رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سعاد محمد سلامه
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والعشرون 23 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامه رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والعشرون 23 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والعشرون 23 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والعشرون 23
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثالث والعشرون 23
ــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور أسبوعين تقريبًا
بـ شقةجاسر
دلفت جنات الى غرفة النوم تحمل بين يديها صنية صغيرة عليها طعامً، تنهدت بضجر حين رأت تاج جالسة على الفراش تتكئ على بعض الوسائد خلف ظهرها وتضع يدها امُجبرة على وسادة والحاسوب على وسادة أخري تفوهت
بنبرة ممتزجة بين الحنان والتوبيخ:
تاج... مش كفاية لازم تراعي صحتك، مش طول الوقت قدام الابتوب
رفعت تاج عينيها المتعبتين نحو والدتها تحاول أن ترسم ابتسامة واهنة لتخفف من حدّة الموقف:
مامي فى شغل متراكم لازم أخلصه النهارده، ما ينفعش يتأجل أكتر من كده.
وضعت جنات الصينية على الطاولة بجانب السرير بحركة حازمة أغلقت الحاسوب ، قبل أن تتحدث بصرامة ناعمة:
الشغل مش هيطير، لكن صحتك لو راحت مش هترجعيها، كفاية كده
تنهدت تاج، مدركة أن النقاش لن يجدي نفعًا،وإستسلمت لرغبة جنات وردّت بصوت منخفض:
عارفة يا مامي بس ظروف الشغل صعبة الفترة دي.
جلست جنات بجوارها وأغلقت الحاسوب دون أن تنتظر إذنًا، ثم قالت بلهجة قاطعة:
تاكلي الأول، وبعد كده لو فضّل شغل ترجعي له... وأخواتك قايمين بالشغل كويس بلاش تجهدي نفسك أكتر من الازم.
أدركت تاج أنها لا مجال للجدال، فضحكت وبدأت في تتناول الطعام بيدها السليمة، وهي تتمتم باستسلام:
ماشي هاكل يا مامى... بس بلاش تزعلي مني.
تبسمت جنات بحنان، رغم غصة قلبها وهي تنظر الى يد تاج المُجبرة وإستعاد عقلها ما سمعته صدفة بالمشفى قبل ايام حين توقفت بممر صغير مُلحق بغرفة تاج، لم ينتبه عليها جاسر ولا تاج
[بالعودة ليوم مواجهة جاسر لـ تاج بالمشفى]
كبرياء تاج منعها من الدفاع عن نفسها وتصحيح ما حدث له وأنها لم تكُن تُخفي حملها لهدف الإجهاض
رغم صمتها للحظات، تبتلع كلماتهُ كأنها تتجرع مرارة الحقيقة، حتى انتهى جاسر من حديثه... كان قلبها يعتصر ألمًا يفوق ما يشعر به جسدها من وهن، لكنها أبت أن تُظهر ضعفها... تمسكت بشجاعة بدت وكأنها تستنزف ما تبقى من قوتها، ورفعت رأسها قليلاً لتواجهه بصوت حمل بين طياته مزيجًا من الحدة والوجع، تفوهت بما يثقل صدرها:
واضح إنك ما تعرفنيش كويس...نسيت أنا مين، يمكن وجع قلبي دلوقتي أقوى من أي ألم جسدي، لكن ده مش معناه إني هسمحلك تتكلم معايا بالشكل ده... طالما عندك شك إنى إتعمدت أخبي عليك إنى كنت حامل عشان كنت ناويه أجهض، يبقى ليه نكمل مع بعض... سهل ننهي اللى بينا.
صُدم جاسر من كلماتها التى كانت كالسهام، حادة ومباشرة، لكنها أيضًا كانت مرآة لجرح عميق في داخلها ترددت للحظة، تتصارع بين رغبتها في التحدث وبين الخوف من أن تنهار أمامه... أكملت بنبرة أكثر وهنًا، وكأن الألم بدأ يتغلب عليها:
أنا مش لعبة بين إيديك يا جاسر وهخرج من هنا عالمزرعة.
ارتعشت يدها قليلاً وهي تحاول أن تسيطر على نفسها، بينما عيناها تلمعان بدموع حبستها بشق الأنفس... كل حرف تنطقه يعبر عن وجع لا يوصف، لكنها قررت أن تتمسك بكرامتها مهما كان الثمن... وتفوهت بنفاذ صبر:
واضح إننا مكنش لازم نرتبط ببعض لأن واضح إن مشاعرك إنتهت من ناحيتي، كانت مجرد لحظات مُتعة كدابة زي ما قولت من شوية... طلقني يا جاسر.
صدمة أخري أذهلت جاسر الذي شعر كآنه تجمد في مكانه، كأن الكلمة الأخيرة سهم مسموم ضربه في مقتل... نظراته تعلقّت بـ تاج، وعيناه امتلأت بمزيج من الصدمة والإنكار...ظلت عيناه مُثبتة علي وجهها كآنه يبحث فيه عن أي إشارة لتراجُع أو الندم، لكن ملامحها بهتت تمامًا، كأنها قررت تمحي كل أثر فى حياتها معه.
بينما الحقيقة عكس ذلك تتآلم روحها بشدة،وهي تنتظر رد فعل جاسر التى تعلم أنه سيكون صعبً...بالفعل إنحني جاسر على الفراش وإقترب من أذنها قائلًا بجمود:
تعرفي يا تاج... لو بنت تانية مكانك، كانت حكايتي معاها انتهيت منه من زمان... لكن إنتِ
توقف للحظة ثم إستطرد بصوت كان خليطًا بين الغضب والحزن، وهو يحدق في عينيها: إنتِ دايمًا بتختاري الطريق الأصعب، بتختاري تتحديني وأنا أكتر حد ممكن يستفزه التحدي.
وقف مستقيمًا، يمرر يده في شعره بانفعال، ثم أضاف بصوت منخفض، لكن بنبرة صارمة: الفرصة دي آخر فرصة لينا مع بعض، هعتبر إني مسمعتش كلامك، هروح أخلص إجراءات خروجك من المستشفي.
خرج من الغرفة بخطوات ثابتة، تاركًا تاج تغرق في صراعها الداخلي، وروحها تتألم أكثر من كلماته التي أثقلتها باللوم والوجع... كبتت وجعها بقلبها وإمتثلت لرغبته ليس
ضعفًا منها لقراره الذي شعرت أنه كان نابعًا من غضبه، لا من رغبة حقيقية... سمعت صوت إغلاق الباب الذى تردد صداه بقوة، تتمنى لو كان لديها القوة لتصرخ بما يعتمل في صدرها، أن تشرح له ما لم تستطع البوح به، ولكن الكلمات خانتها كما تخونها دومًا أمامه... عيناها تتأرجحان بين الحزن والكبرياء، وقلبها يئن تحت وطأة مشاعر متشابكة... لم تكن تريد أن يصل بينهما الحديث الى صراع، ربما يشعر بضعفها الذي تخفيه خلف جدران القوة التي شيدتها حول نفسها... مدت يدها إلى جبيرتها، وكأنها تلوم نفسها على السبب الذي دفعه للغضب، ولكن الحقيقة كانت أعمق من ذلك أصبحت تعلم أن ما بينهما أكبر من مجرد خلاف، هنالك فجوة تتسع مع كل كلمة ينطقان بها.
[عودة]
على صوت آنين خرج من فم تاج، عادت جنات تنظر لـ تاج،
التى تظن انها غافلة عن وجع قلبها التى تُخفيه عن الجميع، وحتى إن أخفته عن الجميع هي أكثر من يشعر بها، لا تزال طفلتها الأولى التى عايشت معها أول شعور بالأمومة... كانت تاج، برغم ملامحها القوية، تبقى في عينيها تلك الصغيرة الهشة التي تمسكت بيدها لأول خطوة، فرحة يومها الأول في الدراسة، وتلك التي احتضنتها بخوف حين وقعت أول مرة عن حصانها... لكن لا تملك سوى الصمت، تُراقب بحنان مخلوط بحزن وهي ترى ابنتها تُصارع آلامًا لا تعرف كيف تُخففها عنها... كانت تعلم أن ما سمعته في ذلك الممر لم يكن سوا شعور بالخُذلان يتسلل الى قلب تاج .. كلمات جاسر القاسية كافية لتفهم أن هناك جرحًا عميقًا بقلبها لم تلتئم أطرافه بعد...
مدت يدها برفق ولمست كتف تاج بحنان، محاولة أن تنقل لها شعور الأمان الذي كانت دائمًا تمنحها إياه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بـ ڤيلا آسر
جلست تضع ساق فوق أخري بتعالي وغرور ونبرة شماتة تحدثت بها:
مش عارفه تاج دايمًا بتحكم غرورها ودايمًا بتخسر، حتى حملها خسرته بسبب غرورها إنها تبين إنها مُتمكنه من ركوب الخيل، أهو كويس إنها جت على قد إجهاضها، وشوية كسور.
نظر لها آسر كآنه يكتشف حقيقة كان معمي عنها...
شعر بغضب مكتوم، وجهه يشوبه إزدراء واضح وهو يحاول كبح انفعاله... حدق في ميسون للحظات، ثم تنفس بعمق خافت قائلًا محمل بحدة:
تفتكري الكلام ده هيزودك حاجة؟ ولا بس بتحبي تشمتي وإنتِ بتشوفي تاج بتتوجع...نفسي أعرف سبب كُرهك لـ تاج الواضح،رغم إنها مش حطاكِ فى دماغها وعمرها ما أذتك.
توترت ميسون وصمتت للحظات قبل أن تنهض تظن أن دلالها الكاذب سيكون له تأثير كما تظن أن ذلك كان سابقًا يجعله يستسلم لإغرائها لكن اليوم كان باردً وهي تضع يدها تعبث بأزرار قميصه قائله بكذب وإدعاء:
أنا مش بكرهها بس كمان مش ناسية الفترة بتاع السنه اللى طنت متحوزها فيها، كنت بشوفها تحاول تستقطبك لها، كنت ببقى خايفة تقع فى براثنها وتميلك لها.
تهكم آسر ببسمة ساخطة موجعه، فليت تاج كانت حقًا فعلت ذلك ربما تبدلت حياته للأفضل، لكن تاج حتى لم تتركه يقترب منها إنشًا واحدًا، فهم الآن لماذا من نظرة عيناها لـ جاسر كم تعشقه ليتها نظرة له نظرة واحدة بقبول فقط، بل كانت دائمًا ما يرا بعينها له نظرة إستقلال شآن، كانت مُحقة بتلك النظرة الدونية،،تنهد بضجر قائلًا:
ميسون بلاش اوهام فى دماغك وبس،تاج عمرها ما حاولت حتى تلفت نظري لها،،إنتِ دايمًا مُتحاملة عليها،ومش عارف ليه حاسس إن فى سبب تاني لكرهك لها وميفرقش معايا أعرف أو لاء،لكن أنا خلاص مليت من أسلوبك ده دايمًا أي نقاش بينا لازم سيرة تاج فيه.
توترت ميسون وشعرت بالضيق لكن ظنت ببعض العنخ انها قد تنحج فى إستعادة تأثيرها عليه، لكن إنتفض ورجع للخلف خطوات بعيد عنها حاول جمع شظايا كرامته التي بعثرها هو بخضوعه لرغبات غيره، شعرت ميسون بضيق من ذلك حاولت وتغاضت عن تلك النظرة التي بعيني آسر.. حاولت أن تستعيد السيطرة على الموقف، لكنها لم تدرك أن الكلمات التي أطلقها آسر كانت كالرصاص الذي أصاب روحها، وتابعت بابتسامة متوترة:
بصراحه بخاف من غدر تاج، إنت عارف إنها قبل وفاة المرحوم عمك كانت سابت المزرعة ورجعت عاشت مع مامتها واخواتها اكيد عملت كده كنوع من الضغط عليه يكتب لها جزء كبير من ثروته و....
قبل ان تستكمل حديثها قاطعها بنبرة حادة وسؤال صادم:
وإنتِ ليه عمي كتبلك عشره فى المية من الميراث، عالاقل تاج كانت مراته إنتِ كنتِ مجرد خطيبتي.
إرتبكت ميسون وتعلثمت بالرد:
أكيد عشان عارف إنك بتحبني وانا كمان بحبك وإننا هنبقي شركاء في المستقبل و..
قاطعها بضحكة سخرية:
شركاء؟ في إيه؟ في الخيبة؟ ولا في الصفقات اللي بتصب دايمًا لصالحك؟ ولا حتى في تاج اللي طول الوقت كنتِ بتلعبِ بيها عليا كأنها ورقة ضغط؟
ظلت ميسون متجمدة في مكانها، لا تعرف ماذا تقول. أما هو، فقد تابع وهو يشير بيده وكأنه يحاول طردها من مساحته:
خلاص يا ميسون، كفاية! أنا مش لعبتك، ولا هبقي لعبة حد تاني...
قبل أن يستكمل حديثه، صدح رنين هاتفه، أخرجه من جيبه ونظر له سُرعان ما خفق قلبه
بشدة، رفع بصره نظر نحو ميسون الذي إعتلى الفضول رأسها بمعرفة هاوية المتصل، لكن آسر قطع فضولها حين قام بالرد بهدوء قائلًا:
مساء الخير يا أمينه
توترت أمينة للحظات ثم حاولت الهدوء قائلة:
آسر أنا فى الشقة بتاع مامتك، طنط حست بهبوط مفاجئ وإتصلت على ماما، وإحنا دخلنا الشقة بعد ما أخدنا المفتاح من البواب، وجبنا لها دكتور وهي دلوقتي نايمة بعد ما الدكتور ادها حُقنه مُهدأه.
إستغرب آسر ذلك قائلًا بلهفة:
مش فاهم إيه اللى حصل،أنا جاي فورًا.
أغلق آسر الهاتف ولم يهتم بسؤال ميسون وغادر،رغم فضول ميسون،لكن تنهدت براحه حين غادر آسر،جلست على أحد المقاعد تشعر بإرتياح كآنها تخلصت من حِمل ثقيل، آسر بالفترة أصبح يُعارضها، كذالك تشعر أن هنالك آمر آخر سبب فى ذلك، غيابه الكثير بالفترة الاخيره، لا تعلم أين يذهب، حتى إن سألته لا يُجاوب، عليها معرفة أين يذهب بأوقات غيابه تشعر بريبه أن تكون هنالك أخري، بالفعل أعادت قول أسم
-أمينة
لازم ألحق أتصرف بسرعة قبل ما تفلت الأمور من إيدي.
وقفت ميسون بتوتر، وهي تحاول التفكير بخطة محكمة تكشف بها حقيقة آسر وأسباب تغيبه المستمر.. شعرت أن ذكر اسم "أمينة" لم يكن مجرد هاجس عابر، بل ربما هو طرف الخيط الذي قد يقودها إلى كشف المستور.
حدّثت نفسها بحدة:
واضح إنى إنشغلت عنك يا آسر، بس ملحوقة.
لم تُفكر كثير وقررت الاتصال بصديق قديم يعمل في مجال التحريات الخاصة، فقد تكون هذه هي الطريقة الأسرع لمراقبة آسر ومعرفة أسراره.
اغلقت الهاتف وتنهدت بعمق، محاولة تهدئة أعصابها التي بدأت بالاشتعال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باستراحة المرفقة بإستطبل الخيل، تمدد جاسر على ذلك الفراش البسيط، يشعر بإرهاق بدني ونفسي يجثم على صدره أغمض عينيه محاولًا الهروب من دوامة الأفكار التي لا تهدأ...
صوت الخيول تصهل بالخارج ذكّره بماضيه، بالأيام التي كان فيها كل شيء يبدو أبسط، وأحلامه أقل تعقيدًا... لكنه الآن غارق في مسؤولياته وأعبائه، وفي مشاعر لم يكن يومًا يعتقد أنها مثل الرماح الطائرة بلا هدف
فتح عيناه حين سمع صوت يتسلل لأذنيه قائلًا:
جاسر إنت هتنام هنا ولا إيه مش هترجع لشقتك .
إعتدل جاسر يتنهد بإرهاق فاض به يود الفضفضة عن ما يجثم على صدره، تفوه بنبرة تهكم موجعة:
شقتي... للإسف انا حاسس بتوهه مش عارف
أهرب من اللي جوايا... حاسس كل خطوة بخطيها إني برجع أميال لورا... أوقات بتمني أرجع جاسر السايس البسيط اللى كان كُل حلمه يتجوز من الأميرة اللى سحرته من أول نظرة من عنيها
توقف للحظة ونطق إسمها قلبه قبل لسانه
"تاج"
الوحيدة اللى قلبي دق لها أوقات كنت بتمني أنسي اللى حصل وإني فى كابوس وهصحي منه، لكن الحقيقة هي اللى بقت كابوس.
شعر جمال بـ
شعر جمال بالضيق وهو يستمع إلى كلمات جاسر التي حملت من الحزن ما يكفي ليُثقل صدر أي مستمع. لمح في عينيه بريقًا لم يكن مجرد انعكاس للضوء، بل كان مزيجًا من الحنين والخذلان.. حاول مواساة جاسر قائلًا:
جاسر، إحنا كلنا بنمر بلحظات بنتمني فيها نرجع للماضي، لكن الحقيقة إننا مش بنقدر... اللي نقدر عليه هو إننا نحاول نصلح اللي جاي."
ابتسم ابتسامة واهية محاولًا تخفيف وطأة الكلام، لكنه كان يعلم أن الجرح أعمق مما يظهر رد جاسر، وهو يُحرك رأسه بخيبة:
أصلح إيه يا جمال؟ لما الحاجة اللي بتحارب علشانها تبقى هي أكتر جاحة بتأذيك ،... تاج مش مجرد حلم، تاج هي كل حاجة، وأنا حاسس خسرتها من وقت ما قررت هي تروح وتتجوز من قاسم، فعلًا أنا اللى ضغطت عليها إننا نتجوز، كنت مفكر إن لسه عندها مشاعر ليا، بس كنت...
توقف جاسر يشعر بفيضان من نزيف بقلبه، شعر به جمال قائلًا:
ليه كل اليأس ده يا جاسر، كل ده عشان تاج أجهضت، بكرة ربنا يعوضكم ويرزقكم بغيره.
تهكم جاسر بإحساس مؤلم
بينما صمت جمال للحظة، ثم قال بهدوء:
يمكن اللي بيحصل دلوقتي هو اختبار، اختبار لقوتك ولحبك الحقيقي... بس مش معنى إنك خسرت حاجة في لحظة إنك خسرتها للأبد. الأقدار دايمًا بتخبيلنا مفاجآت.
تنهّد جاسر، وعيناه تائهتان في الفراغ، كأنه يبحث عن إجابة، عن طريق للخروج من دوامة الماضي التي ابتلع أحلامه البسيطة قائلًا:
عندي شك كبير إن تاج إتعمدت تجهض الجنين اللى كانت حامل فيه...
قاطعه جمال بذهول متفاجئ قائلًا:
مستحيل، ليه بتقول كده، إنت أكيد غلطان، وبلاش تخلي كلام هالة يأثر عليك...
قاطعه جاسر بعصبية:
مش كلام هالة، فى شواهد بتأكد كده، ليه تاج خبت عليا إنها حامل أساسًا.
جاوبه جمال:
إنت قولت إنها كانت حامل شهرين وأيام، يعني يعتبر لسه فى أول الحمل، ويمكن كانت هتقولك بس اللى حصل كان قدر، قوم يا جاسر بلاش تستسلم للشيطان يوسوس لك يزود المسافة بينك وبين تاج، وحاول تبقي جنب تاج متأكد إنها زيك كده حاسة بضياع، يمكن كمان محتاجه لك جنبها، بُعدك عنها تاعبك.
نظر جاسر لـ جمال يشعر بضياع،أسبوعين منذ أن خرجت تاج من المشفى وهو يحاول التجنب عنها خشية أن تتحكم عصبيتهُ،حتى حديثهم مُختصر مجرد كلمات سطحية.. وهي ترد بإقتضاب...
استسلم جاسر ليس لنصيحة جمال، بل لحنين قلبه الذي كان يناديه بلا هوادة... يشعر بألم داخلي متزايد، كأن هناك جزءًا منه لا يستطيع العيش في هذا الفراغ البارد بينه وبين تاج... لم يكن قادرًا على تجاهل ما يشعر به أكثر...
دخل الى الشقة بتردد، وكأن كل خطوة تأخذه للداخل كانت تحمل أملًا وخوفًا في نفس الوقت... تذكر كلمات جمال، لكن حنينه كان أقوى من كل شيء، فحتى لو لم يعرف كيف يواجه مشاعره، كان يعلم أن قربه منها هو الحل الوحيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل وقت قليل بـ شقة جاسر
نظرت تاج الى والدتها قائلة:
أونكل خليل زمانه على وصول.
فهمت جنات قصد تاج فتوهت بإصرار:
رجاء أختها عيانه ومحجوزة فى المستشفى وهتبات معاها، وأنا هبات هنا معاكِ.
إعترضت تاج قائلة:
انا بقيت بخير يا مامي وأقدر اعتمد على نفسي، كمان أنا هاخد العلاج هينيمني للصبح مالوش لازمه تباتي هنا.
اعترضت جنات، لكن بسبب إصرار تاج أقنعتها بالذهاب رغمً عنها.
بسبب بعض الأدوية التي تناولتها، غفت تاج لفترة غير معلومة وعندما استفاقت، شعرت بالأرق الذي تسلل إليها، اعتدلت جالسة على الفراش وأشعلت ضوء الغرفة الخافت، ثم جذبها حاسوبها بدأت العمل عليه، رغم أن الوقت كان قليلًا، إلا أن الضجر كان أقوى من التركيز... حاولت العودة للنوم، ولكن النوم لم يأتي كما كانت تأمل. تنهدت بحيرة ثم قالت في نفسها:
أما أقوم أروح المطبخ، أشرب كوباية لبن دافيه، يمكن الأرق ده يروح. أكيد ده بسبب العلاج
بالفعل
بسبب إصابة قدمها نهضت تسير بخطوات حذرة رغم ذلك كادت تتعثر وتقع، لكن بحركة سريعة اقترب منها جاسر، وكأنه استشعر خطر سقوطها، اندفع نحوها بلهفة أمسك بها، يحيطها بذراعيه بقوة، يحتوي جسدها بحماية شعرت بنبضات قلبه القوية قريبة منها، وبألم بسيط في يدها التي اصطدمت بكتفه خلال محاولته إنقاذها..رفعت رأسها تنظر لوجهه، تمركزت نظرة عيناهم بحديث صامت، تبوح
بعتاب.. ولوم.. وآلم... متبادل بينهم
سُرعان ما حادت تاج بنظرة عينيها وآنت بألم طفيف وهي تعود خطوة للخلف.
سمع جاسر آنين تاج الخافت فتسرع سائلًا بقلق:
تاج إنت كويسة.
ابتسمت ابتسامة خفيفة تخفي غصة قلبها :
ايوة، كويسة.
تنهد جاسر بعمق وهو يتركها تدريجيًا، لكن يده بقيت ممدودة بجانبها، وكأنه يستعد لإمساكها مجددًا إذا تعثرت مرة أخرى... رغم الألم التي تشعر به، سندت بيدها السليمة على الحائط واستجمعت قوتها الواهية لتواصل السير، محاولة الابتعاد عنه... خطواتها كانت بطيئة.
ظل جاسر واقفً في مكانه، يُتابعها بعينين تحملان ألف كلمة، لكنه لم ينطق بحرف... شَعَر بسهام تخترق قلبه، ليس فقط قلقًا عليها، بل كأن قلبه يناديها دون جدوى... أراد أن يخطو نحوها، أن يمد يده ليخفف عنها الألم، لكن شيئًا ما جذبه للخلف، ربما كبرياؤه، أو ربما تُلاحظ أنه مازال ضعيف أمامها .
استدارت قليلاً، للحظة عابرة نظرت نحوه، نظرة لم تستمر سوى ثانية، لكنها كانت كافية لتكشف عن مزيج من الألم والعناد... استقامت بعدها وأكملت طريقها، تاركة خلفها صمتًا مثقلًا بالألم لكليهما.
لم يُفكر جاسر وذهب خلفها نحو المطبخ، وجدها تفتح باب البراد"الثلاجة" وأخرجت قنينة حليب وضعتها على المنضدة، ثم عادت تغلق باب البراد،تعتمد على يدها السليمة بصعوبه وهي تحاول سكب اللبن بطنجرة على الموقد،وقع منها القليل على الموقد تضايقت،لكن أخفت ذلك،بينما جاسر إقترب منها قائلًا:
فين دادا رجاء.
أجابته وهي تُعطيه ظهرها:
أختها محجوزة فى المستشفى وبايته عندها.
غص قلب جاسر وهو يرا صعوبة حركة تاج سواء بالوقوف على قدميها أو حتى يدها التي تحاول أن تدير الأمور رغم الألم، وكان قلبه يعصره الألم وهو يشاهدها تتصرف وكأنها لا تعاني... اقترب منها أكثر، وأمسك بيدها التي كانت ترتجف قليلاً، قائلاً بصوت منخفض:
إقعدي إنتِ وأنا هسخن اللبن.
تجاهلته بهدوء وأكملت وضع الحليب في الكوب، كأنها ترفض أي محاولة للمساعدة، حتى وإن كانت بحسن نية... كان هناك شيء في عيونها، شيء يجعلها تفضل العناد على قبول المساعدة محاولة اخفاء معاناتها.. قائلة:
مفيش داعي .
بتلقائية وضع جاسر يده فوق يدها لكن
سحبت يدها من يده بعناد قائلة بحِدة:
قولت متشكره، خلاص هو دفي كده كويس، هحطه فى الكوباية.
لاحظ جاسر رعشة يدها تنهد بقلق وجذبها للخلف قائلًا بتصميم:
إقعدي يا تاج وبلاش عناد إنتِ مش طفلة صغيرة.
رفعت وجهها ونظرت له قائلة:
فعلًا أنا مش طفلة ومش بعاند أنا...
قاطعها جاسر ببسمة شقت وجهه:
عارف إنك مش طفلة بس مش عيب تحتاجي لمساعدة.
تهكمت قائلة بتسرُع:
شكرًا مش محتاجة مساعدة، كمان خلاص مش عاوزه لبن، هروح أكمل نوم، تصبح على خير.
تركت تاج كل ما كانت تفعله وكما السابق عادت تستند على الحوائط حتى عادت الى غرفة النوم، تمددت على الفراش
بينما تنهد جاسر بصبر وسكب كوب الحليب وذهب خلفها الى الغرفة وجدها تتمدد على الفراش، تبسم قائلًا:
اللبن يا تاج.
أغمضت عينيها قائلة:
متشكره مالوش لازمه أنا هنام.
إقترب جاسر من الفراش ومد يده بالكوب، لكن تاج أصرت على رفضها، كذالك جاسر لم يُصر عليها، وضع الكوب على طاولة جوار الفراش، وغادر الى حمام الغرفة، نظرت تاج الى كوب الحليب وأبت نفسها، وأغمضت عينيها،سُرعان ما إستجابت للنوم ولم تشعُر بـ جاسر الذي إستلقى جوارها على الفراش غافيًا هو الآخر،كآنه نسي إرهاق جسده ونفسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بـاليوم التالى
صباحً بـ الشركة
توقف فراس عن مراجعة تلك الملفات وأزاح الحاسوب بعيد قليلًا ثم إرتكز بيديه فوق المكتب ثم وضع رأسه بين كفيه يشعر بآلم شبه حاد، لحظات ثم إضجع بظهره على المقعد يرفع رأسه للأعلى، بنفس الوقت دلفت ليان بكوب القهوة قائلة بتهكم:
القهوة الدوبل.
عدل رأسه وهو يحك بين حاجبيه قائلًا:
شوفيلي أي مُسكن للصداع.
نظرت له لاول مرة يخفق قلبها بقلق وهي تقول بريبة:
إيه اللى جابلك الصداع، أكيد بسبب تعسُفك معايا.
رغم آلم راسه لكن ضحك قائلًا:
تعسُف، تعرفي يا ليان أنا بعد المدة اللى فاتت دي أكبر غلط عملته فى حياتي هو إني وظفتك هنا.
ضجرت قائلة:
تصدق كنت صعبت عليا، وكنت هدلك لك راسك بخل ولمون.
ضحك قائلًا:
ناقص الملح عشان أبقي مخلل.
ضحكت قائلة:
وفرت انا اساسًا مش بعرف فى التدليك بس شوفت ماما عملت كده مع أخويا، معايا مُسكن فى شنتطي هروح أجيبه.
ثواني وعادت كان يحك جبينه، اعطت له المسكن قائلة:
إتفضل وعِد الجمايل، ده مُسكن غالى ومفعوله عالي.
ضحك وهو يأخذ منها البرشام وتناول بعده المياة، شعر بخمول، حتى أنه غفى دون وعي.
تبسمت ليان وهي تقول:
كده مفعول الحباية اشتغل هينام ساعتين وارتاح من طلابته الاستفزازيه وروح انا كمان أنام على مكتبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك الموقع
أغلقت الهاتف مع أحد العملاء ... بنفس اللحظة إقترب صهيب يتحدث لها عن بعض الإحتياجات، لكن بنفس اللحظة وصل رسالة الى هاتفها، كان الرقم غير معلوم لديها... بتلقائية فتحت الرسالة
سُرعان ما جحظت عينيها وشعرت بهبوط حاد بدون وعي منها صرخت بقوة ثم غابت عن الوعي واقعة بين يدي صهيب الذي ضمها على مرأي جميع العاملين بالموقع وصورة أخري تُلتقط تفسيرها العبث.
«يتبع»