رواية اصرة العزايزة هارون وليلة الفصل الـ 16 و 17 بقلم نهال مصطفي

رواية اصرة العزايزة هارون وليلة الفصل الـ 16 و 17 بقلم نهال مصطفي

رواية اصرة العزايزة هارون وليلة الفصل الـ 16 و 17 هى رواية من كتابة نهال مصطفي رواية اصرة العزايزة هارون وليلة الفصل الـ 16 و 17 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية اصرة العزايزة هارون وليلة الفصل الـ 16 و 17 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية اصرة العزايزة هارون وليلة الفصل الـ 16 و 17

رواية اصرة العزايزة هارون وليلة الفصل الـ 16 و 17

كتب أحد الرجال الذين لم ينصفهم الحب :
-عزيزتي الجميـلة:
لقد أخطأت بحقنا عندما أحببتك بهذا العالم القاهر للغاية .. لو كُنا بـ عالم آخر موازي لانقلبت الموازين وتعانقت قلوبنا ..و كُنا الآن معًا نطل عليه من نافذة غُرفتنا .. 
أما هذا العالم مستبد لدرجة الجنـون ، فمن باب الرحمة بتلك القلوب المحترقة أن توضع قوانين لتحمي القلب قبل حماية المواطن .. ويحصل منها كل فرد على حقه من الحقوق العاطفية ، وينال كُل منـا مُراد قلبـه … ومن يسعى خلف تحطيم قلبين عاشقين يصدر عليـه حُكم الإعدام كما كان يسعى لفعل ذلك معنا ومع قلوبنا المُتيمة ..
#نهال_مصطفى .
••••••••••
-" اللهم أذهب البأس رب النـاس ، و اشف أنتَ الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك .. شفاء لا يُغادر سقمًا " 
طلب هارون من هِلال أن يصعد لأختـه ليرى ما بها بعد ما أكد عليه أن يرسل ريح الطمأنينة لقلبها بمجيئه إليها بعـد توديع الضيوف مع بقية أخوته ، ذهب هلال لعندها وأمر بمغادرة الجميع من الغُرفة فلم يتبقى معهما إلا هاجر ، ختم مراسم الرقية الشرعيـة بدعائه الأخير وهو يضمن رأسها لصدره ويمسح على رأسها بحنان زاخـر ، فطالع وجهها الباكي وأخذ ينفث بهدوء على ملامحهـا الذابلة فسألها :
-حسيتي حاچة !! 
تشبثت بكف أخيها وهي تشكو همها :
-مش عاوزة الچوازة تتم يا هلال ، جبـل يا أخوي وكاتم على نفسي .. عاوزة أصرخ وما قادراش .. 
بطرف كُمه كفكف دموع صغيرته المصبوغة بكُحل حزنهـا ، وهو يواسيهـا قائلًا :
-كُل هذا من العين أم هناك أسباب آخرى ؟ 
تدخلت هاجر بمزاح لتُلطف الأجواء :
-شكلها مش عاوزة تهملنا وتمشي ..
ثم فتحت ذراعيها لتضم أختها باحتواء:
-ولا أنا كمان قادرة اتخيـل البيت من غيـرك . 
رفع هلال رأسه ليُقبل جبين أختـه الحزينة وقال بدفء :
-مفيش حاچة هتحصل من غير رضاكي .. طمني قلبك بهذا  . 
في تلك اللحظة ؛ مال مقبض الباب الذي فُتح ليظهر منه هارون الذي تملص من حشد المعازيم المتزايدة وقال بحزم :
-هلال خد هاجـر واطلعوا ..
عارضته هاجر وهي تتشبث بأختهـا :
-لا مش ههملها يا هارون ، سيبني معاكم أنت مش واعي لحالتها .
نظر لأخيه بهدوء ما يسبق عواصفه ، ففهم هلال على أخيه فقال بصوت متزن :
-هاجر لا تجادليـن !! 
تقهقرت هاجر من جوار أختها بعد ما قبلت وجنتها وهي تقول بحزن وخيـم :
-متبكيش تاني وإلا هروح اخلص على ضيا دهون ونستريحوا منه . 
تبادلن الابتسامات الحزينـة حتى تمسكت هاجر بكف هلال أخيها وغادر الثنائي الغرفة ، أحكم هارون غلق الباب خلفـهم ثم دار لأخته فاتحًا ذراعيـه بحنان أب:
-خبر أيه !! حُصل ايه لده كُله !! 
ثم جلس على طرف الفراش أمامها وكفكف بإبهامه دموعها :
-دموعك دي تنزل وأخوكي في ضهرك !! أومال لو متت ؟! 
هبت بهلع :
-بعد الشر عنك يا خوي ، حِسك في الدنيا .. 
بنبرته الخفيضة أكمل :
-جرى أيه ما أنتِ كُنتِ زينه من الصبح وفرحانة ؟
-حاجة كتمت على قلبي يا هارون ومبقتش قادرة اتحمل هملت المكان وقومت  ، أنا مش فاهمة روحي ، ليّ شهور عاوز أبعد وكل ما افتح السيرة مع أمك تهت فيّ كإني عاملة عملة ، كنت بنزل المية بنفسي اذوق المراكب الواقفة عشان تسير وأقول معلش يابت بكرة ربك يحلها ويهديه أهي چوازة والسلام هتقعدي لحدت ميتى ..وهو كان يجي يضحك عليّ بكلمتين وبعديهم يقلب تاني ، تعبت يا هارون تعبت .. ومابقتش عارفة أعمل إيه!!!! 
تأرجحت عينيه بغضب دفين :
-صفية كانت عارفة كل ديه وساكتـه !! 
تدلت عينيها بانكسار على حالتها ، فأمسك بذقنها لترفع جفونه لعنده قائلًا :
-أبوكي وأخواتك حسهم في الدنيا ، وما عاش ولا كان اللي يكسر عينك .. 
ثم جلى حلقه وتعاهدت أعينه قبل الألسن :
-واثقه في أخوكي !! وواثقة في كلامه !! 
ردت هيام ملهوفة :
-لو قولت لي أرمي روحك البحر مش هفكر حتى.. 
-وأنا عمري ما هسمح بحاچة تضرك ، وكلمة من أخوكي الچوازة دي مش هتتم ، بس عاوزك تسمعي كلامي زين ! 
اتسع بؤبؤ عينيها :
-كيف يا خوي!! ده الفرح بكرة وخـ… 
-ويمين الله ما هيلمس منك شعره ، بس أنتِ فتحي مخك معاي وأنا هقول لك تعمـلي أيه .. 
لقد كانت لديه القدرة الكافية على احتواء وترميم شقوق روح الجميع أما عن مصائبه هو عاجز تمامًا … فقط كُل ما يحتاجـه المرء منا وبالأخص الأنثى هو والاحساس بالأحتواء والدفء وأن هناك كتف قوي يتلقى من عنها الطعنات؛ اكتفت بإلقاء رأسها على صدر أخيها وهي ترتجف من الحزن وتعتذر له :
-حقك عليّ يا خوي عشان هحطك في موقف محرچ زي ديه ، بس… 
ربت على كتف صغيرته بهدوء :
-بطلي عبط … أنا أرمى روحي في النار ولا دخانها يطولك . 
ثم تحمحم بهدوء لا يتناسب مع حرارة الموقف :
-قومي اغسلي وشك ونامي وسيبك من العالم اللي تحت وانا هتصرف معاهم …
••••••••••••••
~بالأسفـل … 
-"قالوا شقيـة قُولت من يومي ، قسمـوا النوايب طلع النايب الكبيـر كومي "
جلسـت صفية على أحد درجات السُلم وهي تنوح على بختها المائل بجملتها الأخيرة وسط السيدات اللاتي انقلبـن من اماكنهما ليواسوها ، فاردفت أحداهن :
-وحدي الله يا حچـة .. 
وضعت كفها على وجنتها وأكملت فقرة النواح على حال ابنتها :
-"لما قالولي ده ولد اتشد ضهري واتسند ، ولما قالولي دي بِنية جات الدِنيـا وحطت عليا .. يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات .. "
فأعقبت الأخرى :
-عين وصابتها يا خالتي متقهريش روحك ، بكرة هتبقى زي الفل والياسمين … 
مالت ليلة على مسامع أحلام التي تُسبح على أحجار مسبحتها البنية وسألتها بحيرة :
-طنت صفية بتغني ولا هي زعلانة كده ولا هي بتقول أيه ؟
صاحت "أحلام" بضيق كي تكف عن تعديدها :
-ما خلصنا يا صفية ، استغفري ربك وقومي اطمني على بتك .. وبطلي حديت فارغ . 
صاحت الأخرى بجهل وقلة دين :
-اللي تكوي قلبي ما تبقاش بتي يا أحلام .. بتي مش عاوزاني أفرح بسترتها ولما اشوفها في بيتها متهنية .. ياريتني چبتهم كلهم ولاد ولا حرقة القلب دي .. 
جاء هلال في تلك اللحظة وكلمات أمه تقع على قلبه كجمر يحرقه ، فاقترب من أمه واعظًا ومستدلًا بحديث الرسول :
-يا أمي لا يجوز لواحدة مثلك زارت بيت الله أن تقول أقوال جهالة .. ألا تتذكرين قول النبي "ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية"
لم تكف صفيـة عن ندبها :
-واللي عملته أختك ، دي عاوزة تجرسنا وچوزها زمانو چاي يهنيها ويتحنى .. هتخلي سيرتنا على كل لسـان .
-أختي لم تفعل شيء نخجل منه ، ويحق لها الاختيار لمن سيرافقهـا الدرب .. نحن معهـا على أي حال .. أختي لم تقترف ذنبًا واحدًا .. 
ألقت " رقية " نظرة لأمها كإنها تستأذنها للتحدث بما ما أعجبت بحديث ولطف هلال مع أمه ؛ فتدخلت قائلة برغبة منها  :
-يا خالة صفية متزعليش واسمعي كلام الشيـخ هلال .. 
ثم ألقت على وجهه المتدلي بالأرض وأكملت :
-أهم حاجة عندنا راحتها وفرحتها ، يعني هتفرحي لما تشوفيها متنكدة وقرفانة في عيشتها !!
-لا ، المهم تتچوز وتتسر .. 
فأكملت رقية بجملتها التي رُدت بقلب مولانا المغرم بصوتها :
-تتچوز وتتهنى وبعدين نقولوا دي اتسترت .. لكن تتجوز ووتتنكد إكده مسهماش سترة دي جُرسة ياخالة.. 
-الله يفتح عليكِ يا أخت رُقية .. 
قال جملته وهو ينهض من مكانه ليُقبل رأس أمه ويتأهب منصرفًا من مجمع النساء الذي اقتحمه إثر ثرثرة أمه الباغضة وقال :
-بالأذن .. استهدي بالله وقومي توضي وصلي وربك يرسل تيسيره إلينا …
ثم انحنت رأسه بالأرض تحت أعين بعض النسوة الخبيثات :
-تأمري بشيء يا أخت رقيـة ؟
أحمر وجهها وقبل ما تجيبه تدخلت زينـه لتقول بقلة حياء :
-هتعوز أيه يعني واجبها واتاخد - ثم صاحت بالباقية- ولو سمحتوا الحنة باظت ومفيش عروسـة يلا يلا كل مراه على بيتها أهل البيت عاوزين يرتاحـوا … المولد فض . 
كظمت رقية غضبها من بجاحتها واكتفت بنظرة ثاقبة لها وهي تزيح كفها من عليها وبدون أي كلمة تخصها ، فخير رد على السفيه الصمت ، استغفر هلال بسـره وهو يعلن انسحابه فأوقفه زمجرة صوت هارون أخيه الواقف بمقدمة درجات السُلم وهو يقول بتأدب  :
-"العروسة تعبانة شوية من الشقى  ، وبكرة مستنينكم على الفرح في معاده ، نورتونـا … "
رمقه هلال بنظرات معارضة سايسها هارون بإشارة منه بأن هناك أمر جديد لا يعلمه ، وثبت صفية لتستنشق نسـيم الراحة وهو تصدح بالزغاريـد :
-يعني الفرح هيتم !! يا فرحة قلبي .. مش قولتلكم چلع بنته !! بتي متعملش في أمها إكده واصل ، ربنا يخليكي لقلب أمك يا هيام …..
•••••••••••
~السـاعـة الثانيـة بعد منتصف الليـل .
نام الجميع من الساعة العاشـرة مساءً ، كان الهدوء يـعم النجع بأكمله لا يقطعه إلا عواء الذئاب ونباح الكلاب ..اجتمع الأخوة بالحديقـة حول بؤرة النيران المتقـدة للتدفئة حتى قص عليهما هارون كل ما يتعلق بأمر أخته .. قفل هاشم هاتفه إثر رنين رغد المتواصل بعد ما ارسل لها جملته الأخيرة " هكلمك لما اطلع " وقال بنبرته القاطعة كالسيف:
-وكيف صفية تسكت على الكلام ده لحدت ما ورطتها !! هي مش هيام كانت حباه ورايداه وهو ديه اللي خلانا نحطو مركوب ونوافقوا بيه  !
فأكمل هيثم مغلولًا :
-الناقص، ورب الكعبة ما هعتقده يا هارون.. 
لم يكف هلال عن ذكر الله الذي يفرغ به دخانه غضبه المحترق ، فقال :
-الجزاء من جنس العمل .. وهو يستحق كل ما يناله منا .. يستغل عرضنا ليؤذينا فيه .. الدنيء.
فتدخل هيثم مقترحًا :
-أحنا نروح له بربطة المعلم ونرنه العلقة التمـام لحد ما يقول حقي برقبتي ويطلقها ، أنا مش هسيبله أختي يا هارون ..
فتدخل هاشم بحدة :
-محدش هيسيبها ، الواد ديه لازمًا يتصفى ويشقش عليه نهار ، ودي سيبهوالي . 
تقابلت أعين هلال وهارون المتزنـة والتي تُحكم عقلهـا حتى ترجم هلال مقصد أخيه وقال :
-المچلس أنا هحلهـا ، بس التسچيل مش حُجة يُأخذ بهـا .. 
أشعل هارون سجارتـه بهدوء وهو يهز رأسه عالمًا بسير بخُطاه :
-عالم حسابه ..
قاطعهم هاشم الذي يحترق داخله كما تحرق النيران الفحم أمامهم:
-أنتوا أيه البرود اللي أنتو فيه ده !!! أنا هروح بيتهم أخلص عليه الـ*** ابن الـ*** .. 
فوثب هيثـم متحمسًا :
-وانا معاك ، أحنا نروح نولعو فيه وفي دارهم وفي اللي معرفوش يربوه .. الناقص ولِد الـ***، جاي يلعب مع أسياده ..
وقف هارون ليثبط من ثروة أخوته برزانة :
-اللي عدى البحر في سفينة نايم .. غير اللي عدى وسط القروش عايم .. يعني اركزوا عشان أنا عارف هعمل أيه لان لو غلطة واحدة هتغرقنا كُلنا ..
عارضه هيثم :
-يعني ايه يا هارون ؟! ما تفطمنا يا وِلد أبوي ؟ 
-يعني تروح تنام أنت وهاشـم والصُبـح هتعرفوا . 
عارضه هاشم بضيق :
-ما دامت عارف هتعمل ايه قولت لنا ليه من أصلو ،، هارون افهمني اقطع عرق وسيح دمه أنا عاوز اختي تترمل ، أحسن من ندخلو في حوارات ومجالس وو 
-وأنا قدامك مش عتحنجـل ، قولت لك الموضوع خلصان ومحدش هيفتح خشـمه .. روح نام واشبع نوم .. 
ثم سحب عباءته الصعيدية بنفور وقال :
-بالإذن … 
تراقصت النظرات الحائرة بينهم حتى أيده هلال قائلًا :
-اسمعوا كلام هارون هو عارف عيعمـل أيه .. 
ثم ربت على كتف هاشم قائلًا :
-مش بالباع والذراع ، المخ له أحكامه يا سيادة الرائد .. 
انتظر هثيم رحيل هلال فجهر مقترحًا على أخيه :
-أنا عارف فينو دِلوق ، تيچي نخلصـوا عليه ونتاووه في أي بير !
هناك مقولة عسكرية تقول : 
"إذا كان الطريق آمن فاعلم أن هنالك كمين" صحة هذه المقولة لمْ تثبتها الأحداث التاريخية فقط بل أثبتتها حتى المعاملة اليومية بين أبناء البشر! فإذا ما قابلت شخصًا كُلُّ صفاته الظاهرة نزيهة، ولا تدع في قلبك مجالًا للشك، فإنّك حتمًا وبموقفٍ واحدٍ _ربّما_ سيتّضح لك أنّك كنت على خطأ، وأنّ تلك الثقة التي قمت بمنحها قد صُنع بها كمينًا محكمًا للإيقاع بالمخدوعين أمثالك .
هرب هارون لجُحره الخاص وعالمـه الذي يهون عليه مرارة العيش ، فتح باب غُرفتـه الخشبيـة وأشعل إضاءتها وتحرر من كل ملابسه الصعيدية التي تشد أغلالها على عنقـه ، فتح خزانته الصغيرة وأخرج ملابسه الرياضيـة .. توضأ وصلي ما فاته من فروض أثناء يومه ثم أشعل النيران للتدفئة ووقف ليعد كوبًا من القهـوة يبدو أن هناك أمرًا يشغل رأسه فيود أن يصرف شبح النوم عن عينيـه حتى يتلقاه …
وعلى الجـهة الأخرى ؛ كانت ليلة متيقظة فهي لم تعهد النوم مبكرًا مثلهم فلم تنل إلا قسطًا قليلًا من النوم ونهضت على اتصال أمها التي لم تتوقف عن الرنين ، بعد ما انهت تلك المكالمة التي لا تخلو من الاوامر والتأكيد على تناول الأدوية بانتظام و التي اعتادت أن تنساها في الفترة الأخيرة .. فتحت باب غرفتها المُطل على الحديقة بعد ما ألقت وشاحًا على كتفيـها وأخذت تتفقد المكان بيأس .. تاه بها الفكر حول أي سبب آتى بها لهنا ؟! وأي قدر أوقعها مع أشخاص مثلهم ؟! وأي مجهول ينتظرها ؟! 
وهي تسير تحت ظل النجوم المختبئة وراء الغيوم كإختباء قدرها المجهول تقاوم صدح تذبذب الجرعات السامة برأسها فـ بدّ لها قرص القمر الساطع يتلألأ نوره في خد السمـاء ، اتسعت ابتسامتها بمرحٍ وهي تقول بصوت مسموع يملأه الانبهار :
-واو !! القمر مكتمـل يعني الخواتم  المفروض تكون اختفت في الوقت ده !! معقولة ؟ 
كان القمر ينعقد ضوءه فوق سطح غرفته المفتوحة والتي ينعكس منها النور فتعلن وجـوده ، مددت أنظارها للباب الموارب فخفق قلبها بدون أدنى إرادة منها بنبضة مجهولة لا تعلمهـا ، سارت خطوتين إليه ولكنها تراجعت برجفة قلب أصابتها :
-لالا .. عيب ميصحش آكيـد نايـم .. 
ولت ظهرها معلنةً غروبها من اي مكان يجمعهما معًا ، فـ ظهر من باب حجرته وهو يرتشف قهوتـه وهنـا انعقد حاجبيـه باستغراب ، فنادى جاهرًا :
-أنتِ !!!! 
تمنت ولو الأرض تنشق في تلك اللحظة وتبتلعها ، ما هذه الصدف التي تآمرت عليهمـا ؟! ما تلك الورطة التي وقعت بها في تلك الساعة التي تضم القمر والغيـوم ورجل مثير للفضول مثله !! أخذت نفسًا طويلًا وهي تدور نحوه وتدنو منه بخطوات مترددة :
-أنت لسه صاحي !! 
هبط درجتي السُلم الخشبي وقال متسائلًا :
-فين المُشكلة ؟! 
ردت مبررة :
-المفروض بكرة عندك يوم طويل وكمان النهاردة كان متعب ، وبتشرب قهوة في الوقت ده ،قصدي ترتاح شـوية عشان صحتك .
ارتشف رشفـة من فنجانه وهو يعقب على حديثها بشموخ :
-لا الصحـة بومب. 
ردت بعفوية :
-يبقى تحافظ عليها ، مش تضيعها  !! 
رفع حاجبه مع تلك الابتسامة الخفيفة وأكد :
-قولت لك بومب …
أحست بالارتباك قليلًا فسحبت من يديه كوب قهوته التي أحبتها كثيرًا  وأخذت منها رشفة بدون استئذان لتقول بمزاح يتنافس مع براءة ونقاء قلبها لا تقصده منه أي شيء :
-هشرب من كوبايتك عشان تجري ورايا ..
استقبل جُملتها باعتراض قطعه سيف حاجبه المرفوع :
-لا ياشيخة ؟!
-أنتَ مش مصدقني !! دي أسطورة شهيرة جدًا ، بتقول أن لو واحدة شربت من كوبايـة واحد أو العكس ؛ كده معناه أنه هيقع في حبها من أول وجديد وهيفضل العمر كله يجري وراها ومش هيشوف بنت أحلى منها .. 
ثم وضعت الكوب بيده وأكملت بثناء :
-وبعدين دي هو كل كلمة أقولها كده تقف عندها ؛ منا كلامي واضح أهو ؟! فين المشكلة مش فاهمة ؟! 
مال إليهـا وهو يُطيل النظر بعينيها الخضراء :
-أهي هي دي المشكلة في حد ذاتها ؛ مشكلتك حافظة مش فاهمة .. 
تعلقت بسحر عينيه التي تقرأ تعويذة الحُب عليها لتقول بخيبة أمل مواجهة تلك الحقيقة التي تحاول الهرب منها  :
-يعني أنت كمان شايفني فاشلة زيهم  ؟! 
خربشت قطته على جدار قلبه بسؤالها ، فـ رد بنبرته الهادئة وهو لا يفارق موجة عينيها المتقلبة :
-أنتِ مش فاشلة ، أنتِ لسـه يومك مچاش .. 
‏حقيقة: " فقد يهبط القبول قبل الحبّ بمدة" فيكونُ على هيئة انشراحٍ عجيبٍ وأُلفة غير مفهومة، وتلك منزلة عزيزة تُساق إليها قدرًا ولطفًا؛ لا بسعيٍ منك ولا سابق اجتهادٍ وترصّد.. مازالت "ليلة" تحت سُكر تلك النبرة الهادئة الجميلة التي تملك دفء وبرودة الغيوم وعزف النجوم :
-ولما يجي هنجح وكُل الناس هتشاور عليـا وهكون مبسوطة ! 
-لو قلبـك مستني كل ديه مسيره هيقابله ..
فأخذ نفسًا عميقًا وأكمل :
-وما زرعَ اللهُ في قلبِكَ رغبةً ‏في الوصُول لأمرٍ معيَّن .. ‏إلا لأنه يعلمُ أنك ستصلُ إليه.
تجلى حلقها الذي جف من نار ونور ذلك الحديث الدائر بينهم لتسأله بعفوية :
-وأنت قلبك قابل اللي كان مستنيه زمان ؟.
-أنا عمر قلبي ما استنى حاجـة عشان يقابلهـا .. أنا غيرك وغير أي حد .. أنا رامي قلبي تحت رچلي . 
‏غسان كنفاني اختصر القصة كلها لما قال :
أنا لا أستطيع أن أتحمل خذلاناً جديداً، ولو كان خذلاناً تافهاً .. هكذا هو حال شخص مثل هارون ، خذلته الحياة حتى أجبر على خلع ماتور الشعور بهذا الجسد كي لا يُعذب مرة آخرى ، عارضته ليلة السابحه بمعالم وجهه التي لم تكف عن تأملها :
-بس ده مش صح .. 
انتبه لتصبب قطرات العرق من جبينها التي توحي بارتباكها الشديد من حرارة نظراته التي ذوبت ملوحـة حزنها وطرقت على باب المجهول ؟! باب الحب أم باب العذاب يا ترى ؟! 
عاد له رُشده على الفور ، كمن نزع حذائه وحملق بالسمـاء وسارت قدميه الحافية على الرمل بدون وعى حتى ابتلت أقدامه كإنذار له عن الغرق ففاق للتو وتشتت عن أمر شروده ، تحمحم وهو يولي ظهره محتجًا بترك الكوب بأي مكان :
-لو مش هتنامي تعالي نشوفوا حابة تروحي فين عشان تصوري . 
ردت بصوتها المتهدج وهي تراقب بُنيته القوية التي تفتقدها بجسدها الضعيف وقالت :
-شوف أنتَ ، أنا معاك في أي حاجة … 
هرول للعودة لغرفته وفرغ محتوى الرفوف بطاقة غريبـة ، يبدو إنه كان يود الهرب من أمور كثيرة فتمسك بطرف اجتماعهما معًا .. أعطى لها كتابًا خاصًا بمعالم "قنا" وطلب منها ان تطلع عليه وهو الأخر مسك كتابًا ورزع بذور أعينه المحملة بـ داء التطلع لها بصفحات الكتاب ، فما سيثمره يا ترى ؟!!! 
مرة قرابة النصف ساعة فثاوبت ليلة وأحست بالملل من كآبة ذلك المحتوى الذي يقع بين يديها ؛استند مرفقها على سطح الطاولة التي تجمعهما ساندة وجنتها على راحة يدها وهي تتأمله بنظرات لم تعلم أنها تسحبها لقعر حُبه ، كان منشغلًا بالكتاب الذي بين يديه مرتديًا نظارته الطبية وما أن شرع في قلب الصفحة فتزحزحت عينيه عن ورقات الكتاب لورقتي أعينها المنفرجة نحوه وهي تقول :
-لايق عليـك جدًا تكون دكتور في الجامعة.. 
تحمحم بهدوء متجاهلًا خربشاتها على جروحه وسألها :
-خلصتي الكتاب اللي معاكي !! 
-تؤ…
أصدرت صوتًا نافيـًا ثم أتبعت :
-لا طبعًا ، لو خلصت أنتَ كتابك ، خُد خلص ده كمان عشان أنا بصدع بسرعة ! 
رفع ذلك الحاجب الذي يسبقه في أي اعتراض وسألها :
-وأنتِ هتعملي أيه لما أخلص كُل الكُتب دي بروحي !! 
هزت كتفيها ببراءة :
-مش لازم أعمل حاجة ، بس ممكن أحكي لك عن شهرزاد وقصص ألف ليلة وليلة وأنت بتذاكر ! 
رد متعجبًا:
-فاضية أنتِ تقري قصص لكن مش فاضية تعرفي لك معلومة تنفعك  .. 
هبت من مكانها لتنتقل لمقعد آخر أقرب له وقالت بحماس :
-ده كلام مفيد جدًا ، أنا أصلًا واقعة في حُب شهرزاد !! اسألني ليه يلا .. 
قفل الكتـاب مرغمًا ومغرمًا لينصت لها وقال :
-اشمعنى ؟! 
تكورت يديها المسنودة على الطاولة تحت ذقنها وهي تمارس على تمرده سحر النظرات وقالت :
-عشان هي الوحيدة اللي خلت الملك يتوقف عن بحور الد.م اللي كانت مغرقة المدينة في الوقت ده ، عارف ليه ؟! هقول لك أنا .. 
ثم سحبت كتاب التاريخ من تحت يدها بعبث وقالت :
-لأنها الوحيدة اللي حبها …. تحب أحكي لك ؟! 
هـنا لقد دق هاتفه بالرسالة المنتظرة التي سحبته من سطوها لهاتفه وهو يتفقده بلهفة حتى صاح فارحًا :
-ينصر دينك … 
فرمقها بسعادة بالغة تتلألأ من عينيـه وهو يغادر مقعده ليجري مكالمة تليفونية ويخبرها :
-وشـك حلو عليّ .. 
رمقتـه باندهاش عندما وجدته يغادر المكان :
-حصل أيه ؟! فهمني طيب ..
••••••••••
قضت ليلة بعض الوقت مع هارون حتى استقر الاثنان على مكان زيارتهم الجديد ثم عادت لغرفتها مع أذان الفجـر على صـوت الشيخ هلال الذي أشادت بجمال صوته ، ما أن رأتـه يتوضأ كي يستعد للوقوف بين يدي ربه ، أصابت الغيرة قلبها فطلبت منه أن تستأذن لتأدية الصلاة في غُرفتها وتدعه يرتاح قليلًا … 
انفلق الصباح وانفلقت معـه حكايات جديدة وأقدار لا يعلمها إلا الله .. بدأ اليوم من منزل " بكر فياض " الذي يرن قعر صـوته بالبيت بأقذر المصطلحات الدنيئة وتطاولـه المستمـر على أهل بيته ، جاءت زوجته حاملة كوب الشـاي بغل ووضعته أمامه على الطاولة وقالت بنفاذ صبر :
-ينفع توطي حِسك عشان البت نايمة .. 
رفثت قدمه الطاولة بما عليها وطالت يده زوجتها وهو يلعنها قائلًا :
-يعني ايه وطي حسك ؟ ديه بيتي واللي مش عاچبه يغور في ستين داهية ؟! هو أنتِ هتقوليلي أعمل أيـه ومعملش ايه ؟! 
ظل يفرج حممه البركانية من الغضب بتلك المسكينة التي مسحت الأرضية المبللة بدموع عينيها وملابسها ، سحبها من شعرها بقوة وظل يعنفها بجنـون ثائر ، كانت تصرف وتستغيث ولكن لا حيـاة لمن تنادي عليه ولكن الله الواحد القاهر يطلع على كل شيء .. دفعته بكل قوتها كي تهرب من سطو اثره وهي توبخه :
-فالح تعمل رجل عليّ روح اتشطر على اللي فتحت نفوخك وقعدتك في البيت زي الولايـا ..
لم تستطع الهرب من تحت يده بل فرغ فيها بمنتهى الوحشة تجبره وقوته الجسدية التي ميزها الله بها ليحميها لا ليستقوى عليها حتى تصبغ جسدها بكدمات الشر الزرقاء والحمراء …..
~وعلى الجهـة الأخرى :
تقف " رُقيـة " مع أمها بالمطبخ التي تغسل الصحون وهي لم تكُف الحديث عن هِلال الذي شغل حيزًا كبيرًا من رأسها ، قضمت ثمرة الخيار التي بين يدها المضمومة :
-عارفة ياما أنا أول ما شفت هِلال كأني شفت عفريت و مكنتش طايقاه ، بس بعد موقفه الچدع معانا ووقفته قصاد بكر ، كبر قوي في عيني وحسيته جدع ، وشوفتي كمان وهو عيتحدتت مع أمه !! أخلاقه عالية قوي ..
فتحت أمها الصنبور وهي تغسل ما بيدها وتقول بخبث :
-والله الراجل من ساعة ما شوفته وهو دخل قلبي .. ده مفيش زيه فالعزايزة كلهم .. أدب واحترام .. وحلاوة وعينه معتترفعش من الأرض .. يابختها يا هناها اللئ مكتوبـلها.
هزت رقية كتفيها باستنكار وهي تنفي تلميحات امها :
-آكيد مش أنا  ، أنا أصلًا مش هتچوز وهعيش العمر كله جارك .. أنا بس عحكي معاكي والكلام جاب بعضه .. وأصلا مش حِلو ولا حاچة دي لحيته وأكلة وشه .. 
ثم اقتربت منه أمها وقبلت وجنتها وأكملت بشغفِ :
-بس لما بشوفه قلبي بيدق بسرعة ، وبحس نفسي عبيطة قوي قدامه .. يمكن عشان هو هادي زيادة عن اللزوم وأنا أصلًا هبله ؟! 
قفلت أمها الصنبور وهي تتراقص على اوتار قلب ابنتها التي تنكرها :
-لا يابت بطني ميتة عاوزاكي تخللي چاري ، أعيش وأشوفك متهنية في بيت عدلك ، وياخد بكر ولد فياض ويريحنا .. 
ثم غمزت بطرف عينيها :
-ويچعل من نصيبك اللي دق له قلبك يا هبلة يا بت الهبلة .. 
أحمر وجهها بحياء وهي تفرغ خجلها بالخيارة :
-وبعدهالك ياما .. 
-متتكسفيش يابت ، دا أنا أمك ومحدش هيعرفك قدي .. 
قبلت رقية أمها بثغرها الضاحك شاكرة القدر على وجودها بحياتها ثم عادت لتروي لها عن تفاصيل أمس:
-شوفتي اللي اسمها زينة ، يا بوي منيها ياما ، بت سماوية قوي ، أنا مش عارفة كيف خالتي صفية مصرة عليها، ده حتى هارون ديه وِلد خلال ويستاهل الخير..
ردت صفاء بعد اقتناع :
-بت أخوها ولازمًا تچوزها لواحد من عيالها .. أومال هتسيبها وتسيب الخير اللي وراها لمين ؟ 
-وهما ناقصين خير ياما !!
-البحر يحب الزيادة يابتي ..
ختمت صفاء جملتها وهي تتأوه ممسكة بقلبها الذي عاد مرة آخرى ليؤلمها مستغيثة بابنتها :
-ألحقيني يا رقية يا بتي .. قلبي رچعت له الحالة من تاني و مش قادرة .. وديني الوِحدة يابتي ….. 
جن جنون رقية وهي تتحرك كالفاقد لعقله بالبيت ، وضعت وشاحًا فوق رأسهـا وأخذت مفاتيح سيارة أبيها ذات الطراز القديـم ، وهرولت بأمها للمستوصف الخاص بالنجع وهي تبكي تارة وتمنحها الأمل طورًا …..
••••••••••••
مر اليـوم سريعًا كل شخص منهم مشغولًا في مهام يومـه .. يوم نمطي لأي عروس بنجعهم ، الذبائح والولائم والازدحام والمارة في كل صـوب وحدب وجمهرة الأصوات ، الجميع يتحرك على قدم وساق والكل يتسابق مع عدد الساعات لينجزون ما يمكن انجازه …. 
قرعت الطبـول بعد صلاة المغرب ، وفرشت الأراضي بالورد والرمـل ، وتوافد المعازيم من كافة القبـائل المجاورة والمعروفـة .. تزينت العروس وهي تحت تأثيـر صدمتها حول كيف سيخلصها أخيها من ذلك المأزق ، لم تجب على اتصالات ضيا المتكررة حتى فاض بها الصبـر وقفلت هاتفها وهي تتساءل عن أخيها ؛ أين هو ؟! 
جهزت صفيـة مائدة عشاء العروس وأعطت له مفتاح البيت لهيثم كي يرسلها لبيت أخته بسيارته مع فردوس .. نفذ هيثم ما طُلب منه بنفور ، الأربع أخوة لم يلامس الفرح وجوههم ، بل كان الصمت يعُم الأجساد … 
قضت " ليلة " نهارها نصفه نائمة إثر تناولها جرعة الدواء القاتل لخلايا مخها والنصف الآخر جاءت لتُرافق أحلام الجالسة بمفردها بغرفتها وتتبادل معها الحديث …. 
أما عن "نغم" التي اغتالت مشاعرها وجاءت لحضور حفل الزفاف إثر إلحاح زوجة خالهـا ، كي لا تكن مضغة الأفواه .. كانت تتحاشى النظر تمامًا عن طيف هارون ، حتى الحوار الذي كانت تتعمد أن تخلقه معه ، اغتالته مع شوك مشاعرها …
مرت الساعات ولم يخلٌ الفرح من تهامـس وتنمر النسوة عن حادث الأمس وعن رفض العروس للزواج ، كانت هيام جالسة على مقعد العروس بصمت منتظرة مجيء عريسها ليأخذها لبيتهما كمن ينتظر قدوم قابض الأرواح .. الجميع يتحرك أمامها ويقومن السيدات بادعاء المعازيم للعشاء افواج أفواج وراء بعضهـا ومن بعدها يعودون ليضعوا نقوط العروس بذلك الصندوق الكائن بجوار قدميها كمباركة لها  .. الكل منشغل عنها أما هي وقلبـها لا يشغيلان بال أحد …
اقتربت منها " ليلة " التي ترتدي ملابسها العصرية لتجلس بجوارها بالكوشة وتربت على ظهرها :
-أنا واخدة بالي إنك مش مبسوطة ومدايقة ، أنا نفسي اساعدك بس مش عارفة إزاي؟
يبدو أن القلوب المتألمة تُنادي بعضها وتنجذب لبعضها البعض ، رمقتها هيام لتقول بخزي :
-عمري ما اتخيلت أعيش اليـوم ديه ويكون جوايا الحزن ده كُله … 
أشفقت ليلة على حالها :
-طيب ليه سكتي كل ده ؟! 
-النصيب ؟! ليلة ، هارون  أخوي فين؟! 
ليلة بحب لمساعدتها :
-تحبي أكلمه ؟! 
هنا لاحظت زينـة حديث هيام مع تلك الغريبة التي تشعل النيران بصدرها ، فاقتحمت مجلسهم :
-جرى أيه يا عروسـة ؟! هنقضيها حكاوي وحواديت مفيناش راس !!و مش فاضيين دي الليلة ليلتك وهنيالك هتنامي في حضن حبيبك …
ثم رمقت ليلة بتخابث:
-عقبالي يارب أنا وهارون وساعتها انا مش هبطل رقص لحدت ما يطلع علينا نهار ..
زفرت ليلة باختناق من ثرثرة زينة العبثية :
-ممكن تحترمي حزنها شوية !! أنتِ مش واخدة بالك أنها مضايقة ؟! بلاش أسلوبك الأناني ده .. 
صاحت زينة بامتعاض وهي تلوح بذراعيها :
-البيت بيت أبونا والغُرب چايين فيه يربونا !! 
ردت ليلة ببراءة :
-ااه لما تكوني بقلة الذوق دي يبقى لازم الغُرب يعلموكي الأوصول ..
ثم نظرت لهيام مستأذنـة :
-انا هكلم هارون بيه أقوله هيام بتسأل عليك .. 
وقفت زينة أمامها بإعتراض:
-وأنتِ تكلمي هارون چوزي ليه ؟! في ايه بينك وبينه …
تدخلت هيام التى فاض صبرها من حماقة زينة :
-أنا اللي قولت لها يا زينة ؛ ينفع تُسكتي وكفياكي حديت ..
لوحت بهاتفها أمامها وقالت :
-والله ما حد يكلم هارون غيري .. -فرمقت ليلة بسخط -اقعدي ريحي روحك من الفرك رجليكِ دابت ..
تمتمت ليلة بضيق وهي تشكو لهيام :
-بني آدمة لا تُطاق بجد ! 
حاولت زينة الاتصال بهارون مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى عادت لهيام حاملة خبز خيبتها الساخن وقالت :
-ماعيردش ، شكلو مشغول مع الرچالة .. 
في تلك اللحظة فتحت " ليلة " هاتفها الذي يزاحمه الأنوار والغلاف الخارجي المفعم بالرسومات وهي تحرك أظافرها المزينة لتهاتف هارون وشغلت مُكبر الصوت وكأنها أعلنت الحرب على زينـة ، وضعت ساق على الأخرى ومع ثالث جرس للمكالمة آتاهن صوت هارون قائلًا بعجل رغم الازدحام حوله :
-اتفضلي يا أستاذة .
ضرب الغضب برأس زينة واتسعت ابتسامة ليلة التي وضعت ساق فوق الأخرى بانتصار وهي تقول بنبرتها المتغنجة التي تعزف على كمان قلبه  :
-يا حضرة العمدة ، هيام عايزاك ممكن تيجي لعندها دلوقتي  .
رد باختصار :
-قوليلها متفكريش كتير . 
سحبت زينة الهاتف من يد ليلة عنوة :
-هارون أنتَ اشمعنا رديت عليها وعليّ انا لا ؟! 
جز على فكّيه بامتعاض:
-كنت مشغول ولما فضيت رديت .. سلام يا زينة .. 
كانت ليلة تربت على كتف هيـام بحنان ، ففاقد الشيء هو الوحيد الذي يمنحه وبقوة وقالت :
-انا مش فاهمة حاجة بس هو بيقولك متفكريش كتير ، اسمعي كلامه هو لما بيقول حاجة بيكون أدها …. 
عادت زينة لـ ليلة المنشغلة بالحديث مع هيام وألقت لها الهاتف قائلة بغيظ:
-محمولك ، وأبقي امسحي رقم چوزي من عندك عشان أنا عغيـر عليه ؟!
ردت ليلة متعمدة إثارة غضبها وهي تفارق المكان كي لا تصطدم معهـا  :
-لا ده عشان بس انتِ مش واثقة في نفسك يا زينة … اللي بيني وبين حضرة العمدة شُغل وبس . 
•••••••••••••
~المشفى . 
-طمني يا دكتـور ، أمي مالها هي مش هتروح معاي ؟ 
خرج الطبيب من غرفة الفحص وقال بحزن :
-انا طلبت الإسعاف تيجي تأخدها لمستشفى الجامعة ، عشان لازم تتحجز هناك .. 
-طب فهمني هي مالها ؟
رد الطبيب بأمل :
-اطمني ، هتعمل الأشعة والتحاليل اللي قولت عليهـا وهنحدد حالتها بالظبط .. 
ثم تدخلت الممرضة مقترحة :
-تقدري تروحي تجيبيلها هدوم ووكل عشان هتتحجز في المستشفـى مش أقل من يومين .. 
جففت رقية عبراتها وهي تحس بالوحدة وثِقل الحمل عليها فقالت للممرضة موصية :
-خلي عينك عليها بالله عليكِ ، هروح أجيب طلباتها وخالتي چايلها دِلوق ، متهمليهاش واللي عاوزاه أنا هديهولك .. 
ربتت الممرضة على كتفها لتطمئنها :
-اطمني والله في عيني .. 
هرولت رقية الباكية لتغادر المشفى وتعود لبيتها لتحضر الملابس والثياب الشتوية والكثير من النقود المحفوظة بالخزانة من تحصيل إيجارات الأراضي .. تشعل كشافات سيارتها القديمة لترى الطرق الخالية من المارة إثر اجتماع أهلة البلدة كلهم بدوار العمدة .. فلم يشغلها شيء إلا العود لأمها في اسرع وقت ..
وصلت رقيـة البيت فهبطت من سيارتها وهي تركض وتدعو ربها أن يحفظها لها أمها ، بعد محاولات كثيرة من يديها المرتجفة آخيرًا فتح الباب ، دعت المفتاح بداخله وهرولت لأعلى بدون وعي …. 
ومن الخلف ، ظهرت تلك الأعين التي تتلصص النظر أمام بيتهم ، تجرع آخر جرعة من زجاجة السُكر بيده ثم مسح فاهه بكُم جلبـابه وهو يخطو نحو بيتهـا بخطواته التي تحمل لهب الانتقام متبعًا نصيحة أحد رفاق السوء " اغتصب من تُحب وسيزوجها لك عرف العزايزة قسرًا لأنها باتت ملكًا لك  " .. 
وقف على أعتاب البيت يراقبه بأعين الذئاب التي على موعد مع فرائسها ، منتظرًا اللحظة المناسبة للاقتحام ولقد حان موعـدها لشره .. خطوة واسعة من قدميـه المغبرة بداء الانتقام وكان بداخل بيتهم وهو يحكم غلق الباب بقوة ويحكم غلقـه بالمفتـاح .. 
فسقط صندوق النقود من يدها وهي بغرفة أمها وأبيهـا بهلع عند سماعها صوت قفل الباب :
-مين چيه تحت ؟!!!!!!!! 
•••••••••••••
~عودة لدوار العزايـزي . 
قيل :
"ستخوض غمار كل شيء حتى تؤمن أنك لن تُدرِك الأبد، ولن تبلغ الجبال طُولاً، وأنّ مغانمَ العمر في خلوِّ البال، وتمامِ الصحّة، وأيامٍ محايدةٍ تنام إثرها موفورًا بالرِّضا والأمان."
وصل ضيـا وصُحبته إلى البيت وأعلن ناقوس الفرح والغنـاء بساحة البيت الواسعة ، تلألأت طلقات النار في الهواء والجميع يغني ويتراقص ، مال الحج خليفة على مسامع ابنه هلال :
-أومال أخواتك فيـن يا ولدي مش واعي لولا واحد فيـهم ؟! 
رد هلال بهدوء يُحسد عليـه :
-الغائب حجتـه معه يا حچ .. 
-أختك مين هيسلمها لعريسها معاك !! 
-أهدأ يا حچ وكله سيكون على ما يرام.. 
ركضت زينة لمجلس النساء وهي تزف الخبـر السعيد وهي تتراقص :
-العريس چيه ياخد عروسـته ، يألف بركة .
وقفت هيـام تتفقد المشهـد حولها وإذًا بدخول " ضيـا "من باب البيت في جلبابه الأبيض ليستلم عروسـته ، فطافت عينيها بالمكان تبحث عن أخوتها فلم تجد أحدًا منهم ، أغرورقت عينيها بالدمع والخوف وهي تقول في سرها :
-أنتَ فين يا هارون ؟!
لتفيق على نداء ضيا ويده الممتدة لها ونظرته المُخيفة لها التي لأول مرة تراها على حقيقتها الخبيثة  :
-يالا بينا على بيتنا  يا عروسـة ..
هل تعلم … 
بأنني ألوذ بالفرار إلى الكتابة علها تعبر عن الصراخ الذي استوطن القلب، علها تخفف من حدة الألم، الكتابة هي ملاذي الأخير ومسكن شعور قلبي.
••••••••••••
••••••••••••
"" عليك أن تعلم ‏لا شيء يكتب ويحكى بكل تفاصيله القاسية ‏تظل هناك أشياء مختبئة وشعور شائك لا يحسه إلا صاحبه رُبما تكون أكبر من كل الأشياء المُصرح بها و ربما تكون لا تقدر إلا بالصمت كـ ظلمتي التي أعيشها الآن .""
-مين تحت ؟!
ظلت تكرر منطوق سؤالها مرات متعددة وكل مرة كان الخوف يحتل صوتها والذعر يتلبس بكيانها .. وطأت أقدامها أول درجات السُلم وهي تربت على قلبها كي يهدأ وتذكر اسم المولى عز وجل مرارًا وتكرارًا خشية من عفاريت الجن ولكنها لم تضع بحسبانها شكًا حول عفاريت البشر .. هبطت درجات السلم ببطء وهي تحاول اقناع شتات أفكارها بالهواء الذي قفل الباب .. أخذت نفسًا عميقًا وهي تجرئ من قلبها المهزوز :
-أجمدي .. مفيش حاجة ؟! بس الحق اطلع المفتاح شكلي نسيته في الباب ..
اتسعت خطواتها وهي تقترب من الباب وتحاول فتحه هنا دق ناقوس الرعب الحقيقي البعيد عن كل خيالات العقل الآدامية .. جاءت يده الملعونة كي تكتم أنفاسها وباليد الأخرى يحاول السيطرة على حركاتها .. كتم صوت استغاثتها تمردها تملصها من قبضة يده بل تحولت لسمكة مذعورة فارقت المحيط للتو .. بخ سمه بأذنها :
-خلصت يا رقية والجاي كله بتاعي ..
دبت كوعها ببطنه لتتخلص من قبضتها وهي تنوح وتفر من أمامه لتحتمي بأي غرفة كي لا يلامسها شره :
-يخربيت أمك يا بكر؟! أنت عاوز مني ايه ؟!
قطعت درجات السلم ركضًا ما أن تعثرت بمنتصفه صاحت معاتبة لمن يلحق بخطاها كحيوان مفترس يلاحق فريسته :
-أعقل يا بكر عشان خاطر حبيبك النبي ..
واصلت ركضها كالغزالة الشاردة التي تود الاختباء بأحد الأماكن بالغابة التي فارقت فيها القطيع وتاهب بدروب الشر تصرخ عسى من نجاة تلقاها  :
-أنت عاوز مني ايه بس ؟! 
لحق بها بعد ما تعرقل بطرف جلبابه وهو يقول :
-جاي أعلمك الأدب يا رقية .. جاي أقولك أن مش بكر ولد فياض اللي يتعلم عليه من مراه ..
-يقطع بكر واللي جابوه .. ورب الكعبة لو ما عقلت لاقتلك يابكر ومش هتردد .. غور من وشي .. 
قالت جملتها الأخيرة وهي تلفظ في أنفاسها وتلمس أقدامها أعتاب غرفة أمها وأبيها .. جاءت لتقفل الباب الذي يسد عنها نيران غدره ولكن خيب أملها الأخير قدمه التي اندست بزاوية الباب وهو يدفعه بكل قوته كي تتعرقل تلك المسكينة لتقع بالأرض وهي تزحف للوراء وتترجاه :
-بكر أعقل .. أنت عندك ولايا .. طب شوف اللي يرضيك وانا هعملو بس اطلع من إهنه .. امي في المستشفى عيانة .. 
رسم على محياه ابتسامة الغدر وهو يشمر كمه متوعدا :
-أنا جاي وناويها .. ما هيطلع عليكي نهار إلا وأنتِ مرتي ..
سالت دموع عينيها وهي تومئ بالموافقة وتجيبه بصوتها الباكي :
-موافقة ..  وهعملك كل اللي عاوزو بس بحلال ربنا .. بلاش يا بكر  أمي تروح فيها ..
جثا علي ركبته وهو يتأملها كما يتأمل المجرمون ضحاياهم :
-أهبل أنا عشان اصدقك .. أنسي يا رقية .. مبقاش فيه غيرنا وياقاتل يا مقتول ..
في تلك اللحظة نالت يدها مطفأة السجائر من فوق الكمود وانهالت بها فوق رأسه صراخة :
-تبقي مقتول وعلي يدي يا بكر كمان ..
صاح الأخير متألمًا وهو يمسك بمكان الجرح المتجدد الدامي :
-يلعن ال*****
رفسته بقدمها وهرولت لتهرب من سطوه وتعرقلت بمفرش الأرضية لتسقط على ركبتها متألمة بصرخة الوجع .. وهنا قدمت له ضحيته على طبق من فضة .. تناولتها يده الطائلة للشر وهو مغلولا منها ودفعها بكل قوته بمنتصف الفراش كقطعة قماش متهرية :
-هتروحي مني فين ؟! مفيش مفر مني خلاص خلصت .
ظلت ترفث بأقدامها :
-هموت نفسي ولا أنك تلمسني يا كــ** 
كبل ساقيها بقبضة يده القوية كي تكف عن ضربه وهو يقول تحت تأثير سُكره :
-متخافيش مني .. أنا عحبك وهعمل إكده عشاننا عشان نكونوا بعض .. أنا خابر ولد خليفة شتتوا راسك عني .. بس أنا هعمل إكده لمُصلحتك .. متخافيش دي هــ
حاولت أن تمتص شره الثائر وهي تزحف للوراء متوسلة :
-أمي في المستشفى سيبني ألحقها .. سيبني وبعدين هنفذلك كل طلباتك صدقني .. طب سيبني وهكتبلك تنازل عن كل أرض أبوي .. لكن بلاش تضرني ...
مال الاخر ليتأهب لنيل مطمعه المحرم وهو يلهث كحيوان جائر :
-أنا عاوزك أنت ومن زمان .. حتى لما اتجوزت قولت لمرتي أنا هجيبلك ضُرة وهي رقية بت عمي بس مستنيها تخلص علام .. وأنت قليتي مني ولازم تتحاسبي على غلطك ..
ختمت جملته بركلة قوية من ركبتها طالت بأنفه التي سال منها الدماء على الفور فتحررت المسكينة من قبضة يده وفرت هاربه وهي تمسك بالفازة الزجاجية وتلقيها عليه فتصيب كتفه .. حملت الطاولة الصغيره ودفعتها بوجهه ولكنه لم يتراجع .. لم تجد مفرًا  لها إلا أن تهدده ، ركضت نحو النافذة وجلست فوقها وهي تلوح بكفها والدموع تزف من مقلتيها :
-لو مبعدتش عني هرمي روحي يا بكر .. قولت لك متقربش هرمي روحي .. 
التهم كفه يدها التي تلوح بها كي يبتعد عنها .. فجذبها عنوة لتفر أمامه كالطير الذي حاول أن يتحرر من الظلم بالموت .. أثناء حركتها المندفعه وقعت بالأرض لترتطم رأسها بمقبض المقعد الخشبي ليسيل دم رأسها ويصيب الصقيع جسدها وتتراقص جفونها معلنة تشل مقاومتها .. هنا سنحت الفرصة للثور الذي يلاحقها لينفذ مبتغاه .. نزع جلبابه وتجرد من كل مبادئ الانسانية ولم يرحم ضعفها لينقض على جلبابها ويمزقه إربا إربا وهو يستمتع بما تراه عينيه من وجبته الشهية .....
أصبحت الحياة تتلاشى تدريجيًا من تحت أقدامها مثلما تتلاشى قطعة القماش التي تستر روحها الطاهرة  ، تشعر بكل شيء كمن يحترق ولا يمكن أن يطفيء وهج احتراقه حتى إنها فقدت القدرة على أن تتخبط بالجدران ليقلل من حدة الألم ، اغلقت جفونها المبللة بالدمع إثر تلك الخبطة القوية التي مهدت الطريق لعدوها وكل ما يشغلها أمها تلك السيدة التي كانت صفاء حياتها ونعيمها .. كانت الأم والأخت والصديقة والأبنة وكل ما تحتاجه الفتاة .. فرت دموعها معلنة رفضها لتلك اللمسات البغيضة وهي تعاتب الزمن الذي ظنت إنه بكل مرة سيتبدل حزنها لفرحٍ ؛ وها هي في كل مرة تغرق بالحزن مجددًا وتلك المرة تحاوطها رائحة الموت والموتى والقبرة ولم تصل بعد !! 
ربما كانت أحلامها بلا أجنحة، أو ربما هذه الحياة ليست مكانًا مرحبًا بها وبأحلامها البسيطة على الإطلاق بل هنا مكانًا لتشييع كل الأشياء المقربة إلى القلب وما باقي العمر إلا حدادًا مستمرًا عليها … 
في عتمة الظُلم تتعانق أوجاعنا، وتتعالى صرخات القلوب المكسورة تاركة وراءها أثراً من الحزن الذي يعتصر الروح ويغرق العينينن…في اللحظة التي افترس الذئب ضحيتـه ولم يتبقى منها إلا دماء نقية تلوث المكان ، أصاب خنجر الألم قلب الأم التي لم تكف عن التساؤل عن ابنتها ، لم يكف قلبها عن الفزع على مضغته التي نالت ما لا تستحق أبدًا ، ليتوقف جهاز رسم القلب لخط مستقيم بانه لا يقاوم الصدمـة التي أحسها وكأن الطعنة الغادرة قد أصابته هو ، لتصيح الممرضة صارخة :
-ألحقنـا يا دكتور …. 
يُقال أن القلوب المحبـة تبصر مالا تبصره الأعين ذات الرؤية المحدودة ، فـ ‏هنالك بوصلة مدفونةٌ في القلوب لا يدركها إلا المحبيـن ، فالشوك أن أصاب قدمًا صرخ له القلب الأخر متألمًا كأن الوخزة كانت بهِ ، ما بين الضجيج الازدحام حوله بعد ما سلم " الڤيديو " الذي يدين ضيا لمجلس القبيلة ، داهم الألم الجزء الأيسر من جسد هِلال بوجع مبهم وشاق فجأة ، أمسكت يمينه بيساره الملتهب بوهج الألم الذي لم يتجاوز الثلاثون ثانيـة فانكمشت معالم وجهه صارخًا بألم ينخر في روحه كأن الخبر وصل لقلبه :
-يا ستـــار !!!!!
••••••••••••••
قيل أحدهم ذات مرة :
"" ما زلت لا أفهم كيف يكون الإنسان ملتزمًا تجاه الآخرين بحذافير اللطف واتقاء شر إيذاء القلوب لكنه مع ذلك لا ينجو من خيبة أو إيذاء أو حسرة."""
وصلت " هيام " لقعر بيتها وهي لا تعلم كيف سينقذها أخيها، ودعت هِلال  الذي رافقها لبيتها ثم انصرف على الفور وأختها وأهلها وما زال الأمل يملأها بأن أخيها لم يتخل عنها ويسلمها لتلك الحياة التي لا تُريـدها … فتـح ضيا باب بيتـه وهو يستقبـل عروسته ومفتاح أحلامه الجائرة ويقول لها :
-برجلك اليميـن يا عروسـة .. 
سبحت عينها في وادٍ الحـزن وهي تخطو بكامل ثقتها في وعد أخيها لها بصمت .. قفل ضيا الباب بعد دخولها وهو يعض على شفته السُفلية ويقول بمكر دفيـن :
-يكون في معلومك أمي معاها نسخة من المفتاح يعني هتلاقيها داخلة علينا في اي وقت .. 
قفلت جفونها على جمر الخيبة بدون نفاش على أمل النجاة من ذلك الأسر ، اقترب من مائدة الطعام المغطاة ورفـع المفرش من فوقه ليتفحص الأكل بأعين ساخطة :
-فين الديك الرومي ، أنا مش قايـلك لازمًا يكون مع العشا !! أقول أيه لأمي دِلوق ؟! عروسة من غير ديك رومي دي چوازة فقـر .
تجاهلت ثرثرته وهي تتجول بالمكان باحثة عن وسيلة اتصال واحدة بأخيها الذي لا يخلف وعده أبدًا مدمدمة لنفسها " أنتَ فين بس يا هارون ومهملني !! "
~بداخـل غُرفة نومـها … 
-"دانـِا اللي هطلع ديك أمك يا وِلد الـ****.. "
قال هارون جملته الآخيرة وهو يتلصص السـمع من وراء باب غُرفـة النوم الخاصة بأختـه وعريسـها الدنس .. وما أن تكورت يده على جمر غضبه المتقد ، مدد هيثم على فراش العُرس وبيده سلاحه الأبيض الذي يعبث به وهو يُعاين المرتبة تحته ليُردف بسخرية :
-المرتبة دي معضمة !! مسترخص وِلد النتن !! تعالي شوف إكده ياهاشم دي تچيب غضروف !
رمقه بحدة هاشم الذي يجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا على مراجل من نار :
-مش وقت حديت فاضي عشان أنا على آخري ..
-وتچيب أخرك ليه ؟! إحنا اللي هنچيبوا أخره بس طول بالك !!
-أششش .. 
حدجهما هارون بنظر خارسة لشجارهم الذي لم ينتهي بعد ، فأتاهم صوت ضيا الذي يفتح باب شقتـه ويُنادي على أمه كي تأتي لتأخذ عشاء العروس وهو يهينها بأبشع الإهانات مستخسرًا فيها وجبـة العشاء التي أحضرتها أمها ، لم يتحمل هارون تلك الشتائم على أخته وأهل بيته ففتح الباب بهدوء في لحظة خروج ذلك الدنيء لتراه أخته التي أصابها اليأس بمقتله وباتت دموعها تنهمر حتى ظهر أخر الممر أخيها الذي كان ظهوره أشبـه بهطول المطر على أرض قاحلـة ، شهقت بفرحة تبللها عبرات الحزن حيث رفع هارون كفيه ليأمرها ألا تتحرك من مكانها وأن تهدأ تمامًا ، ثم دارت سبابته حول بعضها البعض بلغة الإشارة طالبًا منها أن تُجاريه بالحديث ، فختم أوامره وهو يشير نحو الغرفة بأنه سيختبئ بها وألا تخاف أبدًا … 
وثبت العروس وهي تلهث بفرحة تجفف عبراتها ، تخلصت من حذاء ضعفها مرتدية زي القوة بوجود أخوتها حيث وقفت بوجه الطوفان لتطيح بوجهه بقوة عاصفة لا يجرؤ أحد أن يقف أمامها وهو يحمل مائدة العشاء كي يعطيها لابنة أخته ويقفل الباب ورائها ، دار على سؤال هيام :
-والله !! هي بقيت كده يا ضيا ؟! 
-أيوة هي إكده يا هيـام ، وانسى عاد كُل الحديت اللي اتقال ، ده كان طُعم واصطادت بيه السمكة خلاص !!
قال جملته وهو يتخلص من شاله المرمي على كتفيه فلحقت به وهي تديره ليتطلع لها :
-چاوبني أنتَ متچوزني ليه يا ضيا !! أيه في جوفك ناحيتي ؟ 
رمقها بنظرته الدنيئة والمدججة بداء رغبته فيها :
-مش وقته أحنا نأجلو الحديت لبكرة والليلة مش عاوز عكننة !!
تراجعت خطوة للوراء إثر شظية الخوف التي لدغت قلبها وقالت :
-ده بعينك ، يمين بالله ما هتقرب لي يا ضيا غير لما أعرف اللي في جوفك وإلا بفستاني هرچع بيت أبوي وما هتقدر ترجعني !!
قهقه ضيا بتلك الضحكة الشريـرة وهو يضرب كف على الآخر وهو يرمقها بدناءة :
-هريحك يا بت خليفة ، مع انه مش وقته وكنت ناوي أعيشك ليلة ولا في أحلامك، بس هنقولو إيه دبور وزن على خراب عشـه ، وأنتِ اللي استعجلتي بقضاكي ..
ثم دار حولها بأعينه الماكرة وتلك النبرة الخبيثة التي تفصح عن سُم نواياه بصوته الذي يتردد صداه بآذان أخوتها :
-اسمعي الچديد عشان كلامي مش هكررو مرتين .. بيت أبوك تنسيه ؛ اعتبريهم ماتوا لا حد فيهم يچيلك ولا أنت هتروحي لهم .. مفيش تليفونات .. الصبح هيچي المحامي وتتنازلي عن كل نصيبك في ورث أبوكي قولي آمين وربك يقرب البعيد ..
كادت أن تصرخ بوجهه ولكنه أوقفها بتلك النبرة المرعدة :
-مخلصتش ، وحسك مايعلاش … عاوزة اتعرفي اللي في چوفي هقولك ، عاوز أبقى الكبير وأمسك العمدية مكان أخوكِ عشان مش عكره قده من وأحنا عيال .. ناوي أخلي راسهم في الوحل .. 
اتسع بؤبؤ عينيها بذهول من وقع وقاحته :
-يخربيتك !! ايه السواد ده كله اللي چواتك ؟! كل ديه عشان أخوي أحسن منك وسيدك وسيد النجع كله يا كـ**
-هتغلطي هقل منك وأخليكي تلعني اليوم اللي بقيتي فيه مرتي ، ودِلوق يحلو الحديت قبل ما نبدأو ليلتنا … قدامك حل من الاتنين يا تقولي أمين على كُل كلامي وتساعديني أخد مكان أخوكي ، يإما هچرچرك من شعرك وسط النچع كله وأقولهـم تعالوا شوفوا بت الحسب والنسب غلطت مع مين وچايين يلبسهوالي وأنا عتكيف قوي بالفضايح دي !! 
بصقت بوجهه بكل ما تحمله من كره واشمئزاز لذلك الرجل الذي أحبته يومًا وهي تقول :
-تبقى متعرفش مين هما أخواتي ، رچالة خليفة العزايزي .. 
هنا فاض صبر الثلاثة أخوة ليخرجوا من حجرهم أمام ذلك اللعين ليجهر هارون مُقرًا :
-وإحنا چينا عشـان نعرفوه … 
دار ضيا خلفه على نبع ذلك الصوت القوي الذي رج قلبـه وهو يوجه لومه لهيام :
-إكده هيحموكي مني يعني !! 
ثم تراجع خطوة للخلف :
-أنتوا چايين بيتي ليه يا ولاد صفية !
-چايين نطربقوه على نفوخك ونفوخ أمك اللي معرفتش تربي زي صفية ..
قال هاشم جُملته وهو يسبق أخوته لينقض عليه فأتبعه هيثم هو يشمر كُمه :
-عاوز تعرف إحنا إهنه ليه ؟! لأنك استهلكت ١٠٠٪؜ من ردة فعلي المحترمـة ، وأنت الآن على نظام  قتل العبـد ولا تربيته .. 
أبعد هارون أخته عن ساحة تجمعهم بذراعه الممتد وقال بهدوء :
-ها يا ضيـا ، عيـد كلامك من تاني عشان مسمعتوش ، كنت بتقول جُرسة وفضايح وأخواتك وو سمعني، خليك راجل وقولهم في وشي ولا أنت آخرك تتشطر على الحريم!!
طافت عيني ضيا المذعورة :
-عتتكاترو عليّ !! لا دانا صايع وچايبها من تحت قوي !! 
هم هيثم مقترحًا وهو يضرب على كفته ويخرج سلاحه الأبيض :
-تحت !! هو ديه اللي چايين عشانه ، أحنا ناويين نخلوك متنفعش في چواز من أصلو وتقعد جار أمك كيف الولاية .. 
تدخل هاشم مقترحًا :
-لا يا هيثم مش معاك  هي رصاصة طايشة من مسدسي وأقول كُنت بنضفه فالوسـخ بتاعه چيه في رأس الخسيس .. ونبقوا خالصين ، أحنا لسه هنسلخ ونقطع ونشفي ؟! 
فجهر هارون :
-وليه ! الديابة جعانين أهم نضمنوا لهم عشاهم ..
هتف ضيا بقلب المذعور :
-أنتوا ناويين على أيه ؟! اسمعوا هتقتلوني يبقى كلكم هتروحوا في داهية اللي انتوا عاوزينه أنا هعملو لكن .. 
قطعه هارون بحدة :
-لكن !!! لكن دي سيبهالي ..
ثم جهر آمرًا :
-هيثم خُد أختك وانزلوا تحـت استنونا ، أصلـو اللي هيحصل فيه ماينفعش الحريم تشوفه !
عارضه هيثم :
-عاوز أضربه معاكم ..
فتدخل هاشم وهو يباغت ضيا بتلك الركلة القوية وبمهارته القتاليـة ليجثو على ركبته كالماعز ويلف شاله على عنقه :
-رقدتهولك أهو أضرب لحد ما تتعب وأنا هكمل … 
فأكمل هارون بثبات :
-كل اللي نفسو في حاچة يعملها قبل ما رچالة المجلس يچوا ياخدوه .. 
ثم لف ذراعه على كتف أخته وقربها لحضنه :
-شوف يااخي تكون في خشمك وتُقسم لغيرك ، وأختي چاي أخدها من قلب بيتك زي ما أنت چيت وخدتها من قلب بيت أبوها .. 
صاح ضيا متمردًا وهو يطيح بذراعيه في الهواء :
-أنتوا فاكرينها أيه ؟! دي مرتي وخلاص اتكتبت على اسمي ومحدش هيقدر ياخدها .. 
لم يتحمل هاشم وهيثم أكثر من ذلك فانهال عليه الاثنان وكل منهما يضرب به حتى نال الحقير ما يستحقـه وكل ما بالبيت تهشم فوق رأسه  وخرت قواه وتمرده ليجثو على الأرض وهو يلهث :
-أنا هوديكم في داهية !! 
وقف هاشم فوق رأسه وهو ينفض يده من غبار ذلك الماكر ليقف هيثـم بجواره يلتقط أنفاسه مشجعًا أخيه :
-الله ينور يا هاشم بيـه .. 
فأتبعه الأخر :
-عاشت إيدك يا هيثم باشا .. 
اقترب هارون الذي كان يضم أخته بأحد الزوايـا ويتساير معها كي يشتت نظرها عن تلك المعركة الطاحنة .. وضع حذائه بجوار رأس ضيـا والقدم الأخرى رفعها على طرف الطاولة ليقول بهدوء :
-خمارة "علي بابا" عتسلم عليـك ، والليلة الفُحلقي اللي قضيتها إمبارح هناك زمان الشيخ هِلال بيتفرچ عليها مع شيوخ المجلس .. دانتَ هتشوف سواد ، شوفت أهي أختي اطلقت حتى من غير ما تقولك طلقني.. 
قهقه هيثم ساخرًا وهو يطالع أخيه هاشم :
-هو له في شغل الچديان دهوت !! چاتك القرف ده بيعض من غيرنا يا هاشم بيه !! 
مال هاشم على مسامعه متهامسًا بمزاح :
-الخمارة دي فيها نسوان تستاهل يعني !! 
قهقه هيثم بصوت عالي وهو يضع حذائه على بطن ضيا ويضغط بقوة ليؤلمه :
-أهي أشكال عرة زي اللي عيروحلها … 
ثم همس له بمزاح :
-هوديك واحدة أنقح منها بس متقولش لهلال وهارون..
زمجرت رياح غضب هارون كي يكفان عن هذا الحديث الساخر أمام أختهم التي ضمها لصدره وقال لها :
-أهو متلقح عندك شوفي عاوزة تعملي فيه أيه وأعمليه ..
رمقته هيام باشمئزاز هي تحضن أخيهـا بنفور :
-لا يا هارون أخواتك مقصروش ، بس يلا بينا من إهنه عاوزة أمشي … 
قال هارون آمرًا :
-هيثـم خد أختك وأطلعوا على البيت وأحنا هنسلمو الواطي ديه ونحصلوكم .. 
هيام برعب :
-هارون .. طب وصفية ؟
تدخل هاشم وهو يركل ضيا في ظهره :
-سيبي لي أنا صفية …… 
••••••••••••
~بيت خليـفة العزايزي .
-طيب لو حضرتك زهقانة أنا ممكن أحكي لك حواديت للصبح . 
تجلس " ليلة " مع السيدة " أحلام " التي لم تُفارقها أبدًا أثناء الحفل إثر وصية هارون لأمه الثانيـة ، قالت ليلة جُملتـه بعد ما سرحت شعر أحلام الأبيض فهرولت "ليلة" التي ترتدي " بيچامتها " الزرقاء ذات خامة القطيفة وأحضرت المرآة من حقيبتها :
-بصي كده يا طنت وقوليلي رأيك .. الضفيرة عجبتك ولا لا ؟
أخذت تتطلع أحلام على ملامحها بالمرآة الصغيرة وقالت بروح طفلة بربيع عمرها :
-إيه العسل ده كله يا ليلة!! يسلمو ايديكي أحلى واحدة تضفرلي شعري .. 
أحضرت ليلة حقيبتها ووضعتها على الفراش بجوار أحلام الجالس على طرفه وقالت بروح الفراشة التي تسكنها :
-ناقص حاجة بس ، حبة كحل من هنا وهتبقى بنت عشرين سنة ، أيه رأيك ؟!
تحمست أحلام للفكرة:
-طب حطي لي أصلو الليلة ليلتي والحچ خليفة عاوزاه يشوفني حِلوة ..
غرد الضحك على معالم وجه ليلة البريئة وهي تستعد لوضع لمسات التجميل فوق وجه تلك العجوز صاحبة روح الصبية وتقول :
-ياسيدي يا سيدي !! بس كده أنا عينيا ليكي ولعمو الحج  ..
ثم غمزت بطرف عينيها بمزاح :
-واضح أنك بتحبيه أوي .. 
تنهدت أحلام متذكرة أيام الصبا :
-دانا عموت فالتراب اللي تحت رچليـه ، أقول لك على سر محدش يعرفوا غير هارون .. 
لمعت عينيها بمجـرد سماعها للاسم وتمتمت بفضول :
-هارون !! أنتوا صحاب أوي كده !
أسهبت أحلام في وصف فلذة قلبها :
-ديه ولدي البكري وتربية يدي وحبيب قلبي .. هارون ديه أحن قلب ممكن تقابليه في حياتك ، ميغركيش الچعچعة بتاعته وخُلقه الضيق ، الواد ديه چواة قلبه حنية تغرق العالم بس هو عامل فيها چامد .. 
انتشت ملامحها بعنبر السعادة لحديث أحلام عنه وهي تقول :
-وأنا كمان حاسة بكده ، بس دماغه دي جواها حاجات كتير أوي ، بحسه بيفكر كتير ومش بيتكلم .. ودايما متعصب..
-حمال آسية يا حبة عيني من يومه .. 
فغمغمت ليلة بتلقائية :
-بس هو لطيف مش هنكر وو 
أشاحت أحلام بنظرة اكتشافية لقطت فيها طيف الحب يبرق بعيني تلك الفتاة ، فداهمتها بنظرة شفقة لقتل جنين ذاك الحب قبل أن يولد ، أدركت ليلة ما قالته حيث وثبت لتشتت تفكير أحلام عن جُملتها الأخيرة :
-هاا قوليلي بقا أيه السر ؟!
اتسعت ابتسامة أحلام وهي توشوش لها بحذر :
-أنا ما ععرفش أنام غير والحچ خليفة چاري ومتبتة في دراعه .. واليوم اللي يبات فيه عند البت صفية أبقى متقلقلة ومش على بعضي وعيني ماتشوف النوم غير فالليلة اللي بعديها لما يچيلي .. 
ثم مسحت على رأسها داعية لها :
-ربنا يرزقك بزوج وحبيب متعرفيش طعم النوم غير في حضنه وساعتها هتعرفي أنا قصدي أيه !!
لا تعلم لِمَ قفز اسمه ذاك المدعو بهارون برأسهـا وقلبها يؤمم وراء هذه العجـوز التي تقرأ صفو عينيهـا بمهارة ربما لأن بداخلها آيضا تتمنى لها رجلًا كهارون ولكـن أي معجزة تلك التي تجمع إمراة الغرب برجل الشرق !!!! 
فتحت " زينة " الباب بدون استئذان وقالت بنبرتها المعتادة على دس أنفها بكل شيء  :
-جرى أيه !! خالة أحلام بتنام بدري ومش عاوزة رط فوق راسها ، وبعدين أنتِ إهنه ضيفة يعني مكانك في قوضة الضيوف مش قاعدة مع صاحبة البيت !! 
ساد الصمت للحظة شمت فيها أحلام خجل ليلة من حديث زينة الجارح وردت بذلك الدهاء الذي ورثه منها هارون :
-بت حلال يا زينة ، هتعبك يا حبيبتي تچيبلنا العشا أنت والسكر دي عشان نتعشوا سوا لانها هتنام چاري الليلة !! دي أمانة هارون لحد مايعاود .
تجاهلت ليلة نظرات زينة القاتلة وتمتمت لأحلام بحماقة :
-وعمو الحج ؟! 
ضغطت أحلام على كفها كي تصمت وألا تكشف لعبتها أمام زينة سليطة اللسان وأكملت :
-شهلي يا زينـة خليني أخد علاچي معدتي بتتسحب .. 
غلى الدم برأس زينة التي تنتظر عودة هارون ليرجعها لبيت أبيها وهي تتأفف باختناق وتتوعد لليلة :
-والله !! على عيني يا خالة.. أنتِ وضيفتنا على راسي.. -ثم غمغمت- اااه يـاناري . 
ما انصرفت زينـة فمالت أحلام معتذرة لضيفتها وأمانة ابنها :
-تزعليش من زينة دي عبيطة وهبلة ومدرياش باللي عتقـوله ..
ضمت ليلة على كف أحلام التي سكنت قلبها :
-لا أبدا ، أنا كُل اللي بفكر فيه أزاي شخص راقي ومثقف زي هارون بيـه هيتجوز واحدة مجنونة زي دي ؟!!! 
تأوهت أحلام بوجعٍ :
-وإن چينا للحق ولا واحدة في النچع كله تليق بهارون حبيبي .. هارون عَدله واحدة أميرة زيـك لكن هنقولو أيه النصيب غلاب … 
ضخت رأسها بفوضى عارمة إثر كلمات تلك السيدة التي حفرت مداخل للحب برأسها المائلة نحو ذلك الرجل الذي قلب حياتها رأسًا عن عقب ، رغم كل الهدوء الذي تتظاهر عليه يوجد بداخلها الكثير من الارتباك والقلق وعاصفة من المشاعر ذات مصدر عميق ومجهول حتى الآن … نفضت ليلة غُبار أوهامها وهي تقول بتلقائية لتُغير مجرى الحوار :
-حضرتك تعرفي أن جدو كان شغال ظابط هنـا ، لو قولت لك اسمه ممكن تعرفيـه … 
-بتندب ليه البت الفقرية دي ؟!!!!!
قالت أحلام جُملتها الأخيرة عندما صدح صـوت صراخ " صفيـة" بالخارج عند رؤيتها دخول ابنتها بفستانها الأبيض بصُحبة هيثم ، ظلت تنوح وتطلق الصراخات المتعددة بساحة البيت ، فهرول هيثـم نحو أمه ليكتم صوتها :
-خلاص يااما .. ولا كلمـة وهيام اعتبريها فسخت .. 
تأرجحت عيني الجميـع بصدمة حول سبب عودة العروس بفستانها ، لم تتوقف صفية عن لطم الخدود وهي تتساءل بجنون :
-عملتي ايه يابت راجعة لي بفستان الفرح !! عملتي ايه يا بت بطني ! يافضيحتك ياصفية .. 
جاء صوت أحلام من الخلف :
-اقفلي خشمك يا صفية .. ولا كلمة تربية العيال دي تربية يدي ومفيهمش واحد هيقصر رقبة امه أحلام. 
وهنا دخل هارون وهاشم من البيت فانتقلت الأعين صوبهم ، جهر هارون بنبرته الشامخة :
-أختي اطلقت عشان چوزها طلع خسيس وبتاع خمارات .. وخد جزاته .
ثم نظر لأمه  :
-واللي هيفكر يجرح أختي بكلمة أنا اللي هقف له !!
ركضت هاجر صوب أختها وضمتها :
-يا حبيبتي تعالي تعالي نطلعوا فوق .. 
صاحت صفية بوجه هارون :
-فركشت چوازة أختك يا هارون !! ارتحت ؟! عاوزها تقعد چاري والعار يطولنا ..
لم يتحمل هاشم سماع المزيد من أمه ، بل طاحت يده بكل ما يقابله تحت أعين الجميع وبالأخص نغم الواقفة بعيدًا وكانت تنتظر الفرصة المناسبة لفتح موضوع رفضها لهاشم مع خالتها .. تمسكت بالستائر المتدلية بهلع وهي تراقب ذلك الثور الهائج أمامها :
-لحدت إهنه وخلصت يا صفيـة ، كفاياكي ياما عاد .. كفاياكي جهل كنتِ هضيعي البت بجهلك وادينا دفعنا تمن سكاتك .. عار ايه اللي عتتكلمي عنيه ..
ثم دنى من أمه ونبرته المزمجرة تصدي بالبيت :
-كام مرة چات هيام تشتكي لك هااا ردي ؟! أختي معيوبة عشان ترضى بأي چوازة والسلام !! فوقي ياما دي بت خليفة العزايزي ، وفي ضهرها أربع رچالة ياكلو الزلط .. 
ثم ركل المنضدة التي تحمل مزهرية الورد بكل ما أوتي من غضب :
-عادات عادات عادات !!! اهي العادات دي كانت هتحط راسنا كُلنا في الطين .. أخر كلمتين تحطيهم حلقة في ودانك ؛ أخواتي البنات خط أحمر يا صفية ولو اتدخلتي لهم في چوازة تاني أنا اللي هقف لك .. مفهوم !!
-هــاشـم !!!!!!
ألجمه صوت أبيه الذي جعله يبتلع ما تبقى من كلمات بصـدره ويقف ليأخذ نفسه ببطء ؛ فاقترب منه أبيه المستند على عكازه :
-هي حصلت تعلي صوتك على أمك على حياة عيني !! 
انخفضت نبرة صوته في حضرة أبيه فتدخل هارون ليوضح الأمر :
-هاشم مش قصده يا أبوي .. هو زعل عشان هيام وو 
صاحت نبرة الحج خليفة موبخًا :
-البيت ديه بيتي ومحدش يعلي فيه صوته غيري .. لا أنتَ ولا أخوك ولا عشرة زيكم !! اي عاملين نفسكم كبرتوا على أمكم وأبوكم.. 
تمالك هاشم غضبه وقال جملته الأخيـرة وهو يعلن رحيله وعودته لعمله :
-أنا قولت اللي عندي .. اللي هيچي في سِكة أخواتي البنات هأكله بسناني .. بالإذن أنا راجع شغلي ..
ما كاد ليخطو خطوة فسقط أنظاره على وجه نغم التي تراقبه بذعر من بعيد ؛ فتوقف وقال :
-وخطوبة أنا مش هخطب حد ، لما ابقى تخطبو ابقوا خدو شورة التور اللي هتچوزوه الأول .. أنا مش همشي على كيف وعادات حد … 
هتف هارون بوقع تلك النبرة القوية التي جعلت ليلة تتشبث بذراع أحلام و متجاهلًا وجود زينة التي تمسح على كتفه كي يهدأ وهو يضع حدًا لأخيه :
-هاااشم !!!!!! هتنسى أنك واقف قصاد أبوك هنسى أنك أخوي وهتعامل معاك كإنك و
قاطعه هاشم وهو يربت على كتفه :
-سايبهالك متخدرة بعاداتها وتقاليعها اللي هتحرقكك أنتَ أول واحد ، حافظ عليها أنت ؛ مش هاشم اللي حد يمشيه  .. بالأذن يا خوي …
ثم تحرك خطوتين ليُقبل رأس هيام أختـه بحنان ذاخر :
-اللي يزعلك قوليلي عليه وأنا همحيـه من على وش الأرض .. خلي بالك على روحك .. 
نادت عليه أحلام ثم نادت صفية بقلب الأمومة على ابنها الذي سيرحل دون أن يودعها ولكنه تجاهل ندائها كعقاب لها عما فعلتـه واستقل سيارته وانطلق على مدينة الهادئة وعالمه الآخر الهارب منه ……..
ما غاب طيف هاشم عنهم اهتز عكاز الحج خليفة ليستند على ذراعه ابنه الأكبر الذي تلقاه صارخًا :
-هاتي ميـة يابت …
في تلك اللحظة رن هاتف المنزل ، فركضت هاجر لترد عليه ، فإذًا بنجاة ذات الصوت المرتعد :
-هاجر ، خالتك صفاء تعيشي أنتِ ..  ورقية بتها راحت البيت ولسه معاودتش عكلمها ملهاش آثر ، الحقيها لتعمل في روحها حاجة…..
صعقت هاجر بصدمة مما سمعته ، فنادت بتلك النبرة المرتعشة وهي تراقب دخول هلال أخيها الذي لم يكف عن التساؤل حول عدم مجيئ رقية للحفل وقالت :
-الحقني ياهيثم !!! نصيبة …… 
••••••••••••
~السـاعه الثانيـة عشر بعد منتصف الليـل : 
فرغ بكر من أخذ حمامه الدافئ مستعينا بملابس المرحوم عمـه وهو يرش العطر ويمشط شعره مدندنًا بكلمات الغناء الشنيعة مثله بصوته الأشبه بصوت الغراب .. ثم عاد ليطوف حول مسرح جريمته ويترقب تلك المرمية بمكانها على الأرض تغوص في عالم الأحلام بدلًا من عالم الواقع الذي قُتلت ألف مرة به .. ظل يملأ عينيه الشريرة من آثار جريمته حتى جثا على ركبتيه وهو يحاول إيفافتها بلمساته الدنيئة :
-بزياداكي دلع عاد يا داكتورة ، قومي أفرحي بچوزك بكرة يومنا طويل .. هتبقي مرتي قاصد الكل .. 
أخذ يمسح على شعرها ويكمل بتلك النبرة كمن فقد عقله :
-شكلك حلو قوي وأنتِ نايمة كيف الملايكة ، مش عاوزك تزعلي مني أنا عحبك واللي عيحب تملي معذور .. لما تفوقي هتعرفي أنا عملت إكده ليه ، بكرة هنروحوا المچلس ونكتبوا والبيت ديـه هيبقى بتاعنا أنا وأنتِ ..
قطع خيال أحلامه الدنيئة صوت صراخ هاجر التي تطرق الباب بقوة مناديـة باسم " رقيـة " :
-رقيـة افتحي !! 
فأتبع هيثم وهو يطرق الباب بقوة :
-رقية لو انت چوة ردي !!! 
لم يزر الرعب قلب المجرم الذي حمل ضحيته ووضعها بمنتصف السرير وهبط بهدوء كي يفتح الباب كمن لم يقترف إثمًا .. كانت الصدمة الكُبرى عندما فتح لهم الباب بابتسامته المتمددة :
-خير عاوزين أيه !!
برقت عيني هاجر صارخة :
-أنتَ بتعمل ايه عندك ، رقية فين ؟!
فارت الدماء برأس هيثم وهلال عند رؤية ذلك الصعلوك البشري أمامهم ، فتفوه هيثم باشمئزاز :
-أنتَ عتعمل أيه إهنه ؟! وفين رقيك بت عمك ..
دفع هلال أخته من أمام الباب وهي ينقض على ياقة جلبابه وبشخص آخر متحول كرر سؤاله  :
-رقية فين انطق بدل ما أخلص عليك بيدي !
رد الآخر بهدوء متعمدًا استفزازهم :
-قصدك رقية مرتي ، فوق مستنية عريسها وباعتاني أمشيكم …
تسللت هاجر من تحت يديه لتركض لأعلي صارخة باسم رقية ، أما عن بكر فكان فريسة لأنياب غضب هِلال الذي لطخ حمرة الغضب وجهه وهو يضربه بجنون ويساعده هيثم الذي لم يترك إلا عندما تلطخت يده بدمائه الخبيثة ، هنـا قرعت صوت نبرة هاجر صارخة مستغيثة بأخوتها اللذين تركوا بكر وركضن لعندها .. 
أخذت هاجر تستر جسد صديقتها بصراخ وبكاء يسبح على كيان الضحية ويعلو صراخها أكثر فأكثر وهي تنادي على أخوتها ، وصل هلال أولًا فلحق به هيثم ليستمعان لجملة هاجر المقهورة :
-رقية بتموت .. ألحقوها ، الكلب ديه عمل فيها أيه !!
شعور ‏ولا أسوء ، حالة من الشلل الفكري صابت رأسه لقد تساوت أمامه الجهات وتساوت الطرق، باتت النهاية والوجهة المصيرية والنهاية التي لا تليق إلا بفيلم مرعب  لا شيء أبدًا أسوء من أنك تقف وكل شيء فيك يتمنى العبُور من أمام ذاك المشهد المُهين . 
 سقطت عيني هلال المصدومة على قطرات الدماء الملطخة بالأرض والملابس الممزقة والمرمية هنا وهنـاك ، لحق به هيثم وهو يرى نفس المشهد المُشن ، استند على كتفه أخيه من هول المشهد وهو يلعن الجاني بأبشع الألفاظ ، فاق هلال من وقع تلك الجريمة الخسة ولف المفرش حول جسد الضحية التي لا حول لها ولا قوة وحملها بين يديه وهو يأمر أخيه بنبرته المرتعشة التي لا تصدق ما رأته صارخًا :
-الحيوان اللي تحت ديه دمه يتصفى ياهيثم … 
•••••••••••
~عودة لبيت العزايزي .
صاح هارون مناديًا على جابر الذي هرول لعنده ملبيًا النداء فأمره :
-توصل زينة ونغم لبيتهم وتعاود .. 
فتدخلت زيـنة معارضة :
-مخليني معاكم يا هارون ، أديك شايف وضع البيت متكهرب وو 
أنهي جداله معها بحدة :
-حال البيت زي الفل ، روحي .. 
فأمتدت أنظار زينة نحو ليلة الواقفة بأحد أرجاء البيت ملتفة بشالها الصوفي وهي تتهامس مع نغم التي تطلب منها :
-هتعبك خلي بالك من أحلام دي نايمة زعلانة من اللي حصل ، وأنا هجيلها الصبح .. 
أومأت ليلة بالموافقة على الرحب والسعة:
-شكلك بتحبيها أوي ..!!
ردت بأسف :
-ومين فينا ميحبش أحلام ، دي بركة النچع كله .. 
دمدمت زينة بحرقة لهارون :
-طب خلي البت المصراوية دي تعاود على قوضتها وبعدين هي مش ناوية تعاود لبلدهم يا هارون !!
صاح هارون بنفاذ صبر :
-نغم !! تعالى ونسي بت خالك عاوزين نناموا في أم الليلة المقندلة دي . 
لبت نغم النداء على الفور وهي تودع ليلة بلطف ، فركضت وهي تتأكد من ربط حاجبهـا الذي لم يظهر خصلة واحدة من شعرها عكس زينة التي تغطى الوشاح بشعرها بدلًا من أن يغطي هو شعرها .. غادرت زينة على مضض وهي توصي هارون :
-متزعلش روحك ومن النجمة هجيلك يا حبيبي .. 
زفر هارون بجـزعٍ وهو ينصرف من أمامها متجهًا نحو ليلة التي تقف بجوار الباب الخلفي للحديقة .. تأرجحت عينيها نحوه وهي تقترب منه لتخبره :
-عارفة أنه مش وقته ، أنا حبيت أبلغك إني همشي بكرة عشان وجودي بدأ يضايق خطيبتك وو 
لا يعلم لما عض خبر رحيلها على قلبه فقاطعها قائلًا :
-أنتِ هنـا ضيفة في بيت خليفة العزايزي مش عند حد .. 
-بس …
-شغلك لما يخلص أبقي عاودي ، الصبح هتلاقي الدنيا كلها اتظبطت .. 
أومأت بالموافقة دون الدخول في أي تفاصيل وهي تخبره :
-أنا هبات مع طنت أحلام جوه ، مش حابه اسيبها لوحدها كده ، نامت وهي زعلانة على هاشم أخوك ووو 
-هنام أنا چارها متعتليش هم .. 
-هو ليه باباك نام في أوضة لوحده ؟! طنت أحلام مش بتعرف تنام غير وهو جمبها في السرير !! 
لمعت عينيـه بدهشـة إثر إفشاء أحلام سر مثله لتلك الغريبة وهو يقول :
-واضح أنك دخلتي قلب أحلام عشان تقولك سر زي دا !!!
وضعت أناملها على شدقها بندم :
-أحيه !! دي هي فعلا قالت لي ده سر وأنا نسيت وقلت لك !! بس هي قالت لي إنك عارفو يبقى كده عادي ؟! ولا مش عادي وأنا طلعت فتانة !! بليز ممكن مش تقولها عشان ماتزعلش مني !! 
ابتلع ابتسامته إثر عفويتها التي صهرت ملوحة همومه وقال متعمدًا فتح باب الحديث معها :
-وقالت لك أيه تاني أحلام !! 
ردت متحمسة :
-قالت لي إنك تربية إيديها وانها بتحبك أوي ؛ وشايفاك كتير على أي واحدة هتتجوزها من بلدكم .. 
عفويتها طاحت بقلبه لشطرين ، شطر يقاوم وشطر يركض خلف سجيتها ، رفع حاجبه متسائلًا :
-ويا ترى مقالتش مين العروسة اللي شايفاها  تستاهلني وأنا اتچوزها من الصبح !!
تعرقلت بلمعة عينيه التي تغازلها وقالت بفطرتها :
-لا ما قالتش مين ، بس هي قالت واحدة زيي !! لو عجبتك الفكرة أنا عندي صُحابي كتير في اسكندرية ممكن أرشح لك عروسة فيهم وكلهم هاي كلاس وبنات شيك جدًا وو … 
خطى على صميم مجهول بقلبها وهو يدنو منها خطوة متسائلًا بمكر :
-هنروحوا بعيـد ليـه ؟! ما اللي نعرفوه أحسن من اللي لسه هنتعرفوا عليه ؟!
-قصدك أيه ؟!
-يعني ليه مش أنتِ مثلاً.؟!
يبدو أن الشعور المتواري تحت حواره معها تحول إلى إدمان، لو إنه يعلم بأنه يأخذه لها شيئًا فشيئًا لن يطاوعه أبدًا ولم يتعامل معها مرة آخرى .. يبدو أن لعنة ساكمت أصابت ذاك الوادٍ المقدس بقلب حضرة العمدة الذي نزع حذاء العادات وتناسى قيوده وهو يتراقص على أوتار تلك المسكينة و لا يدرك عاقبة عبثه ، تلعثمت الكلمات بحلقها لتقول بتوتر :
-أنا وأنتَ ؟!!!!! مستحيـل !!! انتَ لالا .. 
-كُل دي لا !!!! ليه يا استاذة؟
قد يأتي الحب من أقل الأشياء تعمُدًا وأكثرها صُدفًا ، قد يأتي محملًا بقطرة المطر  ، برغبة مُلحة في نسل الحديث مع من تحب .. أحست بحرارة تشع من قلبهـا وهي تعبر محتجة : 
-طبعا !! أنا لازم اللي يتجوزني يكون بيحب الأساطير بتاعتي ومصدقها ؛ أنت بقا مش بتحبها ولا بتصدقها …. 
ثم لملمت شتات قوتها وسألته :
-وبعدين أنتَ مش المفروض خاطب زينة وهتتجوزها ؟! الموضوع شاغلك ليه ؟
-الشرع محللي أربعة .. وأنا ناوي أقفله. 
عجبًا لأمر رجل أوصد قلبه عن معشر النساء وعند لقائه بواحدة غيرت مجرى فكره وسير قلبه !! يا ترى هل فتحت شهيته على صنف النساء أم أراد أن يتزوج أربعة من نساء قبيلته ليعوض إمراة مثلها ؟! قالت ليلة بفلسـفة غير مقصودة:
-أنا خدت بالي أن الموضوع عادي عندكم ؛ بس أنتَ ممكن تتجوز واحدة بس تغنيك عن الأربعة لإنك استيل مش هتكون مرتاح لما تعمل كده .
ثم لملمت شعرها بتوتر :
-أنتَ بتسأل أسئلة غريبة مش وقتها خالص الصراحة ؟! أحنا بنقول أيه أصلًا ؟
حك وجنته بطرف سبابته وقال بدهاء يسبق دهاء الذئاب :
-أصل أحلام عتحلم ، قولت أشوف آخرة أحلامها معاكي لفين وصلت .. 
-اااه يعني بتجرجرني في الكلام وأنا زي الهبلة ..
-وليه زي !!! 
-لحظة لحظة !! قصدك إني هبلة !!
اكتفى برسم ابتسامته الثقيلة بوجهها وهو يرد على هاتفـه وعيناه تقتنصها بدقة :
-أيوة يا هيثم !!
-هارون في نصيبة .. تعالى دِلوق ….
يتبع
******


انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا