رواية بحر ثائر الفصل الثاني عشر 12 بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل الثاني عشر 12 بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل الثاني عشر 12 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل الثاني عشر 12 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل الثاني عشر 12 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل الثاني عشر 12

رواية بحر ثائر بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل الثاني عشر 12

شكرا لك... 
فقلبي الضائع بقربك
وجدته وانا بعيدة
شكرا لك... 
فعمري الضائع معك.... 
أنقذت ماتبقى منه
وانا لست معك... 
شكرا لك... 
فكلماتي صار لها صدى
واصبح لها صوت.... 
شكرا لك
فنرجسيتك اغتالت ضعفي
وعنجهيتك اغتالت خوفي
شكرا لك
فامرأة الصمت والسلام
قد اعلنت الحرب اخيرا
وقررت الكلام.... 
عن كل تلك الآلام.... آلامُها
عن كل تلك الآثام.... أثامُكَ...
( بقلم فيروزة) 
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها أمام بيته وترجلت وخطت نحو الباب ثم طرقته تنتظر أن يفتح لها  . 
طال انتظارها فتأفأفت بضيق وعادت تطرقه وتنادي باسمه وكادت أن تجن ولكنها وجدت الباب يُفتح فالتفتت لتطالعه فلم تجده أمامها بل وجدته منكبًا أرضًا يطالعها بملامح شاحبة تمامًا وهسّ من بين أنينه  :
- مارتينا اطلبي الإسعاف  .
صعقت وانحنت نحوه تطالعه بصدمة وتساءلت  :
- ماذا حدث ثائر  ؟
قالتها وهي تخرج هاتفها وتطلب الإسعاف على الفور فلم يجبها بل قرر أن يغلق عينيه. 
❈-❈-❈
كالعادة كانا في سهرة رومانسية مميزة وفريدة من نوعها  ،  تعشق الحالة الدافئة التي يغمرها بها حتى في سطوة مشاعره  . 
تعشق حنانه ومراعاته لمشاعرها  ،  تعشق رائحته فلم تذكر مرةً منذ زواجهما أنه أتاها يومًا مهملًا بل تعهد أن يهتم بنفسه عند كل لقاء فبات عشقها له ممتلئًا ويزداد منسوبه كل مرة  . 
كان ينام ويعانقها بدفء وما زالا بين الاستيقاظ والغفوة لذا عاد يقبلها فابتسمت فتمتم بنبرة متحشرجة محبة  : 
- تصبحي على خير يا قلب دياب  . 
رفعت وجهها قليلًا وطبعت قبلة ناعمة على شفتيه مثله وأجابته بحبٍ بلغ مبلغه منها  : 
- وإنت من أهل الخير يا روحي  . 
ما إن غفيا حتى تفاجآ بجرس الباب يعلن عن وجود أحدهم لذا انتفضت بين يديه فأخذ يهدئها برغم تعجبه واعتدل يتساءل بتعجب   : 
- استر يارب  ،  مين ده اللي هييجي دلوقتي  ! 
ترجل من فراشه يرتدي ملابس بيتية وترجلت ترتدي مئزرها وخطت معه نحو الصالة فاتجه نحو الباب ونظر من العين ليجدها تلك الجارة الجديدة لذا قطب جبينه والتفت ينظر إلى يسرا قائلًا  : 
- الجارة الجديدة  . 
فتح بعدها الباب وتقدمت يسرا ليجداها تترنح وتنحني متمسكة ببطنها وتقول مستنجدة بهما  : 
- الحقوني  ،  مش قادرة  . 
قالتها وسقطت أرضًا فلم تعد تحتمل الألم الذي ينهشها ليجحظ دياب وتسرع يسرا إليها تسندها مرددة بعفوية نبعت من صدمتها  : 
- الحقها يا دياب  . 
بالفعل ساعدها وحملها مع زوجته واتجه يضعها على الأريكة ثم اعتدل وظلت يسرا تحاول إفاقتها فاتجه عائدًا لغرفته ليحضر هاتفه وعاد إليهما يهاتف الطبيب علي الذي يقطن في العمارة المقابلة والذي أجابه بعد وقتٍ يتحدث بنعاس  : 
- ألو  ؟ 
أجابه دياب بحرج  : 
- أيوا يا دكتور علي بعتذر على الإزعاج بس جارتنا وقعت من طولها وهي عندي في الشقة دلوقتي لو ممكن بس تيجي تشوفها  ! 
تنهد الطبيب يجيبه بهدوء يخفي انزعاجه  : 
- تمام يا أستاذ دياب دقايق وهكون عندك  . 
وبالفعل بعد عدة دقائق دلف الطبيب بعدما ارتدت يسرا ملابس مناسبة واتجه يفحص رحمة التي باتت تئن وتتلوى وهو يفحصها تحت أنظار يسرا بينما وقف دياب يواليهم ظهره باحترام  . 
تنهد الطبيب ونهض يردف بنبرة عالية وعينيه منكبة على الفتاة التي تبكي من الألم وربما شيئًا آخر  : 
- المدام حامل  ،  واضح إن عندها سوء تغذية وده ماينفعش مع الحمل إطلاقًا  . 
فرغ فاه يسرا ونظرت لها بتعجب لتجهش الأخرى في بكاء حاد وقد التفت دياب يطالعهم بتعجب تارةً زوجته وتارةً الطبيب الذي وقف يدون وصفته الطبية لها ثم ناولها لدياب يردف  : 
- دي مكملات غذائية ومثبت للحمل ومسكن للمغص ،  محتاجة رعاية طبعًا وابقى خليني أشوفها في العيادة بعد أسبوع  . 
