رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السابع عشر 17 بقلم سعاد محمد سلامه
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السابع عشر 17 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامه رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السابع عشر 17 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السابع عشر 17 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السابع عشر 17
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السابع عشر 17
بعد مرور يومين
إبتسم جاسر وهو يضع قبلات متفرقة على وجه تاج، يحاول إيقاظها برقة كانت عيناه مليئة بالحُب، بينما هي، رغم مشاعرها الدافئة، شعرت بالخمول والتعب كانت ترغب في الاستسلام للنوم، لكن شيئًا ما في قلبها يدفعها للاستيقاظ، ربما لأنها تشعر أن هناك شغف في عينيه يطلب منها الانتباه، أو ربما لا تستطيع مقاومة قربه.
همس في أذنها بحنان:
“تاج الياسمين” اصحي، قربنا عالساعة تسعه.
.لكنها، رغم محاولات إيقاظه لها، شعرت كأنها في عالم آخر، مازالت تود أن تغرق في النوم، لكن تفوهت بخمول بصوت منخفض:
خلاص، هصحى، بس سيني بس عشر دقايق.
إلتصق بها وعاود مشاغبتها بالقُبلات ، إلتصقت به كآنها لا تريده أن يبتعد، رغم الخمول الذي يغمرها.
ابتسم ابتسامة رقيقة وهو يلاحظ التردد في صوتها وحالتها المُرهقة.. شعر بشيء من القلق، لكن قلبه كان مليئًا بالطمأنينة لوجودها بجانبه حرك يده برفق على شعرها، ثم تحدث بصوت هادئ مرح:
بقيتي كسولة مش عاوزه تقومي من النوم من يوم ما وصلنا لهنا، واضح إن المكان هنا مريح جدًا ليكي بقيتي كسوله عكس طبيعتك النشيطة أفهم من ده إن
ابتسمت تاج ، وهي تدفن وجهها في الوسادة وكأنها تحاول الهروب من كلماته، لكنها لم تستطع منع نفسها من الضحك بخفة.
مش كسولة، بس الجو هنا بيخليني أحس بالهدوء… يمكن عشان لأول مرة من فترة طويلة أفصل عن العمل، فاستسلمت للكسل
تأملها جاسر لوهلة قبل أن يرد بابتسامة دافئة: لو كان ده السبب اللي يخليكي مرتاحة كده، يبقى مفيش مانع تفضلي نايمة طول الوقت.
ضحكت تاج بصدق هذه المرة، وهي تشعر بالدفء الذي يملأ قلبها، وبدت لحظات السكينة بينهم كأنها هدية ثمينة من الزمن.
ابتسمت تاج، لكنها رفعت رأسها قليلاً لتواجه نظراته المتفحصة وقالت بمزاج ودلال:
يعني عايزني أبقى نايمة طول الوقت عشان تبقى مطمن؟ ولا عشان تبقى لوحدك في المزرعة وتستمتع بالخيل.
ضحك جاسر، وهز رأسه قائلاً بمرح:
الاثنين مع بعض، بس بصراحة، لو فضلتِ نايمة طول الوقت، مش هلاقي حد ينافسني في ركوب الخيل.
حاولت فتح عينيها ،وهي شبة تجلس، شعرها يتناثر حول وجهها، ونظرت إليه بعينين ناعستين لكن بنبرة تحدي قائلة
هو ده اللي في بالك؟ طيب اتفضل، بس خلي بالك، لما أقوم مش هتقدر تسبقني.
رد جاسر بابتسامة واثقة:
هستنى أشوفك تحاولي..ودلوقتي بما إنك كسلانه كده فأنا هسبقك ولما تشبعي نوم إبقي تعالي الإستطبل .
كانت الكلمات بينهما بسيطة، لكنها كانت مليئة بالدفء، كأنها موسيقى تصدح في أجواء المزرعة، حيث يتردد صداها في قلب كل منهما، مؤكدة أن السلام الحقيقي قد يكون في وجود شخص يُشعرك بالانتماء والطمأنينة.
بعد وقت إستيقظت تاج بسبب شعورها ببتعض التقلصات ببطنها نهضت من فوق الفراش، بعد قليل فكرت فى تكرار تلك الغثيان والهبوط، رجحت بيقين أنها حامل، فكرت أن تطلب من زوجة مانويل إرسال إحد الخادمات لجلب إختبار حمل منزلى، لكن أرجأت ذلك لحين عودتها من الإستطبل
بذاك الإستطبل الخاص بـ مانويل
كانت تسير الى أن وصلت الى ذلك المضمار،ابتسمت حين رأت جاسر يقوم بترويض إحد المُهرات حتى إستطاع السيطرة على جموحها،لوهلة شعرت بدوخه،فجلست على إحد الآرئك بالمكان،ظلت لوقت جالسه،إقترب جاسر وترجل من على المُهرة
وقف يمسح على رقبة المُهرة سائلًا
مالك قاعدة هنا ليه، مش هتركبي حصان.
رفعت نظرها إليه، تحاول استجماع قواها، ثم أجابته:
لاء ماليش مزاج، هعقد أتفرج عليك.
جلس إلى جوارها، متكئًا برفق وقال بنبرة قلق: مالك وشك مجهد والنوم مسيطر عليكِ معظم الوقت.
لم تستطع إخفاء ارتباكها، فكرت في الاعتراف له بما تشعر لكنها اختارت التريث،عليها التأكد أولًا
أومأت برأسها قليلًا وقالت:
انا بخير، بس حكاية مزاج والنوم عادي.
لم يقتنع تمامًا لكنه لم يرد إلحاحها، بل وقف ومدّ لها يده برفق وقال بابتسامة دافئة:
تمام، مانويل ومراته عاملين حفلة مشاوي هنا فى المزرعة، بعد الضهر اللى أحنا اساسا بقينا بعد الضهر.
ابتسمت قائلة:
مانويل قالى على فكرة.
نظر لها بنظرة خاصة قائلًا بغِيرة ملحوظه
واضح ان بقى فى صداقه خاصه بينك وبين مانويل.
أومأت برأسها بموافقة تغيرت ملامح جاسر فضحكت قائلة:
مانويل شخص ودود ولطيف.
شعر بغيرة بلحظة جذبها من يدها وقفت مُرغمة قبل ان تنتبة ضمها بين يديه يُقبلها بتملُك شديد،ترك شفاها ليتنفسا
لوهلة شعرت تاج بارتعاشة خفيفة تسري في جسدها، لم تستطع التمييز بين المفاجأة والدفء الذي اجتاح قلبها. نظرت إلى جاسر بعينين مشوشتين، تحاول استيعاب ما حدث. همست بصوت مرتجف وهي تنظر حولها بترقُب أن يكون لاحظ العمال ذلك الموقف الحميمي، شعرت كآن الكلمات تُحبس في حلقها، لكن جسدها أفصح عن كل ما حاولت كتمانه. لم يكن في الموقف سوى صمت ثقيل لا يُسمع إلا ضربات قلبها المتسارعة…لحظات حتى هدأت أنفاسها نظرت لـ جاسر بلوم.
:جاسر…إنت بتعمل إيه، المكان فيه عمال.
ابتسم بتحدٍ وهمس قرب أذنها:
وإيه يعني
بفكرك إنك مراتي وممنوع تتكلمي عن حد غيري باعجاب.
تراجعت خطوة للخلف، محاولة استعادة توازنها وهدوئها، لكنها لم تستطع كبح خفقات قلبها المتسارعة. قالت بخفوت:
تمام.
اقترب منها مجددًا، وعيناه تلمعان بالغيرة والرغبة:
مجرد اعجابك بشخص بيضايقني يا تاج
تجنبت نظراته، وهي تشعر بمزيج من الانزعاج والانجذاب، وحاولت التملص برفق قائلة:
جاسر،بلاش تبقي سخيف.. مانويل مجرد صديق مش أكثر.
لكنها كانت تعلم أن الكلمات لن تخفف من نار تحكمه وأن مشاعرها إتجاهه تفوق ما يمكنها احتواءه بسهولة.
بعد وقت مساءً
دلفا معًا إلى الغرفة، شعرت تاج بالإرهاق يتسلل إلى جسدها، فتوجهت نحو الفراش وجلست على حافته، ثم تمددت بنصف جسدها عليه وأغمضت عينيها بتعببعد لحظات تثاءبت بهدوء وكأنها تستسلم للراحة أخيرًا.
ضحك جاسر بصوت خافت، رغم استغرابه من الإرهاق الذي بدا واضحًا عليها، وقال وهو يتكئ على الحائط:
إرهاق من إيه بقى؟ تقريبًا طول اليوم وإنتٓ قاعدة بتراقبيني وأنا اللي شغال.
فتحت تاج عينًا واحدة بكسل، ثم ابتسمت بسخرية خفيفة وقالت:
“اتفرج عليك وأنت بتشتغل ده مرهق أكتر من الشغل نفسه… محتاج طاقة عشان أتحمل غرورك وإنت بتتباهي بالحركات الخطيرة مع الحصان
اقترب منها وهو يرفع حاجبه بابتسامة ماكرة، صوته يحمل نبرة تمزج بين المزاح والجرأة:
غرور إيه ده؟ وحركات خطيرة؟ ده مجهود عشان أبهر حضرتك، بس واضح إن المجهود ضاع على الفاضي.
توقف لثوانٍ يتأمل ملامحها المُرهقة قبل أن يضيف بتهكم خفيف:
وبعدين مش عارف ليه، من وقت ما كنا في الطيارة، حاسس إنك كده… صحتك مش تمام.
رفعت حاجبيها بتحدٍ، وصوتها كان كالسهم يخترق هدوء اللحظة:
صحتي تمام بس يمكن تغيير الطقس مأثر عليا
ارتسمت ابتسامة أوسع على شفتيه، وكأنه وجد في تحديها متعة لا تقاوم، واقترب خطوة إضافية، باغتها بحركة مفاجئة يحملها بين ذراعيه للحظة شهقت بخضة، اتسعت عيناها بدهشة، لكن سرعان ما تلاشت صدمتها لتحل محلها ابتسامة دافئة لفت يديها حول عنقه بدلال، وكأنها تتحدى ذلك الإرهاق برغبة خفية تود الاستسلام لصوته الدافئ العميق، حين تحدث بنبرة مرحة لا تخلو من الشغف:
خلينا ناخد شاور سوا … يمكن الإرهاق يروح.
ابتسمت وأومأت برِقة، وعينيها تلمعان بشيء من المرح المشوب بالقلق لو صدق ذلك الهاجس التي تشعر به ، لكنها تركت نفسها بين ذراعيه، تود تذوب بين دفء الحرارة المُنبعثه من صدره… تستقبل قُبلاته التي تسحب منها ذلك الشعور السئ يتبدل بغمرة عشق جارفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالشركة قبل وقت
تنهدت ليان بضجر وهي تتذكر الايام الماضيه كانت تشعر بهدوء وراحه من ذلك المُستبد، لكن يبدوا أن ذلك إختفي وسط طلاباته الكثيرة، كآنها عائدة من رحلة استجمام لا مرض، حتى ذلك الطلب الأخير تحضير قهوة خاصة، له
لكن توقفت بعدما لعب برأسها فكرة مجنونه تنتقم بها منه..
