رواية بحر ثائر الفصل الثالث عشر 13 بقلم ايه العربي
رواية بحر ثائر الفصل الثالث عشر 13 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل الثالث عشر 13 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل الثالث عشر 13 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل الثالث عشر 13
رواية بحر ثائر الفصل الثالث عشر 13
قد لا أبدو كذلك!!!
لكني يا سيدتي حزين....
لكني يا سيدتي سجين...
لكني يا سيدتي غريق....
قد لا أبدو كذلك!!!!
لكني في منفايا وحيد...
فقدت الشعور
وفقدت السرور
قد لا أبدو كذلك!!!
لكني يا سيدتي قد تخلى عني كل من أحببت...
قد لا أبدو كذلك
لكني حقا قد تألمت.....
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
يتمدد على فراشه يطالعها وهي تمشط خصلاتها المموجة وتدندن كلمات أغنية شعبية قبل أن تنهض وتتمايل أمامه وتشير له أن يأتي إليها فضحك ولبى طلبها وترجل يخطو ويتمايل معها فأطلقت ضحكة عالية على حركاته الغير متقنة وباتت يدها تلكزه وتقرصه في أماكن متفرقة فجحظ محذرًا إياها بعينيه لتعاود الضحك ثم تحركت تلقي بنفسها على الفراش وتسحبه معها ليعتيلها ويتفرص ملامحها مبتلعًا لعابه حيث لا تترك له مجالًا لهدنة يأخذها بين مشاعره وأنفاسه لذا مال يقبلها واستقبلته بجرأتها التي لم تعد تفاجئه .
أبعدته عنها فتعجب يطالعها فاعتدلت تحدثه بخبث :
- لا بقولك إيه ماتقفلنيش السهرة لسة في أولها ، وأنا مجهزة شيشة وتسالي وهنفتح التليفزيون ونقعد قعدة حلوة ، وبعدين أنا عايزاك في موضوع مهم .
تأفأف ولكنه اعتدل يجاورها وتساءل بنزق لم يستطع الاعتراف به :
- موضوع إيه يا زينة خير ؟
مدت يدها تتلاعب بكفه بأصابعها واسترسلت بتلاعب :
- إيه رأيك لو جبنا أمي تسكن في الشقة اللي تحت ؟ واهي تبقى معايا وتونسني .
حدجها بنظرة شمولية ولم يستوعب بعد لتحتد نظرتها من تعبيراته وتستطرد :
- مالك وشك قلب كدة ليه ؟ مش الشقة فضيت خلاص ؟ وبعدين أنا كل ما بجيلك الوكالة بحس إنك زهقت مني وأنا ببقى زهقانة فقولت بدل كل شوية ما أروح لأمي تيجي هي تقعد معايا هنا ، وبعدين على فكرة أنا فيه حاجة شاكة فيها وماكنتش عايزة أقولك غير لما اتأكد ، بس من ملامحك كدة هقولك علشان تفهم قصدي .
زفر وانتابه ضيقًا لا مثيل له ، كيف لوالدتها أن تأتي وتسكن معهما ؟ في شقته ؟ مكان ديما وأولاده ؟
لم يستطع هذه المرة إخفاء ضيقه فأسرعت تتناول كفه وتضعه على معدتها مردفة بنبرة حماسية :
- أنا بايني حامل .
ذهل مما سمعه فالتمعت عينيها تومئ وأسرعت ترفع كفها تحتضن صدغه وتتابع بنبرة لعوبة :
- أيوة يا كمولتي ، العادة غيبة بقالها أسبوع أهو وحاسة بدوخة ونفسي غامة عليا ، بس كنت مستنية أتأكد وساعتها هيبقى ربنا عوضنا أنا وأنت بكمال صغير ييجي ينور حياتنا ويعوضك عن ولادك اللي أمهم قست قلبهم عليك .
أطفال ؟ هل كان يريد منها أطفالًا ؟ لم يكن هذا مخططه على الإطلاق لذا ابتلع لعابه وأردف بملامح متجهمة :
- حمل إيه بس يا زينة دلوقتي ؟ إحنا يا دوب بقالنا مع بعض 3 شهور .
انزعجت فنهضت وأبدت ذلك في نبرتها وهي تصيح :
- نعم نعم نعم ؟ يعني إيه حمل إيه ؟ داحنا اتأخرنا كمان ياعنيا ، دانا بدعي وبتمنى من أول يوم ربنا يرزقني بحتة عيل منك وانت جاي تقول لي حمل إيه دلوقتي ؟ هي دي فرحتك ؟
هدأها ومد يده يقبض على ذراعها ويعاود إجلاسها ثم زفر واستغفر وحاول تقبل الأمر خاصةً وأن هذا الوضع طبيعي لذا أجابها بهدوء نسبي :
- يابت افهمي ، أنا قصدي كنا ندلع شوية وبعدين ييجي الحمل والخلفة ، مهو انتوا بتخلفوا من هنا وبتقلبوا جعفر من هنا .
نزعت يده عنها وصاحت باستنكار :
- لاء يا عنيا صوابعك مش زي بعضها وحسك عينك مرة تانية تشبهني بحد يا كمال وآخر مرة هقول ، أنا يا حبيبي طول مانت كويس معايا وبتنفذ لي طلباتي هتشوف مني الدلع كله حتى لو معايا بدل العيل عشرة ، فاهم ؟
طريقتها في التوبيخ تثيره أكثر من هدوءها ، تشعله أكثر من دلالها لذا لكزها يسترسل بتريث بعدما انقشعت غيمة غضبه :
- خلاص اهدي اللا ! فتحتي ع السابع مرة واحدة ، أنا كل اللي عايزه إن نفضل كدة حلوين مع بعض ومتفاهمين .
زفرت بقوة ثم قلبت عينيها للجهة الأخرى وتكتفت تبدي حزنها وتبدأ عقابها لذا صمت لثوانٍ يفكر .
لا يريد أن يعيش حالة الهجر التي تتركه فيها دون اي اهتمام ، حتى أنها لا تشبه ديما التي كانت تراعيه حتى في هجره بل أنها تتجاهله بشكلٍ تام وهو لم يعتد التجاهل لذا يسعى لمراضاتها ولكن إلى متى فيبدو أنها علمت نقاط ضعفه .
زفر بقوة ثم التفت لها يردف مشجبًا :
- هتقلبي وشك بقى وتقفشي ؟
لم تجبه لذا أسرع يلبي لها ما تريده :
- خلاص يا زينة اعملي اختبار ولو طلعتي حامل أنا موافق أمك تيجي تعيش تحت ، علشان تعرفي أنا بحبك إزاي وفرحان بالحمل .
أبدت فرحتها حينما التفتت تقابله وتحدق به فتابع :
- ده ابني ولازم أفرح وهربيه زي مانا عايز ، بس كل ما في الأمر إن انتِ فاجئتيني ، خلاص بقى ماتزعليش .
أسرعت تلقي بنفسها داخل حضنه وتنتشل منه دفئًا لا يمتلكه ثم ابتعدت تطالعه بعيون منتصرة فرحة ونهضت تجيبه بميوعة :
- هروح بقى أجهز السهرة وأجيلك .
❈-❈-❈
السعادة التي تغمرها حينما تقرأ تدوينة أو تعليقًا يمدحها سعادة من نوعٍ خاص ، لا تحب المدح بقدر حبها لإيصال مشاعرها إلى الناس .
لا تحب التفخيم بل تحب نعمة الله عليها التي تتمثل في محبة أناس لا تعرفهم ولا يعرفونها وبينهم حدودًا وبلاد ومع ذلك يحبوها لأنها عبرت عن شيءٍ لمسهم .
أخذت نصيبًا جيدًا من التواضع الذي يؤهلها للفوز بالقلوب .
عبثت على لوحة المفاتيح ترسل ردًا على هذه الرسالة الرائعة وتعبر عن امتنانها وحبها للمرسلة وختمت رسالتها بوردة وقبلة .
ابتلعت لعابها وابتسمت تشكر ربها على النعم التي انهالت عليها بعدما تحررت من قيود سجانها وكأن الله يكافئها على هذا التحرير ، نعم لم تكن تظن أنها ستراها خاصةً هذا التوفيق والسرعة في درب مستقبلها الأدبي .
في الغرفة المجاورة يتمدد داغر مستيقظًا شابكًا كفيه أسفل رأسه وعقله يسبح فيها ، يفكر في حديثها ، مخاوفها ، حزنها على فراق والديها الذي لم يقل ولم ينتزعه أحدٌ بعد ، وحدتها وشعورها بالغربة والخوف في منزل عمها .
لقد أخبرته بكل هذا ، ثلاثة أشهر اقتربت منه برغبتها وفتحت أمامه كتابها دون خوف أو قيد ، بل أنها شعرت معه بالأمان والراحة اللذان تفتقدهما .
ولكنه أحبها ، ربنا الأمر بالنسبة لها صداقة أو ارتياح أما بالنسبة له تحول لحبٍ ومسؤولية ، هو لا يعترف بأي صداقة بين رجلٍ وامرأة ولكن معها وقع في الخطيئة والآن يتقلب على صفيح الحب الساخن بل أنه يحترق فقصتهما مستحيلة من جميع الجهات أولهما عدم مبادلتها لمشاعره وآخرهما مستواها المادي .
لم يكن يريد أن يقع في العشق ، يعلم أن العشق يضعف صاحبه لذا أراد أن يختار شريكة حياة مميزة حسب عقله ، لتكن من نفس مستواه ولكن ... كان لقلبه رأيًا آخر .
تنهيدة مأججة خرجت من جوفه والحيرة باتت لا تفارقه ، يريد أن يبتعد ولكن كيف وأسعد أوقاته باتت في قربها ، كيف يبتعد وهو يشعر أنها مسؤوليته كأنها من ضمن أسرته .
لذا فهو يكره ماجد ، برغم أنها حاولت استنكار أفعاله معها ولكنه لم يفعل ، يعلم نواياه جيدًا ولكنه عاجزٌ عن ردعه .
عاد يزفر وهمس بترجٍ :
- يارب حلها من عندك يارب .
دعا ربه وحاول أن ينام .
❈-❈-❈
وحاولت هي أيضًا حيث تنام على جانبها الأيمن وتفكر فيه ، وقعت في حبه ، الهالة المحيطة به وهيبته مع العمال وشخصيته التي تفرض نفسها على الجميع جعلتها تعشقه ولكنها بارعة في عدم إظهار مشاعرها .
فالموانع كثيرة لقصتهما وأولها غدر عمها وآخرهما فارق السن بينهما .
لمَ ليست الحياة هينة ؟ لمَ لم تجد مواصفاته في غيره ؟ لمَ هو مميزٌ إلى ذلك الحد الذي يجعلها تتألم في صمت ولأول مرة تكون عاجزة عن اتخاذ قرار يريحها .
تنهيدة حارة صدرت عنها تعبر عما تشعر قبل أن تلاحظ محاولة فتح بابها بهدوء شديد من خلال لف مقبضه ببطء .
جحظت عينيها برعب وابتلعت لعابها وغزى الأدرينالين جسدها ولكن لحسن حظنها أنها توصد الباب لذا عاد المتطفل خالي الوفاض وتركها تودع النوم الذي قرر الرحيل عنها .
❈-❈-❈
تهديد توماس له بسيرة زوجة شقيقه جعله يريه وجهًا لم يظهره منذ جاء إلى فرنسا ، ملامح قاتمة تلبستها شياطينه وهو يكشر ويقترب منه حد الالتصاق مردفًا بتوعد سافر :
- إياك ونطق اسم فرد من أفراد عائلتي أيها القذر ولا تختبر صبري ، إذا كنت تمتلك معلومة أو اثنتين عني فأنا أمتلك السكين التي ستنحر رقبتك ، كن حذرًا ودعنا نعمل في صمت ، هل فهمت ؟
تشبحت ملامح توماس بالصدمة ، هذا يعني أن مارتينا خانته وأفشت أسراره ، نعم هذه الثقة التي يتحدث بها ثائر ليست من فراغ لذا ... عض على شفتيه ثم ابتسم يردف بتركيز :
- حسنًا ، لنعمل في صمت إذًا ، كلانا لا يفضل أن تكشف أسرار الآخر ، أليس كذلك ؟
تجلت ابتسامة خبيثة على ملامح ثائر وهو يومئ له ثم تحرك يغادر من أمامه تركه يتوعد لمارتينا الخائنة .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
ترجلت دينا تخطو في شارع حارتها لتصل الى الطريق العام وتستقل الحافلة التي ستقلها إلى الشركة .
توقفت حينما رأت صالح يفتح ورشة شقيقها فابتسمت ترحب به قائلة بلطفٍ عفوي :
- صباح الخير يا باش مهندس صالح .
رفع صالح الباب المعدني والتفت يطالعها باحترام ثم ابتسم يجيبها :
- صباح الخير يا آنسة دينا ، كيفك ؟
أجابته بودٍ :
- أنا كويسة الحمد لله ، فاتح بدري النهاردة !
أومأ لها يوضح وهو يسعى ليتجنب عينيها :
- ااه ، صحيت بكير قلت آجي افتح الورشة عبال ما الولاد ييجوا .
أومأت بتفهم ثم أردفت مودعة :
- تمام ربنا معاك ، عن اذنك .
غادرت وتركته يقف شاردًا في أمرها ، من المؤكد أنها تفعل ما تفعله بطريقة عفوية ولكن معاملتها هذه أسرته رغمًا عنه ، لا يريدها أن تبتسم له ، لا يريدها أن ترحب أو تسلم أو تتطلع عليه ، لا يريد لعقله أن يفكر بها فهو ليس لديه الحق في عيش أي مشاعر الآن سوى الحزن على مصابه ولكن منذ متى وعلى القلب سلطان ؟!
لولا توصية داغر له بمتابعة الورشة لكان قد تركها وابتعد ولكن كيف يرد الجميل بفعلته التي سيفسرها داغر على أنها غادرة ؟
ليتها تكف عنه ، ليتها تنجو من حطام أحزانه فهي لا تشبهه قط ، مفعمة بالحياة تستحق شابًا مثلها وأكثر بينما هو نال من الحياة ما يجعله في رجاءٍ دائم لمقابلة من ذهبوا .
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
في طريق عودتها إلى المنزل بعد أن سلمت العمل للدار واتفقت مع مديرها على نشر كتابها الأول .
تجلس في سيارة بسمة التي تقود مبتسمة وسعيدة من أجلها لذا تحدثت وعينيها على الطريق :
- لازم بقى نبدأ نعمل لها دعاية قوية ، القصة دي تستاهل فعلًا إنها تتشهر .
تحدثت ديما بحرج من كرم بسمة الذي تراه زائدًا :
- بسمة أنا عايزة أشكرك جدًا على كل حاجة عملتيها علشاني ، بس لو سمحتِ كفاية لحد كدة ، أنا هعمل الدعاية كلها ، بلاش تحرجيني أكتر من كدة .
قطبت جبينها واستطردت معنفة بتعقل :
- ايه ده يا ديما ؟ معقول بعد كل ده مش معتبراني صاحبتك المقربة ؟ وبعدين عايزة أفهم أنا عملت إيه علشانك ؟ قوليلي حاجة واحدة عملتها ؟
- كتير أوي يا بسمة أولهم الأستاذ وليد اللي كلمتيه يتولى قضيتي ، ودار النشر اللي كلمتيهم هما كمان ، ده غير وجودك ودعمك .
نطقتها وملامح الحرج بادية على تقاسيمها لتجيبها بسمة بتوضيح صادق :
- أولًا داغر هو اللي دفع أتعاب أستاذ وليد كلها وأنا بس وصلته بيه ، ثانيًا الدار إنتِ مكسب ليها مش العكس ، وهما فرحوا جدا بالتعاقد معاكِ بعد ما شافوا كتاباتك وحب الناس ليكِ خصوصًا برا مصر ، ثالثًا وجودي ودعمي أنا اللي عايزة أشكرك عليهم ، أنا ماعنديش أخوات يا ديما ولأول مرة أحس يعني إيه أخت معاكِ ومع دينا ، حتى طنط منال أنا بحبها جدًا وحقيقي أسعد وقت هو اللي بقضيه معاكم ، فياريت بلاش كلامك ده لإنه بجد بيزعلني وبيحسسني إني غريبة .
نظرت لها ديما بعطفٍ وامتنان وأرادت عناقها ولكن المكان لم يسمح لذا عانقتها بنبرتها حينما أردفت بلمعان عينيها الفرحة :
- شكرًا يا أجمل أخت .
كانت جملة خرجت من قلب ديما واستقرت في قلب بسمة التي شعرت بها بكل وجدانها ، إنها بالفعل الأخت التي عوضها الله بها .
❈-❈-❈
تجلس على الأريكة التي كانت تجلس عليها ديما ، تنظر لكل شيء وما زال الغيظ يغمرها حتى بعدما أتت والدتها لتقطن معها .
كانت تقف تزيح الغبار الذي تراكم على الأثاث وتنظر نحو ابنتها الشاردة لتردف موبخة بضيق :
- ماتقومي يا بنتي تساعديني ضهري وجعني من التنضيف ، ماكنتيش عارفة تنزلي تنضفي الشقة قبل ما أجي ؟
حدجتها بنظرة مستنكرة وأردفت وهي تفرد نفسها على المقعد أكثر :
- انضف إيه يا ماما إن شالله عنها ما نضفت ، وبعدين أنا حامل أساعدك إزاي يعني ؟
تمسكت السيدة بظهرها الذي يؤلمها واستطردت بعتب :
- وإيه يعني حامل ؟ دانتِ لسة عارفة إنك حامل امبارح ، مانا كنت حامل فيكِ وكنت بشيل واحط .
نهضت تصيح وتشير إلى رأسها بيدها :
- بقولك إيه يا ماما حلي عن نفوخي ، أنا غلطانة إني نزلت ، وبعدين احمدي ربنا إنك هتقعدي معايا هنا من غير ما تدفعي إيجار ولا حد يخبط عليكِ كل أول شهر ، نضفي وانتِ ساكتة .
زفرت والتفتت تغادر الشقة وتصعد شقتها متعهدة أمام نفسها أن تبدل أثاث شقتها بآخر يليق بها ويكون أفضل من أثاث ديما .
❈-❈-❈
في الشركة الصينية .
جلست دينا في مكتبها تباشر عملها قبل أن يأتيها اتصالًا من مديرها يطلب حضورها .
نهضت تغادر لتردف فرح من خلفها موجهة حديثها إلى شريف الذي سلط عينيه عليها :
- أنا حاسة إن فيه إن في الموضوع ده ، كل شوية يطلبها تروح له ، ليكون ـــــــــــ .
قاطعتها مايسة تنهرها بغضب مخبأً أسفل نبرة هادئة معنية :
- مايصحش الكلام ده أبدًا يا فرح ، دينا زميلتنا وإنتِ كنتِ لسة بتتكلمي معاها قبل ما تروح ، عيب وحرام .
مطت شفتيها بضيق من كلمات زميلتها وتمتمت بخفوت بكلمة لم يفهمها أحد وعادت تكمل عملها بينما شريف انشغل عقله بكلماتها ، هو أيضًا يشك أن بين دينا ومديرها علاقة ولهذا يجب عليه التصرف .
في الجهة الأخرى وصلت دينا المكتب وطرقت الباب فسمح لها لذا تحمحمت ودلفت تبتسم له وتتقدم مردفة بالصينية :
- تفضل سيد لو تشو أسمعك !
رفع بصره يمعن النظر فيها ثم ابتسم يردف :
- بعد قليل هناك اجتماع طارئ بيني وبين رجل أعمال سعودي ، استعدي للترجمة .
تعجبت فهناك مترجمة خاصة بالاجتماعات لذا تساءلت بترقب :
- وماذا عن الزميلة نهلة ؟
هز رأسه وأردف بثبات :
- من الآن فصاعدًا أنتِ من ستحضرين اجتماعاتي وتقومين بالترجمة ، أنتِ من ستتولين أموري جميعها دينا .
كانت نبرته تشير لشيء آخر ، شيءٍ لا تفهمه أو تخشى أن تفهمه فهي تلاحظ تحوله معها ولكنها تتعامل بجدية مطلقة ولهذا ابتسمت تجيبه بعملية :
- حسنًا سيد لوتشو على الرحب والسعة ، سأذهب لأستعد .
تحركت تغادر فأوقفها ينادي باسمها فالتفتت تطالعه بعيون متسائلة فوجدته يحدق بها لثوانٍ وترتها لذا ابتسم وأردف بهدوء :
- في انتظارك .
أطلقت تنهيدة مقيدة وأومأت تغادر وتحاول ألا تتأثر بأي مشاعر هنا ، هنا فقط العمل الذي سيجعلها تصل إلى أهدافها ، هي تسعى وتطمح لتثبت نفسها وتجمع المال الذي ستأمن به مستقبلها بعيدًا عن تسلطات الرجال المزعجة كما حدث مع والدتها وشقيقتها ، لن تخضع للحب والمشاعر بأي شكلٍ كان .
❈-❈-❈
التحذيرات التي حذرها لها جعلتها في عين الاعتبار وقد بدأت تتراجع عما كانت تفعله .
ولاحظت رحمة ذلك جيدًا فيسرا لم تعد تزورها يوميًا وتتحدث معها بل تتعمد تجنبها لذا نهضت رحمة تخطو نحو شقتها بعدما قررت أن تعرف منها سبب التجاهل هذا ، هل أخطأت أم حدث شيئًا آخر خاصة وأن يسرا تقبلتها كما هي برغم خطيئتها ، ترى أتخبرها بالحقيقة ؟ ربما وثقت بها أكثر ، هي بحاجة أشخاص في حياتها كيسرا و .... زوجها .
طرقت باب يسرا وانتظرت ففتحت لها الأخرى بعد ثوانٍ تطالعها بابتسامة هادئة متحدثة :
- أهلًا يا رحمة تعالي ، إنتِ كويسة ؟
التمعت مقلتيها وهي تطيل النظر إليها قبل أن تتساءل :
- إنتِ زعلانة مني في حاجة ؟
توترت نظرات يسرا خاصة حينما لمحت غيومها وأردفت موضحة بعاطفة :
- لاء خالص هزعل منك ليه بس ، إنتِ كويسة ؟
هزت رأسها بلا تجيبها بنبرة متحشرجة :
- لاء مش كويسة خالص ، أنا مخنوقة جدًا ، ممكن أتكلم معاكِ ؟
شعرت يسرا بالحرج فلا يمكنها أن ترفض وفي ذات الوقت أوشك دياب على العودة فوقفت مترددة تطالعها دون أن تجيبها لتفهم الأخرى لذا أومأت وبكت وهي تلتفت مستطردة :
- معلش أسفة ع الإزعاج .
تحركت خطوة لتغادر فلم تستطع يسرا أن تتركها خاصة وهي في هذه الحالة لذا مدت يدها تمنعها من إكمال خطواتها مردفة :
- استني بس يا رحمة إزعاج إيه ! تعالي أدخلي يالا .
يفترض أن ترفض ولكنها لم تستطع حيث تحركت معها داخل شقتها واتجهت تجلس على الأريكة وتفرك كفيها بتوتر وجلست يسرا قبالتها تستطرد بنبرة لطيفة :
- يالا قولي مالك ؟
أمعنت النظر إليها وتساءلت مستفسرة :
- هو إنتِ بتحاولي تبعدي عني !
عاد التوتر ينشب داخلها وتنهدت تجيبها بمراوغة :
- هبعد عنك ليه بس ! كل مافي الأمر إن الحمد لله شهور الوحم والقلق عدت وإنتِ بقيتي زي الفل فقولت اهتم بدياب شوية ، الفترة اللي فاتت أنا قصرت معاه جدًا وهو بصراحة مش بيشتكي بس أنا بدأت أحس إنه زعلان .
حاولت إخبارها بطريقة غير مباشرة دون أن تذكر لها تحذيراته بالابتعاد عنها ولكنها وقعت في تحذيره الآخر وعادت تخبرها بشيءٍ عنهما .
أومأت رحمة بتفهم وأردفت آسفة :
- أيوة إنتِ معاكِ حق ، أنا فعلًا شغلتك جدًا معايا الفترة اللي فاتت ، بجد أسفة .
نهضت تجبها بملامح بشوشة :
- لاء يا قلبي خير ، قوليلي تشربي إيه ؟
أوقفتها بيدها تسترسل بعيون ثاقبة :
- لاء اقعدي مش هشرب حاجة ، أنا عايزة أتكلم معاكِ .
عادت يسرا تجلس حينما لمحت التصميم في عينيها فتنفست رحمة عاليًا ثم بدأت تسرد عليها ما حدث في الماضي :
- إنتِ عارفة إني كنت بدرس في فرنسا ، وهناك اتعرفت على جوزي وهو لما عرف إني مصرية قرب مني جامد وبقينا نتقابل كتير وبقيت أشوفه حواليا في كل مكان برغم إن هو كان أكبر مني ضعف عمري بس مكانش باين عليه ده ، كان وسيم جدًا وجنتل مان وعرف يخليني أحبه وأنا كنت بمر بفترة صعبة في حياتي وموت بابا كان مأثر عليا جدًا بس بردو اختلاف ديانتنا كان عائق كبير بالنسبالي لكن هو أكد لي إنه أقرب لديني من دينه وأنه قريب هيشهر ده بس طلب مني نتجوز جواز مدني .
تعلم يسرا اختصار هذا الأمر من قبل ولكنها استمعت بإذعان والأخرى تتابع بخجل من فعلتها وحزنٍ يطفو على ملامحها :
- في الأول رفضت طبعًا بس هو كان لحوح جدًا وكان معيشني في حالة غريبة جدًا ، كان بيجيب لي كل حاجة من غير ما اطلب ، حاجات كتير جدًا وهدايا كتير جبهالي لحد ما قبلت لكن كنت رافضة ده من جوايا وشايلة جدًا هم أهلي بس قلت بعد ما نتجوز ويشهر إسلامه هخليه ينزل مصر ويتكلم معاهم ، كنت غبية جدًا .
زفرت بحرارة وحزنٍ تتابع :
- وفعلًا أخدني واتجوزنا مدني ومن بعدها عيشني أجمل أيام حياتي بس كان بحذرني من إني أحمل منه ، بعد فترة بدأ يتغير وبدأت أخاف منه خصوصًا أني سمعته مرة بيتكلم عن مراهنات المصارعة وشغل مش مظبوط واتكلمت معاه وقلتله ينفذ وعده ويشهر إسلامه زي ما قال وننزل مصر لإن أهلي كان وصلهم خبر بجوازي وزعلوا جدًا مني .
بنظرة بها كل معاني القهر استرسلت :
- لحد ما حصل اللي عمري ماكنت أتخيله في يوم وأنا بتناقش معاه صوتي علي لقيته ضربني ومن بعدها اتحول لشيطان ، كان مرعب جدًا وهو بيقولي إنه اتجوزني لأهداف في دماغه مش لحب وكلام فارغ وإنه مستحيل يعلن إسلامه .
شهقت يسرا بفزع فأومأت رحمة تتابع بعيون باكية ودموع منهمرة وهي تتذكر :
- من بعدها عيشت أسوأ أيام عمري معاه ، كان حرفيًا بيعتدي عليا حتى في المشاعر ، استغلني بطريقة بشعة واتحول كل الحب اللي عيشهولي لكره لدرجة إني كنت هنتحر وحاولت أتكلم مع أخويا بس هو رفض تمامًا يسمعني وفعلًا يئست ومنعت الأكل وكنت في حالة بين الحياة والموت لحد ما لقيته بيقولي إنه حررني وإني خلاص مابقتش كارت مهم بالنسباله وإن أصلًا جوازنا مكانش جواز ، ده كان ترتيب منه وأوهمني بيه وإني لو عايزة أرجع مصر عايشة يبقى أنسى تمامًا إني شوفته ، ووافقت أرجع مصر وأنساه بس آخر حاجة كنت أتوقعها إني أطلع حامل ، أنا كنت باخد الأقراص بانتظام في الأول بس من وقت ما اتحول وأنا فعلًا مابقتش مركزة في أي حاجة ، والباقي إنتِ عارفاه .
لم تستوعب يسرا كل ما سمعته ، الصدمة بادية على ملامحها بقوة ، لم تكن تتوقع أن الأمور معقدة بهذا الشكل لذا نطقت تحت وطأة صدمتها :
- أنا مش قادرة استوعب ، إيه كل الغلط ده ؟
انهمرت في بكاءٍ حاد ويسرا لم تعد تعلم ماذا تفعل بل دلفت في نوبة حيرة من استهتار الماثلة وأخطاءها المتكررة وتهيأت أمامها كلمات زوجها لتشك في حديثها برمته لذا تابعت موبخة بانزعاج :
- يعني أصلًا مافيش جواز ؟ أوهمك إزاي ؟
لم تعد في حالة تسمح لها بالدفاع بل غطت وجهها بكفيها تبكي وبرغم عاطفة يسرا إلا أنها نهضت تستطرد بضيق حينما سمعت صوت زوجها :
- رحمة الأحسن تروحي دلوقتي على شقتك .
نطقتها تزامنًا مع ظهور دياب الذي فتح الباب ودلف يتعجب من صوتها ومن تلك الجالسة تبكي وتنتحب لذا تحرك نحوهما يتساءل بقلق وهو يوزع نظراته بينهما :
- فيه إيه يا يسرا ؟
زفرت بقوة تطالعه بعجزٍ وتخبره بعينيها أنه كان محقًا من البداية بينما نهضت رحمة تطالعه بعيونها الباكية وتردف بتوتر وحشرجة :
- أنا أسفة جدًا ، يسرا معاها حق .
التفتت إليها وأمسكت بكفيها تتابع ببكاء وضعف :
- أنا احتفظت بيه لإن ماليش حد ، قلت يمكن يعوضني ويكون هو عيلتي اللي خسرتها بغبائي ، صدقيني يا يسرا أنا ماكنتش ناوية أحتفظ بيه .
تمسكت يسرا بعقلها عاجزة عن الاستيعاب ووقف دياب يحاول فهم ما يدور لتبتلع رحمة لعابها وتتمسك بذراعها وأردفت بتشتت وانهيار :
- طيب أنا ممكن أنزله !
استيقظ وحش خامد داخل يسرا واتسعت مقلتيها تطالعها بذهول ، ستقتل جنينها الذي تجاوز عمره الأربعة أشهر ؟
هدرت بانفعال مبالغ :
- تنزلي إيه ؟ إنتِ مجنونة ؟
حاول دياب تهدأتها حيث لمح الأخرى تنكمش خوفًا فقال يبعدها :
- اهدي يا يسرا مش كدة .
طالعته مستنكرة تجيبه :
- كدة قتل يا دياب ، تنزله إزاي وبسهولة كدة ؟ مش ممكن .
لم تستوعب رحمة أن هذه هي نفسها يسرا الهادئة الحنونة التي راعتها لمدة ثلاثة أشهر ، الآن هي في أشد حالتها غضبًا ، تحولت هي الأخرى حينما تعلق الأمر بالجنين .
لتجد دياب يحاول تهدأتها وضمها كي يهدأها مردفًا بنبرة لينة وهو يربت على ظهرها :
- اهدي بس دلوقتي علشان خاطري ، اهدي وهنتكلم .
نجح في امتصاص غضبها لتتنفس بقوة وتتعلق في عينيه تسترد منهما الهدوء والسلام لذا عادت إلى رحمة وقد اتضحت لها الرؤية الآن ، هذه الفتاة غريبة عنها ، لا تعني لها شيئًا ، لا هي ولا جنينها ، الخطأ هنا واقع عليها حينما صدقت أنها ستكون أمًا ثانية لهذا الجنين لذا ...
ابتلعت لعابها وأمعنت النظر في زوجها الذي يقف يراقبها ثم عادت إلى رحمة وأردفت بهدوء صارم :
- بصي أنا طبعًا ماليش أي حكم عليكي إنتِ كبيرة كفاية علشان تاخدي قراراتك ، ومن هنا ورايح اعتبريني جارة ليكي وبس .
أدركت أنها خسرت يسرا أيضًا ، خسرتها كما خسرت أهلها وتوماس وستعود وحيدة منبوذة لذا سلطت عينيها على دياب الذي يصب اهتمامه على زوجته وبنظرة احتياج أردفت بوهن قبل أن تغادر :
- تمام ، عن اذنكوا .
تحركت تغادر وتعود لشقتها بخيبة تحت أنظاره وقلبه الذي رأف لحالتها بينما عقله يحاول تجنبها .
انتبه على زوجته التي أمسكت به تلفه إليها وتردف بنظرات نادمة :
- إنت كان معاك حق يا دياب ، البنت دي ماكنش ينفع أثق فيها أبدًا .
تساءل بعينيه عن السبب قبل أن يردف :
- انتوا اتكلمتوا في إيه بالضبط يا يسرا .
زفرت بقوة وأمعنت النظر تردف :
- هقولك ، بس سيبني الأول أحضر الغدا .
تحركت بعدها نحو المطبخ لتحاول الاندماج في أي شيء عدا التفكير في أمرها .
❈-❈-❈
ليلًا وقف يتحدث مع صالح أمام ورشته التي أغلقها للتو وتساءل :
- فكرت يا صالح في اللي قولتلك عليه إمبارح ؟
شعر بالحرج يجيبه مستفسرًا :
- طيب فهمني يا داغر إنت بتعمل هيك عشان ظروفي ولا فعلًا انتوا محتاجين حد زيي في المصنع !
نهره داغر يردف بنبرة تأكيدية :
- يابني افهم بقى ، قولتلك إن المصنع أقسام منهم القسم اللي أنا مسؤول عنه وفيه غيره وأحنا محتاجين لقسم المعدات التقيلة مهندس كفؤ وأنا مش هلاقي أحسن ولا أأمن منك ، أنا كان ممكن أكلم آنسة بسمة بس قلت أرجعلك الأول ، وافق بقى يا صالح والورشة نبقى نفتحها أنا وانت بعد العصر .
تجلت الفرحة على محياه وبات لا يعلم كيف يشكره ليدرك داغر ذلك لذا أسرع يوضح :
- قبل ما تقول أي حاجة أنا مجرد سبب ربنا بعت لك رزق عن طريقه ، يعني بطّل الدراما بتاعتك دي .
ابتسم صالح فأشرقت ملامحه وأومأ يجيبه بامتنان :
- تسلم يا داغر .
ودعه داغر وتحرك عائدًا إلى منزله وهو ينوي التحدث مع شقيقته عما يعتليه وليرى نصيحتها ، ربما دلته إلى شيءٍ لا يراه .
كانت في هذا الوقت تتصفح الانستا الخاص بثائر وأخذها فضولها لتقرأ آخر منشورٍ له حيث أرفق صورة فتيات فرنسيات يضحكن وهن يتجولن في شوارع باريس ودوّن أسفلها
( الوجوه هنا خالية من الهموم ، تعبر عن حياة وحرية وطاقة إيجابية ، هيأتهن تعبر عن انفتاح لن تجدوه في عوالم أخرى ، إنها باريس عاصمة الموضة ، إنها العشق )
نجح في استفزازها سلبيًا كما تنجح كتبه في إلهامها بكل ما هو إيجابيًا لذا دوّنت ساخرة بالعربية وعلى محياها ابتسامة تحدي عابر
( ما بك أستاذ ثائر ؟! ألست من الرجال الذين يتساءلون لما عينيكِ بها حزن ! إذا فـ كيف ستتواعد مع إحداهن إن كانت ملامحها خالية من الهموم ، أخبرنا فمنك نستفيد )
أرسلته وهي تعلم أنه لن يراه بين هذا الكم من التعليقات ، لقد تضاعفت التعليقات على منشوراته بشكلٍ كثيف أثار انتباهها خلال الأشهر الماضية ، إنه يحظى بشعبية كبيرة وهذا يجعلها تشعر بالضيق من تصديره لمنشورات تلمع الغرب دونًا عن بلده .
زفرت بقوة وانتبهت للطرقات على باب غرفتها لذا سمحت للطارق فدلف داغر يبتسم لها ويتساءل :
- بتعملي إيه يا باش كاتبة ؟
ابتسمت تشير له بالجلوس قبالتها قائلة بحبور :
- تعالى تعالى يا باش مهندس ، كويس إنك جيت تعترف بنفسك قبل ما آجي استجوبك ، يالا احكي .
هكذا دلفت في صلب الموضوع فهي تلاحظ شروده وحيرته ولمعان عينيه كلما جاءت سيرة بسمة لذا مرت على رئتيه تنهيدة معبأة بالأحمال وازدرد ريقه يردف :
- هحكيلك وانتِ ساعديني ألاقي حل ، بس قبلها حطي نفسك مكاني .
أومأت بتفهم فبدأ يسرد عليها ما يحدث معه بعدما ولته كامل انتباهها .
❈-❈-❈
في طريق خالٍ محاط بغابة يقود سيارته وتجاوره مارتينا التي لا تعلم أين تذهب ، أخبرها فقط أنه يعد لها مفاجأة وجاء بها إلى هنا ولم تستطع الرفض .
كانت تشعر بالغدر يحوم حوله لذا تأهبت تطالعه بين الفينة والأخرى وهو يقود بصمت قطعته بسؤالها :
- ألن تخبرني ما هي المفاجأة توماس ؟
لم يتفوه ببنت شفة بل استمر في قيادته حتى توقف أمام كوخ في وسط هذه الغابة ، التفت لها يبتسم ابتسامة لم تصل لعينيه الماكرتين وأردف بهدوء مخيف :
- هيا مارتينا انزلي .
توترت ولكنها ترجلت معه واتجها نحو الكوخ ودلفا فأسرع يلفها إليه ويقبلها بعنف لم تعتد عليه منه ولكنها تقبلته قبل أن يبعدها عنه ويتجه إلى مقعدٍ ما يجلس عليه ويضع ساقًا فوق أخرى مردفًا وهو يمعن النظر فيها :
- هيا أيتها الساحرة اخلعي ثيابك ببطء و أخبريني كيف خنتيني وكذبتي علي .
قطبت جبينها وتساءلت بتوتر :
- ماذا ؟ أي خيانة توماس ؟ أنا لم أخنك .
ضحك بشر ودس يده في خصره يخرج سلاحه ويشهره أمامها مردفًا بنبرة قاسية :
- بل فعلتِ وكذبتِ ، أخبرتي ذلك الثائر عن أسراري وقلتِ بأنكِ لم تفعلي ، هل كنتِ تستغليني ؟
برغم خوفها الذي هجم عليها إلا أنها وقفت في مواجهته تردف باستنكار وبراعة تمثيلية :
- ماذا ؟ من قال لك هذا توماس ؟ أتتهمني بالخيانة وأنا التي جئت إليك برغبتي بعدما وقعت في حبك ؟ تحديت أبي وابني وذلك الثائر الذي كان يتلهف ليسلطني عليك ولم يفلح فقط لأني أحببتك وأنت تتهمني بالخيانة ؟!
نطقت الأخيرة بدموعٍ وهي تتقدم منه وللعجب نجحت في التأثير عليه لذا أنزل سلاحه وتساءل وهو يراها تقترب منه :
- كيف حاول أن يسلطكِ ؟ أخبريني كل شيء ، والأهم أخبريني ماذا قولتِ له آنذاك .
أومأت وقد وصلت إليه ثم جلست على ساقه تتعمق في عينيه ورفعت كفيها تحاوط وجهه وانحنت تطبع قبلة ناعمة على شفتيه فاستقبلها بجمود لم يدم طويلًا حتى أعلن استسلامه أمام سطوة إغواءها فابتعدت إنشًا تهمس :
- سأخبرك كل شيء ولكني أشتاق إليك بشدة .
همسها وحركاتها وتلويها جعلوه يقع في فخها لذا ارتخت يده من فوق السلاح الذي تركه على الطاولة جواره ورفعها يحاوط خصرها ليبادلها الحب ولكنها انتفضت فجأة تبتعد وقد استولت على سلاحه تبتسم بتشفي وتتلوى بمكر وهي تشهره أمام عينيه الجاحظة وتردف :
- هل صدقت توماس ؟ هل صدقت أنني أحبك ؟
تجلى الغضب فوق ملامحه خاصةً من نفسه ونطق من بين أسنانه محذرًا :
- مارتينا ناوليني السلاح وإلا ــــــــ
- وإلا ماذا توماس ؟
نطقتها بتلاعب ثم تابعت توضح تحت التهديد :
- أنا فقط كنت أنتظر هذه اللحظة التي أسرعت أنت بترتيبها ، منذ أن أرسلت كلابك إلى ثائر وأصابوه وأنا أسعى للانتقام منك ، ونعم لقد أفشيت له جُل أسرارك الحقيرة أيها الحقير .
تأججت النيران داخله ولم يعد يستطيع السكون لذا نهض يندفع نحوها فلم تتردد في إطلاق النار عليه بطلقة استهدفت صدره وأسقطته صريعًا تحت أنظارها الجاحظة .
وقفت تطالعه بصدمة ولا تصدق أنها قتلته ، لقد فعلتها أخيرًا .
ابتسمت ثم عبست وتحركت تغادر دون الالتفاف خلفها .