رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل التاسع 9 بقلم ياسمين عادل
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل التاسع 9 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل التاسع 9 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل التاسع 9 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل التاسع 9
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل التاسع 9
"هل سمعت يومًا عن اللُطف المسموم؟!."
__________________________________
كانت البوابات الإلكترونية تنفتح أمامهِ ببطء رتيب، في حين كان صدرهِ گكتلة مُسعّرة من النار، وعيناه تُطلق شررًا غاضبة تكاد تفتك من يعترض طريقهِ. فجأة ترآى له "هاشم" واقفًا خلف البوابة ينتظر لُقياه، فاتحًا إليه ذراعيهِ بترحيب غير متوقع :
- أهلًا ياحج.. نورت والله.
لم يأخذهُ "حمدي" على محمل الجد، ولم يكن استقبال "هاشم" الزائف رادعًا لثورتهِ الطائشة، فدخل عبر البوابة مقتحمًا، وأثناء ذلك دفع بـ "هاشم" دون أن يحذر من جنون الأخير :
- وسـع من طـريقي ياواد العـزيـزي.
لم يتدخل "هاشم" حينما أوقفهُ الحرس بطريقة مهينة، جِراء تعديهِ المُسبق على سيدهم، فـ اتقد الغضب بين ضلوعهِ أكثر وهو يحاول الفكاك من بينهم بمساعدة رجالهِ الذي أتوا معه، فبدا الأمر وكأنه سيتحول لمعركة كبيرة :
- عيب يا حج لما تتهجم على بيوت الناس بالشكل ده انت مش صغير!.
توحّد الرجال صفًا في مواجهة الجيش الذي جمعه "حمدي" من الرجال، والذين تألفوا من خمسة عشر رجلًا، فأشار "هاشم" لرجاله بالإبتعاد وهو يهتف بـ :
- جاي عايز إيه يا حـج؟؟.. مش قولنا كل واحد في حاله!.
أفصح "حمدي" عن سبب وجوده بداخل الحصن الذي حُرّم عليه دخوله من قبل :
- مش مكسوف من نفسك!! بنتنا فين يا قليل الأصل؟.. وبتعمل إيه عندك هنا؟!.
بنفس النبرة الهادئة الرزينة والتي خالجها بعضًا من الحزم مع نظرات الجدية المعروف بها :
- طلبت حمايتي وانا إديتهالها.. عندك مانع؟.
تقدم منه "حمدي" خطوة وقد غلت الدماء في عروقهِ، فـ تقدم "هاشم" خطوتين حتى أصبحت المسافة الفاصلة بينهم متقلصة للغاية:
- بأي حق ياعديم الأصل؟.. بتفرض علينا حمايتك لـيه يا هاشـم ما تسـيبنا في حـالنـا!.
رمقهُ "هاشم" بنظرات حملت بعضًا من الإستخفاف وهو يقول :
- وانا هحميك انت ليه!.. أنا بحمي الهانم الصغيرة اللي ملقتش في بيتك أوضة تساعها.
كادت يداه تقبض على ياقتهِ، لولا إنه أمسك بكلتا يديهِ بقبضتين محكمتين وعيناه گالصقر الجارح:
- أوعى تعملها تاني.. المرة دي إيدك هترجع من غير صوابعها ياحج.
منع رجال "هاشم" أيًا من الآخرين من التدخل بينهما، وشكّلوا حاجزًا معيقًا أمامهم، تاركين الوضع خلفهم يتطور لما هو غير متوقع :
- شكلك حنيت لأيام الدم من تاني ولا ايه!.. سلمني البت بدل ما أطربق عليك البيت باللي فيه.
فصاح "هاشم" في وجهه دون أن يأبه بشئ :
- أعلى ما في خيلك أركبه ياطحان، بس حاسب لتقع من عليه.. ملكش عندي حاجه.