التقطها منه وأومأ يجيبه بملامح متجهمة والأفكار تعصف به  : 
- تمام يا دكتور  ،  وآسف مرة تانية على الإزعاج  . 
غادر الطبيب واتجه دياب يقف بالقرب من يسرا التي تحاول التحدث إلى رحمة الباكية  ،  تكتف يطالعها بنظرات ثاقبة ثم تساءل بتريث حينما لمحها تبكي  : 
-   إنتِ تعرفي إنك حامل ؟ 
رفعت أنظارها إليه تطالعه لثانية ثم هزت رأسها بلا وحاولت النهوض وهي تئن فساعدتها يسرا وأردفت بتروٍ  : 
- استني بس ماتتحركيش دلوقتي  ،  هعملك حاجة تشربيها  . 
هزت رأسها مجددًا مع انكماش ملامحها ونظرت لها تردف شاكرة وهي تعتصر بطنها وتحاول التحرك   : 
- لا شكرًا مش هشرب أي حاجة  ، بس ساعديني أوصل شقتي  .
لم تصدم من خبر حملها  ، كانت تشك في ذلك وكانت تخشى أن تصدق حدسها  ، يا ويلها مما هو آتٍ  ، كيف ستواجه مجتمعها بطفلٍ لن يعترف به أباه وكيف ستخبرهم أنها وقعت في الخطيئة أو ربما تم استغلالها بشكلٍ مؤلم  ،  لذا يجب عليها التخلص من هذا الحمل  . 
لم يمنعها دياب بل وقف متكتفًا يطالع زوجته التي تسندها حتى أوصلتها شقتها وعادت إليه تردف بنبرة مشتتة  : 
- هنعمل إيه يا دياب  ؟  هنسيبها كدة  ؟ 
زفر وارتد على المقعد يطالعها بضيقٍ وتأرجح بين ضميرة وعقله واستنكاره لما يحدث لذا زفر وأردف بنبرة مستاءة  : 
- معلش يا يسرا اعمليلها حاجة تاكلها دلوقتي وبكرة هحاول أتواصل مع أخوها  ،  خلينا نخلي مسؤوليتنا من اللي حصل ده  . 
❈-❈-❈
بعد مرور ثلاثة أشهر 
تم الخُلع 
وأخيرًا انفصلت عنه بطريقة أقسمت ألا تريحه فيها حتى لو قدم لها ثقلها ذهبًا برغم أنه كان يسعى ليطلقها قبل حكم المحكمة ولكن شرطه كان أن تتنازل عن كل حقوقها ولكنها أبت . 
رفعت رأسها عاليًا ووضعت شرطها أمامه إن أراد أن يطلقها فليدفع لها كامل حقوقها وحقوق طفليه ولكنه رفض بتحريض دائم من امرأته وآخر ما توصل إليه هو الاستسلام لقرار المحكمة بخلعه بطريقة مهينة له مجتمعيًا ولكنها ستحافظ على ثروته التي تريد ديما نهبها بعدما عانى ليكبرها . 
طوال الثلاثة أشهر تمكث في منزل عائلتها هي وصغيريها ويتحمل داغر مسؤوليتها بشكلٍ كامل حيث رفض رفضًا قاطعًا أن تخرج للعمل خاصةً بعد ما أصابها وإن كانت تود العمل فلتكتب قصصها ولتنمي موهبتها وفعلت وبات هو المتكفل بالبيت خاصة وأنه كان على يقين أن الله فتح له باب رزقٍ جديد من أجل شقيقته وطفليها وهو العمل في المصنع والذي أتى في نفس التوقيت ولهذا أخذ بالأسباب . 
بدعمٍ مضاعف من عائلتها ويسرا وكذلك بسمة استطاعت أن تكتب قصتها الأولى التي سيتم نشرها رسميًا عما قريب . 
ليالٍ قضتها وسهرت بها تتعلم وتنمي موهبتها بالقراءة والبحث ثم تذهب بعدها كي تسرد تفاصيل نبعت من أعماقها ، رسمت شخصيتها في بطلة الرواية التي عاشت معاناتها طبق الأصل ، لم تترك صغيرة إلا وذكرتها ، لم تترك مشاعر مكبوتة إلا ودونتها . 
حتى أحلامها وآمالها نالت نصيبها من القصة كي توازن الحزن والسعادة ، ثلاثة أشهر لم يمروا على حياتها مرور الكرام بل كانت رحلة علاج تعافت بها من سنوات القهر والكتمان والحرمان . 
زاد جمهورها على موقع الانستجرام خاصة وأنها اعتادت بشكلٍ يومي نشر تدوينات كانت كسفنٍ متآكلة تحمل على متنها التفاؤل ليتمنى القارئ أن تصل إلى مرساها بسلام . 
لم تنكر أنها استفادت كثيرًا من كتب ثائر ذو الفقار خاصةً بحره الثائر ، استفادت من تناقضه بين أوراقه ومواقعه واستعملت ذات الأسلوب الذي أعجبها فباتت تدون عن شريك الحياة المميز حتى صدّق متابعيها أنها تحظى بقصة حبٍ فريدة وهذا ما أرادته تمامًا . 
لن تعترف قط أنها صاحبة القصة ، لن تخضع للاستعطاف في رحلتها مهما كان ، ستبقى شامخة حتى لو كسروا داخلها ألف عود . 
جلست في الغرفة تتحدث إلى المحامي الذي أبلغها بالحكم لتجيبه بنبرة ساكنة عرفت للراحة سبيلًا : 
- الحمد لله ، متشكرة لحضرتك جدًا يا أستاذ وليد ، تعبتك معايا . 
أجابها المحامي بنبرة بشوشة فرحة وهو يقود سيارته : 
- لا طبعًا يا مدام ديما مافيش تعب ، أنا بفرح لما بقدر أرجع لأي حد اتظلم حقوقه ، علشان كدة آن الأوان بقى نرفع قضية نفقة للأولاد ، مهما كان هما ليهم حق عليه ولازم يدفعه غصبن عنه . 
لو أنها تمتلك رأس مال أو عملًا ثابتًا حينها لن تقبل منه قرشًا ولكنها تعلم أن الحِمل يتضاعف فوق أكتاف شقيقها الغالي وهي مازالت في بداية طريقها بل أنها لم تخطُ بعد لذا زفرت بقوة وأجابته : 
- تمام يا أستاذ وليد شوف اللازم واعمله ، بس المرة دي بلاش تقول لداغر ، خليها بينا وأتعابك كلها عندي أنا . 
زفر ثم أردف يطمئنها بنبرة مبطنة : 
- ماتشليش هم أي أتعاب يا مدام ديما ، المهم عندي نجيب حقوق الأولاد وبعد كدة بسيطة . 
- شكرًا بجد ، بس أتعابك هي حقك مافيش جدال فيها ، وأنا في أقرب وقت هكلمك واجي لحضرتك المكتب وشوف المطلوب وأنا تحت أمرك . 
تجلى السرور على محياه وأردف بنبرة ودودة : 
- تنوري المكتب طبعًا . 
- متشكرة جدًا . 
أغلقت معه بعدها وجلست تتنفس الصعداء ، تحررت أخيرًا من آخر قيدٍ له ، خلعته كما يخلع المرء ثيابه البالية ويلقيها بعيدًا  ،  فعلت ما رغبت به ليكن هذا أقل أنواع الانتقام ولتترك العدالة الإلهية تسترد الحقوق لأصحابها . 
نظرت لصغيريها اللذان ينامان على السرير المجاور لها والذي كانت تنام عليه دينا قبل أن يعطيها داغر غرفته ويشتري لنفسه سريرًا يضعه في غرفة الصالون ويتخذها مسكنه . 
رزقها الله بعائلة سندتها حينما سقطت والتفت حولها كالحصن حينما حاربها ، كانت لها صديقة آنست أيامها وهونت عليها أعباء القلوب . 
كان لها كتبًا شيدت من حطامها حصنًا جديدًا جَسورًا لا يهاب السقوط . 
أما الليل ؟ فياويلها منه ، تأتيها الأفكار التي تسكتها بقراءة بعض آيات القرآن والكتابة ، مازالت تسعى للالتزام . 
طبيعتها التي خلقها الله عليها كأنثى تجعلها تحن لشخصٍ تدرك أن ليس له وجود ، ما ترسمه في خيالها تعلم أنها لن تجده على أرض الواقع ولا حتى في عالم الروايات . 
لقد قرأت روايات عدة وجميع أبطالها كانوا أناسًا عاديين ، بصفات بشرية طبيعية لا مبالغة فيها مهما بلغ حنانهم ولطفهم لذلك هي لا تهيم عشقًا بأي بطل بل تحلم برجلٍ لا وجود له سوى في عقلها فقط . 
ذلك الرجل الذي يأتي فيكون لها كهذا الفراش الذي تتمدد عليه الآن 
إن مرضت تسكنه ، وإن تعبت تغمره ، وإن بردت يحتويها ، وإن ضاقت واختنقت يسعها ، وإن فرحت وقفزت يهلل لها ويشاركها ، وإن شردت وسافرت بعقلها يكن لها ركنًا آمنًا لا تخشى السقوط من سطحه قط .
ضحكت ضحكة عالية وانحنت تقبل فراشها وتربت عليه واعتدلت تحدثه قائلة بهمس حتى لا يتهموها بالجنون :
- ماتقلقش مافيش ولا هلاقي زيك أبدًا .
زفرت بقوة وتركت هاتفها وتحركت تتمعن في صغيريها ثم نادت توقظهما بتروٍ :
- مالك ؟ رؤية ؟ يالا يا ماما فوقوا ، يالا علشان تفطروا وننزل الحضانة .
استيقظ مالك يتثاءب ونهض يتعثر فأمسكت به تحتضنه وتقبله قائلة :
- صباح الخير يا قلب ماما .
ابتسم الصغير وبادلها العناق يردف :
- صباح الخير يا قلب مالك .
ضحكت تعانقه بقوة أكبر واسترسلت بترقب : 
- حبيبي إنت ، بنقول إيه أول ما نصحى ؟ 
- أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . 
- برافو أشطر مالك في دنيتي ، يالا روح صبح على تيتا وأنا هصحي رؤية وجاية . 
حررته من عناقها أرضًا فركض نحو الخارج واتجهت توقظ الصغيرة التي تنام بعمق لذا حملتها تقبلها وتهمس بحنان : 
- مش يالا بقى يا رؤية هانم ؟ الساعة بقت ٩ ؟ 
تمتمت الصغيرة وهي تعانقها : 
- صحيني الساعة ستة يا ماما . 
قضمتها بخفة في ذراعها تستطرد : 
- ستة إيه بقولك تسعة يا كسولة يالا . 
اعتدلت الصغيرة تحدق بها ثم ابتسمت وقالت : 
- صباح الخير يا ماما . 
وكما فعلت مع مالك فعلت مع صغيرتها وهي تتحرك نحو الخارج وتلقي الصباح على والدتها ثم تركت الصغيرة أرضًا واتجهت نحو المطبخ تلتصق بمنال وتسترسل بخفوت حتى لا يسمعها الصغيران وفرحة زينت ملامحها الزينة  : 
- ماما الحمد لله خلِصت ، أستاذ وليد كلمني وقال إن الحكم صدر ، أنا دلوقتي حرة . 
اتسعت عينا منال بسعادة وأسرعت تعانقها مرددة : 
- الحمد لله يارب ، ربنا يعوضك خير يا حبيبتي .
ابتسمت وابتعدت عن والدتها واتجهت تساعدها في تحضير الفطور لهم بحالةٍ تشبه الطائر الذي تحرر لتوه واستعد ليفرد جناحيه ويحلق عاليًا بينما داغر ودينا قد تناولا فطورهما وغادرا منذ ساعتين .
❈-❈-❈
من يسعى ليحصل على ما يتمناه سيبلغه ، خاصةً حينما يسعى الإنسان ليستبدل راحته بشقائه . 
تمنى امرأة جريئة ، لعوبة ، صاخبة ، متسلطة ، فأتته زينة لتنتزع منه راحته أمام عينيه الجاحظتين وجسده المكبل بأصفاد شخصيتها وفاهه المكمم بلاصق تجبّرها . 
خرج من حمامه يخطو نحو مطبخه ليتناول أي شيء قبل أن يذهب لعمله وبملامح الضيق والانزعاج التي لم ترحل عنه تحرك يغادر بعدما لم يجد شيئًا يتناوله . 
اتجه نحو غرفته ليرتدي ملابسه وما إن أنار إضاءة الغرفة حتى تململت في نومها بانزعاج تصيح : 
- اطفي النور مش شايفني نايمة ؟ 
تحدث من بين أسنانه وهو يتجه نحو الخزانة : 
- عايز ألبس ، هلبس في العتمة ؟ وبعدين فين بقية الفطاير اللي جبتها امبارح ؟
زفرت بضيق ونفضت الغطاء عنها بعنف ثم اعتدلت تجلس وتطالعه بحنق ليظهر جسدها الذي يختفي جزءًا صغيرًا منه أسفل قميصٍ شفاف فتسلطت عينيه عليه حينما هدرت مهتزة : 
- هو إنت كل ما هتجيب أكل هتسأل عليه ؟ إيه مافيش بني أدمة عايشة معاك وبتاكل ؟ ولا هعيش ع الطاقة الشمسية ؟ وبعدين مانت عارف إن أمي وخالي كانوا عندي بليل وحطيتلهم يتعشوا . 
لم ينطق حرفًا ولم يستطع أن يعترض فحينها ستهجره وهي سيدة ذلك لذا أومأ بطاعة والتفت يفتح خزانته ويستل منها الملابس لتستطرد بنزق وهي تلتقط هاتفها من جوارها وتعاود التمدد : 
- لو جعان اعملك ساندوتش جبنة وخلص واطفي النور يا إما تنقل هدومك في الأوضة التانية . 
نفض ملابسه يحاول كظم غيظه ولكنه شعر باختناق يقوده للانفجار لذا أردف : 
- مانتِ هتقعدي على الموبايل أهو يا زينة ؟ ماتقومي تعمليلي ساندوتش إنتِ ! 
باغتته بنظرة ثاقبة ثم استرسلت بوقاحة خبيثة تدرك أنها ستمحو غيظه : 
- وهو إنت خليت فيا حيل ؟ ده أنا حاسة إني متكسرة ميت حتة . 
انقشع اختناقه ونظر لها متباهيًا يجيبها بفخر جعله يسقط في ذلة : 
- ما ده العادي ، ولا أدور على التالتة ؟ 
نشب حريقًا داخلها جعلها تتوعد له وتجيبه بتحذير قطعي : 
- بلاش الأسلوب ده معايا ، أنا ماينفعش واحدة تيجي عليا أبدًا ، وبعدين تالتة إيه يا شاطر مهو الأولى خلاص خلعتك . 
ابتسمت تتلاعب على أوتار أعصابه لذا زفر ونزع نفسه يغادر الغرفة ويغلق إضاءتها بعد أن ارتدى ثيابه بإهمال . 
لسان حاله بات يفكر لمَ لمْ يحصل على الكمال الذي يتمناه  ؟  هل هذا نقص في الزوجات أم أن حظه عاثرًا  ؟ 
أليس هناك زوجة تريحه وتهتم به وبتفاصيله ومتطلباته والأهم تحبه كما كانت تفعل أمه؟ لتطرأ على عقله ديما بملامحها الهادئة وابتسامتها الدائمة ويتذكرها بكل حالاتها  للحظات قبل أن ينهره عقله النرجسي ويستنكر حتى أفكاره معللًا لنفسه أنها كانت تفتقد لأهم جزءٍ يريده ألا وهي الجرأة  ،  نعم زينة تناسبه أكثر  . 
❈-❈-❈
كعادتها يوميًا تهاتفه مكالمة مرئية لمدة لا تتجاوز النصف ساعة ، منذ الحادثة التي تعرض لها والتي نشرت عنها الصحف الفرنسية خاصةً بعدما أسعفته مارتينا إلى المشفى وظل بها لأكثر من أسبوع حيث أن إصابته لم تكن عابرة بل استهدفت كليته ، وقد تم التحقيق في الأمر ليتبين أنه حادث سرقة وتم القبض على اللصين واعترفا بذلك .
بصعوبة بالغة استطاع أمجد أن يحجب لهفة علياء وتعهد لها بأن يسعى لتسافر إليه وتراه في أقرب فرصة .
لم تهدأ إلا بعد مكالمة منه حينما عاد منزله يطمئنها أنه بات بخير وأن لا داعي لمجيئها كما تعهد أيضًا أن يسعى ليراها عما قريب .
سألته بقلبٍ منفطر وهي تتفحص ملامحه عبر الشاشة اللعينة :
- جنبك لسة بيوجعك ؟ قولي الحقيقة يا ثائر وريحني ؟
أجابها بنبرة هادئة بلغته الأم :
- أنا كويس يا أمي ،  كل يوم تسألي نفس السؤال وبردو بقولك إني بقيت كويس   . 
زفرت بارتياح ثم استطردت بملامح متلهفة :
- تعرف الحسنة الوحيدة اللي عملتها مارتينا واللي ممكن تخليني أتقبلها إنها لحقتك يومها ، أنا مش قادرة أتخيل لو بعد الشر حصلك حاجة أنا هعيش ازاي .
ابتسم لها ابتسامة خفيفة ثم جلس على الأريكة حينما شعر بألم يزوره إذا أطال الوقوف وقال بملامح باردة لا تعبر عما به :
-  مش هيحصلي حاجة قبل ما أحضنك يا علياء هانم ما تقلقيش  ،  يالا هقفل دلوقتي علشان لازم أروح المكتب  ،  هكلمك تاني لو رجعت بدري  . 
أغلق معها والتقط نفسًا قويًا ثم نهض يبحث عن المسكن ويستعد ليتجهز كي يذهب إلى مكتبه الجديد بعدما تم توليه منصب إدارة المجلة ودار النشر الكبيرة التابعة للسيد ألفريد جوبريال . 
❈-❈-❈
في فيلا توماس أور ليان 
التقطت ملابسها ترتديها سريعًا وجلست على طرف الفراش تتصفح هاتفها وتنتظره إلى أن يخرج من حمامه . 
خرج يرتدي مئزره ويتجه نحوها مبتسمًا ثم انحني يقبلها محاوطًا وجهها وتساءل بترقب : 
- إلى أين ؟ 
نهضت تتحدث بنبرة هادئة لا تمت لها بصلة : 
- يجب أن أذهب توماس ما زالت علاقتنا سرية . 
حاوط خصرها يقربها إليه ويستطرد بهمس هائم أمام سطوة إغرائها : 
- أخبرتكِ أن نعلنها مارتينا وأنتِ ترفضين ، هل ما زلت تأملين بالعودة لذلك البائس  ؟ 
ابتسمت وابتعدت عنه تطالعه بمكرٍ يتراقص في عينيها واسترسلت : 
- هل تسعى لاستفزازي ؟ هو من كان يريد العودة لي ولست أنا . 
- إذا لِمَ ذهبتِ إليه آنذاك ؟ لمَ غادرتي بعدما غفوت وركضتِ إليه ؟ 
هكذا تساءل بملامح متجهمة حيث أنه لم يصل لإجابة تريحه بعد ، إلى الآن ولأول مرة يكون متأرجحًا بين أمرين هل خانته أم لا ؟ 
إن كانت خانته وأوصلت ما لديها إلى ثائر لِمَ إلى الآن لم يستخدم تلك المعلومات ضده ؟ 
وإن لم تخنه وأحبته كما تدعي لما استقطبته وغادرت وتركته ثم ذهبت إلى ثائر آنذاك ؟ 
لم يستطع الوصول إلى إجابة لذا قرر أن يضعها تحت الاختبار منذ شهرين وإلى الآن لم يصل إلى شيء ولا حتى استقطابها بمعلومات عن ثائر كما فعلت هي . 
أجابته بنظرة ثاقبة ونبرة باردة من بين أسنانها : 
- لن أجيبك توماس ، لن أجيبك لأنك لم تثق بي ، أنا ذاهبة وليكن بعلمك لن آتي مجددًا . 
تحركت من أمامه ولكنه أسرع يقبض على معصمها ويعيدها إليه ثم عانقها بقوة وأردف متلهفًا حبها : 
- لا لن يحدث ، ليس بعد الآن مارتينا . 
ظل متشبثًا بها ثم ابتعد قليلًا يتمعن فيها وقال بترقب : 
- لنتزوج إذًا ، أثبتي لي أنكِ تحبينني ونتزوج .
وجدت نفسها محاصرة بين عرضه ونظراته ومرت عليها لحظة توتر انقشعت وهي تبتسم وتجيبه باستنكار : 
- نتزوج ؟ وماذا عن والدي ؟ هل نسيت أمره ؟ 
- سأقنعه ، لا تقلقي ، فقط إقبلي مارتينا ؟ 
زفرت بضيق تخفيه أسفل قناع التفكير ثم استطردت بعد دقيقة : 
- دعني أفكر توماس ، يجب أن أتحدث معه ومع معاذ أولًا . 
أطلق أنفاسه وحل وثاقه من حولها يبتلع لعابه ويردف بترقب : 
- حسنًا كما تشائين ، معكِ أسبوعًا مارتينا تفكرين به ثم تخبريني قراركِ . 
نظرة استمرت لثوانٍ ثم التفتت لتغادر ولكنه عاد يوقفها بندائه : 
- مارتينا  . 
توقفت تلتفت له فتابع فملامح خبيثة وهو يتقدم منها  : 
- ما رأيكِ أن تدعيني أقابل معاذ  !  ربما هو من استطاع إقناع والده بالعمل معي  ؟ 
تجلت التساؤلات على وجهها حتى بات أمامها مباشرةً يستطرد ويديه تسري على ذراعيها  : 
- إن وافق ثائر على العمل معي سيكون رهن إشارتنا  ،  هو يظن أنني لن أقدر على إفشاء سره ولكنه مخطئ  ،  يمكنني بسهولة زجه في السجن ولن يرى النور مجددًا ولكني مازلت أرغب به معي  ،  إن استطعتِ إقناعه بذلك سأعطيكِ ما تريدينه  . 
تمعن في مقلتيها ليجد نظرتها ثابتة قبل أن تبتسم وتبتعد للخلف خطوة تهز كتفيها وتجيبه  : 
- لنبعد معاذ عن الأمر توماس  ،  ثائر لن يرحب بهذه الفكرة على الإطلاق وربما خسرت العمل معه إلى الأبد  ،  معاذ خطه الأحمر لا تحاول  . 
لوحت له بيدها وغادرت بعدها وتركته يقف يحول ملامحه من المكر إلى الغضب العاصف وقد قرر أن يبدأ في استعمال ما لديه من خبايا  . 
❈-❈-❈
لم تستطع التخلص من الحمل  ،  لم تستطع إجهاض هذا الجنين خاصة بعدما هاتف دياب شقيقها ليأتي إليها ولم يقبل بل أنه هاتفها يهددها أن تبعد عنه بشكلٍ قاطع وألا تسعى للتواصل معه ظنًا منه أنها من طلبت من دياب مهاتفته  . 
لتقرر بعدها الاحتفاظ بالحمل عله يكون معينًا لها لذا أخبرت يسرا ودياب أنها تزوجت بتوماس زواجًا مدنيًا حينما سافرت فرنسا لتدرس ولهذا تبرأ منها شقيقها ووالدتها قبل أن تتوفى  . 
وبرغم ضيق دياب مما فعلته بحق دينها وعائلتها ونفسها وبرغم انزعاج يسرا أيضًا إلا أنها لم تستطع سوى أن تمد لها يد العون وترعاها طوال فترة حملها وبالفعل بدأت تهتم بها وبأدويتها وطعامها وترى الجنين يكبر أمامها يومًا بعد يومٍ حتى أنها تذهب معها لزيارة الطبيب كل أسبوعين  . 
دلف دياب منزله ينادي على زوجته فلم تجبه لذا زفر بضيق وتيقن أنها عند رحمة لذا تحرك نحو شقتها وطرق الباب وابتعد يقف عند باب شقته لتفتح زوجته وتطالعه بتفاجؤ وابتسامة قائلة  : 
- دياب جيت إمتى  ؟ 
نظر لها بضيق وأردف  : 
- مستنيكي جوة  . 
أومأت له وعادت تودع رحمة ثم تحركت نحو شقتها لتجده يجلس ينتظرها فدلفت تتجه نحوه وجلست متسائلة بقلقٍ  : 
- فيه إيه يا دياب مالك  ؟ 
حدجها بنظرة حادة وتساءل  : 
- هو أنا كل يوم هرجع ألاقيكي عند الجيران  ؟  إنتِ مالك ومالها يا يسرا  ؟  الوضع كدة زاد عن حده وأظن إننا عملنا اللي علينا وزيادة بس بلاش القرب ده  ، أنا من الآخر مش بثق في البنت دي  . 
زفرت بقوة ثم مدت يدها تمسك بكفيه بحنانٍ وأجابته بنبرة لينة  : 
- تمام يا حبيبي أنا فاهمة وجهة نظرك كويس وعارفة إنها غلطانة طبعًا وعملت حاجة ماينفعش تتعمل أبدًا بس هي ندمت على كل ده  ،  هي نفسها تبدأ صفحة جديدة مع البيبي اللي جاي  ، وبعدين أنا بس بحاول أساعدها الفترة دي لإنها تعبانة جدًا وحملها معرض للخطر في أي وقت   .
زفر بضيق فهو اعتاد ألا يرفض لها طلبًا ولكن الأمر لا يروق له لذا أردف موضحًا  :
- يا يسرا افهمي  ، دي خانت ثقة أهلها واتجوزت واحد مش من دينها وفي الآخر رماها وبلغ عنها في المطار علشان تتبهدل  ، عايزاني أثق بسهولة في واحدة زي دي إزاي  ؟ نساعدها تمام ماعنديش مشكلة بس مش نقرب منها بالشكل الأوفر ده  .
تعلم أنه محق ولكن قلبها قد تعلق بشيء تمتلكه رحمة ولا تمتلكه هي لذا تنهدت تتساءل بترقب  :
- طيب إيه اللي يريحك  .
نهض يقسو قليلًا ولكنه لا يريدها أن تتألم لذا أجابها بنبرة ثاقبة  :
- اللي يريحني إنك تاخدي حذرك كويس منها وأوعي تحكيلها عن حاجة خاصة بينا  ،  وتقلي تمامًا من مرواحك عندها  . 
تحرك للداخل وتركها شاردة في حديثه  ،  يحذرها مما فعله هو  ،  كلما سردت لها رحمة قصتها مع توماس الذي أوهمها بالعشق سردت لها في المقابل عشق زوجها وكيف يكون العشق حقيقيًا  . 
دب الخوف قلبها من الفكرة التي لن تستطيع تحملها بأي شكلٍ كان لذا نفضت رأسها تهمس لنفسها  : 
- لا مستحيل اللي بتفكري فيه ده  ،  بلاش توهمي نفسك بحاجات زي دي  . 
زفرت بقوة ونهضت لتتبع زوجها وهي على يقين أنه محق لذا ستحاول منع نفسها عنها شيئًا فشيئًا 
❈-❈-❈
أثبت تفانيه في عمله في المصنع ، وقد نال الحب والاحترام ممن حوله ، ثلاثة أشهر لم يروا منه سوى الثقة والجدية . 
لتكن هذه أسبابًا دفعت بسمة كي تقترب منه أكثر خاصة بعدما باتت صديقة ديما ومقربة منها ومن أسرته . 
لذا فقد باتت تتواجد في المصنع بشكلٍ كثيف وتباشر بنفسها العمل ومراقبة العمال  . 
هذا الأمر لم يرُق إلى ماجد وبالطبع إلى عمها وزوجته الذي وصل غضبه لذروته لذا أقنعه ابنه أنه سيجد حلًا في أقرب وقت . 
