رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن والعشرون 28 هى رواية من كتابة سيلا وليد رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن والعشرون 28 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن والعشرون 28 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن والعشرون 28

رواية شظايا قلوب محترقة بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن والعشرون 28

"قسم أول"
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك"
وعدتكِ أن أبقى بعيدًا
فغلبني الحنين، واقتربت.
وعدتكِ أن أطفئ قلبي
فاشتعلت بين ضلوعي ناركِ، واحترقت.
وعدت نفسي بألا أهواكِ،
فتاهت مني الطرقات... وضللت.
وقلت بأنني أقوى من عينيكِ،
فإذا بي أمامهما طفلٌ، استسلمت.
خططتُ مرارًا أن أهرب منكِ،
وحين خطوتُ... نحوكِ عُدت.
أحاول إخماد صوتكِ في داخلي،
فإذا بنبضكِ يصدحُ في أعماقي، واستحكمت.
كيف لوعودٍ أن تقف أمام طوفانٍ؟
كيف لي أن أهرب منكِ... وأنتِ بداخلي سكنت؟
أنا، الذي حسبت نفسي سيدَ الحب،
وقفتُ أمامكِ، فانحنيت، وهُزمت.
ضحكتُ من غبائي حين ظننتُ...
أن أُسكت ناركِ بالوعد،
أن أقيد الريح، أن أوقف المد.
قبل عدة أسابيع قبل ذهاب إلياس إلى راجح 
بمنزلِ آدم، صمتٌ دامَ للحظاتٍ وكأنَّ الصدمةَ سيطرت على الأجواء،حينما أنهت إيلين حديثها عن فريدة الذي جعل زين يهوى على المقعد ويغرق في الماضي، أيُعقلُ مايسمعه..
ذَهَب تفكيرهِ بحديثِ راجح، وشعرَ بتوقُّفِ عقلهِ يحاولُ فكَّ خيوطَ الحيرة التي ألقاهُ بها راجح...قطعَ آدم الصمتَ بصوتٍ هادئ، لكنَّهُ يحملُ شكوكًا دفينة:
"بس ده مش دليل قوي إنَّها هيَّ... ممكن يكون مجرَّد تشابه في الأسماء"
نظرت إليهِ إيلين بعينينِ تحملانِ مزيجًا من القلقِ والتردُّد، ثمَّ قالت ببطءٍ وكأنَّها تحاولُ إقناعه:
"يمكن...بس يا آدم، كلِّ حاجة بتقول إنَّها هي..عمُّو راجح، وقصة خطف أولادها ورجوعهم؟ الموضوع مش صدفة، أنا متأكدة"
تابع زين حديثهما بصمت، لكن عقلهِ كان يغرقُ في تساؤلاتٍ لا تنتهي، رفعَ رأسهِ فجأةً وتساءل:
"طيِّب، هوَّ راجح خرج من المستشفى؟"
اقتربَ آدم منهُ وجلسَ بجواره، وعيناهُ تلوحُ بالحيرة، فأردف:
"كنت عنده امبارح، والدكتور قال إنُّه لسه محتاج راحة يومين بس بصراحة، مش عارف إيه اللي حصل يخلِّي ضهره يتعَب كده!.."
نهضَ من مكانهِ ببطء، وبدأ يتجوَّلُ في الغرفةِ كأنَّهُ يبحثُ عن شيءٍ، خرجَ صوته وكأنَّهُ يتحدَّثُ مع نفسه:
"راجح كان معانا في ألمانيا...حصلت خناقة كبيرة بينه وبين جوز رحيل، وبعدها فجأة قرَّر يرجع على مصر..الغريب إنِّ رانيا نزلت وراه بأيام، قعدت يومين ورجعت، تفتكر ده كلُّه له علاقة بفريدة؟"
تردَّدَ آدم للحظة، وكأنَّ عقله توقف عن التفكير، ثمَّ قالَ ببطء:
"يعني إيه يا بابا؟"
صمتَ زين للحظات، وبدت عليهُ علاماتُ التفكيرِ العميق، ثمَّ قالَ بلهجةٍ قاطعة:
"لازم أروح أشوف فريدة بنفسي، يمكن تكون فعلاً عمِّتك"
اندهشَ آدم من كلامه، وقالَ برفضٍ واضح:
"إزاي تزورهم؟ وبصفتك إيه؟ طيب لو طلعت مش هيَّ؟ هنحطِّ نفسنا في موقف مش كويس، أنا حاسس إن اسمِ السيوفي ده مش غريب عليَّا...بس مش قادر أفتكر"
حاولَ آدم أن يسترجعَ شيئًا من ذاكرته المشتَّتة، لكنَّهُ شعرَ وكأنَّهُ أُصيبَ بمرضِ الزهايمر..قطعَ شرودهِ صوتُ هاتفه،  أخرجَ الهاتفَ من جيبهِ ونظرَ إلى الشاشةِ بعينينِ ضيقتينِ قبل أن يجيب:
"أيوة، مين معايا؟"
جاءهُ صوتًا جادًّا من الطرفِ الآخر:
"دكتور آدم الرفاعي؟"
"أيوة، أنا آدم في حاجة؟"
تردَّدَ الصوتُ قليلاً ثمَّ قال:
"مدام حضرتك اتعرَّضت لحادث، وهيَّ محجوزة دلوقتي في مستشفى (...)..."
رفعَ آدم عينيهِ إلى إيلين بدهشة، وقالَ بحدَّةٍ غير مقصودة:
"أكيد غلطان، مراتي موجودة هنا"
قاطعهُ الرجلَ سريعًا:
"لا يا فندم، السيدة اسمها حنين الشهاوي"
تجمَّدَ آدم في مكانه، تكرَّرَ الاسمُ في ذهنهِ مرارًا، كصدى عويل، أغلقَ الهاتفَ ببطء، وكأنَّ يدهُ أصبحت ثقيلة، ثمَّ نهضَ بخطواتٍ مثقلةٍ واتَّجهَ إلى البابِ دون أن ينطق َبكلمة.
راقبتهُ إيلين بصمت، عيناها تتابعانِ تحرُّكاتهِ المضطربةِ حتى خرج، استقلَّ سيارتهِ وغادرَ بسرعة..
تساءلَ زين  بصوتٍ منخفض:
"هوَّ آدم خرج؟"
هزَّت رأسها ببطءٍ وقالت بهدوء:
"يمكن يكون جاله شغل"
ثم ابتسمت ابتسامةً صغيرة، تُخفي تعبهاا:
"أنا هدخل أرتاح، عندي مذاكرة كتير حضرتك محتاج حاجة؟"
مدَّ زين يدهُ بحنانٍ وربتَ على كتفها، وكأنَّ لمستهِ تحملُ كلَّ الحبِّ والخوفِ معًا، قال بصوتٍ يفيضُ بالدفء:
"يا بنتي، عايزك تفكَّري، الواد بيحبِّك بجد..أنا مش بقول كده علشان هو ابني، أنا بقول علشان خايف عليكي..جرَّبي، مش هنخسر حاجة"
نظرت إليهِ بعينين تائهتين، وقالت بابتسامةٍ هادئة:
"كلِّ حاجة بوقتها يا خالو..تصبح على خير"
تركتهُ وعادت إلى غرفتها، لكن عقلها كان منشغلًا بخروجِ آدم بتلك السرعة.. 
بعد فترةٍ قصيرة، وصلَ آدم إلى المشفى. دلفَ إلى الداخلِ وعيناهُ تبحثانِ عن مكانها..عندما رأته، اعتدلت في جلستها وابتسمت له ابتسامةً صغيرة...
- آدم، مش مصدَّقة إنَّك وصلت بالسرعة دي.
اقتربَ وجذبَ المقعد، ثمَّ جلسَ بثقل:
- إيه اللي حصل؟!
رفعت حاجبها بنظرةٍ تنمُّ عن مغذى، ثمَّ قالت ببرود:
- مش إنتَ اللي بعت ناس يضربوني؟
هبَّ من مكانهِ فجأة، وكأنَّهُ تلقَّى صدمة، واقتربَ منها بخطواتٍ سريعةٍ وهدر نبرةٍ غاضبة:
- أكيد اتجنِّنتي، صح؟
حاولت أن تخفي ذعرها من ردَّةِ فعله، فارتسمت على وجهها ملامحَ التحدي والبرود:
- أيوة، ولو ماعملتش اللي طلبته، صدَّقني هتندم..وبابا جاي في الطريق شوف بقى هتقابله إزاي لمَّا يعرف إنَّك أجَّرت ناس علشان يضربوني.
توقف صامتًا، مشدوهًا لما يسمعه، ملجمَ اللسان، حتى شعرَ بالعجزِ عن التفوُّهِ وكأنَّ الكلماتَ أثقلت كاهله، لكنَّهُ سرعانَ ما سيطرَ على نفسه، اقتربَ بتمهُّلٍ، وانحنى مستندًا بيديهِ على حافةِ السرير، ثمَّ حدَّقَ في عينيها بنظرةٍ متعمقةٍ مليئةٍ بالخذلان:
- تعرفي؟ عقاب ربِّنا ليَّا إني ارتبطت بواحدة زيك..اعملي اللي إنتي عايزاه،  اتِّهمي براحتك، مش فارق معايا، واحدة حقيرة.
قالها وهو يعتدل، ثمَّ غادرَ المكان يأكلُ بخطاويهِ الأرض.. 
وصلَ إلى منزلهِ متثاقلَ الخطوات، دلفَ للداخلِ وظلَّ يدورُ بالغرفةِ كالأسدِ الحبيس..دقائقَ تمضي وهو يجول، يشتعلُ غضبًا ويمزِّقهُ العجز، لكنَّهُ ابتلعَ جمراتَ غضبهِ محاولًا السيطرةَ على نفسهِ والتفكيرِ بعقلانية..كان يعلمُ أنَّها لن تصمت، ستواجههُ بطريقتها المعتادة.
لم يشعر بالوقتِ وهو غارقًا في دوَّامةِ أفكارهِ حتى قطعَ صمتهِ طرقاتٍ على بابِ الغرفة.. 
دلفَ أحمد أخيهِ بابتسامة:
-بتعمل إيه؟!
نهضَ آدم من مكانهِ واتَّجهَ نحو مكتبه، يتمتمُ بتوتر:
مفيش...عندي شوية شغل، في حاجة؟
أومأ أحمد واقتربَ منهُ مبتسمًا قائلاً:
-آه، جيت أقولَّك كلِّ سنة وإنتَ طيب... عيد ميلاد سعيد..
قطبَ آدم جبينهِ للحظة، متذكِّرًا عيدَ ميلادهِ الذي غابَ تمامًا عن ذهنه..نهضَ من مكانهِ واحتضنَ أخاهُ بحب:
"وإنتَ طيِّب ياحبيبي"
تراجعَ أحمد قليلاً وأشارَ إلى الأعلى بمرح:
البنات فوق بيجهِّزوا لعيد ميلادك...كأنِّي مقولتش حاجة، تمام؟ قالها بغمزةٍ خفيفة..
ضحكَ آدم بخفوتٍ واحمد يخطو للخارج، لكنَّهُ توقَّفَ عند بابِ الغرفة:
أنا وبابا رايحين لراحيل، متخرجشِ بقى، عشان عمُّو محمود اتَّصل وقال إنِّ سهام وكرم جايين.
أومأ آدم متفهِّمًا، لكنَّ ذهنهِ كان منشغلًا..  ماذا تفعل تلك الجنيَّةُ بالأعلى؟
بالأعلى عند إيلين:
تقف بالشرفة تنظر للخارج بشرود، اقتربت مريم تقطعُ صمتها وهي تحاولُ إقناعها:
- حبيبتي، وبعدين؟ لحدِّ إمتى هتفضلي كده؟ آدم طلَّق الصفرا خلاص، وحلف لك إنُّه ماقربشِ منها.. 
جلست مريم بجوارها، تضعُ يدها بحنانٍ على كتفها، تتمتم :
-إيلين... ما تضيَّعيش حبِّ آدم...واللهِ هوَّ بيحبِّك، هوَّ قالها لأحمد بنفسه..مستعد يعمل اللي تطلبيه، ولو طلبتِ عيونه مش هيتأخر..
نظرت إليها إيلين بعيونٍ تائهة، ثمَّ نهضت من مكانها بتردُّد، محاولةً الانشغال بكتبها:
- خلاص يا مريم، سيبيني أفكَّر...واللي ربِّنا رايده هيكون.
ضمَّتها مريم بحنانٍ قبل أن تغادر، توقفت مبتسمة لتردف:
-طيب هسيبك تجهِّزي أكلة حلوة لجوزك، وتغيَّري بيجامة السنافر دي..إيه فاكرة نفسك لسه طفلة؟ ياغبية...ممكن تعذِّبيه بس بطريقتك..
ابتسمت إيلين بتهكُّمٍ وهي تتابعُ أختها تغادر، ثمَّ استدارت ببطءٍ تنظرُ إلى أرجاءِ الغرفة بشرود..لحظاتٍ من الصمتِ كانت كافيةً لتجعلها تتِّخذُ قرارها..بعد معاناةٍ طويلة.
بعد فترةٍ من الانتظار، صعدت مريم بخطواتٍ متردِّدةٍ وهي تحملُ صندوقًا صغيرًا..بدا التوترُ جليًّا على وجهها وهي تدخلُ المطبخ تنادي:
"إيلين؟ جبت الضفدع؟"
رفعت إيلين رأسها بابتسامةٍ خبيثة، وأشارت إلى الصندوقِ الذي وضعته مريم على الرخامة.. ثم سألتها بعينينِ ممتلئتينِ بالحذر:
"عايزاه ليه؟"
ابتسمت إيلين وهي تفتحُ الصندوقَ وتُخرجُ الضفدع، وضعتهُ بهدوءٍ على الرخامة بجانبِ أدواتٍ طبيةٍ معدَّةً بعناية..
"هتعملي يا إيلين؟!"
أشارت إلى الضفدع وتمتمت 
" بتسألي عن الضفدع"
"ما أنا عارفة إنُّه ضفدع! ماهو أنا اللي جايباه، بس ليه مدخَّلاه المطبخ؟! يخرب عقلك، ربنا يسامحك"
أمسكت إيلين بتفاحةٍ موضوعةٍ أمامها وبدأت تقطِّعها ببطء، وكأنَّها ترسمُ صورةً لما ستفعله، أشارت إلى التفاحةِ قائلةً بصوتٍ هادئٍ :
"بصِّي، هشرَّح الضفدع دا زي ما بشرَّح التفاحة دي، وهاخده هدية للدكتور آدم،  عيد ميلاده النهارده"
شهقت مريم بصوتٍ عالٍ، وضعت يدها على فمها وكأنَّها تحاولُ أن تستوعبَ ما سمعتهُ:
"إنتِ اتجنِّنتِ؟ ضفدع؟! يخربيتك!"
ضحكت إيلين وهي تشيرُ بيدها نحو الباب:
"يلا يا قلبي، اطلعي برَّة عايزة أخلَّص الأكل وأجهَّز للدوك مفاجأة عمره"
قالتها وهي تدفعها للخارج..
خرجت مريم وهي تتمتمُ غير راضية أمَّا إيلين فقد انهمكت في إعدادِ الطعام بحماس..بعد أن انتهت، صعدت إلى غرفتها وفتحت خزانةِ ملابسها، ظلَّت تتفحَّصُ الفساتين بعينيها حتى استقرَّت على فستانٍ أحمرٍ طويل يصلُ إلى الكاحل، مفتوحَ الجانبين، ضيِّق عند الخصر وينسابُ بانسيابيةٍ جذابة…ارتدتهُ ببطءٍ وكأنَّها تهيئُ نفسها لموعد عشاق
وقفت أمامَ المرآةِ تتأملُ انعكاسها، ثمَّ وضعت لمساتٍ تجميليةٍ رقيقة ٍعلى وجهها..أحمرُ شفاهٍ زادها إشراقًا، وعطرًا يملأ المكانَ برائحةٍ آسرة..التقطت صورةً لنفسها وأرسلتها إلى مريم برسالةٍ قصيرة:
"شوفتي؟ علشان تصدَّقي"
لم يمضِ سوى دقائقَ حتى دقَّ جرسُ الباب…فتحت إيلين البابَ بابتسامةٍ واسعة، بينما دخلَ آدم بخطواتٍ بطيئة..كانت عيناهُ تبحرانِ في تفاصيلِ إطلالتها، وكأنَّهُ يحاولُ أن يستوعبَ جمالها الآسر، تمتمَ بصوتٍ خافت:
"أكيد مش بحلم؟"
ضحكت بخفَّةٍ وهي تشيرُ إلى طاولةِ الطعام:
"لا يا آدم، مش بتحلم..اتفضل أقعد"
جلسَ آدم على الطاولةِ وأخرجَ هاتفهِ بعدما ارتفعَ رنينه، نظرَ إلى المتصل لكن صوتَ خطواتها وهي تدخلُ حاملةً الأطباقَ جذبَ انتباهه، فقامَ بإغلاقه، وضعتَ الطعامَ أمامه، ثمَّ استدارت للخادمة:
"هاتي باقي الأكل"
نظر إليها بابتسامة واسعة، ممزوجةً بالعشق:
"إنتِ طبختي بنفسك؟..مريم قالت لي كده بس ما صدَّقتش!"
جلست إيلين قبالته، ووضعت يدها على الطاولةِ بتأنٍّ، وقالت بابتسامةٍ واثقة:
"طبعًا يا حبيبي عيد ميلادك، ولازم أعمل حاجة مميزة"
رفعَ آدم الغطاءَ عن أحدِ الأطباق..لحظةُ صمت، لتتَّسعَ عينيهِ مشدوهًا، ثمَّ التفتَ ونظرَ إلى الطبقِ ثمَّ إليها بصدمة:
"إيه دا؟!شوربة عدس؟! وكمان ضفدع؟!"
أمسكت إيلين بالملعقة وتذوَّقت ملعقةً صغيرة من الشوربة، ثمَّ قالت بابتسامةٍ خبيثة:
"الجو برد قلت أدفِّيك أمَّا الضفدع فدا اختبار مهاراتي..إيه رأيك في هديتي، يا دوك علشان تشوفني شاطرة ولَّا لأ؟"
نهضَ آدم من مكانهِ مذهولًا، بينما انفجرت إيلين في ضحكها المجنون، وكأنَّها تحتفلُ بجنانه..
وصل إليها بخطوة واحدة وجذبها مجيبًا بخبث
-أنا ممكن ادفى بطريقة تانية يادكتورة
ارتجف جسدها، وشعرت وگانه يده ماسًا كهربائيًا
قرب وجهه يحاصرها بقوَّةٍ من خصرها لتجدَ نفسها بين أحضانه بالكامل ثم
قالَ بصوتٍ منخفضٍ يحملُ غصَّةَ مؤلمة بعدما رسم أمنيات:
– هدية...دي هديتي يا إيلين؟!..
كلماتهِ كانت أشبهُ بوخزةٍ نابعةٍ من أحلامٍ واهيةٍ رسمها في خياله.
أطلقت ضحكةً ناعمة، محاولةً التملُّصَ من قبضته، وقالت بخفَّة:
– عجبِتك؟ قول ما تتكسفش..خايف تعترف بشطارتي، يا دُك؟
لمعت عيناهُ بخبث، واقتربَ أكثر بنظراتٍ لم تخفِ نواياه، واقترب من شفتيها
-لا منكرش انك شاطرة، وشاطرة اوي كمان، بس عايز اشوف شطارتك في حاجة تانية، رفعت يدها بتحذير:
– ما تقربش، يا دكتور خلِّي عقلك في راسك، لسه عندي الأدوات جوَّه..
توقَّفَ في مكانه، يرفعُ حاجبهِ ساخرًا:
– هتشرَّيحيني ولَّا إيه يا دكتورة؟
تلاقَت أعينهما، فأجابت وهي تهزُّ كتفيها بتصنُّعِ اللامبالاة:
– مش أوي يعني، بس لازم أدافع عن نفسي.
ابتسمَ بتهكُّمٍ وتراجعَ بخطواتٍ هادئةٍ نحو طاولةِ الطعام. رفعَ هاتفهِ ناظرًا إليها بنبرةٍ حملت مزيجًا من المرارةِ والخذلان:
– ما كانشِ له لزمة، يا بنتِ عمِّتي، كلِّ الاهتمام دا.
سكَت لحظةً قبل أن يُكملَ بنبرةٍ حزينة:
– صعب تبني أحلامك على حد، بس الأصعب لمَّا الحدِّ دا يكسرها، كنت فاكر إنِّ ليَّا أهمية لو بسيطة...بس شكراً على اهتمامك..
قالها وأدارَ ظهرهِ متَّجهًا نحوَ الباب..
ظلت بمكانها، تحدِّقُ فيه مذهولة،  توقفت الكلماتُ بحلقها، رغم إنها حاولت أن تعطيه عذرًا، ولكن كيف تمحو شعورها بتلكَ الغيرةِ التي أحرقت قلبها كلَّما تخيَّلتهُ مع غيرها.
مرت الأسابيع والحال كما هو بينهما، ذهب آدم إلى مؤتمر طبي خارج البلاد استغرق عدة اسابيع، شعرت ايلين بغيابه الذي جعلها تفكر كثيرًا أنها لم تستطع العيش بدونه، دلف إليها زين 
-حبيبتي كلمتي صاحبتك تاني 
وضعت قلمها ونهضت من مكانها 
-آسفة ياخالو، بس حصل تاتش بينا، فقولت لازم ابعد عنها شوية، بس ولا يهمك حبيبي، بكرة آدم يرجع ونشوف الموضوع تاني 
ربت على كتفها وتسائل:
-روحتي النهاردة لرحيل 
اومأت له باابتسامة:
-أيوة هي مشغولة بشغلها، طبعا موت عمو وقع الشركة شوية، غير طبعًا عمو راجح وخالتو رانيا، راحو قعدوا عندها 
اومأ بتفاهم ثم استدار قائلًا:
-هروح ازورها وأشوف موضوع راجح ورانيا دا كمان
-تمام ياخالو ..انا عندي كام شيت هخلصهم وانام
عند إلياس 
وصلَ بسيارتهِ بسرعةٍ جنونية، وكأنَّ قلبهِ سبقَ عجلاتها وكأنه في سباقٍ مع الزمن.
نظر إلى الشوارعَ المزدحمة وتخيل  أنها تضيقُ عليه، انتفضَ جسدهِ خوفًا إلى حدِّ الارتعاش، ونبضُ قلبهِ يصمُّ أذنيه..وقفَ بحديقة الفيلا، قفز من السيارة وهرول إليها بسرعة جنونية، وتوقف أمامها ينظرُ إليها بشهقة، 
تجلس على الأرضِ تحتضنُ جنينها، 
فكان وجهها شاحبًا كالقمرِ الغائب،  ودموعها أغرقت وجهها، كسى الألمِ والحزنِ ملامحها، هوى أمامها على ركبتيه، كأنَّ قلبهِ انكسرَ إلى ألفِ قطعة، ثم رفعها برفق، وكأنَّها من زجاجٍ يخشى أن يتحطَّمَ بين يديه؛ خطى بارتجاف و صوتُ بكائها يقتلُ فيه كل ذرَّةِ صبرٍ وقوة، لكنَّهُ حاولَ التماسك..
أشارَ إلى الخادمةِ بصرخةٍ ملتهبة:
"هاتيلها حاجة تلبسها بسرعة، مستنية إيه؟!"
هرولت الخادمةُ مذعورة، بينما حملها بين ذراعيهِ وكأنَّها أثمنُ ما يملك..اتَّجهَ بخطواتهِ السريعةِ إلى السيارة، ورغم إنها سريعة إلا أن ساقيه ترتعش، وضعها بلطفٍ في المقعدِ الخلفي رغم أنَّ صرخاتها كانت تمزِّقُ قلبه:
"ابني يا إلياس...ابني هيموت!..إلحقه بسرعة!"
كانت كلماتها كالسكاكينِ التي تُغرَسُ في روحه..احتضنها بقوةٍ وكأنَّهُ يحاولُ أن ينقلَ إليها بعضًا من طمأنينةٍ لا يمتلكها هو نفسه..
أمسكَ بيديها المرتجفتين، وقبَّلَ جبينها بحنان، محاولًا تهدئتها:
"حاضر...بس اهدي، اسحبي نفس وإهدي يا ميرال، هنلحقه"
لكنَّها بكت بحرقة، ألمها كادُ أن يفتكُ بجسدها الهش، وصوتها كان أشبهُ بطعنة:
"ابني هيموت...علشان خاطري ياإلياس، ودِّيني للدكتور"
ارتبكَ أكثر، نظرَ إلى الخادمةِ التي عادت تحملُ إسدالها، جذبهُ ووضعهُ فوق ملابسها، ابتلعَ ريقه، وارتجفت يداهُ من صرخاتها التي تصدرها لينفطر قلبه كالشظايا
ضغطت على ذراعهِ بألمٍ شديدٍ وصرخةً شقَّت صدرهِ وأربكت كلَّ شيءٍ داخله، ضمَّ رأسها إلى صدرهِ بحنانٍ غامر:
"ميرال، ميرا...لو سمحتي إهدي، أنا مش عارف أعمل إيه"
رفعت رأسها بصعوبة، والتقت عيناهما، عيناها الباكيتانِ بعينيهِ المرتبكةِ لتهزَّ كيانه:
"إنقذ ابنك يا إلياس...حتى لو مش هتنقذني، المهمِّ هوَّ "
هاجت عيناهُ بالغضبِ مما تفوَّهت به، وارتسمَ الألمُ داخلهما، وهو يشعرُ بقبضةٍ قويةٍ حادةٍ تسحقُ قلبهِ بقوة..
قبَّلَ كفَّيها المرتجفينِ وقال بألمٍ يقطعُ نياطَ قلبه:
"خلاص، اهدي يا حبيبتي، هنوصل للدكتور حالًا وهنقذك إنتِ وابني "
أغلقَ بابَ السيارةِ سريعًا، وركضَ إلى مقعدِ القيادةِ وقادَ السيارةَ بسرعة، وكأنَّ الطريقَ يفتحُ له ذراعيه، تمنَّى لو امتلكَ جناحينِ ليطيرَ بها إلى المشفى، لكنَّ صرخاتها المتقطِّعة كانت تعيدهُ إلى أرضِ الواقع، فجأة، بدأ جسدها يهدأ، وانخفضت أنفاسها، تهمسُ بصوتٍ خافت:
"أنا بموت..."
هنا، تحطَّمت كلَّ محاولاتهِ للتماسك، صرخَ بها بجنونٍ وكأنَّهُ يرفضُ استسلامها:
"ميرال، خلِّيكي معايا افتحي عيونك حبيبتي"
نظرَ إلى الدماءِ التي تسلَّلت من ساقيها، فازدادَ ارتباكه، لكنَّهُ لم يتوقَّف..كان يقودُ السيارةَ وكأنَّهُ يطاردُ الوقت، وعيناهُ تراقبانِ الطريقَ أمامهِ والدماءَ خلفه، رنَّ هاتفه، أجابَ عليهِ بصوتٍ متوتر يستمع:
"إلياس، إنتَ فين؟ عدِّيت عليك مش لاقيك!"
ردَّ بسرعة:
"أرسلان، كلِّم ماما قولَّها ميرال في المستشفى، شكلها هتولد، بس حالتها خطيرة، قولَّها تيجي"
حاولَ أرسلان تهدئته:
"تمام، اهدى...إن شاء الله تبقى كويسة"
قالها وأغلقَ الهاتفَ مستديرًا للمغادرة،  ولكنَّهُ توقَّفَ فجأةً حين لمحَ شيئًا التفتَ إلى مساعدِ مكتب إلياس:
" فيه حد دخل المكتب بعد ماإلياس خرج؟"
هزَّ مسؤولُ مكتبِ إلياس رأسهِ بالنفي، لكنَّهُ لم يقتنع فدخلَ المكتبَ وأغلقَ البابَ خلفه، يتفحَّصُ المكانَ بعينيه..كان المكان يوحي بعبثٍ غيرُ معتاد، كأنَّ أحدهم فتَّشَ كلَّ شيء..نظرَ إلى جهازِ الكمبيوتر، وعيناهُ تبحثانِ عن الكاميرا المعلَّقة، لكنَّها لم تكن في مكانها.. فاندفعَ إلى جهازِ الكمبيوتر ليغلقه، دخلَ شريف فجأةً وسأله:
"إلياس فين؟"
كان أرسلان منشغلًا بجمعِ الأوراقِ والصورِ المبعثرة، لكن حين وقعت عيناهُ على صورٍ معينة، تسمَّرَ في مكانه، اقتربَ شريف معتذرًا:
"آسف، معرفشِ ليه سايب جهازه مفتوح وورقه مرمي كده، بس أحمد قال إنُّه خرج بسرعة، وأنا مليش صلاحية أدخل هنا وهوَّ مش موجود"
أومأ أرسلان متفهِّمًا، ثمَّ جذبَ الأوراقَ والصورَ من يدِ شريف ووضعها في خزانةِ المكتب، وأغلقها بحذر، رسمَ ابتسامةً مصطنعةً وهو يقول:
"زي ما قلت، ماينفعش ِندخل وهوَّ مش موجود، أنا بس كنت بقفل كلِّ حاجة مكانه"
قالها أرسلان وتحرَّكَ للخارجِ يرفعُ هاتفه، يخبرُ فريدة بما حدث، ثمَّ اتَّجهَ مغادرًا إلى فيلا الجارحي.
بالمشفى، ترجلَ من سيارتهِ كالعاصفة، يدوي صوتهِ بين الجدرانِ كناقوسِ خطر، ينادي على المسعفينَ بصوتٍ متحشرجٍ يحملُ بين طياتهِ الخوفَ والعجز..هرولَ إليه أحدُ المسعفين، يدفعُ الفراشَ
المتنقِّلَ أمامه، وسرعانَ ما استقرَّ جسدها الضعيفَ عليه...أمسكَ إلياس بحافةِ الفراش، كأنَّ يديها وحدهما تحميانهِ من السقوط..يجرُّ ساقيهِ المرتخيتانِ بصعوبة، نظرَ إلى وجهها الشاحب، شعرَ كأنَّما انتُزعت منهُ الحياة، لكنَّهُ كان يتماسكُ أمامها..
دقائقَ بدت كالأعوام، وصلوا إلى غرفةِ الطبيبِ وقفَ إلياس بجانبها، يراقبُ  الطبيبَ بفحصها، تمنَّى أن يلامسَ نبضها المرتجف..كلَّ ثانيةٍ كانت كالسيفُِ يوشك أن يطعنَ صدره..رفعَ الطبيبُ بصرهِ بعد فحصٍ مطوَّل، وعيناهُ مليئتانِ بالأسى كأنَّهما تنطقانِ بكلماتِ قتله:
- "لازم تدخل عمليات فورًا، الجنين والأم حالتهم خطرة جدًا."
تسمَّرت قدماه، كأنَّ الأرضَ ابتلعته وحاولَ الحديث، خرجت الكلماتُ من شفتيهِ المرتجفتينِ بتثاقل:
"مراتي لازم تطلع بالسلامة إن شاءالله."
نظرَ الطبيبُ للأسفل، منكسًا رأسه، وتحدَّثَ بتقطُّعٍ وصوتهِ مشحونًا بالخوفِ من خذلانٍ قد يواجهه:
"الوضع صعب جدًا...ممكن ننقذ الأم أو الطفل، لكن مش الاتنين."
زمجرَ إلياس كوحشٍ جريح، صوتهِ يرتفعُ بكلِّ ما يملكُ من يأس:
"مراتي الأوِّل، سمعتني؟ هيَّ الأوَّل وبعدها الولد!"..أشارَ إلى غرفةِ العمليات وهتفَ بلا تردُّد: 
-إن شاء الله الاتنين يخرجوا بالسلامة يادكتور..
هرولَ الطبيب من أمامه، وتوقَّفَ إلياس لبعضِ اللحظات، وقعَ بصرهِ عليها.. قادتهُ خطواتهِ لا إراديًا نحو السريرِ المتنقِّلِ حيث تستعدُّ الممرضةَ لنقلها إلى غرفةِ العمليات، جلسَ بجوارها، كأنَّهُ يحتمي بها من عاصفةِ حزنهِ الهوجاء التي اعترت صدره. مدَّ يدهِ يمسِّدُ على خصلاتها المتناثرة، يحاولُ أن يعيدها ، انحنى برأسهِ حتى التقت جبينهِ بجبهتها، وهمسَ بحروفٍ مرتعشة:
"ميرال، حبيبتي، سمعاني؟ افتحي عيونك."
رفرفت بأهدابها، كأنَّها تقاومُ الغياب، وخرجَ صوتها خافتًا كهمسةِ الروح:
"إلياس...أنا هموت."
طُعنت روحهِ بسكينِ كلماتها، وتجمَّدت دمعةً على حافةِ عينيهِ قبل أن تسقطَ كالشلال..وضعَ جبينهِ على جبينها، وكأنَّ دفءَ أنفاسهِ يمنحها سببًا لتعيش:
"ميرال، بالله عليك ما تقولي كده، إن شاء الله هتقومي بالسلامة وهتطلعي بابننا كمان، قولي يارب."
ابتسمت بصعوبة، شفتاها ترتعشان، وهمست بصوتٍ متقطِّع:
"الولد...سمِّيه يوسف...دي أمنية ماما فريدة"
ارتجفَ قلبهِ مع كلماتها، لكنَّهُ قاطعها وهو يحاولُ أن يرسمَ ابتسامةً مطمئنة:
"اسكتي دلوقتي، ما تفكريش في حاجة، هتولدي وتبقي بخير"
قبَّلَ كفَّها بحنانٍ كأنَّها أغلى ما يملك، ثمَّ رفعها ليطبعَ قبلةً مطوَّلةً بجوارِ شفتيها، دموعهِ تنهمرُ بحرارةٍ على وجنتيها الشاحبتينٍ وتمتمَ بصوتٍ متحشرج:
"بحبِّك"
استسلمت لجسدها الذي غلبهُ المخدِّر، وأغمضت عينيها، تحرَّكَ السريرُ ببطءٍ مع الممرضةٍ التي أشارت له بحزم:
"لو سمحت، بلاش تأخَّرنا"
وقفَ إلياس يراقبها وهي تُسحبُ بعيدًا عنه..شعرَ وكأنَّها تبتعدُ عن حياته كلَّها، رفعَ يديهِ المرتعشتينِ إلى السماء، وتمتمَ بدعاءٍ كاد أن يتفكَّكُ بين دموعه:
"يارب استودعتك زوجتي وطفلي"
مرت دقائق مشحونة بالتوتر والخوف، وصلت فريدة تجاورها غادة، توقفت أمامه متسائلة:
-فين ميرال حبيبي؟!
شعر بإختناق ثقيلٌ كأنَّ الهواءَ سُحبَ بالكامل؛ وارتفعت دقَّاتُ قلبهِ  تتسارعُ بنبضاتِ لم تتوقف، كطبولِ حربٍ تصرخُ في أذنيهِ..أشار بعيناهُ على البابِ المغلقِ و كأنَّ بينهُ وبينَ الحياةِ خيطًا هشًّا معلَّقًا بذلك الباب، لم يعد يشعرُ بقدميه، شعر بأن جسدهِ بلا روح، ونظراتهِ كعاصفةٍ لا تعرفُ السكون.
جلست فريدة بجوارِ غادة، ومصحفها في يدها، تحاولُ أن تجدَ عزاءً في كلماتِ الله، لكنَّ شفتيها المرتعشتينِ لم تستطيعا الثبات؛ أصبحت عيناها زائغتانِ تراقبانِ ابنها الذي بدا وكأنَّهُ رجلًا يغرقُ في بحرٍ من الظلمات، والخوف يظهر بوضوح بملامحه ...رفعت رأسها قليلاً، وتمتمت بصوتٍ خافتٍ:
"يارب نجِّها، يارب ردَّها لينا ولاتحرمها من طفلها"
أمَّا إلياس لم يعد يحتمل، فكأنه الصبر خرج من قاموسه، اقتربَ من البابِ المغلق بخطواتٍ ثقيلة، رفعَ يدهُ وكأنَّهُ يهمُّ باقتحامه، لكنَّهُ توقَّفَ فجأة،  يضربُ الحائطَ بقبضته، وقلبهِ المنفطرَ يئنُّ من الألم.. 
-اتأخرت ليه، دي كلها بتولد..مر إلى عقله حالتها المنهارة
التفتَ فجأةً إلى الخادمةِ التي كانت تجلسُ منكمشةً بالمقعدِ
-الصبح كلمتك وسألتك قولتي المدام كويسة، ايه اللي حصل..توقفت فريدة متجهة إليه وحاولت تهدئته:
-حبيبي دا عادي، استدار إلى والدته 
-حضرتك مشفتهاش ياماما، دي يعتبر اتصفت
ربتت بحنان تهز رأسها وتمتمت بنبرة هادئة:
-ماهي ولادة حبيبي، عادي ..هز رأسه بعدم اقتناعه بحديثها، قاطعته الخادمة
-فيه واحدة كانت عند المدام، وبعد ماخرجت حصل اللي حصل 
ضيق عيناه مقتربًا منها بتساؤل
-واحدة..مين دي!! ذهب تفكيره إلى رانيا سريعًا 
-اسمها رؤى ياباشا
قالتها بصوت مرتبك، طالعها ما زال يتردَّدُ في ذهنه:
"واحدة اسمها رؤى جات وقعدت دقايق، وبعدها المدام تعبت"
فكَّرَ بصوتٍ مرتفع، وجههُ يفيضُ بالانفعال:
"ليه راحت لعندها؟ إيه اللي حصل بينهم؟ وميرال كانت رافضة تشوفها!..
انهارت غادة فجأةً بالبكاء، صوتها المقهورُ اخترقَ المكان:
"يارب أنا مكنتش اعرف، هي اتصلت واخدت عنوانها، ذهل إلياس من حديثها، وشيطانه يتلاعب بعقله، استمع الى صوت غادة
- مش قادرة أتحمِّل ممكن زيارة رؤى تخسرنا ميرال.."وضعت كفَّيها على فمها بعدما رمقها بنظرةٍ مميتة.
اتجهت فريدة إليها، وحاولت السيطرة على حزنها بعدما وضعت المصحفَ بجوارها
-اهدي حبيبتي إن شاءالله ميرال هتكون كويسة هي والبيبي كمان، قالتها واستدارت نحو إلياس، بيدها المرتعشةِ تمسكُ بذراعه:
"حبيبي، إهدى إن شاءالله هتكون كويسة"
ولكنه رفع عيناه القلقة لذلكَ الباب، ذاكَ الحاجزِ الذي يقفُ بينهُ وبينها محبوبته..أجابها بعيونًا اطفأها الخوف:
"أنا هادي أهو، شيفاني بقطَّع في شعري" لحظات إلى أن هزَّ رأسهِ بالنفي لكلماته قائلًا:
-لا..ياماما أنا خايف عليها..
توقَّفَ فجأة، كأنَّ الكلماتَ خانته، أو ربما لم يعد يتحمَّل مجرَّدَ فكرةِ خسرانها.. لتضمَّهُ فريدة وتربتُ على ظهرهِ و كأنَّها تحاولُ أن تمنحهُ بعض قوَّتها الواهنةِ وهي تقول:
"ميرال قوية، وإنتَ لازم تكون أقوى عشانها..خلِّي أملك كبير في ربنا"
قبلَ أن يرد، فُتحَ البابُ فجأة، وخرجت الممرضةُ تحملُ الطفل..ركضَ نحوها كالمجنون، وقفَ أمامها يسألها بصوتٍ يفيضُ بالقلق:
"الولد كويس؟.."
ابتسمت الممرضةُ ابتسامةً صغيرة، لكنها لم تُخفِ القلقَ الذي ظهرَ في ملامحها:
"لازم يتحجز في الحضانة، عنده نقصِ أكسجين، لكن الدكتور بيقول إن شاءالله هيبقى كويس"
حاولَ أن يلتقطَ أنفاسهِ قبل أن يسأل بنبرة يشوبها الخوف:
"وأمُّه؟!"
نظرت إليه الممرضةُ سريعًا:
"الدكتور معاها، اطَّمن"
وقفَ كالمسلوب من كل شيئًا للحظة، ثمَّ انحنى قليلاً، وأسندَ رأسهِ إلى الحائط، وحاولَ أن يهدِّئَ من روعهِ قليلًا:
تبادلت غادة وفريدة النظرات، كلتاهما عاجزتانِ عن إيجادِ كلماتٍ تهدِّئُ هذا البركانَ المشتعلَ أمامهما..فريدة، التي ارتعش قلبها بالخوف،و لم تجد غير الدعاءِ ملاذًا، رفعت يدها إلى السماء، وتمتمت بصوتٍ متهدِّج:
"يارب كمِّل فرحتهم، يارب نجِّها هي وابنها"
ظلَّ متوقِّفًا كالجبل وكلِّ دقيقةٍ تمرُّ عليهِ كأنَّها سبعينَ خريفًا، حتى شعرَ وكأنَّ الحياةَ تُسحبُ منهُ ببطءٍ..لم يبقَ له سوى الأمل الهش بخروجِ الطبيب، ولكن كيف وهو مازالَ بالداخل، ظلَّ كما هو ينظرُ بساعةِ يدهِ كلَّ دقيقةٍ يشعر بأن الزمن متوقِّف، والهواءُ في رئتيهِ صارَ كأشواكٍ تجرح رئتيه..أخيرًا، خرج الطبيب، ملامحهِ مثقلةً بالإرهاق، لكن نظراتهِ حملت شيئًا من الطمأنينة..رفعَ عينيهِ نحو إلياس وقالَ بهدوءٍ يشوبهُ التعب:
الحمدُلله، قدرنا نوقف النزيف، ماحبتش أخوِّفك أو أزوِّد قلقك...الجنين إن شاء الله هيكون بخير، والمدام هتقضي الليلة في العناية لحدِّ بكرة بإذنِ الله، تقدر تطَّمن عليها.
رغم أنَّها كلماتٌ إلا أنه شعر بحرية أنفاسه، بعدما شعر وگانه محبوسًا بقبرٍ، سحبَ نفسًا عميقًا، ورفعَ عينيهِ نحو الغرفة، بخروجِ ذلك الفراشِ الأبيضِ الذي يحملُ قلبه، وروحهِ التي تمزَّقت بخوفه عليها...
تحرَّكَ خلف الفراشِ الذي تمَّ نقلها به إلى غرفةِ العناية، التي اعتبرها غرفةَ موته، إلى أن تفتح عيناه السوداوية، وتهمس اسمه ليرتاح نبضه المتعثر..
تحرَّكت فريدة وغادة خلفهِ، توقَّفت على البابِ و همست فريدة بخفوت، وهي تربتُ على يدِ غادة:
خلِّيه يطَّمن عليها الأوَّل، تعالي نطلع نشوف ابنِ أخوكي.
أومأت غادة بصمت، وعينها متعلقةً بجسدِ صديقتها الذي غابَ خلف الزجاج...
أمَّا هو، فقد كانت خطواتهِ ثقيلةً كأنَّها تحملُ وزنهِ ووزنَ أوجاعهِ كلَّها التي تفوقُ حملَ الجبال، توقَّفَ للحظاتٍ عند بابِ العناية، عيناهُ تتشبثانِ بجسدها الشاحبِ الذي بدا كزهرةٍ ذابلةٍ في غيرِ أوانها.
دخلَ بخطواتٍ متردِّدة، ورغم أنَّ كلَّ خطوةٍ تقرِّبهُ منها لكنَّهُ شعرَ وكأنَّما تسحبهُ بعيدًا عنها، ليشعرَ بحجمِ المسافةِ التي تتزايدُ ولاتنقص..اقتربَ من سريرها بعد معاناة، جسدها بدا صغيرًا وهشًّا وسطَ الأجهزةِ والأسلاك، جلسَ بجانبها بعدما سحبَ مقعدًا، عيناهُ لم تفارق ملامحها التي استنزفها الألم..
مدَّ يدهِ ببطء، وأمسكَ بكفِّها الباردِ المغروزِ بالإبر، وشعرَ بوخزة في قلبه. رفعَ كفَّها إلى شفتيه، قبَّلها قبلةً طويلة، كأنَّهُ يحاولُ بثَّ الحياةِ فيها من جديد..دمعةٌ خائنةٌ انزلقت من عينيه، لكنَّهُ لم يحاول مسحها..
همسَ بصوتٍ مرتجف، وكأنَّ الكلماتَ خرجت من أعماقِ روحهِ المكسورة:
الحبِّ موجع يا ميرال...للمرَّة التانية أحسِّ إنِّي بموت وأنا خايف تضيعي منِّي، تخيَّلي دعيت ربنا إنِّي ما حبيتكيش ولا قرَّبتِ منِّك، عشان ما أعيش اللحظات دي تاني...
رفعَ يدهِ الأخرى، بحنانٍ شديدٍ وسحبَ خصلاتها المتمرِّدةِ التي هربت من البونية، وأعادها برفقٍ داخلها..طبعَ قبلةً على جبينها، كانت مليئةً بالحنانِ والخوف، والحبِّ الذي يعصفُ به.
تذكَّرَ كلماتها الأخيرة التي كسرت قلبه، فابتسمَ ابتسامةً حزينة، وهمس:
كلِّ يوم بحبِّك أكتر من اللي قبله...شوفتي عملتي فيَّا إيه؟ مش بس كده...المتخلِّفة لسه بتقول هتنازل عن الولد عشان تخلص منِّي!
اقتربَ أكثر، حتى صارَ صوتهِ بالكادِ يُسمع، وهمسَ عند أذنها بصوتٍ مشحونٍ بالألمِ والحبّ:
بعينك يا ميرال أسيبك؟ أنا قلتلك زمان... حبِّي بيوجع، استحملي بقى...أنا ما بعرفشِ أحبِّ إلَّا بالشكلِ ده.
تركَ رأسهِ يسقطُ على كفِّها الحر، أغلقَ عينيه كأنَّهُ يبحثُ عن ملاذٍ في قربها، نبضاتُ قلبهِ كانت أسرعُ من أيِّ وقتٍ مضى، لكنَّها كانت مليئةٌ بصلواتٍ لا تنتهي..أغمضَ عينيهِ بعدما مضى عليه وقتًا تمنَّى فيه موتهِ لا محالة..ولكن آلان شعر بأن روحه عادت لجسده، ينتظر همسها باسمه، ليشعر بامتلاك الكون
في منزلِ يزن، جلسَ كريم بجواره، يطالعهُ وهو يشعلُ سيجاره، ثمَّ قالَ بجدية:
"عايز ميعاد يا يزن، علشان أخطب البنت قبل ما تدخل الجامعة"
أخذَ يزن نفسًا عميقًا من سيجارته، وحدَّقَ به بصمتٍ للحظاتٍ قبلَ أن يردَّ بهدوء:
"هتستنى لمَّا البنت تخلَّص الجامعة، ولَّا بعد سنة تيجي لي زي عفريت العلبة وتقولي عايز أتجوِّز؟ لازم نتفق..إنتَ صاحبي آه، لكن مفيش جواز غير لمَّا إيمان تخلَّص دراستها"
هبَّ كريم من مكانهِ كالملسوع:
"نعم؟! عايزني أستنى سبع سنين؟! ليه؟ هتحنِّطوني جنبكم ولَّا إيه؟"
أجابَ يزن ببرودٍ قاتل:
"واللهِ ده اللي عندي عايز، يا مرحب..مش عايز، برضه يا مرحبتين"
ضغطَ كريم على أسنانه، والغضبُ كاد أن يتفجَّرَ بداخله، لكنَّهُ تمسَّكَ بصوتهِ وقال:
"طيب، تعالَ نقسم البلد نصِّين: أقعد سنتين ونتجوِّز إيه رأيك؟"
ردَّ يزن بثبات، وكأنَّ الموضوعَ لا يعنيه:
"لمَّا تخلَّص السبع سنين"
صرخَ كريم بنبرةٍ تفيضُ بالإحباط:
"إنتَ مفتري يا يزن، واللهِ مفتري..وأمَّك الله يرحمها مارضعتكش لبن، دي مرضعاك قساوة يا ابنِ المفتري"
ضحكَ يزن ساخرًا، ثمَّ قالَ بمرح:
آه أنا ابنِ ستين مفتري، ومضحكشِ عليك، علشان كده حذَّر منِّي، قلبي لمَّا بيقلب بياخد الأخضر واليابس"
زمَّ كريم شفتيه، ثمَّ قالَ بسخريةٍ:
"آه، صحوبية إيه بس؟ أسفخسِ على دي صحوبية "
قهقهَ يزن وهو ينحني يربتُ على ركبةِ كريم في محاولةٍ للتهدئة:
"ما تزعلشِ يا بيضة، هجوِّزك السنة الأخيرة قبلِ الامتحانات بامتحان واحد، يرضيك كده؟"
نهضَ كريم من مكانه، يدفعُ يزن بيده، ثمَّ تحرَّكَ للخارجِ غاضبًا:
"بارد ورخم، واللهِ حلال اللي البتِّ رحيل بتعمله فيك"
صاحَ يزن من خلفه، بنبرةٍ غاضبة:
"بتِّ إيه يالا؟! بتتكلِّم عن مراتي يا متخلِّف!"
توقَّفَ كريم عند الباب، ثمَّ التفتَ بابتسامةٍ ساخرةٍ وقال بتهكُّم:
"اسمَ الله على اللي مقطَّع الحب! يا بني محدش فاهمك قدي إنَّما إيه؟ هتفضلوا كده؟ بقالكم شهرين ومفيش جديد"
صمتَ للحظة، وعادَ بذاكرتهِ إلى آخرِ لقاءٍ برحيل، يحملُ في داخلهِ مشاعرَ متناقضة بين الحبِّ والغضب..
وصلَ إلى الشركة بخطواتٍ ثابتة، دلفَ للداخلِ بعدما علمَ أنَّها بمفردها..دفعَ البابَ بهدوء، كانت منهمكةً على جهازها،  رفعت رأسها حينما شعرت بوجوده..تلاقت عينيها بنظراته، فتسمَّرت للحظةٍ قبل أن تسحبَ بصرها بخجل:
- يزن...!!
خطا نحوها ببطء، وعيناهُ تلتهمانِ ملامحها باشتياق..توقَّفَ قريبًا وسألَ بنبرةٍ أقربُ للهمس:
– عاملة إيه؟
هزَّت رأسها بخفة، تهمسُ بنبرةٍ خافتة:
– الحمدلله...كويسة وإنتَ؟
سحبَ مقعدًا وجلسَ أمامها، وردَّ بصوتٍ هادئٍ لكنَّهُ عميق لم تفهمهُ:
– آسف...كنت مشغول في الورشة والمعرض.
ابتسمت بحنانٍ صادقٍ وردَّت:
– بالعكس...أنا فرحت إنَّك رجعت المعرض ياربِّ تفضل فيه، بجدِّ مش هلاقي حدِّ أقدر أثق فيه زيك.
ارتسمت ابتسامةً غامضةً على شفتيهِ ونطقَ متسائلًا:
– بتثقي فيَّا يا رحيل؟
لمعت عيناها بخطٍّ من الدموعِ المتحجِّرة، لكنَّها لم تتركها تسقط..ووقفت فجأةً واتَّجهت لتجلسَ بجواره، تمتمت بصوتٍ خفيض:
– بصراحة...مش قادرة أقيِّمك.
ارتفعَ حاجباهُ قليلاً، وسألَ ببرودٍ يخفي خلفهِ غليانًا:
– بمعنى؟
نظرت بعيدًا للحظةٍ قبل أن تعودَ بنظرها إليه، وكأنَّها تحاولُ أن تكون أقوى ممَّا تشعر:
– ليه اشتريت الأسهم يا يزن؟ وإزاي قدرت تشتريهم..من غير ما تقولِّي وكمان بحالتك دي؟
قاطعها بصوتٍ حازم، يحملُ مزيجًا من الغضب:
– وأنا على قدِّ حالي...مش دا قصدك؟
نكست رأسها وتمتمت:
– آسفة يا يزن...بس أسهم شركة قيمتها معدِّية المليون جنيه مش حاجة عادية..
تراجعَ بجسدهِ على المقعد..لحظاتٍ من الصمتِ بينهما ليردفَ ببطء:
– طيِّب...لو قلت لك إنِّي مش هقدر أجاوب دلوقتي، هتردِّي تقولي إيه؟
نظرت إليه بتحدٍّ، ثمَّ عادت إلى كرسيها، تواليهِ ظهرها، وكأنَّها تعلنُ انتهاءَ الحديث:
– مفيش اختيارات قدَّامك للأسف يا توضَّح...يا أمَّا...
نهضَ فجأة، ليقطعَ جملتها بحدة:
– مش أنا اللي حدِّ يخيَّرني بحاجة يا رحيل..أنا اشتريت الأسهم لشخص هيظهر قريب، واللي أعرفه إنِّ الأسهم دي كانت بتاعة راجح الشافعي..يعني الموضوع مش يخصِّك.
استدارت نحوهِ ببطء، وقالت بسخريةٍ باردة:
– واللهِ...الموضوع ما يخصنيش؟ أمَّال إيه اللي يخصِّني يا باشمهندس؟ إنِّي أفتح باب مكتبي وألاقي حدِّ غريب بيشاركني في تعب أبويا؟ إنِّي أفقد اسمِ أبويا اللي بناه سنين بسبب هلاوسك وانتقامك؟
نظرَ إليها بعينينِ تشتعلان، لكنَّهُ ظلَّ صامتًا، تقدَّمت نحوهُ بخطواتٍ بطيئة، ثمَّ توقَّفت أمامهِ وقالت بصوتٍ خافت، لكنَّهُ مشحونًا بالغضب:
– يزن...أنا مش عارفة إن كنت جدع فعلاً ولَّا بترسم الدور ببراعة؟..بس في كلِّ الأحوال...إنتَ بتضرِّني، لو عايز تنتقم من طارق فهوَّ محبوس وبيكفِّيه اللي هوَّ فيه،  ولو بتنتقم من البنتِ اللي ضحكت عليك أنا ماليش دعوة..كلِّ اللي يهمِّني إنِّ اسمِ أبويا يفضل نضيف عايز تصفِّي حساباتك...يبقى بعيد عنِّي.
اقتربَ منها فجأة، وعيونهِ تلتهمُ كلماتها، وأردفَ بنبرةٍ باردة:
– إنتِ شايفة إنِّي بصفِّي حسابات؟
ضحكت بسخرية، وهي ترفعُ عينيها لتلتقي بعينيهِ مباشرة:
– أنا مش شايفة غير كده..بتحارب ناس مفكَّرهم ظلموك، لكن الغلط عندك، مش عند طارق، ولا البنت التانية...ولا حتى أنا، كلِّ حاجة نصيب يا يزن.
اقتربت خطوة، حتى لم يعد بينهما سوى الأنفاس، لأوَّلِ مرة، وجدت نفسها قريبةً منه بهذا الشكل، همست بصوتٍ مرتجف:
-منكرش أنا كنت معجبة بيك، معجبة برجولتك وشهامتك...كنت فاكرة إنَّك الراجل اللي ممكن أعتمد عليه، بس للأسف...طلع كلِّ دا وهم.
صمتَ يزن، لكنَّهُ لم يبتعد، ثمَّ تمتمت بنبرةٍ مليئةٍ بالألم:
– ليه اتجوِّزتني يا يزن؟ علشان تنتقم من طارق؟ ولَّا...
ارتعشت الكلماتُ على شفتيها، لكنَّها أكملتها:
– ولا علشان كنت بتحبِّني؟
كان صمتهِ كالطعنات..لم يجرؤ على النظرِ في عينيها، وكأنَّ الجوابَ إليها سهامًا مسمومةً تخترقُ صدرها، هزَّت رأسها بألم، وقالت بسخريةٍ حزينة:
– الردِّ وصلني يا باشمهندس.
قاطعتها السكرتيرة على الباب:
– أستاذة رحيل...الاجتماع بدأ.
أومأت رحيل بصمت، ثمَّ التقطت هاتفها وغادرت دون أن تنظرَ خلفها..تركتهُ واقفًا في مكانه، يحاولُ تجميعَ شتاتَ نفسه...
خرجَ من شروده على صوتِ كريم:
– كلِّم إيمان وشوف الوقت المناسب علشان ننزل نجيب الدبل.
أومأ يزن دون أن ينبسَّ بكلمة، وكأنَّ الحديثَ أصبح ثقيلًا على صدره.
بفيلا الجارحي، كانَ إسحاق جالسًا في الحديقة، عيناهُ تترقَّبُ المكانَ غارقًا بماضيهِ الذي أثقلهُ الحزنُ في قلبهِ منذ فقدانِ طفله، بينما فاروق يجلسُ بجواره على مقعدهِ المتحرِّك، يراقبُ صمتهِ الموجع..
جلست صفية، تطعمُ زوجها، ذهبت ببصرها إلى إسحاق الذي مازال غارقًا في بحرٍ من الصمت، قالت بصوتٍ خافت، لكن مليء بالحزن:
لسه دينا في المستشفى؟
هزَّ إسحاق رأسهِ بحركةٍ بطيئة، مبتعدًا عن عينيها وأجابها بصوتٍ مشوَّشٍ، خرجَ همسًا:
خرجت من أسبوع...قالت هتقعد مع والدتها، سبتها براحتها...
ثم تابع بصوتٍ شاحبًا، وكأنَّهُ يعبِّرُ عن شعورٍ عميقٍ بالخذلان الذي يسيطرُ عليه، رفعت صفية حاجبها بتساؤل، ثمَّ قالت بنبرة متخاذلة:
كنت قاسي عليها قوي يا إسحاق...هيَّ مالهاش ذنب في اللي حصل، متنساش إنَّها كانت أم..
أخذَ إسحاق نفسًا عميقًا، وارتفعَ قلبهِ بالنبض، لكنَّهُ استندَ على الطاولة، ونظرَ إلى فاروق، الذي كان يراقبهم، ثمَّ تساءلَ بصوتٍ كادَ أن يُسمع:
فاروق...تفتكر الولد اللي مات ده ابني؟... تفتكر؟
خرجت شهقةٌ غير راضيةٍ من صفية، بينما قلبها ينفطرُ لحالته:
إنتَ بتقول إيه يا إسحاق؟!..ارضى بقضاِء الله، لو كانت الصدمة مأثَّرة عليك كده، فكلِّ شيء مكتوب...إنتَ مش عارف بتقول إيه.
نظرَ إليها فاروق بعينينِ مليئتينِ بالعجز، أسندَ إسحاق رأسهِ على يديه، وتنهَّدَ بنفسٍ ثقيلٍ حتى خانتهُ الدموعَ لتتساقطَ على خدَّيه:
-مش عارف، قلبي مش مصدَّق، وعقلي بيربط الأحداث، فيخوني التفكير..
مسحَ وجهه بعنف، وكأنَّما يحاولُ أن يطردَ هذه الهواجسَ من عقله، حاولَ فاروق أن يتحدَّث، لكن لسانهِ خانهُ بثقله.. تدَّخلت صفية مردفةً بنبرةٍ حنون:
اعمل تحليل، علشان تقطع الشك باليقين...مش بشك في دينا، بس اللي شفته من مدام أحلام يخلِّيني أقولَّك إتأكد..
رفعَ إسحاق عينيه إليها، والدمعة التي تعلقت في عينيهِ جعلته يبدو كطفلٍ تائه، ثمَّ نظرَ إلى فاروق، وقالَ بصوتٍ مكسور:
شفت إنتَ وأبوك عملتوا إيه؟...قول لي، لو كانت ورا الموضوع ده، هترجع تقول لي "أمَّك"؟...واللهِ لو كان ليها يد في اللي حصل مش هرحمها، سكتِّ دا كلُّه علشان وصية أبوك اللي هيَّ متسلتهاش.
قاطعهُ وصولُ أحلام، الذي كان بمثابةِ البركان...صمتَ الجميعُ لحظة ثمَّ نظرت أحلام إليهم بعينينِ مليئتينِ بالسخرية، ورسمت قناعًا من الحنان:
"عامل إيه يا فاروق؟"
وقعت عيناها على صفية التي كانت تطعمُ زوجها، ثمَّ رمقتها بنظرةٍ باردةٍ مليئةٍ بالكراهية، وأشارت إليها بكبرياء:
عمرك ما هتنضفي...لسه زي ما إنتي، مفكَّراه طفل وبتأكِّليه بالطريقة دي؟
قاطعها إسحاق بصوتٍ خافتٍ ولكنَّهُ مشحونًا بالغضب:
-جاية ليه يا أحلام هانم؟
جلست بجوار فاروق، وأمالت جسدها عليهِ وأردفت بحزن:
إيه...جاية أشوف ابني...هتمنعني؟ إنتَ ليه مش في بيت بتاعةِ الخضار ، روح دوَّر عليها يمكن تلاقيها فارشة على ناصية بتساعد أمها.
نهضت صفية، وأزالت بقايا الطعام من فمِ زوجها، ثمَّ نظرت إلى إسحاق وقالت بصوتٍ منخفض، لكنَّهُ مليء بالخوف:
هطلع أشوف البنات فوق...من وقتِ ما غرام جت وملك حبستها في الأوضة... خلِّي بالك من فاروق، مش قادرة أتركه لوحده.
قاطعتها أحلام بتهكُّم:
مالك يا بنتِ الباشكاتب؟ شفتي شيطان وعايزة تهربي ولَّا إيه؟...وبعدين البتِّ بتاع الولد اللي جبتوا من الشوارع دي بتعمل إيه في بيت ابني؟
نظرت صفية إلى إسحاق الذي هاجَ بالغضبِ وصاح:
إيه اللي جايبك ياله روحي شوفي وراكي إيه..
أخفت سخريتها، وردَّت بصوتٍ هادئ، لكنَّهُ مليئًا بالثقة:
بالراحة ياإسحاق...قولت لك أنا في بيت فاروق، لمَّا أروح بيتك اطردني، وما أعتقدشِ هاروح أصلًا.
قاطع حديثهما رنينَ الهاتف، ورفعَ إسحاق سمَّاعتهُ:
أيوة؟
إسحاق، مدام دينا رافعة عليك قضية طلاق، شوف هتعمل إيه.
تقابلت عينيهِ پأعين أحلام، التي كانت تشتعلُ بالتحدي،..ثمَّ مالت جسدها عليه، وقالت بصوتٍ ساخر:
إيه...بنتِ بيَّاعِ الخضار عملت لك مصيبة؟ بخطوةً واحدة، وبلحظةٍ من الجنون، لا يرى أمامه..كانت يداهُ تطبقُ على عنقها بشدة، حاولت صفية أن تفرِّقهُ عنها، لكن كان قد تحوًَّلَ إلى شيطانٍ مارد، لا يعرف سوى الهلاك.
بدأت صفية تصرخُ بألم، بينما كان فاروق الذي عجزهُ خانه، وصلت ملك تصرخ:
نانا!..عمُّو سيب نانا، بتلك الأثناء دلفت سيارةُ أرسلان إلى الحديقة، ذُهلَ من ذاك المشهد، فهبَّ منها وركضَ سريعًا، وهو يرى محاولاتِ صفية وملك بإبعادِ إسحاق..دفعهُ بقوَّةٍ 
حتى سقطت أحلام مغشياً عليها، وجهها شاحبًا شحوبَ الموتى، من شدةِ العنفِ الذي تعرَّضت له، نظرَ إلى سقوطها نظراتٍ باردةٍ وكأنَّها ليست والدته التي حملته، نظرات تحمل من الكره مايجعلها عدوته الاولى بهذا العالم، استدارَ متحرِّكًا بثورةِ غضبِ لا يمكنُ إيقافها، ومازال شيطانهِ يوسوسُ له بإرتكابِ أبشعِ الجرائم..
بمنزلِ آدم وخاصَّةً بغرفةِ مكتبه كان منشغلًا بعمله، قطعَ انشغالهِ دلوفَ والده، بخطواتهِ الموزونةِ تعكسُ مزيجًا من القلقِ والتساؤل:
- عملت إيه؟ انشغلت ونسيت أسألك.
رفعَ آدم رأسهِ ببطء، ينظرُ لوالده متذكِّرًا عمَّا يسأل لينهضَ من مكانهِ بخطواتٍ متثاقلة، واقتربَ من والده:
- معرفتش أوصل لحاجة...متنساش دي مرات لواء، مش سهل أوصل لهم من غير حدِّ قريب منهم، هشوف ظابط كنت اتعرَّفت عليه في شغلي، يمكن يساعدني..
توقَّفَ زين للحظة، وعيناهُ تخترقانِ ملامحِ آدم :
- تمام...وأنا كمان هشوف يارب تكون هيَّ..
تردَّدَ آدم قليلاً، ثمَّ تساءل:
- فكَّرت تكلِّم عمُّو راجح؟
أغمضَ زين عينيه برهة، وكأنَّ السؤالَ أعادَ إليه ثقلًا لم يتحمله ا:
- راجح مبقاش زي الأوَّل...بحسُّه مخبِّي حاجة مش عايز أدخَّله، أنا هعرف بطريقتي وإنتَ كمان شوف ودوَّر..
توجَّهَ زين نحو الباب، لكنَّهُ توقَّفَ فجأة، واستدارَ نحوهِ متسائلًا بجدِّية :
- البنتِ اللي كنت متجوِّزها...رجعت بلدها ولَّا لسه؟
تجمَّدَ آدم، وعجزت شفتيهِ عن التفوُّهِ ليهزَّ رأسهِ كأنَّهُ يحاولُ إقناعَ نفسهِ قبلَ والده:
- أيوة...أكيد رجعت.
قالها بصوتٍ مختنق، مبتعدًا عن النظرِ إلى والده..تحرَّكَ زين مغادرًا الغرفة..
جلسَ آدم على الأريكة، يمرِّرُ يدهُ على وجههِ وكأنَّما يحاولُ مسحَ ذكرياتٍ لم يرد استرجاعها، صمت حنين الذي يعتبره، هدوء ماقبل العاصفة جعله يحملُ الكثيرَ من الخوف، احتضنَ رأسهِ وغرقَ في دوَّامةِ أفكارهِ، أين هي وماذا تخطِّط، هو يعلمُ أنَّها لن تصمتَ بغرورها الأنثوي..
انفتحَ البابُ بهدوء، يتبعهُ دخولُ إيلين، تحملُ بين يديها فنجانًا من القهوة:
- عملت لك قهوة.
رفعَ آدم رأسهِ لينظرَ إليها بصمت..لوهلةٍ شعرَ وكأنَّهُ يرى ملاكًا، حضورها كان هادئًا، لكن ملامحها مرتبكةً من هروبِ عيناها...ابتسمَ ابتسامةً هادئةً على ارتباكها ثمَّ تحدَّث:
- دا إيه الرضا ده كلُّه؟
تقدَّمت بخطواتٍ متردِّدةٍ لتضعَ القهوةَ على مكتبه، وردَّت بنبرةٍ خافتة:
- لا مش رضا...خالو طلب قهوة، فقولت أعملَّك معاه مش مخصوص يعني.
ضحكَ آدم بخفَّةٍ مستندًا على الكرسي، وعيناهُ تتأمَّلها كأنَّها لوحةً أبدعَ المبدعُ برسمها:
- طيب...اضحكي عليَّا..على العموم، تسلم إيدك.
تورَّدت وجنتاها، وفركت كفَّيها بارتباكٍ واضح:
- فاضي؟ عايزة أتكلِّم معاك شوية.
استقامَ في جلستهِ متوقِّفًا، وكأنَّهُ كان ينتظرُ حديثها...اقتربَ منها وأمسكَ كفَّيها برفق، قائلاً بحنانٍ عميق:
- لو مش فاضي، أفضى لك...متنسيش إنِّك مش بس بنتِ عمِّتي، إنتي مراتي.
بدت وكأنَّ الكلماتَ تتجمَّعُ على شفتيها ثمَّ تختفي، وكأنَّها تخشى النطقَ بها. هربت بعينيها بعيدًا، ثمَّ تمتمت أخيرًا بصوتٍ أشبهُ بالهمس:
- بتحبِّني؟
ارتجفَ جسدهِ للحظة، وكأنَّ سؤالها أصابَ قلبهِ في مقتل، اقتربَ منها وعيناهُ تغوصان في عينيها الرماديتين، ويداهُ تزيحانِ برفقٍ خصلاتِ شعرها عن وجهها:
- بحبِّك أوي...عندك شك؟
أغمضت عينيها بقوة، ودموعًا خجولةً انسابت على وجنتيها:
- نفسي أصدَّقك.
كلماتها كانت كالطعنةِ التي أعادت فتحَ جراحٍ لم تندمل داخله..دون تفكيرٍ جذبها إلى أحضانهِ بقوة، وكأنَّهُ يخشى أن تهرب:
- إيلين...مستعد أضحي بأيِّ حاجة علشانك...لو عايزة أسافر تاني، أعمل أيِّ حاجة بس...بس ترجعي تثقي في حبِّي وتخرجي من الحزنِ ده، حزنك بيقتلني...أنا مستعد أعمل أيِّ حاجة، اطلبي إنتِ..
تشبَّثت به تلفُّ ذراعيها حولَ خصره، وأغمضت عينيها بشهقاتٍ اخترقت صمتهما، كأنَّها تحاولُ أن تُقنعَ نفسها أنَّهُ قلاعها الحصينةِ ضد الهجماتِ التي تأتيها من لا قلوبَ لهم..دفنت وجهها في صدره، بينما هو أغلقَ عينيه، غارقًا في دفءِ اللحظة، مستمتعًا بذلك الشعورِ الذي تمناه طويلًا...
أبعدها برفق، وأمسكَ وجهها بين يديه، وعيناهُ تبحرُ في ملامحها كقبطان سفينة:
- أفهم من كده إيه؟ إنِّك موافقة نكمِّل حياتنا؟
تورَّدت وجنتيها، تهزُّ رأسها ولكنَّها لم تجب..أرادَ أن يتأكَّدَ من إجابتها، أرادَ أن يقنعَ نفسهِ أنَّها حقيقة وليست بخيال ، فاقتربَ منها ليطبعَ على شفتيها قبلةً تحملُ كلَّ ما يعجزُ عن قوله، قبلةً تحملُ كمَّ العشقِ والاشتياق..
لحظاتٍ من السكونِ العذب، لم يُسمع فيها سوى أنفاسهما، ونظراتٍ تحكي الكثيرَ والكثير ، كأنَّ العالمَ لم يوجد به سواهما، ليتخيَّلَا أنَّهما بجنةٍ خُلقت لهما وحدهما، قطعَ جنةِ عشقهما طرقاتٍ على الباب لتعيدهم إلى أرضِ الواقعِ الذي اعتبره ادم في تلك اللحظة بالقاسي
ابتعدت عنهُ بسرعة، وكأنَّها ارتكبت ذنبًا، لتنهضَ تعدِّلُ من وضعيةِ ثيابها التي لمستها يديهِ العابثة، لملمت خصلاتها المتناثرة، وعيناهُ ترسمُ ارتبكاها بألم، هربت إلى الحمَّامِ الملحقِ بالمكتب، أمَّا هو فوقفَ يحاولُ استعادةَ أنفاسه قبلَ أن يأذنَ بالدخول.
دخلَ أحمد أخيه، وجههُ يحملُ مزيجًا من التوترِ والارتباك:
- فيه ظابط برا...بيقول إنِّ الستِّ اللي كنت متجوِّزها بتتهمك بمحاولة قتلها.
تجمَّدَ آدم في مكانه، وكأنَّ الأرضَ انهارت تحتَ قدميه:
-عملتها الحيوانة..قالها بدخولِ زين وداخلهِ بركانًا من الغضب:
-البنتِ دي بتقول إيه، أنا مش سألتك قولت سافرت..قالها بخروجِ إيلين توزِّعُ نظراتها بينهم:
-بتتهمك بقتلها ليه؟!عملت إيه؟..
في منزلِ أرسلان:
خرجَ من الحمَّامِ يلفُّ جسدهِ بمنشفةٍ بيضاء، وقطراتُ الماءِ تنسابُ على كتفيهِ..بحثَ عنها بعينيهِ بلهفة، حتى وجدها تجلسُ أمام المرآة،  تصفِّفُ خصلاتها بشرود، خطا إليها بخطواتهِ البطيئةِ يرسمها بعينيهِ..وقفَ خلفها وطوَّقها بذراعيه، ثمَّ انحنى يهمسُ بجوارِ أذنها:
سرحانة في إيه يا حبيبتي؟
رفعت رأسها ببطء، وتساءلت بعيونٍ ممزوجةٍ بالحزنِ والقلق :
أرسلان، ليه جدِّتك بتعمل كده؟ كنت فاكرة إنَّها بتكرهني عشان أنا فقيرة، لكن النهاردة لمَّا شفت اللي عملته مع ماما صفية وكلامها عن عمَّك إسحاق، خفت منها أوي...متزعلشِ منِّي، بس الستِّ دي تخوِّف بجد.
ظلَّ صامتًا للحظة، كأنَّهُ يستحضرُ ذكرياتٍ دفينة، ثمَّ قالَ بنبرةٍ هادئةٍ مشوبةٍ بالتهكُّم:
إسحاق دايماً كان يبعدني عنَّها وأنا صغير، كنت فاكر إنُّه بيغير منها، خايف أحبَّها أكتر منُّه...بس بعدين عرفت إنُّه كان خايف تئذيني.
اتَّجهَ إلى غرفةِ الملابس، وسحبَ ملابسهِ ببطء..تابعَ بصوتٍ منخفضٍ لكنَّهُ يحملُ في طيَّاتهِ ألمًا قديمًا:
جدِّتي أذت ناس كتير، يا غرام..لولا خوفي على إسحاق، كنت خلِّيته النهارده يموِّتها، ويريَّحنا من شرَّها..
شعرت بثقلِ كلماته، فتقدَّمت نحوه بخطواتٍ متردِّدة، وعيناها تحتبسُ بالدموع:
أرسلان...ممكن تموِّت حد؟ يعني لو الأمر استدعى، هتعملها؟
استدارَ نحوها بذهول، ثمَّ أشارَ إلى نفسهِ بابتسامةٍ خفيفة:
أنا ظابط مخابرات، يا غرام لو جالي أمر... حتى لو فيكي هنفِّذه.
شهقت بصدمة، ووضعت كفَّيها على فمها وهي تتراجعُ خطوةً للوراء:
يعني ممكن تضحِّي بيا؟
اقتربَ منها بخطواتهِ الواثقة، وانحنى قليلاً ثمَّ همسَ مبتسمًا بخبث:
قتلتك من زمان يا روح قلبي...مش ميتة فيَّا وفي حلاوتي؟
حاولت لكمهِ بخفَّة، وهي تشعرُ بالخجلِ والغضب:
-أرسلان! إنتَ بجد وقح وقليل ادب
قالتها ولم تنتبه للمنشفةِ التي بدأت بالانزلاقِ من فوقه، أشارَ إليها بغمزةٍ ماكرة:
"أنا كنت مؤدب، إنتِ اللي بتغريني، وبتجرجيني وأنا قلبي صغير، لازم أطبق اتهامك، انا عادل ولازم مطلعش مراتي كذابة، والله لاطبق شتيمتك
جحظت عيناها بدهشةٍ وهي تحاولُ الابتعادَ عنه، لكنَّهُ جذبها نحوهِ بقوَّة، ليختلَّ توازنهما وسقطا معًا على الأريكة، وضحكاتهما تتعالَ في الغرفة.
بعد فترة، في المشفى:
كانت تطوِّقُ ذراعهِ وهي تبتسمُ بسعادةٍ بريئة:
"الله، هشوف بيبي أخيراً"
رمقها بنظرةٍ ساخرةٍ وهو يقول:
"طفلة...واللهِ متجوِّز طفلة"
انحنى نحوها مازحًا:
- ماتيجي نرجع البيت، ونفكَّر في موضوع البيبي دا، مايمكن نجيب إحنا البيبي.. 
دفعتهُ مبتعدةً وهي تحاولُ كبح ضحكتها، أمسكَ خصرها بحركةٍ سريعةٍ وهو يهمس:
عارفة رقم الأوضة؟ ولا أقولِّك نلفِّ المستشفى كلَّها؟
توقَّفت تطالعهُ بغضب مصطنع، لكنه ابتسم، فأذابت تلك الابتسامة كل محاولاتها للتمثيل...
في غرفةِ ميرال، قبلَ قليلٍ
رفرفت أهدابها ببطء، ثمَّ همست باسمهِ بخفوت:
"إلياس"
اقتربَ منها مسرعًا، وعيناهُ تحملُ مزيجًا من القلقِ والحب..انحنى إليها هامسًا بجوارِ أذنها:
"أنا هنا ميرا...جنبك"
التقت عيناهُ بعينيها المثقلتينِ بالألم، فأمسكَ وجنتيها بيديهِ الحانيتين:
حبيبتي، حاسة بإيه؟
تأوَّهت بصوتٍ خافت، ثمَّ همست بصوتٍ متقطع:
"ابني...ابني فين؟"
أغمضَ عينيه للحظة، كأنَّهُ يحبسُ أنفاسه، ثم انحنى وقبّلَ جبينها:
-كدا تقلقيني عليكي وأموت من الخوف..
رفعت عينيها ببطء، تطالعهُ باستفهام:
أنا عملت إيه؟
طافت عينيه تتأملانِ سوادَ عينيها الآثرِ وهمسَ بنبرةٍ عاشقة:
خوَّفتيني عليكِ...الحمدلله حبيبتي.. 
نظرت نحو فريدة النائمةِ على المقعد، ثمَّ عادت تسألهُ بلهفة:
ابني فين؟ أوعى يكون..وضعت كفَّيها على فمها تمنعُ شهقاتها..ليزيحَ كفَّيها ببطء:
-إهدي هوَّ كويس، ثمَّ ابتسمَ بحنانٍ وهو يمسكُ بكفيها:
-مش تسألي عن أبو ابنك اللي مش قادر يوقف على رجله؟
حركت عينيها بعيدًا عنهُ وقالت بخفوت:
متخافش، هتلاقي اللي يخاف عليك.. المهمِّ دلوقتي، عايزة أشوف ابني...
ضيَّقَ عينيهِ متسائلًا: 
-يعني إيه..نهضت فريدة بعدما استمعت إلى صوت إلياس: 
-حبيبتي..عاملة إيه دلوقتي..قالتها بدخولِ رانيا وراجح الغرفة، لتهرولَ رانيا إليها:
-حبيبتي حمدالله على السلامة، من إمبارح وإحنا تحت منتظرينك تفوقي. 
لحظاتُ صمتٍ مميتةٍ ليستديرَ إلياس بجسدهِ ببطءٍ ينظرُ إلى راجح، مع دخولِ أرسلان بجوارِ غرام الغرفة: 
-الله انا بقيت عمُّو يا..توقَّفَ عن الحديثِ عندما وقعت عيناهُ على رانيا وراجح الذي يبتسمُ بسخرية متمتمًا بتحدٍ واضح في عينيه
"مفيش مبروك لجد الطفل يابن اخويا، ايه يافريدة، مش تعرفي ولادك الأصول، مش لازم جد الطفل هو اللي يسميه ويأذن في ودانه"


انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا