياته القديمة وما ينتظره في الجهة الأخرى.
«يتبع»
للحكاية بقية