رواية بحر ثائر الفصل العاشر 10 بقلم ايه العربي
رواية بحر ثائر الفصل العاشر 10 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل العاشر 10 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل العاشر 10 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل العاشر 10
رواية بحر ثائر الفصل العاشر 10
ما في جبعتها ثمينٌ جدًا وتعلم يقينًا أنه يريد شراءَهُ منها لذا استيقظت باكرًا وتجملت واستقلت سيارتها إليه ، تقود وعلى محياها أعلى درجات الخبث ، لقد باتت على شفا خطوة من استرداده ، سيعود لها ولن تتركه مرةً أخرى ما حيت .
ليلة أمسٍ كانت مثمرة بعدما استدرجت توماس أور ليان وأغرقته في المشروب وسحبت منه معلومات لم تكن تتوقع أن تعلمها .
تجهمت ملامحها حينما تذكرت فاتورة ما حصلت عليه ، حينما كادت أن تدخل معه في علاقة كاملة لتتحامل بصعوبة بالغة على نفسها وظلت تناوله المشروب تحت تأثير لمساتها وهمساتها حتى ثمل وغفا .
ابتلعت لعابها بضيقٍ يخنقها فهي تفعل أي شيء لتستعيده فقط لذا زفرت وتحلت بالغرور والمكر وأسرعت بقيادتها لتراه وتعطيه ما في جبعتها .
ولكن لم يكن توماس ذلك الغبي الذي استهانت به ، فحينما استيقظ في الفندق صباحًا ولم يجدها تأكد أنها كانت تستقطبه لذا استرد وعيه ونهض مقررًا تتبعها .
❈-❈-❈
اتجه نبيل إلى مكتب ابنه ماجد وجلس يتحدث بترقب :
- بنت عمك تولت هي إدارة المصنع وعينت عمال جديدة ، مش آن الأوان بقى تغير طريقتك دي ؟
رفع أنظاره يطالع والده ثم ألقى القلم من يده وأجابه وهو يشبك كفيه :
- ولو غيرت طريقتي تفتكر هتتقبل الطريقة الجديدة ؟ بسمة مش بتيجي بالأسلوب ده يا بابا .
لوح بيده يجيبه بضيق ساخرًا :
- تمام حلو أوي ، خليك زي مانت لحد ما ييجي اللي يعرف إزاي يستكردها ويضحك عليها ويكوش على كل حاجة ، واهو تبقى أنت الشاهد على عقد جواز بنت عمك لواحد غريب .
تجهمت ملامح ماجد وأبدى انزعاجه متسائلًا بنزق :
- يعني إنت عايزني أعمل إيه دلوقتي يا بابا ؟
اندفعت الكلمات من والده يردف معبرًا عما يريده :
- عايزك تقرب منها بصفتك حبيب وتسيبك خالص من جو الأخوة ده ، لازم تقنعها إنك بتحبها وتخليها تتقبلك ، بنت أخويا مش غبية ولازم تعرف كويس إزاي تكسبها ، والأهم من كل ده لازم تتكلم مع منير لإنه عامل دوشة وزعلان إنها طردته وكل شوية يكلمني .
نهض من مكانه وتحرك نحو الباب وقبل أن يفتحه عاد يستطرد مطالعًا ابنه :
- خلّص المواضيع دي يا ماجد أنا مش فاضي لوجع الدماغ ده ، وأهم حاجة موضوعك إنت وبسمة يتم علشان ماجبش أخري .
غادر وتركه يفكر في حديثه وكيف يمكنه تحويل طريقته الأخوية معها لأخرى معبرًا فيها عن حبه لها ولكن السؤال الأهم والذي يتردد على عقله الآن .. هل هو حقًا يحبها ؟
❈-❈-❈
وصل داغر إلى المشفى بشقيقته الفاقدة للوعي .
استقبلها المسعفون وأدخلوها غرفة الفحص يفحصونها ويستمعون منه إلى ماحدث معها .
لم تسترد وعيها بعد لذا فهو في حالة هياج وذعرٍ لأجلها ، لقد بدت كالأموات حقًا وبات ينتظر منهم أي كلمة ترد له روحه ليسمعها بعد دقائق تئن أمامه ويحاول التحرك بصعوبة نحوها ليتأكد لذا حينما تأكد استرد أنفاسه كمن كان يواجه أمواجًا عاتية .
بعد دقيقتين وقف فيهما كطفلٍ بائس يحدق بها وبما يفعلونه معها اتجه أحد الأطباء إليه يطالعه بأسف قائلًا :
- اشتباه في جلطة ، بس ماتقلقش لحقناها الحمد لله بس لسانها تقيل شوية ، ممكن يكون ده نتيجة صدمة عصبية ، هنبعت حالًا لدكتور نبيل يتأكد .
انفطر قلبه لأجلها ، مازالت في مقتبل عمرها ، صغيرة وكثير عليها ما عاشته من معاناة وكبت وقهر وأخيرًا مرض ، كلما رأى ما يحدث معها زاد كرهه وغضبه لوالده وزاد تأنيب ضميره لنفسه برغم قلة حيلته آنذاك .
