رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن 8 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن 8 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن 8 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن 8 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن 8 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن 8

رواية ليلة في منزل طير جارح بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن 8

"ماذا إن آتاك ضيفًا غير مُرحب به؟!.. هل تعدّ الولائم لإستقبالهِ؛ أم تُعيدهُ ذليلًا مدحورًا؟!." 
___________________________________
رغمًا عن الوجع المتفشي في أنحاء ساقها اليمنى، إلا إنه لا يساوي مشاعر الخوف والقلق التي سكنت بواطنها المرتعبة؛ فقيت مجبرة على انتظار الطبيب لكي ينتهي من فحص جرحها حتى تتمكن من استكمال حوارها الذي بقى ناقصًا مع "هاشم". أشاحت "رحيل" بوجهها للجانب الآخر لكي لا تنظر إلى جرحها الذي مازال حيّا، و كتمت آهه موجوعة وهي تشعر بأصابعهِ على جرحها. ازدردت ريقها وقد بدأت تتعرق بإفراط، وفجأة خرجت منها صرخة لم تقوَ على كتمانها؛ فـ اعتذر الطبيب على الفور :
- آسف جدًا يا مدام، خلاص طهرته وهقفل عليه وأسيبك ترتاحي.
من بين ضربات قلبها المندفعة المتسارعة كانت تقول :
- عايزة مسكن، مش قادرة أتحمل الوجع.
- حالًا هديكي حقنة هتريحك طول اليوم.
أنهى "مراد" مكالمتهِ، ثم صعد إليه لينقل له الخبر الحصري :
- كاميليا دفعت الكفالة وإجراءات خروجها بتخلص.
كان عاقدًا ساعديهِ أمام صدرهِ متحدثًا بفتور :
- وبعدين.. المحامي قالك إيه اللي هيحصل؟.
- قضيتها هتستمر عادي، وكمان بدأ في إجراءات رفع قضية حضانة عشان ليلى.
كان الطبيب يهبط على الدرج أثناء حديثهم، فتوقفا عند تلك النقطة واستقبله "هاشم" على أول الدرج ليُطلعه الطبيب على ما وصلت إليه حالتها بدون أن يسأله :
- هي كويسة دلوقتي، متقلقوش مفيش أي خطر عليها.. لكن ممكن حرارتها ترتفع شويه ودي حاجه طبيعية، أنا سيبت روشته مع ست حِراء بخافض حرارة هتديها منه وقت اللزوم فقط.. ومن بكرة هتيجي ممرضة تغيرلها على الجرح. 
أشار "هاشم" لـ ابن عمهِ كي يرافق الطبيب للخارج :
- وصل الدكتور يا مراد وحاسبه. 
وصعد إليها لمتابعة الحديث الذي بقى في منتصفهِ، ثم طرق الباب مرتين ولكن لم يأتيه الرد في حينها، فـ انتظر بضعة ثواني ثم كرر الطرق، ففتحت له "حِراء" ودعتهُ للدخول :
- أتفضل ياباشا. 
ولج إليها فرأى ذلك الخوف المتشكل على ملامحها المذعورة، وهي تسأله بدون أي مقدمات :
- أنا مش فاهمه إزاي ده حصل؟.. يعني عمي عرف إني كنت عندك هنا؟. 
ذمّ "هاشم" على شفتيهِ آسفًا وهو يجيبها :
- للأسف آه. 
هي بالفعل خائفة، فلم يعد هناك شعور أكبر من ذلك لتحس به، شعرت بتقلصات معدتها وضيق صدرها، ولم تهتم أبدًا بألم ساقها وهي تحاول النهوض عن الفراش :
- كده المصيبة بقوا مصيبتين، أنا لازم أمشي من هنا.
دنى منها وهو يشير إليها لتتوقف عن الحركة :
- أستني يا هانم انتي رايحة فين وانتي في الحالة دي؟.
بالفعل وضعت قدمها على الأرض فلم تستطع مجابهة الألم الذي اشتد عليها فجأة، فتجمدت بجلستها وهي تقول :
- أي مكان بعيد عن هنا.. عمي وحسين مش هيسكتوا طالما عرفوا إني عندك، ده مش بعيد يقتلوني عشان يرتاحوا.
لم يمنع "هاشم" بعضًا من إنفعالاته من الظهور، فقد يجعلها ذلك تتوقف عن الهِراء الذي تريد فعله :
- رحـيل هـانـم.. أنا مش مـحتـاج أفـكرك إنهم فعلًا ضربوا عليكي نار وانتي مصابة دلوقتي.
اندفعت بالصياح فيه وقد بدأت عيناها تلمع ببوادر الدموع التي تكاد تفيض من عيناها :
- لو فضلت هنا المرة الجاية هتكون الرصاصة في دماغي.. حتى انت بقيت في خطر بسببي، مش بعيد يأذوك انت كمان!.
لم يتحمل "هاشم" سماع تلك الكلمات، وكأنها تستخف بقوتهِ في مواجهتهم، فـ زأر بصوتهِ بشكل لم تراه هي من قبل، كأنه وجه آخر تتعرف عليه الآن :
- انتي بتقـولي إيـه!؟.. أنا لو عـايز أخفس بعمك الأرض هو ونسله كله أنا هعمل كـده بكل سهولـة، شاوري انتي بس وانا أجيبهم راكعين عند رجلك.
انتبه أخيرًا إنه فقد ذلك الثبات المزيف أمامها، وإنها ترنو إليه ببعض الرهبه والغرابة، فـ طرد ذفيرًا حانقًا ليطرد عن نفسه الغضب، وفجأة تحول لنفس الهدوء الذي عرفته به، حيث جلس القرفصاء أمامها مستندًا بذراعهِ على طرف الفراش وهو يردف بخفوت :
- أنا آسـف .. بس انا خايف عليكي وانتي عايزة ترمي نفسك في النار عادي كده.
سحب منديل ورقي من على الكومود وناوله إياها وهو يتابع :
- انتي أمانة عندي يارحيل هانم، وأنا أكيد قد الأمانة دي.
مسحت عيناها بالمنديل وهي تستمع لكلماتهِ التي هدأتها قليلًا، حتى اعترف لها في نهاية الحديث، وهو ينهض ليقف أمامها من جديد :
- على فكرة مامتك كلمتني.. وقالتلي أخليكي هنا عندي ومسيبكيش تمشي مهما حصل.
اتسعت عيناها مذهولة من تصرّف والدتها، بينما تابع هو بنبرة آسفه :
- الحيوان عمك حبسها في أوضتها بعد ما عرف إنك هنا، يعني خروجك من القصر ده بقى مستحيل دلوقتي، على الأقل لحد ما نشوف القضية بتاعتك هتوصل لأيه.
فتح لها الغطاء لكي تندثر أسفله :
- ممكن ترتاحي دلوقتي ومتشليش هم حاجه.. أنا هنا جمبك.
بعث إليها بعض الطمأنينة، رغمًا عن الشعور المحجف الذي أصابها بأن شهادة وفاتها أصبحت مرتبطة بخروجها من هنا، وإنها أصبحت حبيسة القصر الذي لجأت إليها في ليلة مظلمة ليكون أمانها، ولم تدري هل سيكون سبيل النجاة أم طريق نحو الهاوية؟.
تحرجت من رفع ساقيها على الفراش أمامه، فـ ظلت على وضعيتها هكذا وهي تعفيه من لطفهِ الزائد :
- شكرًا، أتفضل انت وانا هنام شويه.
ترك الغطاء متفهمًا تحفّظها في المعاملة معه، بدون أن ينكر أن تلك الحدود المرسومة بينهم من قِبلها تروق له لسبب ما لا يعلمهُ، ثم أشار نحو الطعام الموضوع على الطاولة والذي لم تلمسه :
- طيب هسيبك ترتاحي.. بس لازم تاكلي عشان الأدوية اللي انتي بتاخديها تقيلة على معدتك، ألف سلامة عليكي يا هانم.
أومأت رأسها وهي ترد بإمتنان لصنيعهِ الخيِّر :
- تسلم يارب.
خرج وتركها بمفردها، فبدأ ضميرها يؤنبها لأنها لجأت للمكان الخاطئ من البداية، فسمحت لأولئك الظلمة بإستغلال ذلك ضدها، وقد يكون السيناريو الدائر في منزل آل طحان مختلف تمامًا عن التصوّر الذي في ذهنها، قد يكون الوضع أسوأ مما تظن وهي لا تعلم ذلك.
***************************************
خرجت "كاميليا" من مديرية الأمن بعدما انتهت إجراءات الإفراج عنها بضمان محلّ إقامتها، فكانت "هداية" في انتظارها بتلهفٍ ولوعة، وعانقتها ما أن رأتها تخرج سالمة أمامها :
- حمدالله على سلامتك يا كاميليا.. أنا كنت مرعوبة أحسن متخرجيش بكفالة.
أحست "كاميليا" بأرهاق عام تمكن من بدنها كله، گالتي ستفقد وعيها لا محالة بعد قضاء أسوأ أيام حياتها :
- ماما عايزة أروح البيت بأسرع ما يمكن.. حاسه إني هموت من التعب.
- بعد الشر.. تعالي أركبي يلا.
ثم نظرت للمحامي الذي كان برفقتها لتقول :
- معلش يامتر هنتكلم بعدين.
- أتفضلوا يامدام هداية.. حمدالله على سلامتها.
ركبت "كاميليا" سيارة والدتها، فأنفجرت بالبكاء الذي كانت تكتمه لأيام طويلة، كأن الأحزان تزاحمت عليها وقررت الظهور فجأة. تضايقت "هداية" وهي تراها على ذلك الحال، فربتت عليها تواسيها :
- أهدي يا كاميليا.. كل حاجه ليها حلّ ان شاء الله يابنتي.
مسحت "كاميليا" وجهها بالمناديل وهي تهتف بنبرة أشبه للصراخ :
- الحيوان معاه دليل برائتي ورفض يساعدني ياماما!.. أنا لو عدوته مكنش عمل معايا كده.
طفت معالم الغضب على وجه "هداية" لترد بـ :
- عشان حيوان.. مش بعيد يكون هو اللي عمل كده عشان يجبرك ترجعيله.
أومأت "كاميليا "رأسها بالنفي :
- هو مش عايز نرجع .. هو عايز ياخد بنتي مني، بنتي اللي ليا فيها أكتر منه ١٠٠ مرة.
تنهدت "هداية" وهي تفكر في حلّ للأزمة التي تعرضت إليها ابنتها، ومازالت متشككة فيه هو دونًا عن غيره :
- مش بعيد يكون هو اللي ورا الكارثة دي، هو اللي بدل الأجهزة عشان في التحقيقات والمطابقة تطلع مش مظبوطة واحنا اللي نلبس القضية.
برقت عينا "كاميليا" غير قادرة على استيعاب صدق ذلك الإحتمال، أيعقل أن يكون زوجها السابق هو المُدبر الأساسي لحادث سرقة الأجهزة والمعدات الأصلية ذات المواصفات العالمية من مركزها الطبي وتبديلها بأخرى فاسدة؟!.. هل وصل به الجنون لإرتكاب جريمة گهذه في حق أم ابنتهِ الوحيدة ؟ وهل تستحق أن توُصم بتلك الوصمة لمجرد إنها اختارت حقها الشرعي في الإنفصال عنه والإلتفات لحياتها؟!.
التفكير في الأمر كان قاسيًا على مشاعرها المنهكة، مؤديًا بها للتفكير في تبعات أفعاله ضدها، والتي لن تكون متسامحة على الإطلاق.
***************************************
كانت صرخاتهِ مسموعة في المنزل كله، وهو يعاني آلامًا مبرحة في عظامهِ، لاسيما ساقهِ التي أصيبت بشرخ وأضطر لوضعها بالجبس. مدد "حسين" على فراشهِ عاجزًا عن التحرك يمينًا أو يسارًا، فـ كل حركة تصدر منه تسبب ألمًا في موضع مختلف بجسدهِ، في حين كانت "منال" في غرفتها تستمع لصوتهِ وهي في حالة تشفّي وشماتة، فقد ردّ له الله ما فعله بها اليوم التالي على الفور مما برّد قلبها قليلًا. دخلت إليها "هدير" وعلامات التأثر الحزين جليّة على وجهها، وسألتها بصوتها المتحشرج:
- جرى إيه يا منال مش هتيجي تطمني على حسين؟.. البلطجية اللي طلعوا عليه بهدلوه وأعدموه العافية!.
لم تتحرك "منال" من مكانها قيد أنملة، ووجهها ممتلئ بتعابير الفتور واللامبالاه وهي تجيبها :
- لأ مش عايزة.. اللهي يعدم عافيته أكتر وأكتر إن شالله.
ضربت "هدير" على صدرها وقد أصابت الدعوة صميمها العاشق لـ زوجها :
- أخس عليكي يا منال بعد الشر.. ليه كل ده!؟.
كشفت "منال" عن ذراعها وهي تهتف بعصبية :
- تعالي أوريكي ليه ياختي.. تعالي أتفرجي على جسمي واللي عمله فيه ابن سعاد.
ذمّت "هدير" على شفتيها بأسف وهي ترى آثار الضرب الوحشي الذي تلقتهُ ضرّتها لأنها أرادت فقط الحفاظ على زوجها وبيتها، ثم اقتربت منها وقد خفت صوتها قليلًا :
- بس جدعة يا منال والله.. اللي عملتيه مكنش حد يقدر يعمله غيرك.
تبينت نبرة التحدي في صوتها وهي تعلنها صراحةً إنها لن تسأم :
- ولـسه.. لو الجوازة دي قامت يبقى على جثتي.
ربتت "سعاد" على كتفهِ كي يكفّ عن الصراخ، وقلبها يتمزق مع سماع صوت آهاتهِ الموجوعة :
- معلش يا ضنايا.. اللهي يولعوا بجاز كلهم.
ثم نظرت إلى "حمدي" تستحثهُ على ضرورة الرد السريع والفوري على هجوم ذلك الرجل على ولدهم :
- هتعمل إيه ياحج؟.. الراجل ده لو راجع يرازي فينا تاني مش هنخلص، بقى هو من ناحية وعيلة حبشي من ناحية.
كان الغيظ يغلي رأسه گالبركان المحموم، ولم يعنيه في كل ذلك إلا أن إبنة أخيه تقطن لديه، متجاهلة عائلتها والبلدة التي تعيش فيها، متجاهلة زوجها المتوفى حديثًا، متجاهلة أهلها الذين سيفتكون بها لا محالة. كان يتطلع لولده الذي أصيب بالضربة الأولى من "العزيزي" وداخلهِ حسرة مخلوطة بشعور الغضب العارم، يريد وبشدة لو يسلّط عليه طيورهِ فتنهش في رأسه حيًا حتى الموت، أو أن يذيقهُ من العذاب أشكالًا وألوان قبل أن يلقي بلسانه الشهادة.
من بين آلام ضلوعهِ وعظامهِ تشنج "حسين" في فراشهِ، وأكثر ما يؤلمه هو ما لقاه بسبب إبنة عمهِ العاصية التي اختارت الإنشقاق عن العائلة والتخلّف عن عاداتها وأعرافها :
- بنت الـ ×××× بتهرب مننا وتروح للـ ××××.. فاكراه هينقذها الحيوان ده.. لازم تجيبها لحد هنا من شعرها يابا، البت دي لازم تموت وتدفن مع عارها.
أيّدت "سعاد" قرار ابنها بشدة :
- صح.. كلام حسين صح ياحج، أني خلاص مبقش عايزاها ولا هي ولا أمها ولا يشرفني ابني يعقد عليها، والموضوع ده لازم يتنهي الليلة.
كان يسمع بدون أن يرد، والكلمات تترنح في ذهنه بالتفكير فيها، حتى تحرك من وقفته تلك وخرج من الغرفة، عاقدًا العزم على ردّ الأمانة لمكانها الصحيح أولًا، ثم النظر في العقاب الذي تستحقهُ، هل سيرحمها أم سيجتث روحها من الجذور؟!.
************************************
كان يتناول طعام الغداء بجانب ابن عمهِ، حينما دار بينهم الحوار عما حدث صبيحة اليوم، وكيف استرد له "هاشم" اعتباره في أقل من الأربعة وعشرون ساعة. فُتحت شهيتهِ وتناول الطعام بأريحية شديدة وهو يقول :
- يعني دلوقتي هما فاهمين إنك أنت اللي أخدتها من هناك مش أنا ؟
- بالظبط.
- واحد ياابن عمي، المهم هتعمل إيه بعد مكالمة الست جليلة.
مضغ "هاشم" الطعام بين أسنانهِ وهو يترك شوكتهِ جانبًا، ثم مسح على فمه وهو يقول :
- لسه بقلبها في دماغي.. بس بيتهيألي الست دي كمان محتاجة مساعدة زيها زي بنتها، دول واخدينها رهينة لحد ما البنت ترجع متخيل!.
نهض "هاشم" عن جلستهِ وقد اكفهر وجهه وهو يقول :
- شويه رعاع وجهله.. فاكرين نفسهم لسه عايشين في عصر الخديوي، بس انا مش هسيبهم.
استند "هاشم" بذراعيهِ على ظهر المقعد وقد لمعت عيناه بتحفزٍ وهو يسأله :
- عارف الأرض اللي عيني عليها تبقى بتاعت مين؟.
ترك "مراد" طعامهِ وقد اندفع الأدرينالين في عروقهِ بعدما لمّح له "هاشم" بتلك الكلمات :
- متقولش!.
ابتسم "هاشم" بسمةٍ أبرزت نواجذهِ الوسيمة :
- زي ما فهمت كده.. بتاعت رحيل وأمها من أبوهم، يعني حمدي لا يملك فيها قرار من الأصل.
فهم "مراد" بدون يتابع حديثه ما انتوى على فعلهِ بالتحديد بدون أن يحتاج لتصريح واضح بذلك :
- ونويت تاخد الأرض إزاي وأمتى ؟.
شعور بالنشوة المبكرة أصاب "هاشم"، جعلهُ يفقد السيطرة على كبح جماح طموحهِ الأعمى :
- أحلى حاجه فيك إنك فاهمني يا مراد حتى من غير ما أتكلم.
دخلت "حِراء" عليهم بعدما طرقت على الباب، فـ التفت إليها "هاشم" كي يستمع ما أتت للبوح به :
- الضيفة حالتها مش ولا بد خالص.. حرارتها نار وعمالة تخرف بالكلام وهي نايمة وتنادي على أمها.. صعبانه عليا ياهاشم بيه بالله تلاقي حلّ.
تنهد "هاشم" وهو يخطو بخطواتهِ نحو الباب ومنه إلى الدرج، صعد إليها بدون أن يفكر في الإستئذان قبل الدخول عليها، فـ رأى حجابها المتساقط عن شعرها ووجهها الذي بدا واضحًا أكثر من قبل، قطرات الندى المنتشرة على جبهتها وعيناها التي ترجف وكأنها ترى كابوسًا في نومها. التفت لـ "حِراء" وسألها :
- خدت العلاج أمتى؟.
- ييجي من نص ساعة كده.
رمقها "هاشم" شزرًا، حريصًا على أن تكون نبرتهِ خافتة لئلا تستيقظ :
- انتي بتهرجي؟؟.. المفروض كانت تاخده من الصبح إيه اللي قعدك لحد دلوقتي!.
انكمشت "حِراء" على نفسها وهي تجيبه، مطأطأة الرأس :
- مكلتش حاجه طول اليوم وخوفت العلاج يهبطها.
صوت رنين هاتفي خفيض، جعله ينظر من حولهِ باحثًا عن المصدر، حتى وجدهُ آتيًا من أسفلها، فأشار إليها لكي تحضره إليه :
- شوفي كده التليفون فين!.. تحت الغطا ولا تحت منها.
بحثت "حِراء" بدون أن تكشف الغطاء، فوجدتهُ بالفعل أسفل ذراعها، فناولته إياه :
- رقم غريب بيتصل.
أجاب "هاشم" على المكالمة الواردة بدون أن ينطق بكلمة، فقط يستمع للطرف الآخر، فآتاه الرد بصوت نسائي حازم وصارم :
- أخيرًا رديتي يا ××××.. وحياة أمك اللي مرمية فوق دي لأطلع روحك يا رحيل، دم ابني لسه منشفش وانتي رايحة تـ ×××× عند الـ ××××.. أوعي تفتكري عمك هيسكت ويسيبك ماشية على حلّ شعرك.. ده هياخد روحك.
كتم "هاشم" الصوت وظل يستمع لتهديداتها بدون أدنى رد فعل، بينما الأخرى تهدد وتتوعد بالمزيد من الكلمات والألفاظ النابية :
- طبعًا مش بتردي.. هتردي تقولي إيه على المصيبة اللي عملتيها، خليتي راسنا كلنا في الطين و......
أغلق "هاشم" المكالمة وخرج من الغرفة، ثم فكر مليًا فيما يستطيع فعله لتطوير دائرة الصراع بينه وبين تلك العائلة التي يبغضها، ما الذي يقدر عليه بحجة إنقاذ "رحيل"، وفي بواطن الأمر يختفي ما هو أعظم!..
هبط "هاشم" وخرج من باب القصر وهو ينظر للأسوار التي تحجبهُ عن العالم القروي الخارجي، وفي عقله مئات الأفكار حول ما يحرضّ به شيطانهِ من ردود أفعال قد تكون جنونية ولا تليق بدوافعهِ الضعيفة من نصرة المظلوم وإنقاذهِ!.
نظر "هاشم" في ساعتهِ قبل أن يشير لأحد رجاله، وخلال ثواني كان يقف بين يديهِ يعطيه أوامرهِ :
- جهزلي عربية وخلي الرجالة ييجوا معانا بعربية تانية.. عندنا مشوار لبيت طحان.
أتى "مراد" من خلفه وهو يستمع للكلمة الأخيرة، فتجهمت تعابيره وهو يسأله حول سبب ذلك القرار المفاجئ :
- ده ليه ياهاشم؟.. ليه دلوقتي؟.
أشار "هاشم" لرجلهِ فـ انصرف ليُلبي أوامرهِ، بينما كان يجيب "هاشم" بجوابه المثالي گالعادة :
- الست جليلة في زنقة ومحتاجة مساعدتنا يا مراد.. وبعدين لازم تيجي تراعي بنتها وتمرضّها بنفسها.
أبواق عالية للعديد من السيارات أمام بوابات القصر العالية، وأصوات لأناس كثيرة بالخارج وكأنها فوضى وانتشرت أمام بيتهِ، ومن بينهم ذلك الصوت الجهوري الذي يصيح :
- أفـتح يا هــاشم.. أنا حــمدي الطـحان.. أفــتح.
تقدّم "مراد" بخطواتهِ وهو يقول :
- أهـو جـالـك بنفـسهُ.
وضع "هاشم" يداه في جيب سروالهِ وهو يقول :
- ياألف أهلًا وسهلًا....

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا