رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني 2 بقلم ياسمين عادل
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني 2 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني 2 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني 2 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني 2
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني 2
"إنه لمن العار أن ينصفك الأغراب عن ذويك، ينصرك من هم أبعد إليك عن صلة الدم؛ بينما أصحاب الدماء الواحدة هم أوائل من ينهشون لحمك حتى ترآى لهم العظام."
____________________________________
كان يستمع للقصة التي رواها "مراد" وأسباب قبوله بها ضيفة هنا بكل إصغاء وهدوء، بينما يجلسان في بقعةٍ مخصصة للجلوس صنعها" هاشم" في حديقتهِ الغنّاء، وكأنها غرفة كاملة، مُكيفة ومحاطة بالجدران الزجاجية الشفافة التي تمكنك من رؤية جميع ما حولك، الأشجار والزروع ومدخل القصر.. كل شئ واضح ومرئي للجميع. أنهى "مراد" حكايتهِ، فـ أنزل "هاشم" ساقهِ عن الأخرى وهو يسأله في تدقيقٍ له مغزى :
- هي قالتلك إنها محتاجة حماية من عمها وولاده؟؟.
كان جوابه واضحًا :
- أنا مقولتش كده.. انا قولتلك طلبت تقعد ليلة واحدة لحد ما تقدر تروح المركز، شكلها هتبلغ فيهم.
بسمةٍ وديعة لا تليق أبدًا ببواطنهِ الخبيثة المكتومة، تبعها صوته الرزين وهو يقول :
- مش لازم تطلب بلسانها يا مراد، ده واجب الجار للجار.. وانا مقدرش أبخل على حد بحمايتي.
بزغت أسنان "مراد" بعدما استشف إنه قبل بضيافتها، ثم هتف بـ :
- كنت عارف إن ده هيكون رأيك، عشان كده وافقت تفضل موجودة.
نهض "هاشم" عن مكانه وخرج قاصدًا قصرهِ، عائدًا إليه ممنيًا نفسه برؤية تلك الفتاة التي تجرأت على بيت آل طحان وفرّت منهم، بل الأكثر من ذلك إنها لجأت إليه هو تحديدًا، جعله ذلك مشتاقًا لرؤيتها والتعرف عليها. عبر الباب الداخلي حينما كانت تهبط آخر درجات السُلم، ممسكة بحجابها الأسود خشية أن يسقط عن رأسها، في اللحظة التي وقعت عيناها على ذلك المهيب في طلّتهِ، فـ ارتكزت عيناها عليه للحظات وهي تراه يفحص كل جزء فيها مستكشفًا إياها، حتى تنحنحت وهي تسأله بإقتضاب :
- ممكن أقابل صاحب البيت لو سمحت؟.
قطب جبينه مذهولًا من رغبتها، إذ إنها لم تعرف بعد من يكون وما هي هويته :
- أؤمريني يا هانم.
استحت من لفظهِ المبجل، حتى إنها ظنته يسخر منها في بداية الأمر :
- آ... انا عايزاه هو شخصيًا.
صارحها "هاشم" دون مراوغة والبسمة اللطيفة تتراقص على محياه المُزين بلحية خفيفة بالكاد تعطيهِ وسامة مضاعفة :
- أنا هو بعينه، قوليلي أقدر اخدمك إزاي وانا مستحيل أتأخر.
رفعت حاجبيها بشئ من التعجب، ثم سألته :
- حضرتك ؟!.. أمال اللي قابلني امبارح و.....
قاطعها "هاشم" بعدما فهم سوء الفهم الذي حدث، وإنها خلطت بينه وبين "مراد" :
- آآه.. ده مراد، ابن عمي ومدير أعمالي وموجود هنا نيابة عني.
ذمّت شفتيها بتحرجٍ منه، وكأنها انكمشت على نفسها أكثر الآن :
- أنا آسفه جدًا، جيتلكم فجأة و مقصدش أورط حد معايا واتسبب في.........
استوقفها مقاطعًا وهو يدنو منها خطوتين :
- أنا اللي آسف لو كنت أحرجتك، البيت بيتك في أي وقت، أتمنى تكوني ارتاحتي عندنا.. نمتي كويس؟.
لطافتهِ الزائدة ورُقيهِ، والتي لم تراهم في تلك البلدة الجاهلة من قبل، جعلتها تلين قليلًا وتتخلص من بعض الحرج والتوتر الذي انتابها، وأجابته بنبرة لم تخلو من الإمتنان :
- آه الحمد لله.. متشكرة جدًا.
أفسح لها الطريق كي تمر من أمامه وهو يستأذنها :
- تسمحي نتكلم مع بعض برا شويه، محتاج أعرف أكتر إزاي أقدر أساعدك في مشكلتك.
لم تواجه مشكلة أبدًا في تقبله گشخص، رأته ودودًا لطيفًا، يكنّ لها احترامًا رغم إنها مقابلتهم الأولى، فـ سمحت له ببعض التطفل، وخرجت بصحبته للخارج وهي تحافظ على تلك المسافة بينهما، حتى باتت أقدامها تلامس أرضية الحديقة، فسألها بصراحة :
- قوليلي.. عمل إيه حمدي الطحان عشان يجبرك تهربي في ساعة زي دي وانتي في الحالة اللي كنتي فيها؟.
لم تتخلص نهائيًا من الحواجز التي تمنعها عن الفضفضة الزائدة من رجل غريب، تلك هي مرتها الأولى التي تراه فيها، ورغم ارتياحها له إلا إنها ما زالت تحتفظ ببعض الخصوصية :
- شويه مشاكل كده وهتتحل، بس أنا محتاجة اروح المركز عشان اشتكيهم، أمي هناك في البيت وزمانهم حابسينها لحد ما ارجعلهم.
لم يتستر على ملامح الإنزعاج التي انتابته فجأة، وعرض عليها بصدق رغبته في مساعدتها :
- أنا ممكن اجيبهالك هنا في ظرف نص ساعة لو تحبي.. مسافة الطريق وتكون معاكي.
أخيرًا رآها تبتسم بوداعة وهي تشكره :
- لأ تسلم ، مش عايزة الموضوع يكبر ويدخل فيه أطراف تانية.. عمي عنيد وهيعملها مشكلة.
ضحك مستخفًا بعبارتها الأخيرة تلك؛ لكنه تقبلها مؤقتًا لأنها لم تتعرف عليه بعد :
- مشكلة معايا أنا !!.. تبقي متعرفنيش كويس.
بترت شكوكه التي ظن بها إنها لا تعلم هويته، أو تجهل حقيقة الخلافات القديمة والحاضرة بينه وبين عائلة الطحان كلها، وصرّحت إنها على علم بكل ذلك :
- لأ عرفاك كويس.. عشان كده انا هنا بالذات.
طقطت أصابعها في شئ من الربكة، ثم طرحت عليه مطلبها الأخير :
- معلش آخر طلب بس.. ممكن حد يوصلني المركز؟.
أشار لأحد الحرس الرابضين على البوابة من الداخل وهو يهتف بـ :
- طبعًا ممكن.
أقترب منه فـ ألقى عليه "هاشم" بأوامره :
- جهزلي عربية وخلي حد من السواقين يطلع معانا.
- تحت أمرك ياباشا.
تدخلت وهي تعفيه من تلك المسؤولية التي حمّلها لنفسه :
- آ... مش لازم حضرتك تيجي انا بس آ....
جديتهِ في مقاطعتها جعلتها تقبل - مجبرة - تواجده معه :
- مش لازم إزاي ؟! مش هينفع أسيبك تروحي لوحدك.. وبعدين انا حبايبي كلهم في المركز وهيخدموكي بعنيهم، أوعي تشيلي هم يا.....
تنحنحت وهي تعرفّه على أسمها :
- رحيل.. أسمي رحيل.
فـ مدّ لها يده مع ابتسامة وديعة وهو يقول :
- تشرفت بيكي يا رحيل هانم.
لحظات مرت وهي تنظر على يده الممدودة، فـ تفهم على الفور وسحبها وهو يعتذر على مبادرتهِ الغير حكيمة :
- آسف.
بشئ من التكلّف أعفته من الإعتذار :
- حصل خير.
**************************************
لم يستطع قلبها مقابلة شعور القهر بالتجاهل أو التمرير مرور الكرام، وكأن زوجها قد دهس قلبها أسفل أنانيتهِ ورغباتهِ المريضة، فلم يراها أو يسمعها أو حتى يشعر بها.
خرجت "هدير" من دورة المياة بعدما تخلصت من آثار الدموع التي أغرقت وجهها، ثم اتجهت نحو غرفة حماتها لكي تستجديها أن تترك لها زوجها وألا تأخذه منها ليتزوج بأخرى، كي تستعطفها گأمرأة حتى لا تتركها تعيش ويلات الحسرة والقهر وهي تراه بين أحضان زوجة ثالثة. طرقت على الباب فـ استمعت لصوت "سعاد" آتيًا من الداخل :
- أدخل ياللي بتخبط.
دلفت "هدير" وعلى وجهها متجليًا علامات الحزن الشديد، فتأففت "يعاد" وهي تشيح برأسها :
- ياساتر يارب من وشك.. إيه يابت التكشيرة دي كأن ماتلك ميت!؟.
دنت منها حتى جاورتها جلستها لتردف بنبرة مستعطفة :
- أنا جايه أحب على إيدك عشان توقفي الجوازة دي، أنا ممكن أموت فيها لو حسين أتجوز عليا.
تقوست شفتي "سعاد" بسخرية وهي ترميها بتلك النظرات المستخفة :
- انتي عبيطة يابت انتي!!.. أمال لو مكنش متجوز قبلك وليكي ضرة كنتي عملتي إيه؟ اشمعنا هي سكتت وانتي لأ؟.
حررت "هدير" تنهيدة حارة من صدرها قبيل أن تعبّر عن المحرقة المشتعلة بين ضلوعها :
- هي قبلت بيا، أنما انا مقدرش اتحمل حاجه زي دي.. وحسين فهمني إنه عمره ما هيفكر يتجوز عليا.
خبطت "سعاد" يد على الأخرى وهي تُفشل محاولاتها بالتأثير على سير الأمور كما تريد :
- أهي الظروف حكمت ياختي.. ماانا مش هسيب مرات الغالي حسن الله يرحمه تمشي كده بالساهل من وسطينا، لأ وكمان تاخد أرضه وماله ومحتالهُ!! على جثتي.
عافرت "هدير" لإيجاد الثغرة أو المبرر الذي تقوّي به موقفها ضد رغبة "سعاد" المتشددة :
- وانتوا باقيين عليها ليه بس ما تمشي تشوف حالها، طالما مفيش عيال خلاص.
تلوت شفتي "روايح" مستنكرة تلك الكلمات الخائبة :
- شكلك نسيتي إن البت دي من دمنا، يعني اخرتها هتبقى لينا مش لحد تاني.. وانا بقى مش هسيبها تمشي مهما حصل.
سرت دمعة على خدها رغمًا عنها، بعدما فشلت في كبح مشاعر الحزن الفياضة بداخلها :
- بس دي كانت بتحب المرحوم، مستحيل تقبل براجل تاني.. جوزيها أي حد من عيالك والنبي إلا جوزي، ورحمة حسن تـ.....
لكزتها "سعاد" بقوةٍ لكي تكفّ عن استجدائها بتلك النبرات المزعجة :
- ياشيخة قرفتيني عـالصبح، ما تسكتي شويه بقى ولا شوفي حاجه تشغلك بدل ماانتي ملكيش لازمه كده.
ونهضت بتثاقلٍ عن جلستها وهي تتابع :
- جتك القرف، عكرتي مزاجي أكتر ما هو متعكر.
تركتها تنعي حظها السئ الذي أوقعها في ذلك الموقف، بعدما هانت عليها كرامتها وتنازلت للتحدث إلى تلك الجاهلة، التي لطالما عاملتها بسوءٍ ولم ترضى بها منذ اليوم الأول. كفكفت "هدير" دموعها وهي تهمس بـ :
- وحياة ديني لأكون مورياكي يا سعاد، وعلى جثتي الجوازة دي تتم.
***************************************
راقب "مراد" ما يجري أمامه بتركيز، فلم يكن متوقعًا من "هاشم" ذلك الإهتمام المبالغ فيه لضيفتهِ الغريبة، وإنه قد يُقدم على تقديم المساعدة لها أو التدخل لحل مشكلتها، ظنّ إنه بدافع الشماتة، إذ يرغب "هاشم" بالتشفّي في آل طحّان حينما يعلمون إنه بداخل الأمر، وربما فطرتهِ التي تستحثهُ على تقديم يد العون لكل ما هي مؤنث، دعمًا منه للكائنات الضعيفة -كما يسميها هو-.
فتح "هاشم" باب السيارة الخلفي أمامها في لفتة ظريفة راقية، فـ سألته بتوجسّ حسيس :
- وحضرتك هتقعد فين؟.
فهم على الفور سبب سؤالها، واستنتج تحفظها على الجلوس بجوارهِ، فأجاب بدون أن يستغرق لحظة واحدة في التفكير:
- هقعد قدام طبعًا، اتفضلي انتي ارتاحي ورا براحتك.
تبسمت وهي تصعد سيارتهِ الفارهه، حينما كان السائق يتطلع لسيدهِ بذهولٍ، فتلك المرة الأولى التي سيجلس فيها جوار السائق؛ لكنه سرعان ما تدارك خطأه في التعقيب البصري وجلس في مكانه ليبدأ في القيادة، بعدما أمره "هاشم" بوضوح :
- سوق بالراحة عشان منزعجش الهانم.
أومأ السائق برأسه وهو يرفع قدمه عن الفرامل رويدًا رويدًا :
- حاضر.
أقل من عشرون دقيقة وكانت السيارة تصطف أمام مركز الشرطة التابع للمحافظة، كانت "رحيل" تراقب الطريق جيدًا، وأثناء ذلك حمدت الله إنها وجدت ذلك الشهم ليساعدها في الوصول، حيث كان الطريق وعر وخطير، غير آدمي، وغير مستعد لأستقبال المُشاة، بجانب إنه قيد التطوير والتعديل مما لا يسمح بالوصول السهل إليه. التفت "هاشم" برأسه وهو يقول :
- أنا هنزل معاكي أدخلك للمأمور و.....
رفضت وبشدة مخافة أن يراها أي أحد برفقته، فـ تنتشر الأقاويل والعبارات الفاضحة عنها :
- لا لا لا.. ملوش لزوم تعبك انا هدخل بنفسي، شكرًا أوي على مساعدتك.
فـ برر لها سبب رغبته بالدخول معها :
- يابنتي المأمور معرفة قديمة وهيتوصى بشكوتك لو عرف إنك تبعي.
شددت على رفضها معلنة السبب بصراحة ووضوح :
- لأ معلش.. أنا مقدرش على كلام الناس لو شافوك معايا!.. والناس عنيها ولسانها ميرحموش.
تفهم سبب رفضها بتقدير؛ لكنه لم يتوانى عن اختراع طريقة أخرى يقدم لها مساعداته بها :
- خلاص تدخلي انتي وانا هكلمه بالتليفون وأفهمه كل حاجه، إيه رأيك ؟.
انفرجت أساريرها بعدما شعرت بأن الجميع سيهتم بشكوتها إن كانت آتيه عن توصية جادة :
- مفيش مشكلة.. شكرًا لتاني مرة.. مع السلامة.
نظرت عبر النافذة بحذرٍ لئلا تتركز معها الأنظار، فهي الآن محاطة بالزجاج المانع للرؤية من الخارج، أي إنها في أمان -مؤقت- حتى تغادر سيارتهِ. ترجلت عن السيارة وهي تواري نصف وجهها بحجاب الرأس مخافة أن يتعرف عليها أحد فـ يشي بها، ثم خطت بعجالةٍ نحو باب المركز وعيناها تنظر يمينًا ويسارًا، وقبل أن تعبر الباب كانت ترى "حُسين" يقف برفقة أحد العساكر بالداخل يتحدثان سويًا، لحظات ولحق به "حمدي" ليتجمع ثلاثتهم. انقبض قلبها گالتي رأت "عزرائيل" متجسدًا أمامها، وتصلبت سيقانها في مكانها غير قادرة على التفكير أو حتى اتخاذ قرار مناسب في هذه اللحظة الخـطيـرة .....