أومأ للطبيب الذي تركه ووقف يتجه نحوها حتى وصل إليها حيث تتمدد على السرير وما إن لمحته حتى ابتسمت له نفس ابتسامتها التي لم تفقدها قط .
نال منه الحزن أكثر ، حتى في أصعب لحظاتها تبتسم ؟ رفع كفه يتحسس خصلاتها ويربت عليها بحنانٍ بالغٍ ثم انحنى يردف بهمسٍ وحب :
- أوعي تزعلي أو تشيلي هم وأنا موجود ، كل حاجة هتتصلح .
حاولت أن تطمئنه ولكنها لم تشعر بلسانها يستجيب لذا أغمضت عينيها تخفي حزنها وتألمها ثم عادت تبصر وتبتسم له بإيماءة دلت على ثقتها به .
جاء بعد قليل الدكتور نبيل يتجه إليها ويفحصها ثم جلس بقربها يحاول معرفة ما بها من داغر ونظراته عليها وعلى تقاسيم وجهها فأخبره داغر بمختصر ما حدث ليزفر الطبيب بغيظ استطاع إخماده تحت سؤاله لها :
- تعرفي تحكيلي إنتِ إيه اللي حصل ؟ حاسة بإيه ؟
تشبه مدينة الشرفاء الباسلة التي تآمر عليها العدو والقريب فجعلوها تنزف من الوريد للوريد ، هكذا تشعر ولكنها عاجزة عن الكلام ، تحاول النطق ولم يسعفها لسانها بعد لذا زفر الطبيب بضيق من زوجها النذل ونظر إلى داغر يتابع :
- صدمة عصبية ، هنحاول نسيطر عليها بالأدوية بس لازم تبعد تمامًا عن الجو المؤذي ده ، ونصيحة من أخ أوعى تقبل ترجعها تحت أي ظرف وإلا المرة الجاية هتجيبها خلصانة .
ومن قال أنه بحاجة نصيحة ؟
من قال أنه سيردها إليه ؟
هو فقط سيسترد حقوقها وسيعاقبه على سنوات عمرها وسيقتص منه على ما فعله بها ولكن صبرًا .
نظر للطبيب بعيون ثاقبة وأردف بتعهد :
- اطمن يا دكتور الموضوع ده اتقفل خلاص .
أومأ الطبيب والتفت يحدق بديما التي تحاول التظاهر بالتعافي حتى لا ترى في أعينهما تلك النظرات التي تشعرها بكم الظلمات التي جدفت عكس التيار لتتجاوزها .
لا تحب نظرات الشفقة ، هي ليست مسكينة ولن تكون ، هي فقط تحتاج لهدنة تستعيد بها عافيتها بعيدًا عن هجومه المستمر عليها .
❈-❈-❈
صفت سيارتها أمام منزله وترجلت تخطو نحو الباب فطرقته وانتظرت ، نظرت حولها بترقب لتجد المكان هادئًا وهي لا تحب الهدوء ، زفرت بضيق ثم عادت تطرق بابه طرقات متتالية حتى فتح يطالعها بملامح ناعسة ثم تساءل بضجر :
- ماذا مارتينا ؟ هل رأيتيني في أحلامكِ ؟
ضحكت وأزاحته لتعبر للداخل مجيبة بانتشاء :
- أنت دومًا في أحلامي ثائر .
دلفت فزفر يغلق الباب ويتجه خلفها يترقب سبب مجيئها ، ارتمت على الأريكة تجلس بأريحية وتطالعه بتباهٍ قائلة :
- هيا حبيبي استعد لعودتنا ، وهذه المرة لن نقطن عند والدي بل سأسكن معك هنا .
قالتها وهي تفرد ذراعيها وتطالعه بنظراتٍ مبهمة ثم نهضت تتجه إليه وتقف قبالته مستطردة :
- جئت لك بمعلومات لن تجدها حتى في الاستخبارات الفرنسية .
لوى شفتيه بابتسامة خفيفة ثم دقق النظر فيها يتساءل :
- ومن أعطاكِ تلك المعلومات ؟
قربت وجهها منه تهس كالأفعى :
- هو بنفسه قالها ، لقد جعلته يثمل للدرجة التي صرح بها بكل أسراره .
- وكيف فعلتيها مارتينا ؟ كيف جعلتيه يثمل ؟ هل ظننتي أن توماس شخصًا يسهل التلاعب به ؟
نطقها بشكٍ صريح وقد اتضح له كيف فعلتها لتجيبه بمراوغة وخبث :
- لا تسأل عن الفعل ثائر بل انظر إلى رد الفعل وعامة اطمئن فأنا مخلصةً لك .
ضحك ضحكة رجولية عالية جعلتها تغتاظ لذا دفعته بيديها وابتعدت خطوة للخلف تصيح باستعلاء :
- هل تتعمد إثارة جنوني ؟ أخبرك أن بحوزتي معلومات عنه قادرة على عودته للعصر الحجري ، ألا تشعر بالحماس حيال ذلك ؟
اتجه يجلس على الأريكة بأريحية وحدق فيها يردف :
- هاتي ما عندكِ لأرى ؟!