ذهبت نحو الموقد وضعت مسحوق القهوة الخاص به بماكينة القهوة، ثم جذبت عبوة صابون سائل وقامت بوضع كميه صغيره ورجتها احتى أصبحت الرغوة عاليه فقامت بوضعها فوق كوب القهوة، شعرت بإرتياح
حدثت نفسها بنصر قائله:
يستاهل مفكرني الفليبنية بتاعت سيادته.
دلفت بعدما أذن لها بالدخول ،رفع رأسه لوهله ونظر نحوها ثم إبتسم وتجاهلها وعاد يعمل على حاسوبه مره أخري،غير مُبالي،بها،شعرت بضجر وهمست ببعض الكلمات المُقتضبة:
عامل نفسه مشغول وهو تلاقيه بيلعب بابچي عالابتوب ويمكن خسران كمان.
سمع فراس حديثها الهامس ضحك فى البداية لكن سُرعان ما التزم الجد قائلًا:
بتبرطمي تقولى إيه.
زفرت نفسها بضجر قائله:
مش ببرطم،أنا بقولك النسكافية اللى طلبته أهو،والرغوة كمان عالية زي ما طلبت.
إلتزم الجد قائلًا:
تمام هاتيه هنا عالمكتب.
بكل خطوة تهمس لنفسها بسب له،وهو يخفي ضحكته بأعجوبة يعلم أنها على شفا الانفجار
وضعت الصنيه،كادت تغادر فى صمت لكن تسمرت مكانها حين قال:
إستني مسمحتش ليكِ تنصرفي.
بداخلها تهكمت بنزق ثم سبته:
تنصرفي…مفكرني عفريت،يارب يركبك عفريت حمار أحول وتنهق ليل ونهار ولا حد يسمعك.
يعلم أنها كعادتها تهمس وتهمس،لكن لم يهتم،ثم نظر الى ذلك الكوب،حقًا كما أمرها…لكن لديه شك كيف إمتثلت هكذا بسهولة،تحدث وهو ينظر الي الكوب بتفكير:
مش تستني أشوف النسكافية يمكن ناقص حاجه.
توترت قائله:
أنا عملته زي ما طلبت وضاعفت الفوم (الرغوة) هروح أكمل بقية شغلى اللى طلبته منه.
أمرها قائلًا:
لاء إستني.
توقفت،تنتظر تُخفي بسمتها وهو يرتشف أول رشفة من الكوب،سُرعان ما بصقها بإمتعاض وجذب محرمة يمسح بها فمه قائلًا:
ده إيه.
ببساطة أجابته:
النسكافيه اللى طلبته.
نظر الى تلك الرغوة قائلًا:
الرغوة دي مش طبيعية.
أومأت برأسها قائلة:
زي ما طلب الفوم مضاعف، أعملك إيه حطيت أربع معالق كبار نسكافيه، وبرضوا الفوم مش مضاعف، إتصرفت.
سألها وهو مازال يشعر بامتعاض بفمه:
وإتصرفتي عملتي إيه.
أجابته بتلقائيه:
حطيت رغوة صابون سايل اللى لقيته.
نظر لها بغضب ساحق:
رغوة صابون سايل، عاوزه تسمميني.
صمتت تهمس بداخلها!
لاء عاوزاك تنضف من جوه
إزداد غضبه من صمتها وفكر وفكر بعقاب، نظر الى بقايا القهوه الذي بصقها فوق طرف المكتب ثم لمعت عينيه قائلًا:
تمام تعالي نضفي المكتب وخدي النسكافية مش عاوزه.
تذمرت قائله:
تنضيف المكتب مش من إختصاصي.
نظر لها بأمر قائلًا:
وأنا بقول هتنضفي المكتب وده أمر مُلزم.
ضربت بحذائها الأرض قائله:
أنا بشتغل هنا إيه بالظبط.
أجابها ببسمة غيظ:
قولتلك بتشتغلي كل حاجه وأي حاجه أطلبها منك.
تعصبت قائله:
أنا عاوزه أستقيل.
أجابها ببرود:
بسيطة إدفعي قيمة الشرط الجزائى اللى فى العقد اللى مضيتي عليه.
تضجرت قائله:
قولتلك مضيت عليه وأنا نايمة.
ضحك قائلًا:
القانون لا يحمي المُغفلين النِيام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذالك الموقع وقفت فايا تُراقب عمل حفر العُمال رغم
إقترب منها صهيب وقف امامها يمد يده لها بـ كوبً من الشاي قائلًا:
إتفضلي يا بشمهندسه.
نظرت فايا إلى كوب الشاي، وعيناها تائهتان في ماضي مُضبب، تردد يعتصر قلبها وكأن حرارة الذكرى تُلسع روحها. كان المشهد غامضًا، لكن وجه ذلك الوغد وضحكته السمجة كانت واضحة كالشمس. كوب القهوة البلاستيكي بيدها يومها، لم يكن مجرد مشروب، بل كان بداية الكابوس. تذكرت لمساتها المرتبكة على جسدها وهي تستفيق شبه عارية في غرفة موحشة، والكاميرا التي كانت شاهدة صامتة على أوجاعها.
تنفست بعمق، وكأنها تحاول إخماد اللهب المستعر داخلها. دفنت الذكرى مرة أخرى، لكنها تعلم أن هذا الجرح لن يُشفى بسهولة. وضعت الكوب على الطاولة برفق، وكأنها تخشى أن يكسر الصمت، وأخذت تعد نفسها لمواجهة العالم الذي لا يعرف ما تحمل داخله.. الذكرى الخاطفة جالت في عقلها كريح باردة، لم تكن واضحة تمامًا، لكنها كانت كافية لتعيد إحساسًا ثقيلًا بالخذلان.
الآن أمامها نفس المشهد يُعاد
عادت إلى الحاضر عندما تفوه صهيب:
آسف أكيد طبعًا مش متعودة تشربي شاي فى كوباية زي دي،بس على فكره العامل بتاع البوفيه هنا بيهتم بنضافة الكوبيات..انا قولت يدفيكِ،المكان هنا مفتوح والهوا بارد وشديد، عالعموم براحتك.
وأخذت نفسًا عميقًا،نفضت تلك الذكري وتبسمت وهي تمد يدها وأخذت الكوب من يده محاولة السيطرة على ارتعاشة يديها..بداهلها تصميم:
مش هسيب الماضي يسيطر عليّا ، مش هيمنعني أثق فى الناس.
شعرت بارتعاش خفيف في يديها، لكنّها أسرعت بالتقاط الكوب بيديها الإثنين ، متظاهرة بالثبات اخذت نفسًا عميقًا ونفضت تلك الذكرى التي تطاردها بابتسامة واثقة، ثم رفعت عينيها يدور برأسها تحدي:
مش هسيب الماضي يسيطر عليّا، مش هيمنعني أثق في الناس.
تأمل صهيب ملامحها للحظات، محاولًا قراءة ما وراء تلك الابتسامة، ثم قال بلطف ومرح:
أكيد فى الجو ده … مش مهم الكوباية، المهم شعور الدفا
تسارعت نبضات قلبها للحظة، لكنها أخفت ارتباكها بابتسامة صغيرة، وحاولت تحويل مجرى الحديث:
فعلاً الجو برد، الشاي ده هينفع.
لم يستطع صهيب تجاهل رعشة يد فايا عندما مدت يدها لتأخذ الكوب.. ولا التردد الذي بدا واضحًا في حركتها كان كأنه يعكس شيئًا أعمق من مجرد ارتباك للحظة، شعر بشيء غريب يتسلل إلى قلبه، شعور لا يستطيع تفسيره، لكنه أيقن أنه ليس مجرد فضول عابر… هل كان ذلك بداية اهتمام خاص، أم انعكاسًا لما تخفيه فايا خلف قناعها المتقلب؟ أحيانًا تكون هادئة كنسمة صباح، وأحيانًا صاخبة كعاصفة شتاء، لطيفة حينًا، وعدائية حينًا آخر، وكل ذلك دون سبب واضح، وكأنها لغز يسكن بين النقيضين، يُثير حيرته ويأسره في الوقت ذاته… لكن تبسم حين نادى عليه رئيس العمال نظر له ثم لها وتحدث بنبرة أكثر دفئًا:
هروح أشوفه عاوز إيه،
لو احتاجتِ أي حاجة تانية، أنا موجود.
لحظات ساد بينهما صمت قصير، لكنّه كان مريحًا، أشبه بحوار صامت يعبّر عن أشياء لم تُقال بعدما وضعت يديها حول الكوب، تحتضنته براحتيها تشعر بدفئ غريب يتسرب إلى قلبها، وكأن كلمات صهيب كانت كفيلة بإشعال شعلة صغيرة من الأمل داخلها، شعلة بدّدت شيئًا من برودة الماضي الذي كان يلاحقها.
كانت تاج مُستلقية على صدر جاسر، تنصت لدقات قلبه الهادئة، تشعُر بهدوء نفسي، مد جاسر يده ليعبث بخصلات شعرها مبتسمًا بصمت، كأن الكلمات أصبحت رفاهية لا حاجة لها شعرت تاج بدفء أمان يحتضنها، ذلك النوع من الأمان الذي لم تعرفه مع أحد غيره، حتى في الأوقات التي كانت فيها علاقتهما متوترة ومشحونة بالمشاعر المتضاربة…
أغمضت عينيها للحظة، تستسلم لهذا الهدوء العابر.. عادت بذاكرتها إلى كل المواقف التي واجهتهما، لحظات الجدال التي كانت تتخللها نظراته الحانية، والاختلافات التي لم تكن تخفي يده الممدودة لمساندتها دائمًا. أدركت حينها أن بين كل تلك المشاحنات، كان جاسر دائمًا هو الثابت في حياتها.
1
قطع الصمت همس جاسر بسؤال:
نمتِ.
شعر بهزة رأسها بالنفي على صدره فتبسم وضمها بين بيديه أقوي..تنفست تاج وهمست كآنها بلحظة غياب:
عمري ما فهمت إزاي رغم كل اللي حصل،مش بحس بالأمان غير وأنا معاك.
إبتسم جاسر بدفء،وضمها قائلًا:
يمكن لأنك عارفة إن مهما حصل، مستحيل أتحمل عليكِ أذى.
1
رفعت رأسها لتنظر في عينيه، فوجدت فيهما انعكاسًا لكل شيء تمنته.. ربما تتمني لو يبوح بكلمة أنه مازال يعشقها شفهيًا،كاد هي أم تُخبره بذلك لكن ترددت ولم تقل شيئًا ، فقط وضعت رأسها مجددًا على صدره، تاركةً قلبها يتحدث معه بدقات صامتة، متناغمة مع دقات قلبه
عاد الصمت حتى كادا يذهبان الى غفوة لكن قطع ذلك الصمت رنين ذلك الهاتف، فتحا أعينهما، رفعت تاج رأسها تنظر الى جاسر قائله:
موبايلك اللى برن.
ضم جسد تاج بملامح هادئة، قائلًا بنبرة مترددة:
أنا بقول بلاش أرد.
ابتسمت تاج برِقةوهي تستقيم بجسدها لتمنحه مساحة ليأتي بالهاتف للرد قائله:
طب شوف مين الأول يمكن حاجة مهمة.
لم يكُن يُريدها تبتعد عن صدره، لكن تنفس بقوة وإلتقط الهاتف، ونظر إلى الشاشة ليرى الرقم… تغيرت تعابير وجهه للحظة، لاحظت تاج ذلك وقبل أن تستفسر، وجه جاسر شاشة الهاتف نحوها، إستغربت حين رأت هوية التي تتصل تفوهت بنبرة يشوبها شعور الغِيرة:
ميسون هتكون عاوزه منك إيه؟.
نظر جاسر إليها بثبات، وكآنه يحاول تهدئة ما اشتعل في عينيها من غيرة واضحة، ثم قال بصوتٍ هادئ:
معرفش، أنا بفكر مردش عليها.
حاولت تاج أن تُخفي غِيرتها، كذالك شعور الفضول لديها،تمثلت بالهدوء قائلة:
رُد عليها شوفها عاوزه إيه،متأكدة مش هتبطل رن غير لما ترد.
تنهد جاسر قائلًا:
هتكون عاوزه إيه، أكيد حاجة لمصلحتها، هي مش بتفكر غير فى كده.
أومأت تاج لكن إلحاح ميسون بالإتصال مره أخري، زاد الفضول وقالت له:
رُد زنانة مش هتبطل رن.
وافق جاسر وضغط على ذر الإجابه ثم فتح مُكبر صوت الهاتف لتسمع تاج…
فى البداية حاولت ميسون الحديث بِرِقة،كانت تاج تشعر بالغِيرة التى حاولت إخفائها،حتى سألت ميسون:
إنت راجع مصر إمتى.
جاوبها بهدوء:
لسه مقررتش أنا وتاج،هنقعد لسه كام يوم.
بتسرُع من ميسون تحدثت بغلظة:
المفروض ترجعوا فى مشاكل هنا فى الشركة ولازم يتوضع لها حل قبل ما تكبر.
سأل جاسر:
وإيه هي المشاكل دي:
أجابته:
المشروع بتاع مرسي مطروح…البدو عاملين مشاكل وكل يوم والتاني يهجموا عالموقع ويكسروا المُعدات… لازم يكون فى واقفة حاسمة مع البدو دول، كده الشركة هتتحمل خساير كتير، أنا قولت من البداية الأرض دي قريبة من البدو وهتجيب لينا مشاكل كتير، بس معرفش سر تمسُك تاج بالمكان ده، دلوقتي فى مشاكل ولازم نجتمع كمساهمين عشان نشوف حل، ونوقف خساير الشركة. البدو فاهمين إنهم فوق القانون، كل شوية يهددوا ويعملوا شوشرة، ولازم نقف لهم بالمرصاد أو نوقف المشروع
نظر جاسر نحو تاج التى تبدلت ملامحها عيناها تشعان بالغضب المكتوم، لكنها تماسكت وأخذت نفسًا عميقًا وظلت صامته، بينما تفوه جاسر:
تمام أكيد هنلاقي حل.
شعرت ميسون بالغضب قائلة:
أكيد الحل إننا نعمل إجتماع بأسرع وقت لو إتأخرنا…
قاطعها جاسر بنبرة حازمة:
تمام متقلقيش الموضوع هيتحل بأسرع وقت.
بضجر وغيظ أغلقت ميسون،بينما أغلق جاسر الهاتف ونظر الى تاج التى تحدثت:
الأرض دي مش مجرد مشروع استثماري، ده المشروع هيرفع الشركة فى مكانة تانية، وأنا اللى إختارت مكان المشروع يكون مكان جديد.
فهم جاسر قبل أن تنطق تاج، تنهد بآسف قائلًا:
تمام يا تاج هنرجع مصر بكره.
إبتسمت وضمته بامتنان قائلة:
شكراً، جاسر… أنت دايمًا واقف في ضهري.
بادلها الابتسامة وهو يربت على ظهرها بحنان:
مش محتاجه تقولي الكلام ده، بس لازم تعوضيني عن الأجازة اللى إتقطعت دي.
تراجعت تاج قليلاً ونظرت إلى عينيه بثقة
عاود جاسر الحديث بمزح:
أنا كنت مخطط أجازة هادية بعيد عن الشغل، وبدل ما ارتاح لقيت لازم نرجع… بس مش هتنازل عن تعويض الليلة.
فهمت تاج من لمعة عيناه وتقبلت قُبلاته ولمساته، حتى انها شبه نسيت كل ذلك التوتر والضغط… كان حضوره يملك القدرة على محو كل ما يثقل قلبها، … ارتخت بين ذراعيه، متناسية كل ما حولها، وكأن العالم توقف للحظات ليمنحهما مساحة من الصفاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بـ ڤيلا آسر
أغلقت ميسون الهاتف بغضب، تشعر بضيق يكاد يخنقها. أخذت تذرع الغرفة ذهابًا وعودة، وملامح وجهها تعكس مزيجًا من الغيظ والإحباط.. تمتمت بصوت خافت مليء بالاستياء:
تاج دي مش ممكن تفضل طول عمرها… كل مرة تثبت إنها الاقوى والأحق مني، بس المرة دي أنا اللي هغلب.
وقفت أمام المرآة، تنظر إلى انعكاسها بنظرة تحمل تحديًا وكراهية مكتومة، ثم أكملت لنفسها:
لو تاج فاكرة إن مشروعها ده هيعدي بسلام، تبقى بتحلم. أنا هطلع فوق، وهي اللي هتقع… قريب جدًا.
توجهت إلى غرفة المكتب أمسكت بهاتفها مرة أخرى، وأجرت اتصالًا وهي تبتسم بسخرية:
أيوة، عايزة منك خدمة صغيرة… واثقة إنك مش هتخذلني.
بعد قليل خرجت من غرفة المكتب نظرت بتهكُم الى إقتراب آسر وتحدثت بإستهزاء:
أخيرًا إفتكرت ورجعت الفيلا فكرتك توهت وكنت هكلفهم يدوروا عليك.
عيناها تلمعان بسخرية لاذعة وهي تقف أمامه، معقودة الذراعين وكأنها تتحدى وجوده بحد ذاته، شعر آسر، بالضيق من حديثها الفج حاول الظهور بمظهر حضاري، توقف للحظة.. تلعثم في بداية حديثه ثم استجمع نفسه قائلاً: ميسون، لو عندك كلام تقولي، قولي مباشرة بدل من تلميحك ده.
خطت خطوة للأمام، واقتربت حتى كادت أنفاسها تلامس وجهه. همست ببرود:
الوضوح مش شغلتي، ده شغلك أنت… بس واضح إنك مش قادر تفرق بين دورك الحقيقي ودور الكومبارس… فى إدارة الشركة، سايب الشغل المهم والله اعلم بتروح فين.
ظهر التوتر على ملامح آسر، لكنه حاول التماسك قائلًا:
هكون بروح فين، كفاية شك مش كل حاجة زي ما في دماغك.
ضحكت ضحكة قصيرة مليئة بالسخرية، ثم ابتعدت عنه وهي تهز رأسها:
مشكلتك يا آسر إنك شخص ضعيف.. أنت مجرد ورقة في يد اللي أقوى منك… تاج مش قادر تاخد موقف حاسم من رأيي تبيع لي بقية أسهمك وقتها هبقي أنا متساوية معاها وهعرف أوقفها عند حدها،وعرفها إنها مش أذكي الاذكياء،كل اللى معاها شوية حظ .
ترك آسر كلمات ميسون تتردد في الهواء، كصفعات خافتة تخلو من الوقع الحقيقي على قلبه.. لم يكن غضبها ولا إحراجها يعني له الكثير، فالمشاعر التي من المفترض أن تربطه بها لم تجد طريقها إلى روحه… كل ما كان يراه في تلك اللحظة هو امرأة تزداد عنادًا وصدامًا معه، في علاقة أصبحت عبئًا…يشعر أن هذه العلاقة تُثقل روحه، كأنها قيود غير مرئية تكبله دون أن تمنحه في المقابل شعورًا بالراحة…
ابتعد بخطوات واثقة ظاهرًا، لكنه في داخله كان ممتلئًا بالضيق والتعب من كل ما يربطه بها. دخل الغرفة، وأغلق الباب خلفه بتنهيدة طويلة، كأنه يريد أن يفصل نفسه عن كل ما يذكره بها. تمدد على الفراش، واضعًا ذراعه فوق عينيه، ليس فقط ليحجب الضوء، بل ليمنع أي صورة من صور ميسون من التسلل إلى ذهنه… لم يكن الحب جزءًا من علاقته بها منذ البداية، كان يعرف ذلك… ربما اختارها هربًا من وحدته، أو لأنها كانت خيارًا عقلانيًا في مرحلة ضبابية من حياته لكنه الآن، وهو يجلس في هذه الغرفة الباردة، يدرك تمامًا أن تلك العلاقة لم تكن سوى محاولة فاشلة لإثبات شيء لنفسه، شيء لم يعد يتذكره أو يهتم به… كما يحدث مؤخرًا في لحظات السكون، تنطلق ذاكرته إلى وقت سابق، إلى حبٍ أولٍ كان مختلفًا تمامًا. كانت أمينة تلك الفتاة بسيطة، طيبة القلب، لا تعرف الخداع أو التلاعب. أحبها بصدق، بكل ما يملك من مشاعر شاب يافع يحلم بعالم لا حدود فيه… لكن فاق على كابوس أنها تعتبره شقيق، أو صديق
تفتحت عيناه على الحقيقة القاسية الحب وحده، مهما كان صادقًا، لا يمكن أن يفرض وجوده على قلب لا يبادله الشعور
عاد إلى الحاضر، إلى الغرفة الباردة التي يشعر فيها براحة أكبر مما يشعره قرب ميسون. لم يحبها يومًا، وكان يعلم ذلك منذ البداية. هي بالنسبة له كانت اختيارًا عقليًا، محاولة لإيجاد استقرار بعيدًا عن مشاعر قد تضعفه ..لكنه أدرك أن تلك المحاولة كانت خطأ آخر يضاف إلى قائمة طويلة من القرارات التي لم تكن في محلها.
جلس على طرف الفراش، ووضع رأسه بين يديه. لم يكن غاضبًا منها، بل من نفسه، لأنه سمح لهذه العلاقة أن تستمر رغم خلوها من أي حب حقيقي. كانت ميسون بالنسبة له مجرد شريك في معركة بلا رابحين، ولم يعد متأكدًا إن كان يستطيع الاستمرار أكثر.
ــــــــــــــــــــــ
فى صباح اليوم التالي
إبتسمت رجاء وهي تُخبر جنات:
خليل بيه تحت فى الصالون.
تنهدت جنات قائلة:
والله بقيت بتكسف منه، تعرفي قبل ما يقول لـ تاج إنه عاوز يتجوزني كنت باخد راحتي معاه فى الكلام عن دلوقتي.
إبتسمت رجاء قائلة:
تتكسفِ ليه، بالعكس المفروض يبقى بينكم تآلف أكتر.
تهكمت جنات قائلة:
تآلف إيه يا رجاء، أنا مش صغيرة أنا أم لـ شباب، وبصراحه كده حاسة إنى مش متقبلة حكاية الجواز مرة تانيه دي، فريد خد معاه كل مشاعري، حاسه هظلم خليل لو وافقت عالجواز كمان نظرة الناس ليا.
ابتسمت رجاء بحنان، محاولًة أن تهدئ من قلق جنات:
ما تيأسيش، يا جنات، مش كل شيء لازم يبقى حسب هواكِ خليكِ مفتوحة على الفرص الجديدة.
تنهدت جنات بمرارة، ثم قالت:
المشكلة مش في الفرص، المشكلة في نفسي أنا حاسة إني لو اتجوزت تاني، هبقي مثار سخرية
مدت رجاء يدها لتمسك بيد جنات برفق قائلة:
فريد مش هيرجع، لكن خليل ليه معاملة مختلفة بلاش تبقي قاسية على نفسك الناس دايمًا هيتكلموا، بس الأهم إنك تكوني مرتاحة في قرارك.
جنات ابتسمت ابتسامة ضعيفة وقالت:
“يمكن عندك حق، بس قلبي مش قادر يفهم الموضوع ده بسهولة.
بعد قليل بغرفة الصالون إستقبلت جنات خليل بترحيب
جلسا يتحدثان بمواضيع مختلفه الى ان تفاجئت حين أخبرها:
تاج هتوصل النهاردة المسا هي وجاسر.
تسألت بلهفه:
ليه انا مكلمه تاج إمبارح وكان صوتها مبسوط وقالت إنهم لسه محددوش ميعاد الرجوع كمان بتفكر تمد الرحلة.
نهض خليل من مكانه وجلس على مقعد قريب مقابل لها قائلًا:
السبب ميسون
ميسون إتصلت على جاسر وقالت له عن حكاية المعدات اللى إتكسرت وانتِ عارفة المشروع ده له أهمية كبيرة عند تاج،وقررت تنزل هي وجاسر.
تنهدت جنات بآسف قائلة:
المشروع ده كان أمنية فريد إنه يبني مُنتجع سياحي هناك ويروح يعيش فيه،بعد ما يطلع عالمعاش بس للآسف إنت عارف اللى حصل
قاسم دمر فريد كمان تاج.
تنهد خليل قائلًا:
بالعكس تاج قويت،كمان أنا شايف إن الامور بينها وبين جاسر بقت تمام.
تنهدت جنات بإرتباح قائلة:
ميسون حقيرة وعندي شك إنها لها يد فى المناوشات اللى بتحصل في الموقع، إتصلت على فايا من شويه قالت الوضع هادي، بصراحة بخاف من ردود أفعال فايا
بتتسرع وتتعصب.
أومأ خليل مُبتسمً:
لاء انا لاحظت هدوئها في الفترة الأخيرة، حتي لما كنا بنتكلم فى الأمن هناك إتكلمت بهدوء وعقل.
إبتسمت جنات قائلة:
هي فعلًا هاديه في الفترة الأخيرة، بخاف أوقات إن الرُهاب يجيلها وهي بعيد عني تأذي نفسها.
بتردُد مسك خليل يد جنات مواسيًا، يقول:
بلاش تشيلي هم إحتمالات كفاية يا جنات تفكري فى اللى حواليكِ وناسية نفسك جنات…
قبل أن يستكمل حديثه سحبت جنات يدها سريعًا بعدما سمعت تلك التي دخلت وتفوهت بشرر:
فى إيه بيحصل هنا.
توقفت جنات عن الحديث بسرعة، وعينيها تتسارع بين خليل وتلك التي دخلت فجأة، بينما خليل حافظ على هدوئه وابتسم بهدوء، لكنه شعر بالغضب من تلك المُنافقة… ونبرتها الهجومية.
ـــــــــــــــــــــــــــ
بمنزل والدةجاسر
استقبلته والدته بترحيب، كذالك ولكن لم تخلُ جلستها من التلميحات اللاذعة… لمحت إلى عودته السريعة، كآنها تساءلت عن السبب، وربما كان قصدها أن عاد سريعًا لأنه شعر بملل من رِفقة تاج… تجاهل جاسر هذه التلميحات وظل جالسًا مع جمال ووالدته، رغم أن هالة تعمدت تحريف الحديث نحو تاج حين قالت باستفزاز:
تاج مجتش معاك هنا ليه؟ يمكن المكان مش قد مقامها العالي، متعودة على القصور.
نظر إليها جاسر بغضب، ثم رد بصوت هادئ لكن حازم:
لا، تاج كانت مريضة وأنا اللي طلبت منها تروح البيت ترتاح، مكنتش عارفة إني هاجي هنا. وبطلي تلميحاتك السخيفة يا هالة، وبلاش تدخلي في حياتي مع تاج روزالينا قالت لي إنك كلمتيها، إيه هدفك؟ عايزة تضايقي تاج؟ مش عارف ليه حاطه تاج في دماغك كده.
ازدردت غيظها في صمت، لكنها لم تستطع إخفاء غضبها. أما جاسر، فقد شعر بإحباط من محاولة هالة التدخل في حياته الخاصة، وعرف أن ذلك لن يكون آخر تصرف استفزازي منها تجاهه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعد وقت
دلف جاسر إلى الغرفة، نظر نحو الفراش فوجده فارغًا، توقع أن تكون تاج بالحمام تخلص من ثيابه، وكاد يخلع بنطاله لكن
في تلك اللحظة، انفتح باب الحمام بخفة، وخرجت تاج، كأنها شعاع نور يخترق عتمة سوء مزاجه، نظر نحوها جاسر، وسرعان ما لمعت عيناه بابتسامة خاصة، تلك الابتسامة التي لا تعرفها سوى هي، وكأنها تعويذة تُلقيها عليه بحضورها الطاغي فى قلبه.. لها طلة تحمل مزيجاً من الثقة والرِقة، كل شئ بها له بريق خاص بدايتًا من خصلات شعرها الرطبة التي يلتصق بعضها بجانبي وجهها، وقطرات الماء تنساب حول عنقها كقطرات ندى فوق ورقات الزهور…
سُرعان ما لمعت عيناه بابتسامة خاصة كآن العالم ضاق ليشملها هي فقط، بادلته البسمة وهي تحكم المنشفة حول جسدها
اقترب منها ببطء، قائلًا بصوت خافت مليء بالدفء:
كنت متوقع ارجع الاقيكي نايمة، إيه مسهرك لدلوقتي.
ضحكت بلطافه وهي تمسح بيدها على وجهها التي رغم بعض الشحوب الظاهر على وجهها لكن بنظره فاتنه وأجابته ببساطة:
كنت براجع شوية ملفات، بس إيه اللى آخرك كده.
تلاقي الإثنان فتوقفا.. وضع يديه حول خصرها قائلًا:
مفيش الوقت سحبني.
تبسمت برِقة وغنج،كآنها أزاحت عن كاهله ذلك
العبء الثقيل، وذلك الشعور العابس الذي كان يُسيطر عليه، إنحني برأسه يضع قُبلة فوق عُنقها، إبتلت شفتاه من تلك القطرات التي مازالت عالقه بجسدها، بلمعة مكر فى عينيه فكر يُشاغبها بمرح ومد يده الى عُقدة تلك المنشفة يحاول نزعها عن جسدها وهو مُستمر بقُبلاته حول عُنقها
ولكنها أمسكت يده سريعًا، همست إسمه بخفوت، وهي تتجاوب مع لمساته لكنها، أمسكت يده بحزم، كأنها تحاول وضع حدٍ لاندفاعه… همست باسمه بنبرة خاصة:
جاسر… فى حاجه عاوزه أقولك عليها.
توغل همسها إلى قلبه، فتوقف للحظة، محدقًا في عينيها بعمق، وكآن الزمن توقف بينهما، لا شيء سوى صوت مشاعرهما ابتسم ابتسامة خفيفة، تحمل مزيجًا من العشق والاحتياج، ثم همس:
خليها لبعدين يا تاج…أنا فى اللحظة دي مش عاوز غيرك، بلاش نضيع اللحظة دي في الكلام، خليني أعيشها معاكِ للآخر.
مد يده يُمسد وجنتها برفق، وكآنها أغلى ما يملك، وهي بالفعل كذالك، قرات عينيه كل رد فعل بملامحها، ثم تابع بصوت يملؤه الشجن:
دلوقتي، خلينا نعيش اللحظة دي مع بعض.. أنا وأنتِ بس.
لم تعترض واكتفت بالتحديق فيه بعينين غارقتين في صراع العشق، وكأنها تقف على حافة بين العشق والخوف، بين ما في قلبها الآن من شوق ، وآثار ندوب سهام تركها الماضي فى قلبيهما…
رغم تلك المشاعر المتضاربة، لم تستطع مقاومة تلك اللهفة التي تتوهج في عينيه.. عانقته، كآنها تبحث عن ملاذ تغرق تمامًا في حضنه، رفعت عينيها تنظر له،
فأغرق جسدها بين ذراعيه، كآنها وجدت الأمان الذي لطالما تاقت إليه رفعت عينيها نحوه، غارقة في هيامها، وهمست باسمه بصوت خافت، يحمل كل ما في قلبها من عشق:
جاسر…
لم يكن الرد سوى قُبلات تُذيب المسافات، ولمسات دافئة تزرع الطمأنينة في قلبها حتى لو للحظات.. كانت قُبلاته هادئة أولًا، كأنها نسمات رقيقة تُلامس وجنتيها، لكنها سرعان ما اشتدت شوقًا، كآنه يحاول تعوض عن كل لحظة غاب فيها عنها.. أما يداه،فقد تجولت بحنان على ظهرها وخصرها
همس قرب أذنها بصوت مبحوح يفيض عشقًا:
ــ كل لحظة معاكِ ببقى مش عاوز أعيش غيرها.
تسارعت أنفاسها تحت وطأة قُبلاته، وكأنها تعيش اللحظة بكاملها، تُسلم قلبها وروحها لهذا الشعور الذي يأسرها.. حاولت أن تقاوم، أن تُبقي قدميها ثابتتين على أرض الواقع، لكن جسدها خانها، ووجدت نفسها تنصاع لشوقه كمن يستسلم لعاصفة دافئة.
ذلك ليس مجرد شغف عابر، بل حبًا عميقًا شكلهما معًا، شغف يمحو كل الألم ويغزل خيوط قوس قوية…
توقفا للحظة، لإلتقاط أنفاسهما، وضع جبهته على جبينها، يتنفسا بعمق، فى هذه اللحظة
كآن الزمن توقف، لا شيء في العالم سوى نبضاتهما المتسارعة، وصمتٍ يلفهما كغطاء من الحنين… لا يُفكرا لا بماضي ولا مستقبل، فقط حاضرهما الذي تشكل من دفء قلبيهما، وعُمق النظرات بينهم، وعهدٍ غير منطوق من كلاهما.