رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع 7 بقلم ياسمين عادل
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع 7 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع 7 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع 7 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع 7
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع 7
"العين بالعين والسن بالسن؛ والبادئ هو الأظلم."
____________________________________
تأففت "ليلى" بإنزعاج وهي تنظر لقطع الصلصال الملون التي عجزت "حِراء" عن تشكيلها، وأطاحت بها بعيدًا وهي تهتف متذمرة :
- انتي مش عارفه تعملي حاجه يا حراء!.. رحيل كانت بتعمله أحلى منك، هي راحت فين مش هترجع تاني؟.
لم تدري "حِراء" بأي إجابة تجيب عليها، فقد توقعت أن تلك الضيف لن تعود إلى هنا مرة أخرى، والكذب على الصغيرة ما هو إلا حل مؤقت لن يُسكن "ليلى" طويلًا؛ ورغمًا عن ذلك أجبرت نفسها على الكذب من جديد لئلا تبقى أمام إلحاح "ليلى" :
- لأ هترجع.. بس قوليلي عايزاه إزاي وانا أعمله زيها.
صوت الضجيج بالخارج لفت انتباه "حِراء" لتتعلق عيناها بالباب، والصغيرة "ليلى" أيضًا ركضت بإتجاه الباب ظنًا بأن والدها العزيز قد عاد :
- dady جه.
دخل "مُراد" يحملها على ذراعيهِ، وهي فاقدة للوعي لا تشعر بأي شئ من حولها، فهرعت إليه "حِراء" بعدما فزعت لهذا المشهد:
- ياستّار يارب!.. إيه اللي حصل.
في حين كانت "ليلى" قد تجمدت في مكانها مرتعبة، خاصة إنها رأت الدماء وقد لوثت ثيابها وقدميها، فـ انتشلتها "حِراء" لئلا تتابع ذلك المشهد الذي أرعبها :
- تعالى ياليلى.. طنط رحيل تعبانه شويه.
رمقها "مراد" بنظرةٍ حادة وهو يأمرها بـ :
- انتي لسه هتتفرجي عليا؟! خدي البنت على أوضتها.. أنجزي..
سحبتها "حِراء" وصعدت بها لغرفتها، بينما كانت الأسئلة الفضولية تهطل من الصغيرة :
- رحيل مالها يا حراء؟.. هي اتعورت؟؟.
- آه يا حببتي.. تعالي بس نطلع فوق عشان أونكل مراد ميضايقش مننا.
وضعها "مراد" على الأريكة ريثما يتصل بالطبيب الذي يعمل بالمشفى التخصصي بالبلدة، فـ ينصحه بما عليه فعله. تفحصها "مراد" بنظرات دقيقة وهو لا يعلم مكان إصابتها تحديدًا؛ ولكن على ما يبدو إنه أصاب مكان ما في ساقها.
- أيوة يا دكتور.. أنا مراد العزيزي، أنا عايزك تجيلي دلوقتي، بس هات معاك حاجتك عشان معايا واحدة مصابة برصاصة.. لما تيجي هتفهم، لالا مش هنحتاج أوضة عمليات، تعالي بس بسرعة ونقرر لما تفحصها.
أغلق "مراد" هاتفهِ ومازالت عيناه عليها، يحس بالشفقة تجاهها، وكل ما جال بخاطرهِ هو اكتشاف الفضيحة التي نُشرت بالمدينة كلها بمعرفة "هاشم"، ولم يكن هناك أي مبرر منطقي آخر يفسر به إطلاق النار عليها من قِبل عائلتها سوى ذلك. نفخ "مراد" متضايقًا وقد انقلب مزاجه كُليًا، فوقعت أنظارهِ على دمائها التي بدأت تلطخ الأريكة، فـ اضطر أن يحملها مجددًا ليصعد بها إلى أعلى، بعيدًا عن أعين الخدم ولكي يكون أمان أكثر عليها.
**************************************
أوصد الباب من الداخل لينفرد بها، ثم أبرحها ضربًا عنيفًا موجعًا، ولم يقوَ أحد على إغاثاتها، فقط صوت صرخاتها المدوية التي سمعها أهل الدار كلهم. ظلت "جليلة" تضرب على الباب بأقصى قوة لديها، وهي تصيح فيه ليتوقف عنه شراستهِ الحيوانية ضد زوجته :
- أفتح يا حـسين.. حـرام عليك البت معملتش حاجه سيبها كفاية كده.
كانت "سعاد" تسدد إليها نظرات حاقدة، تكاد تتحول لكتلة من نار من شدة السخونة المنبعثة من أحشائها، ومع كل صرخة تصدر من "منال" تشتعل النيران بصدرها أكثر، خاصة إنها فهمت مساعدة "منال" لهم منذ البداية، وذلك ما جعلها هادئة طوال الأيام الماضية. مصمصت "سعاد" بشفتيها وهي تهتف :
- يلا ياكش يكسر عضامها.. عقبال ما تقع السنيورة بتاعتك في إيدي أنا هعجنها عجن.
التفتت إليها "جليلة" وعيناها تدق بالشرار :
- شكلك خرفتي يا سعاد!.. أنتي فاكرة بنتي ملهاش صاحب ولا إيه!! ولا عشان ملناش راجل نتسند عليه فكرتي هنبقى لقمة سهلة!.
كادت "سعاد" تلقي بموشح طويل عريض ترد به عليها، لولا أن "حسين" فتح الباب فجأة فتوقفت كلاهن حتى خرج، كان يتصبب العرق صبًا، من فرط المجهود البدني الذي بذله وهو يعذبها بالضرب، فـ بصقت "جليلة" على الأرض وهو تهينه :
- أتفـو على رجـولتك.. صحيح راجـل ناقـص.
ودخلت لتلك المسكينة ثم صفعت الباب من خلفها، بينما كانت "سعاد" تُآزر ابنها في عنفهِ :
- جدع يا حسين.. كان لازم تتربى على عملتها السودا.
ثم قطبت جبينها متسائلة :
- بس بنت الـ ××××× هربت منك إزاي!.
لم يفصح "حسين" بإنه أطلق عليها النار، وإلا ستقيم "جليلة" القيامة في البيت كله :
- معرفش ياما.. اختفت كأنها عفريت اللهم احفظنا.. بس هتروح فين، مسيري أوصلها.
كانت "هدير" تتطلع لما يحدث بإهتمام، ما بين شعورين متناقضين، الشفقة والحقد. وما أن وقعت عينا "حسين" عليها زجرها بنظرة منفعلة وهو يصيح فيها :
- واقفة عندك بتهببي إيه!.. روحي شوفي عيالك انا مش ناقصك.
سحبت نفسها كي لا تتلقى توبيخ آخر منه، بينما كان "حسين" يتآكل من الفضول، والغيظ قد وصل أقصى مراحله بين ضلوعهِ. من ذلك الرجل الذي أخذها وبأي صفة؟.. وإلى أين ذهب بها؟. رأسه باتت گالموقد المشتعل الذي لا ينطفئ أبدًا، وكل همّه هو الوصول لذلك الرجل المجهول وإليها.
ساندتها "جليلة" حتى جلست على الفراش، ثم نظرت لحالة وجهها المتورم وقلبها يتمزق من صعوبة الشعور بالذنب :
- أنا وبنتي السبب، حقك عليا يامنال.
لم تقوَ على فتح فمها للرد، مستشعرة الورم الذي بدأ يتضاعف في وجهها، فوضعت "جليلة" منديل مبلل بالماء البارد عليه وهي تقول :
- اللهي يتشل في إيده.. مش كنتي سمعتي الكلام وروحتي بيت أهلك الليلة!.
تآوهت "منال" بصوت مكتوم، فأبعدت "جليلة" يدها فورًا وهي وهي تتابع :
- معلش معلش.. طب استني هجيبلك تلج، الورم بيزيد ولازم نجيبله حاجه من الأجزخانه (صيدلية).
مالت "منال" بجسدها على الفراش، فخرجت منها صرخة شبه مكتومة، نتيجة الآلام المتفرقة في أنحاء جسدها، وهمست بصوت متحشرج مبحوح :
- منك لله يا بعيد، ربنا ينتقم منك في عافيتك.
كانت دعوة قاسية، خرجت من باطن الوجع الذي أحسته، ليس جسدها المكلوم فقط، بل وروحها المهانة وكرامتها التي تفتتت على الأرض. نظرت "منال" للسماء وعيناها تفيض بالدمع، وتحسست وجهها لتلمس الدماء التي انسالت من بين شفتيها :
- ربنا يردلك اللي عملته فيا قادر يا كريم.
**************************************
كان واقفًا بثبات لم يهتز قيد أنملة، وهو يرى "مراد" يتحرك يمينًا ويسارًا والقلق باديًا عليه، فلم ينطق بكلمة واحدة لكي لا ينفتح "مراد" بكثير من الكلام الذي يشجب به أفعاله التي طوّرت الأمر هكذا. خرج الطبيب من الغرفة التي تسكنها فـ تحرك "هاشم" نحوه وهو يسأله :
- إيه الأخبار؟.
- متقلقش هي طلقة في القدم اليمين، صحيح إن مكانها صعب بس خلال أسبوعين أو ١٠ أيام هتقدر تمشي عليها عادي جدًا.
أخرج "هاشم" هاتفه وهو يقول :
- أبعتلي حسابك يا دكتور.. وقبل ما تخرج من البوابة هتلاقي الفلوس اتحولت.
ابتسم الطبيب ممتنًا لكرمه الذي يعرفه :
- تسلم يا أستاذ هاشم.. أنا هبقى أعدي عليها كمان يومين، وهتفقلها مع ممرضة تيجي تغيرلها على الجرح كل يوم.
- أتفقنا.
تحرك الطبيب نحو الدرج، بينما كان "هاشم" يسأل بخشونة حازمة، غير راضٍ عن ذلك السكوت :
- إنت ليه مروحتش على المستشفى!.. جيبتها هنا زي ما نكون حرامية ليه؟.
تأفف "مراد" مبررًا فعلته المتسرعة :
- مستشفى يعني تحقيق ونيابة وموال كبير.. الموضوع كان هيكبر أكتر وأكتر.
فجأة بدأ صياحهِ، وبدون أي بادرة إنفعال سابقة، كأنه كان يكتم ذلك الغيظ لمدة طويلة :
- ما تكبر يا عم!.. دي كانت الفرصة المناسبة عشان نسجن الواد ده ونرتاح خالص!.
أشاح "مراد" بوجهه للإتجاه الآخر وهو يهتف بسخرية :
- يعني بعد ما وسخت سمعة البنت جاي تدافع بحرقة أوي عنها؟.. اللي حصل كان نتيجة أفعالك المجنونة.
صاح "هاشم" غير قادر على تحمل مزيد من التأنيب :
- يــــــوه!!.
خرجت "حِراء" من الداخل وأغلقت الباب، فوجه إليها "هاشم" سؤاله :
- صحيت؟.
- صحيت ونامت تاني.. الحكيم مديها حقن عشان تنام ومتحسش بالوجع.
أشار لها "هاشم" لكي تنصرف، فـ انصرفت. حينها نظر "هاشم" إليه مستنكرًا ليونتهِ :
- وكمان كسرلك أزاز العربية!.. لو كنت مكانك كنت كسرت نفوخه.
صرخ "مراد" في وجهه بدون أن يقبل تحمل أي أوزار خارجه عن إرادته :
- يعني أسيب البني آدمه اللي سايحة في دمها ومعرفش الرصاصة صابتها فين وأروح أكسر دماغه!.. ده العقل يعني؟!
تحرك "هاشم" من أمامه وهو يغمغم مستهجنًا :
- مش بقولك حـنين!.
*************************************
كانت بالخارج عندما رأت السيدة "هانم الحبشي" برفقة وصيفتها تقترب من مدخل منزل آل طحان، فـ ارتعدت فرائصها وأسرعت الخُطى للدخول من قبلهم، وصياحها قد أيقظ كل المنزل :
- أمــا.. ألحــقي يا ما.
خرجت "سعاد" من المطبخ وفي يدها مغرفة الطعام العملاقة وقد أصابها الفزع :
- في إيه يابت يا تيسير!.
تناولت" تيسير" أنفاسها بصعوبة وهي تخبرها :
- ست هانم برا.. شكلها داخله على هنا.
لم تكذب، بالفعل ما هي إلا لحظات وكان الحارس يستأذن من الخارج بالدخول :
- في ضيفة يا ست سعاد.
أشارت "سعاد" لإبنتها كي تدخلها :
- دخليها يابت بسرعة.. أما نشوف بسلامتها جاية ليه لحد هنا.
دخلت السيدة وثيابها كلها مسودّة، متشحة بالسواد منذ وفاة ابنها الأكبر "جابر الحبشي" على يد قاتلهِ "حسين الطحان"، وقد تسبب ذلك في الإقتصاص من "حسن" بعد ذلك. نظرت "هانم" من حولها گالتي تراقب المكان، ثم هتفت بلكنتها الريفية :
- لينا زمان مشوفناش بعض يا سعاد.
شبكت "سعاد" أصابعها بشئ من الضجر، وهي ترمقها بنظرات كارهه لتقول :
- إيه اللي جايبك هنا ياهانم!.. مش خايفة أحسن متعرفيش تخرجي زي ما دخلتي؟؟.
ابتسامة مستخفة أبرزت التجاعيد المنتشرة حول فمها، قبل أن تردف بإستخفاف سخيف :
- لسه بوقك مليان عـ الفاضي زي ماانتي.. انا جيت في خير.. ولا هنتكلم ع الواقف؟.
صاحت فيها "سعاد" بأسلوب فظ مهين :
- ملكيش مكان في بيتي يا أم جابر.. ولا نسيتي اللي حصل!.
- منسيتش.. انتي اللي نسيتي دم جابر وعيال عمه اللي راحوا هدر.
- وحسن كمان راح هدر وولد خاله كمان راح.. جايه تعيدي الحزن تاني ليه!.
ظلت "هانم" واقفة بمحلها، گالتي تنتظر إستضافة أو ما شابه، فأشارت لها "تيسير" بالدخول لغرفة الإستقبال :
- أتفضلي يا خاله.. انتي عارفه المكان ومش غريبة.
حدجتها "سعاد" بنظرات مقيتة، بينما دخلت "هانم" على الفور ولم تنتظر تصديق "سعاد" على استقبال ابنتها لها. لكمت "سعاد" ابنتها بقبضتها لكمة قوية، ثم تجاوزتها وسارت من خلف الضيفة حتى جلسن قبالة بعضهم البعض :
- إيه الخير اللي جيتي فيه يا هانم؟!.
أرخت "هانم" كتفيها على ظهر المقعد وهي تقول :
- جيت أقولك قلبي عندك.. الخبر كان صعب علينا كلنا.. بس برضو دي ولية وصغيرة وواجب تسامحوها.
عقدت "سعاد" حاجبيها بعدم فهم، وكأنها سلسلة من الألغاز المعقدة التي لم تستطع حلّها :
- انتي بتكلمي على إيه! خبر إيه ومين دي اللي نسامحها؟.
تصنّعت "هانم" وكأنها متفاجئة من جهلها بالأمر :
- وه.. بتكلم على مرات المرحوم حسن.. انتي مش دريانة بالدنيا ولا إيه؟؟.
تحفزت" سعاد" وبدا ذلك جليًا على وجهها، وانتصبت في جلستها وهي تهتف بشئ من التردد :
- مالها رحيل؟.. ما تكلمي دوغري يا ولية في إيه؟.
بدت "هانم" وكأنها شامتة وهي تقول :
- خلاص يا سعاد الخبر على لسان الناس كلها.. متعمليش نفسك مش عارفه إنها راحت لواد العزيزي من وراكم وهي لسه حتى متمتش عدتها!.
قفزت "سعاد" من مكانها بتشنجٍ، حينما لطمت "تيسير" على وجهها مصدومة :
- يالــهـوي....
فصرخت "سعاد" في وجهها لتكتم صوتها اللعين ذلك :
- أخــرسـي يابت..
ركضت "تيسير" للخارج لتزّف الخبر إلى زوجة عمها بكل شماتة، بينما التفتت "سعاد" لضيفتها الثقيلة لتقول :
- جيبتي منين الكـلام ده يا أم جابر؟؟.. انتي جايه ترمي البلى علينا!.
تحولت تعابير "هانم" الساخرة لأخرى جادة حانقة :
- بلى إيه اللي ارميه.. أخرجي الشوارع وأسمعي بنفسك سيرتكم اللي بقت زي اللبانة، أهو ربنا بيخلص حق ناس فناس تانيه.
ولجت "جليلة" مرسومًا على وجهها تعابير الرعب :
- في إيه يا سعاد؟.. البت تيسير بتقولي آ....
قاطعتها "سعاد" وهي تصيح فيها بلا هوادة، گالتي وجدت من تنفثّ فيه هنا يشعل صدرها بالنيران :
- قالها القِل البعيدة.. تعالي أسمعي بودانك عشان تصدقي.. قولتلك بنتك سايبة ملهاش حاكم زعلتي أوي.. تعالي شوفي الـفـ. ××× ة اللي مكملتش عدتها ورفضت ابني اللي كان هيسترها وهي ماشية على حلّ شعرها وجايبة لنا العار لحد بيتنا.
تجاهلتها "جليلة" ونظرت لناقلة الخبر وهي تسألها بتهذيب لم ينفك من أسلوبها الراقي بعد :
- في إيه حضرتك؟ ؟.. إيه اللي سمعتيه عن بنتي بالظبط فهميني؟.
رقعت "جليلة" ضحكة صارخة مستهزئة وهي تصيح بـ :
- تعالى ياحج شوف واسمع اللي حـصل.. تعالى شوف اللي حاوطتهم بجناحك وجابولنا العار ياحـج.
صرخت "جليلة" في وجهها وقد فاض الكيل عن آخره :
- بـس بـقى كـفايــة.. أتـهدي شويه ياسعاد ولا عايزة جنازة وتشبعي فيها لـطم!؟.
لطمتها "سعاد" بصفعةٍ عنيفة مؤلمة :
- لسه ليكي عـين تـبجحي فـيا ياأم الـ ××××.
لم تترك "جليلة" نفسها للصدمة، وسرعان ما أتى ردها قاسيًا خالي من أي حيطة، إذ انحنت تلتقط نعلها وضربتها على وجهها ورأسها عدة مرات، ولم تقوَ "تيسير" على صدّ عدوانها، بينما كانت "جليلة" تنتقم لكل ما مرّ عليها هنا :
- أنا اللي هــربيكـي يا ****
كانت "هانم" تشاهد ما يجري بعينين شامتتين سعيدتين، فقد حققت ما ابتغتهُ وأثارت الفتنة في دار آل طحان، وآن الأوان لتنصرف تاركة المكان گـ كومة من الحريق، وأثناء خروجها واجهت ابنتها الصغرى كِنة آل طحان وهي تناديها :
- أمـا.. وحشاني أوي والله.
أبعدتها "هانم" قبل أن تعانقها، ثم رمقتها بشئ من الإحتقار :
- متقوليش أما دي تاني.. أنا خلاص ماليش بنات.
بدأت الدموع تتجمع في مقلتي "هدير" وهي تستجدي عطف والدتها التي أنزلت عليها لعنتها:
- أبوس إيدك ياما ترحميني وتسامحيني.. أنا مقدرش أهد بيتي وأسيب جوزي وعيالي.
نصف ابتسامة ساخرة لوحت على شفتيها وهي تقول :
- لا خليكي مع اللي قتل أخوكي وعيال عمك.. هما أولى تفضلي معاهم.. بعدي عن وشي.
دفعتها لكي تغرب عن وجهها، ومن خلفها صوت العراك والصراخ بالداخل مدويًا، فـ همست وهي تعبر بوابة الدار :
- يارب تولعوا في بعض كلكوا.. يمكن ناري تبرد وتخمد.
*************************************
منذ أن أصبح الصباح وهي غائصة بين ألعابها الكثيرة والجديدة التي ابتاعها لها بالأمس، واستيقظت لتجدها مفترشة في كل مكان من حولها، انبهرت بها رغم إنها تمتلك الكثير من الألعاب؛ لكن هدية والدها تختلف عن أي شئ آخر. جلس "هاشم" معها يحاول تركيب قطع المطبخ الصغير لكي تطهو عليه، وهي تراقب ما يفعله بحماسٍ شديد :
- هو انا هعرف أعمل بطاطس محمرة في المطبخ ده يا dady؟.
- طبعًا، هتعملي كل اللي نفسك فيه؟ إيه رأيك عجبك ؟.
- حـلـو أوي.. بس أنا عايزة لعبة الطبيب زي اللي جابتهالي mamy، عشان لما هكبر هبقى doctor زيها.
تحكم في تعابيره جيدًا، فخرجت ابتسامتهِ المصطنعة بمثالية شديدة :
- طبعًا طبعًا يا روح قلب dady، هتبقي أحلى doctor في الدنيا كلها.
- هي mamy مش هترجع من السفر وتيجي زي ما قولتلي؟.
- آه هترجع.. بس هي عندها شغل كتير أوي الفترة دي هتخلصه وتيجي.
عبست قليلًا وهي تعترض :
- انت كمان كان عندك شغل كتير أوي ومكنتش بتيجي تشوف ليلى.. هو لازم نشتغل كتير لما نكبر؟.
ترك "هاشم" المجسم الخاص بالمطبخ جانبًا بعدما أنهى العمل به، ثم نظر إليها لاهيًا إياها :
- سيبك من الكلام ده.. إيه رأيك لو نروح نشوف طنط رحيل؟.
قفزت "ليلى" من جلستها وقد أُعيدت إليها حماستها من جديد :
- آه عايزة أروحلها دلوقتي.. عارف، امبارح مراد رجع وهو شايلها كلها وكانت نايمة، وكان في عندها تعويرة كبيرة بتجيب دم تجيب دم كتيـر.
استمع "هاشم" لنشرة الأخبار المتنقلة مستمتعًا بطريقة الصغيرة وهي تتلوها على مسامعه گالمذياع :
- بجد ؟.. وإيه كمان؟.
هزت "ليلى" كتفها وهي تقول :
- معرفش، مراد زعق جامد لحراء وقالها طلعي ليلى فوق.
أومأ "هاشم" رأسه متفهمًا وهو يهمس بـ :
- ماشي يا مراد.
طرقت الباب فسمح لها بالدخول :
- أدخل.
دخلت "عبير" وهي تحمل حقائب عديدة، ثم وضعتها أمامه وهي تقول :
- أنا جيبتلها شويه حاجات كده زي ما طلبت بالظبط.
بدأ "هاشم" يتفقد الحقائب، فطغت تعابير عدم الرضا على وجهه وهو يقول :
- إيه اللي انتي جيباه ده ياعبير!!.. ما قولتلك البنت حياتها كلها كانت في القاهرة!.. جايبة عبايات سودا وبني؟.. انتي رايحة تشتري ليها ولا لجدتك؟؟.
تحرجت "عبير" من تعبيرهِ عن نمط الثياب الذي اختارتهُ لها، بينما ترك هو الحقائب جانبًا و :
- خديهم ليكي يا عبير.. أنا هتصرف بنفسي.
- ده كتير والله يا بيه آ....
قاطعها بإقتضاب :
- مش وقته الكلام ده سيبيني أحلّ الموقف بسرعة.
- حاضر حاضر.
وحملت الحقائب لتغادر بها حينما تابع "هاشم" حوارهِ مع ابنتهِ :
- بصي يا لوليتا.. انتي هتروحي دلوقتي تطمني على طنط رحيل وانا هبقى آجي وراكي.. إيه رأيك ؟.
نهضت "ليلى" عن مكانها وتوجهت نحو الباب على الفور :
- موافقة.. هروح دلوقتي أصحيها.
خرجت الصغيرة، في اللحظة التي كان يستخدم "هاشم" هاتفهِ للقيام بمكالمة هامة :
- صباح الفل يا مدام كريمة.. أنا محتاج منك خدمة محدش هيقدر يقوم بيها غيرك، ميرسي جدًا ده من لطفك يافندم، اختاري شويه حاجات من السنتر عندك وابعتيهالي على العنوان اللي هبعتهولك، بس خلي بالك.. عايزها حاجات محتشمة وتنفع للمحجبات، وياريت لو تبعتي طرح كمان معاهم.. ميرسي جدًا ، مستنيكي.
نظر في ساعتهِ التي شارفت على الثانية ظهرًا، ثم خرج من الغرفة وهو يردف بـ :
- عـ لله تفهم طلبي.
غادر "هاشم" القصر وخرج، فوجد رجلهِ ينتظر هناك، طوال الليل لم يجلس ولو مرة واحدة كما أمره "هاشم"، عقابًا على تخاذله وتقصيرهِ في مهمته التي وكلّها له. أشار له، فأتى بين يديهِ :
- أنا قولتلك إيه ؟.. مش فهمتك إن أمان الهانم من مسؤوليتك؟.
- ياباشا والله فضلت أتصل بسعادتك عشان أبلغك باللي حصل تليفونك كان مقفول، أضطريت أكلم مراد بـ.....
صرخ "هاشم" في وجههِ صرخة وصل مداها لبقية الحرس :
- يبـقى تتـصرف.. مستنينـــي أقــولـك أتـصـرف يا حـيوان ؟!.
لم يستطع أن يرفع عينهِ في ربّ عمله، وبقى منكسًا الرأس متحملًا نتيجة تقصيره، فـ حكم عليه "هاشم" حكمًا رادعًا :
- سلّم سلاحك وخد فلوسك ومشوفش وشك تاني هنا.
خرجت نبرتهِ راجية مستغيثة ألا يقطع عيشهِ من هنا، فجميع موظفيه يعيشون في رغد غير مسبوق، وحينما يغدق عليهم يكون الخير وفيرًا فائضًا، إلى جانب إنه يُشعرهم بالإنتماء إليه، ليس گمثل أحد آخر :
- لأ أبوس إيدك ياباشا.. أعمل فيا أي حاجه تاني إلا إني أمشي وأسيبك.. دي أول غلطة وآخر غلطة صدقني.
ذمّ "هاشم" شفتيهِ يفكر في الأمر، فوجد حلّ قد يجعله يعفو عنه، ويُشعره هو بالرضا :
- أي حاجه ؟.
- أي حاجه ياباشا أنا راضي.
لحظة واحدة وكان "هاشم" يستل سلاحهِ من خصرهِ، ثم صوّب فوهتهِ على قدمهِ وهو يهتف بـ :
- أنا موافق.
وأطلق رصاصة على قدمهِ اليُمنى، نفس ذات القدم التي أصيبت فيها "رحيل"، فتماسك الرجل لئلا يسقط؛ لكنهُ صرخ متألمًا قبل أن ينهار على الأرضية، غير قادر على تحمل الألم، فأشار "هاشم" لبقية رجالهِ وهو يقول :
- أنا كده راضي.. شيلوه وهاتوله الدكتور يعالجه على حسابي وياخد أجازة مدفوعة.. مش عايز أشوف وشه اليومين دول.
بالفعل تكاتف زملائهِ لحملهِ عن الأرض بعدما بدأت الدماء تلوثّ المحيط من حوله، أما عنه فقد دسّ سلاحهِ في خِصرهِ مرة أخرى وعاد بإتجاه قصرهِ وهو يدندن بخفوت، ثم صعد إليها متشوقًا لسماع القصة كاملة منها، ماذا حدث وكيف أصيبت، كيف وصل الخبر لمسامع أهلها؟.. وما هو المصير الذي ينتظرها بعدما أصبحت استضـافتـهِ لها استضـافة جـبريـة.
*************************************
لم تنتظر "سعاد" عودة ابنها من الخارج لكي تقصّ عليه المصيبة التي طالت سمعتهم، وحادثتهُ وهو يقود سيارتهِ، فـ أخبرته عبر الهاتف كي تُشعل النار في رأسهِ وتزرع بداخله أشواكًا سامة لن يتخلص منها إلا بإستحالة دمائها :
- خــلاص يامــا انا كـده عرفت اللي فيها.. يبقى هو ده ابن الـ ×××× اللي خـدها امبارح بعربيته، مـش هسيبها ولا هــسيبـه ياما.. ياما كــفايـة أسئـلة.
ألقى بالهاتف من يدهِ وهو يسبّها ويلعنها، لتظهر تلك العربة الضخمة أمامه فجأة ومن العدم، ليضغط هو بكل قوة على البـوق وهو يصيح :
- يا بـهيـم ياللي سايق.. حد يقف في نص الشارع كـده؟!.
هبط من السيارة ثلاثة رجال، يحملون بأيديهم عصيان غليظة (شوم)، أحدهم بدأ في تهشيم زجاج السيارة والضرب بكل قوة على أبوابها ومقدمتها، والآخرين تهجموا عليه حتى أخرجوه من السيارة عنوة، لكي يضربوه بعنف ويلقنوه درس حياته. كانت مفاجأة غير متوقعة لـ "حسين" الذي تلقى أقسى الضربات بدون أن يتحصن ضدها وبدون أن يمتلك القدرة على صدّها، وقد كانت الأوامر واضحة، أن يبرحوه ضربًا ليوجعوه وليس ليقتلوه، وهم نفذوا الأوامر كما ينبغي أن تُنفـذ.....