وصل أمام المصنع وصف سيارته يترجل ويتجه نحو الداخل ليراها ويتحدث معها ، خطى نحو مكتبها باحثًا عنها ولكنه لم يجدها لذا سأل أحد العمال عنها فأخبره أنها تتناول وجبتها في الاستراحة مع المهندس داغر . 
لم يعجبه هذا الأمر إطلاقًا لذا تجلى الضيق على ملامحه واتجه ليراها بخطواتٍ اندفاعية حتى وصل إلى مكانهما ليجدها تجلس على طاولة جانبية تتحدث وتضحك مع داغر الذي يتناول طعامه . 
تكونت داخله الحمم واندفع إليها يباغت داغر بنظرات بعيدة المدى وحادة ثم لف نظره نحوها يتحدث بانزعاج محاولًا رسم الهدوء  : 
- ممكن نتكلم ؟ 
رفعت نظرها نحو تطالعه بتعجب ثم تحمحمت وتساءلت : 
- فيه إيه يا ماجد ؟ 
لم يستطع منع نفسه من قول ما يعتليه لذا استطرد : 
- فيه كتير أوي يا بسمة ، تصرفاتك الفترة الأخيرة بقت مزعجة . 
التفت نحو داغر واسترسل بنظرات حارقة : 
- وانت بتعمل إيه هنا ؟ سايب شغلك وقاعد تهزر ؟ 
استيقظ الغضب داخل جسد داغر لتسرع بسمة في الوقوف أمام ماجد لتواجهه وتتكتف مردفة : 
- إحنا في استراحة يا ماجد لمدة نص ساعة ، وخلي كلامك معايا هنا لأنك ماتعرفش طبيعة شغل الباش مهندس داغر ماشية إزاي . 
نهض داغر يطالعه بغضب ولم يعتد كبت ما بداخله لذا أردف بنبرة ثاقبة وواثقة : 
- معلش يا آنسة بسمة بس الأستاذ ماجد داخل دخلة غلط ، ولو هو مش ملاحظ الفرق في الشغل والإنتاج من وقت ما أنا مسكت وظيفتي يبقى كدة معناه إن مش أنا اللي سايب شغلي . 
اغتاظ ماجد واتسعت عيناه يستنكر ما يقوله هذا النكرة ووجه استنكاره إلى بسمة يستطرد : 
- عاجبك كدة ؟ 
انزعجت ونظرت حولها تترقب نظرات العمال البعيدة نسبيًا لذا زفرت والتفتت تنظر نحو داغر تردف برجاء : 
- داغر لو سمحت أقعد كمل أكلك وخليني أنا أتكلم مع ماجد . 
التفتت تسترسل وهي تشير إلى الآخر : 
- اتفضل يا ماجد نتكلم في مكتبي . 
تحركت واضطر داغر ألا يرفض رجاءها خاصةً وأنها شاركته قسوة عمها وزوجته وبدأ ينتابه الشك والقلق حيال ذلك الماجد الخبيث من وجهة نظره . 
تبعها الآخر وقبل أن يتحرك أطلق نظرة حاقدة نحو داغر الذي بادله النظرات وهو يعاود الجلوس بملامح باردة استفزت ماجد أكثر . 
وصلت مكتبها ودلفت وخلفها ماجد يصفع الباب ويردف بغيظ : 
- الموضوع كدة زاد عن حده يا بسمة ، سبتي الشركة وطول الوقت قاعدة هنا وواضح كدة إن اللي اسمه داغر ده عرف يوقعك ، معقول بسمة الراوي تقعد في الاستراحة مع عامل زي ده ؟ 
تكتفت تطالعه بصمت ولم تتفوه بكلمة بل تنتظره أن يفكر ويستعيد ما قاله لها لذا زفر بعد ثوانٍ والتفت يسحب الهدوء من حوله ثم عاد يحدق بها مسترسلًا بنبرة أقل حدة : 
- بسمة لو سمحتِ اللي بيحصل ده مش صح ، أنا مابقتش قادر أدافع عنك قدام بابا لإن فعلًا تصرفاتك بقت غريبة ، يعني إيه واحد زي ده يقف كدة ويرد عليا كإن هو صاحب المصنع ؟ وطبعًا هو أخد الثقة والجرأة دي من معاملتك معاه ومع عيلته . 
تساءلت بهدوء ملغم : 
- إنت عايز إيه يا ماجد ؟ إيه اللي يضايق في علاقتي بداغر وعيلته ؟ الشغل تمام والمصنع إنتاجه بيزيد يوم عن يوم والأزمة اللي اتعرضنا ليها من كام شهر اتحلت بفضل ربنا ثم بوجود فريق عمل على رأسهم المهندس داغر ، يبقى إيه اللي مزعلكم أوي كدة من علاقتي بيه ؟ 
كل ما قالته صحيح وهذا تحديدًا ما يزعجهم ، يزعجهم كونها تثق في الغريب وتمده بالصلاحيات التي يمكنها أن تؤهله ليعلو على أكتافهم . 
زفر بضيق وأردف مراوغًا : 
- كل ده مايدكيش الحق تثقي فيه أبدًا ، ماتنسيش إنك بسمة الرواي  . 
دققت النظر فيه وتساءلت : 
- يعني إيه ؟ 
- يعني سهل جدًا واحد زي ده سواء هو أو عيلته يمثلوا عليكي دور الحب علشان يوصلوا للي هما عايزينه ، لازم تاخدي بالك كويس وتعملي لنفسك جدار حماية من الناس دي وماتديهمش أكبر من حجمهم . 