استل "حمدي" سلاحهِ المعمر بالرصاص من جيب جلبابهِ الأزرق، وأشهرهُ في وجهه ونظرات عيناه كأنها تدق طبول الحرب من جديد :
- يبقى اللي بيتقال صح!!.. غويت البت اللي مكملتش حتى عدتها وعامل فيها حامي الحمى!، أنا هشرب من دمك ودمها قبل منك.
صوت صافرة سيارة الشرطة الآتي من مسافة بعيدة أوقف "حمدي" عن تنفيذ تهديدهِ؛ ولكن عيناه مازالت تُطالع ذلك التحدي المرسوم على وجه غريمهِ، وكأنها تعابير زهوة الإنتصار الذي لم يتحقق بعد. دنى "مراد" من وقفتهم تلك، وحثّ "حمدي" على التراجع قبل أن يندم على جرأته تلك الغير مبررة :
- نزل سلاحك يا حج.. الشرطة داخلة علينا وانت مش ناقص قضية تانية.
ابتسم "هاشم" كثيرًا استفزازهِ بتعمدٍ :
- قصدك قضية تالتة يامراد.
تدخل أفراد الشرطة لفضّ التجمع المريب أمام البوابة من الداخل، حينما كان "حمدي" يعيد سلاحهِ بجيبه قائلًا :
- مش دي آخرها ياهاشم.
-هات آخرك ياحج.
دخل الشرطي بينهما موزعًا أنظاره عليهم قبل أن يقول :
- إيه اللي بيحصل هنا ده!.
ثم وجه حديثهِ لـ "حمدي" قائلًا :
- في إيه حج حمدي؟.. هو اللي حصل من كام شهر مع عيلة حبشي جاي هنا تكرره ولا إيه؟؟.
أشاح "حمدي" بوجههِ بعيدًا وهو يقول :
- الراجل ده خاطف مرات ولدي يا باشا.. وانا جاي آخدها بالحسنة.
نفى "هاشم" صحة ما قيل للتو :
- محصلش.. هو اللي جاي يرمي بلاه علينا ومش عارف يلم حرمة بيته أنا ذنبي إيه!.
- أخــرس...
قالها "حمدي" وهو يرفع يدهِ عاليًا، فأمسك "مراد" بيدهِ وقد تطاير الشر من عينيه :
- هي هبّت منك ولا إيه ياعم!!..
سحبه الشرطي جانبًا بيدّ غليظة بعض الشئ :
- حج حمدي متجبرنيش آخدك معايا القسم.
انتهز "هاشم" تلك الفرصة التي سنحت له لكي يُدينه:
- أنا عايز أثبت الكلام ده في محضر رسمي.
كان "حمدي" قد وصل لذروة اهتياجهِ بالفعل :
- أدخل فتش ياباشا وانت تلاقيها جوه.. ولو جيبتهالي انا هاخدها وامشي.
جادلهُ الشرطي وفقًا لنصوص القانون لعل ذلك يقنعه :
- مينفعش ياحج حمدي.. لازم أذن نيابة عشان أقدر أفتش المكان..غير كده بشمهندس هاشم حقه يقاضيك.
أشار له الشرطي للإبتعاد عن محيط القصر و :
- من فضلك مش عايزين نسبب مشاكل انت في غنى عنها.
توقف "حمدي" في مكانه يأبى التحرك بدون اصطحاب زوجة ابنه الفقيد :
- مش هتحرك من هنا قبل ما آخد بنت أخويا معايا ياباشا.
- يبقى تروح تعمل محضر وأذن النيابة هو اللي هيمكنك من تفتيش المكان.. غير كده مقدرش أساعدك.. أتفضل ياحج.
تبادل كلاهما النظرات التي حملت كثير من المعاني المتوعدة المهددة كلٍ على طريقتهِ، و "حمدي" مستثقلًا أن يخطو خطوة واحدة للخارج بدون أن يصحب إبنة أخيه، بعدما لثّنت عليها كل الألسن بالبلدة وأصبحت حديث الصباح والمساء لكل من يمتلك لسان. أحس وكأن العار ثوبًا متلفحًا به يسوّد وجههِ ويُندّي جبينهِ، وحرارة جسدهِ المرتفعة تكاد تحرق من يلمسه بعدما تفاقم الغضب وتفشّى بكل أعضائهِ. نظر للرجال الذين حشدهم معه بنظرات منكسرة مهزومة، لا يقوَ على رفع طرفهِ بشموخٍ كما اعتاد، وكأن تلك الشوكة التي غرستها "رحيل" في ظهر عمّها سيعيش بها طيلة عمرهِ.
خرج "حمدي" رغمًا عنه منصاعًا للأمر الحكومي الذي ردعه في الوقت المناسب قبل أن يرتكب أي حماقة جديدة تُسجل ضدهِ بعد مذبحة آل الحبشي التي ضاع فيها خمس رجال من العائلتين فـ بات الثأر محتومًا بينهما، حينما راقب "هاشم" انصرافه ورجالهِ وهم يجرون ذيول الخيبة من خلفهم، ونظرات الإنتصار تلوح في الأفق، گالطائرة التي خرجت لتُشهر أعلام الدولة المنتصرة على الدولة المهزومة، ولم يمنع نفسه من السؤال بدون أن يحرك ساكنًا :
- إنت اللي طلبت الشرطة؟.
كتّف "مراد" ذراعيهِ خلف ظهرهِ وأخذ وضعية الدفاع عن نفسه قبل أن يُدينه "هاشم" لفعلتهِ المفاجئة :
- آه انا.. مكنش ينفع أستنى حمدي يبدأ بالفعل وانت ترد الصاع صاعين، ده مش وقت صراعات يا هاشم.
فكان الرد مفاجئ بالنسبة له :
- خير ما عملت.. أنا كمان مش فاضي لصراع تاني.
والتفت عائدًا للقصر، وعقله منشغلًا بكيفية صدّ "حمدي" وعائلتهِ وإبعادهم عن الطريق الذي يودّ أن يسلكه. صعد إليها كي يرى بعينهِ تطور الحالة الصحية لها بعدما وصلت حرارتها لتسع وثلاثون ونصف درجة، فرآها قد أفاقت من نومتها وبدأت تنسى هلاوسها لتسأله بوضوح :
- عمي كان هنا بجد؟.
أومأ رأسه بالإيجاب، متعمدًا الإشارة لخطورة الموضوع :
- عمك بيعتبرك دلوقتي خاينة للعيلة يارحيل.. انتي لازم تنسي الرجوع لهناك مهما حصل.
ثقل جسدها وطاقتها المستنزفة منعتها من الإعتدال في جلستها، رغمًا عن محاولتها للصمود أمام ذلك الألم اللعين:
- طب وأمي؟.. دول ظلمة وممكن يـ.....
قاطعها بدورهِ مفصحًا عن نيته الخاصة بهذا الأمر :
- هجيبها لك لحد هنا.
أحست بالحرج منه، وطأطأت رأسها في خجلٍ من ذلك الغريب الذي أمطرها برعايتهِ وحمايتهِ دون أن يطلب المقابل لذلك :
- كده كتير والله.. انا حملتك حاجات انت مش ملزم بيها!.
ابتسم بتوددٍ وهو يقطع خطوتين للقرب منها ليقول :
- متقوليش كده ياهانم.. أنا تحت الأمر دايمًا، المهم ترتاحي لحد ما تكوني بخير.
أشار للخادمة "عبير" التي كانت تقف على مقربة منها و :
- سيبي الهانم ترتاح وتنام، وأبقي اطمني عليها من وقت للتاني.
- من عنيا.
وأخذت خطواتهِ في التراجع وهو يقول :
- تصبحي على خير.
- وانت من أهله.
بقيت وحيدة في الغرفة، فـ سمحت لنفسها بالبكاء لكي تُنفث عن تلك الطاقة المكبوتة بداخلها، وهي تهمس لنفسها بتحسرٍ :
- الله يرحمك ياحسن.. لو كنت عايش مكنش حد أتجرأ وعمل معايا كل ده!.
زحفت على الفراش حتى بلغت طرفهِ، وسحبت منديل ورقي لكي تجفف وجهها ومازالت تتابع :
- أعمل إيه ياربي!.. انت شاهد إني معملتش حاجه تغضبك مني.. دبرها من عندك يارب أنا مبقتش قادرة على كل ده.
وأرخت رأسها على الوسادة وهي تحس تلك السخونة المنبعثة من جوفها :
- يارب هوّن يارب.
**************************************
لقد طالت مدة انتظارهِ لها لما يزيد عن نصف ساعة، حتى أعتقد إنها لن تأتي لموعدهم. نظر في ساعتهِ وهو يبعد نظارة الشمس عن عيناه، ثم تأفف وهو يهمس بـ :
- مش عادتك تتأخري كل ده يا كاميليا!.
وضع النادل القهوة الثانية على التوالي أعلى المنضدة، ثم سأله :
- تؤمر بحاجه تانية يا دكتور؟.
- لأ شكرًا.
لحظات وكانت تأتي من خلفهِ، فوقف ليصافحها أولًا والقلق باديًا على وجهه :
- أتأخرتي كده ليه يا كاميليا؟.. قلقتيني عليكي.
صافحتهُ بطريقة روتينية بحتة، ثم جلست والإرهاق متجليًا على وجهها :
- معلش الطريق مكنش ألطف حاجه يارمزي.
- أنا استغربت لما وافقتي نتقابل في النادي!.. مش ده المكان اللي كنتي بترفضي دايمًا نتقابل فيه!؟.
تنهدت "كاميليا" بنفاذ صبر، كأنه لا تطيق التحدث من الأساس :
- الوضع اختلف يا رمزي.. أنا ست مطلقة دلوقتي مش متجوزة زي الأول، طبيعي هقابل ناس وأقعد معاهم من غير ما احتاج أبرر نفسي لحد.
قطب "رمزي" جبينهِ متعجبًا من لهجتها المتغيرة معه، وسألها مباشرة وبدون أي التواء :
- طالما الوضع خلاص اتغير انتي متغيرة معايا ليه يا كاميليا؟.. أنا حتى لما جيتلك النيابة رفضتي تتكلمي معايا؟.
تجمعت الدموع في مقلتيها، وبدأت تفقد بقايا الثبات الذي حافظت عليه بعزيمة طيلة الأيام الماضية :
- المفروض أعمل إيه وانا بنتي مخطوفة مني يارمزي؟؟.. واتضح كمان إن أبوها هو اللي عمل فيا كل ده لمجرد إني طلبت حريتي منه.. أنا مش قادرة استوعب إنه طلع حيوان كده.
تشكلت تعابير البغض على وجه "رمزي" فجأة، وسألها بجدية بعيدة تمامًا عن نبرة اللين التي كان يتحدث بها منذ لحظات :
- انتي متأكدة إن طليقك هو اللي وقعك في المغرز ده؟؟.
أومأت رأسها بالإيجاب وهي ترد بـ :
- للأسف آه.. أبو بنتي مرحمنيش ولا رحم بنتي.. ده كمان رهن مساعدتهُ ليا بإني أتنازل عن حضانة البنت!، أنا لازم آخد ليلى مقدرش أعيش وهي بعيد عني.
ربت على كفها وهو ينظر للناس من حوله :
- طب أهدي الناس كده هتتفرج علينا.
مسحت وجهها وهي تنظر إليه، ثم سألته متشككة من السبب الحقيقي وراء عداء "هاشم" المفاجئ لها :
- تفتكر عرف اللي بينا عشان كده عمل كل ده؟!.
انتفخت عينا "رمزي" لتلميحها الذي لم يروق له، وبدأت عصبيتهِ تظهر على وجهه وهو يقول :
- هو إيه اللي بينا!.. ده انتي رفضتي تكلميني حتى كصديق في المهنة ورهنتي علاقتنا اللي لسه مبدأتش بطلاقك من الراجل ده!.. أوعي تحمّلي نفسك وتحمّليني وزر الخيانة يا كاميليا!، إحنا مجرد أتنين بينهم مشاعر بريئة ورفضوا إنها تفضل في الضلمة.
لم تستطع كلماتهِ تهدئتها من حالة الحزن التي تقمصتها جيدًا، فـ تهدلت أكتافهِ متضايقًا لحزنها وتابع :
- متقلقيش أنا هفضل جمبك ياكاميليا، حتى لو اضطريت أتواجه مع الإنسان ده عشان ناخد منه البنت هعمل كده.
فزعت فجأة، وأوقفت تلك الفكرة المجنونة من السيطرة عليه لئلا يتدخل في الأمر :
- لأ أوعى تعمل كده.. هاشم لو عرف إن في حد ممكن يدخل حياتي بعده مش هيخليني أشوف ليلى تاني.. أنا عرفاه كويس دماغه ناشفة وهيعاند معايا أكتر.
تأفف "رمزي" وهو يشيح بوجههِ للجانب الآخر، غير راضي عن ذلك الضعف التي تمكن منها، بينما هي شخص غير ذلك الذي تبدو عليه :
- من أمتى بتخافي منه كده!.. مين ده أصلًا عشان نعمل لزعله حساب!؟.. ما يغور في ستين داهيه مش خلاص طلقك وخلصنا!.. أنا زهقت!.. لسه عايزاني أستخبى تاني يا كاميليا؟!.
فـ انفعلت بدورها وكل ما يشغل عقلها الآن هو ابنتها العزيزة التي افتقدتها :
- آخد بنتي الأول يا رمـزي.. بنتي قبل أي حاجه.
ثم وقفت عن مجلسها وقد ضاقت ذرعًا من تلك المناقشة الغير مجدية :
- بنتي قبلك انت شخصيًا.. ولو هي مش موجودة أنا كمان مش موجودة.
وقف يمنع ذهابها بتلك الطريقة معترضًا طريقها :
- أنا مش رافض ليلى بالعكس.. أنا عايزاها معانا لأنها حتة منك انتي كمان.
لم تتراجع عن رغبتها بالإنصراف، بل أصرّت عليها قائلة :
- يبقى لما نحل موضوع ليلى نشوف موضوعنا يارمزي.. عن أذنك أنا أعصابي تعبانة جدًا ومش قادرة أتعامل مع أي حد.
وذهبت في طريقها لتتركهُ يتخبطّ يمينًا ويسارًا بتحيرٍ، هل فعلًا أحبتهُ أم رأت فيه انتقاصها الذي عاشتهُ مع زوجها السابق؟.. هل هو الرجل الذي تنشدهُ أم أن احتياجها هيأ لها ذلك؟.. وما هو الوضع الذي سيبقى فيه هو بعدما سقط صريع حُب إمرأة مطلقة مازالت رحلتها في الشقاء مع طليقها طويلة؟.. أيتحمل في سبيل الحُب؛ أم أن نيران الغيرة ستأكل ما بينهما من جذور ما زالت غير متجذرة بأرض لم تجمعهم بعد؟.
***************************************
كان دخولهِ للمقر الجديد في زيارتهِ الأولى له مشهد مثير لإنتباه الجميع، حيث شهد الوسط كله آخر معركة كانت بينهما، وانتشرت الأخبار حول المشاكل الدائرة بينهما على الأرث المملوك لـ "هاشم" من الأساس.
جلس "سعد" على المقعد الجلدي المقابل لمكتب السكرتارية ونظراتهِ تشعّ بالغرور، ثم هتف بـ :
- بلغي مديرك إني هنا.. عايز أقابله.
ذمّت "راندا" على شفتيها بأسف وهي تجيب :
- بشمهندس هاشم مش موجود للأسف.
طرق "سعد" بأصابعهِ على سطح المكتب وهو ينظر إليها بنظرات مريبة، وكأنما يستكشف إمارات الكذب على وجه الموظفة البشوش، ثم أخرج هاتفهِ وبدأ بكتابة رسالة نصية فحواها :
"ابن أخوكي بيتهرب مننا..
عايز ياكل حقنا زي ما أبوه عملها زمان."
ثم أغلق الهاتف ونهض عن مكانه وهو يقول :
- بلغيه إني جيت بنفسي.. وإن المرة الجاية مش هاجي تاني.
أومأت "راندا" رأسها بتفهمٍ :
- تحت أمرك.. هبلغه.
التفت ليغادر، فأمسكت "راندا" بهاتفها لتتحادث فيه :
- ألو.. صباح الخير يامستر مراد.. أستاذ سعد كان هنا عندي ولسه ماشي حالًا، بالظبط سأل عن البشمهندس.. حاضر.. حاضر يافندم، سـلام.
تنهدت "راندا" وهي تهمس بـ :
- صحيح عيلة مشاكلها مبتخلصش!.
***************************************
كان جالسًا برفقتها على المائدة، وبناء على رغبتها وضع "هاشم" قطع الكيك الأسفنجي على طبق التقديم بنفسه، ثم وضع أعلاه الغطاء كما طلبت صغيرتهِ "ليلى" وهو يردف بـ :
- أديني حطيت الكيك في الطبق وغطيته.. ممكن أعرف ليلى هانم بتجهز الطبق الحلو ده لمين؟.
مدّت "ليلى" يديها الصغيرتين له وهي تجيب :
- أنا رايحة أشوف رحيل وهديها الكيك ده تاكله عشان تخف بسرعة.. المريض لازم ياكل كويس عشان يخف، مامي قالت كده لنينه.
ابتسم "هاشم" بعفوية وهو يرى نبتتهِ الحنونة وهي تمارس برائتها الطفولية، ثم أردف بـ :
- شاطرة يالوليتا.. بس انتي مش هتعرفي تطلعي السلم لوحدك بالطبق ده.
- ممكن انت تطلع معايا؟.
- ممكن طبعًا.. بس خلينا نبعت عبير الأول تشوفها صاحية ولا نايمة.
ناولته الطبق لكي يحمله عنها وهي تقول :
- لأ انا اللي هطلع أشوفها وآجي أقولك على طول.. خليك مستنيني.
وركضت گالفراشة الخفيفة لكي تلحق بها وتتلقى الخبر بنفسها، أهي مستيقظة أم غلبها النعاس؟.
عاد "مراد" للمائدة كي يشاركهم الأفطار، فأول ما سأله "هاشم" كان :
- عايزة إيه راندا؟.
سكب "مراد" الشاي لنفسهِ وهو يجيب :
- عمي راح الشركة وعايز يشوفك.
تغيرت تعابيرهِ من الإشراقة لأخرى متجهمة وهو يهتف بحزمٍ خالطهُ الإنفعال :
- إحنا مش هنخلص من الموال ده ولا إيه؟؟.. ما قولنا اللي مش عاجبه يخبط دماغه في الحيط.
ثم نهض عن جلسته وهو يختتم كلماته بالقرار الذي لطالما صرّح به مسبقًا :
- مش هدفع جنيه ولا لعمك ولا لعمتك.. هما ملهمش في الشركة ولا هيقاسمونا فيها.
- سيبك منهم.. أهي محاولات فارغة.
عادت "حِراء" من الخارج، ومعها البُشرى التي ستزفّها لسيدّها، بعدما نفذت ما أمرها به صبيحة اليوم، فدخلت إليهم بغرفة المائدة لتقول :
- صباح الفل ياباشا.
تأهبت تعابير "هاشم" لإستقبال الخبر متشوقًا :
- عملتي إيه يا حِراء؟؟.
انبعجت شفتيها بإبتسامة عريضة وهي تقول :
- كله تمام سعاتك.. أديهم ساعة زمن بس وتكون هنا.
قطب "مراد" جبينهِ مستنكرًا وهو يسأل :
- هي مين اللي هتيجي هنا بعد ساعة؟.. إيه الحكاية ياهاشم؟.
أشار لها "هاشم" كي تغادر، ثم عاد ليجلس وهو يقول :
- بعد ساعة هنعرف إحنا الأتنين.
كان الأمر مثيرًا للدهشة، فهو محطّ الأسرار والأمين الوحيد لديه!.. إذا لماذا يعتبر الأمر خفيًا عنه ولا يبوح به؟!. لم يعقّب "مراد" على الأمر ولكنه استرعى انشغالهِ به، وبقى متحفزًا منتظرًا، بدون أن يفيدهُ التخمين بشئ.
**************************************
هبطت "هدير" من الأعلى وفي يدها حاملة الطعام، فـ رمقتها "سعاد" بنظرات حانقة وهي تدير وجهها عنها لتغمغم بـ :
- نزلتك بيها وقفاكي يقمر عيش ياحنينة!.. عشان تبقي تسمعي كلامي لما أقولك لأ يبقى لأ.
تركت "هدير" الطعام جانبًا وهي تشعر بالشفقة على حال "جليلة"، وأردفت بـ :
- أفرضي جرالها حاجه هنعمل إيه؟.
لم تهتم "سعاد" بذلك، بل تمنتهُ بصدق :
- ولا يفرق معايا.. ياريت تروح هي وبنتها في داهيه ونرتاح.. أحسن من العار اللي رجع بيه عمك الحج عشية امبارح.
طرقات على الباب جعلت "هدير" تذهب لفتحهِ وهي تشدد على حجاب رأسها، فرأت أحد الحراس وهو يصيح من الخارج :
- الستات جايين يعزوا الست أم حسين.
قطبت "هدير" جبينها وهي ترى مجموعة من النسوة اللاتي تلفحنّ بالثياب السوداء، ثم بدأنّ في النواح والصريخ بمجاملة وهنّ يدخلنّ من الباب. أغلقت إحداهن الباب بينما الصوت قد غطى على كل شئ بالداخل، فنهضت "سعاد" من مكانها وهي ترميهم بنظرات الدهشة متسائلة:
- عزا إيه ما خلصنا من زمان ؟!.. مين دول؟!.
وقبل أن تفتح "سعاد" فمها بكلمة واحدة كانت ثلاثة نساء سمينات يهجمن عليها بالضرب المبرح ويكممّن فمها بدون أن يتركوا صوتها يتسرب للحراس بالخارج، وأخرى كبّلت "هدير" وكممت فمها لتشلّ حركتها، والأخيرة تحاول المناص منها بمجهودٍ ضعيف وخائر، كأنها تلذذت برؤية حماتها وهي تُعاقب بالعقاب الذي استحقتهُ، وثلاثة من الباقيات صعدن للأعلى، وبدأن تفتيش الغرف للبحث عن السيدة المنشودة "جليلة"، بعدما تأكدن من عدم وجود الرجال في الدار.
نهضت "منال" من فراشها بفزعٍ وركضت للخارج، فصادفت إحداهن أمام باب غرفتها، فـ انتفضت وكأن الشيطان مسّها، بينما سألتها السيدة بعينين گالذئاب:
- فين الست جليلة يا *** انتي.
ازدردت "منال" ريقها وهي تشير بيدٍ مرتعشة:
- أخر الطرقة.
رمقتها السيدة بشئ من الإحتقار وهي تأمرها :
- خشّي على أوضتك ومتخرجيش منها دلوقتي.
هرعت "منال" بالدخول لغرفتها وأوصدتها على نفسها، حينما ذهبن السيدات لإحضار "جليلة" التي كانت حبيسة إحدى الغرف المغلقة.. كسرنّ الباب، ودخلن إليها وهي في حالٍ لا يرثى له، ثم ناولتها إحداهن جلبابًا أسود يشبه الذي عليهن وهي تقول :
- ألبسي ياحچه عشان نخرچ بسرعة مفيش وقت.. وقبل ما تسألي مين وفين إحنا هنا عشان هنودوكي لبتك.