اتجهت تجاوره وتضع ساقًا فوق الأخرى لتكشف عن ساقيها أمامه ثم ابتسمت تردف بحاجبٍ مرفوع :
- حسنًا اسمع ماذا أخبرني عنه وعن أفعاله حينما كان في مصر .
بدأت تخبره بما اعترف به توماس ليلة أمس وكلما تعمقت في معلوماتها زاد انتباه ثائر لها أكثر ليكتشف أنها تمتلك بالفعل معلومات لا يستهان بها .
❈-❈-❈
اصطحبته إلى قسم الشرطة بأنفه المصاب الذي خبأ جرحها بشريطٍ طبي وقدم بلاغًا ضد داغر وبالطبع شهدت معه وأخبرت الشرطة بأن الجيران جميعهم شهود عيان .
عادت معه إلى المنزل وصعدا شقتهما يدلف معها وجلس يردف بتشفي :
- يالا بقى يبقى يوريني هيعمل إيه لما يروحوا يسحبوه من قفاه البلطجي المجرم .
جلست أمامه تزفر بضيق ثم حدقت فيه تتساءل بنبرة خبيثة :
- طب وأخته هتعمل معاها إيه بعد اللي حصل ده ؟ إنت كنت مستحمل واحدة زي دي إزاي ؟ دي لا شكل ولا عود .
التفت لها يحدق بها ويستعيد هيئة ديما وما حدث معها وسقوطها ولهفة شقيقها والجيران عليها ليشتعل داخليًا حيث أنها استحوذت على حب الجميع واهتمامهم بالرغم من كونها زوجة مهملة لم تستطع إشباعه لذا نظر للبعيد وأردف من بين أسنانه بغيظ :
- ماشي يا ديما ، أنا هعرفك قيمتك كويس .
مدت يدها تربت على ساقه واستطردت بتلاعب :
- روق بس ماتحرقش دمك ، بكرة تظهر على حقيقتها وبعدين إنت واحد مش عايز تخرب بيتك وتطلق هما اللي عايزين ، وخليك مصمم على قرارك ده وتيجي تعيش في شقتها وتربي عيالها وتحمد ربها على النعمة اللي هي فيها .
تنهدت بعمق ثم استرسلت بنبرة ماكرة :
- بس لو صممت على طلاق بقى وعملتلها حكايات يبقى تِبريك من كل حاجة ، ملهاش حاجة عندك .
ضيق عينيه يطالعها بتمعن ثم مالت شفتيه بابتسامة ساخرة يوضح :
- حاجة إيه ؟ كل الحكاية ٣٠ ألف جنيه مؤخر وشوية كراكيب تحت ، أبوها أصلًا كان بايعها ، ملهاش حاجة عندي ، بس أنا بردو مش عايز أطلقها ويبان اني اتجوزت عليها ورميتها هي وعيالي .
كظمت عيظها من كلماته لتمط شفتيها ثم زفرت واسترسلت بدهاء :
- لما نشوف بس الحكومة هتعمل إيه مع أخوها البلطجي ده وبعدين روح هات العيال ، وماتخافش دانا هحطهم في حبابي عينيا .
ولى ما تقوله انتباهه وأعجبته خطتها ، حسنًا سينتظر القبض على داغر ثم سيذهب يسترد طفليه ليقهرها أكثر ولتتعلم كيف تتقن دور المظلومة جيدًا .
شرد يفكر حينما نهضت زينة تتجه للحمام وتركته ، ربما ليس لها حقوقًا ولكنها حاضنة ومن المؤكد ستأخد من ورائه وأمامه لذا سيسعى لينتشل منها جميع الحقوق ويكفيه ما عاشه معها من معاناة وبرود .
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي .
دلفت منزل والدتها بمساعدة دينا وداغر الذي يسانداها حتى وصلا بها إلى الأريكة فأجلساها وأسرعت منال تعدل وضعيتها وتضع الوسادة خلف ظهرها ثم سألتها باهتمام وحزن :
- مرتاحة كدة يا حبيبتي ؟
إلى الآن لم تستطع النطق ولكنها ابتسمت تومئ بملامح هادئة ليتجه داغر يستريح على الأريكة ويستند برأسه على كفه بشرود ، لم ينم منذ ما حدث وجُل ما به يتألم لأجلها ، طوال الليل جلس بالقرب منها بعدما نامت دينا جوارهما ، يسرد لها ما حدث معه ومع بسمة وهي تستمع له وتومئ كردة فعل ولكنها صامتة وهذا يشعل داخله براكين الغضب ، أخبره الطبيب أنها ستتجاوز صدمتها مع الوقت ولكن كيف له أن يرى شقيقته التي تعد هي مصدر الأمل والتفاؤل في حياته بهذا الحال ؟
لقد أصر ليلة أمس على عدم مجيئ منال إلى المشفى بعدما علمت أن ابنتها سقطت فاقدة الوعي بعد زواج كمال ، لم يرد أن تراها في هذه الحالة فأخبرها أن تظل هي تهتم بالصغيرين وهو سيتولى أمرها وقد رضخت للأمر بصعوبة بالغة نسبةً لوجود الصغيرين ولكن دينا لم ترضخ وذهبت متلهفة للاطمئنان على شقيقتها بعدما علمت من إحدى الجارات ما حدث معها .
اتجهت دينا إلى الحمام تغتسل وجلست منال تبكي على حال ابنتها وكيف ستتحمل كل ما مر عليها وكيف ستتعامل مع صغيريها اللذان ينامان في الداخل ؟
ما الذي ينتظرها وهل ورثت حظها منها ؟ هل ستنفصل كما حدث معها ؟
نظرت نحو ابنها وفي داخلها ألف سؤال ولكنها التزمت الصمت حتى لا تكسر خاطر ابنتها المتهشم أساسًا .
رنين هاتف داغر جعله يخرج من شروده لذا اعتدل يلتقطه ويجيب بإرهاق :
- ألو ؟
- صباح الخير يا باش مهندس داغر ، أنا منتظراك في المصنع من ساعتين ، ماجتش ليه ؟
بالطبع لم يتذكر هذا الموعد لذا رفع نظره يتطلع على شقيقته التي طالعته بأسفٍ فأبعد عينيه ونهض يتجه نحو الشرفة ويسترسل موضحًا :
- أنا آسف جدًا يا آنسة بسمة بس فعلًا حصل ظروف خارج إرادتي ، أنا طول الليل في المستشفى مع أختي ولسة راجعين البيت دلوقتي ومش هعرف أسيبها في الحالة دي .
ولته اهتمامها وتساءلت بترقب :
- أكيد طبعًا معاك حق ، طيب هي كويسة ؟ إيه اللي حصلها ؟
تنهيدة قوية خرجت من جوفه المأجج بالنيران ليجيبها باختصار :
- شوية ضغوطات ، ادعيلها .
تساءلت باهتمام وترقب :
- هي دي أختك اللي كانت معاك يوم ما اتقابلنا في الإشارة ؟
- لاء دي أختي ديما ، الكبيرة .
أومأت بتفهم والتفت بالكرسي الذي تجلس عليه في مكتبها في المصنع ثم زفرت ولا تعلم لما أرادت أن تقترب منهم لذا تساءلت بتوتر :
- هو ينفع آجي أزورها ؟
تعجب من طلبها الغير متوقع وصمت لهنيهة ثم تحمحم يجيبها :
- أه طبعًا تنوري .
انشرحت بسعادة لا تعلم مصدرها وأردفت بنبرة متحمسة :
- تمام ، قدامي ساعة في المصنع وأنا مروحة هعدي عليك .
أغلقت بعدها ووقف متعجبًا من سبب زيارتها لهم ؟ ألم تصدقه ؟ أتظنه يخترع ذريعة ؟ أم أنها تسعى للاقتراب منه ؟
زفر بقوة ثم عاد للداخل يجلس بجوار ديما متسائلًا باهتمام :
- تحبي تدخلي تنامي ؟
هزت رأسها بلا فهي لا تريد أن تختلي بنفسها قط ، تحاول بالقدر المستطاع أن تتجنب البقاء مع نفسها وأفكارها وذكرياتها لذا هي تحاول أن تندمج معهم ليسترسل داغر بترقب :
- طيب الآنسة بسمة جاية تشوفك .
نظرة التعجب التي تجلت على ملامحها جعلته يتابع :
- أيوة أنا كمان مستغرب زيك كدة بس يمكن ماصدقتنيش لما قلتلها إنك تعبانة ومش هعرف أروح الشغل النهاردة .
ابتلعت لعابها وأومأت بتفهم لتأتي منال من المطبخ تحمل صينية الطعام وجلست على مقعد مقابل لديما تضع الصينية على ساقيها مردفة بحنين وقلبٍ منفطر :
- يالا يا ديما علشان تاكلي وتدخلي ترتاحي جوة في أوضتي ، الولاد طول الليل بيسألوا عنك وبيعيطوا ولما قلتلهم إنك تعبانة زعلوا وفضلت طول الليل اتكلم معاهم علشان مايناموش زعلانين .
انتابها الحزن لأجل صغيريها ولكن هذا ليس مقصد والدتها التي تابعت توضح :
- أنا بقولك كدة علشان أعرفك إن مافيش أي حاجة في الدنيا تستاهل زعلك غير ولادك ونفسك ، اوعي تبقي زيي ، أنا كنت ضعيفة وماليش حد يقف معايا ويسندني إنما احنا كلنا معاكِ وعارفين ومتأكدين إنك حاولتي تصلحي عيوبه وكل ما كان بيتكسر حتة من حياتكم إنتِ اللي كنتِ بتحاولي تلميها وتلزقيها ، بس خلاص يا بنتي مابقاش ينفع تتلزق ، فوقي كدة وشوفي نفسك وعيالك وارميه ورا ظهرك وسيبيه للي فضلها عليكِ ، الزمن كفيل يجيبلك حقك وتقفي تتفرجي على الحقوق وهي بتترد ، وماتزعليش على سنين عمرك وحاولي تطلعي من التجربة دي باللي يفيدك بعد كدة ، وبصي حواليكي هتلاقي الناس كلها بتحبك وعارفين إنك أحسن منه ، فوقي يا حبيبتي واصلبي طولك ولادك محتاجينك .
نظر داغر نحو منال التي فاضت دموعها مع كلامتها كأنها تسرد هذا الكلام لنفسها فهذا ما كانت تود سماعه آنذاك ، ليمد يده يلتقط دمعتها ويردف بنبرة مرحة وهو يشير على صينية الطعام :
- الله عليكي وعلى كلامك يا ست الكل ، أومال ماجبتليش فراخ ليه أنا كمان ؟ مانا كنت طول الليل في المستشفى وجاي جعان .
بادلته نظرة حنونة ثم نهضت تناوله الصينية قائلة وهي تتحرك :
- حاضر يا حبيبي حقك عليا قلت أأكل ديما الأول ، هروح أجبلك أكلك وإنت أكلها .
لم يعترض فهو يتضور جوعًا وكذلك يريد أن يطعم شقيقته بنفسه ، يريد أن يدللها ويزيل فتات الحزن من قلبها حتى تعود كما هي ثم يقسم أنه سيطلقها منه ويساندها بكل ما أوتي من قوة .
بدأ يطعمها ويدللها كطفلة بكلمات الغزل والابتسامة لتشعر بالامتنان والأمان في وجوده ولكن لم تمر كلمات والدتها على عقلها مرورًا لحظيًا بل احتفظت بهم لتتفحصهم كلمة تلو الأخرى بعد أن تأكل .
❈-❈-❈
يتجولات سويًا في أحد المولات التجارية وكلٍ منهما شاردٌ في أفكاره .
يتكتفان ويلتصقان ببعضهما ولكن أفكاره في أقصى الجنوب وأفكارها في أقصى الشمال .
ليأتي من سيجمع أفكارهما وينادي على أحمد بحبورٍ :
- أحمد يا ذو الفقار .
توقف أحمد متعجبًا يلتفت نحو من يناديه بلهجة مصرية ليجده صديقه تامر الذي لم يرَه منذ سنواتٍ عدة لذا ابتسم وتجلى الاندهاش على ملامحه يجيب :
- تامر ؟
تحركا سويًا في اتجاه بعضهما يعانقان بعض بودٍ تحت أنظار سها الزافرة بملل ولكنها تحركت نحوهما تطالع تامر بترقب ليبتعد عن زوجها ويطالعه بملامح منفرجة مسترسلًا :
- تعرف إني كان نفسي أشوفك جدًا وقلت يارب أقابله هنا ، الحمد لله إني شوفتك .
انتبه إلى سها ليطالعها مبتسمًا ويستطرد :
- أزيك يا مدام سها .
تعلمه جيدًا وتتذكره ، تتذكر أنه كان صديقًا مقربًا من زوجها و... ثائر لذا ابتسمت بتكلف تجيبه بغرور :
- أهلًا .
تجاوزها وعاد بوجهه إلى أحمد الذي أردف :
- وأنا كمان كان نفسي أشوفك ، عامل إيه يا تامر ، وبتعمل إيه هنا في دبي ؟
أجابه تامر موضحًا :
- جاي في شغل بس راجع تاني خلال يومين ، إنت عارف مابقدرش أبعد عن مصر .
أومأ أحمد بتفهم وابتسامة ظاهرية تخفي حزنًا مكتومًا داخله ليتابع تامر بترقب وعفوية :
- المهم علشان ماعطلكش هات لي رقمك .
أومأ أحمد وأملاه رقمه الذي دونه تامر في هاتفه ليردف الأول :
- ماينفعش بقى تيجي دبي من غير ما أعزمك عندي ، بما إنك هنا ليومين خلينا نتغدا سوا بكرة ، قلت إيه ؟
قلبت سها عينيها بضيق لاحظه تامر ليردف معتذرًا :
- لا مش هينفع يا أحمد اعذرني بس بجد يادوب أخلص اللي ورايا وارجع ، أوعدك لو جيت دبي تاني هتواصل معاك ونتقابل .
رفع أحمد كفه يربت على ذراع تامر ويبتسم بإيماءة متفهمة ثم أردف :
- ولا يهمك .
كاد أن يودعهما ولكنه تذكر شيئًا لذا أردف مستفيضًا :
- أيوة من حق ، هاتلي رقم ثائر هو كمان ، نفسي أكلمه وبعتله على الانستا بس مش بيرد .
ابتسم يكمل بمرحٍ ولم يلاحظ تبدل ملامح كلاهما :
- الباشا بيتكبر علينا مهو بقى مشهور ، بس بصراحة أخوك عامل قلق ، أنا قرأت له كتاب إيه يابني ده ! جبار .
ابتسمت سها بمكر بينما شرد أحمد لثوانٍ وكاد أن يخبره أنه لا يملك له رقمًا لتسرع الأولى تجيب بدلًا عنه :
- معلش بس أحمد مش هيقدر يديك الرقم لإن ثائر موصيه إن الرقم ده خاص بعيلته بس ، لكن ممكن تتواصل معاه عن طريق الكومنتس ، اكتبله كومنت عرفه إنك تامر صاحبه وهو لو عايز يشوفه هيشوفه .
بدى الضيق على ملامح تامر وأومأ يردف معتذرًا :
- تمام معلش يا أحمد ماكنتش أعرف ، عن اذنكوا .
تحرك يغادر ولم يمنعه أحمد الذي شعر بالضيق الشديد لذا التفت يباغتها بنظرة حادة ويردف :
- إيه الأسلوب ده ؟ وتتكلمي ليه نيابة عني ؟ هو سألني سؤال إنت مالك بتردي ليه ؟
رفعت حاحبيها ومالت بكتفيها تجيبه ببرود :
- الحق عليا اللي قلت ألحقك قبل ما تقوله إنك مش معاك رقم أخوك ، ولا عايزه يعرف اللي بينك وبينه ؟
تحركت بعدها خطوة تكمل سيرها ليشعر أنه لم يعد يحتمل لذا زفر بقوة وقرر اللحاق بها .
❈-❈-❈
التصقت به كالعلكة وهو متجهٌ إلى الحفل المقام في إحدى دور النشر الفرنسية والذي تم دعوته إليه وترشيحه لتوليه إدارته وإدارة المجلة التابعة له .
برغم المعلومات القيمة إلا أنه لم يبدِ اهتمامه وهذا أثار حنقها وجنونها وصممت أن تحضر معه .
قاد شاردًا ثم تحدث بنبرة محذرة تحمل وعيدًا :
- إياكِ مارتينا ، إياكِ ومحاولة إيذاء أيًا من معجباتي ، كوني متزنة ولا تثيرين غضبي .
ضحكت والتفتت تتمعن النظر فيه وتجيبه :
- قل لهن أن تلتزمن أماكنهن ونظراتهن نحوك ثائر ، أنا فقط أحافظ على ما هو عائدٌ لي .
أعتاد ألا يظهر مكنونه ولكنها سعت لترى وجهًا آخرًا له لذا توقف جانبًا يباغتها بنظرة بثت الخوف في أوصالها واستطرد :
- قلت لكِ من قبل أنا لست عائدًا لأحد ، أنا لم أنسَ ما فعلتيه في إلوا ولن أنساه لذا احذري تكرارها مارتينا وإلا أقسم سترين مني وجهًا سيجعلكِ تكرهينني حقًا .
صمتت لثوانٍ تطالعه بصدمة ثم ابتسمت تداري خوفها وأردفت وهي تبعد أنظارها عنه :
- تبالغ كثيرًا حبيبي ، اطمئن أنا لست قاتلة ، كانت مجرد مزحة ولن أكررها .
دقائق ووصل إلى وجهته فترجل وتبعته ليجد الحفل قد بدأ .
مجموعة من الكتاب والكاتبات المشهورين وبضع أفراد من الصحافة التي أتت لتبث أخبارهم الأدبية .
استقبله مدير الدار المسن بحبور ومد يده يبادله السلام مردفًا :
- أهلًا بك عزيزي ثائر ، كيف حالك ؟
ابتسم ثائر وأجابه بود :
- أنا بخير سيد ألفريد ، أنت كيف حالك ؟
- بخير .
نطقها الرجل ثم نظر إلى مارتينا التي تعلقت في ذراع ثائر وابتسم لها يردف :
- مارتينا ارتوا الجميلة ، سعدت بحضورك الحفل .
ابتسمت له بتباهٍ ثم أفسح لهما المجال ودلفا واتجه ثائر يقف أمام طاولة وتجاوره مارتينا تلتفت حولها وتنظر للوجوه بترقب ، تحاول اكتشاف نظرات إعجاب في عيون من حوله وكأن تهديد ثائر لم يؤثر بها ولكنها أصيبت بالغيظ حينما رأت الكثيرات ينظرن نحوه بإعجاب وأخريات اتجهن ليرحبن به .
حاولت منع نفسها من الغضب وسعت لتهدئة نفسها فهي تعلم أنه شخصية مشهورة في المجتمع وكتاباته حازت على إعجاب الجميع لذا تنفست بقوة ثم حاولت البحث عن شيء تنشغل به فوقعت عينيها على توماس .
نظرته وابتسامته لها جعلاها بالفعل تنشغل به ، بل أنها شحب لونها حينما رفع كأس مشروبه أمامها كترحيب لتدرك أنه كشف لعبتها .
توترت ولم تعد تلاحظ كلمات المعجبات إلى ثائر حتى أن إحداهن مدت له كأس مشروب وابتسمت تردف بعيون هائمة :
- نخبك سيد ثائر .
وضع يده على صدره معتذرًا يجيبها بصوتٍ رصين :
- عفوًا أنا لا أشرب .
تعجبت ولكنها أومأت وسحب يدها فجاءَهُ شابٌ يطالعه بنظرة متباهية وأردف :
- مرحبا سيد ثائر ، اسمي كريم وأنا مصري مثلك .
تعمق ثائر فيه لثوانٍ ثم ابتسم يردف بشموخ :
- أهلًا بك كريم .
ابتسم كريم بود وسعادة لحصوله على هذا اللقاء ثم أسرع يتساءل :
- شكرًا لك ، أنا أحبك كثيرًا وأحب كتاباتك ولكن أريد أن أفهم شيئًا ، أعلم أنك لم تجِب على هذا السؤال أبدًا ولكن حقًا فضولي يغلبني لذا سأسألك عن شيءٍ ٌوأنت فقط قُل نعم أو لا .
- أنا لا أحب الفضول كريم ، لذا لا تسأل .
قالها ثائر بثبات وملامح باردة ليأتي توماس من خلفه ويجاور مرتينا ويردف بعدما استمع إلى الحديث الدائر :
- ماذا تريد أن تعرف أيها المصري ؟ هل تتساءل لماذا مُنع ثائر من دخول بلاده ؟
احتارت نظرة الشاب بين توماس وثائر ليتابع الأول باستفزاز متعمد وعينيه مسلطة على عين ثائر :
- ربما كان السبب قصة حب مثلًا ، أنت تعلم أن النساء متسلطات وربما هناك إحداهن أقامت عليه الحد واستطاعت استدراجه إلى شيءٍ محظور .
لم يقابل سوى نظرات الغضب المخبأة خلف ستار من الجليد لذا ضحك بعلو وتابع وعينيه على الشاب الذي انزعجت ملامحه :
- إنها مزحة بالطبع ، ولكن كما أخبرك ثائر لا تسأل ، هذا سره الذي لا يعلمه أحد أيها الشاب وبالطبع لن يخبرك به .
أومأ الشاب وابتعد حينما شعر بالتوتر بينما التفت توماس يحدق بثائر تارة وبمارتينا تارة ويردف :
- تناسبان بعضكما كثيرًا ، لمَ لا تعودان زوجان كالسابق ؟ هل هناك من مانع ؟
توقف عند مارتينا التي توترت لذا مدت يدها تسحب كأس المشروب وتتجرعه ليبتسم لذا أردف ثائر بثقل مبطن بالتحدي ومغطى بالسخرية :
- عهدتك ذكيًا توماس ولكن يبدو أنك كبرت في السن ولم تعد صالحًا لأي شيء حتى للحب .
ضيق عينيه يطالعه لثوانٍ ثم اغتاظ وأدرك أنه يتعمد استفزازه ويتحداه بمارتينا لذا سيقبل التحدي ولهذا نظر إليها ثم سلط مقلتيه نحوه يردف بنبرة واثقة :
- لا تحكم دون أن ترى النتائج أيها الثائر ، سلام .
غادر وتركهما فتنفست مارتينا بقوة وقلقٍ في آنٍ واحد ، حضور توماس ليس بهين ، نظراته تجردها ، سلطته ليست هينة على الإطلاق وتعلم ذلك جيدًا لذا عليها توخي الحذر .
انشغل ثائر بعدها مع السيد ألفريد بالحديث عن أعمال الدار ومعهما بعض الكتّاب ووقفت مارتينا تسعى لتتجاوز ما حدث .
❈-❈-❈
كل الفرص التي سرقتها من حياتي سأستدرها
أنت مجرد لصٌ أبت كرامتي العراك معه وتركت الحكم للقدر
بقلم آية العربي
استيقظ الصغيران يركضان نحو ديما التي استقبلتهما تبادلهما العناق وجاءت دينا تجلس بينهم بعدما قررت ألا تذهب إلى عملها اليوم ، جميعهم أصروا على أن يوزعوا جرعات الدفء والسعادة على قلب ديما .
وقفت منال في المطبخ تحضر لهم الحلويات وجلس داغر يشغل التلفاز على فيلم كوميدي تحبه ديما .
لم يمر سوى القليل من الوقت حتى رن هاتفه برقم بسمة فنهض نحو الشرفة يجيبها قائلًا :
- أيوة يا آنسة بسمة ؟ وصلتي ؟
- أيوة يا باش مهندس أنا قدام الورشة بتاعتك .
أردف وهو يتحرك نحو الخارج ليحضرها :
- تمام أنا نازلك حالًا .
أخبرهن بمجيئها ونزل يحضرها من جوار ورشته بينما أردفت منال بعجالة :
- قومي يا دينا بسرعة رتبي المكان .
نهضت دينا تفعل ما قالته والدتها وتجمع ألعاب الصغار لتمر دقائق ويفتح داغر الباب قائلًا لمن خلفه :
- اتفضلي يا آنسة بسمة .
اتجهت منال تستقبلها بترحاب وود وكذلك دينا ، ودودين بشكلٍ جعلها تتمنى لو أنها تنتمي لهم .
دلفت بعدها تنظر نحو ديما التي اعتدلت تبتسم لها وتومئ مرحبة فاتجهت نحوها تردف وهي تتمسك بيدها وتربت عليها :
- ألف سلامة عليكِ ، إن شاء الله تقومي بالسلامة .
أومأت لها ديما وأشارت بيدها بأن تجاورها وجلست بسمة بينهم ثم نظرت إلى داغر واستطردت :
- أنا عارفة إنها زيارة مش متوقعة بس أنا حبيت أتعرف على مامتك واخواتك .
تحمحم يردف بنبرة رجولية وهو يجلس بشموخٍ يليق به :
- لا أبدًا البيت بيتك .
تبعها قول منال الودود :
- يا حبيبتي انتِ منورانا .
ابتسمت لها بلطفٍ ثم عادت تنظر إلى ديما لثوانٍ ولم تجد كلمات تقولها في هذا الموقف حتى أنها ندمت على مجيئها ولكنها أرادت أن تتوغل ألفتهم إليها .
كانوا لطفاء يضحكون ويتعاملون بشكلٍ عفوي ، التفتت عينيها إلى داغر تطالعه وهو يتحدث مع ابن شقيقته الصغير ، نبرته وملامحه جعلتها تعلم كم هو حنون .
لا إراديًا سلطت عينيها على شفتيه لتتذكر حلمها وقبلته لها لذا أسرعت تلتفت وتنظر للجهة المقابلة لتجد منال تطالعها وتبتسم لذا غزت الدماء وجهها كأنها اكتشفت أمرها .
لم تكد أن تنطق حتى رن جرس الباب فنهض داغر واتجه يفتحه ليجد شرطيًّا يطالعه بجمود متسائلًا :
- إنت داغر الصابر ؟
تنبهت حواسه وأجابه بثبات :
- أيوة أنا ، خير ؟
أشار الشرطي برأسه يستطرد :
- هتيجي معايا ، فيه بلاغ متقدم ضدك من كمال الوراق وبيقول إنك ضربته قدام الناس كلها امبارح .
التفت ينظر لوجوههن المصدومة ليتوقف عند وجه بسمة لذا زفر بضيق وعاد ينظر للشرطي مسترسلًا بإيماءة :
- تمام يا باشا جاي معاك .
دلف يخطو نحو ديما وانحنى عليها يحتضن وجهها قائلًا بتأكيد :
- ماتخافيش ، ساعتين وراجع وبردو هطلقك منه .
قالها واعتدل ينظر إلى بسمة بصمت ثم التفت يحدق بوالدته ويردف بتوصية :
- خدي بالك من ديما يا ماما وأنا هشوف فيه إيه وارجع علطول .
تحرك يغادر تحت أنظارهن وتوسلات منال للشرطي التي لحقت به ولكن داغر منعها يغلق الباب خلفه حتى لا تلحق به إحداهن
وقفت خلف الباب تنتحب وتردف بقهر وتجاورها دينا تُهدئها وتربت عليها :
- منك لله يا كمال ربنا ينتقم منك .
نهضت بسمة تطالعهن بحيرة وتعجب فالصغيران يبكيان في حضن والدتهما لذا نظرت إلى دينا الغاضبة واتجهت تسألها بترقب :
- إيه اللي حصل يا دينا ؟ يمكن أقدر أساعد ؟
زفرت دينا بغيظ وأردفت موضحة :
- جوز ديما أختي اتجوز عليها فجأة وداغر ضربه لأنه يستاهل الضرب واتسببلها في صدمة عصبية خليتها مش عارفة تتكلم ، بس اهو راح بلغ عنه .
تملكها الغضب من ذاك الشخص ووقفت حائرة بينهن ليعاود جرس الباب الرنين فمدت منال يدها تفتحه لتجد أمامها كمال يطالعها بغلظة ويردف بهيمنة قاسية :
- أنا عايز ولادي .
باغتته بنظرة كارهة وكادت أن تغلق الباب ولكنه منعها يقتحم المنزل عنوةً ويطالعهن بتعالٍ خاصةً حينما لمح داغر يغادر مع الشرطي وقد كان ينتظر هذا .
سلط أنظاره نحو ديما التي تحاملت بصعوبة تنهض حتى أنها استندت على بسمة التي تجاورها لتواجهه فأبعد أنظاره عنها وثبتهما على صغيريه يردف :
- يالا يا مالك هات أختك وتعالى .
التصق الصغيران بديما يهزان رأسيهما خوفًا من أخذه لهما لتردف منال بصياح :
- امشي من هنا يا كمال بدل ما اتصل على القسم ، جاي تتشطر على ستات ؟
التفت يباغتها بنظرة منتشية ويومئ باستفزاز :
- أيوة جاي اتشطر على ستات ، ابعدي عن سكتي بقى .
اتجه لينزع صغيريه من عناق ديما التي باتت تنتفض وتمنعه من لمسهما وودت لو تصرخ بكل ما أوتيت من قهر لتتجه دينا تبعده عنها وتحاول دفعه صارخةً به ولكنه لم يتزحزح فأسرعت بسمة ترفع هاتفها وتبتعد قليلًا لتهاتف النجدة بعدما رأت ما يحاول فعله حيث وقف بين منال ودينا وديما يحاول نزع الصغيرين منها .
كانت قوتهن واهنة أمام قوته ، خاصة ديما المحملة بالغضب والقهر والكتمان .
وحينما كاد أن ينجح في سحبهما تفاجأ بصفعة قوية نزلت على وجنته جمدته مكانه جاحظًا ولم يستوعب أنها فعلتها ، صفعته بعدما حاولت أن تصرخ ولم يُسعفها لسانها ، صفعته كما تمنت دومًا أن تفعلها وبرغم رؤيتها للجحيم في عينيه إلا أنها ابتسمت متباهيةً بما فعلته ثم ارتدت على الأريكة كأن جُل ما بها من طاقة قد نفذ في صفعة .