رواية بحر ثائر الفصل العشرون 20 بقلم ايه العربي
رواية بحر ثائر الفصل العشرون 20 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل العشرون 20 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل العشرون 20 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل العشرون 20
رواية بحر ثائر الفصل العشرون 20
نكتم الحب
فتفضحنا الغيرة
صدقا.. أنا لا أغار..
لكن....
لا تبتسمي لغيري
لا تناقشي غيري
لا تتحدي غيري....
فصدقا أنا أحترق...
ولا أعلم لم؟؟؟
يا امرأة تبعثرين شعوري دوما..
وأنت حتى لا تعلمين...
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
تحرك يغادر وهي تتبعه حتى عبرا الطريق فنادته قبل أن يخطو نحو شارعه فتوقف ينتظرها حتى وقفت أمامه تطالعه بتعجب وتساءلت :
- يعني إيه هتعيد نشر كتابي ؟ أنا مش قادرة أفهمك ، كتابي اللي بيتكلم عن الحاجات اللي إنت بتهاجمها هتعيد نشره باسم الدار اللي إنت مديرها اللي كل فيها نفس تفكيرك ؟ إنت ليه مش واضح معايا ؟ ليه غامض ؟
أمعن النظر فيها جيدًا ثم أجابها بهدوء :
- مين قال إني غامض ؟ كل ما في الأمر إني مش بثق في حد بسهولة وده اللي المفروض إنتِ كمان تعمليه ، وبالنسبة لكتابك فهو مش أول كتاب ننشره وتكون أفكاره ضدنا ، إنتِ بس اللي لسة مش متابعة إصدارات الدار عندنا وزي ما قلتلك قبل كدة هنا بلد ديمقراطي وفي كل مكان هتلاقي الرأي والرأي الآخر ، علشان كدة هسيبك تعبري عن رأيك بكل أريحية والحكم للقارئ ، ولا إنتِ مترددة ؟ لو حاسة إنك مش قد المناظرة عرفيني وأنا هلغي كل ده !
خبيث وخبثه هذا صفة مميزة فيه حيث استطاع ضخها بالحماس لتندفع بتريث وتجيبه بثقة وثبات أراد رؤيتهما :
- ماختارتش أصعب قرار في حياتي وبعدت عن ولادي وبلدي وأهلي وجيت بلد غريبة أعيش فيها لوحدي علشان في الأخر تقول إني مترددة ، بالعكس أنا متحمسة جدًا للمناظرة ومستنياها بفارغ الصبر .
لم يبدِ إعجابه بل رفع حاجبيه يرسم التحدي ويجيبها قبل أن يخطو :
- كويس ، ذاكري بقى كويس علشان أنا ماتعودتش أخسر بأي شكل .
التفت يغادر وتركها تقف تطالعه وهو يخطو بثقة وثبات وشموخ ، أصابتها الحيرة في أمره وأفعاله معها ولكنها ستطيعه في شيء واحد فقط وهو المذاكرة ، يجب عليها أن تستعد جيدًا لهذه المناظرة فهو لن يتهاون معها قط .
تحركت تعود إلى المنزل وقد قررت أن تهاتف عائلتها وتريحهم ، من المؤكد أنهم حزينون بعد حكم وقف كتابها لذا ستنتشل حزنهم بمرحها وتخبرهم أنها أتت للتو من جوار برج إيفل ، لن تواجه الحياة بعبوس بعد الآن .
❈-❈-❈
يتمدد على فراشه وتجاوره زينة تغط في نومٍ عميق .
منذ أن وصله خبر من أحد جيرانه أنها سافرت إلى فرنسا وهو يتقلب على صفيحٍ ساخن ، متى وكيف حدث ذلك في طي الكتمان ؟ وكيف استطاعت ترك صغيريها ؟ أهذا هو حبها الكبير لهما ؟ أهذه هي أمومتها تجاههما ؟ وتقول عنه أنه أبٌ غير صالحٍ ؟ فماذا عنها الآن ؟
والأهم من هذا كله ماذا ستفعل في فرنسا ؟ ومن هذا الكاتب الذي أرسل لها تأشيرة للسفر والعمل هناك ؟ وما هذه الفرصة الذهبية التي حصلت عليها ؟
نعم ربما هي تتحلى بامتياز وربما اسمها وصل للعلا في وقتٍ قياسي ولكن لم يكن يتوقع أبدًا أن تسافر بلدًا أوربيًا وتحظى بكل تلك المميزات .
التفت للجهة الأخرى يوالي زينة ظهره كأنه سينكشف أمر أفكاره وعادت الغيرة تنهشه وهو يتخيل ماذا إن وقع أحدهم في حبها ؟ ماذا إن تزوجت ؟
تعالت وتيرة أنفاسه عند هذه النقطة ، لا يتخيلها مع آخر أبدًا حتى لو كان هو الآن يتمدد بجوار زوجته التي تزوجها عليها ، لا يتقبل أن يكون بعده رجلًا يعاملها بالطريقة التي لا تعامله بها زينة ، نعم فقد بدأ يدرك أنها محظوظة تحصل على أكثر مما تريد بالرغم من اسمها المتادول بين الناس بالخير أو عكسه .
بدأ يحن للحياة معها ، بدأ يحن للسلام الذي ينبعث من ابتسامتها ، لو أنها فقط كانت تعطيه حقوقه ؟ هذا الأمر فقط هو ما كان ينقصها ، لو أنها امتلكته لما حدث كل هذا .
ولكن ماذا إن حصل عليها رجلًا غيره ؟ وهل هي تملكه من الأساس ؟
شعر بالأدخنة تتصاعد من صدره خاصةً وقد قامت تفاصيلها بالهجوم عليه ، هيأتها تقف أمام مرآة الزينة بملابسها التي ابتاعها لها ، رائحتها المنعشة التي كان يختارها لها بمزاج .
لو لم يكن كمال الوراق لكان رفع أصابعه وقضمها ندمًا ولكنه عوضًا عن ذلك يحترق ويفسر احتراقه هذا إخلاصًا لها .
عاد يفكر في اللقاء التليفزيوني ، عليه أن يتصرف بذكاء ، عليه أن يحاول استقطابها مرةً أخرى فمن المؤكد إن سمعته يتحدث عنها بشكلٍ جيد ستحن لذكرياته فهو في نهاية الأمر والد طفليها ورأت منه أشياء كثيرة تفتقدها الآن ، نعم هذا ما سيفعله ولن يسمح لأحدهم باستقطابها وإلا حينها سيضحّى عليه وعلى أعدائه .
❈-❈-❈
في الصباح .
وقف داغر في ورشته يحاول إقناع صالح بالعودة إلى المصنع حيث يرفض الآخر بشكلٍ قاطع لذا قال بتريث :
- يابني ارجع إنت ومالكش دعوة بيا ، إنت محتاج المرتب بتاعهم علشان مصاريف علاج أبوك وإيجار البيت ، الورشة هنا مش هتكفيك اسمع الكلام .
تحدث صالح باعتراض وهو يباشر عمله في السيارة التي تستقر أمامهما بغطاءٍ مفتوح كأنها تشاركهما الحديث :
- ياخو مش راجع من غيرك ، أنا كنت هناك عشانك يا بنكون سوا يا بلاها .
تنهيدة محبة صدرت من جوف داغر الذي رن هاتفه فالتقطه ينظر للرقم الغير مسجل لذا أصابه التعجب وأجاب بترقب :
- سلام عليكم ؟
أجابه لوتشو بتوتر بلغته الفصحى :
- وعليكم السلام ، كيف حالك سيد داغر ؟
أبعد داغر الهاتف عن أذنه يطالعه باستنكار جعله يظن أن المحدث هو صوتٌ الكتروني من خدمة العملاء لذا فتح المكبر وتساءل وهو يمسك بالهاتف بينه وبين صالح :
- إنت مين ؟
تحدث لوتشو بحرج مما يحدث معه :
- أنا ادعى لوتشو نيهاو ، مدير القسم الذي تعمل به شقيقتك الآنسة دينا في الشركة الصينية .
أسرع داغر يغلق مكبر الصوت حينما أدرك أن الأمر يتعلق بشقيقته وابتعد قليلًا بحرجٍ من صالح الذي تعجب وترقب حديث داغر الذي قال :
- اه معلش لا مؤاخذة ، اتفضل سامعك .
حاول لوتشو سحب توتره وأردف بنبرة رصينة :
- هل يمكننا أن نلتقي ؟ أريد أن أتحدث معك في أمر يخص الآنسة دينا .
من رابع المستحيلات بالنسبة له أن يتحدث مع لوتشو هذا عن أمر ارتباط ولكن نهش الفضول قلبه وشعر بالتوتر خاصة إن تعلق الأمر بعائلته لذا لم يحتمل الصبر وأجابه :
- تمام ، قولي أجيلك فين وأنا اقابلك حالًا .
انفرجت أسارير لوتشو وأردف وهو ينهض باندهاش من سرعة تلبية داغر لطلبه :
- حسنًا دعنا نلتقي في مطعم *** ، هل هو مناسب لك ؟
أومأ داغر وتحدث وهو يتحرك نحو سيارته :
- تمام عارفه ، خلاص مسافة الطريق وهكون عندك .
أغلق معه والتفت ينظر نحو صالح ويردف بنبرة ممازحة وهو يستقل السيارة :
- هروح أشوف موضوع التعبير ده عايز إيه يا صالح وارجعلك بسرعة .
أومأ صالح مبتسمًا ولكنه لم يسترح للأمر على عكس داغر فهو يشعر بشيءٍ يتمنى لو لم يكن حقيقيًا .
❈-❈-❈
غادر منزله ونزل قاصدًا سيارته ليتجه إلى العمل ولكنه استمع إلى صوت بكاء صغير يأتي من الجوار لذا انفطر قلبه والتفت ينظر على اليمين ليتفاجأ برحمة تقف وتحاول هدهدة طفلها الباكي لذا زفر بقوة وقرر تجاهلها ولكنها لمحته فلوحت بيدها تناديه بعلو :
- دياب .
استغفر ربه وشعر بالضيق ولكنه كالعادة لا يمكنه تجاهلها ، يفترض ألا تناديه وأن تتجاهله هي خاصةً بعد توبيخه لها آخر مرة ولكنها لم تفعل لذا زفر بقوة وأومأ كتحية وهو يشير بيده وكاد أن يستقل سيارته ولكنها تحركت نحوه ما إن أشار لها والصغير يبكي فزفر بقوة ووقف حتى وصلت أمامه تهز طفلها وتردف بملامح منزعجة :
- أنا أسفة جدًا بس أنا ماعرفش أي حد غيرك هنا ، ممكن توصلني لأقرب دكتور ؟ قصي بيعيط من بليل ومش عارفة ماله .
قالتها وهي تنظر لطفلها الذي نظر له دياب أيضًا وبملامح حنونة خصصها للصغير أردف على مضض :
- تمام اركبي .
أسرعت تستقل السيارة جواره وركب يستمع إلى الصغير الباكي بطريقة مؤثرة لذا أردف بعاطفة غريزية وهو يمد يده لها :
- هاتيه طيب !
انفرجت أساريرها وأسرعت تناوله إياه فالتقطه يهدهده بهمهمة ويحاول إسكاته تحت أنظار رحمة التي تمنت أن يتحقق حلمها ولكن صغيرها لم يهدأ لذا انحنى دياب يطبع قبلة سريعة على وجنته وعاد يناولها إياه قائلًا بحزن لأجل بكائه :
- خلاص خليه معاكي ، لازم دكتور يشوفه فعلًا .
تحرك بعدها يقود إلى وجهته وفى طريقه تحدث مع الطبيب النسائي يسأله عن طبيب أطفال مختص ، بينما جلست هي تهدهد الصغير هامسة له بأغنية هادئة وبرغم بكائه إلا أنها سعيدة بقربها من دياب .
❈-❈-❈
جلس داغر أمام لوتشو ينتظر حديثه ويطالعه بتعجب .
شاب وسيم ورتيب يبدو عليه الثراء والذكاء ، ملامحه آسيوية بحتة وهذا جعله يحدق أكثر ليشعر الآخر بتوترٍ كلي ولكنه عزم أمره حيث وجب عليه أن يتحدث لذا قال :
- سيد داغر أنا أريد أن أخبرك عن شيء أخبرته إلى الآنسة دينا ولكنها أعطتني رقمك وطلبت مني أن أتحدث معك بنفسي .
بدأ الشك يراود داغر لذا تساءل بملامح متحفزة :
- اتفضل سامعك !
ازدرد لوتشو لعابه وتنفس بعمق يفكر قليلًا وحينما هبت نسمات دينا ونعومتها على عقله تحدث بجدية :
- أنا أحب الآنسة دينا وأريد الارتباط بها بشكلٍ رسمي .
صمتٌ كلي اجتاح داغر وجعله يطالعه ببلاهة كأنه نطق طلبه بالصينية وليس بالعربية ليتحمحم لوتشو بحرجٍ ويتابع :
- أعلم أن الأمر يبدو معقدًا قليلًا ولكن دعني أخبرك أولًا أنني مسلم ، وأني حقًا أحببتها ، هي لطيفة وخلوقة وجادة وأنا لا أبحث عن صفات أكثر من هذه في شريكة حياتي ، وأيضًا أنا أسعى للاستقرار هنا و ... ربما هذه أمور تريحك قليلًا .
صمت حينما وجد داغر على حالته وربما تبدلت ملامحه للانزعاج لذا شعر لوتشو بالحزن ليتحمحم داغر ولا يعلم ماذا عليه أن يقول ولكن بالطبع طلبه سيقابل بالرفض لذا تنفس بقوة كي يجيبه وقال :
- هو يعني إنت ليك كل الاحترام طبعًا بس الموضوع جه فجأة ، يعني بصراحة ماكنتش متوقع .
أومأ لوتشو يبدي تفهمه ويجيبه بنبرة لينة برغم حزنه :
- نعم أعلم أنك تفاجأت بالأمر ولكن معك كل الوقت لتفكر .
ابتسم داغر بتكلف وأومأ يجيبه :
- بإذن الله ، خليني أفكر واتكلم مع دينا وهكلمك تاني .
أومأ له بابتسامة برغم أنه يشعر أن داغر سيرفضه خاصة حينما نهض يردف :
- فرصة سعيدة يا أستاذ لوتشو ، عن إذنك .
التفت يغادر من حيث أتى وجلس لوتشو يشعر بالحزن ثم أسرع يتذكر ما تعلمه من خبرة في سنوات عمله لذا أخذ نفسًا طويلًا ليهدأ وقال في نفسه :
- اهدأ لوتشو إن لم يقبل اليوم سيقبل غدًا وأنت ستحاول ، لن تتخلى عنها أبدًا .
❈-❈-❈
في سيارة يسرا
جلست منال تجاورها والصغيران في الخلف حيث قررت الأولى أن تصطحبهما اليوم في نزهة ترفيهية وقررت منال أن تذهب معهما .
تحدثت يسرا بسعادة بالغة وترقب :
- ها يا ولاد تحبوا نروح فين الأول ؟
أردف مالك بحماس وهو يصفق :
- نروح الملاهي أو حديقة الحيوان .
قاطعته الصغيرة تعترض قائلة بعبوس :
- لا يا خالتو يُسلا خلينا نلوح الأول عند المول زي ما كنا بنلوح مع ماما .
تحدثت منال بحبٍ وهي تلتفت تنظر لهما :
- اتفقوا على مكان واحد علشان خاطر مش نتعب خالتو يُسلا ، يوه قصدي يسرا الله يسامحك يا رؤية لساني اتعوج .
ضحكوا ثلاثتهم عليها وخاصةً الصغيرة التي تعالت ضحكاتها بسعادة فانتعش قلب يسرا وأردفت :
- خلاص يا خالتو منال اللي هما عايزينه ، نروح المول الأول نفطر وبعدين نروح الملاهي ، وعلى فكرة يا مالك فيه ملاهي في المول بردو .
اعترض مالك يجيبها باحترام :
- عارف يا خالتو بس دي بتاعة أطفال صغيرين ، أنا كبرت عليها .
ابتسمت له بحب وأومأت وقادت إلى حيث المجمع التجاري .
❈-❈-❈
توقف دياب أمام عيادة طبيب الأطفال وترجلا سويًا يتجهان نحو الداخل .
تشعر بنشوى من وجود دياب معها خاصةً وهي تراه يتولى عنها دفع رسوم الكشف وإملاء اسم الصغير .
جلسا سويًا في الاستراحة ينتظران دور الصغير الذي يتلوى بين يديها فاستمرت تهدهده وعينيها مسلطة على دياب الذي قرر تجاهلها ، ليطمئن فقط على هذا الرضيع ثم سيغادر .
وجدته يلتقط هاتفه ويتحدث مع يسرا يخبرها بما حدث ثم أغلق فشعرت بضيق يقتحم نشوتها لذا تحمحمت وقالت :
- مكانش ليه لزوم تدفع الكشف يا دياب .
نظر للصغير ثم لها وأجابها بثقل :
- مش هنتكلم في حاجة زي دي دلوقتي ، المهم نطمن على الولد .
أومأت بتفهم والتزمت الصمت حينما صدّر لها الجدية ليدخلا بعد دقائق إلى الطبيب الذي رحب بهما واستفهم حالة الصغير فبدأ بفحصه ليتبين له أنه يعاني من التهابات كثيفة بين فخديه تؤرقه وتجعله يبكي لذا نظر إلى رحمة بتعجب وأردف :
- طفل زي ده إزاي تسبيه كدة ؟ الالتهابات دي أكيد ماظهرتش فجأة .
تحدثت مدافعة ببرود :
- أيوا هي ظهرت من أسبوع واشتريت كذا نوع كريم على أساس تخف بس لقيتها بتزيد لكن ماتوقعتش أنه بيعيط من كدة .
أتى الجواب من دياب الذي لم يحتمل برودها واستهتارها ليردف :
- مهو ده السبب ، يعني إيه تدهني كذا نوع كريم لطفل زي ده ؟
هو محق وهذا ما دار في عقل الطبيب لذا قال بنزق :
- طيب ولما حضرتك فاهم ده ماعرفتش المدام ليه ؟
التفت دياب يستنكر ظنه ويجيبه :
- لا يا دكتور مدام رحمة جارتي مش أكتر .
أومأ الطبيب بتفهم ووضع من عبوة كريم ملطف على ساقي الصغير ثم اتجه نحو مكتبه وتبعه دياب ووقفت رحمة تهندم ملابس الصغير الذي بدأ يهدأ بفعل الملطف ثم اتجهت تجلس مقابل دياب وتستمع إلى نصائح الطبيب أو لا تستمع ، عينيها على الطبيب وعقلها يفكر في دياب ، إنه أب رائع بلا طفل ، وابنها طفلٌ رائع بلا أب ، معادلة تستحق المغامرة .
❈-❈-❈
في فرنسا
جلست ديما في مكتبها تشعر بالملل بعض الشيء خاصةً وهي وحدها هنا ولم تتآلف مع من في الخارج .
لقد انتهت للتو من مقال دامت كتابته لأكثر من ساعتين لذا فردت ظهرها الذي آلمها ونظرت حولها تتنفس بعمق لتنهض بعد دقيقة تنوي الذهاب إلى الحمام .
اتجهت تفتح باب مكتبها وتحركت بين الجميع الذين يباغتونها بنظرات ثاقبة متفحصة ومترقبة ، بعضهم معجب كالرجال وبعضهم بسعر بالنفور كالنساء .
تجاهلتهم ودلفت الحمام لتقف أمام مرآة الحوض ثم فتحت الصنبور تلتقط حفنة من المياه وانحنت تغمر بها وجهها لتزيل أثار التعب والإرهاق ثم اعتدلت تنظر لملامحها المشرقة ومدت يدها تنتزع محرمتين من الجوار وتجفف وجهها لتقف أمام نفسها تفكر ، لمَ عليها أن تكون بين وسطٍ يفترض أن تشعر بالرهبة بينهم ولكن هذا لا يحدث معها ، بل أنها تشعر بالتميز ، تشعر بحدودٍ وضعها أحدهم لا يمكن لهؤلاء تسلقها وإلا سيتلقون عقابًا لاذعًا .
شعور الراحة الذي يتوغلها لا تستطيع تفسير كنهه ولكنه بالفعل يسكنها .
زفرت بقوة وعدلت حجابها تبتسم لنفسها ابتسامة محفزة ، هي قوية بكل ما مرت به حتى هذه اللحظة ، هى متميزة ومحظوظة ويجب أن تفكر دومًا على هذا الأساس .
تحركت نحو الخارج لتعود ولكن في طريقها أوقفها نسيم يشير لها ويبتسم فتوقفت تطالعه متسائلة فأشار لها أن تتقدم ففعلت بحرج لتجده ينهض من مكتبه ويقف قبالتها متسائلًا بترقب وعينيه تفحصها :
- في حاجة مضيقاكي ولا إيه ؟ شكلك زهقانة ، تحبي نطلع نتمشى شوية ؟
تعجبت من وده الزائد معها ولكنها لم تعتد العبوس لذا ابتسمت بلطفٍ تجيبه :
- شكرًا يا أستاذ نسيم على ذوقك بس حقيقي أنا ورايا شغل .
انزعجت ملامحه يردف بابتسامة واستنكار :
- أستاذ نسيم إيه بس ؟ احنا هنا مصريين زي بعض قوليلي يا نسيم عادي .
التفتت تنظر للجميع ثم عادت تطالعه وتساءلت بتعجب متجاهله ودهُ :
- هو مافيش هنا عرب غيرنا ؟ يعني أنا عرفت إن معانا عرب كتير بس مش شايفة ده هنا ؟
أومأ يجيبها بالقليل من التعجب والكثير من التوضيح :
- بصي هو ده المقر الأساسي والمجلة ليها فروع كتير وكل فرع فيه شخص مسؤول عنه أستاذ ثائر هو اللي عينه ووزع الجنسيات العربية على الفروع التانية وكان صعب إن جنسية عربية تشتغل في الفرع هنا مع أستاذ ثائر بنفسه علشان كدة زي مانتِ شايفة كل اللي هنا فرنسيين لكن قبل ما تيجي بأسبوع لقيت أستاذ ثائر نقلني هنا ولحد دلوقتي ماعرفش ليه بس أكيد دي حاجة تفرح .
- بس شكلك هترجع الفرع اللي كنت فيه تاني .
قالها ثائر الذي ظهر فجأة يقبض على كتف نسيم ويضغط بصلابة فتحمحم نسيم يطالعه بحرج وانتفضت ديما على أثر نبرته التي فاجأتها وطمأنتها في آنٍ لتطالعه حيث الهيبة تنبعث من حوله بل أنها انتشرت في المكان في حضوره لذا تنفست بعمق بينما أردف نسيم يوضح :
- ليه بس يا أستاذ ثائر أنا كنت بجاوب على سؤال ديما .
باغته بنظرة حادة وملامح جليدية ونطق محذرًا :
- أستاذة ديما .
ثم التفت لها وأكمل بنفس ملامحه مع اختلاف نظرة عينيه التي تبددت حدتهما :
- ياريت نخلي الأسئلة بعد الشغل ، ده غير إن نسيم ماعندوش الإجابة اللي إنتِ مستنياها .
أومأت بتفهم وتفاجأت بأنها لم تستطع التنفس لتوقن أنّ ظهوره حابسٌ للأنفاس لذا قالت مسرعة :
- تمام عن اذنكوا .
تحركت بعدها نحو مكتبها ودلفت تطلق العنان لأنفاسها ووقفت تستند على ظهر الباب وتفكر في أمر هذا الرجل لذا نفضت رأسها سريعًا وتحركت نحو مكتبها لتحاول إشغال وقتها في أي شيء .
❈-❈-❈
دلف منزله ينادي بحدة خاصة وأنه يعلم أن الصغيران ليسا هنا :
- ديــــــــــنا ؟ إنتِ فين ؟
كانت تلتزم غرفتها وتفكر بعبوس خاصةً وأن لوتشو أخبرها للتو بما قاله داغر ، ها هو التسلط الذي خافت منه لذا انتفضت حينما ناداها وترجلت تتجه إليه وما إن فتحت باب الغرفة حتى وجدته أمامها يطالعها بعمق ويستطرد بغضب :
- فهميني بقى كدة اللي حصل إيه ؟ وإزاي مديرك الصيني ييجي يطلب إيدك مني ؟
تكتفت ووقفت بثبات تجيبه بهدوء رسمي :
- مش هو ده الصح يا داغر ؟ إنه يدخل البيت من بابه ويطلب إيدي منك ؟ زعلان ليه بقى ؟
لمح القبول في عينيها وسمعه في نبرتها لذا تهاوى قلبه لأجلها وتحدث بهدوء يخفي ضيقه وخوفه :
- عادي جدًا ، ما كمال دخل البيت من بابه وطلب أختي من أبوها ، هو كل اللي يدخل البيت من بابه يبقى راجل ؟
توترت نظرتها وتحمحمت ثم التقطت نفسًا قويًا تجيبه :
- بص يا داغر أستاذ لوتشو إنسان كويس ومحترم وعمره ما اتعامل معايا بشكل سيء ولا أنا أصلًا هسمح له بس هو طلب إيدي على سنة الله ورسوله فيها إيه يعني ؟
نطقتها بجدية جعلته يتعجب ويستنكر نسيانها لهويته وعالمه المختلف لذا نطق باندفاع :
- هو إيه اللي فيها إيه ؟ إنتِ اتجننتي ؟ سيبك من إن اسمه لوتشو ، هتتجوزي صيني ؟ صيني يا دينا ؟
برغم غضبه إلا أنها كادت أن تبتسم لتتمالك نفسها وتسأله مستفسرة :
- وإيه يعني صيني يا داغر إحنا في 2025 دلوقتي مافيش الكلام ده .
حدجها بنظرة غاضبة لا يصدق ما تقوله لذا دار حول نفسه يمسح على وجهه ويستغفر مرددًا :
- استغفر الله العظيم وأتوب ةاليه ، يا مثبت العقل والدين يارب .
عاد يطالعها ويردف مستنكرًا :
- يابت دول بياكلوا الصراصير وإنتِ ساعة ما بتشوفيها بلاقيكي ناطة على كتفي ، هتتجوزيه إزاي ده ؟
تخيلت هيأتها حينما تلمح تلك الحشرة وتخيلت هيأة لوتشو وهو يلوكه بين أسنانه لذا ارتعشت وانكمشت ملامحها باشمئزاز وهزت رأسها تنطق باستنكار :
- لاء ، أكيد لاء مش بياكلهم ، مستحيل .
تعلق بحجته واقترب منها يؤكد :
- لا بياكلهم طبعًا مش صيني ؟ وبعدين ياريتها تيجي على أد الصراصير بس، ده كمان بيعملوا الضفادع شوربة ، ولا الخفافيش اللي أكلوها من هنا وبخوا ع العالم كورونا من هنا ، إنتِ يابنتي غاوية غُلب ؟
شردت قليلًا تفكر في كلماته ، بالفعل عليها أن تتحدث معه عن طباعه وطريقة حياته ، من المؤكد لا يأكل هذه الحشرات ولكن ...
لاحظ شرودها فزفر بقوة يسترسل بنبرة هادئة :
- يا دينا أنا مافيش في حياتي كلها أغلى منكوا ، ديما شافت كتير وكنت عاجز إني أخلصها من إيد اللي اسمه كمال ده لحد ما ربنا كرمها ، إنما إنتِ لاء ، مش هسمح إن حد ياخدك مني ويتعبك في حياتك أو يزعلك ، إنتِ بنتي مش أختي ولو إنتِ مش عارفة قيمة نفسك فأنا عارفها كويس ، اقفلي ع الموضوع ده بقى .
التفت ينوي التوجه إلى الأريكة وبالفعل جلس فاتجهت تجلس أمامه وتسترسل مستفيضة :
- ماينفعش أقفل الموضوع ده يا داغر ، دي حياتي ولازم يكون ليا رأي فيها ، أنا مقدرة خوفك عليا جدًا بس أنا مش شبه ديما ولا شبه ماما ، أنا عارفة كويس هتعامل مع شريك حياتي إزاي ، وبعدين أنا ولوتشو دماغنا عملية والشغل هو كل أولوياتنا ، وبالنسبة لطباعه وحياته أكيد هتكلم معاه فيها وماتقلقش هنكون متوافقين لإنه مسلم زيي ، ده غير إنه هيستقر هنا ، أنا شايفة إن مافيش أي سبب يخليك ترفض .
رفع سبابته يجيبها بنفاذ صبر :
- كل اللي قولتيه ده يخليني أرفض ، إنتِ فعلًا مش زي ماما ولا زي ديما ، إنتِ بتغرقي في شبر ميه ولا علشان اتعينتي في شركة صينية وبقى ليكي كاريرك مفكرة إنك ناصحة ؟ ، وبعدين يعني إيه كل أولوياتكوا الشغل إنتوا مكن ولا بشر ؟ اعقلي الكلام كويس .
زفرت بضيق ثم جابهته تستطرد :
- لا طبعًا مش بغرق في شبر ميه وبعرف أتصرف كويس ، إنت بس اللي شايفني لسة صغيرة ومسؤولة منك بس أنا كبرت يا داغر ، وزي ماقلتلك أنا هتكلم معاه وهنلاقي حل وسط ، لو سمحت خليك إيجابي وحاول تتقبله علشان ماما هي كمان تتقبله .
نظر لها والتمع الحزن في عينيه لذا زفر ونطق بترقب :
- بس إنتِ مش هتتكلمي معاه يا دينا ، ومن النهاردة مافيش شغل عنده تاني .
اتسعت حدقتاها وفرغ فاهها لا تصدق أنه يمنعها من عملها لذا هزت رأسها ونهضت تجيبه بنبرة ثابتة :
- مش هيحصل يا داغر ، وإزاي أصلًا تقول كدة ؟ إزاي تاخد قرار عني ؟ أنا مستحيل هسيب شغلي .
أمعن النظر فيها وازدرد ريقه ، ربما تسرع حقًا بعدم ذهابها للعمل ولكنه يخشى عليها لذا نطق يتساءل بترقب وحزن :
- هتكسري كلامي يعني ؟
وضحت ما لديها مردفة :
- مش تكسير كلام بس إنت محتاج تفهم إن من حقي آخد قرارات حياتي بنفسي ، أنا مابقتش صغيرة يا داغر .
نهض يقف قبالتها ويواجهها بنظراته لبرهة من الزمن ثم أومأ يردف بهدوء حزين :
- تمام يا دينا ، اعملي اللي يريحك .
تحرك يغادر المنزل بضيق ووقفت تتلوى بين أنياب الذنب ، تدرك جيدًا أن جُل ما يفعله نابعًا من خوفه عليها ولكن خوفه غير مبرر ، لوتشو إنسان جيد فلمَ يخاف ، لن تتألم طالما هي تفكر بعقلٍ عملي .
❈-❈-❈
في المجمع التجاري
جلست يسرا تقابلها منال في المقهى المقابل للملاهي تنظران إلى الصغيران اللذان اندمجا في الألعاب .
التفتت منال تقابل يسرا بابتسامة لطيفة وتقول :
- تعرفي لولا مكالمة ديما لينا أنا ماكنتش طلعت ، هي يا حبيبتي هونت علينا بدل ما احنا اللي نهون عليها ، بس لعله خير .
أومأت يسرا مؤيدة تجيبها :
- أكيد خير يا خالتو منال ، ديما دلوقتي محررة وكاتبة في مجلة فرنسية كبيرة وصدقيني الفرص اللي هتقابلها هتكون عوض عن اللي حصل معاها هنا .
أومأت مؤيدة ثم عادت تنظر للصغيرين لتجد رجلًا يظهر أمامها ويتحدث فجأة :
- أزيك يا منال .
التفتت تطالعه لتجده طليقها الذي لم ترهُ منذ زمن لتجمدها صدمة رؤيته لثوانٍ ثم أجابته على مضض وهي تحيد بنظراتها :
- الحمد لله .
زفر ونظر للصغيرين يشير عليهما متسائلًا بابتسامة ممتعضة :
- دول ولاد ديما صح ! ينفع كدة تسافر وتسيبهم ؟ وأعرف من الناس الغريبة ولا كإن ليها أب ؟
انزعجت من حديثه ونهضت تواجهه قائلة باستنكار :
- أب إيه ؟ دانت مش عارف شكل عيالها يا محسن ، خليك في ولادك اللي معاك وماتشغلش بالك بينا خالص زي ماتعودت .
نظر إلى يسرا وسألها يشير نحو منال ويدعي المسكنة :
- يرضيكي اللي بتقوله ده ؟
باغتته يسرا بنظرة غاضبة شملته بها لذا تحمحم وعاد ينظر إلى منال نظرات متفحصة ثم استرسل بنبرة خبيثة :
- ماهما ولادك اللي بيصدوني كل ما أحاول أقرب يا منال وانتِ مش بتحنني قلبهم عليا .
حينما شعرت أن جزءًا ملعونًا منها سيتأثر بنظراته ونبرته التفتت تنظر لحفيديها وتصيح بغضب :
- يالا يا مالك هات أختك وتعالى .
انتشلت حقيبتها وأشارت إلى يسرا بأن يغادروا وبالفعل تركته يقف يطالع أثرها وهي تسحب الصغيران مع يسرا وتغادر المكان بأكمله ليزفر بضيق حيث أنها لم تعد تتأثر بوجوده وهذا لم يرُق له ، إنها تتعافى من حبه الملعون .
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
قضتها ديما بين المنزل والمكتب والحديقة التي اتخذتها وسيلة ترفيه وجلسة قراءة لها .
قرأت الكثير وجمعت الكثير من البراهين التي ستستعملها في مناظرتها أمامه .
استشفت القليل عن شخصيته ، يحب الانضباط في العمل والمواعيد ، لا يعرف للمرح سبيلًا ، دائم العبوس كأنه يخفي ماضٍ حزينًا مثلًا !
ضحكت عاليًا على نفسها فهي تخفي ماضٍ حزينًا ولكنها ليست عابسة بل على العكس الابتسامة لا تفارق محيّاها حتى أنها باتت توزعها عمن هم يؤيدونه في أفكاره فباتوا يتقبلونها نوعًا ما بعدما كانت تشعر بينهم بالغربة .
جلست خلف مكتبها تعدّل أواخر قصتها كي تسلمها له حتى يتم نشرها ومن ثم تبدأ المناظرات بينهما .
انتهت وأرسلتها عبر بريده ثم زفرت بقوة وفردت ظهرها على المقعد تتلوى بملامح منكمشة حيث تصلب ظهرها وآلمها مجددًا .
نهضت تخطو نحو النافذة المطلة على المكتب الخارجي وتلاحظ حركة المحررين من حولها لتجد صبيًا يدلف المكتب مرحبًا بالجميع فيبدو أنه يعرفهم حيث أنهم يبادلونه بحبور .
قطبت جبينها حينما وجدته يتجه نحو مكتب ثائر لتردد على لسانها بخفوت :
- ابنه ؟
هو لم يظهر ابنه على المواقع قط ولكنها تعلم أن لديه طفل من طليقته لذا أدركت أنه بالفعل ابنه ليسحبها رنين هاتفها من تتبعه لذا عادت لمكتبها تستل هاتفها قبل أن تبتسم وتفتح الخط مجيبة على صديقتها ليان :
- لينو ، وحشتيني يا بنت .
أجابتها ليان بحبور :
- وانا ولهت عليج وايد .
ابتسمت ديما وجلست على مقعدها لتسألها ليان بترقب :
- ارمسي يالا عن هالريال الغامض ، رفيجاتي كلهم يقولون يا بختج يا ديما .
تعجبت ديما من حوارها ونطقت باستنكار :
- يا سلام ؟ مش للدرجادي يعني ، هو الغموض أصلًا صفة مش حلوة ، مافيش أحسن من الإنسان الواضح .
أومأت ليان تؤيدها الرأي وتجيبها :
- هيه صح ، لكن بالرغم من شِذي خاقين عليه .
أتبعت جملتها بضحكة عالية جعلت ديما تهز رأسها بقلة حيلة وتشاركها الضحك ثم بدأت تتحدث معها عن عملها قليلًا والأخرى تحاول معرفة أي شيءٍ عن ثائر تخبره لصديقاتها الأخريات .
❈-❈-❈
وصل منذ ساعة إلى مقر القناة هو وزينة التي ألزمته باصطحابها .
جلس معهما المعد يوضح لهما كيف سيجري اللقاء الذي سيبدأ بعد قليل .
تركهما بمفردهما فلكزته في ذراعه تردف بتحذير :
- كمال ركز كويس في اللي هتقوله ، أديك شوفت الهانم طلعولها في كتابها بلاوي إزاي ، أوعى تقول حاجة كدة ولا كدة .
أومأ يؤيد حديثها ولكنه يجهز كلماتٍ لن تروق لها ، من المؤكد سيحدث عاصفة لا يعلم هل سيخرج منها سليمًا أو لا ولكنه ينظر لهدفٍ أبعد الآن لذا لا تهمه العواقب .
ناداهما المعد فتحركا سويًا نحو الاستوديو وجلسا على أريكة ينتظران وصول المذيعة التي أتت بعد قليل ترحب بهما وجلست أمامهما بانتشاء حيث ستحصل على حلقة فريدة من نوعها، وها هو يبدأ البث .
ألقت مقدمتها ورحبت بهما وعرفتهما للمشاهدين ثم نظرت إلى كمال وسألته بمهنية :
- أستاذ كمال أكيد إنت ليك رأي في كل اللي بيحصل حاليًا على السوشيال ميديا خصوصًا إنك طليق الأستاذة ديما الصابر ، ممكن تشرحلنا أكتر عن حياتك معاها كان شكلها إيه؟ وتوضح للناس أكتر عن شخصيتها ؟
شبك كفيه ونفش كتفيه ينظر إلى الكاميرا بعمق ويردف :
- هو أنا بصراحة لحد دلوقتي مش عارف الشوشرة اللي حصلت معاها دي كلها ليه ؟ وبعدين دي مهما كان أم أولادي وجمعنا مع بعض أكتر من تمن سنين ، شوفت منها خير أو شر ده مايهمش حد ، هي ست محترمة وليها مني كل التقدير وبعدين يكفي إنها شالت أمي في تعبها .
اشتعلت نيران سعرة في قلب زينة وباغتته بنظرة مصدومة وانزعجت المذيعة منه حيث أنها لم تكن تريد سماع هذا بل تمنت لو تثير الجدل بهذا اللقاء لذا نطقت بغيظ مكبوت :
- طب لما هي كويسة كدة وزي ما بتقول شالت والدتك ليه اتطلقتوا ؟ أو بمعنى أصح ليه خلعتك ؟
نطقت زينة باندفاع وغضب تقطر من نبرتها بعدما صدمها دفاعه عنها :
- لإنه اتجوزني يا أستاذة ، أصلها ماكنتش بتديه حقوقه ، ماتتكلم يا كمال ؟!
التفت يطالعها بنظرات حادة ويردف بهيمنة ظاهرية :
- اسكتي يا زينة .
التفت نحو المذيعة يسترسل بذكاء :
- يا هانم لو جايبيني هنا وعايزيني أغلط في أم أولادي مش هيحصل ، أنا واحد بتقي الله وكان بينا أيام حلوة لازم اقدرها ، وبالنسبة للخلع هي عملت كدة لإني كنت رافض أطلقها بعد ما اتجوزت وأظن ده حقي ، غير كدة ماعنديش كلام أقوله .
تجهمت ملامح المذيعة والتفتت نحو زينة ربما هي التي ستعطيها ما تريد لذا نطقت :
- طيب حضراتكوا وافقتوا على اللقاء ليه ؟ مش إنتِ بلغتيني إنك عندك كلام كتير تقوليه ؟
التفتت زينة تنظر إلى كمال الذي يحذرها بعينيه ألا تخطىء ، لقد كانت تحذره قبل أن يدلفا والآن تبدلت الأدوار ولكنها تشعر بالنيران تلتهمها مما قاله عن تلك الديما ، خاصةً لو أنها سمعت كلامه عنها لذا عادت تلتفت وتقابل المذيعة قائلة بغضبٍ مكبوت وتوعد سافر :
- ماعنديش كلام بعد كلام جوزي يا أستاذة .
ابتسم بتباهٍ واستراح في جلسته أكثر لتضطر المذيعة للخروج إلى فاصل كي تنهي اللقاء معهما وتحاول إصلاح الأمر وربما هذا اللقاء لم يكن مثمرًا كما ظنت ولكنه سيحدث ضجة بكل تأكيد .
❈-❈-❈
لم تلاحظ الرسالة التي أرسلها لها يطلب حضورها إلا بعدما أغلقت مع صديقتها لذا توترت حيث أنه طلبها منذ عشر دقائق ولم تنتبه .
خطت تغادر مكتبها واتجهت إلى مكتبه ثم طرقت الباب ولفت المقبض لتدلف وما إن خطت قدميها في الداخل حتى وجدتهما يقفان في مواجهة بعضهما تدور بينهما جولة ملاكمة عفوية .
لاحظها ثائر ولكنه استمر في تدريب ابنه الذي يتوغله الحماس لذلك وقفت تتكتف وتشاهدهما بتركيز وإعجاب وشردت في طفليها اللذان حرما من حنان الأب وحمايته لذا التمعت عينيها فورًا وتنفست بعمق ليطرأ على عقلها داغر الذي كان ومازال نعم الخال لهما بل أنه حل محل الأب لذا لا يحق لها أن تحزن .
ابتسمت تزامنًا مع لمعة عينيها فباتت رائعة وحينما لكم معاذ والده لكمة في معدته رفعت كفيها تصفق له وتشجعه فالتفت الصغير يطالعها بتعجب فنطقت بالفرنسية تبتسم له :
- Bravo
التفت معاذ يطالعها بجبين مقطب فبادله والده بلكمة مفاجأة يردف :
- ركز على هدفك وإلا خسرت .
ابتسم صغيره وأومأ فابتعد ثائر يعود لمكتبه ويطالعها متسائلًا بلغته الأم تحت أنظار ابنه المندهشة :
- بعتلك من عشر دقايق ، اتأخرتي ليه ؟
تتبعت الصغير بعينيها ثم أجابته بهدوء :
- أسفة كان معايا مكالمة وماشفتش الرسالة ، ده ابنك ؟
تساءلت بابتسامة أرسلتها لمعاذ الذي وقف يطالعها بتعجب حيث أنها تتحدث مثل أبيه لذا أشار نحوها بيده ونطق بتعثر لفظي وهو ينظر لوالده باندهاش :
- مصرية ؟
اومأ له ثائر بابتسامة هادئة وأجاب ديما التي هزت رأسها للصغير :
- أيوة معاذ ابني .
ثم نظر إلى معاذ وتحدث بالفرنسية الأسهل إليه :
- هذه أستاذة ديما يا معاذ ، تعمل معنا منذ فترة قصيرة وهي من مصر ، هيا رحب بها .
اتجه الصغير يبادلها السلام بترحاب فرحبت به بحبور وعاطفة جعلتها تعانقه لا إراديًا تحت نظرات ثائر واندهاش الصغير المتسمر الذي ابتعد يطالعها بعمق ثم ابتسم والتفت لوالده يتساءل بترقب :
- دعنا نأخذها معنا في جولة ملاكمة يا أبي ! إنها لطيفة .
ابتسمت ديما تجيبه بالفرنسية وتنحني بنبل :
- شكرًا لك معاذ ، أنت أيضًا لطيف ووسيم جدًا .
- يشبه والده .
نطقها ثائر بجدية محاطة بالخبث وهو يتلاعب بقلمه المرتكز على المكتب وأبعد عينيه عنها حينما اعتدلت تطالعه باستكشاف حيث أنها ترى جزءًا جديدًا منه لذا تنفست بعمق وتساءلت :
- حضرتك كنت عايزني في إيه ؟
عبث بحاسوبه واتجه معاذ يجلس أمامه ، يتفحص شيئًا ما وهي تقف تطالعه بدقة وتنتظر حديثه لذا نطق بعدما سلط مقلتيه في حدقتيها :
- إيه رأيك لو نغير اسم القصة ؟
قطبت جبينها تتساءل وتجيب بقناعة :
- ليه ؟ بالعكس أنا حابة الاسم جدًا .
أجابها بثبات ونبرة رصينة ذات مغزى :
- لنسميه امرأة السلام .
تعجبت تجيبه وهي تفرك كفيها توترًا من نظراته التي تجردها :
- بس ده لقبي ؟
- ودي قصتك ومن وجهة نظري إن الاسم لازم يكون قوي وفيه تحدي زي القصة .
أجابها بمغزى جعلها تتحرر من نظراته وتنظر إلى معاذ الذي انشغل بهاتفه لذا تنفست بعمق ثم عادت إليه تردف ببعض الضيق من تسلطه :
- أنا مش حابة أغير اسمها وشيفاه مناسب جدًا ، لو حضرتك مش حابب الاسم يبقى بلاش ننشر القصة أصلًا ، ممكن ارجع مكتبي !
حصل على ما يريده وهو إصرارها على ما تريده لذا أومأ لها دون حديث فعادت تنظر إلى معاذ وتحدثه بالفرنسية :
- أراك قريبًا معاذ .
لوحت له بيدها وفعل مثلها يبتسم لها وهي تغادر المكتب تحت أنظاره .
❈-❈-❈
ليلاً جلست على أريكتها تتحدث مع والدتها مكالمة مرئية والأخرى تخبرها عن أحداث اليوم .
ابتسمت ديما وتساءلت بحنين ولهفة :
- والولاد اتعشوا قبل ما يناموا يا ماما ؟ أصلهم ناموا بدري النهاردة .
أردفت منال مطمئنة :
- الولاد زي الفل ماتشليش همهم ، هما ناموا بدري علشان مش ناموا بعد الغدا .
أومأت بتفهم وتساءلت بترقب :
- ودينا فين يا ماما ؟
انزعجت ملامح منال تشير برأسها نحو غرفة ابنتها قائلة :
- جوة في أوضتها .
- لسة مش بتتكلموا ؟
أومأت منال وأردفت بحزن :
- ومش هكلمها علشان تزعل أخوها وتكسر خاطره لأنه خايف عليها وعلى مصلحتها ، ولما جيت أكلمها طلعت فيا ، عمرين على عمرك يا ديما .
تنفست بعمق وحاولت تهدأتها من ناحية شقيقتها توضح :
- يا ماما يا حبيبتي دينا عايزة تفاهم ، هي لسة مش مدركة الأمور صح ، داغر بردو بيدي ردود أفعال متسرعة وإحنا عارفين إنها بتحب نكبرها وناخد برأيها ، ومسألة شغلها بعيدة عن موضوع الارتباط ده مكانش لازم يمنعها عنه .
تنهدت منال بعمق تفكر بتروٍ في كلمات ابنتها المنطقية لذا استطردت :
- أخوكِ بيتصرف بدافع خوفه عليكوا وهي لازم تعرف ده ، واحد صيني إيه يا ديما اللي تتجوزه ؟ دا لا نعرف له أهل ولا أطباع يا بنتي ، ييجي ياخد بنتنا كدة ع الجاهز وعايزنا نرحب ؟
لا تعلم بماذا تجيب والدتها حيث أنها تراها محقة في كثير من الأمور لذا قررت منال تغيير دفة الحديث وليتها لم تفعل حيث نطقت بعفوية :
- شوفتي اللقاء اللي عمله كمال مع قناة *** ؟!
تبدلت ملامح ديما من السكون إلى الضيق وشعرت باختناق يقبض على صدرها لذا أردفت بخفوت :
- لا يا ماما ماشوفتش ومش هشوفو .
أدركت منال زلة لسانها لذا أسرعت تطيب خاطرها قائلة :
- حقك عليا يا حبيبتي ، مكانش لازم أقول بس يمكن لإني استغربت إن يطلع منه الكلام ده ، على العموم سيبك من كل ده وقوليلي عاملة إيه في شغلك ؟
حاولت بلع سيرته أو طردها لذا تنفست بعمق ثم أجابتها :
- الحمد لله يا ماما أموري كلها تمام ، يالا أنا هقفل دلوقتي علشان هنام والصبح هكلمكوا .
أغلقت مع والدتها سريعًا ومسحت على وجهها تستغفر ، سيرته تدب الخوف داخلها ، الخوف من العودة إلى مدينة ذكريات مشؤومة لا تنتمي إليها .
حتى التفكير في الماضي يخيفها لذا زفرت بقوة ثم قررت أن تنهض وتتوضأ وتصلي حتى تطمئن .
❈-❈-❈
على الجهة المقابلة تنفس بارتياح وخطا يحمل هاتفه وتسطح على فراشه ليشاهد اللقاء التلفزيوني للمدعو كمال .
تنبهت حواسه حينما بدأ كمال يتحدث ، بدأت عينيه وأذنيه يعملون بتركيز تام تحت سطوة عقله الواعي.
لقد فاجأه بذكائه حيث أنه توقع أن يخطئ ولكن يبدو أنه يبحث عن هدفٍ آخر ولأن الرجال يفهمون بعضهم استشف مكره بسهولة .
إنه يريد استقطابها مجددًا ، ندم ولم يعترف بندمه بل يتظاهر بالرجولة التي لا تشبهه لا من قريب ولا من بعيد .
كلماته كانت كقنبلة موقوتة في قلب ثائر ، يفكر بها ، يتذكرها ، تلك الحرباء التي تجاوره لم تكفه لينساها .
يدرك مميزاتها ويعلم أنها مختلفة ولكنه لا يريد لآخر إدراكها خاصة ذلك الحقير كما نعته داخله ، اتقدت مقلتيه بنظرة حينما قال كمال ( كان بينا أيام حلوة ) ولولا أنه تبعده عنه مسافة لا يمكنه تجاوزها الآن لكان عاقبه عقابًا محببًا إليه حيث أنه لن يفلح كزوجٍ بعده .
هذا النذل يريد أن يلفت أنظارها مجددًا بعد كل ما فعله بها ؟ يحن لها ولذكرياتها ؟
انتشله اتصال المحامي من توعده ووعيده لذا زفر بقوة وفتح يجيبه بنبرة باردة تنافي ثورته الداخلية :
- كويس إنك اتصلت .
ابتسم المحامي لعلمه به وأردف :
- بس للأسف ماعنديش أخبار حلوة .
أومأ يجيبه بثقل :
- عارف ، ماعرفتش تمسك عليه غلطة ، بس ده مؤقتًا، خلي عينك عليه ده المهم لإنه كدة كدة هيغلط .
أغلق الخط وألقى الهاتف جواره ثم تنفس بعمق يشبك كفيه خلف رأسه ويفكر ويبتسم بخبث ، إن لم يفلح المحامي في عقابه الليلة ستفلح تلك الحرباء التي كانت تشتعل بغيظٍ واضحٍ أمام عينيه ، يبدو أن كمال ليلته ستكون الأسوء على الإطلاق .