صمت لهنيهة حينما وجد نظراتها تتهمه بالتضليل لذا تقدم منها خطوة ورفع ذراعيه يحاوط كتفيها مسترسلًا :
- بسمة أنا خايف عليكي ، إنتِ عارفة إنك غالية عندي وبعتبرك جزء مني بس أنا ملاحظ إنك بتبعدي جدًا عني . 
اتخذت خطوة للخلف تبتعد عن لمسته ثم أردفت بنظرات اتهام واضحة : 
- ياريت يا ماجد تقعد مع نفسك وتفكر مين فينا اللي اتغير مع التاني ، واطمن من ناحيتي أنا أقدر أحمي نفسي كويس وأعرف أميز بين الناس اللي بتحبني بجد واللي بيستغلوني . 
صُدم من حديثها وتساءل قاطبًا جبينه : 
- يعني إيه با بسمة ؟ قصدك إيه بالكلام ده ؟ 
رفعت حاجبيها تستطرد بثقة : 
- قصدي واضح يا ماجد ، قلتلك قبل كدة ياريت تحترم ذكائي . 
ظل لثوانٍ يحدق بها ثم أومأ مرارًا وتحرك يغادر المكتب والمصنع بأكمله وفي نفسه توعد بأن يريها كم هي غبية أو يُري ذلك الداغر من هوه ماجد الراوي . 
❈-❈-❈
ليلًا 
جلست تكتب قصيدة عن حبها لوطنها وتمدح  الدفء الذي يحيطه من جميع الجهات وكعادتها تقوم بنشر أي شيءٍ يمكنه تلميع اسم مصر البراق . 
نشرت تدوينتها وتنفست بارتياح ، استبدلت احتياجها لحب حقيقي بحب وطنها واكتفت . 
أغلقت الموقع واتجهت إلى التطبيق الذي تكتب قصتها عليه والتي ستقوم بنشرها عما قريب بعدما تعاقدت مع إحدى دور النشر وقد كان لبسمة يدًا في الوساطة للموافقة على قراءة جزء من قصتها التي نالت استحسان المدققين لذا وافقوا على النشر معهم . 
أوشكت على كتابة النهاية التي قررت أن تكون مفعمة بالأمل فتخيلت نفسها بعد عشرين سنة وهي تقف في حفل تكريم ابنها الضابط مالك ، التخيل فقط جعلها تحلق فوق غيوم السعادة فما بالك بالحقيقة ؟ 
لأكثر من ساعتين خطّت مستقبلها مع صغيريها اللذان عوضها الله بهما فكان الابن ضابط والابنة طبيبة ، هكذا تمنت وختمت قصتها وسنوات كفاحها دون التطرق للحب ، لن تقع في مثل هذا الفخ مجددًا . 
وكما قال الكاتب ثائر ذو الفقار في كتابه بحر ثائر . 
( يبدو أن المحن لم تخلق عبثًا بل خلقت لتصنع العظماء ) 
وهكذا استدلت بمقولته في روايتها كغيرها من أقواله التي اقتبستها منه . 
زفرت بارتياح حينما انتهت ، الكتابة جعلتها تُخرج كم الضغوطات التي تعرضت لها ، جعلتها تدرك أنها صاحبة القرار وأنها قوية بقدر تحملها على ما تعرضت له . 
روايتها التي سردت فيها الردود التي تمنت لو فعلتها في الحقيقة ولكن يبقى بين الحقيقة والخيال جدارًا يسمى الخوف ، يشيد في الواقع ويهدم في الروايات . 
لمحت إشعارًا برسالة ما من إحداهن تراسلها عبر تطبيق انستجرام لذا تفصحتها لتجد محتواها الآتي 
( مرحبًا بكِ ديما ، أنا اسمي ليان من الإمارات ولكني أحب كل ما هو مصري وخاصة لو كانت كاتبة راقية ذات مشاعر عميقة تعبر عن أوجاعنا بهذا الإبداع والإتقان ، أردت أن أخبركِ أنني من أشد المعجبات بخواطركِ التي تأسرني وتترك فيّ أثرًا مفعمًا بالأمل والتفاؤل برغم الألم الساكن فيها ، كم أنتِ رائعة يا ديما ) 
❈-❈-❈
في صالة المصارعة 
دلف ثائر يستعد لبدء جولته ولكنه وجد توماس يقف يتحدث مع خصمه بنبرة خافتة سرية  ،   توقف مكانه وعينيه عليهما يمرن جسده ويستعد للقتال و....  اللعب  . 
ابتعد توماس عن الرجل الذي تحرك داخل الحلبة والتفت ليجد ثائر أمامه لذا رسم ابتسامة خبيثة فاتجه إليه حتى توقف قبالته فتعجب توماس يتساءل  : 
- هل جئت تتحدث معي  ؟ 
أومأ ثائر وانحنى يهمس بالقرب من أذنه  : 
- نعم توماس  ،  جئت أخبرك أنني سأعمل معك  . 
تجلى الذهول فوق ملامحه ونطق باندهاش  : 
- أووووووه ثائر  ،  لقد أدهشتني يا رجل  ،  هذا ما لم أتوقعه قط  . 
أومأ ثائر إيماءاتٍ متتالية وأردف بعيون قاتمة محذرة  : 
- نعم أعلم  ،  لذا دع فمك مغلقًا ،  إياك واستفزازي توماس  . 
ضحك الآخر عاليًا ولم يظهر أي خوف من تهديده له بل أجابه بحقد  : 
- هل تقصد المعلومة الصغيرة التي قلتها اليوم للسيد ألفريد   ؟  
تجهمت ملامح ثائر وبلغ الغضب منه مبلغه ليسترسل توماس بهسيس شيطاني وهو ينحني عليه  : 
- لا تخف لن أفشي سرك مع زوجة شقيقك  .
انتهى الفصل 

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا