رواية سند الكبير سند ووعد من الفصل الاول للاخير بقلم شيماء سعيد
رواية سند الكبير سند ووعد من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة شيماء سعيد رواية سند الكبير سند ووعد من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية سند الكبير سند ووعد من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية سند الكبير سند ووعد من الفصل الاول للاخير
رواية سند الكبير سند ووعد من الفصل الاول للاخير
بكفر عتمان الكبير..
_ كله زي ما أمرت يا كبير..
قالها أحد الرجال ذوي القامة الفارعة و البشرة السمراء، بجسد ضخم و صدر عريض، تطلع إليه سيده ليخفض رأسه سريعا، بنظرات ثاقبة و أنفاس هادئة قام السيد من على مقعد الملوك الذي يرثه أبا عن جد..
مشهد يقشعر له الأبدان فقط من طلته الخاطفة للأنفاس، كبير ابن كبير إسم على مسمى سند الكبير، بطول يقترب من المتران و ضخامة جسد تسقط أمامه القلوب رعبا..
بشرة خمرية تميل إلى اللون الأسود اللذيذ، عيون بها سواد الليل برموش تظلل عليها بحماية مزين إياها بكحل صحن على يد جدته خصيصاً لسند العائلة و الكفر بالكامل..
اقترب من رجله الأمين فاخر واضعا يده على كتفه قائلا بنبرة صوته الخشن بزيادة عن الطبيعي و إبتسامة :
_ قولي عملت ايه بالتفصيل يا فاخر..
أومأ إليه الآخر متعجبا من إبتسامة سيده التي لا تظهر إلا وقت الكوارث ثم أردف بإحترام :
_ كل المستشفيات و الأماكن في إسكندرية رفضوا شغلها، نزلت تدور في المحلات حتى العطارة بس اترفضت و دلوقتي أدامها ساعة بالكتير و توصل الكفر مع سناء، عملت زي ما جنابك أمرت ظهرت لها و عرضت عليها الشغل في الكفر حكيمة لبيت الكبير و هي ما صدقت…
زادت ابتسامته اتساعا، بدأ شعور كبير بالراحة يغمره لاقتراب المراد، عاد ليسأل من جديد بذكائه :
_ في حاجة عايز تقولها و خايف قول أنا سامع…
ابتلع الآخر لعابه قائلا :
_ مش هتيجي لوحدها يا كبير معاها الراجل اللي كاتب كتابه عليها من شهر…
لم يتعجب أو يظهر عليه أي رد فعل عنيف كما تخيل فاخر، بل ابتسامته الشيطانية جعلته يتأكد أن زوجها المسكين نهايته قريبة جداً، أبتعد سند خطوة للخلف سامحا للآخر بالخروج من المكان…
أخرج تنهيدة قوية.. ها هي تعود إلى نفس المكان الذي فرت منه بليلة ممطرة و ستعود بنفس الليلة بعد عام كما أمرها، حبة الفراولة خاصته.. لعبته الأكثر من ممتعة يفصل بين اللقاء ساعات قليلة…
جلس على مقعده و عينيه على نور الصباح النابع من الشرفة مردفا بهدوء :
_ والله زمان يا وعد…
____________
على الصعيد الآخر بالإسكندرية…
في تمام الساعة العاشرة صباحا…
أغلقت باب منزلها خلفها بعدما ألقت عليه نظرة أخيرة، حملت حقيبتها و هي على يقين من اقترابها إلى الهاوية، تتطلع لباب المنزل لا تريد الذهاب إلى مكان يجمعها به، كل ما حدث و يحدث و سيحدث من تدبيره…
أخرجت أنفاسها بقلة حيلة أغلقت كل الأبواب بوجهها و لم يبقى أمامها إلا بابه، سند الكبير حلم حياة تحول بليلة واحدة إلى كابوس مرعب، انتبهت إلى تلك اليد التي تحمل عنها الحقيبة لتنظر إليه بابتسامة مردفة :
_ مكنش في داعي يا محمد تيجي معايا و تسيب شغلك و حياتك..
ضربها الأخر على مقدمة عنقها، بابتسامة مرحة تليق ببشرته البيضاء و عيونه الخضراء كأنه أحد ممثلي أوروبا، وسيم، محب، ودود، بكل شيء مميز يأخذ من اسمه الكثير، قائلا :
_ مجنونة أنتي عايزاني أسيبك أنتي مراتي يا بت يلا ادامي أنا متحمس أوي للرحلة دي…
مطت شفتيها إلى الأمام بتهكم مردفة :
_ متحمس لإيه بلا نيلة.. تعرف يا محمد من موقعي هذا بقولك أيامنا اللي جاية كلها هتكون بالشكولاته من كم السواد اللي هنكون فيه يلا شيل الشنطة و تعالى ورايا لسناء تحت…
بخطوات بطيئة تقدم ساق و تعود عشرة للخلف بدأت تقترب من السيارة الفخمة التي تنتظرها أسفل منزلها، هذه الرحلة لن تكون سوي الجحيم على الأرض…
ابتسمت تلك السيدة الأربعينة لسناء بشفقة كبيرة حاولت اخفائها قدر المستطاع، هذه الصغيرة تخطو بنفسها إلى كفر الكبير و يا عالم ماذا سيحدث هناك، أشارت الي جوارها قائلة :
_ تعالي يا وعد اقعدي جانبي هنا و أستاذ محمد يبقى يقعد جنب السواق، نفسي أشوف اللي خطف قلبك يا بنتي…
ضحكت وعد بمرح مردفة :
_ بيجيب الشنط أصلها كتير شوية، المهم دلوقتي يا ست سناء إن الكبير مش في الكفر مسافر زي ما قولتي كام شهر أدبر فيهم أموري و أمشي…
ارتبكت ملامح الأخرى إلا أنها أردفت بهدوء :
_ طبعاً يا وعد، فين بقى جوزك عايزين نمشي…
أشارت وعد إلى محمد القادم على بعد مسافة قليلة منهما قائلة :
_ أهو هو ده محمد يا ست سناء…
ها هي سناء تأخذ أكبر صدمة بحياتها بعدما وقعت عيناها على محمد، أغلقت عينيها عدة مرات تحاول استيعاب و فهم ما تراه من هذا محمد؟!…
____________
عودة مرة أخرى إلى الكفر…
الساعة الثانية إلا ربع ظهرا..
بمنزل الكبير دلفت إمرأة تخطت السبعين عاما إلا أنها مازالت تتحلى بالجمال و الصحة، السيدة حكمت جدة سند و سيدة الكفر، ضربت بعصاها الأرض لينتفض من بالمكان، وقف الجميع انتباه لتقول هي بقوتها المعتادة :
_ باقي ربع ساعة على وكل السيد سند الكبير، مش عايزة غلطة واحدة تمنها رقبة حد فيكم، يلا همي منك ليها خلينا نشوف ورانا إيه…
الساعة الثانية ظهرا بالدقيقة كان يجلس على طاولة الطعام بالمقعد الكبير و بالمقابل له جدته، يأكلان وحدهما كما اعتادا و باقي العائلة يفضلوا الغذاء بوقت متأخر…
نظر إلى جدته بهدوء قبل أن يبدأ طعامه بصمت، يقرأها مثلما اعتاد على قراءة الجميع تراقبه و تعلم بخطته و ربما تريد إيقافها، ساد الصمت لدقائق حتى قطعته السيدة حكمت مردفة :
_ رايد إيه من بنت إسكندرية تاني يا سند الكفر كله عشان تحوم حواليها و تغصبها ترجع؟!..
ترك قطعة فخذ الدجاجة من يده قبل أن ينظفها بالمنديل الموضوع بجواره قائلا ببرود :
_ كيفي كدة يا حاجة وعد لازم تبقى تحت عيني و أمري كمان، والا المراقب بتاعك مقالش ليكي أنا رجعتها غصب زي ما بتقولي ليه…
تركت الأخرى طعامها، وعد فتاة بريئة بينها و بين حفيدها فرق مثل الفرق بين السماء و الأرض، الماء و النار، تغيرت ملامحها باعتراض قائلة :
_ مين قالك إني براقبك أنا هنا الكبيرة زي ما أنت الكبير يا ولد الغالي، ابعد عنها و طلعها من دماغك أنا مش هسمح إنها تتحط وسط حريمك اللي كل ما واحدة تغلط تطلق و يبقى عقابها تعيش باقي عمرها في زنزانة تحت الأرض، كفاية ظلم بقى…
تغيرت معالم وجهه بشكل مخيف لدرجة برزت بها عروق عنقه، إلا أنه عاد إلى طبيعته باللحظة الثانية، وضع المنديل على الطاولة قبل أن يقوم من مكانه مقبلا رأس جدته بهدوء قائلا بنبرة صادقة :
_ مش سند الكبير اللي يبقى ظالم يا حاجة بالعكس أنا بجيب حق المظلوم، و لو في واحدة من الحريم دي مظلومة مكنش هيبقى مكانها تحت الأرض زي ما قولتي، عن إذنك…
تمسكت حكمت بيده تمنعه من الذهاب، عاد بعينه إليها ليجدها تبتسم إليه بحنان و ثقة مردفة :
_ انا عارفك يا غالي يا ولد الغالي بس وعد لا، دي فيها روح كل اللي بنحبهم اوعدني تبقى سند ليها زي ما أنت كدة مع الكل…
وضع كفه على رأس جدته قائلا :
_ القرار ده في ايدها هي يا حاجة حكمت…
________________
ترك جدته ذاهبا إلى قطعة من قلبه جعلتها الأيام جسد بلا روح، دق على بابها مرتين قبل أن يدلف للغرفة، نهضت من على فراشها ليظهر جمالها الخاطف للأنفاس…
بشرتها الخمرية التي يزينها أنف صغيرة و شفتين ممتلئة بشكل ملفت و ما يزيد جمالها جمال عينيها الزيتونية الساحرة..
هناك مقولة شهيرة نعرفها جيدا أن القمر لا يكتمل أبداً ، و هذا هو حالها اقتربت من شقيقها تضمه إليها بحماس طفلة صغيرة تبحث عن الحنان و الأمان و لا تجدهم إلا معه…
بدالها العناق برحابة صدر قائلا :
_ كنتي فين الصبح، كدة أمشي من غير ما اشوفك يا همت إنتي عارفة إن يومي من غيرك ولا حاجة صح؟!
أومأت إليه بابتسامة مشرقة تضيء حياته، هامسة له بعتاب :
_ همت زعلانة من سند…
اتسعت عيناه بذهول مردفا :
_ لالا همت زعلانة من سند ليه عمل ايه الوحش ده؟!..
ابتعدت عنه قليلا مشيرة إلى دميتها الصغيرة و الدموع تكاد تسقط منها قائلة بنبرة متقطعة :
_ همت الصغيرة عينيها طلعت النهاردة يا سند حاولت أعالجها معرفتش.. قعدت أعيط و استنى فيك عشان أنت تعالج عينيها بس برضو أنت مجتش…
أزال دموعها ثم قبل رأسها عدة مرات متتالية اخذا منها الدمية هامسا :
_ حقك عليا كان عندي شغل هاتي همت الصغيرة أعالج عينيها على ما همت الكبيرة تأكل و تنام شوية…
___________
عصرا… على الباب الرئيسي لمنزل الكبير كانت تقف السيارة التي تحمل وعد مع محمد و السيدة سناء التي تنظر إليهم طوال الطريق بلا كلمة واحدة فقط مذهولة، خائفة من القادم و ها هم على بعد خطوة واحدة من سند الكبير…
حملت حقيبتها إلا أن يد محمد سبقتها بحملها قائلا :
_ عيب في حقي لما أبقى شحط كدة و مراتي تشيل شنطتها، قوليلي أدخل الشنط دي فين يا ست سناء…
أنتبهت سناء على نفسها أخيرا و استجمعت قوتها مردفة :
_ أنت هتقعد في بيت الضيوف اللي في الجنينة أما وعد هتدخل البيت الكبير و لما تعملوا فرح تبقى معاك…
أوما إليها بترحاب قبل أن يأخذ حقيبته تاركا حقيبة وعد مع الحارس متجها إلى شقته الصغيرة…
عند وعد…
بعد عشرة دقائق دلفت وعد إلى غرفة الضيوف الموضوعة بالدور الأرضي، أغلقت الباب خلفها تحاول أخذ أنفاسها، خائفة إلى درجة الرعب، تشعر به قريبا منها بطريقة غريبة…
ألقت الحقيبة على الفراش مستخرجة منها ملابس بيتية ثقيلة و هي تقول بضياع :
_ فى ايه يا وعد اهدي سند مش هنا مسافر يمكن حاسة بيه لأنك في بيته بس هو في الحقيقة مش هنا، خدي نفس عميق و كوني قوية…
دلفت للمرحاض رغم برودة الجو قررت الاستحمام بماء بارد حتى تعود إلى قوتها و رشدها من جديد، بعد دقائق وضعت روب الاستحمام على جسدها الذي يكاد يطلب النجدة من الثلج ثم خرجت…
وقفت أمام المرايا تزيل المنشفة عن خصلاتها البنية المموجة مجففة إياها قائلة :
_ و بعدين بقى في اليوم ده معقول أكون خايفة منه لدرجة إني بتخيل أنه واقف ورايا…
سقط المشط من كفها مع شعورها بأنفاس ساخنة تلفح عنقها و رنين صوته الخشن يأكل أذنيها بابتسامة أقل ما يقال عنها قاتلة :
_ مش تخيل يا وعد ده حقيقة إنتي مش بس جوا بيتي أنتي كمان جوا أوضة نومي و لابسة روب الحمام بتاعي..
___________
أصابها الهلع.. تشعر بلمسته، يعانق جسده الصلب جسدها الطري، أنفاسه تتجول على خصلاتها ترعبها و تزيد رغبتها فى البكاء، يا ليتها كانت حبة من الملح لتذوب بتلك اللحظة بلا عودة مرة أخرى…
ارتجفت شفتيها ليغمز إليها قبل أن يضع أصابعه على شفتيها يمنعها من الحركة هامسا بفحيح :
_ كنتي فاكرة إنك ممكن تهربي العمر كله عن سند الكبير يا وعد…
لطالما عشقت إسمها من بين شفتيه و لكن الآن يطوف بداخلها نفور كبير منه، حركت وجهها ليبعد كفه عنها قائلة من بين أنفاسها المتهدجة :
_ ابعد ايدك دي عني، مش من حقك تقرب مني يا كبير أنا ست متجوزة..
لو كانت ظلت على الوضع الصامت كان أفضل بكثير لها، لما ذكرته بكارثة فعلتها بعد كارثتها الأولى بالهروب منه، بالفعل تركها و ذهب إلى خزانة ملابسه يخرج منها طقم مريح للنوم ثم ألقى به على الفراش…
رفعت حاجبها بذهول من هذه الوقاحة صارخة :
_ أنت بتعمل ايه اطلع برة…
نظر إليها بسخرية مجيبا :
_ الأوضة دي بتاعتي أنا أطلع أروح فين…
تخافه هذه حقيقة لا يوجد جدال بها إلا أن غضبها تخطي هذا الخوف لتقترب منه بغضب :
_ و لما هي أوضتك أنا بعمل فيها إيه؟!.. أخرج برة بدل ما أصرخ و محمد ييجي…
قهقه بمرح قائلا :
_ محمد يعرف عموماً مش محمد بس اللي هيعرف ده البيت الكبير كله و الخدام اللي أكيد هيقولوا إنك دخلتي هنا بمزاجك تحت عنيهم… و الفضيحة هتبقى صعبة خصوصاً بروب الحمام بتاعي اللي ملفوف على جسمك…
إنتبهت للتو فقط أنها شبه عارية أمام عينيه التي تأكلها و تبتلع تفاصيلها، شهقت بقوة و هي تضع كفها على صدرها تحاول الفرار إلى المرحاض إلا أنه كان الأسبق على الباب :
_ على فين من امتا حد يمشي و سند الكبير واقف…
على يقين من جنون فعلتها، أخفضت وجهها لعدة لحظات قبل أن تردف بضعف :
_ أنت جبتني هنا ليه؟!.. عايز تقتلني صح…
رفع يده ليزيل باقي منشفة الرأس المتعلقة بخصلاتها البنية يتأمل ملامحها عن قرب كأنه لأول مرة يراها، منبهر بوجهها الأبيض المستدير و ملامح وجهها البسيطة، كأنها إحدى أميرات العصر القديم، ضرب مقدمة أنفها بأحد أصابعه قائلا :
_ الموت هيكون رحمة كبيرة ليكي و ليا و أنا لا عايز أرحمك و لا حتى أرحم نفسي…
مثل الفأر دلفت الي المصيدة بقدميها و لا تشعر أنها بأول خطوات النهاية، لا تعلم من أين أتت لها تلك القوة التي تجعلها صامدة، أردفت بأنفاس متلاحقة :
_ من أول مرة شوفتك فيها قولت عليك مريض و لازم تتعالج عند دكتور نفسي، بس دلوقتي بقولك إن حالتك محتاجة إقامة الباقي من عمرك في مستشفى الأمراض العقلية..
أومأ إليها مؤكدا بهدوءه المعتاد :
_ وقتها هتكوني في الاوضة اللي جانبي مش أنا وعدتك إنك هتفضلي جنبي على طول قبل كدة…
نظرت إليه بغل قائلة :
_ الموت عندي أهون بكتير من إني أبقى جانبك يا كبير…
عاد الي قرص أنفها مرة أخرى هامسا :
_ دخلتي كفر عتمان بمزاجك يا دكتورة و هربتي منه برضو بمزاجك يا دكتورة، بس دلوقتي النفس اللي بين صدرك خروجه بإذن مني أنا…
_ أنت قاتل و أنا و أنت عمر ما كان طريقنا واحد أبداً…
أبتعد عن باب المرحاض قائلا بقوة :
_ مين قالك إني بس اللي قاتل، و الغفير مات على أيد مين يا دكتورة مش على إيدك؟!…
يكذب هي على يقين من كذبه، ليلة ضربها للغفير يوم هروبها كانت تعرف بأي مكان تضربه فقط أرادت أن يفقد الوعي ليس أكثر، حركت رأسها عدة مرات تنفي ما يقوله إلا أنه ثبت وجهها بضغط كفه على عنقها مردفا :
_ عايزك تخافي يا دكتورة وعد، عشان اللي جاي نار لازم تنطفي بحرق حد، خافي…
تركها ثم اتجه الي باب الغرفة ملقيا عليها نظرة أخيرة قبل أن يخرج من الغرفة قائلا :
_ بعد ساعة هييجي المأذون يطلقك من حبيب القلب و في نفس اللحظة هنتجوز… البكر مالهاش عدة يا دكتورة… ممنوع تخرجي من الأوضة إلا بأمر من سند الكبير لو عايزة التاني يخرج من هنا فيه نفس….
_______________
على الصعيد الآخر بالشقة القائم بها محمد…
انتهى من ترتيب ملابسه و أخذ بعدها حمام دافيء يريح به أعصابه، منذ أول خطوة له بتلك الشقة و رأسه تكاد تنفجر، صداع حاد لا يعرف له سبب…
بدل ملابسه ثم قرر بها التجول بالحديقة بهذا الجو الهادئ لعل الهواء النقي يريح أعصابه، المكان رائع و السماء صافية جلس بجوار أحد الزهور متأملا ما حوله..
تعجب من جلوس أحد بجواره، نظر بطرف عينه ليري فتاة يا سبحان من خلقها بتلك الصورة، عينيه تعلقت بها و كأنه لأول مرة يرى فتاة جميلة…
اتسعت عيناه بذهول من تعلق يدها بذراعه بطفولية و عينيها غارقة بالدموع، ابتلع ريقه متوترا من حركة كفها الصغير على ذراعه هامسة بنبرة لعبت على أوتار روحه :
_ عروستي راحت مني و أنا مش عارفة هي فين عايزاها و بدور عليها من كتير أوي… همت الصغيرة راحت مني…
حاول الإبتعاد عنها يبدو أنها فاقدة للأهلية من طريقتها بالحديث، دار بالمكان حوله يبحث عن أحد يأخذها منه إلا أنه لم يجد، زاد بكائها و ألقت بجسدها بين أحضانه…
رحب بهذا الاندماج الجسدي، يشعر بحاجته هو الآخر لأخذها بين حنايا صدره، حرك يده على ظهرها هامسا :
_ اهدي يا آنسة و قوليلي أنت تبقى بنت مين هنا أو أقدر أساعدك بإيه…
زاد تعلقها به أكثر رغم محاولته في الإبتعاد عنها مردفة من بين شهقاتها :
_ عايزة عروستي همت الصغننة…
وضع يديه على يديها يفك تلك العقدة التي تزين عنقه بأصابعها قائلا بنبرة متهدجة :
_ طيب أهدى و بطلي عياط يا صغيرة أنتي، إيه رأيك تمسحي دموعك الحلوة زيك دي عشان تبقى بنت شاطرة و تقومي معايا ندور على همت الصغيرة…
ابتعدت عنه تنظر إليه ببراءة شديدة، ظلت صامتة مترددة لعدة ثواني تفكر بحديثه ثم ابتسمت باتساع متحمسة قبل أن ترفع يديها تزيل بهما بقايا دموعها قائلة :
_ عندك حق، ماشي يلا بقى قوم معايا ندور على همت الصغيرة قبل ما حد من الوحشين ياخدها مني…
قام معها بقلة حيلة، انبهاره بها تحول إلى حالة كبيرة من الشفقة، يسأل لماذا فتاة مثل الوردة الجوري تبقى هكذا؟!.. تعلقت بيده مرة أخرى و يا ليتها لم تفعل انتفض من تلك الرجفة التي أصابت جسدها و جسده…
ساعة و نصف يبحث معها على تلك الدمية بلا فائدة، بدأت تفقد الأمل و عادت للبكاء قائلة :
_ عروستي ضاعت الأشرار أخدوا العروسة مني…
بالفعل هو عاجز على التعامل معها، حرك يده على رأسها مردفا بهدوء :
_ اهدي ممكن أجبلك واحدة جديدة خالص…
حركت رأسها نافية بقوة و بدأت تدلف بحالة من الانهيار الكلي صارخة :
_ لا لا لا أنا مش عايزة غيرها أنا عايزة همت الصغيرة بس…
علا صريخها، أتى الحرس الذي وجد نفسه في دقيقة واحدة محصور بينهم و اسود العالم من حوله و آخر ما وصل إلى أذنيه صوتها فقط….
__________
هل قتلت روح؟!… سبب هروبها أنها رأته يقتل هل أصبحت مثله؟! جلست على الفراش و جميع أنحاء جسدها منهارة أزرق من الثلج المحيط به، أغلقت عينيها تلعن تلك اللحظة التي جعلها الحظ تسقط بين يديه…
فلاش باااااااك….
بأحد الأماكن البسيطة على النيل نظرت وعد إلى صديقتها صافية بعدم استيعاب قائلة :
_ يعني ايه يا صافية كلامك ده، عايزاني أروح أشتغل في كفر عند واحد رافض شغل الستات ده كلام؟!…
حدقت بها صافية لعدة لحظات لا تعرف كيف تقنعها و هي نفسها غير مقتنعة و لكن ما باليد حيلة، أخذت نفس عميق قبل أن تجيبها بهدوء :
_ و أنا أعمل فيكي ايه يعني روحتي ضربتي الدكتور خالد زميلنا و اترفدتي من المستشفى، و مفيش مستشفى راضية بيكي دلوقتي كله منك و من لسانك و أيدك، وعد أنتي مش بس هتروحي كفر عتمان الكبير أنتي كمان تنسى خالص موضوع إنك ست ده…
حركت رأسها بفهم مفتوح تريد منها الفهم بشكل أكبر لتكمل الأخرى حديثها بتوتر :
_ هتروحي على إنك راجل زي فيلم للرجال فقط، كل حاجة هتكون جاهزة تعملي نفسك راجل و تشتغلي دكتورة للرجالة اللي شغالة معاه زي الطوارق كدة لحد ما….
قاطعتها وعد بسخرية :
_ لحد ما إيه؟!.. يعرف و أروح أنا في داهية مش كدة… أنا مستحيل أقبل بالجنان ده….
بعد مرور أسبوع واحد كانت تنظر إلى هيئتها في المرايا اليوم أول يوم لها تحت مسمى الطبيب شاكر، ابتسمت على حالها بسخرية بالفعل مظهرها كوميدي و ربما مكشوف أمام الأحمق، شارب كبير، خصلات رجولية مستعارة واضحة مثل الشمس و فوق كل هذا و ذاك حواجب مثل فرشة الأسنان بالإضافة إلى ذقن تصل إلى مقدمة صدرها…
خرجت من الغرفة لتجد صديقتها تكاد تنفجر من الضحك قائلة بصعوبة من بين ضحكاتها :
_ بجد يا وعد شكلك مسخرة أنا مش قادرة أخد نفسي من شكلك، بس كدة زي الفل يا بت مش باين أي حاجة من ملامحك باقي بس صوتك حاولي يبقى خشن بلاش سهوكة بدل ما تشرفي على الأسفلت…
رفعت حاجبها ساخرة قبل أن تحمل حقيبتها مردفة و هي تتجه إلى باب المنزل :
_ دمك زي الزفت مش خفيف خالص على فكرة، يلا قدامي خليني ألحق القطر و اغور في ستين داهية من وشك…
أربع ساعات مروا عليها مثل الأعوام قلبها يحثها على العودة إلى بيتها تنعم هناك بالأمان و الدفيء، و عقلها يأمرها بتكملة هذا الطريق الذي بدأته؛ لتأتي بالمال فحتى بيتها الدافيء لا تستطع العيش به دون مال…
نظرت إلى المكان حولها بتوتر من أول خطوة لها بهذا الكفر، سؤال واحد يدور برأسها أين نساء هذا المكان؟!.. اقتربت من أحد الرجال قائلة بنبرة حاولت أن تجعلها رجولية بقدر المستطاع :
_ فين بيت سند الكبير لو سمحت؟!…
انتفض الرجل من مكانه قائلا :
_ بيت سي سند عايزه ليه يا أخ…
_ أنا الدكتور الجديد و محتاج العنوان مش أكتر اهدى حضرتك متوتر ليه؟!…
سار الرجل أمامها مردفا برعب :
_ أنت الحكيم الجديد الله يكون في عونك، يلا أوصلك على أول شارع البيت الكبير و كمل أنت ممنوع حد من أهل الكفر يدخل شارع البيت الكبير…
بعد هذا الحديث تمنت لو بقدرتها العودة و كأن شيئا لم يحدث، تركها الرجل على أول هذا الشارع الطويل لتبدا رحلتها لهذا المنزل، شعرت ببعض الأمان مع سماعها إلى أذان العشاء تؤكد لنفسها أن الله معها، أردفت بداخلها بذهول من هذا المنظر الخاطف للأنظار :
_ يا الله على الجمال معقول ده بيت عادي جوا قرية في الريف؟!…
سمعت صوت كلاب خلفها لتدور بجسدها صارخة بفزع قبل أن تلقي بنفسها بأحضان هذا الغريب صارخة :
_ يا مامي كلاب….
__________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
تعلقت بعنق هذا الغريب كطوق النجاة لها من تلك الكلاب المفترسة، طال الصمت و اختفى صوت الكلاب رويدا رويدا… بدأت تأخذ أنفاسها المسلوبة و عم على قلبها الاطمئنان، حلت ذراعيها بعيدا عن عنقه لتجده يقف جامدا و الكلاب خلفه على بعد مسافة بسيطة..
ابتلعت لعابها بعدما علمت أن سرها انكشف من قبل أن تبدأ بالعمل، معالم وجهها غير ظاهرة إلا أن من يراها عن قرب يعلم كم هي بريئة، طفلة صغيرة ضائعة…
ابتعدت ليحاول هو إخراج صوته من هذا العناق الطري الذي لا يدل على رجولة من كان بين ذراعيه، أشار الي أحد رجاله بأخذ الكلاب قبل أن يتحدث بوقاره :
_ مين أنت و دخلت البيت الكبير إزاي؟!..
اهدئي يا وعد أنتِ الآن بداخل براثن الصقر، حمحمت قبل أن تخرج صوتها بنبرة خشنة :
_ أنا الدكتور وحيد، الدكتور الجديد للبيت الكبير و عايز أقابل السيد سند…
ضرب بعصاه الأرض متجها إلى القاعة الكبيرة جالسا على مقعده، صارت خلفه و مع دخولها علمت أنها أمام سند الكبير، أردفت برأسها بحسرة :
_ معقول هموت من أول دقيقة ليا في المكان ، روحتي في داهية يا وعد…
وضع هو ساقا على الآخر هاتفا :
_ اه أنت الحكيم، شغلك هيبدأ من بكرة هتروح مع الغفير شقتك، إياك تخرج منها إلا بطلب مني أو تفتح ليها شباك سامع…
أومأت برأسها عدة مرات كل ما ترسم إليه الآن هو الفرار من هذا الرجل، ذهبت إلى الشقة خلف الحارس و أغلقت الباب خلفها سريعا قبل أن تزيل تلك الأشياء التي تأكل بوجهها قائلة :
_ أنا رميت نفسي وسط النار و كان عندي فرصة إختيار، يا رب أنت عالم بحالي عدي الأيام المرعبة دي على خير…
رفعت هاتفها بعد سماعها إلى الرنين الخاص بصديقتها لتجيب عليها بغل:
_ الله يخربيتك يا صافية الكلب، أنا تعملي فيا كدة، ده فيلم رعب مش كفر، الراجل لوحده شكله قتال قتلة.. أنا تقريبا عملتها على نفسي و رايحة استحمى، يلا غوري في داهية…
على الجانب الآخر قهقهت صافية بمرح قائلة :
_ متخافيش دة راجل عادل خليكي بس في شغلك و نفذي الأوامر و كله هيعدي بسرعة…
أغلقت الهاتف بوجهها دون أن ترد عليها، حالها ينطبق عليه المثل الشهير ” اللي ايده في المياة مش زي اللي ايده في النار”، أزالت كل ما عليها ثم ركضت إلى المرحاض تحتمي به…
شهر كامل مر عليها بداخل تلك الشقة لا تفعل شي فقط تنتظر أمر منه بالخروج، ملت من هذه الحالة، تأخذ مرتب أكثر من أحلامها و لكن بلا عمل، انتهت من ارتداء ملابسها الرجالية و وضعت الأشياء على وجهها ثم قررت الخروج من هذا السجن…
فتحت الباب و أخذت تتجول بالحديقة، المكان هنا أكثر من رائع، شهقت فجأة برعب عندما سمعت الغفير خلفها يقول بقوة :
_ إزاي تعصى أوامر سيدنا يا حكيم، قدامي السيد سند أمر تكون عنده….
سارت معه إلى نفس القاعة لتجده يجلس، أمرها بالوقوف أمامه ثم أشار إلى الغفير بالخروج، أخذ نفس من سيجاره قبل أن يردف بهدوء ما يسبق العاصفة :
_ خرجت ليه من شقتك هو أنا طلبتك؟!…
خائفة هذا حقيقي إلا أنها بنفس الوقت متمردة، نال العناد من عقلها لترفع رأسها بقوة قائلة :
_ أنا جاي هنا عشان أشتغل دكتور مش مسجون، باخد فلوس على إيه و أنا لا بشتغل و لا بتحرك من الشقة حتى…
ضرب المقعد بكفه قبل أن يقول بغضب :
_ أنت هنا تحت أمري و بس، المرتب ده عشان وقت ما أعوزك تكون موجود، أدخل شقتك يا حكيم و اعتبر إن دي آخر غلطة ليك…
من هو ليتعامل بتلك الطريقة مع البشر؟!.. يأمر و يتكبر كأنه مخلوق على الكوكب بمفرده، زاد غيظها منه لتقول :
_ مش من حقك تقول إني تحت أمرك أنا هنا أشتغل بمزاجي، الناس مش عبيد عندك عشان أفضل بين أربع حيطان لحد ما جنابك تؤمر أنا بقدم استقالتي مش هكمل في الظلم ده…
حمقاء لدرجة أنها كانت تتحدث معه بنبرة صوتها الحقيقية، مع أول مواجهة بينهما كشفت أمرها، ظل يسمعها بهدوء يريد أن يحفظ نبرة صوتها إليه، أنتهت من حديثها ، ليترك هو ما بيده ثم قام من مكانه…
أصابها الهلع من تلك الخطوات المدروسة التي تقترب منها، للحظة علمت خطاها لتتسع عيناها بذهول وتجمعت الدموع بمقلتيها لا تريد الموت الآن و بهذا المكان الذي لا يعرفها به أحد… ارتجفت شفتيها شاهقة بعدما جذبها لتبقى داخل أحضانه…
رفع أصابعه ممررا إياهم على بشرتها الناعمة هامسا بنبرة ساخنة :
_ من أول مرة حضنتك فيها وقت الكلاب و جسمك الطري اللي زي المهلبية وقع تحت أيدي قولت مستحيل ده يبقى جسم راجل، حتى ريحتك كلها بتقول انا ست زي القمر كمان…
أخذ نفس عميق من عطرها الفطري قبل أن تأخذ يده الطريق إلى إزالة تلك الأشياء الغريبة الموضوعة على وجهها، لتظهر أمامه ملامح القمر ليلة أربعة عشر..
شقت الإبتسامة وجهه قبل أن يلقي ما علي وجهها بالأرض قائلا :
_ اممم مش قولت قمر، وصفي ليكي ظلمك قوليلي بقى الحلو بيعمل إيه هنا و فين الدكتور وحيد؟!…
سقطت دموعها بخوف مردفة بتقطع :
_ مفيش حد اسمه الدكتور وحيد، أنا الدكتورة وعد عبد الله و جيت هنا بلبس راجل لأنهم قالوا مفيش ستات بتشتغل في الكفر ده، أنا كنت محتاجة للشغل صدقني…
ابتعد عنها ليرى ارتجافها بوضوح ثم رفع حاجبه بتفكير قائلا :
_ و أنا أصدقك إزاي يا دكتورة بعد ما دخلتي هنا بكذبة و كبيرة كمان…
عضت على شفتيها و هي تزيل دموعها بظهر كفها قائلة :
_ أنا مش كدابة دي الحقيقة، لو كنت بتشغل ستات مكنتش أنا عملت كدة، أي واحدة محتاجة شغل هتعمل كدة، بس خلاص أنا مش عايزة أي حاجة غير إني أخرج من هنا…
رفع أحد أصابعه و حركها محل دموعها ليأخذ أكبر قدر منها عليه ثم نظر إليهم بداخل كفه مردفا :
_ أنتي فعلاً كذبتي، و بعدين مفيش ستات بتشتغل في كفر عتمان الكبير عشان احنا رجالة مفيش ست تجوع و لا تحتاج لفلوس طول ما في راجل، و اللي جوزها ميت أو مالهاش راجل كل طلباتها عندي و من مالي، يعني لو كنتي طلبتي فلوس بدل الكدب كنت أديتك…
ردت عليه بغضب شديد لا تقبل تلك الإهانة أبداً :
_ أنا مش شحاتة عشان أطلب منك فلوس أنا دكتورة و عايزة شغل، اللي أنت بتقوله ده لما أبقى قليلة الحيلة أو معنديش مهنة أكسب منها بدل ما أشحت و أمد ايدي ليك أو لغيرك…
أعجبته تلك اللعبة و ربما تكون زوجة جديدة له ، سند الكبير لأول مرة يريد الإطالة في الحديث مع احداهن، حديثها لا يروق إليه أبداً، لا يحبذ العناد و خصوصاً معه..
أردف بجدية :
_ تبقى غبية يا دكتورة لو شايفة ان ستات الكفر قليلات الحيلة أو في واحدة منهم بتمد ايدها و تشحت، أنا الكبير و ده حقهم عليا، روحي شقتك لحد ما أعرف هعمل فيكي إيه…
همست برعب :
_ تقتلني صح؟!.. أنا مش عايزة أموت دلوقتي لو سمحت…
وضع يده خلف خصلاتها قائلا و عينيه تحفظ تفاصيلها اللذيذة :
_ لأ اللي زيك خسارة في الموت، بس البيت الكبير من زمان محتاج حرمة تنوره… هتجوزك يا بت…
______________
في الثانية بعد منتصف الليل، حملت حقيبتها و ارتدت ملابسها الرجالية ثم فتحت باب الشقة و بدأت عينيها في التجول بالمكان حولها بريبة، لن تظل بهذا الكفر ساعة واحدة هذا المجنون سيأتي غدا بالمأذون…
جدته و باقي عائلته مثله.. الرحمة انعدمت من قلوبهم، خائفة من السير بهذا الوقت إلا أنه لم يعد أمامها حل آخر، أخذت تمشي بقدم ثقيلة خطوة إلى الأمام و مائة إلى الخلف حتى اقتربت من البوابة…
توقفت فجأة مع سماعها إلى صريخ أحدهم يطلب النجدة من الحديقة الخلفية، لا تعلم لما تركت حقيبتها بالأرض و بدأت تمشي خلف الصوت حتى وصلت إلى بوابة و سلالم تحت الأرض تقريبا…
كلما اقتربت كلما زادت الصرخات الواضح منها أنها لرجل، تجمدت مكانها مع رؤيتها لسند يصوب مسدسه على رأس رجل كبير أسفل قدميه قائلا :
_ كام مرة قولتلك تمن الخيانة لازم يكون الموت، كام مرة قولتلك أنت تحت عيني و حاسب من وقت حسابي، غبي يا شوقي غبي، قول الشهادة يمكن تنفعك يوم القيامة…
صرختها بإسمه جعلت كل شيء يتوقف، رفع رأسه لها ربما بصدمة و ربما بتوعد، حركت رأسها نافية لما يحدث قائلة بتهدج :
_ أنت مجرم عايز تقتل إنسان، أنت.. أنت لازم تدخل السجن اللي زيك لازم يتعدم في ميدان عام، مين أدى ليك الحق تقتل روح مهما عملت، أنا مش هسكت هبلغ عنك و هاشهد بده…
حديثها متفرق غير مفهوم و حالتها أكثر سوءا من الحديث، أقتربت من الملقى على الأرض تساعده لكي يقف هاتفة :
_ قوم معايا يا عمو أنا مش هخرج من هنا إلا بحضرتك بس حاول تقوم…
يتابع بلا ردة فعل، ينتظر نهاية ما بدأته هي، أصابها الذهول مع بعد الرجل عنها صارخا :
_ ابعدي عني أنا غلطت و مستني عقاب الكبير و راضي حتى لو بالموت على ايده..
رفعت بصرها له لتجده يرفع حاجبه لها بابتسامة و كأنه يقول أرأيتي؟!.. نزل إلى مستواها ساحبا كفها إليه قبل أن يأخذها للخارج قائلا :
_ اعمل اللازم أنت يا فاخر و بعدها هات المأذون عايزه الليلة مش بكرة…
______________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بكل قوتها تضرب على باب تلك الغرفة الذي وضعها بها أسيرها ثم اختفى، رأت بالكثير من المسلسلات الرجل الظالم و كان يراودها سؤال هل يوجد على أرض الواقع أناس بتلك الطريقة !!!! و ها هي ترى أرض الواقع بسهولة…
عائلة بالكامل لا يوجد بداخل أحدهم القليل من الرحمة، عالم آخر بعيد كل البعد عن عالمها البسيط، أصاب جسدها الإرهاق لتجلس على أرضية الغرفة باكية أين هي صافية لا تعرف؟!..
ضمت ساقيها إلى صدرها تسيطر على ارتجاف كل جزء منها، صوت أقدام رقيقة تقترب من باب الغرفة جعلها تنتظر طوق النجاة بترقب، فتحت الباب فتاة بأوائل العشرينات بجمال شرقي أصيل و على وجهها ابتسامة مشرقة..
اقتربت منها مردفة بقلق :
_ بتعيطي ليه يا مرات أخويا؟!.. حد زعلك في الدار و الا إيه…
انتفضت وعد بجنون صارخة :
_ مرات أخو مين أنتي كمان هو أنا ناقصة مصايب، العيلة دي شكلها كلهم مجانين في بعض…
شهقت الأخرى قائلة :
_ بس اسكتي أحسن يسمعك سند و الا ستي الجدة وقتها مش هيطلع عليكي نهار، أنا بس قولت اجي أطمن عليكي مكنتش اعرف إنك مش طايقة حد فينا..
أزالت وعد دموعها بابتسامة ساخرة ثم ردت عليها :
_ و أطيق حد منكم ازاي و أنتوا خاطفيني، سبيني لوحدي لو سمحتي…
ظهر الحزن على تعبيرات الأخرى قبل أن تقول بتوتر :
_ أنا آسفة همشي و مش هاجي هنا تاني، كان نفسي بس نبقى أصحاب مش أكتر، حقك عليا…
قلبها لعين به حنان يغطي العالم و يفيض، عضت على شفتيها قبل أن تردف بتردد :
_ استني أنا آسفة مكنتش أقصد أزعلك، طيب قوليلي أنتي مين عشان نتعرف على بعض…
عاد الإشراق إلى وجه شقيقته لتشير إليها بحماس متجهة إلي باب الغرفة تغلقه ثم جلست بجوارها على الأرض مردفة :
_ أنا همت أخت سند الوحيدة لما عرفت أنه ناوي يتجوز تاني فرحت أوي و جيت أتعرف عليكي…
ساعة كاملة من النقاش و المرح و عقل وعد واقف عند جملة واحدة “يتزوج ثاني” هذا الرجل متزوج و ربما لديه أطفال، لطالما حلمت بفارس أحلامها و ها هي تسقط من أرض الأحلام إلى كارثة الواقع..
إعجابها به من أول لقاء أو لنقول عناق يسقط بكل ثانية جزءا منه، بهتت معالمها…
يوم وقوعها بالغرام يكن بحب رجل قاتل متزوج لا يشبهها بأي شيء…
دلف الغرفة بطلة مميزة من أول طقمه الصعيدي الرائع إلى رائحة عطره التي تأخذ من رائحة جسده الكثير، نظرت إليه بطرف عينيها و هو يضم شقيقته التي ركضت إليه قائلة :
_ صباح الخير يا سندي…
أبتسم إليها قائلا :
_ صباح النور على أجمل بنت في كفر عتمان، قلب أخوها بتعمل إيه هنا بقى؟!..
أشارت إلى وعد بابتسامة طيبة قائلة :
_ كنت بتعرف على وعد يا كبير و طلعت طيبة أوي، هو أنا ممكن أخدها عندي الأوضة بدل ما تقعد هنا لوحدها…
قبل رأسها بهدوء مردفا :
_ دلوقتي روحي افطري و شوية و نيجى وراكي يلا….
أغلق الباب خلف شقيقته و عينه تأكلها ، يود معرفة ما يدور بداخلها و ربما ما بداخله هو، لماذا بعد ما رأته و تخطت حدودها معه يحتفظ بها؟!.
أخذ نفس عميق براحة نفسية من رعبها هذا، خائفة و هذا يعطي له الكثير من القوة ليكمل ما بدأه معها، نزل إلى مستواها على ساق واحدة ثم بأحد أصابعه يرفع وجهها إليه بذقنها قائلا :
_ خايفة من إيه هو أنتي عملتي حاجة يتخاف منها؟!.. ده المفروض تكوني في سعادة و هنا يا عروسة…
بتحدي كبير ضربت يده من عليها، تستفزه و تقولها صريحة أنت ليس بالعالم بمفردك، أجابته من بين أسنانها :
_ السعادة و الهنا دول لما أبقى أخدت الراجل اللي بحلم بيه مش أنت، و أنا مش بخاف من حد إلا ربنا.. اللي زيك أكيد ميعرفش حاجة زي دي، لو أنت آخر راجل في الدنيا مستحيل أتجوزك ، بتعمل كل ده عشان خايف أبلغ عنك يا مجرم…
حملها رغما عنها و جلس بها على الفراش، مستمتعا جداً بالحديث معها حتى لو خطأ عليها، يرى بها المرأة الذي أراد أن تحمل طفله بداخلها، متأكدا أن هذا الطفل سيكون خليط رائع بين القوة و الذكاء…
أخذ شفتيها الصغيرة يضغط عليها بأصابعه هامسا :
_ تؤ أنا أضمن سكوتك بأكتر من طريقة غير الجواز و أسهلها الموت، بس أنا مستخسرك في الموت، اللي زيك لازم ييجي منها نسل الكبير ، عايز منك كل سنة عيل أو اتنين لحد ما توصلي لسن اليأس…
وقح و هذه الوقاحة جديدة عليها هي معتادة على الاحترام و التقدير من الجميع ، عضت أصابعه التي تضغط على شفتيها بقوة إلا أن هذا لم يزيده إلا إصرار ، قائلة :
_ نسل إيه و سن اليأس ايه يا قليل الذوق و الأحترام ، طالما مش عايز تقتلني بقى فأنا بقولك مش هتقرب مني إلا لما تمطر في شهر سبعة…
يضحك معها من أعماق قلبه، لعبة جديدة تعطي للحياة بعض اللذة، سارت عينيه على جسدها بالكامل يحفظه و ربما يتخيله على الطبيعة، جذبت شرشف الفراش على نفسها يشعرها كأنها عارية ليقول هو بنبرة صارمة قبل أن يخرج من الغرفة :
_ معاكي عشر دقايق عشان تكوني على الفطار تحت لو اتأخرتي ابقي استني الغدا… الساعة اتنين…
___________
بغرفة السفرة…
دلف في موعده مثل كل صباح ليجد جدته و شقيقته بانتظار قدومه، أشار إلى شقيقته بالجلوس جالسا هو الأخر على مقعده، دقيقة و جاء موعد الطعام ليبدأ بطعامه…
و بين كل حين و الآخر تراقب عينيه الدرج منتظرا قدومها لا يتمنى أن تتمرد حتى لا يعاقبها، ضيقت السيدة حكمت عينيها قائلة بعدم رضا :
_ إيه حكاية جوازك و حكاية البت اللي فوق دي يا سند؟!.. من امتا ليك في لعب العيال ده…
وضع قطعة من الفطيرة الساقطة بعسل النحل قائلا بهدوء :
_ من امتا سند الكبير بيلعب يا حاجة؟!… دي هتبقى مراتي و هتحمل نسلي و بيها هيكبر إسمى و إسم عتمان الكبير…
رغم بساطة حديثه و هدوءه إلا أنه كان حاد محذر ، تعلم حفيدها لذلك أردفت بقلق :
_ طول عمرك راجل و كبير، بس أنا خايفة عليك يا ولد الغالي من الموضوع ده، كبير الكفر هياخد بت من براه و كمان عايزها هي اللي تشيل نسلك…
أومأ إلى جدته قائلا :
_ أيوة يا جدة هي دي أم الكبير من بعدي و مرات الكبير من دلوقتي…
تدخلت همت بالحديث مردفة ببراءة :
_ أيوة يا جدة، دي طيبة أوي و كمان حلوة أوي عيالها من سند هيبقوا حاجة في الجمال ده مالهاش وصف…
ابتسم سند على طفلته و ابنته البكر التي مهما كبرت ستظل كما هي صغيرة، نظر إلى ساعته متبقي دقيقة على انتهاء العشر دقائق و بعدها سيتصرف معها…
وصل إليهم رنين حذائها على الدرج بخطوات مترددة، دلفت للغرفة مقتربة من المقعد المجاور لهمت إلا أن قاطعها بصوته :
_ بوسي كف الحاجة حكمت الأول و بعدين تعالي أقعدي على الكرسي ده…
أنهى حديثه و هو يشير إلى المقعد المجاور له، رفعت حاجبها باعتراض إلا أن نظرته كانت غير قابلة للنقاش، نفذت أمره مقبلة يد تلك السيدة لتضع كفها الآخر على رأسها بحنان قائلة :
_ تسلم تربيتك يا بتي أقعدي افطري بس بعد كدة الساعة 8 تكوني على السفرة…
أومأت بلا تعبير و ذهبت للجلوس بالمكان الذي أمرها به، هي أضعف من الوقوف أمام وجه تلك العائلة الآن.. بدأت تأكل ليقول هو :
_ الليلة هييجي المأذون و الفرح هعمله بعد فرح همت و حمد الشهر الجاي لما يرجع حمد من السفر، يعني عشان تاخدي عليا أكتر..
_ ربنا ياخدك…
همست بها بصوت لا يكاد يخرج من فمها إلا أنه سمعه ليقول و هو ينظر إلى طبقه :
_ و اه صحيح أنا بسمع حركة النملة…
تنحنحت هامسة بتوتر :
_ هو أنت.. أقصد حضرتك يعني متجوز؟!…
_ لأ.. مطلق خمسة قبلك ادعيلهم بالرحمة الست تطلق مني من هنا و عمرها يخلص من هنا كأن روحهم كانت متعلقة فيا… سبحان الله…
______________
مر الشهر عليها سريعا بين الخوف من القادم و التحدي الدائم له، شهر واحد كان كفيلا بقلب الموازين لتقع الطبيبة بحب قاتلها، عشقت أدق التفاصيل البسيطة به، تنتظر وجبات الطعام على أحر من الجمر حتى تجمعها به سفرة واحدة…
لم استسلمت لما هو قادم لتكون زوجته و أم نسله كما يريد، أسرته أصبحت أسرتها رغم معاملة زوجة عمه السيئة لها…
و ها هو آت اليوم المنتظر يوم زفاف همت على البشمهندس حمد الذي سيأتي بعد ساعات قليلة من السفر…
أغلقت باب غرفتها خلفها و هي تضم فستانها الجديد هامسة :
_ الفستان ده هيبقى الذكرى الوحيدة و الأخيرة بنا يا سند…
ألقت على نفسها نظرة راضية بالمرايا قبل أن تقول بتوتر :
_ أنتي قوية يا وعد و هتقدرى تعدي المحنة دي و تبقى أقوى، روحي له قولي اللي في قلبك كله يا عالم هنتقابل تاني و الا لأ…
خرجت للحديقة تعلم أنه سيكون بها ليتابع ما يحدث بحفل الزفاف، اقتربت منه بخطوات رشيقة هامسة بصوت وصل لقلبه :
_ سند…
نطقت اسمه من بين شفتيها، لحظات مرت و هو يقف كما هو يغلق عينيه و يردد صدى صوتها برنين إسمه مستمتعا، يا الله على الروعة و الجمال.. أعادت كلمتها لتخرج منه آه مستمتعة، سيطر قليلا على انفعالاته و دار بجسده لها مردفا :
_ خير يا دكتورة…
_ اسمي وعد…
قالتها بهيام واضح على ملامحها مثل الشمس لتبدأ دقات قلبه بالارتفاع هامسا :
_ مش فاهم…
ابتسمت إليه مردفة :
_ عايزة أسمع اسمي منك من غير دكتورة…
ابتسم إبتسامة ماكرة ملامح الخبث و العبث الرجولي أخجلتها، جذب طرف وشاحها إليه قائلا :
_ و الدكتورة عايزة تسمع إسمها مني ليه…
حرارة جسدها أصابتها بالتعرق إلا أنها صممت على إكمال حلاوة اللحظة، ابتلعت لعابها مجيبة :
_ هو لما القلب يدق في وجود حد و العين تلمع، ريحته تحسسك بالأمان و صوته يعالج كل جروحك يبقى ده ايه، لما جسمك كله يرتعش من لمسته مع إنه مبسوط بيها يبقى ده ايه ده؟!…
هو نفسه لا يعرف ما تصفه هي، نفس شعوره و نفس رغبته الملحة بالاقتراب منها، لسانه أجاب دون أن يسأل عقله أو ينتظر تفكيره :
_ يبقى ده حب…
_ يبقى أنا بحبك بحبك أوي يا سند و دي غلطة عمري كله…
فرت من أمامه بعدما أعطت إليه إعتراف مغلف بالندم و قلة الحيلة، اختفت بنفس اللحظة التي وضعت بداخله أول نبتة لقصة حب أنتهت، لم ترحل من أمامه فقط بل رحلت بلا عودة، تركت روحه معلقة بها و روحها معه تبعد عن هذا الحب المحكوم عليه بالإعدام من البداية….
بالمساء…
بالحديقة…
بدأت مراسم حفل زفاف الشقيقة الوحيدة لكبير الكفر، و الجميع في انتظار قدوم العروسين، أما هي استغلت الزحام و خرجت من الباب الخلفي ملقية عليه نظرة أخيرة بأعين باكية :
_ امشي يا وعد يلا امشي أنتي مش شبهه و لا هو كمان شبهك لأزم تمشي… شكله حلو أوي و هو بيرقص بالعصايا…
توقفت فجأة مع رؤيتها للغفير يقترب منها صارخا :
_ ست الناس لازم تدخلي جوا دلوقتي قبل ما سي سند يعرف إنك عايزة تهربي أنا خايف عليكي…
_ أنا آسفة…
قالتها قبل أن تأخذ أحد المقاعد الموجودة و تسقط بها على رأسه….
انتهى الفلاش باااااك….
_______________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
في غرفة وعد…
انتبهت على صوت الباب لتقوم من تلك الدوامة التى غرقت بها بالماضي، قامت من مكانها بثقل تزيل أي أثر لدموعها ثم فتحت الباب، ابتسمت إلى تلك المرأة التي لم ترى منها شر أبداً رغم شدتها و قوة شخصيتها…
بحنان أم فتحت لها ذراعيها لتلقي بنفسها داخل أحضانها تود أن تشعر بالقليل من الأمان بين أسوار هذا البيت المخيف، حركت السيدة حكمت كفها على خصلاتها قائلة :
_ ليكي وحشة يا وعد، بقى كدة تنسي جدتك حكمت سنتين كاملين…
أغلقت وعد عينيها ثم أخذت نفس عميق قبل أن تقول بحزن طفيف :
_ حقك عليا يا تيتة بس صدقيني كدة أحسن ليا و ليكم إحنا مش شبه بعض…
أخذتها السيدة حكمت من كفها و دلفت بها للغرفة مغلقة الباب خلفهما ثم جلست بجوارها على الفراش لتنام الأخرى على صدرها، ابتسمت العجوز قائلة بعتاب :
_ قلوبنا كلنا اتعلقت بيكي حتى قلب سند، ليه يا بنتي البعد، ليه فتحتي باب جهنم على نفسك؟؟ سند مش بيكره في حياته اد الكذب و الغدر…
قالت بقهر :
_ الوجع مش ليكم بس كان ليا أنا كمان، وجودي من البداية في الكفر ده كان غلط كبير، الكبير كان عايزني أبقى جارية له يعمل فيها كل حاجة و كمان تبقى أرنبة كل يوم عيل، أنا مستحيل أعيش الحياة دي مع واحد مفيش جوايا له أي مشاعر…
بمكر قرصت السيدة حكمت وجهها ثم قالت بعيون خبيرة :
_ من امتا فينا من الكدب يا وعد، بقى عيونك اللي كانت بتطلع قلوب عمرها ما حبت سند عليا أنا الكلام ده؟!… يا بنتي ليه مصممة تتعبي قلبك و قلبه و قلوبنا كلنا معاكي…
هربت بعينيها منها هامسة بتوتر :
_ كان وقتها انبهار كبير من شخصيته.. وقتها كنت هبلة و أول مرة أشوف شخص كدة بس أنا خلاص كبرت و فهمت، تيتة أنا عايزة أمشي أنا و جوزي من هنا من غير غدر سند أو مشاكل منه، الكلام فات أوانه أنا دلوقتي ست متجوزة لو فعلاً ليا مكانة عند حضرتك.. ساعديني أمشي من هنا…
أومأت العجوز بصمت، معها حق عن أي حب تتحدث و الأخرى تزوجت و انتهى الأمر… الصرخات الآتية من الأسفل جعلتها تنتفض لتفتح الخادمة الباب بلا سابق إنذار صارخة :
_ الحقي يا ست الناس…
وقفت السيدة حكمت مستندة على عصاها قائلة بقوة :
_ في إيه يا بت اخلصي…
ابتلعت الخادمة ريقها قائلة برعب :
_ الست همت نزلت الجنينة من غير ما نحس بيها و الغفر جابوها من شوية بتبكي و تصرخ، و الغفير بيقول إن جوز الست وعد كان معاها و هو السبب في اللي حصل ليها و سيدي سند أمر بحبسه في المخزن…
سقط قلبها أرضا، سند يلعب معها بزوجها الذي ليس له دخل بأي شيء يحدث، نظرت إلى السيدة حكمت التى كل ما يهمها الآن حفيدتها فقط، قائلة بغضب :
_ مش قولتلك يا تيتة حفيدك ناوي على غدر، أنا مش هسمح له يقرب من محمد ده على جثتي…
تركتها السيدة حكمت و نزلت إلى محل وجود همت لتنزل هي الأخرى لتطمئن على همت و ترى هذا اللعين، اقتربت من همت قائلة بلهفة :
_ همت يا حبيبتي مالك…
ابتعدت همت عنها برعب لتتعحب هي من الموقف إلا أن جدتها قالت بهدوء و هي تضم حفيدتها :
_ معلش يا وعد همت تعبانة و مش فاكراكي عشان كدة خافت منك، اهدي بقى يا قلب جدتك…
تركت وعد المكان متجهة إلى غرفة المكتب، لن تترك زوجها بين يدي سند الكبير….
____________
بغرفة المكتب…
فتحت الباب بلا سابق إنذار، ليظل على حاله يتابع الأوراق أمامه بهدوء، اقتربت منه بغضب أعمى ثم ضربت على المكتب بقوة صارخة :
_ مالك و مال جوزي يا كبير عايز منه ايه؟!…
إلى هنا و انتهى هدوءه المزيف، ألقى القلم من بين أصابعه على الأوراق و أزال نظارته الطبية ثم قام من مقعده و عينيه عليها يتابع رد فعلها، نزل بصره إلى صدرها الذي يعلو و يهبط ليعود لوجهها الذي يطلق منه نيران نارية، بأقل من ثانية كانت محصورة أمامه و الفاصل بينهما خطوتين قائلا بنبرته الحادة :
_ عيدي كلامك تاني يا دكتورة عشان كنت مركز في شغلي مش في الطريقة الهمجية اللي دخلتي بيها….
لا تنكر توترها و خوفها من نظراته إلا أنها حدقت به بتحدي قائلة :
_ لأ سمعت كويس يا كبير بس مش عايز ترد، الكلام مش جاي على هواك، و آخر حاجة تهمني إن الكلام ييجي على هواك أنا عايزة جوزي و بس يا سند…
شهقت بألم من ضغط كفه على فكها و كفه الآخر يقيد شفتيها، لمعة عينيه مرعبة كأنها ألقت عليه قطعة من النيران أصابته بمنتصف وجهه، يحترق من نظراتها و حديثها الذي يأكله بلا رحمة، حرك وجهه يمينا و يسارا ثم همس بفحيح :
_ كلمة سند الكبير على رقبته، و أنا بقولك لو عايزة لسانك يبقى بين ايديك انطقي كلمة جوزي دي تاني، أدفنك و آخد العزا قبل ما غيري ينام جانبك على سرير واحد….
كلمة سند الكبير سيف علي رقبته لو خرجت منه سيفعلها لو روحه بها، حاولت التحرر من بين يديه إلا أنه ضغط عليها أكثر لتصرخ بقوة :
_ ابعد أيدك عني أنت بتوجعني…
ابتسم إليها بملامح مخيفة قائلا :
_ ما أنا عايز أوجعك يا روحي، اتوجعي و خافي يا وعد عشان تقدري تعيشي…
رفعت عينيها لتقابل عينيه، كلمات لم يقدر اللسان على قول كلمة منها قالتهم العين، إلى أين سيصل معها لا يعرف و لا يود أن يعرف، تعلق بها لتأخذ عينيه جولة رائعة على وجهها الجميل، سحرها البسيط يجذبه و يجعل بداخله رغبة مميتة بتذوق تلك الفاكهة المحرمة ، حبست أنفاسها و شعرت بالتعري أمام عينيه التى تأخذ منها ما يريد صاحبها، بللت شفتيها الجافة بطرف لسانها قبل أن تقول بتوتر :
_ مش عيب على الكبير أما يبقى نفسه في حاجة مش بتاعته؟!..
إبتسم لها بخبث و هو مازال كما هو مردفا بنبرة لعوبة :
_ لأ مش عيب خصوصاً لما تبقى الحاجة دي مكتوب عليها مباح للجميع، بس مش الكبير اللي يدوق حاجة خارجة من بوق غيره…
أصابها الغضب ، قدر بكل جدارة على كسر قطعة من روحها، ترقرقت الدموع بداخل مقلتيها بكبرياء أنثى مقهورة إلا أنها ردت عليه بجمود :
_ صدق اللي قال البجاحة ليها ناسها، الحاجة اللي خارجة من بوق غيرك دي نفسها هي اللي بتجري وراها، لآخر مرة بقولك سيب جوزي بدل ما أبلغ عنك.. البلد دي فيها حكومة يا كبير…
أبتعد عنها و عاد للجلوس على مقعد مكتبه يباشر عمله، الكلمة تردها ألف كلمة مع أنه لا يريد منها إلا الصمت، هو مغلول من إسم هذا اللعين الذي تحمله من المفترض أن تحمل اسمه هو، منذ متى يريد امرأة و لا يقدر على الحصول عليها؟!…
جن جنونها من بروده لتأخذ الأوراق من أمامه بحركة جنونية و تلقي بها على الأرض صارخة :
_ بطل البرود ده بقولك جوزي فين يا سند، محمد ملوش علاقة بأي حاجة حصلت في البيت ده من سنين، لما أكلمك تبص و ترد عليا فاهم…
رفع حاجبه بتساؤل كأنه يقول لها “حقا”، سند ظهره على المقعد واضعا ساقا على الآخر قبل أن يشير لها على باب الغرفة قائلا بصرامة :
_ قولتلك خافي على لسانك بس شكله عامل ليكي مشاكل و عايزة أقطعه، أخرجي برة حالا بدل ما أنولك المراد و تعيشي الباقي من عمرك خرسة…
_ و لا يهمني أعلى ما في خيلك اركبه، مش هسكت على…… اااااه..
قالتها و هي تشعر بعدم لمس ساقيها للأرض حملها على ظهره صاعدا بها إلى غرفته وسط صريخها الذي لم يعطي لها أو له أي إهتمام، وصل للغرفة ليدخل بها و يغلق بابها بقدمه، ألقى بها على الفراش لتصرخ بألم قبل أن تقول :
_ إيه الهمجية و الجنان ده، أنت فاكر بالطريقة دي مش هاخد حقي…
سحب الحزام من على خصره ضاربا به الفراش بجوارها مردفا بتحذير :
_ مش لما أعمل ليكي حاجة ابقي خدي حقك، مش هقفل عليكي الباب بالمفتاح ، بس عايزك تخرجي من باب الأوضة دي و وقتها اياكي تلومي حد إلا عنادك و غبائك، فاهمة…
مازال يرى لمعة التحدي ليعطي لكفها الموضوع على الفراش ضربة خفيفة ثم قال بصرامة أشد :
_ فاهمة عايز أسمع ردك…
لأول مرة تشعر بالعجز و قلة الحيلة أمامه هو، لأول مرة تعلم أنها بلا سند أو يد تمسح دموعها و تربت على ظهرها، ابتلعت ريقها بقهر و حسرة هامسة بنبرة متقطعة :
_ فاهمة مش هخرج، بس خرج محمد بلاش تسبب له أي أذى بسببي هو ملوش أي ذنب، بلاش تزيد على ظلمك لكل الناس ظلم…
شعر بنشوة لذيذة مع نطقها لإسم غريمه بلا كلمة زوجي، أزالت الملكية و هذا يرضي ما بداخله، ارتدي حزامه مجيبا ببرود قبل أن يخرج من الغرفة :
_ اسمعي الكلام و لما أبقى مزاجي رايق ممكن أخرجه، مش بس من الحبس تحت لأ ممكن كمان من البيت كله على رجله سليم و ده انجاز عظيم….
_____________
بعد عدة ساعات…
بمخزن بالبيت…
يعلم أن نهايته على يد وعد بيوم من الأيام، من ليلة أمس و هو ملقى بتلك الغرفة التي لا يرى بها حتى بصيص نور من الشرفة، ماذا فعل لكل هذا لا يعرف…
تنهد بعمق مع إغلاق باب المكان وراء أحدهم، أمامه احتمالين الخروج أو القتل و بكلا الأحوال ستكون نهاية هذا السجن…
جلس من دلف على أحد المقاعد فقال بسخرية :
_ منور يا أستاذ محمد..
أجابه الآخر بمرح متوتر :
_ منور ايه يا باشا أنا مش شايف حاجة هو هنا مفيش نور على الأقل نتعرف على بعض…
أردف سند بضيق :
_ لأ في بس أنا مليش مزاج له، خلينا نتكلم مع بعض شوية في هدوء، قولي بقى مالك و مال الهانم الصغيرة قربت منها أصلا ليه؟!..
بالبداية لم يعرف من هي، إلا أن طيفها الرائع مر أمام عينيه ليبتسم بشكل تلقائي مثل الأحمق قائلا :
_ هي جت و طلبت مني ندور على عروستها همت الصغيرة قعدت أدور معاها و لما فقدت الأمل قولتلها هجبلك واحدة جديدة فضلت تصرخ لحد ما لقيت رجالتك جايين بيا هنا من غير أسباب…
تعجب سند من حديثه هل شقيقته ذهبت إليه بنفسها رغم أنها تخاف من الجميع، و فوق كل هذا و ذاك نبرة صوته التي ربما سمعها من قبل و يعلم هوية صاحبها، قام من مكانه مردفا و هو يقترب من زر الإضاءة :
_ هنا في قواعد يا أستاذ و أولها إنه ممنوع خروجك من الشقة إلا بأمر مني عشان كدة أنت هنا، تقدر تقول قرصة ودن…
_ هو إحنا في مدرسة مش هنطلع إلا بإذن المدير؟!..
قهقه سند بطريقة لا تمت للمرح بصلة ثم قال بعدما أضاء المكان :
_ لأ مش في مدرسة، أنت في دار الكبير في كفر عتمان الكبير، خليك هنا يومين تلاتة لحد ما تعرف تعيش هنا إزاي طالما مطول معانا يا جوز الدكتورة…
أخذ محمد ثواني مغلقا عينيه ليعتاد على الضوء بالمكان ثم فتحها قائلا بغضب :
_ سند بيه أنا مش شغال عندك و لا حتى مراتي ، دي فترة مؤقتة و هنمشي بس طالما دي طريقة الحياة هنا نبقى نمشي من دلوقتي… و شكرا جداً لحد دلوقتي على كرم الضيافة يا كبير…
_ فاكر نفسك ممكن تخرج من هنا تبقى بتحلم..
قالها سند و هو يدور بوجهه إليه لأول مرة يرى غريمه وجها لوجه عن قرب، ماذا بهذا الأحمق حتى تهرب منه و تأخذه هو ؟!.. الغباء كله منه لأنه صدقها بالماضي عندما رفضت عقد قرانه عليها بحجة أنها تريد عقد القران ليلة الزفاف…
أول ما عينه وقعت على زوجها أصابه الجمود غير مصدق لما يراه، أردف بتردد و بلا وعي :
_ أنت… حمد…
____________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
تملكته الصدمة لعدة لحظات مع رؤيته لخطيب شقيقته الهارب بليلة الزفاف زوج وعد، ترك المخزن مشيراً للغفير بغلق الباب صاعدا إليها و الدماء تغلي برأسه..
فتح باب غرفتها لتقوم من فراشها برعب تحاول ستر جسدها التي تظهر بعضه ملابسها البيتية المكونة من فستان نوم يصل إلى بعد ركبتها و بدون أكمام، رفعت الغطاء عليها قائلة بذهول :
_ إيه قلة الأدب دي إزاي تدخل كدة هي وكالة من غير بواب…
عقله بعيدا كل البعد عن تفكيرها الأحمق هو لا يرى جسدها من الأساس أو يركز به، واقف عند نقطة واحدة أهي هربت بليلة زفاف شقيقته مع زوجها؟!.. هل هي حقيرة لتلك الدرجة دون أن يأخذ حذره منها،أغلق الباب بساقه و عيناه تضرب عينيها مثل الرصاص، جذبها من مقدمة ملابسها لتقف أمامه ثم قال :
_ جوزك ده اتعرفتي عليه امتا و إزاي، انطقي…
لم تفهم نبرة صوته و لا حتى نظرة الاتهام الواضحة بعينيه، ابتلعت لعابها بخوف قائلة :
_ ووو… و أنت مالك بج….
قاطعها بكفه الذي ضرب به فمها بخفة ، لا يوجد أي وقت للعناد و المناقشة قلبه يحترق و كل ما يريده الآن الارتياح، تحسن صورتها أمامه بأي كلمة و هو سيصدقها، لمعت عينيه بالشر قائلا من بين أسنانه :
_ بلاش لف و دوران كتير، الزفت اللي تحت ده أول مرة شوفتيه كانت امتا و فين، و إياكي تكذبي سامعة إياكي…
عضت على شفتيها بوجع خفيف، يستحيل أن تقول الحقيقة، تعبيرات وجهها درسها بشكل دقيق، متوترة، خائفة، تحاول الهروب، تفكر بكذبة تخرج بها من الموقف رغم تحذيره لها بعدم الكذب، صمت مريب ينتظرها و هي لا تجد إجابة إلا أن صريخه بها أفاقها :
_ ووووعد…
نطقه لاسمها بتلك النبرة و النظرة بها تحذير واضح، أزالت يده من على فمها ثم أردفت بنبرة متهدجة و أنفاس متسارعة :
_ دي حاجة خاصة أنت دخلك فيها إيه، عايز تلعب و تضيع وقت في قصة حياتي و اتعرفت على جوزي إزاي عشان بس يفضل محبوس عندك، قولتلك قبل كدة خليني أمشي أنا و هو من هنا من غير غدر…
من منهما الذي يريد اللعب هو أم هي التي تلعب ببراعة؟!.. ابتعد عنها مبتسما نصف إبتسامة حكمت على نفسها بالإعدام و خسرت جزء كبير من قلبه، أغلق باب الغرفة بالمفتاح من الداخل ثم اتجه إلى المرحاض ليقف مع حديثها الغاضب :
_ أنت بتعمل ايه و رايح فين بالظبط…
أجابها بسخرية :
_ سلامة النظر، عندك ضعف فيه و الا ايه، زي ما أنت شايفة داخل حمام اوضتي عشان أستحمى قبل ما أنام…
صرخت به بجنون يفقدها دائماً صوابها و يأخذها إلى طريق مغلق :
_ لا دي شكلها هبت منك على الآخر، عايز تنام في اوضة نوم واحدة مع ست متجوزة راجل تاني…
وضع المنشفة على عنقه من الخلف قائلا ببراءة لا تليق أبداً به أو بما يرتبه لها :
_ اثبتي إنك متجوزة من راجل تاني و هاتي قسيمة جوازك و بطاقة جوزك وقتها بس هتبقي مرات راجل تاني غير كدة أنتي ملك سند الكبير يا وعد…
قسيمة زواج؟!… بطاقة زوجها؟!… توقف عقلها عن التفكير للحظات أو ربما لدقائق أو ساعات، بكلمات بسيطة أدخلها بدوامة ليس لها نهاية لم تشعر بنفسها إلا و هو يضرب خدها بهدوء مردفا :
_ إيه روحتي فين يلا زي الشاطرة تاخدي مخدة و الغطا اللي مكفنة نفسك بيه ده و على الأرض أو الكنبة اختاري…
_____________
قامت من حضن جدتها النائمة بجوارها، تريد الذهاب إلى ذلك الغريب الذي كان يبحث معها عن عروستها، سعدت كثيرا باللعب معه أخذت تتحرك على أطراف اصابعها حتى لا يشعر بها من بالمنزل…
دارت حول نفسها بخوف يا ليتها تعود إلى غرفتها و تلعب معه بالصباح، جزت على أسنانها بطفولية و غيظ فهو غير موجود ببيته، أين هو و كيف تصل إليه الآن؟!.. رأت الغفير يقترب منها بتوتر قائلا :
_ ست الناس تؤمري بحاجة؟!…
أومأت إليه بحزن قائلة :
_ فين اللي كان هنا الصبح أنا عايزة أشوفه؟!…
بلهفة أشار لها الغفير عن مكان وجوده مردفا :
_ اتفضلي يا ست الناس هو جوا هنا تعالي معايا…
ذهبت خلفه بحماس لرؤيتها إليه من جديد دلفت لتجده جالس على الأرض مغلق العينين، عقدت حاجبها بتعجب مردفة و هي تقترب من محل جلوسه لتجلس بجواره :
_ أنت نمت من قبل ما ندور على العروسة قوم بقى عشان أقولك أنا لقيتها فين…
فتح عينيه مبتسما تلك الفتاة لغز عجيب إلا أنه مستمتع بالعودة إلى سنوات من الطفولة معها، طفل صغير يبحث عن لعبته و هذه أكبر مشاكله يا الله لا يوجد أجمل من ذلك، اعتدل بجلسته حتى يكون مقابلا لها ثم قال بحماس :
_ لقيتي العروسة يا أستاذة همت…
حدقت به بغيظ قائلة :
_ إيه أستاذة دي بتتريق عليا عشان أنا مش بحب المذاكرة…
حرك رأسه بسرعة نافيا لا يريد اغضابها، فقط يود قضاء أكبر وقت ممكن معها، أجابها :
_ لأ مش بتريق عليكي قوليلي الأول لقيتي العروسة فين و بعدين ابقي قوليلي مش عايزة تذاكري ليه ماشي…
أومأت إليه و بدأت في الحديث معه بعفوية، تتعامل كأنها تعرفه من سنوات رغم خوفها من الجميع حتى أقرب الأقربين، تخشى التعامل مع أي شخص بالمنزل بخلاف سندها و جدتها و هذا الغفير الذي كان يتحدث معها فهو بداخل منزلهم من سنوات…
ضحكت بمرح متحدثة :
_ العروسة مكنتش ضايعة أنا بس نسيت إن أبيه سند أخدها يعالج عينيها و دلوقتي جابها من عند الدكتور…
رد عليها باهتمام شديد :
_ طيب و المذاكرة اللي عليكي بقى يا شاطرة مش بتذاكري ليه؟!..
مدت شفتيها إلى الأمام بحزن :
_ الكلام صعب عليا أنا مش بحب الحاجات دي بس أبيه سند مصمم و كمان الميسات كلهم وحشين و مش بيحبوا همت أبداً أبداً…
من ذلك الأحمق الذي لا يحبها و هي قابلة للأكل بمظهرها و بساطتها تلك، نهر نفسه بشدة أهو ينظر إلى فتاة مريضة ببراءة طفلة لا تعي أي شيء عن أفكاره القذرة، انتبه إلى حركة كفها أمام وجهه بغضب :
_ روحت فين مش بترد ليه، بتنام و أنت قاعد و الا ايه؟!…
ابتسم إليها ثم قال بلا وعي :
_ ايه رأيك لو أذاكر ليكي أنا بدل المدرسين..
_ بجد طبعاً موافقة…
__________
في الثانية بعد منتصف الليل…
جسدها يطلب النجدة من شدة الألم الذي يأكلها، الأرض كسرت عظمها اعتدلت بجلستها، شهقت من الاعتدال فجأة، أخذت تلعنه من بين أسنانها و تلعن اليوم الأسود الذي رأته به، وضعت كفها على رقبتها و ظهرها هامسة بغل :
_ الله ياخدك يا بعيد مش عارفة أتحرك… أقوم إزاي أنا بس..
قامت مثل شخص قائم من حادث سير تنظر للفراش الذي ينام عليه الآخر بسلام، لم تشعر بنفسها إلا و هي تأخذ الوسادة من على الأرض و تلقى بها على وجهه بغضب قائلة :
_ معدوم الرجولة بقى نايم مرتاح كأنها اوضتك و سيبني كدة على الأرض، و معدوم الدين كمان مخمود معايا في نفس الأوضة يا واطي…
_ خلصتي قلة أدب و الا لسة؟!…
اتسعت عيناه من استيقاظه و سماعه لها مع إن صوتها منخفض، أخذ الوسادة من على وجهه ثم ألقاها بكل سهولة على هدفه المحدد لتستقر على وجهها.. صرخت بوجع قوي قائلة :
_ ايه يا جدع أنت فاكر نفسك بتهزر مع غفير من بتوعك، وشي وجعني…
أجابها بسخرية و هو مازال متسطح :
_ مهو أنا مش عايزها بس توجعك عايزها تكسر رقبتك بس أوعي تخافي هجبسك… عند الدكتور فتحي في الزريبة تحت…
لماذا لم تنقض عليه و تنزل بكفها الرقيق على وجهه لتريح قلبها؟!.. بالحقيقة لا تعلم… لا هي تعلم خائفة من جبروت هذا الرجل، رفعت رأسها بشموخ مردفة التشهد قبل أن تجيبه :
_ و أنت بقى يا سند بيه فاكر إن أي دكتور ينفع معاك ينفع معايا؟!..
هبت بعدها عاصفة لتغلق عينيها بقوة منتظرة الضربة من أي مكان بلا سابق إنذار، طال انتظارها و لم تشعر بشيء، فقط تسمع تكسير أشياء من حولها، فتحت عين ترى بها ما يحدث و الأخرى مغلقة بأمان، لتجده كسر الطاولة الموضوعة بجانب الفراش، عادت إلى إغلاق الاثنتين مرة أخرى…
حاول بقدر المستطاع السيطرة على رد فعله، رغم أنه مستمتعا بها إلا أنها تخطت جميع الحدود، ضرب الطاولة ضربة واحدة ليريح أعصابه المشدودة قليلا، بالنهاية لم يتحمل يريد التهام تلك الفتاة ليتخلص منها…
قام من على الفراش بخطوات سريعة قبل أن يجذب الغطاء الموضوع بأحضانها إليه لتأتي مع الغطاء بشكل لا إرادي، ابتسم رغما عنه مع مظهرها الطفولي الرائع قائلا بهدوء :
_ اتعلمي لما تكوني مش اد الكلمة إياكي تخليها تخرج من بين شفايفك لأنها هتكون خلاص اتحسبت عليكي و لازم تتحملي رد الفعل… افتحي عينيك…
هزت رأسها برفض ليهمس لها بخبث ذكوري واضح من اللهجة و التلاعب بالكلمات :
_ شكلك كدة بيقول حاجات مش كويسة، أنتي صاحية في نص الليل و عملتي كل ده ليه يا وعد، مش أنا قولتلك قبل كدة يا روحي ماليش في الحرام…
نجح بمهارة بإثارة غضبها، فتحت عينيها قائلة بنبرة غاضبة :
_ أنت تقصد ايه؟ إحترم نفسك، أنا صحيت من وجع ضهري و جسمي مش أكتر و لما لقيتك نايم مرتاح قولت اديك بحاجة على دماغك عشان أقلق منامك زيي، أوعى دماغك تروح لتفكيرك القذر زيك ده…
ضم شفتيها على بعضهما بكفه قائلا بغيظ :
_ أنتي عارفة لو تبقى خرسة يا بت هتعيشي حياتك بسلام رهيب.. يلا غوري اتخمدي مش عايز أسمع عليكي نفس تاني… عدي ليلتك اللي شبه الكفن اللي لافة نفسك بيه ده…
_ و لو قولت مش هتنام معايا في اوضة واحدة لو مش خايف مني أو من الراجل الغلبان اللي مستقوي عليه و حابسه تحت ده… و محلل لنفسك تنام مع مراته في اوضة واحدة، خاف من ربنا و الا مش خايف منه تبقى مصيبة….
أصابته بمكان قاتل بكل براعة، ضغط على كفه بقوة عجز عن إصدار أي ردة فعل، أخذ ينظر إليها لبضع ثواني لترد إليه النظرة بأخرى متحدية، تغيرت معالم وجهه بشكل كامل و ارتفعت دقات قلبه بعنف، ابتعد عنها سريعا متجها لباب الغرفة قبل أن يردف بقوة :
_ خدي بالك المهزلة دي مش هتفضل كتير، أنا صابر بمزاجي يا دكتورة و الغلبان اللي تحت ده لسة حسابك عليه مجاش و لو طلع اللي في بالي صح هخرج بروحك، اتخمدي…
_______________
بعد مرور ساعة أخرى…
ارتدت ملابس الخروج خاصتها تاركة كل ما يخصها هنا حتى ملابسها لا تريدها ، فقط ستأخذ محمد و تعود إلى الإسكندرية من جديد..
نزلت إلى الحديقة لتجد الغفير يجلس بمكانه مثل العادة، أخفت نفسها خلف الجدران منتظرة معجزة من السماء تجعله يقوم من هنا، مرت ساعة أخرى و بدأ أذان الفجر ينتشر بالكفر، أخذت نفس مرتاح مع قيام الغفير للصلاة…
ذهبت سريعا لتلك الغرفة التي رأت سند يعذب بها أحد الرجال من قبل لتجد بابها شبه مفتوح تعجب بالبداية إلا أنه لا يوجد أي وقت للتفكير، دلفت لتجد محمد نايم براحة شديد عضت على شفتيها بغضب و هي تضربه بصدره هامسة من بين أسنانها :
_ قوم يا موكوس، ليك قلب تنام و أنت مخطوف كأنك نايم في بيت أبوك…
استيقظ الآخر بفزع من حركتها تلك وجدها أمامه ليقول بعدم فهم :
_ وعد أنتي بتعملي ايه هنا، لو الكبير شافك هيطلع بروحي و روحك..
ضربته من جديد قائلة :
_ الله يكسفك يا شيخ فين رجولتك و أنت خايف منه كدة، بقى ده كلامك ليا زمان أنا سندك و ضهرك و محدش هيقدر يقرب منك…
_ هو ده وقت حساب يا وعد أنا متنيل على عيني مربوط هعملك إيه ده أنا مش قادر أدافع عن نفسي أنتي قولتي إنه مفتري بس مقولتيش إنه لما بيجوع بيأكل فخد بني آدم….
أغلقت عينيها لعدة ثواني فهذا الرجل لا يوجد به أي فائدة ثم فتحتها مرة أخرى مردفة بنفاذ صبر :
_ طيب يلا يا سبعي نهرب قبل ما الغفير و سي سند ما ييجوا من صلاة الفجر، خليني أنقذك و أنقذ نفسي…
أجابها بضيق :
_ نمشي ليه بس يا وعد أنا لقيت شغل كويس هنا هدي همت دروس…
صرخت فجأة بغل :
_ محمد أنا مش بهزر سند ممكن يقتلك قوم بقى….
_ جوزك بنفسه مش عايز يمشي يا دكتورة.. القعدة هنا جات على مزاجه….
____________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
تجمدت ساقها بالأرض ارتعبت من رنين صوته الذي يتردد بداخل اذنيها، رمقت محمد بنظرة حارقة أهو فقد عقله أم ماذا ليريد البقاء هنا؟!…
بكل خطوة تحاول بها الإبتعاد عن هذا الحب الأحمق تعود إلى نقطة الصفر من جديد، شعرت بأنفاسه التي يأخذها براحة شديدة، كل هذه الأشياء مؤشرات صريحة أنها أصبحت مكشوفة أمامه، ابتلعت لعابها قبل أن تتجاهله قائلة :
_ يعني ايه مش عايز تمشي يا محمد؟!..
ابتلع محمد الآخر لعابه برعب غير قادر على نطق كلمة واحدة فهو تحت تهديد السلاح، رسم على وجهه إبتسامة متوترة مردفا :
_ نمشي ليه يا وعد سند بيه جاب ليا شغل معاكي و هنعيش هنا بعد الجواز إحنا لينا مين في إسكندرية عشان نرجع ليها…
وضعت كفها على رأسها بجنون تكاد تنفجر، ما يحدث الآن فوق طاقتها ها هو سند يفرض سيطرته على أي شخص يخطو باب حياته، عضت على شفتيها ثم قالت بعدم فهم :
_ أنت مستوعب بتقول إيه، سند بيه ده حابسك هنا من إمبارح و الله أعلم عايز يعمل فيا و فيك إيه إزاي فجأة بقيت عايز تعيش هنا….
رد عليها بهدوء :
_ أنا مش محبوس هو بيحب أخته جداً و كان فاكر إني سببت ليها أي أذى و أي راجل في مكانه هيدافع عن أهل بيته…
قاطعته بصريخ يشوب به الرجاء :
_ و أنت مش بتدافع عن أهل بيتك زيه ليه بقولك أنا خايفة و عايزة أمشي…
هذه المرة أجابها الواقف خلفها يسمع فقط دون قول كلمة، أخرج يده من جيب البنطلون متقدما منها بخطوات ثابتة جاذبا إياها من الأرض :
_ مش لما تبقي من أهل بيته الأول، تقدري تقوليلي فين قسيمة جوازك منه بلاش دي فين بطاقة البيه و بيشتغل إيه و فين يا؟!…
عجز لسانها عن الإجابة هو ليس زوجها و لا تعلم له إسم من حال الأصل، صمت محمد هو الآخر ينتظر منها أي إجابة يتمنى لو يرتاح و يعلم من هو، وعد صديقة عمره أو ليكن صادقا الشخص الوحيد الذي يعرفه قبل فقدانه للذاكرة…
نظر لسند و كأنه يقول حديثك حقيقي هي تعلم من أنا….
رأسه عادت به للساعات الماضية التي تحدث به مع سند
فلاش بااااك
قال بهدوء :
_ ازيك يا حمد…
رفع محمد رأسه إليه بقوة يشعر و كأن هذا الإسم مألوف عليه، أشياء مختلطة بدأت تتحرك بداخله هل هذا الاسم بفعل إسمه؟!… من هذا محمد؟!.. حاول القيام من مكانه بلهفة مردفا :
_ حمد مين أنت تعرف حد بالإسم ده؟!..
من الواضح أنه نفسه لا يعلم من هو و الإجابة الوحيدة بيد وعد التي كان عندها منذ قليلا و رفضت قول أي كلمة، تقدم من الآخر و فك قيود جسده قائلا :
_ هو أنت مش عارف أنت مين؟!..
هو طفل صغير ضائع بلا هوية، حرك رأسه نفيا قبل أن يقول بقلة حيلة :
_ أنا محمد جار وعد عملت حادثة فقدت فيها الذاكرة معنديش أهل فوقت في المستشفى لقيت معايا وعد قالتلي اسمي و من وقتها إحنا مش بنفارق بعض…
وصل إلى ما يريده خطيب شقيقته فاقدا للذاكرة و منقذه هي وعد الهاربة، بدأ يربط الخيوط واحدة تلو الأخرى، قبل أن تخرج منه تنهيدة قوية وعده ملكية خاصة إليه من البداية للنهاية، أشار للآخر قائلا بقوة :
_ أنا هقولك أنت مين بس بشرط تنفذ المطلوب منك من غير غلطة واحدة، وقتها كلنا هنعرف أنت مين…
انتهى الفلاش بااااك…
خائفة من الفقدان اعتادت على وجوده بحياتها ليكون لها خير السند و الصديق، دون إرادة أغرقت دموعها وجهها ليشعر بقبضة كبيرة بقلبه هذا الضعف البادي عليها يصل إليه شعوره بالعجز، تبحث عن الأمان بكل مكان بعيدا عنه.
نظرت إليه بقلة حيلة لا تعلم ماذا سيفعل بها بعدم يعرف أنها أمامه بمفردها دون حماية، أشاحت بوجهها بعيدا عنه قبل أن تقول لمحمد بصدق :
_ أنت بالنسبة ليا أمان فضلت أدور عليه سنين طويلة بعد موت بابا و ماما، ممكن بعد اللي هقوله دلوقتي ده أنزل من نظرك و تشوف إني إنسانة أنانية بس صدقني انا و أنت طوق النجاة لبعض…
لم تقدر على تكملة الحديث انهارت أكثر و أصبح بكائها بصوت، رق قلب محمد لها ليجذبها إليه قائلا بقوة و يده تزيل دموعها :
_ وعد أنا مهما عرفت ده مش هيغير وجهة نظري عنك أو حبي ليكي في حاجة، هفضل سندك و أخوكي اللي بتستخبي فيه من الدنيا كلها، بس أنا محتاج أفهم الحقيقة على الأقل أعرف أنا مين…
أومات إليه عدة مرات ثم أردفت بتقطع :
_ أنا مش هقدر أفيدك في حاجة أنا معرفش أنت مين، كذبت عليك في المستشفى لما قولتلك إنك صديق عمري و أهلك ماتوا مع أهلي في حادثة ده مش حقيقي، لما هربت من الكفر شوفتك على أول الطريق العمومي واقع و الموتور بتاعك فوقك، نزلت من التاكسي و ساعدني السواق عشان نروح المستشفى، السواق هرب مكنش عايز يتحمل أي مسؤولية و أنا فضلت جنبك لحد ما فوقت، حسيت إن ربنا بعتك ليا عشان تبقى سندي إحنا الاتنين كنا محتاجين لبعض، كذبت أنا عارفة بس كانت نيتي خير….
لم تتحمل هذه المواجهة لوقت أطول و تهرب من سماع اي كلمة تؤلمها أكثر لتستسلم لعقلها الباطن و تسقط فاقدة الوعي…..
استقبلها بذراعيه القوية بقلب لأول مرة يشعر كيف يكون الخوف، حملها و عينيه تتفقد وجهها الشاحب و أنفاسها الغير متزنة همس باسمها لعل صوته يطمئن روحها :
_ وعد…
_______________
خرج الطبيب من غرفتها معلقا لها محلول و حقنة منومة تساعدها على الارتياح ،…. تعجب جميع من بالبيت الكبير على بقاء سيدهم بجوارها اليوم كله، يجلس على المقعد المقابل للفراش يتأمل ملامحها الصافية بنقاء، أول شيء لفت انتباهه لها جمالها الذي تخطي الحدود رائعة مميزة بكل تفاصيلها…
غابت الشمس و أخذ القمر دوره مكانها و هو كما هو تائه بها لم يشعر بمرور الوقت، انغلق العالم عليهم و هذا يكفي مثله مثل أي رجل يفقد صوابه أمام امرأة قادرة على سحب أنفاسه من بين حنايا صدره…
يده تجبره لتلمس وجهها ينعم قليلا بهذا النعيم الطري تحت أصابعه، ناعمة، سلسة، ساحرة رغم بساطتها، اقترب منها قليلا مخرجا نفسه بقوة من بين شفتيه لترفرف خصلاتها البندقية، تشبه هي القهوة بكل شيء لونها رائحتها حتى طعمها لذيذ مصاحب لمرارة أكثر إثارة و لذة…
وصل إليها رائحة أنفاسه الرجولية الدافئة مع إنتهاء مفعول المنوم، أجبرتها رائحته على الاستيقاظ لتفتح عينيها بكسل رويدا رويدا، وجدته أمامها بملامحه الوسيمة التي تخطفها دوما إليه ، ردت عليه ابتسامته الحلوة بأخرى أكثر حلاوة…
ثانية و عادت إليها ذكريات كل شيء لتنتفض من مكانها… خسرت حتى محمد، حدقت به بكراهية شديدة قبل أن تأخذ الدموع مجراها معها، بلهفة وضع كفه عليها هامسا :
_ اهدي يا وعد مفيش أي سبب للدموع دي أنا جانبك…
انفجرت به صارخة :
_ مين طلب منك إنك تبقى جنبي، أنت قفلت كل الأبواب في وشي عشان أرجع هنا تحت أمرك، ضيعت مني كل حاجة تقدر تقولي استفدت ايه لما محمد بعد عني؟!.. أنا أقولك أنت ارتحت منه، عايزني من غير حماية عشان تفرض سيطرتك و جبروتك عليا، أنا مش مراته ده صديقي و أخويا و لما عرف بقصتي معاك قالي لو أنت عرفت اني متجوزة هتبعد بس أنت زدت ظلم و انعدام ضمير، افهم بقى أنا مشيت عشان مش عايزة أفضل معاك قولتلك أنا مش شبهك و لا ينفع يجمعني بيك طريق ابعد عني بقى حرام عليك…
كلماتها كانت قاسية أصابت مكانها الصحيح، شخصيته ليس بها الجانب الحنون المراعي حتى لو روحه بها، ابتعد عنها ساندا ظهره على المقعد ثم أردف بهدوء :
_ و لما جيتي لحد عندي و قولتي بحبك وقتها مكنتيش تعرفي إن طريقنا مش واحد و إننا زي المياه و النار؟!…
حركت رأسها بكل الاتجاهات بطريقة هيسترية مرددة :
_ كنت عارفة إننا مستحيل نشوف بعض تاني بعد ما أنا أمشي، قلبي قالي أقولك مشاعري وقتها عشان يبقى بنا ذكرى حلوة لكن أنت صممت تجبني هنا…
هل الغضب معدي لينتقل لهيبه المشتعل، قام من مكانه ضاربا المقعد الذي كان يجلس عليه ليبقى أربع قطع قبل أن يصرخ بها بجنون :
_ بقولك ايه يا بت أنتي جنان أنا مش ناقص جنان، بلا طريقي بلا طريقك أنتي بتعشقي التراب اللي أنا بمشي عليه و أنتي دخلتي مزاجي و عايزك، و أظن مفيش أحسن من الحلال لكل دة ، بطلي جنان و فوقي…
ردت عليه بريبة :
_ يعني إيه دخلت مزاجك أنت مش بتحبني…
أبتسم عليها بسخرية، هي رغم سنها صغيرة لا تفهم معظم الأشياء، حرك رأسه نافيا قبل أن يستعيد هدوءه مردفا بجدية :
_ بصي يا وعد أنتي لسة صغيرة و مش فاهمة حاجة مشاعرك عفوية و بسيطة، أنا راجل قولتلك متجوز قبل كدة كام مرة عشت أي مشاعر ممكن تخطر على بالك و فهمت يعني إيه حب و يعني إيه مزاج، الراجل و الست بينهم علاقة جسدية بيستمتع بيها الاتنين تحت إطار الجواز و المودة و الرحمة، و عشان الإنسان مش عايز يعلق كل حاجة على العلاقة دي اخترع كلمة بحبك اللي برضو بتوصل في النهاية لنفس العلاقة، أتمنى تكوني فهمتي و طلعتي الأفكار الغريبة دي من دماغك، بلاش نفضل نلعب لأنك بتحبيني زي ما بتقولي و أنا بصراحة بدأت أمل من أفكارك و عقلك الصغير ده، عايزك يبقى عايزك ليه نفضل نلف، أنتي دلوقتي تعبانة ارتاحي لأني خلاص وقت الهزار انتهى… تصبحي على خير يا وعد ، شوية و بنت من اللي تحت هتجيب ليكي الأكل و الدوا…
_____________
بصباح يوم جديد استيقظت وعد ألقت نظرة عابرة على المكان من حولها ثم أزالت شرشف الفراش من على جسدها لتظهر بيجامتها البنفسجية القصيرة، تكاسلت يمينا و يسارا ثم قامت من مكانها متجهة للمرحاض…
على الصعيد الأخر…
بالأرض الخاصة بسند الكبير كان يقف يباشر العمال و بجواره رجله الأمين فاخر، أشار بيده لأحد العمال قائلا :
_ ماله ده يا فاخر كأنه شغال غصب عنه… و أول مرة أشوفه هنا..
أجابه فاخر بتوتر :
_ ده أبو الولد جعفر بيشتغل في الأرض هنا مكان ابنه لحد ما ابنه يخف من الزفت اللي بقى بيشربه…
صمت فاخر فجأة مع أخذه لتلك اللكمة القوية التي أسقطته أرضا، لم يقدر على رفع عينه بسيده الذي تحدث بغضب :
_ مين طلب منك تشغل الراجل اللي اد جدك ده مكان ابنه؟!.. مين اداك الحق تأخد قرار عني…
_ يا باشا أنا…
قاطعه بلكمة أقوى من قبلها مردفا بأمر :
_ غور من قدامي لو عايز تفضل عايش الباقي من عمرك…
اقترب من العجوز الذي يحاول رفع الصناديق من الأرض ليأخذهم منه مردفا :
_ أقعد ارتاح و بعدها روح بيتك مرتب ابنك و تمن علاجه لحد ما يرجع زي الأول عليا أنا و حسابك على الكذبة دي أنت و هو بعدين لما تقف على رجليك أتحرك….
لفت انتباهه صوت هاتفه ليرفعه لأذنه و يسمع الطرف الآخر عدة ثواني قبل أن يقول و هو يجز على أسنانه :
_ إياك تسيبها تخرج و أنا جاي…
بالبيت الكبير…
وقفت أمام الغفير بغضب صارخة :
_ أنت عايز تمنعني من الخروج مين أمرك بكدة…
_ أنا اللي امرته بكدة يا وعد، روح أنت يا عوض…
بخطوات ثابتة أخذ يقترب منها لتشعر بتوتر غريب و تعود للخلف بشكل تلقائي، رفعت أحد أصابعها تشير إليه بتحذير بعدم الاقتراب، رفع حاجبه بنصف إبتسامة و تقدم منها أكثر حتى أصبح بينهما خطوة واحدة…
عنيدة و هو يحب هذا العناد إلا أنه ببعض الأوقات لا يحبذ هذا خصوصاً أمام أحد، صمته هذا بث الرعب بقلبها لتحاول الفرار ليكون كفه هو الأسرع بحبس يدها بين يديه، يشعر بالثلج النابع منها لا يعلم إذا كان هذا خوف أم نفور…
همس إليها بجملة بسيطة :
_ أعمل فيكي ايه؟!…
رغم بساطة ما قاله إلا أنها اعتبرت هذا تهديد صريح، يحاول بشتى الطرق فرض سيطرته عليها و محو شخصيتها، استفزازها لأقصى درجة لتحاول إزالة يده بعيدا عنها قائلة بحنق :
_ ابعد ايدك دي عني… مانع خروجي ليه خايف أهرب منك و الا حاجة؟!…
ببرود ضغط على كفها أكثر ثم قال :
_ تهربي من سند الكبير طب ازاي؟!… لأ مش خايف تهربي بس عايز أعرف الحلوة رايحة فين في الكفر بلبس العوالم ده من غير إذن….
جزت على أسنانها تخفي ألمها مجيبة عليه بسخرية :
_ آخد إذنك ليه؟؟ أنا بس شغالة هنا يا سند بيه و خارجة أتفسح عشان هبدأ شغل من الصبح بالمجان لكل الكفر و أبقى آخد المرتب منك يا أبو الواجب يا إبن الأصول…
قرر أخذ هدنة حتى لو لأيام معدودة يرتب بها أفكاره، تنفس بهدوء ثم أومأ إليها قائلا :
_ ماشي يا وعد طلباتك أوامر اشتغلي مجاني و مرتبك عليا أنا أهم حاجة عندي راحتك…
حركت وجهها بنفس السخرية قائلة و هي تبتعد عنه بعدما حرر يدها :
_ أنا لا باخد منك الإذن و لا بأطلب منك ، ده قراري و بس برضاك أو غصب عنك هعمله….
____________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بعد مرور شهر…
بالوحدة الصحية..
تعينت وعد بالوحدة الصحية بمساعدة سند، أزالت نظارتها الطبية بعدما كتبت الدواء لأحد الأشخاص، دلفت إليها الممرضة و هي تحمل صينية عليها ما لذ و طاب، حدقت بها وعد متعجبة ثم قالت :
_ إيه ده يا سناء؟!…
ابتسمت إليها الأخرى بمحبة ثم وضعت الصينية على المكتب مزيلة عنها الغطاء ليظهر الفطير اللذيذ مع العسل الأسود و طبق كبير من فاكهة، أشارت إلى الفطير مردفة :
_ ده فطار يا دكتورة من عند ست الحبايب أمي قولت لازم تدوقي الفطير الفلاحي الأصيل، يلا مدى أيدك عشان يكون بنا عيش و ملح…
أومات بابتسامة متحمسة و بدأت بتذوق الطعام، راحة نفسية عجيبة و رائحة المحبة بدون مقابل، سناء فتاة بسيطة منذ أول لقاء معها و هي تحبها تتعامل و كأنها تعرفها و تربوا سويا، أخذت نفسها بعد بضعة لقيمات ثم أردفت :
_ الحمد لله شبعت قولي لوالدتك إن الأكل تحفة تسلم ايديها، احنا كدة خلاص أمشى و الا في حالات تانية…
ردت سناء و هي تكمل طعامها :
_ لأ إحنا كدة الحمد لله خلصنا دلوقتي… الإستقبال بتاع الطوارئ فتح نمشي إحنا بقى..
أومأت وعد بهدوء و قامت لترتب ملابسها و مكياجها قبل العودة للبيت الكبير، تذكرت سند لم تراه منذ آخر حديث بينهما و لا تعلم أين هو، حاولت كثيراً سؤال السيدة حكمت عنه إلا أنها فضلت الصمت بآخر لحظة، سمعت حديث سناء خلفها الذي جعل الفضول يأخذ حيز كبير برأسها :
_ سي سند بيه هيرجع النهاردة و الكفر كله هيعمل له حفلة كبيرة، تروحي ليه خليكي معانا على أول الكفر عشان كلنا نستقبله..
وقفت مكانها لعدة لحظات بدقات قلب متعالية ستراه اليوم و تأخذ جرعتها المميزة من رائحة عطره، قشعريرة لذيذة أصابتها لتعود الي مقعدها غير متحكمة بجسدها، اسمه بمفرده ينير بداخلها نيران الإشتياق التي تحاول محاربتها بقدر المستطاع..
بللت شفتيها قائلة بتوتر :
_ هو سند أقصد الكبير جاي النهاردة، أقصد يعني هو كان مسافر فين، أقصد يعني كان مسافر؟!..
تعجبت سناء من هذا الارتباك الواضح عليها لتقول بهدوء :
_ بقى أنتي عايشة في البيت الكبير و مش عارفة صاحبه مسافر و الا لأ؟!…
ظهر الضيق على ملامح وعد، هي بالفعل تقطن بجناحه طوال هذا الشهر و لا تعلم أين هو، من حال الأصل لا يهمها وجوده من عدمه، أكملت سناء حديثها :
_ سي سند بيه بيروح القاهرة كل فترة يقعد هناك شهر أو أقل، في ناس بتقول عشان شغله هناك و في ناس بتقول و الله أعلم له بيت تاني هناك و بيروح يشوف الجماعة بتاعته…
توقف عقلها عند كلمة بيت آخر، هل هذا اللعين متزوج بالقاهرة و يلعب بها هنا؟!.. لا يكفي أنها متحملة فكرة زواجه أكثر من مرة قبل أن يتعرف عليها، نغزة قوية بقلبها جعلتها تضع كفها عليه تريد منه الصمود و من عينيها عدم البكاء.
ضغطت على شفتيها بقوة قبل أن تسأل بملامح لا تبشر بالخير :
_ محدش يعرف طلق أكتر من مرة قبل كدة ليه يا سناء…
أومأت إليها سناء ببعض الحزن قائلة :.
_ عشان العيال يا دكتورة مفيش و لا واحدة من حريم سي سند شالت الكبير الجديد و هو مكنش صبور بصراحة سنة بالكتير و يطلق و يجيب غيرها، بس بعد الجوازة الأخيرة فضل من غير جواز زي سنتين أهو…
سألتها من جديد :
_ طيب ليه قعد سنتين هو مش عايز عيال زي ما بتقولي…
قبل أن تجيب الأخرى انتفضت من مكانها بحماس مع وصول الطلقات النارية المحتفلة بعودة سند الكبير، أخذت وعد من يدها قائلة :
_ يلا يا دكتورة دي بتبقى حفلة حلوة أوي…
على أول الكفر دلفت سيارات الحراسة، سيارته في المنتصف، وقفت السيارات ليفتح إليه الغفير الباب، وضع أول ساق له على الأرض و بعدها أنزل عصاته، أشار للغفير بفتح الباب الآخر للسيارة لتخرج منها امرأة في غاية الجمال من لا يعرفها سماح الكبير ابنة عم سند و كانت بيوم زوجته الأولى…
مدت كفها إليها ليأخذ كفها بين يديه مبتسما للناس، بدأت الهمهمات عنها لماذا عادت؟!.. و هل هي زوجته الآن؟!… صمت الجميع مع نظرة منه ليقول هو بهدوء :
_ كلكم عارفين الست سماح، هي راجعة تقعد في البيت الكبير وسط أهلها و ناسها و قدامكم و قدام ربنا دي أختي الصغيرة، شكراً على المقابلة يلا كل واحد على بيته…
بطرف عينه رآها تأكل نفسها و عينيها تكشف كل قطعة بجسد ابنة عمه، انتظر رحيل الجميع ثم اقترب منها، بداخل عينيه لمعة مشتاقة قابلتها هي بغضب مصاحب بغيرة واضحة مثل الشمس، إبتسم إليها قائلا و هو يشير لابنة عمه :
_ سماح الكبير بنت عمي و دي الدكتورة وعد يا سماح…
ترقرقت الدموع بعينيها و هي ترى تعلق هذه الجميلة بذراعيه كأنها تقولها أمام الجميع هو ملكي، تلون وجهها باللون الأحمر و هي تضغط على نفسها بعدم البكاء مردفة بجملة واحدة قبل أن تركض بعيدا :
_ حمد لله على السلامة يا سند بيه…
_____________
جلس بغرفة الصالون منتظرا قدوم السيدة الصغيرة “همت” ليعطي لها أول درس باللغة العربية، أخذ البعض من عصير البرتقال ثم جاء ليضع الكأس إلا أن يده تجمدت مكانها، امرأة في غاية الجمال و الأنوثة تحمل عقل طفلة صغيرة…
ابتسم بلا إرادة مع كل خطوة تقترب بها منه و يرى ابتسامتها البريئة المزينة بحماس شديد، علم من سند أنه كان يعمل مهندسا بالكفر و قريبا جداً من العائلة، بداخله يقين غريب أنه كان قريب منها هي فقط و ليس باقي العائلة، ذكريات بسيطة و صور مشوشة تجمع بينهما بعقله ثم تذهب سريعا دون معرفة أين الصورة أو ما سببها…
انتبه لجلوسها على المقعد المجاور إليه مقدمة كفها الذي يحمل كشكول الورق و قلم جاف أزرق مردفة :
_ الورقة و القلم أهم يا مسيو يلا نبدأ الحصة بقى…
أخذ منها القلم و الكشكول ثم بدأ الحصة، مر الوقت سريعا دون أن يشعر به، لا يعلم كيف أخذ يشرح لها ثلاث ساعات دون ملل و كيف هي تحملت تلك المدة؟!… ألقى القلم على الطاولة قائلا :
_ بس يا ستي لحد كدة كفاية النهاردة فهمتي بقى الدرس؟!…
أومأت اليه سريعا ليقول بنصف إبتسامة :
_ يعني لو سألتك في أي كلام قولته تعرفي تجاوبي؟!…
أومأت إليه مرة أخرى بابتسامة رائعة تأخذ قطعة من روحه معها ثم اردفت بسعادة :
_ أيوة طبعاً أنا شطورة و فاهمة كل حاجة قولتها ليا، تعرف يا مسيو دي أول مرة أحب الفرنساوي بالشكل ده…
جذابة بكل تفاصيلها رغم أنها عفوية بسيطة لا تفعل أي مجهود و لو بسيط للإثارة، طفلة الجلوس معها محبب لقلبه، بعدم وعي سألها :
_ إيه رأيك نلعب سوا بعد ما الدرس يخلص؟!…
لم تقل شي بل ركضت للأعلى بسرعة البرق و أتت بعدها بثواني معها دميتها همت الصغيرة كما أطلقت عليها و دمية أخرى على هيئة رجل، جلست قائلة :
_ بص بقي يا مسيو دي عروستي همت الصغيرة اللي كانت بتتعالج و ده بقى عريسها؟!..
قال بمرح و هو يحمل عنها الدمية الرجل مشيراً إلى الدمية الموضوعة بيدها :
_ ماشي يا ستي اللي معاكي همت و عريسها بقى له إسم و الا نجيب له إسم سوا؟!…
رفضت ببعض الضيق قائلة :
_ نجيب له إسم ليه!! لا طبعاً هو له إسم حلو أوي و أنا بحبه…
ابتسم لها يحاول كتم ضحكته على ضيقها الطفولي اللذيذ قائلا بجدية مصطنعة :
_ بس بس يا ستي خلاص بلاش تقلبي وشك، من غير زعل إسمه ايه البيه ده بقى…
رفعت كفها تخطف الدمية من بين يديه و هي تضمها إليها :
_ إسمه حمد ما همت و حمد بيحبوا بعض…
___________
عادت للبيت الكبير بوجه جامد، تصنعت الإبتسامة للسيدة حكمت التى تجلس بغرفة الإستقبال، أشارت إليها العجوز بالاقتراب لا تريد الجلوس مع أحد أقصى أمنياتها العودة لغرفتها و الجلوس بها بعيدا عن الجميع، إلا أنها أومأت بهدوء ثم جلست بجوارها مردفة :
_ مساء الخير يا تيتة..
ضربتها الأخرى على ظهرها بخفة قبل أن تقول بعتاب :
_ في إيه يا وعد تروحي شغلك من أول ما النور يطلع و ترجعي تهربي في الاوضة مالك مش عايزة تقعدي معانا و الا إيه؟!…
حركت رأسها نافية ثم قالت بصدق :
_ لأ و الله يا تيتة بس أنا جديدة في الشغل و حابة أثبت وجودي و لما برجع بكون تعبانة جداً، النهاردة عشان سند بيه رجع الكل مشي بدري…
ابتلعت لعابها مع تلك النظرات المتفحصة لأقل تفصيلة بها، دائما تشعر أن تلك السيدة تحاصرها بنظراتها و كأنها تقرأ ما بها، أخفضت وجهها لتسمع صوت السيدة حكمت بوقار :
_ ليه مصممة تعذبي قلبك و تعذبي قلبه هو كمان معاكي، و إياكي تفكري إني بتدخل بنكم أنا بس نفسي أشوفكم في أفضل حال…
رفعت وجهها إليها بابتسامة ساخرة من حظها التعيس الذي جعلها تقع بغرامه، رجل بلا قلب أناني لا يفكر بأحد سوي نفسه، هو يريد، هو يرى، هو أخذ القرار، فقط كأن العالم يدور من أجله، أخذت نفس مرهق قائلة :
_ أنا عارفة إن حضرتك كل اللي يهمك راحة حفيدك، و معاكي كل الحق بس أنا مش مرتاحة لا في البيت و لا في أي مكان هو موجود فيه، لو سمحتي يا تيتة لو أنا فعلا غالية عندك بلاش كلام في الموضوع ده تاني نفسيا مش مؤهلة للكلام في أي حاجة تخص سند بيه…
_ أنا عايزك في مكتبي يا دكتورة معاكي خمس دقايق…
تعلم صاحب هذا الصوت و من غيره يتعامل بصيغة الأمر، قامت من مكانها دون الالتفات إليه مقبلة رأس السيدة حكمت بهدوء قائلة :
_ أنا جاية من الواحدة هلكانة هروح أنام شوية بعد إذن حضرتك يا تيتة…
لابد لهذا العصيان من حدود حتى لا يصبح الأمر خارج عن السيطرة، كلما حاول التعامل معها بهدوء حتى لا يزيدها جرحا على جرحها تفعل ما لا يحمد عقابه، مل من تلك الحالة الباردة هو اعتاد عليها قوية تحاربه و تتحدث معه لما تبتعد ألف خطوة بتلك الطريقة، أ كل هذا لأنه قالها لها صريحة يرغب بها دون شعائر الحب الكاذبة؟!.. نظر إليها بقوة و هي تحاول الخروج من جواره مردفا :
_ قولت عايزك في المكتب يا دكتورة…
ليس لديها طاقة للجدال لذلك قالت :
_ حاضر يا سند بيه اتفضل أغير هدومي و هكون عند حضرتك….
______________
بعد مرور خمسة عشر دقيقة…
يجلس على نار منتظرا قدومها، يسير بغرفة المكتب ذهابا و إيابا متبقي دقيقة واحدة و يخرج نيران من أذنيه، غاضب لأكبر درجة ممكنة، تخيل أي شيء إلا هذا البرود خصوصاً بعد غياب شهر عنها، رسم برأسه نظرات الاشتياق التي سوف تستقبله بها لتخيب كل أحلامه و تذهب مع الرياح…
قلب المقعد بقدمه صارخا بالخادمة التي أتت إليه بسرعة البرق مرتعبة ابتلعت ريقها من ملامحه التي لا تبشر بالخير مردفة بتقطع :
_ أمرك يا سي…
رد عليها بصوته الخشن مصحوبا برنين الغضب :
_ روحي نادي الدكتورة وعد…
دلفت وعد بملابس بيتية مريحة عبارة عن عباية إستقبال باللون الأحمر الغامق و حذاء بيتي أسود، ابتسمت للخادمة باحترام قائلة :
_ اتفضلي أنتي يا طنط أنا جيت أهو…
أغلق الباب خلف الخادمة ثم قامت بالجلوس على المقعد السليم مردفة بتعجب :
_ ايه اللي عمل في الاوضة كدة يا سند بيه؟!.. حضرتك كويس؟!…
ابتسم باتساع ها هي تسأل عليه و أزالت قناع البرود الذي ليس له مكان، تعشقه مهما حاولت إظهار عكس ذلك، رفع رأسه بزهو قائلا :
_ أنا كويس أو مش كويس ده مش موضوعنا يا دكتورة و الا ايه؟!…
لم يبدو عليها أي ردة فعل بل أردفت بلا مبالاة و هدوء :
_ عندك حق؟!.. ايه بقى الموضوع اللي حضرتك عايزني عشانه….
صك على أسنانه بغيظ من هذه الحمقاء، ضغط على كفه بقوة حتى لا يخرج عن السيطرة و ينزل بها على عنقها يخنقها، لحظة ما هو الموضوع المهم الذي يريدها به؟!. شعر بالتوتر لعدة ثواني لا يعلم ماذا يقول يحاول البحث عن أي موضوع، قطعت أفكارها و هي ترفع حاجبها مردفة ببراءة :
_ إيه يا سند بيه حضرتك نسيت الموضوع أجي في وقت تاني؟!…
جلس على مقعده ثم أردف بانتباه :
_ ها لا استني عايز أقولك موضوع مهم بس مش عارف ابدأ منين..
ضرب الفضول عقلها لتقول سريعاً :
_ قول أنا سامعة حضرتك…
حدق بها بخبث أخيراً علم ماذا يقول، أخذ نفس عميق قبل أن يتحدث بجدية :
_ طبعاً أنتي شوفتي سماح بنت عمي من شوية، في الحقيقة يا وعد هي مش بنت عمي بس دي كمان كانت أول زوجة ليا، أنا فكرت كتير قبل ما أسافر أجيبها بس قعدت مع نفسي و أخيرا قدرت آخد قرار في علاقتي بيها، دي بنت عمي و رفضت الجواز من أي راجل بعدي عشان كدة أنا قررت أرجع لها تاني…
هزة كهربائية عنيفة أصابتها بمقتل، أهذا ما يرغب به العودة لزوجته الأولى؟!.. اكتشف فجأة أنه يحبها و لا يستطيع العيش بدونها، كأن العالم بأكمله توقف من حولها حتى أنفاسها ترفض الخروج من بين ضلوعها بسهولة، ماذا يريد منها ان يراها فاقدة للروح أمامه ليرتاح هو؟!..
ضمت كفيها ببعض لتعطي لنفسها القليل من القوة ثم حاولت إخراج صوتها طبيعي قدر المستطاع متسائلة :
_ ربنا يتمم بخير عين العقل أنتوا أهل و لازم ترجعوا لبعض تاني، بس السؤال هنا يا سند بيه أنا مالي و مال الموضوع ده مش شايف إنه خاص شوية و أنا ماليش علاقة بيه؟!…
إبتسم إليها ببراءة لا تمت إليه بصلة ثم اردف :
_ مهو أنا طالب منك تقربي بنا أنتوا ستات زي بعض و ااااا…
قطعت حديثه مردفة بذهول :
_ أنت عايزني أكون مرسال بينك و بين طليقتك؟!…
_____________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بعد انتهائه من أعطاء الدرس لها فر سريعا يبحث عن الكبير، قالتها بعفوية همت و حمد بينهما قصة حب ربما انتهت بالزواج، دلف إلى مكتب سند بالمزرعة دون سابق إذن ليرفع سند وجهه من على الورق مردفا بهدوء :
_ خير يا أستاذ محمد… مش في باب المفروض تخبط عليه…
قال محمد بتشتت :
_ مش مهم أي حاجة دلوقتي أنا عايز أعرف إيه العلاقة اللي كانت بين حمد و همت يا سند بيه، أرجوك أنا مش قادر أتحمل أكتر من كدة دماغي هتنفجر، لازم أفهم ايه المشاعر دي و بيحصل معايا كدة ليه…
لم يتأثر سند بما يسمعه، وضع ساقا على الآخر ثم أجابه بلا مبالاة :
_ مشاعرك و وجعك دول آخر حاجة مهمين عندي أنا كل اللي يهمني هي همت و بس، حاول محدش من العيلة يشوفك قبل ما ترجعلك الذاكرة، أنا سايب أختي معاك لأنك العلاج الوحيد ليها و كل الدكاترة قالت عشان تبقى طبيعية لازم حمد يعيش معاها كل حاجة من الأول يا أستاذ محمد، اتفضل عشان ورايا شغل…
__________
بصباح اليوم التالي في تمام الساعة السابعة صباحا بالثانية…
دلفت لغرفة الطعام بهدوءها المعتاد قبلت رأس السيدة حكمت ثم جلست مكانها بجوار همت، تعجبت من وجود باقي أفراد العائلة الذين يأكلون بوقت مختلف عنه، زوجة عمه إعتماد و عمه سامي و ابنتهم المصون سماح…
لكن أين هو منذ متى يتأخر عن أي وجبة فهو يعاقب من لا يلتزم، ابتسمت لهمت قائلة :
_ صباح الخير يا ميمي..
بملامح حزينة أجابتها :
_ أنا زعلانة أوي يا وعد مسيو محمد مختفي من إمبارح هو مش هييجي يدي ليا الدرس تاني و الا إيه؟!..
ابتلعت تلك الغصة بحلقها، اشتاقت إلى أخيها الروحي و ملف أسرارها، حركت كفها على ظهر الأخرى مردفة :
_ لأ جاي و أنا هروح أشوفه بنفسي…
جاءت لتقوم إلا أن دخول سند الكبير جعل الأمر يختلف، بنظرة واحدة منه جعلتها ترتعب ، من الظاهر انه يحاول تهديدها، جلست مكانها بمكر حواء الذي لم يجربه سند الكبير من قبل، جلس هو الآخر على مقعده مشيراً للجميع بتناول الطعام مردفا بهدوء :
_ يلا يا جماعة بسم الله…
حدقت به ساخرة من تصرفاته، ليس به ميزة واحدة لما تحبه لا تعرف صدق المثل الذي قال مراية الحب عميا، تناولت طعامها بهدوء متلذذة بما تأكله و كأنه غير موجود بالمرة…
ضرب الشوكة بقطعة الجبن و عينيه عليها، منتظرا منها الغضب أو الغيرة من المفترض أنها تحبه مثلما قالت و الغيرة شقيقة الحب أين رد فعلها على وجود غريمتها؟!… كاد أن يخرج دخان من كل اتجاة بسبب تلك الحمقاء…
أنهت طعامها مردفة بابتسامة لذيذة إلى السيدة حكمت :
_ الحمد لله شبعت، تيتة أنا بقى هروح الوحدة عشان عندي شغل و نتقابل على الغدا بإذن الله…
كادت أن تغادر إلا أن جملة طليقة سند السيدة سماح كانت كفيلة بقطع جميع الخيوط، ابتلعت سماح طعامها ثم أردفت بابتسامة بسيطة :
_ هو أنتي ليه مش ساكنة في بيت الدكاترة المغتربين، بدل ما أنتي قاعدة هنا و كمان جايبة جوزك، أكيد مش عارفة تاخدي راحتك أنا ممكن أديكم شقة تسكنوا فيها الفترة اللي قاعدين فيها هنا…
اختفت الإبتسامة من على وجهها من الواضح أنها تريد إزالتها بشكل كامل لتبقى هي معه بمفردها و تسترده إليها، ضربة للطاولة بث الرعب بقلب الجميع، جذب كفها رغم المسافة بينهما لتجلس مكانها ثم حدق بالأخرى قائلا :
_ و أنتي مالك مين يقعد و مين يمشي، محمد مش جوز وعد ده مجرد صديق و كمان شوية هييجي عشان تتعرفوا عليه، و أنتي استني لما أخلص فطار و بعدين أوصلك و آخر مرة حد يتكلم و أنا قاعد أو يفكر يقوم من مكانه…
بعدت كفها عنه بحدة قائلة :
_ على فكرة يا سند بيه المدام مقالتش حاجة غلط أنا فعلاً قدمت عشان أعيش في السكن و محمد هيفضل هنا و حضرتك عارف ليه، فين المشكلة بقى؟!. و أنا مش محتاجة لعربية بسواق أقدر أروح شغلي لوحدي…
_ وعد مش عايز صوت…
_____________
بعد ربع ساعة كانت تجلس بجواره بداخل سيارته، صامت ينظر للطريق أمامه بهدوء و يسوق بسرعة السلحفاء، تأفأفت للمرة المليون و لم يعطي لها أدنى إهتمام عضت على شفتيها من الغيظ ثم ألقت عليه نظرة غاضبة و نظرت للشارع من النافذة…
ابتسم بداخله على حلاوتها بكل شيء حتى بغضبها، لن يتحدث ينتظرها أن تبدأ معه أي حوار حتى لو مشاجرة مثل عادتها، أبطأ من سرعة السيارة أكثر حتى لا ينتهي الطريق بهما سريعا…
لم تتحمل أكثر من ذلك ستضرب بكبريائها عرض الحائط قائلة بضجر :
_ على فكرة أسلوبك دي ينفع مع أهلك و أهل الكفر لكن أنا مش جارية عندك عشان تغصب عليا أمشي معاك و كمان تتصل بالسكن توقف إني أعيش هناك أنت عايز إيه بالظبط…
أكمل سيره مجيبا دون النظر إليها :
_ كلمتي لو مش هتمشي على حد أبداً لازم تمشي عليكي أنتي، عايز منك إيه أنتي عارفة عايز أضيع وقت فراغي شوفتي إنسان صريح زيي بالشكل ده قبل كدة؟!…
همست لنفسها مردفة :
_ قصدك بجح فعلاً مشفتش في حياتي بجاحة كدة إلا لما قدري الأسود وقعني في طريقك…
لم يستطع الصمت و انفجر بالضحك هذه الفتاة كوكتيل رائع، زاد غضبها من ضحكته لتصرخ به قائلة :
_ بتضحك على إيه يا جدع أنت؟!…
رد ببراءة :
_ على غبائك، بطلي غلط عشان المرة الجاية بإذن الله هعلق لسانك في المفتاح بتاعي ميدالية…
رفعت كفها ثم ضربت به ساقها من الغيظ، دقيقة و الثانية ثم عادت للحديث من جديد مردفة :
_ هو إحنا هنفضل ماشيين على قشر البيض ده كتير، اليوم قرب يخلص و أنا مروحتش شغلي…
أهي لتلك الدرجة حمقاء لدرجة أنها لم تعرف طريق عملها، لا يعلم لما أخذ تلك الخطوة و قرر أخذها معه إلى هذا الزفاف إلا أن كل ما يعرفه أنه أراد وجودها معه لأكبر وقت ممكن، نظر إليها بطرف عينه مردفا :
_ أنتي دخلتي طب بالفلوس و الا إيه مهي دي مش دماغ علمي علوم، بصي للطريق يا دكتورة ده مش طريق المستشفى…
لحظة لحظة!!! أخرجت رأسها من بين زجاج السيارة لتتأكد من الكارثة هي بالفعل بطريق مختلف تماما و يبدو أنهما خرجا من الكفر، هل هو يريد أخذها بعيدا عن الجميع ليقتلها، أعادت رأسها بداخل السيارة مبتلعة ريقها بتوتر لا لا لا برعب فهي مع مجرم بمفردها على طريق مقطوع، رمشت عينيها عدة مرات تحاول بقدر المستطاع أن لا تبكي مردفة بتقطع :
_ سي سند بيه هو احنا رايحين على فين العزم إن شاء الله؟!… لو طبعا سؤالي مش هيسبب أي إزعاج لحضرتك…
مصيبة من السماء سقطت فوق رأسه على هيئة امرأة فاتنة الجمال، ابتسم إليها ببرود و لم يجيب، هو بالبداية كان سيذهب بها للوحدة بعدها قرر عقله الأحمق أخذها معه…
انكمشت على نفسها تضم ذراعيها لصدرها، لتمر عشر دقائق و هو فقط يتابعها… يستمتع بما تفعله من جنون، نزلت عينه على ساقيها التي ترتجف ببعض ليقف بالسيارة بأحد الأماكن الخالية ثم نزل من السيارة بهدوء…
اتسعت عيناها ها هو ينفذ خطته و يقترب منها ليقتلها، أول ما فتح بابها قذقته بعيدا عنها بكل قوتها و هي تركض صارخة، حدق بها بذهول مثل الجماد قبل أن يعود له عقله و يركض هو الآخر يلحق بها…
بعد خمس دقائق شعرت بانقطاع أنفاسها لتقف أخيرا مستسلمة لمصيرها المحتمل، أطلقت صرخة قوية بعدما أصبحت أسيرة بين قبضة يديه، رفعت أصابعها إليها و هما الاثنين يأخذان أنفاسهما بصعوبة، كتم غيظه بضغطه على ذراعيها يكاد يكسرها صارخا :
_ أنتي مجنونة إيه التصرفات دي واخد عيل معايا، أعمل فيكي إيه عشان أرتاح، اخنقك و اخلص…
هزت رأسها بكل الاتجاهات نافية قبل أن تردف برجاء :
_ معقول قررت تقتلني عشان رفضت أساعدك ترجع العقربة بنت عمك، خلاص أنا موافقة بس بلاش الدم يا إبن الناس.. ليه توسخ أيدك في واحدة ملهاش قيمة يا سند بيه بس…
لثواني لم يفهم ما قالته على الإطلاق، هي بالفعل مجنونة و ليست مجرد تخيلات زيادة عن الحد منه، حرك وجهه يمينا و يسارا قبل أن يحدق بها من جديد، ليراها لأول مرة ضعيفة ترتجف بين يديه، هي جميلة بل مثيرة لأي رجل بأي حالة تكون عليها، أخذ نفس عميق قبل أن يتركها لتأخذ أنفاسها بتوتر منتظرة رد فعله…
أبتسم بحنان ثم رفع كفها إليه مقبلا إياه قبل أن يردف بنبرة أذابت جليد قلبها :
_ اهدى بس يا وعد أنتي عقلك صورلك إني ممكن أأذي فيكي شعرة، أنا أأذي نفسي و أنتي لأ، أنا رايح فرح في البدو و قولت أكيد تحبي تشوفي الأجواء هناك عشان كدة جبتك معايا…
حدقت به ببراءة طفلة صغيرة قبل أن تردف بهمس مترجي :
_ بجد؟!!!…
أوما إليها قائلا :
_ بجد، يلا عشان نلحق الحنة من أولها يا دكتورة…
______________
اختفى آخر خيط للشمس مع وصولهم لتلك الصحراء المميزة، نزلت معه من السيارة متعجبة من جمال و رقي المكان رغم بساطته، هل مازال هناك أشخاص تعيش بهذه الطريقة القديمة رغم التقدم؟!… نظرت إليه بتوتر و ذراعه يدور حول كتفها رفعت رأسها لترى وجهه بشكل أوضح، ضغط عليها أكثر يضمها بدفئ حنون…
سارت بين يديه كالطفلة الصغيرة المرتدية ملابس العيد و ذاهبة للصلاة برفقة أبيها، تعلقت به أكثر مع اقتراب رجال أقل ما يقال عنهم مصارعين، إبتسم إليهم سند ثم أبعدها عنه قليلا و هي مازالت متشبثة به ليقول رجل كبير ملقب بالشيخ :
_ مرحب مرحب يا ولدي العرس نور و الله…
سار مقتربا منهم أكثر تاركا إياها ليسلم عليهم مردفا بوقاره المعتاد :
_ منور بأصحابه يا شيخ ألف مبروك جواز ولدك…
أشار الشيخ إلى وعد قائلا بتساؤل :
_ مين العروسة يا ولدي؟!…
انتظرت إجابته بتوتر لا تعلم ماذا سيقول عن هويتها، حدقت به بذهول و هو يعيدها لصدره مردفا بابتسامة مشرقة :
_ العروسة تبقى مراتي مكتوب كتابنا و الفرح قريب جداً يا شيخ و أنت أول المعازيم…
فتحت فمها باعتراض شديد، قرصها بقوة يمنعها من الحديث ثم نزل بفمه إلى مستوى أذنها هامسا :
_ اخرسي و عدي اليوم، الناس دي لو حست مجرد إحساس إنك مش مراتي هنندفن إحنا الاتنين هنا و أنا بصراحة نفسي أخلص من قلة أدبك…
ابتلعت ريقها برعب ثم أومأت إلى هذا الرجل تغصب وجهها على الإبتسامة، ليبتسم الشيخ بسعادة مردفا :
_ ألف مبروك يا ولدي أنت تستحق كل خير و هي شكلها طيبة و بنت حلال، يلا تعالوا نوصلها للحريم و نروح إحنا للرجال…
ضغطت على يده ليقول للشيخ بهدوء :
_ طيب يا شيخ روح أنت بس و أنا هفهمها العوايد هنا إيه…
انتظرت حتى اختفى الرجل بمن معه، ابتعدت عنه بغضب ثم قالت :
_ أنت مجنون مراتك ايه و لما أنت عارف أنهم ممكن يعملوا حاجة لو أنا غريبة عنك بتاخدني معاك ليه في أم المشوار الأسود على دماغك ده…
أطبق شفتيها على بعضهما بأصابعه.. كان سيصرخ بها يسخر منها إلا أن عينيه تركزت على موضع أصابعه، هل لو أخذ قبلة من تلك الشفاه سيحدث أي شيء إلا أنه سيعيش ببحر تلك المتعة لو لحظات..
رفع بصره ليقابل عينيها الغاضبة، لذة غريبة بدأت تندرج بينهما، تاهت بسحره الرجولي الطاغي ابتلعت ريقها بصعوبة مع ملمس يده الخشن على بشرتها الناعمة، سألها بنبرة متحشرجة :
_ أنتي مالك حلوة أوي كدة إزاي؟!…
نزل بنظره إلى شفتيها كأنها تقول أنت تمنعني من الإجابة ليزيل أصابعه بشكل تلقائي، دق جرس الإنذار بعقلها لتقول بحنق :
_ أنت كمان عايز تتحرش بيا فاكر نفسك مين عشان تقرب مني بالشكل ده…
حمقاء و أخرجته من حلاوة اللحظة ابتعد للخلف بضيق ثم عدل من هيئة عباءته قائلا ببرود :
_ هو أنا جيت جنبك يلا أدامي عشان تدخلي للستات و أنا أروح للرجالة و نبقى نتقابل بالليل يا زوجتي العزيزة…
ردت عليه بجنون :
_ أنت رايح فين؟ أوعى تدخل مع الرجالة أنت مش شايف عملين إزاي!!، أكيد الستات بتاعتهم من النفس السلالة و أنا طولي متر و اتنين و خمسين سنتي…
ظهر عليه معالم الخبث ثم أردف بأعلى صوته :
_ يا شيخ ابعت حد من الحريم يأخد المدام أصلها مكسوفة تدخل لوحدها….
بعد مرور نصف ساعة…
انتهى خوفها و اندمجت بشكل سريع مع نساء المكان أصحاب القلب الطيب، جلست بجوار زوجة الشيخ مبتسمة بانبهار على تلك التفاصيل المميزة الحناء، حركت العجوز كفها على ظهر وعد قائلة بحنان :
_ يلا يا بنيتي ادخلي بيت الحريم عشان الست ترسملك حنة زيك زيهم…
رفعت رأسها بتردد فهي تتمنى هذا إلا أن الخجل مسيطرا عليها، ابتسمت مردفة بخجل :
_ لأ يا طنط شكرا مفيش داعي للحنة…
بصرامة قالت العجوز :
_ ده فال وحش الليلة حنة يبقى كل البنات من عمر سنة لمية ترسم يلا قومي ده حتى أنا هقوم…
اتسعت شفتاها بسعادة و بدأت ترسم الحناء على كفيها و مقدمة عنقها، جلست بجوارها فتاة شابة سألتها :
_ أنتي رقم كام في حريم سند بيه؟!…
أجابتها وعد بضيق :
_ سند مش متجوز غيري أنا و بس…
لاحظت الفتاة ضيقها لتقول بسرعة :
_ أنا مش قصدي حاجة، بس إحنا نعرف إنه بتاع ستات و بيحب كل يوم واحدة يكتب عليها و بعدها يمل يقوم مطلقها بعدها لا تشوفي البت و لا أهلها تاني…
حديثها غير معالم وجه وعد بالكلية، خافت، حزنت، غارت، انقهرت، يا ليتها تستطيع إخراج هذا الحب اللعين و صاحبه من قلبها، لم تجد كلمة تجيب بها لتبعد وجهها و تعود للنظر للحناء بهروب لا تعلم إذا كان من الفتاة أم من نفسها أم منه هو؟!…
انتبهت على جسد الفتاة المنتفض من مكانه على صوت العجوز الصارم :
_ أنتي يا بت قومي من هنا و يلا حضري خيمة سند بيه و مراته….
_ هو أنا و هو هنام في اوضة واحدة إزاي إحنا لسة معملناش الفرح يا طنط…
______________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بكفر الكبير.
في الآونة الأخيرة أحبت الخروج من غرفتها، لا تخشى الحديث مع أحد غريب أو قريب، استمدت بعض القوة من تدريسه لها، جلست أكثر من ساعتين بانتظاره كما قالت لها الدادة فاليوم من المفترض موعد الدرس..
نفخت وجهها بضجر قائلة للدادة :
_ هو في ايه يا دادة زهقت و المسيو اتأخر خالص على الحصة، زهقت عايزة ألعب…
ابتسمت إليها المرأة بحنان مردفة :
_ يا حبيبتي الغايب حجته معاه أصبري شوية، و بعدين هو مش همت الحلوة لسة مخلصة لعب من شوية قبل معاد الحصة عايزة ايه تاني بقى؟!…
أخفضت وجهها بخجل طفولي و هي تفرك كفيها ببعض ثم قالت :
_ مهو بصراحة يا دادة مسيو محمد أتأخر خالص خالص و أنا عايزة أشوفه و نتفرج سوا على الماتش زي المرة اللي فاتت..
قامت من مكانها فجأة مقتربة من الدادة تجلس بجوارها، مسكت يدها قائلة برجاء :
_ عشان خاطري تعالي نروح له في الجنينة بسرعة نشوف اتأخر ليه، عشاني أنا.. ماشي ماشي قولي ماشي بقى بدل ما أعيط..
بقلة حيلة أخذتها المرأة إلى الحديقة لا تعلم إذا كان هو بداخل منزله أم لا، أخذت همت تدق على الباب بقوة مرة و الثانية و الثالثة دون فائدة، توترت و بدأ جسدها بالارتجاف، حاولت إخراج أنفاسها بانتظام إلى أن انفجرت بالبكاء صارخة :
_ هو مش جوا و الا إيه.؟ مشي من هنا خلاص، دادة أفتحي الباب ده نعرف هو فين الله يخليكي…
انهيارها بث الرعب بقلب الأخرى، ضمتها إليها لتهديءمن روعها قليلا إلا أن الأمر ازداد سوءا، لم تجد أمامها حلول لتصيح على الغفير :
_ تعالو بسرعة أفتح الباب ده أحسن الست حالتها وحشة جداً…
دقيقتين مروا مثل الدهر حتى أتى الغفير بمفتاح الشقة، فتح الباب ليجدوا محمد جالس على الأرض يضم جسده المرتجف إليه، يحدق أمامه بشرود تام يرى نقطة معينة و يعيش بداخلها…
اتسعت عيناها بهلع عليه و تركت الدادة مقتربة منه بخطوات بطيئة خائفة، قلبها ينتفض بين ضلوعها، تعالت أنفاسها مع لمسة يدها لخصلاته تبعدها عن وجهه، أشار الغفير للدادة بالخروج من المكان معه منفذا أوامر سند، لم تشعر بإغلاق الباب عليها معه، جلست بجواره فاعلة مثله..
ضمت ساقيها لصدرها ناطرة إليه بأعين منهارة ثم همست بتقطع :
_ هو… هو يعني أنت مالك…. في حاجة بتوجعك؟!…
لا يعرفها أو يسمعها هو بداخل عالم آخر بمفرده شريط حياته يدور أمام عينيه مثل شريط السينما، علم هويته و تذكر كل لحظة مرت بينهما، آه و ألف آه همت حبيبته الصغيرة التي لم يفعل لها حساب بتلك اللعبة الطويلة، ارتجف فكه هامسا بأسمها :
_ همت…
ابتلعت ريقها من نبرة صوته التي عادت بها للخلف و كأنها سمعتها من قبل و هذه ليست المرة الأولى، نبرة حنونة، ناعمة، بها نوع من الحنين مع لذة أصابت سلسلة ظهرها بقشعريرة ممتعة، أشياء غريبة لم تفهمها إلا أنها أردفت :
_ أنا معاك أهو مش بعيد، بس قولي مالك أكيد سخن و خايف من الحقن زيي بس متخافش دي شكة صغننة خالص…
بالتدريج بدأ يعود لأرض الواقع هي الآن معه بين يديه، لا يوجد معه وقت كثير حتى يأخذها من هنا هاربا قبل عودة أخيها، ثأره من السند الذي أتى بسببه لهنا هي ليس لها أي علاقة به…
اعتدل بجلسته مبتسما لها بحنين مشتاق إلى تلك الشفتين لحد الجنون، كل تفصيلة بها تركت جزء بداخله يتمنى لحظة تجمعه بها، رفع يده ليلمس بشرتها قائلا :
_ أنا أخدت العلاج و خلاص بقيت كويس المهم أنتي تبقى كويسة يا حبيبتي…
ضحكت بسعادة مردفة :
_ أنا كويسة بس زعلانة منك فضلت كتير مستنية عشان الحصة و نتفرج على الماتش زي المرة اللي فاتت بس أنت اتأخرت، بس خلاص مش زعلانة لما عرفت إنك تعبان، يلا بينا بقى نروح الحصة…
اتسعت ابتسامته الخبيثة أكثر بتعلقها به، ضم كفها بين كفيه مردفا بحماس لينتقل إليها نفس الحماس :
_ أنا كلمت سند الصبح و قولتله هخرج همت بالليل زي دلوقتي كدة إيه رأيك تيجي نخرج عملك مفاجأة؟!…
بثقة عمياء دون تردد أماءت إليه قائلة :
_ موافقة طبعاً بس استنى أجيب عروستي من فوق…
_ لا لا لا مفيش لها داعي يلا بينا و هنرجع للعروسة بسرعة… يلا يا روحي…..
_____________
عند وعد و سند..
ضحكته هذه تغيظها منذ إغلاق باب الخيمة عليهما و هو لا يفعل شيء إلا النظر لها ثم الضحك و كأنها أحد الأفلام الكوميدية، أغلقت عينيها ثم أردفت في نفسها عدة مرات :
_ اهدي يا وعد اهدي يا وعد و سيبك منه ده مستفز اهدي يا وعد اهدي…
فتحت عينيها ثم ابتسمت إليه بسخرية قبل أن تجلس على هذا الفراش الأرضي و تضع عليها الغطاء مستعدة للنوم، رد إليها نفس الإبتسامة الساخرة و بدأ بفك قميصه عنه أخفت وجهها صارخة :
_ أنت بتعمل إيه يا جدع أنت؟!…
ألقى القميص على الأرض و أخذ عباية مريحة يرتديها كلما أتى لهنا، انتهى من تبديل ملابسه بتعب شديد اليوم أقل ما يقال عنه مرهق و اليوم الأصعب غدا، يرتاح قليلا ثم يأخذ جولته بالمشاكل معها، اقترب من نفس الفراش النائمة عليه جاذبا الغطاء من عليها مردفا :
_ يعني هتاخدي السرير و الغطاء مفيش عندك دم خالص، اختاري السرير و الا الغطا عشان عايز أرتاح….
جذبته منه بغضب، الجو بالخارج ثلج يضرب بكل مكان بالخيمة وضعت على نفسها الغطاء من جديد مردفة ببرود و هي تغلق عينيها للنوم :
_ بقولك إيه شوفلك حتة بعيد عني الجو تلج لو نمت من غير غطا أموت أما أنت ما شاء الله جتة بالكتير أوي هيجيلك برد مش أكتر…
_ بقى كدة طيب….
بلحظة واحدة كانت تحمل هي و الغطاء و تضم الأرض بظهرها لينام هو على الفراش، أرتياح رهيب على هذا الفراش السحري جعله يذهب للنوم سريعا، صرخت، غضبت، فعلت كل ما أتى برأسها إلا أنه لا حياة لمن تنادي…
حاولت أخذ أنفاسها الغاضبة و هي تقوم من على الأرض متجهة إليه، جلست بجواره على الفراش و صمتت هادي، وسيم، حنون، مميز بكل شيء و هو نائم بهذا السلام الغريب على طبعه، أول حب بحياتها و ربما سيكون الأخير، طالما حلمت و تمنت أن تنام معه بغرفة واحدة تحت مسمى الحب و الزواج، تنجب ولي عهده و تكبر وسط قوته و حنانه، أخرجت تنهيدة حارة و أصابعها تتحرك على خصلاته باشتياق لن تستطيع اخفائه أكثر…
مؤلمة تلك الحياة تضعنا دائماً بالطريق الخطأ و تترك لنا حرية إختيار النهاية، يا ليتها بتلك القوة التي تجعلها تنسى من هي و من هو و تنعم فقط بدفء أحضانه، يا ليته يحبها أو على الأقل يرى بها شريكة حياته هو فقط يريد التجربة مثلما فعل كثيراً…
قامت من مكانها تود الجلوس بين الرمال الصافية بعيدا عن الجميع الآن، جلست على الأرض بجوار الخيمة تعد النجوم إلى أن رأت فتاة تخرج من الخيمة المجاورة ترتدي أسود بأسود لا يظهر من ملامحها إلا عينيها تحمل زجاجة من الزجاج و ذهبت إلى خلف الصخور…
دائما تضع نفسها بألف كارثة أخذها فضولها خلف الفتاة لتعلم ما يحدث، كتمت شهقتها و هي تراها تكسر الزجاجة و تحاول قطع شرايينها بها، بسرعة البرق قفزت عليها تأخذ ما بيدها صارخة بذهول :
_ أنتي بتعملي إيه يا مجنونة عايزة تموتي كافرة، و بعدين تعالي هنا مش أنتى العروسة برضو…
ضربتها الفتاة بقوة لتقع بعيدا عنها قائلة بغل :
_ ابعدي عني أنتي مالك و مالي…
قامت وعد من مكانها تنفض ملابسها ثم رفعت رأسها للآخري قائلة بتحدي :
_ لأ ليا طبعا لما أشوف واحدة مجنونة عايزة تموت نفسها يبقى ليه، أنا هصحي كل اللي هنا فورا لو معرفتش كنتي عايزة تموتي نفسك ليه…
سقطت دموع الفتاة بقهر، مهما قالت أو تحدثت لن يشعر بها أحد، وجعها سيبقي لها بمفردها من يعرف وجع النيران غير الغارق بداخلها، اقتربت منها وعد باشفاق شديد ثم ضمتها إليها مردفة بعتاب حنون :
_ طيب بس بطلي عياط صدقيني كل حاجة هتكون بخير، بس قوليلي ايه اللي يخلي بنت قمورة زيك كدة تحاول تموت نفسها و فرحها بكرة مش المفروض دي تكون ليلة العمر…
ارتاحت الفتاة على صدرها مردفة بنبرة متقطعة من كثرة الخوف و البكاء :
_ ليلة العمر عندكم انتوا يا ست هانم لما تاخدي فارس أحلامك و تحققي حلمك و تبقي أخيراً جوا بيته، لكن هنا الموضوع مختلف خالص أنا لا عمري شوفته و الا أعرف حتى إسمه كل اللي اعرفه انه ابن كبير قبيلة هنا بجوارنا و هكون الزوجة التالتة كمان، إمبارح الستات بتوعه كانوا في الفرح و أصغر واحدة فيهم عندها 40 سنه و أنا لسة مكملتش 16 سنة، يعني اد أبويا… أعمل ايه في نفسي بس حاولت أهرب فشلت مكنش ادامي حلول إلا الموت…
قصة مؤلمة و بالفعل لم يشعر بها الكثير إلا أنها شعرت ربما لأنها الأخرى تموت بنيران الهوى و تعلم وجع الغصب أو لأنها أنثى مثلها مرت بلحظات ضعف كثيرة، ابتعدت عنها قليلا ثم رفعت وجهها إليها قائلة بقوة :
_ و إنك بقى تموتي كافرة هو ده الحل اللي وصلتي له؟!.. أنتي شابة صغيرة و لسة المستقبل قدامك كبير ليه عايزة تضيعي كل ده في لحظة جبن و ضعف..
ضحكت الفتاة بسخرية على تلك الطبيبة التي ترى الحياة وردية مثلما تعيشها، أزالت دموعها بأكمام ملابسها ثم قالت بحسرة :
_ شكلك مش فاهمة الحياة هنا يا ست الدكتورة، طبعاً و اللي زيك هيعرف إحنا عايشين إزاي، ازاي و أنتي مرات سند الكبير صعبة عليكي دي، أنا حتى لما حبيت مقدرتش آخد اللي حبيته عشان مش من توبي و لا بص ليا أصلا بص لدكتورة من البندر و جاي بيها يحضر فرحي، شوفتي الخيبة اللي أنا فيها بقى…
ألجمت الصدمة لسانها، هذه الفتاة تقصدها هي و تعتبرها أخذت منها حب حياتها، ابتلعت ريقها ببعض الضيق قائلة :
_ تقصدي سند صح؟!…
أومأت الأخرى بقوة مجيبة :
_ أيوة أقصد سي سند الكبير، من أول ما كملت 14 سنة و عرفت أنه طلق جديد حلمت باللحظة اللي ممكن يحبني فيها و أخرج من القبيلة دي بكل ما فيها، أبقى خدامته و تحت رجله لحد أمبارح كان عندي أمل يقول أنا عايزها وقفوا الفرح ده، بس كله راح لما دخل عليا بيكي يا دكتورة عرفت إني عمري كله راح في الأرض… أظن دلوقتي مش عايزة تساعديني ممكن بقى تسبيني في حالي…
قامت وعد من مكانها مبتعدة عنها عدة خطوات ثم أردفت بقوة :
_ الفرح ده فعلاً مش هيتم أنتي لازم تخرجي من هنا مش تموتي، أنا هتصرف بس روحي على أول الطريق استنيني هناك أوعي تعملي في نفسك حاجة، قولتلك أنتي صغيرة و فرحانة بالراجل اللي كلمته مسموعة و هيخرج بيكي من هنا لكن في الحقيقة معندكيش اي مشاعر له، يلا روحي نفذي اللي قولتلك عليه…
حدقت بها الفتاة بذهول مردفة بتوتر :
_ أنتي… أنتي بعد كل ده عايزة تقفي جانبي، بجد؟!…
أومأت إليها وعد بابتسامة حنونة :
_ أيوة أنتي في مقام أختي الصغيرة يلا بقى قبل ما النهار يطلع وقتها مش هقدر أعمل ليكي حاجة….
_____________
بعد مرور ساعتين…
انكمشت حول نفسها بمقعدها بالسيارة، لم تتوقع بأبشع أحلامها أن يصل الأمر لتلك النهاية على الإطلاق، صدمها برفع كفه عليها لتغلق عينيها مستعدة لأي صفعة ستسقط على وجهها، حاولت مساعدة الفتاة لذلك رسمت عليه المرض حتى يأخذها لأقرب مشفى و هي تضع تلك الفتاة المجهولة بظهر السيارة، ساعة و الثانية على الطريق و تم كشف أمرهما أمام سند الكبير…
طال انتظارها إلى صفعته و لكن لم يحدث شي فتحت عينيها لتجده ينظر إليها بصمت مريب، عاجز عن فعل أي شيء معها و كأنه موقع على جميع أمواله، رفعت أحد أصابعها مشيرة إليه بتقطع :
_ أنا بس أنا كنت عايزة أساعدها…
ضرب عجلة القيادة بكفه عدة مرات صارخا، لا يعلم ما عليه فعله الأن سند الكبير بموقف لا يحسد عليه و من السبب تلك الحمقاء، أخذ اصبعها ضاغطا عليه بشكل معاكس يكاد أن ينقسم بيده :
_ أنتي ست قليلة الأحترام و التربية، بس مفيش عليكي لوم ما أنتي أصلا لا ليكي أهل و لا عيلة واحدة نامت في نفس الأوضة مع راجل غريب أكتر من مرة ممكن تعمل أي حاجة من غير تفكير في العواقب أو الحساب، بس البنت اللي وراكي دي بنت عيلة كبيرة و متربية أحسن تربية أنتي هتكوني السبب في قتلها أدام القبيلة بتاعتها كلها، تربيتك وصلت ليكي إن كل الناس زيك و أنها ممكن تهرب من أهلها عادي، عايزك تخرسي لحد ما أشوف حل في المصيبة دي…
سم قاتل بلا رحمة ضرب بكل جزء منها و مصر على إخراج روحها من بين ضلوعها، ابتلعت تلك الغصة المريرة بذهول غير مصدقة لما تسمعه منه، نظرت بعينيها إلى عينيه بنظرات عتاب واضحة قبل أن تقول بقهر :
_ أنا متربية أحسن تربية أحسن منك أنت شخصيا و أهلي دول أشرف من إن مجرم زيك يحط اسمهم على لسانه بالخير أو بالشر، ربوا و كبروا دكتورة مش قاتل ممكن يبقى معظم ماله من الحرام، أما البنت اللي ورايا دول أهلها زيك و أسوأ منك كمان وصلوا طفلة في سن المراهقة للانتحار عشان عريس متجوز تلاتة غيرها و في عمر أبوها، أنت و أمثالك دمروا البلد بالجهل و التخلف و الجبروت اللي عايشين فيه، بس ربنا منتقم جبار…
يجبر يده للمرة الثانية على عدم ضربها، هي لم و لن تفهم ما فعلته، نيران مشتعلة بس يخشى أن تحرقها، أجابها بكلمة واحدة قبل أن تبدأ الطلقات النارية على السيارة من كل اتجاه :
_ اسكتي…
___________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
مسكت يده برعب من الأجواء حولها تحتمي به و تحاول أن تحميه، هلع أصابها ليسقط قلبها أرضا لم تتوقع أن يصل الموضوع لهنا، ضغطت على يده أكثر تمنعه من الحركة، ليرمقها بغضب أعمى قبل أن يبعد يده عنها صارخا :
_ ابعدي خليني أوقف المهزلة دي…
حركت رأسها نافية و هي تتعلق به أكثر و أكثر مردفة من بين أنفاسها :
_ أنا خايفة…
لأول مرة يشعر كم هو ضعيف أمامها، خوفها، دموعها، ارتجاف جسدها جعل قلبه يرق بل يخضع إليها، بلحظة ضمها إلى صدره محركا كفه على خصلاتها، لعلها تهدأ و يهدأ هو الآخر، مشاعر كثيرة ضربت بداخله، ارتفعت شهقاتها أكثر ليضمها أكثر، وعد بحاجة للأمان و هو بأشد الحاجة لهذا العناق..
ابعدها عنه قليلا رافعا وجهها إليه بحنان مردفا :
_ متخافيش بس لازم أنزل لهم قبل ما حد منهم يتهور و يضرب جزاز العربية…
ترجته بدون حديث ليأخذ سلاحه من سيارته و ينزل إليهم مشيراً بيده لأعلى، توقف الرجال عن ضرب النيران فهذا سند الكبير، نزل الشيخ هو الآخر من سيارته متعجبا من وجود سند هنا اقترب منه قائلا :
_ سند يا ولدي مش المفروض تكون نايم في خيمتك، بتعمل إيه هنا دلوقتي…
أجابه سند بجدية :
_ وعد كانت مريضة شوية و كنت رايح بيها أقرب مستشفى لقيت واحدة من حريمكم ساعدت وعد و هي معاها في العربية دلوقتي أكيد بتدوروا عليها…
رأي معالم الارتياح على وجه الرجل و كأنه عاد للحياة بعد إنقطاع أنفاسه، أرتاح هو الأخر من تلك الكذبة متمنيا من الله إنهاء الموقف على ذلك، أشار الشيخ لرجاله بالرحيل ثم عاد للحديث مع سند ببعض العتاب :
_ مش كنت تقولي يا ولدي كنا أكيد هنلقى حل، البت اللي مع مراتك دي تبقي العروسة يعني فيها قطع رقبة لو كانت اختفت أكتر من كدة…
بداخل السيارة…
مع هدوء المكان استطاعت أخيرا التوقف عن البكاء، نظرت لتلك الفتاة الباكية بنواح بشفقة شديدة، عاجزة عن مساعدتها و إخراجها من جحيم الجهل و العادات و التقاليد، اقتربت منها قليلا ثم أردفت بعد أن أزالت دموعها :
_ متخافيش أنا جنبك للنهاية و مستحيل أسمح بالجوازة دي لو وصل بيا الحال أبلغ البوليس، كفاية عياط أرجوكي أنا أعصابي بقت في الأرض…
ضربت الفتاة على صدرها عدة مرات بعويل مردفة بصوت مكتوم :
_ أبويا برة و موتي هيكون قصاد القبيلة كلها، يا ريتك خلتيني أموت نفسي بدل اللي هيحصل فيا دلوقتي…
ندمت على تهورها و عدم تفكيرها بخطوة خطيرة مثل هذه، إلا أنها اردفت بقوة :
_ و أنا بقولك الجوازة دي أنا فيها يا قاتل يا مقتول…..
بخارج السيارة…
أردف سند بقوته المعتادة :
_ طول عمري أعرف إنك عادل يا شيخ، بس النهاردة شوفت حاجة أنت تعرف إن عقابها عندي الموت، قبيلتك كلها تحت رعايتي من أكبر نفر لآخر نفر من امتا في بنت بتتجوز غصب يا شيخ، و بلاش كذب رجالتك مشيت مفيش داعي للف و الدوران….
ارتبك الشيخ لعدة لحظات، توتر من نظرات سند القاتلة حاول ابتلاع ريقه الجاف، ماذا يقول إنه لأول مرة يغصب فتاة على الزواج بعد معرفته لعشقها لسند الكبير، قال بتبرير :
_ يا ولدي البت صغيرة و مش عارفة مصلحة نفسها و أنا أبوها عارف الصح لبتي فين، عريسها كبير شوية بس راجل يعتمد عليه و هتكون آخر حريمه بدل ما تاخد شاب بعد كام شهر يتجوز عليها…
وضع سند سلاحه خلف ظهره قائلا بأمر :
_ الجوازة دي مش هتم و قول للقبيلة كلها إن ده أمر من سند الكبير، خد بتك و ارجع القبيلة بتاعتك و أنا جاي وراك لو لقيت فيها خدش الحساب هيكون معايا، و الفرح عايزه يفضل منصوب سند الكبير هيكون العريس….
_______________
خرجت معه لأول مرة من كفر عتمان الكبير، تحدق بالأماكن من حولها بسعادة و انبهار شديد، كل شي رائع جداً يخطف الأنفاس، أوقف السيارة أمام منزله الذي غاب عنه سنوات ناظرا إليها بحنان مردفا :
_ يلا يا همت يا حبيبتي عشان تشوفي شكل بيتي و بعدين نتفسح…
هل ستنزل بهذا الحي الغريب أمام هؤلاء الأشخاص؟!.. تجمعت الدموع بداخل عينيها برعب و ما هي إلا ثواني و انفجرت بالبكاء، نظر إليها بهلع قبل أن يقول :
_ مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟!..
زادت شهقاتها الخائفة و هي تنكمش حول نفسها بالمقعد، تريد سند أين سندها و مصدر أمانها الوحيد، حركت رأسها رافضة اقتراب حمد منها صارخة :
_ ابعد عني يا وحش أنا عايزة سند مش عايزة أنزل معاك في مكان، سند قالي عيب مفيش بنت محترمة تدخل بيت ناس تانيين، أنت وحش يا محمد و عايز همت تبقى وحشة زيك…
مشفق عليها، خائف من انهيارها بأي لحظة، يتمنى فقط لو يعلم ما حدث لها بفترة غيابه لتعود لنقطة الصفر من جديد، حاول الاقتراب منها إلا أن حالتها لم تسمح بذلك، نظر للمكان حوله بتوتر فالناس تحاول معرفة من أين هذا الصريخ، أغلق باب السيارة جيدا و الشباك مشيراً لها بالهدوء قائلا :
_ اهدي أنا مش عايز منك إلا الهدوء بقى كدة يا همت تزعلي محمد منك و تقولي له كلام وحش، ده بيتي و أنا مش غريب و أمي و أختي فوق و بابا كمان يا ستي يعني في ناس مش حاجة وحشة.
ظلت كما هي ترفض أي حديث هي لا تراه أو تسمعه، عقلها مشوش تحاول معرفة أين رأت تلك السيارة، جسدها بالكامل يرتجف و عقلها يحاول العودة إلى سابق قوته، يحارب من أجل التخلي عن الضعف ليعلم أن العالم من حوله يتحرك، حمد، حمد، حمد، اسم يسبب إليها ألم شديد يأكل قلبها و يزيد من أشياء ربما قررت الهروب منها بالجنون…
أردفت بأنفاس مختنقة :
_ حمد ساب همت يوم الفرح، وقعت على الأرض و الناس فضلت تقول حاجات وحشة، في دكتورة وحشة قربت منها و عملت حاجات حاجات، أنا كرهت حمد عشان هو ظالم… أنا أنا بردانة و عايز أروح لسند…
أهو حقير لدرجة أن يدخل فتاة بتلك البراءة و النعومة بخطته الحقيرة؟!… إذا كان هو حقير فشقيقها أشد حقارة عندما دبر لقتله بليلة زفافه على شقيقته، سحبها بقوة بين صدره لعل النيران المكتومة بداخله تقلل من برودة جسدها، ضربته بصدره عدة مرات لتبتعد عنه قائلة :
_ أنا بكرهك يا حمد بكرهك بسببك خوفت من الناس و بسببك قررت أعيش في نظر الكل مجنونة بدل ما أبقى العروسة المعيوبة اللي عريسها سابها يوم الفرح، أنت ايه اللي رجعك رجعت تاني ليه عشان نبدأ الحب من الأول و في الآخر تهرب زي عوايدك صح؟!…
الصدمة ألجمت لسانه و عقله، هي ليست فاقدة للأهلية هي كما قالت اختارت بكامل ارادتها الجنون لتهرب من نظرات الناس و كلماتهم السامة، أشار إليها بتردد مردفا :
_ همت أنتي كويسة و مفيش فيكي حاجة…
ألقت عليه صدمة أخرى مع سقوط كفها بكل قوتها على وجهه، نيران تحرقها، ذكريات و أيام تخيلت أنها إنتهت، عاشت سنوات بنظر الجميع العروس التي فقدت عقلها بعد هروب العريس، يوم وراء الآخر حتى صدقت كذبتها و تعايشت معها، كفى وجع لهنا يكفي كسر قلب و عناء لا نهاية له…
احمر وجهه من شدة الغضب و قوة الصفعة التي أخرجت بها معاناة سنوات، لم تهتم بأي مشاعر له صارخة :
_ بقيت مجنونة الكل بيشفق عليها لمجرد إن العريس اختفي في أكتر وقت المفروض يبقى فيه قريب، رجعت فاقد الذاكرة و متجوز و عايش عادي، فاكر مرضك ممكن يشفع ليك بالعكس ده كرهي لك بقى أضعاف….
بلا كلمة أدار عجلة القيادة ذهبا إلى مكان لا يعرفه هو شخصيا… ذهب معها للمجهول…
_____________
أغلق باب الخيمة خلفهما لتلقي بجسدها على الفراش بضياع، رفعت رأسها إليه بخوف، عتاب، غضب، توتر، مشاعر يصعب وصفها إلا أنها أوضح من الشمس من نظراتها، وضعت يدها على صدرها تحثه على الانتظام فى إخراج أنفاسه…
كان يتابعها بهدوء يسبق عاصفة رعدية يعلمها جيدا، وضع هاتفه و المفاتيح بجوارها على الفراش منتظرا أي كلمة تفتح بها الموضوع، طال صمتها و أصر هو الآخر على صمته، إرتفاع الزغاريط بالخارج جن جنونها، عادت للنظر إليه برجاء لإيقاف تلك المهزلة المقامة، قامت من مكانها قائلة :
_ سند اللي بيني و بينك حاجة و مستقبل البنت دي حاجة تانية أنا وعدتها أقف جانبها عشان تطلع من الكارثة دي، أرجوك بقى ساعدني أنا واثقة إن بكلمة واحدة منك تقدر ترجع للبنت دي الحياة…
طال صمته ليلعب بأعصابها، بينه و بين الوصول لوعد خطوة واحدة و خطته ستكون على ما يرام، فرصة أتت إليه على طبق من ذهب و هو مستغل و أناني لأقصى درجة ممكنة، وضع يده بجيب بنطاله مردفا ببرود و عين ثاقبة يدرس أقل رد فعل يصدر منها :
_ البنت دي أنتي مش عارفة اسمها أساسا بس صممتي على مساعدتها، عندك إستعداد تضحي بحاجة مهمة مقابل مساعدة البنت دي؟!…
عادت خطوة للخلف، تشعر و كأن القادم غير لطيف بالمرة، ابتلعت ريقها الجاف بطريقة ظهرت على حنجرتها، نظرة التسلية بعين رجل مثل سند ترعب أي شخص يقف أمامه مهما كان من، حركت شفتيها عدة مرات بمحاولة فاشلة منها على الحديث و بالنهاية ظلت صامتة ليقول هو بنفس الهدوء :
_ ردي عشان أقدر أقولك هساعدها أو لأ لازم أسمع ردك أنتي…
أومأت إليه بحركة بسيطة من رأسها ثم سألته بنبرة متهدجة :
_ إيه الحاجة الغالية اللي ممكن أقدمها ليك عشان تقف مع البنت دي؟!…
كلمة بسيطة خرجت من بين شفتيه الرجولية كانت بمثابة القنبلة الذرية :
_ أنتي يا وعد…
اشتعلت عيناها بغضب، حقير، مستغل، أناني، قاتل، تعلم به العبر إلا أنها كانت دائماً على يقين من حبه الخفي لها، لو انقلبت السماء على الأرض سند سيظل سندها الغير مرئي لن يؤذيها أو يسمح لأحد بذلك، الآن يطلب منها هذا؟!… رفعت كفها بغل لعلها مع سقوطها على وجهه تشعر بالارتباح، تعلق كفها بالهواء مع كفه ليقول بغضب :
_ شكلها هبت منك على الآخر لدرجة إن عقلك الصغيرة ده فكر تعملي كدة…
جزت على أسنانها بنفس الغضب صارخة :
_ لأ ده شكل أنت اللي هبت منك على الآخر عشان تفكر بس تقولي الكلام اللي خرج منك ده، فوق يا كبير أنا الدكتورة وعد أشرف من عشرة زيك…
ضغط على كفها بقوة أكبر إلى أن سمع شهقتها المتألمة، أبتعد عنها ثم ضحك بمرح لا يناسب الموقف مردفا بسخرية :
_ مش بقولك هبت منك على الآخر، مش سند الكبير اللي يطلب في الحرام يا دكتورة، أنا بحب ربنا و بخاف منه فوق ما تتصوري…
ابتلعت ريقها و هي تحرك يدها على الأخرى التي كان يضغط عليها، قائلة بأعين متسعة من الذهول و عدم الفهم :
_ أمال معنى كلامك الوقح ده إيه؟!.. قول طلبك يا سند بيه من غير لف و دوران…
ألقى بجسده على الفراش مغلقا عينيه بهدوء ثم قال :
_ الفرح ده لازم يكون له عريس و عروسة، يعني الشيخ عشان يوقف فرح بنته من العجوز ده عايز عريس تاني لبنته أو عريس و عروسة تانيين، أنا مش هقدر أتجوز العيلة دي و أربط نفسي بيها، قولت أنتي أولى خصوصاً إنهم عارفين إننا مكتوب كتابنا، رأيك إيه أخدها و الا أخدك؟!… القرار في إيدك يا دكتورة…
______________
أصبحت عروس ترتدي ملابس الزفاف البدوية و تضع على وجهها هذا الوشاح، تجلس بين النساء تشاهد السعادة الغريبة المرسومة على وجوههم فزفاف سند الكبير أصبح بداخل قبيلتهم، حل الصمت على المكان فجأة و قامت المرأة العجوز التي كانت تتحدث معها أمس تمد يدها إليها مردفة :
_ هاتي ايدك يا بنتي أوصلك لحد خيمة العريس بنفسي…
قامت معها مثل المسحورة هي سعيدة لدرجة تكاد تلمس نجوم السماء بيدها، تحبه اعترفت له و لنفسها من قبل مقررة الهروب و الآن قررت الاستمتاع بهذا الحفل الكاذب و لو لساعات قليلة، دلفت لخيمة مختلفة عن الأولى بشكلها مزينة بانتظار العروس، زادت أصوات الزغاريط لتضعها المرأة على الفراش المزين بشكل دائرة لطيفة جلست بمنتصفها هامسة :
_ يجعلها جوازة العمر يا بنتي تتهني بيه و يتهنى بيكي…
خرجت المرأة و من معها من نساء و بعد دقيقتين دلف هو بطلة تخطف الأنفاس بهذا الرداء البدوي الرائع، يليق به أي شيء مهما كان، سند الكبير يعطي لأي قطعة من القماش قيمة كبيرة، بشكل تلقائي ابتسمت بسعادة لتظهر أسنانها اللولي…
جلس على الأرض أسفلها مزيلا عنها هذا الوشاح ليظهر وجهها و جمالها، تخيلها كثيراً زوجته و على إسمه رغم أن هذا الحلم لم يتحقق حتى الآن إلى أنه مستمتع بقربها، يعيش هذا القرب حتى لو عبارة عن مشهد تمثيلي وضع كفه على بشرتها هامسا :
_ زي القمر يا وعد كل حاجة لايقة عليكي، كل حاجة فيكي ليها طعم و لون حتى ريحتك زي المسك و العنبر، مبروك عليا أنتي يا وعدي و مكتوبي…
تاهت بحلاوة كلماته و نسيت من هي و من هو مكتفية اكتفاء كاملا بلحظة قررت خطفها معه من الزمن، ابتسمت إليه بخجل قائلة :
_ أنت كمان ما شاء الله حلو أوي، من أول مرة شوفتك و انا عارفة إنك تخطف الروح و القلب…
أخرج من أعماق قلبه تنهيدة معذبة مردفا بعتاب :
_ طيب ليه واجعة قلبي معاكي لما جواكي كل ده، لية مصممة تخلي الطريق بنا طويل يا بنت الناس؟!…
بنفس العتاب أجابته :
_ مين فينا اللي مصمم يتعب التاني أنا و الا أنت، أنا من زمان قولتلك بحبك، لا أخذت منك حب في المقابل و لا حتى قولت إنك شاري يا سند، مصمم توجع قلبي و تقهر أنوثتي…
ارتفع قليلا ليجلس بجوارها على الفراش هامسا بنبرة متحشرجة :
_ و لو قولتلك بحبك هتريحي قلبك و عقلي المجنون بيكي….
____________
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
لحظات أو ربما سنوات من الصمت مرت عليها، تحاول أن تقنع قلبها الصغير أن يتحمل أثر تلك الجملة التي لم تتخيل أن تسمعها بيوم، لمعت عينيها ببريق من اللهفة للتأكد من ما وصل إلى اذنيها، بلعت لعوبها ثم ابتعدت عنه خطوة واحدة لتعطي لنفسها مساحة لترى نظرة عيناه بعدما قالها..
صمت هو الأخر وعينه عليها أعطي لها تلك الكلمة التي كانت تلوع كل جزء به حتى تسمعها، ليكون صادق مع نفسه مل من لعبة البعد التي تلعبها معه تحت مسمى عناد حواء..
انطفت فرحتها فجأة من نظرته الباردة تعلم نظرة الحب جيدا و ما ترا الآن ما هو إلا مجرد تمثيل، أردفت بشك تتمنى لو يخيب ظنها :
_ بتحبني يا سند صح؟!..
إذا كان هذا طريق الوصال بينهما فحسنا سيقولها مرة أخرى، جاء ليفتح فمه لتضع كفها على فمه تمنع بهمس مقهور.
: بلاش أرجوك بلاش مش عايزة أسمعها منك تاني وخصوصا بالنظرة دي..
رفع حاجبه بضجر من تصرفاتها الطفولية الحمقاء التي تثبت له يوم بعد يوم طول المسافات بينهما، أبتعد عنها صارخا فجأة :
_ أنتِ عايزة توصلي لأيه بالظبط؟!.. مبسوطة باللعبة المستفزة إللي مش عايزة تطلعي منها دي، مش عايزة تسمعي ايه مش دي اللي بتبعدي عشان أقولها، انطقي..
صرخ بصوت قوى بأخر الجملة لينتفض جسدها الصغير وقدميها تسوقها للفرار من أي مكان موجود به، حركت رأسها عدة مرات هامسة :
_ ممكن اللسان يكذب عادي لكن العيون لأ، عينك باردة يا سند مفيش فيها دفئ الحب اللي بدور عليه، مين فينا دلوقتي اللي بيحاول بمشاعر التاني رد أنت..
ضرب كل ما يقع عليه عيناه بساقه، هذه الفتاة تقوده للجنون، سحبها من ذراعها إليه مرددا بنبرة نارية :
_ أنتِ عايزة إيه بالظبط؟!..
من أين أتت لها القوة لا تعلم، بعدت يده عنها ثم جلست على الفراش قائلة ببعض التقطع :
_ عايز تتجوزني صح يا كبير؟!..
أوما إليها قائلا:
_ طالب الحلال واظن مفيش حاجة غلط يا دكتورة..
ابتسمت إبتسامة كبيرة ساخرة ثم أردفت ونظرها معلق بنقطة غير محددة داخل الخيمة :
_ وبعد الحلال هيبقى مصيري إيه؟!..
ضيق بين حاجبيه قائلا بعدم تقبل لما يرمي إليه حديثها :
_ مصيرك؟!.. ماله مصيرك يا دكتورة هتبقى مرات سند الكبير شايفة إن ده هيبقى حاجة قليلة؟!…
قامت من مكانها ثم وقفت أمامه ولأول مرة يشعر بالتوتر من إمرآة ومن نظراتها التقييمية له، بلت شفتيها بطرف لسانها لتعطي لنفسها القليل من الدعم ثم أردفت:
_ والمدة قد إيه بقى يا ترا؟!…
صرخ بها :
_ مدة ايه بلاش تخرجي جناني عليكي؟!.
ردت عليه ببرود تحلت بها لتبقى على قوتها:
_ واحد زيك كان متجوز خمسة وأنا رقم ستة فأكيد ليا مدة مع الكبير لحد ما يزهق ويقولي مع السلامة زي الباقي، السؤال هنا بقى مدتي قد ايه؟!…
جذبها إليه عنادها هذا يزيد من اصرار عقله على قربها مهما كلفه الأمر، ثم همس بنبرة ناعمة :
_ مفيش مدة أنتِ هتبقى الأخيرة عايز منك عيالي يا وعد، يمكن مش بعرف أقول كلام حلو ويمكن كمان عصبي معظم الوقت، بس عايزك وعايز أحس معاكي بحاجات كتيرة ريحتك لوحدها قادرة تخليني ليكي الباقي من عمري، قولي موافقة يا وعد لأني مش هقبل بالرفض..
عادت للصمت من جديد لعدة لحظات قبل أن تأخذ نفس عميق تبث به الأمان لقلبها المتعلق بما يقف أمامها بكل قوته، الآن فقط تأكدت أنها تقف على حافة الهوية ثم قالت.
: موافقة اتجوزك يا سند…
______شيماء سعيد ______
بمكان لأ يوجد به إلا حبات الرمال الصفراء وقفت سيارة حمد وبجواره همت التي تحلت بلغة العظماء حتى تصل معه للنهاية، هبط من السيارة ثم ذهب إلى بابها وقام بفتحه قائلا بتوتر :
_ أنزلي يا همت أكيد في كلام بنا لأزم يتقال بعيد عن الناس..
بالفعل هبطت وبدون اعطاء أدنى إهتمام له جلست على أول صخرة قابلتها، ابتلع ريقه فهو يعلم شخصيتها جيدا قبل ما حدث، تتحلى بالبرود عندما يكون بداخلها بركان سينفجر مع أول ضغطة بسيطة، جلس على الصخرة المقابلة لها ثم قال :
_ مكنش بأيدي البعد ده قدر من عند ربنا، أول حاجة عملتها لما رجعت ليا الذاكرة إني كنت عايز أخدك في حضني..
قطعت حديثه باشارة من كفها مردفة :
_ وكنت وخدني بيت عيلتك زي ما بتقول ليه يا حمد؟!.
زاد توتره أضعاف يحبها رغم كل ما يحاول فعله مع سند، حرك راسه قائلا :
_ قولتك كنت محتاج أخدك في حضني مش أكتر، سند أخوكي كان عارف أنا مين من أول مرة شافني ومع ذلك فضل يلعب بيها، حتى لما روحت له وطلبت منه يقولي مين حمد وليه انا حاسس بحاجات غريبة نحيتك رفض يتكلم…
تنهدت وشريط حياتها يسير أمامها مثل إحدى الأفلام السنيمائية التي تأخذ لقب فيلم رعب عن جدارة، أشارت إليه ليقترب جلس بجوارها على الرمال لتأخذ كفه وتفتحه ثم رددت :
_ الكل كان بيقول عليا شاطرة في قراية الكف، وبرغم إن كفك قال كلام كتير لسانك مش عايز يقوله إلا أني صدقتك يا حمد تعرف ليه؟!…
تاه داخل مقلتها الساحرة لينسي من هو واين هو، همس بفيض من المشاعر دلفت مثل السهم بقلبها، بالفعل ما يخرج من القلب لا يدلف الا إليه :
_ ليه يا قلب حمد؟!..
غرفت هي بتلك الكلمة التي كانت تأخذها لعالم وردي بعيدا عن أي شيء، ثم ردت عليه :
_ عشان حبيتك ومراية الحب دايماً بتكون عامية، هعتبر فعلاً إنك كنت عايز بس تاخدي في حضنك، يعني أخدت واحدة فاقدة الأهلية في مكان فاضي عشان بس تأخد حضن صح؟!..
قام من مكانه فجأة بغضب حتى ينهي تلك المناقشة التي سوف تأخذه الي المجهول :
_ هو في ايه يا همت حاسس من لهجة كلامك بالشك، أنتِ عارفة كويس اوي حبي ليكي وكمان أخلاقي بتحاولي تلمحي لأيه؟!..
قامت هي الأخرى وقالت بقوة عجيبة :
_ أيوة فعلاً أنا بعرف أنت عايز تقول ايه من غير ما تنطق، زي ما أنا عارفة برضو أنك بتحاول تهرب من حاجة بصوتك العالي…
هذا فوق طاقته كل ما تعلمه وتمرن عليه يضيع أمامها في هباء الرياح، ضم كفها بحنان قائلا :
_ ليه حاسس اني مش وحشك زي ما أنا هموت عليكي؟!…
ابتسمت مردفة :
_ مهو أنت كنت جنبي من اول ما دخلت كفر الكبير بشخصية محمد، بصراحة كنت مسيو فرنساوي هايل.
ضحك على حديثها ثم تنهد بارتياح بعدما استطاع ترويض قلبها بلحظات بسيطة وبدون أدنى مجهود منه :
_ أعملك مسيو من أول وجديد أنا بحبك يا همت نفسي بقى أحقق حلمنا وتبقى معايا تحت سقف بيت واحد…
جذبته خلفها ثم صعدت هي بمكان القائد مردفة بمرح :
_ طيب اتفضل بقى عشان انا اللي هسوق، مش مطلوب منك أي حاجة غير أنك تقولي أمشي من أي طريق خلينا نرجع الكفر قبل ما ابيه سند يرجع..
توتر قائلا :
_ طيب والجواز يا همت مش كفاية بعد لحد كدة؟!..
هزت كتفها مردفة بدلال :
_ كلم ابيه سند والقرار هيبقى له ده كبيرنا كلنا، وبعدين أنت متأكد انه بيحبك بس الظروف اللي حصلت بوظت الدنيا…
جلس على المقعد بجوارها بابتسامة مصطنعة قائلا بداخله :
_ أخدك بس وحسابي هيكون طويل اوي مع الكبير مش هرتاح الا لما حبل المشنقه يتلف عليه…
_______ شيماء سعيد ______
بصباح اليوم التالي..
عند سند ووعد…
استيقظ سند على رنين هاتفه ألقى نظرة سريعة على وعد النائمة بالأرض ثم حمل هاتفه خارج الخيمة ليري رقم صديقه المقرب صالح الحداد، إبتسم بتلقائية ثم فتح المكالمة قائلا :
_ دكتور صالح بنفسه على التليفون غريبه دي..
ضحك صالح الذي كان يباشر بعض الأعمال بغرفة مكتبه بالمشفى مردفا :
_ جرا ايه يا كبير أنا عن نفسي بتصل كتير الدور والباقي عليك نسيني خالص..
رفع سند حاجبه مردفا بذكاء :
_ صوتك ماله يا صالح شكلك مش مبسوط..
تنهد الآخر بتعب يحاول أن يتغلب عليه مردفا :
_ حبيبة أختي محتاجة تبعد عن القاهرة فترة بصراحة أنا مش هأمن عليها غير عندك..
رد سند بقوة :
_ أختك أختي وكفر الكبير كله هينور بيها، بس دي متجوزة حسن وعندها منه أولاد معقول هتقدر تبعد عنهم؟!..
_ حبيبة وحسن أطلقوا ده غير أن البيه اتجوز، الاولاد هيبقوا معاها لحد بس ما ترتاح نفسينا وترجع القاهرة تاني..
حرك سند رأسه متفهما ثم أردف بهدوء :
_ ماشي يا صالح العربية هتكون عندها الصبح عشان توصلها الكفر، وبالمرة تيجي انت تحضر فرحي…
لم يتحمل صالح الخبر أكثر من ذلك وانفجر بالضحك قائلا :
_ سادس يا كبير؟!.. يا جدع أرحم نفسك شوية مش كدة خلصت على ستات البلد كأن مفيش راجل في الدنيا غيرك…
إجابه سند بغرور :
_ مهو مهما كان في رجالة مش هيبقى زي سند الكبير، بس المرة دي هتبقى الأخيرة..
قبض صالح حاجبيه مردفا :
_ على كدة بقى السنارة غمزت ووقعت في الحب؟!..
تنهد سند قائلا بهدوء :
_ لأ يا صالح مفيش حاجة إسمها كدة ده مجرد كلام فارغ بنزين بيه العلاقة بين الراجل وست عشان تبقى أشيك مش أكتر، أنا شايف فيها زوجة تملي عيني وأم لأولادي واظن مفيش راجل بيبقى محتاج أكتر من كدة.
صالح:
_ الكلام مش هينفع في التلفون بس لينا قاعدة كبيرة مع بعض..
أغلق سند الخط مع صديقه ثم عاد للخيمة ليجدها قد استيقظت و رفعت كفيها لتزيل أثر النوم من عينيها أبتسم قائلا :
_ ده ايه الجمال ده صباح الخير..
تبسمت مردفة :
_ انا عن نفسي طول عمري حلوة بس الغريب بقى ان أنت تقول كلام حلو..
سحبها لتجلس على الفراش بجواره وعيناه تريد أنت تأخذها بداخلها حتى لا يراها غيره بهذا القدر العالي من الجمال، ثم أردف :
_ مش أنتِ نفسك تسمعي مني على طول كلام حب لأنك بتحبيني يا وعد؟!..
وجدت نفسها بلا لحظة تفكير واحدة تحرك رأسها إليه سريعا ليضحك بحلاوة قائلا :
_ من النهاردة مش هتشوفي مني إلا كل الحلو…
اتسعت مقلتها من تغيره الغريب والجذري معها مرددة بتوتر :
_ بجد يا سند؟!..
_ بجد يا روح سند أنا هعملك مفاجأة حلوة اوي أول ما ندخل البلد..
تحمست لتلك المفاجأة قبل أن تعرف ما هي يكفي عليها انها ستكون من سندها، ربما تغرق إذا وضعت يدها بيده الا أنها قررت خوض تلك التجربة مهما كانت نهايتها، ستستمتع بكل لحظة بينهما وتعيش ما حلمت به، ضغطت على يده مردفة بلهفة :
_ قولي بسرعه ايه هي…
قام من جوارها مردفا بغرور :
_ وهتبقى مفاجأة إزاي حضري نفسك هنفطر ونمشي..
وقفت أمامه مردفة ببعض التوتر :
_ والبنت يا سند ارجوك خليها ترجع معانا..
بدأ هدوئه المزيف يزول من عليه وأردف بغضب :
_ بنت مين يا وعد العروسة اللي عرضتي حياتك للخطر من غير ما تعرفي عواقب أفعالك اساسا؟!.. هنأخدها معانا فين وبأي صفة أبوها ممكن يشيل رأسها من مكانها لو أنا طلبت أنها تيجي…
غضبت هي الأخرى من حديثه وقالت :
_ أنت عارف كويس ايه اللي ممكن يحصل فيها لما نمشي، وبعدين كلمتك فوق رقبة الكل بما فيهم أبوها على الأقل اعمل ده من باب الصدقة بلاش عشاني…
تحرك في الغرفة بتعب من تصرفاتها ثم قال :
_ ماشي يا وعد هتمشي معانا بس إزاي دي حاجة تخصني أنا، فاهمة..
لا تريد أن تعرف الطريقة كل ما يهمها إنقاذ تلك المسكينة لذلك اومات برأسها عدة مرات مردفة:
_ فاهمة فاهمة…
________ شيماء سعيد _______
عند الشيخ كان يجلس بجوار بعض النيران ليقترب منه سند قائلا :
_ صباح الخير يا شيخ..
الشيخ :
_ صباح الخير يا ولدي صباحية مباركة ارتاحت في النوم عندينا؟!..
جلس سند على أحد المقاعد ثم قال بجدية :
_ مرتاح، طول عمر دارك دار خير يا شيخ، بس ليا عندك طلب والمرة دي أنا مش هقرر القرار ليك وبس يا شيخ…
تعجب الرجل من طريقة سند المختلفة كل الإختلاف بالحديث ليقول بقلق :
_ أطلب يا كبير ولو أقدر عليه مش هتخرج من غيره..
_ بنتك العروسة فخر مش بس شاغل معايا فخر ده أيدي اليمين طالب ايد بنتك له.. وزي ما قولتك القرار ليك أنت..
رد عليه الرجل ببعض التوتر :
_ بس أنت عارف يا كبير إحنا بناتنا مش بتخرج برة…
وضع سند يده على كتف الرجل مردفا :
_ قولتك من بداية كلامي القرار ليك، بس لو وفقت بنتك هتكون تحت حمايتي مش هتجيلك يوم زعلانة..
ابتسم الشيخ بسعادة :
_ مواقف يا كبير العريس اختيارك وهي تحت حمايتك وأنا زي أي أب مش عايز لبنتي غير الأمان…
_______ شيماء سعيد ______
بعد ساعة بسيارة سند قالت وعد بسعادة :
_ بجد يا سند يعني البنت دي هتبقى في امان؟!..
طيبة قلبها وبساطة ردودها تجذبه إليها مثل المغناطيس دون أن يشعر، ابتسم على ابتسامتها وليكون أكثر صدقنا هو فعل كل هذا من أجل تلك الإبتسامة فقط، أوما إليها وكل تركيزه على القيادة :
_ هي حاليا في أمان وهتفضل تحت حمايتي طول ما أنتِ في حضني يا وعد، بس قوليلي بتعملي كل ده على واحدة متعرفش إسمها حتى؟!..
اجابته بصدق :
_ مش مهم أعرف إسمها كفايه جدا إني عرفت مشكلتها وقدرت اساعدها، مش هي بس اللي محتاجة المساعدة في بنات كتير كدة يا سند، يا ريت طالما القبيلة دي تحت حمايتك تأخد بالك من الحاجات اللي زي دي…
أبتسم بوقار قائلا :
_ طيب نامي بقى لحد ما نوصل الطريق طويل..
أومات إليه بترحيب لتلك الفكرة ثم أغلقت عينيها بنعاس قائلة قبل أن تذهب إلى عالم الأحلام الوردية خاصتها :
_ تصبح على خير..
_ وأنتِ من أهل الخير…
مرت ساعات الطريق عليها بسرعة أما هو كان متلهف لردت فعلها على مفاجأته الخاصة، وصلوا لقصر الكبير ليقول سند بصوت دافي بث بداخلها الأمان والكثير من الثقة بالنفس :
_ وعد يلا أصحى احنا وصلنا..
فتحت عينيها وهنا كانت المفاجأة حفل كبير وجميع أهل البلد في حالة من الرقص والسعادة لتقول بذهول :
_ هو ايه ده؟!.. في ايه؟!…
أجابها بابتسامة مشرقة :
_ فرحنا..
_ ومين قالك إني موافقة على كدة؟!..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
نظر للناس من حوله ثم عاد بنظره لها، ربما سمع ما تفوهت به بشكل خطأ أو تخيل ذلك من شدة عنادها؛ لذلك عاد جملتها مرة أخرى بنبرة هادئة أشبه بسكون الليل المرعب :
_ مش موافقة؟!.
توترت من نبرته، نظراته، قبضة يده على بعضها كل هذا قدر على بث الرعب بداخلها بكل سهولة، حركت رأسها مردفة بالكثير من التردد :
_ لأ طبعاً موافقة بس أقصد يعني مينفعش الاستعجال ده أنا مش جاهزة للجواز في الوقت ده ولا بالسرعة دي..
بنظرة ثاقبة حاول أن يفهم ما يدور بخلدها، ابتسم بداخله بسخرية على غبائها، يعلم أنها تطيل الوقت لتعرف هل بالفعل قلبه يدق من أجلها أم لا، في الحقيقه وعد تستحق أخذ لقب حمقاء عن جدارة من عاقل يلعب من الكبير؟!.
أوما لها ثم اردف بنظرة باردة :
_ براحتك أنا معاكي لحد ما تقولي كفاية، بس الناس والمأذون مش هيمشوا من هنا إلا بجوازنا يا دكتورة، عايزة تنزلي رأسي الأرض قصاد كل دول والا نعمل فرحنا بعدين أحنا مع بعض أصبر عليكي لحد ما تجهزي؟!..
أخذت نفس عميق ثم كتمته بأعماقها وعينيها بدأت تدور بالمكان حولها لتتأكد من صدق حديثه، بلعت لعوبها وهي تجد نفسها أمام الأمر الواقع، عادت تنظر إليه ثم أردفت بنبرة شبه غير مسموعة :
_ توعدني تسبني لحد أخد وقتي؟!..
فتح باب السيارة ثم اتجه إلى بابها فتحه ومد يده لتضم يدها سحبا اياها للخارج هامسا بداخل اذنيها بدفي جعلها مثل الفراشة بين يديه :
_ أوعدك يا عروسة يلا عشان تجهزي..
______شيماء سعيد ______
بداخل البيت الكبير..
استقبلت الجدة وعد على الباب بعناق حارة لتغمض وعد عينيها تأخذ أكبر قدر من الأمان بأحضان تلك المرأة التي تشعرها دائماً بالظهر والقوة، حركت الجدة يدها على ظهر وعد مردفة بابتسامة سعيدة :
_ كنت متأكدة أنك عاقلة وهتقدري تسيطري على عنادك وتأخدي نصيبك من الدنيا..
ابتسمت وعد قائلة :
_ والله يا ماما الحاجة أنا مش فاهمة إيه اللي بيحصل لحد دلوقتي بس اهو هفضل ماشية ورا حفيدك لحد ما أشوف هوصل على فين..
اجابها وهو يقف بجوارها قائلا :
_ إحنا وصلنا خلاص يا دكتورة هو في محطة تانية بعد الجواز ..
رفعت وجهها إليه ثم أردفت بسخرية :
_ طبعاً يا كبير تاني مرحلة عندك الطلاق..
قرص انفها ميجيبا عليها بكل سخافة :
_ لأ اطمني أنتِ خسارة كبيرة في الطلاق، يلا روحي اجهزي لفرحنا..
جزت على أسنانها بغيظ ثم قالت لجدته:
_ أمال همت فين يا تيتة مش ظاهرة كدة ليه؟!.
حركت حكمت رأسها ببعض التوتر ثم أردفت :
_ تعبانة شوية يا بنتي ونايمة في اوضتها أول ما تصحى هتفرح اوي أنكم رجعتوا…
انتفض جسد سند فجأة على ذكر مرض همت، ابنته الصغيرة متعبه وهو نسي في رحلته مع معذبة قلبه حتى السؤال عنها؟!.. أبعد وعد عن طريقه ثم اتجه لغرفة نوم همت مسرعا لتقول وعد بقلق :
_ هو في ايه يا ماما الحاجة أول مرة أشوف حضرتك متوترة وبعدين هي همت عندها ايه بالظبط؟!..
جذبتها حكمت للداخل بغرفة الصالون قائلة :
_ والله ما عارفة أقولك ايه، أستاذ محمد اللي كان جاي معاكي أخدها وخرجوا وبعدين رجعوا ومن وقتها وهي جوا الأوضة بتاعتها رافضة تكلم أي حد.
تعجبت من هذا الحديث ثم أردفت :
_ ومحمد فين دلوقتي يا ماما الحاجة؟!..
حكمت :
_ في المضيفة اللي في الجنينة قولت للرجالة ممنوع يخرج منها الا لما سند يوصل ويأمر بده بنفسه..
نهضت وعد من على المقعد ثم قالت بتعجل قبل أن تخرج من الغرفة :
_ أنا لأزم أكلم سند دلوقتي حالا..
_______ شيماء سعيد ______
بغرفة النوم الخاصة بهمت..
دق سند على الباب أكثر من مرة بلا أي رد منها، بدأ يسير القلق بداخله عليها بريبه ليضع كفه على المقبض ثم دلف لها وجدها تمكث بفراشها شاردة بالعالم من حولها دون أن تلتفت إليه.
بعد خطوتين أصبح أمامها ليقول بحنان :
_ همت..
لم تجيب عليه، لأول مرة تكون أمامه بهذا الشكل الذي يصعب وصفه، مسح على خصلاتها السمراء وعاد ليقول إسمها من جديد ولكن بنبرة أكثر حسم :
_ همت، مالك أنا سند يا حبيبتي..
ردت أخيراً بنبرة متعبة :
_ عارفة.
حسها على أكمل الحديث قائلا بهدوء حتى لا يزيد الأمر سوء :
_ عارفة إيه قولي كل اللي جواكي أنا سامعك..
سقطت من عينيها دمعة قررت التحرر من هذا البركان وهي تنظر اليه مردفة بالكثير من العجز والخوف :
_ أنا عمري ما كنت مريضة نفسية أو مجنونة يا سند، أنا كنت طول السنين اللي فاتت دي ممثلة شاطرة، خوفت من كلام الناس عليا فقررت أعيش دور الهبلة، بس مش قادرة أكمل..
قام من جوارها يستوعب فكرة إنه كان مخدوع بأقرب الناس إليه طوال تلك المدة، كانت تحدق به لترى ردت فعله كيف ستكون إلا إنه مثل العادة يستحيل قراءة ما يدور بداخله، أبتسم إليها قائلا :
_ مش قادرة تكملي عشان حمد رجع صح؟!..
حركت رأسها تنفي ما فهمه ثم رددت بتعب أعصاب :
_ حمد شكله مش ناوي على خير يا سند، أنا مقدرتش أكمل في دور المجنونة لانه كان عايز يستغلني، أنا دايما قوية بيك وعمري ما خبت عليك حاجة خليك جانبي أنا خايفة اوى…
جذبها لتقف أمامه ثم أردف بقوة :
_ لا عاش ولا كان اللي همت الكبير تخاف منه، أمسحي دموعك والبسي الفستان اللي هيكون عندك كمان ساعة الليلة فرحي على وعد، أما الكلب ده ابعدي عنه وخليه يلعب برحته نهايته قربت، بس قبل أي حاجة لسة له مكان في قلبك؟!..
أخذت نفس عميق تحمل به الكثير من الوجع ثم قالت :
_ لأ يا كبير…
______ شيماء سعيد ______
هبط الدرج وعقله سارح، همت أصبحت واعية لما يحدث حولها وهذا الأحمق مازال بداخله روح الحرب، اقترب منه فخر بأحترام قائلا :
_ عربية الدكتور صالح وأخوه شعيب بيه على أول الطريق..
ظهزت شبه إبتسامة على وجه سند الذي قال وهو بطريقه للخارج :
_ عايز استقبال يليق بيه..
_ أمرك يا كبير..
لفت انتباه ركض وعد إليه بسرعة رهيبة وهي تقول :
_ سند لو سمحت استنى أنا عايزة أتكلم معاك في حاجة مهمة..
أشار لفخر بالذهاب ثم اقترب منها مقبلا أعلى رأسها ثم همس إليها بدفئ :
_ هنتكلم بس مش دلوقتي عندي ضيف مهم، أطلعي اجهزي ولما الفرح يخلص هكون ليكي وهنقول كل اللي نفسنا فيه…
تاهت بسحر لمست شفتيه على خصلاتها، توترت أنفاسها وحاولت الإبتعاد عنه بجسد مرتجف قائلة :
_ أبعد شوية واحترم نفسك انا عايزاك في موضوع مهم مش في قلة الأدب اللي جوا دماغك دي..
أبتعد عنها بالفعل ثم قهقه بوقاحة ظاهرة بعينه قائلا :
_ جاهلة ومش وش نعمة هو في احلي من قلة الأدب يا عبيطة..
حركت رأسها بمعنى لا فائدة ثم قالت وهي تختفي بعيداً عن عينه :
_ أنا مش مرتاحة لك يا إبن الكبير، بس بعينك تقرب مني إلا لما أكون واثقة فيك..
وصل إلى مسامعها صوته الوقح وهي يقول :
_ احلمي براحتك الليلة ليلتك يا دكتورة..
_____ شيماء سعيد ______
على باب المنزل تقدم سند بجلبابه و عصاته التي تعتبر صديقته و وقف أمام سيارة صالح يستقبله بحفاوة قائلا :
_ الدكتور بنفسه عندنا و كمان معاه كاتبنا العظيم انتوا الاتنين سوا طب إزاي؟!
قهقه الثلاثة برغم من صداقة صالح و سند إلا أنه على علاقة طيبة بشعيب، سلم عليهم بحرارة ثم نادي على الخادمة بقوة قائلا :
_ دخلي الحريم لستك الحاجة جوا..
نظرت سمارة لصالح بتوتر ليقول لها بهمس حنون :
_ متخافيش يا حبيبي حبيبة جوا و العروسة من اسكندرية هتحبيها أوي…
بجراءة مثل العادة ردت عليه بهيام واضح على ملامحها جعل صافية تسحبها عنوة للداخل :
_ مش بحب أي حد في الدنيا غيرك أنت حتى البت صافية بقت تقيلة على قلبي يا روح قلبي…
دلفت للداخل ليحرك رأسه بمعنى لا فائدة و قهقه بمرح…
ربت سند على كتفه قائلا بخبث :
_ شكلك واقع يا دكتور…
رد عليه صالح بنفس الخبث :
_ عقبالك لما تهمد بقى خلصت نص ستات الكفر ماعدا المحارم و دخلت على المدينة المجاورة…
ضحك شعيب على ملامح سند الغاضبة وقال :
_ مالناش دعوة بيه يا صالح ده راجل مفتري و إحنا عرسان…
ربت سند بقوة على كتف الاثنين قائلا بهدوء :
_ اشتروا عمركم يا عرسان و قدامي على جوا…
غمز اليه صالح ورد عليه بمكر :
_ ما أنت كمان عريس يا كبير والا عشان متعود الموضوع مش فارق معاك..
أشار سند لباب المنزل مردفا :
_ انا بقول تدخل أحسن لك بدل ما المدام تعرف من فاعل خير كل مغامراتك ووقتها هتعرف إن مفيش حد متعود غيرك..
ارتعب صالح من تهديد سند الصريح له ثم نظر بطرف عينه لسمارة التي كانت تلوح بكفها اليه وهي تدلف للداخل بابتسامة واسعة، ابتلع ريقه مرددا :
_ أنت أكبر من كدة يا كبير، ربنا يتملك على خير يا جدع..
انفجر شعيب بالضحك ثم قال :
_ لأ جامد يا سند مفيش كلام أنت الوحيد اللي بتقدر على صالح..
_______ شيماء سعيد ______
بالداخل اصطحبت الخادمة سمارة وصافيه للقاعة الكبيرة المتواجد بها جميع نساء بيت الكبير ومعهن حبيبة التي ركضت إليها سمارة مردفة بشوق :
_ حبيبة حبيتي قوليلي عاملة إيه هنا..
ابتسمت إليها حبيبة قائلة :
_ أنا كويسة، وبعدين أنا لسة جاية إمبارح مش من سنة يعني يا اوفر..
ضربتها سمارة على كتفها مردفة بضجر :
_ زيك زي اخوكي لا عندكم إحساس ولا رومانسية، أنا غلطانة اني بتعامل مع أشكال زيكم…
قرصتها صافية قائلة :
_ اخرسي شوية بقى الناس هتقول عليكي عبيطة وهما أول مرة يشوفوكي، وبعدين ابعدي انا كمان عايزة أسلم على اخت جوزي يا ست هانم..
ضمتها حبيبة الي صدرها فهي لأول مرة ترى زوجة شعيب، ابتعدت عنها بعد فترة مردفة بابتسامة لطيفة :
_ ما شاء الله عليكي يا صافية زي القمر، حظ أخواتي دايماً حلو عشان تبقوا من نصيبهم..
أردفت السيدة حكمت التي كانت تتابع المشهد بهدوء :
_ تعالوا سلموا على عروستنا الحلوة يا بنات…
ردت وعد بسخرية :
_ الله يسترك يا ماما الحاجة بلاش تحسسيني أنها أول مرة حفيدك بيغير الستات زي الفلينة بالظبط كل ما يعرق…
ضحكت حكمت وقالت :
_ يا بت بلاش تبوظي سمعت الولد وبعدين المرة دي الأخيرة أنا متأكدة..
رفعت سمارة حاجبها وقالت بنبرة يفوح منها الخبث :
_ تعالي هنا يا عروسة قوليلي الحكاية بالظبط وأنا أوعدك بعد كدة كل ما عينه هتقع على ست هيخاف منك…
تحمست وعد فجأة وقالت بلفهة :
_ بجد.؟!..
_ طبعاً بجد ده انا سمارة…
_____ شيماء سعيد _____
انتهى حفل الزفاف بعد ساعات طويلة من الاحتفالات المتنوعة ولما لا وهو زواج سند الكبير، وعلى باب المنزل كانت تقف بجواره بجسد مرتجف متوتر ليمسك كفها الصغير بين يده الضخمة قائلا بمرح لجدته :
_ يلا بقى عشان هنفذ طقوس عيله الكبيرة يا حاجة حكمت..
ضحكت حكمت مردفة بمكر :
_ وده من امتا طول عمرك بترفض تشيل حريمك من على الباب ليلة الدخله..
شهقت فجأة بفزع عندما حملها بين ذراعيه بكل حماس مرددا :
_ ما دي جوازة العمر يا جدتي، مش مهم تبقى الأول المهم ان الدكتورة هتكون الأخيرة..
همست اليه بنبرة غاضبة وهي تجز على أسنانها :
_ نزلي وبطل قلة أدب يا عديم التربية.
اتسعت عينيها بذهول وصرخت بألم عندما قرص أسفل ظهرها بقوة مردفا وهو يكمل طريقه بكل بساطة :
_ نحترم نفسنا عشان أنتِ عروسة وانا مش عايز أقل منك قدام حد في يوم زي ده..
أسفل الدرج أردفت ابنه عمه لوالدتها بغيظ أعمى :
_ شايفة يا ماما بيعمل معاها ايه وأنا رمي عليا يمين الطلاق كأن ماليش اي قيمه عنده.
نظرت لها والدتها قائلة بضيق :
_ تعرفي تخرسي وتخليكي في حالك احمدي ربنا انك لسة عايشة محدش عارف باقي حريمه راحوا فين، لكن أنتِ عشان صله الرحم اللي بينكم بعد ما فضلتي تضحكي عليه سنين بأنك سليمه وأنه لأزم يكشف لو واحدة غيرك كان دقنك…
جزت على سنانها بغيظ وقالت وهي تغادر القاعة بالكامل :
_ بس أنا بشر طالما مش هيرجعني يبقى يسبني اتجوز غيره وأشوف نفسي بقى انا في عز شبابي..
على باب الجناح…
دفع الباب بقدمه ودلف بها للداخل ثم أغلق الباب خلفهما، وضعها على الفراش قائلا بابتسامة سعيدة و نبرة حنونة تريح جسدها ويطمن بها قلبها :
_ مبروك يا عروسة نورتي البيت الكبير ونورتي حياتي كلها.
سعيدة نعم هي سعيدة، مهما كانت النهاية الا إنها الآن زوجته وتحمل إسمه، حلمها التي ظلت تعيش بداخله طوال نومها بالسنتين الماضيتين أصبح حقيقة تعيشها وتترعرع بداخلها، أنزلت وجهها أرضا من قمة الخجل ثم أردفت :
_ الله يبارك فيك يا سند..
لا يعلم لما هو فخور من نظرات الخجل التي تفيض من عينيها، رفع وجهها إليه بأحد اصابعه الذى وضعه أسفل ذقنها ثم همس إليها :
_ عجبك شكل الجناح الجديد؟!..
همهمت وهي تحاول الهروب من بين يده قائلة :
_ اممممم شكله حلو عن اذنك بقى..
سحبها من خصرها لتبقى بالقرب منه هامسا إليها باصرار على ما بداخله مهما كلفه الأمر :
_ عن إذني على فين؟!…
أشارت اليه المرحاض بكف مرتجف :
_ هغير في الحمام عشان ننام اليوم كان طويل أوي…
مسح على بشرتها الناعمة واردف بهدوء :
_ لأ المهمة دي عليا، خدي نفسك عميق وقوليلي بحبك يا سند، لما بسمعها منك برتاح..
وضعت كفها على صدره تبعده عنها وهي تقول :
_ إياك تتخطى حدودك معايا واحترم الاتفاق اللي بنا..
حرك كتفه قائلا بخبث :
_ هو أنا عمري قولتلك اني هبعد عنك وبعدت يا دكتورة؟!..
هزت رأسها بنفي وردت عليه مثل البلهاء :
_ لأ بصراحة طول عمرك بتاخدني على قد عقلي وبعدين تعمل اللي في دماغك أنت بس..
ضحك عليها من كل قلبه ثم غمز لها قائلا :
_ يبقى خلاص الليلة يا عمدة…
أشارت اليه بأحد اصابعها محذرة اياه :
_ هصوتك خليك مكانك…
جذبها لتستقر على صدره ثم همس إليها وعينه تأكل كل جزء بوجهها :
_ بحبك…
الكلمة كانت كفيلة تجعلها ترفع راية الاستسلام ليحملها من جديد وضعا اياها على الفراش لتبدأ ملحمة سند الكبير وتتعلم هي على يده كيف يكون الحب الفعلي الخالي من الكلمات…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بغرفة حمد بحديقة منزل الكبير، بدأ يفتح عيناه رويدا رويدا على صوت قوي يهمس بإسمه لأكثر من مرة، شعر بالقلق بنومه والخروج من حلمه المميز ليستسقظ رغماً عنه، انتفض جسده على رؤيته لسند يجلس على المقعد المقابل للفراش يضع ساق على الآخر بكل أريحية مردفا :
_ صحي النوم يا حضرت الظابط كل ده نوم، على حد عملي الظباط بيصحوا من حركة النملة والا أنت مطمن لأنك في حماية سند الكبير؟!.
اعتدل حمد بعدما قدر على السيطرة على ردود أفعاله مردفا ببرود :
_ خير يا سند سايب عروستك في ليلة الدخلة وجاي عندي تعمل إيه؟!.. معقول مش قادر على بعدي عنك..
قهقه سند بنبرة لا تقترب للمرح من قريب أو بعيد ثم رد عليه ببساطة :
_ وأنا عندي أغلى منك يا حضرت الظابط..
مسح حمد على وجهه عدة مرات متوترا من هذا الهدوء المريب للاعصاب قائلا :
_ اه قولتلي يا حضرت الظابط يبقى كفاية لف ودوران بقى ونلعب على المكشوف يا كبير..
اوما إليه سند مرددا :
_ أنا بلعب على المكشوف من زمان لكن أنت اللي دخلت من سكة الحريم يا حضرت الظابط ونسيت أنت بتلعب مع مين وإزاي..
انتفض حمد وقام من على الفراش وهو يقول بقوة مدافعا عن نفسه :
_ لو تقصد همت فأنا حبيتها فعلا وكنت ناوي اتجوزها، لكن أنت اللي غبي..
صرخ فجأة وسقط جسده بعدها على الأرض بعدما تلقى أول لكمة من قبضة سند الحديدة الذي اردف بعدها بجمود :
_ كدة أزعل منك بدأت الكذب وده غلط عليك، هربت يوم الفرح ورسمت إنك فاقد الذاكرة وجاي دلوقتي تقول بتحبها؟!..
قطعه حمد بوجع :
_ أنا مهربتش أنا فعلا عملت حادثة وفقدت الذاكرة وأظن مراتك أكتر واحدة عارفة ده..
أخذ لكمة أخرى عندما أدخل سيرة وعد بالموضوع بكل حماقة، كان يحاول بشتى الطرق ان ينسى أن زوجته عاشت عامين تحت سقف واحد مع هذا الحيوان دون أن يعرف كيف كان ينظر لها أو ما فعلوا مع بعضهما..
لم يشعر بنفسه الا بعدما رأي الدماء تسقط من جميع جهات وجه حمد ليقوم من فوقه قائلا بقوة :
_ أول ما تطلع عليك الشمس تكون غورت من هنا ده لو عايز تخرج حي مش في كفن..
________ شيماء سعيد ______
بأحد المنازل العريقة بالقاهرة وبالتحديد في التجمع الخامس، كان يجلس رجل يظهر عليه معالم الوقار رغم الغضب المرسوم على ملامحه وهو يضع ساق على الآخر ويمسك بيده سلاحه الناري يلعب به بين أصابعه..
همس بنبرة مميتة للحارس الواقف بجواره :
_ مين سمح له يخرج من باب الفيلا؟!…
بلع الحارس ريقه بتوتر من هذا الموقف الذي لا يحسد عليه ثم اردف :
_ يا باشا مستر هادي خرج من غير ما إحنا نشوفه..
يا ليته لم يتحدث أو على الأقل كذب وقال إنه من اخرجه، قام من مكانه بنيران تكاد تحرق الأخضر واليابس ثم همس بنبرة صوته الخشنة :
_ يعني هادي خرج من باب الفيلا وأنتوا وافقين برة وجودكم زي عدمه؟!..
حاول الاخر الدفاع عن نفسه إلا أن صوت رب عمله جعله يعلم إنها النهاية :
_ من غير حرف واحد تاخدوا أي مستحقات ليكم هنا ومش عايز اشوف وشكم..
خرج الحارس وهو يلعن في هادي الذي قطع عيشه ويدعى عليه من أعماق قلبه، بنفس اللحظة دخل هادي بسيارته للفيلا ودلف للداخل بكل برود، اتصدم عندما وجد خاله يقف بانتظاره مردفا بنبرة ساخرة :
_ أهلا يا هادي بيه نورت..
بلع هادي ريقه مردفا :
_ فايز اسمعني الأول قبل أي حاجة..
قطعه فايز باشارة من يده ثم قال :
_ مش عايز اسمع حاجة، من بكرا هننزل كفر الكبير أبن عمتك يتعامل معاك لأني بعترف لأول مرة بفشلي في تربيتك..
لم يتوقع هادي بأسوأ كوابيسه إن يتخلى عنه فايز ويسلمه لسند يدا بيد، أسرع بالاقتراب منه يمنعه من الصعود لغرفته قائلا برجاء :
_ أرجوك يا خالو سند لأ أنا مستعد أفضل في البيت الباقي من عمري بس أرجوك سند وكفر الكبير لأ، ده مش بيعرف يتفاهم والعنف عنه مزاج..
رد عليه فايز ساخرا وهو يتركه ويصعد الدرج :
_ هناك هتبطل القرف اللي أنت بتشربه وتبقى راجل، أنا مش مستعد أقابل أختي وأقولها إبنك ضاع مني..
______ شيماء سعيد ______
بجناح سند..
فتحت وعد عينيها بكسل كبير بعدما شعرت ببعض البرودة تسير بالقرب من جسدها، رفعت كفيها وأخذت تمر بهما على عينيها لتستعيد القليل من نشاطها، نظرت للفراش أمامها لتجده خالي، بلعت لعوبها وذكريات ليلتهم الأولى تتسرب لعقلها رويدا رويدا، نفذ ما كان يرغب به وحصل عليها دون أدنى مجهود منه..
لم تحاول على الأقل الدافع عن نفسها ليبتعد، حركت رأسها سريعا تحاول إخراج تلك الأفكار مردفة بتردد :
_ اللي حصل هو الصح والحلال، سند جوزك وكان عايزك لو رفضتي ربنا هيزعل منك..
عادت لتنهر نفسها من جديد وكأن بداخلها شخصين :
_ بس مكنش ينفع وأنتِ متأكدة انك مجرد لعبه بين ايده قرر أمتا يرجعها وبكرا يقرر أمتا يخرجها برة حياته..
قطع أفكارها عندما دخل للجناح وهنا كانت الصدمة الأكبر لها، هل تركها بليلة مثل ليلة الزفاف وخرج من الجناح، ابتسم إليها ثم اقترب منها مقبلا أعلى رأسها يحاول نسيان ما قاله هذا الحيوان عن حياتها معه ثم أردف :
_ صاحية بالليل ليه؟!.. لسة بدري نامي وارتاحي..
قلق عندما لم يجد منها رد فقط تنظر إليه ليقول وعيناه تحاول فهم ما بها :
_ مالك يا وعد أنتِ حاسة بأي تعب أطلب ليكي دكتورة..
بعدت كفه عنها بنفور واضح ثم ردت عليه أخيراً :
_ كنت فين؟!..
أستغرب السؤال وليكن أكثر صدقاً رفض فكرة السؤال نفسها، استقام بوقفته ثم رد عليها بحاجب مرفوع :
_ وأنتِ مالك؟!..
لا تعرف كيف تتعامل معه وجدت نفسها تضحك فجأة بلا أي سبب ثم رددت من بين ضحكتها :
_ أنا مالي؟!.. يمكن مثلا عشان حضرتك جوزى ويمكن أكتر عشان الليلة ليلة فرحنا ومينفعش تسيبني وتخرج في يوم زي ده..
معها حق ولكن يجب أن تعتاد على طريقته من البدايه، رد عليها بهدوء :
_ ملكيش دعوة..
ها هو يكشف الستار عن شخصيته الحقيقة بعد ساعات قليلة بعد حصوله على مراده، أزالت الغطاء عنها ثم ارتدت روب من الستان الأسود، اقتربت منه بخطوات مرتجفة قائلة :
_ يعني ايه ماليش دعوة آمال مين له؟!.. أنا بسأل سؤال وعايزه عليه إجابة كنت فين يا سند في يوم زي ده؟!..
تنهد بتعب، لا يرغب بالشجار خصوصاً اليوم، ضم وجهها بين كفيه قائلا بنبرة حنون بها القليل من التهديد:
_ ممنوع تسألي كنت فين ورايح فين، اهتمي بيا وبس يا وعد فكري إزاي تخلي حياتنا حلوة وسيبي أي حاجة تانية عليا انا هتصرف فيها..
ابتسمت إليه بسخرية وهي تضع يدها على يده لتبعده عنها ثم اردفت بتعب وهي تعود للفراش مرة أخرى :
_ عندك حق كفاية عليا أهتم بيك أي حاجة تانية تروح في داهية حتى لو كانت الحاجة دي مشاعري، تصبح على خير..
تمنت لو يأخذها بين احضانه ليطمئن قلبها بقربه، تمنت لو يقول أي كلمة ولو بسيطة يثبت لها أن ذات قيمة عالية بقلبه، إلا أنه جلس بجوارها على الفراش ثم مسح على خصلاتها عدة مرات مردفا بثقة :
_ مشاعرك سبيها عليا انا هعرف أتعامل معاها كويس، أما دلوقتي بقي افتحي عيونك الحلوة دي وقومي حضري ليا الحمام..
اعتدلت بجلستها كان بداخلها ألف كلمة تريد أن تقولها الا ان لسانها رفض الخوض معه بأي حديث، اخذت نفس عميق ثم قالت وهي تقوم من على الفراش :
_ دقايق والحمام هيكون جاهز تؤمر بحاجة تانية..
حرك رأسه برفض قائلا :
_ لأ بس بسرعة عندي مشوار مهم…
_____ شيماء سعيد _____
بعد ساعات طويلة بعد رحيل سند قررت وعد الهروب بالنوم من أي شيء يعكر مزاجها، تحركت بضجر وهو تضع الوسادة فوق رأسها لتمنع صوت الباب الذي يجبرها على الاستيقاظ، ومع اصرار الطارق فتحت عينيها وقامت من مكانها مردفة :
_ مين؟!..
ردت عليها سمارة من خلف الباب قائلة :
_ أنا سمارة ومعايا همت ممكن ندخل يا عروسة..
فتحت لهما الباب ثم ردت بسخرية :
_ ادخلوا عادي ما هو العريس نفسه خرج هعيش أنا دور العروسة مع مين؟!…
خفضت همت عينيها بخجل من تصرفات شقيقها اما سمارة فقالت وهي تجذب وعد من ذراعيها وتجلس بها على الاريكة :
_ بقولك إيه انا عارفة الأشكال دي كويس اذا كان هو وإلا صاحبه الاتنين اوطى من بعض، فركزي معايا كدة عشان تعرفي تعيشي يا بنت الناس..
ابتسمت إليها وعد بتلقائية قائلة :
_ قولي يا ستي وأنا ايدي على كتفك..
ضربتها همت بمرح قائلة :
_ الله أنتِ عايزة تمشي ورا كلام سمارة ناويين تعملوا إيه في أخويا الغلبان..
سمارة :
_ اخوكي من غلبان انا من أول ما شوفته بقول عليه تعبان..
قهقهت وعد بمرح ثم استوعبت أن همت تتحدث معها مثل الماضي فاردفت بسعادة :
_ همت أنتِ بقيتي كويسة؟!..
أومات لها همت مردفة بغرور مرح :
_ كويسة مين ده انا أكتر واحدة خبيثة في البيت ده..
حركت وعد رأسها مردفة بقلة حيلة :
_ لأ إذا كدة فأنتي عندك حق تقولي على اخوكى غلبان…
ضربت همت على رأسها ثم قالت وهي تجذب وعد معها للحمام قائلة :
_ معاكي ربع ساعة وتكوني جاهزة عشان ننزل للناس اللي تحت بدل ما الحاجة حكمت تعلم عليا…
بعد نصف ساعة كانت ترتدي عباية استقبال مميزة من اللون الأبيض وتضع على وجهها القليل من مساحيق التجميل التي أعطت لها الكثير من الجمال والدلال وتركت لشعرها الحرية خلف ظهرها..
نزلت للاسفل لتشير إليها حكمت قائلة :
_ تعالي يا غالية يا مرات الغالي سلمي على حريم أكبر رجالة في كفر الكبير..
ابتسمت لها وعد بتوتر وجلست على المقعد المجاور لها بدأت تستقل التهاني حتى اردفت سماح ببرود :
_ الله العريس خرج من الصبح لحق يزهق يا دكتورة والا ايه؟!
قبل أن تجيب عليها وعد أكملت الأخرى بقوة لتزيد من الأمر سوء :
_ وبعدين انا مش شايفة ليكي أهل لا إمبارح في الفرح ولا حتى الليلة إيه أنتِ هربانة من أهلك والا ايه..
بماذا تجيب أمام هذا الكم الكبير من النساء ومن المفترض أنها زوجة كبيرهم؟!.. ابتلعت تلك الغصة المريرة بحلقها ثم اردفت بنبرة هادئة :
_ أنا أهلي توفوا من زمان وفعلاً ماليش حد في الدنيا دي بعد ربنا الا سند، واظن هو سند الكل حتى اللي ليهم أهل يبقى يا بختي ويعوضي بيه..
لم تتحمل أن تكمل أي حديث وبعد عشر دقائق طلبت من السيدة حمكت الصعود لتقول لها :
_ طبعا يا روحي ارتاحي والاكل هيكون عندك أول ما سند يوصل…
ابتسمت لها وعد قائلة بتعب :
_ شكراً جدا…
______ شيماء سعيد _______
بعد منتصف الليل بسيارة سند، كان يضع رأسه على المقعد وينظر للفارغ حوله بلا هدف، ها هو قدر على الحصول عليها، تزوجها ونفذ ما كان يركض إليه منذ أول مرة ضمها لصدره وهي تختبئ من الكلاب..
لأول مرة يشعر إنه يريد الفرار من هذا النعيم، يعترف وبكل قوة إنه يريد التخلي عنها اليوم قبل غد لا يتشوق لرؤية المزيد مستكفي بتلك الليلة بما فيها من ذكريات..
يشعر وكأنه كلما اقترب كلما زاد الأمر سوء، رن هاتفه ليتنهد بتعب ثم فتحته قائلا بهدوء :
_ فايز بيه افتكر ان له إبن اخ المفروض يتصل يطمن عليه، طيب على الأقل عشان شكلي قصاد الناس كنت احضر فرحي إمبارح..
قهقه فايز ثم رد عليه بسخرية :
_ فرح ايه يا سند ده أنت بتتجوز كل يومين، عموماً يا سيدي ملحوقة احضر الطلاق عادي..
إجابه بسخرية :
_ خليك محضر خير يا فايز..
تعصب فايز جدا واردف :
_ ما تحترم نفسك وتعمل حساب إني عمك وأكبر منك..
_ عمي ماشي لكن أكبر مني دي فيها كلام تاني دول كلهم 3 سنين اللي بيني وبينك..
تنهد فايز ورد :
_ سند أنا جاي البلد بكرا وهيكون معايا هادي هنقعد عندك فترة، بجد انا مش قادر اتحمل تصرفات هادي رجع يشرب تاني وبيهرب من الحرس…
مسح سند على وجهه ثم قال بقوة :
_ خلاص يا عمي هستناك الصبح بس لو أتدخل في طريقتي في التعامل معاه انا وقتها هبعد..
أغلق الخط مع فايز، ليقع نظره بالصدفة على على ساعة الهاتف ليردف بصدمة :
_ الساعة واحدة كل ده مش حاسس بالوقت يا كبير…
بجناحه ظلت من التاسعة مساءا تنتظره بالشرفة غير مصدقة ما يحدث معها بيوم مثل هذا، كانت على يقين إنه سيمل بعدما يحصل عليها ولكن بتلك السرعة الأمر مخيف، بدأت تشعر ان ساقيها تتخلى عنها ولم تقدر على الوقوف عليهما أكثر من ذلك، بنفس اللحظة دلفت سيارة الكبير للحديقة..
لمحته ينزل منها بجلبابه الأسود ويسند على العصا الخاصة به، لتغلق الشرفة وتركض للفراش ثم وضعت الشرشف عليها وأغلقت عينيها تمثل النوم..
بعد خمس دقائق دلف وأغلق الباب خلفه بقوة ثم أردف بنبرة صوت عالية :
_ اصحي يا واكلة ناسك أنتِ..
تجمد جسدها من هول الكلمة، توقعت انها نامت بالفعل وتلك الجملة بأحد كوابيسها لا أكثر، الا انها انتفضت عندما ازاح عنها الشرشف مكملا بنفس الطريقة :
_ أنا مش بكلمك يا بت أنتِ قومى يلا..
اعتدلت على الفراش قائلة بحالة من الذهول :
_ هي ايه طريقة كلامك دي؟!.. وبعدين في عريس يفضل لنص الليل برة البيت وساعة ما يرجع يعمل كدة…
جلس على الفراش وضعا ساق على الآخر قائلا ببرود :
_ قومي قلعيني الجزمة واغسلي رجلي..
هل بين يوم وليلة يتحول الشخص بتلك السرعة أما إنها تتوهم، قامت من على الفراش ووقفت أمامه مردفة :
_ أنت بتقول إيه ما تفوق يا كبير أنا الدكتورة وعد والا نسيت فجأة أنا أبقى مين؟!..
_ أنتِ مراتي يا دكتورة ومن النهاردة انسى موضوع الدكتورة ده خالص، شغلتك الوحيدة راحتي وسعادتي وبس…
ضحكت بسخرية قائلة :
_ يعني إيه الكلام ده؟!..
_ قلعيني الجزمة واغسلي رجلي..
_ ولو رفضت؟!..
رد عليها بمنتهى القسوة :
_ هتبقى طالق..
_____ شيماء سعيد _______
من هنا بدأت الرواية رأيكم ايه في الأحداث ؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
ظلت نظراته جامدة لا تعبر عن ما بداخلها، أخذت لحظات تحاول استيعاب ما قاله وتحاول بشتى الطرق تكذيبه، بلعت ريقها ثم أردفت :
_ سند أنت سامع نفسك قولت ايه؟!..
اشاح بعينه بعيداً عن نظراتها التي تجعله يضعف وهذا ما يكرهه، أشار إليها ثم إلى حذائه ورد عليها بقوة :
_ هفضل مستني كتير، شوفي ناوية تبقى مرات الكبير والا طليقته..
نظرت لأرض الغرفة وكأنها ترى كرامتها مبعثرة بالمكان، يبدو أن الكبير بدأ يظهر على حقيقته بعد ساعات قليلة من حصوله عليها، حركت رأسها بخيبة أمل قبل أن تختفي من أمامه لعدة دقائق ثم عادت وهي تحمل وعاء كبير من الماء الساخن..
جلست أرضا تحت ذهوله، يعلمها جيدا وتخيل رفضها، تخيل أن اللحظات القادمة ستكون آخر لحظات لهما معا، ها هي تضع قدميه على فخذها وتزيح عنهما الحذاء ليسقط يمينه في عرض الحائط ثم همست بدلال :
_ أنت تؤمر يا سيد الناس وأنا عليا التنفيذ بس، ده أنا أحط رجلك على دماغي مش بس اغسلها..
أغمض عينه من أثر لمسة كفها الناعم على قدمه، حاول كتم غيظه عندما سقطت قدميه بالماء التي أقل ما يقال عنها مثل ماء النار فصرخ بها قائلا :
_ إيه ده يا غبية هو أنتِ بتسلقي فرخة..
شهقت فجأة وهي تضع كفيها على صدرها بطريقة سوقية ثم ردت عليه :
_ يقطعني يا سيد الناس حق عليا لو عايزني ادلق المية دي على رأسي هعملها المهم رضاك..
أخرج قدميه من الماء وهب واقفا، مقربا منها وهو متوقع ثورتها، نفورها من لمسته، إلا إنها احاطت عنقه بذراعيه مردفة :
_ قومت ليه بس خليك مكانك هزود المية وارجع لك على طول..
أبعدها عنه قائلا :
_ أنتِ بتعملي إيه بالظبط يا وعد..
حركت كتفها مردفة ببراءة :
_ أنا ماليش أعمل غير اللي أنت تؤمر بيه، شوف نفسك في ايه وأنا تحت رجليك..
لا هذا كثيراً عليه، فوق طاقته، نبرتها وطريقتها واحساسها كل هذا يجذبه لأشياء لا يريدها، أردف بقسوة :
_ شاطرة بدأتي تفهمي حياتك معايا هتبقى عاملة إزاي..
ابتسمت وهي تقول :
_ بحاول اتأقلم على حياة الخدم اللي أنت عايزني أعيش فيها..
هذا ما أرده دقائق معدودة وسيلقي عليها يمين الطلاق وتنتهي تلك اللعنة، استغل كلماتها ضدها صارخا :
_ خدم، طوعك لجوزك إسمه حياة خدم..
وضعت كفها الناعم على شفتيها تمنعه من أكمال حديثه مثل همست :
_ حتى لو…. أنا راضية طالما هعيش معاك وجانبك يا سند، أنت متعرفش أنا بعشقك إزاي؟!..
بنظرة واحدة علم لعبتها، هي ذكية وهو عبقري، تود تطويل فترة زواجهما، الا إنه أصبح لا يريد، أقترب منها أكثر ثم همس :
_ مش عايزة تطلقي دلوقتي يا وعد مش دي لعبتك..
سقطت دموعها فجأة من أثر الجملة على قلبها، رفعت عينيها إليه بعتاب جعل قلبه يضربه بكل قوته لعله يفوق قبل فوات الأوان، خانته أصابعه ومرت على وجهها تزيل تلك الدمعة التي قررت العناد به، فتح فمه ليتحدث الا إنها قالت :
_ عايزة أفضل مراتك لآخر يوم في عمري، لو مش عايزني سبني على ذمتك واتجوز مش هقولك لأ..
هل هو أحمق ليرفض هذا النعيم المقدم له على طبق من ذهب، لما يطلقها؟!.. نزلت شفتيه على شفتيها مقبلا إياه بمشاعر هو نفسه لا يفهمها، ردت له قبلته بلهفة أكبر ليحملها بين ذراعيه ثم وضعها على الفراش مردفا من بين أنفاس المسلوبة :
_ بتحبيني يا وعد؟!..
اؤمات اليه قائلة :
_ اممم
_ يبقى كفاية حبك،، يكفينا إحنا الاتنين يا وعد..
_____ شيماء سعيد _______
بنفس الوقت..
كانت تقف حبيبة بالحديقة تضم نفسها لتأخذ القليل من الأمان والدفء بعد ذهاب صالح وشعيب، أخذت نفس عميق تثبت لنفسها كم هي حرة مع نسمات الهواء الليلية، حياتها تسير أمام عينيها لتجد نفسها تبتسم بسخرية على قلبها اللعين مردفة :
_ كنتي فاكرة إيه؟!.. هيحبك مع العشرة ويقول ماليش غيرها في الدنيا، غبية يا حبيبة مهو لو كان ده هيحصل كان حصل طول السنين اللي عيشتي فيها جوا بيته، طلعتي خسرانة كتير أوي حتى حبيبة القديمة خسرتيها، بس أنا مش زعلانة ربنا يفرحه مع مراته الجديدة ويفرحني انا كمان..
قالت أشياء كثيرة لنفسها وهي على يقين إن كل هذا مجرد هراء تحاول به الطبطبة على جروح قلبها، تظهر قوية بشكل مخيف وكأن الموضوع لا يعنيها ولكنها بالفعل إنتهت بنفس اللحظه التي أعلن بها حبه لأخرى..
فاقت من تلك الدوامة على صوت سيارة تدلف للحديقة، دارت بوجهها لتتجمد عندما رأت رجل في قمة الوسامة والوقار يرتدي بذلة سمراء تليق جدا ببشرته الخمرية وخصلات شعره المزينة ببعض الخصلات البيضاء..
وضعت يدها على فمها بصدمة وهو يفتح الباب الآخر من السيارة ويجذب شاب ببداية العشرينات من عنقه قائلا :
_ بطل شغل عيال يا هادي وأنزل من العربية فوراً..
حرك الآخر رأسه بكل الاتجاهات نافيا وهو يقول بصوت لهث :
_ لأ يا فايز يعني لأ انا مش هدخل البيت الكبير ولا هبقي تحت رحمة سند، كفاية بقى خلاص كبرت ومن حقي أعيش بالطريقة اللي أنا شايفها صح..
رد عليه فايز بحنق :
_ تعرف تخرس طريقة ايه اللي أنت شايفها صح يا غبي، أنت بتغرق وعايز تغرق الكل معاك لكن أنا مش هسمح بده يا شادي..
أبتعد شادي عنه ثم قال وعينه تبحث بالمكان عن مخرج قبل أن يراه الكبير :
_ وأنتوا بقى فاكرين ان الأسلوب ده هو اللي هينفع معايا، أنا مش هبقي تحت رحمة حد وهمشي من هنا مش بس كدة أنت شخصياً مش عايز أعرفك تاني..
إلى هذا الحد أكتفي فايز منه لتسقط يده بكل قوتها على وجه الآخر بصفعة حادة قائلا :
_ أخرس يا حيوان، عايز تبقى فاشل وتموت براحتك بس انسى إنك تبوظ إسم العيلة..
لا تعلم لما أدخلت نفسها بالمنتصف دون أن تعرف معايير الموضوع، وقبل أن يسقط القلم الثاني على هادي كانت ترفع كفها وتمنع فايز من الاقتراب مردفة بقوة :
_ إيه الأسلوب الهمجي اللي أنت بتتعامل بيه معاه ده، هو مش صغير عشان تمد ايدك عليه وحتى لو صغير مش من حقك تقرب منه..
اتسعت عين فايز من ظهورها فجأة، فتاة لا يعرفها اقتحمت خصوصية وأسرار العائلة بكل وقاحة وتحاول فرض قرارتها، أشار إليها بقوة قائلا :
_ أبعدي..
حركت رأسها بنفي ثم نظرت لهادي قائلة :
_ أنا مش عايزك تخاف محدش يقدر بجبرك على حاجة أنت مش عايزها ولا مقتنع بيها..
مسح فايز على وجهه بعصبية من تلك الحمقاء قائلا بنبرة قاسية لأول مرة يتعامل بها مع الجنس الناعم :
_ غوري يا بنت من هنا مش فاضل غير الخدم كمان يتكلموا…
قبل أن ترد عليه كانت الصدمة الأكبر له ولها عندما جذبها شادي من عنقها واضعا سلاح حاد عليه مردفا بجنون :
_ خرجني من هنا يا فايز أنا مستحيل ابقي مع سند في بيت واحد..
_ أنت اتجننت يا شادي؟!…
_ مش فارق معايا أي حاجة غير إني أبعد عن سند، لو خايف فعلا على اسم العيلة زي ما بتقول خليني اخرج بيها، بدل ما اخلص عليها ووقتها الكل هيضيع مش أنا بس…
_____ شيماء سعيد ______
بغرفة همت كانت تضع كل تركيزها على شاشة الهاتف تتابع فيديو يجمعها بحمد بحفلة خطوبتهما، أخذت نفس عميق واصابعها تسير على ملامحه بلهفة ثم همست :
_ وحشتني يا حمد، من يوم فرح سند وأنت بعيد..
_ مش هفضل بعيد كتير يا حياتي..
انتفض جسدها بفزع مع وصول صوته إليها، دارت بوجهها لتراه يقف بجوار الشرفة التي جاء منها، بلعت ريقها وهي تقترب منه برعب قائلة :
_ حمد يا لهوي أنت بتعمل إيه هنا؟!.. سند لو شافك مش هيطلع عليك نهار..
جذبها لتبقى بين ذراعيه، أغلق عيناه لعدة ثوانى يأخذ أكبر قدر من رائحة عطرها المشتاق إليها لحد الجنون، لم تقدر هي الأخرى على الصمود لتضم نفسها إليه أكثر، ارتفعت دقات قلبها مع شعورها بلمسته الخشنة على ظهرها..
انحرف بعد سكونها أخذته سكرة اللذة وحاول أزالت الجزء العلوي من ملابسها البيتية، هنا فاقت وابتعدت عنه سريعا مردفة بتوتر :
_ أبعد يا حمد ايه اللي بتعمله ده..
حرك رأسه نافيا:
_ مش قادر أبعد أكتر من كدة يا همت، تعبت سنين وأنا بحلم باللحظة اللي هتبقى فيها مراتي وجوا بيتي، خلاص بقى جبت أخرى من اخوكي اللي مصمم يضيع عمرنا وهو عايش حياته عادي..
زادت من مقاومتها إليه ليبتعد عنها أخيراً قائلا بحزن :
_ بتبعدي عني ليه يا همت، أنا حمد حبيبك ولولا اللي اخوكي عمله يوم الفرح كان هيبقى معانا أولاد دلوقتي..
صدمت من هيئته الجنونية وكانت صدمتها الأكبر عندما سألته بتوتر :
_ سند ماله ومال الحادثة اللي حصلت يوم الفرح يا حمد؟!..
هذا هي النقطة الذي كان يبحث عنها من أول دخوله لتلك الغرفة، ثواني قليلة وسقطت دموعه وهو يلقى بجسده على الفراش قبل أن يقول بانهيار :
_ عايزة تعرفي الحقيقة ماشي يا همت أنا هقولك الحقيقة، اخوكي تجار سلاح وأنا ظابط شرطة، جيت هنا عشان امسك عليه طرف خيط بس في وسط الزحمة حبيتك وقررت اتجوزك حتى لو قبضت على سند، لكن لما الكبير عرف قرر يخلص مني وامتا في يوم الفرح عشان محدش ياخد باله، فكر في نفسه بس وفي إنه يطلع من قضية، لكن فرحتك اللي كسرها كانت ولا أي حاجة بالنسبة له..
يكذب هي على يقين من حب سند الشديد لها، أخيها يستحيل أن يكون هكذا هو أفضل رجل بالدنيا، حركت رأسها بكل الاتجاهات برفض والدموع تأبى السقوط، عاد للاقتراب منها وهو يهمس لها بحنان :
_ اهدي يا روحي اهدي أنا جنبك ومستحيل أبعد عنك ابدا، مهما حاول سند يبعدنا عن بعض أنا مش هسمح له بده..
دقيقه واحدة من الانهيار تكفى جدا، تركته يقول ما يريد ثم ابتعدت وقالت بكل هدوء :
_ ويا ترا بقى يا حضرت الظابط عايز ايه مقابل إنك تقفل القضية وتبعد عن طريق سند…
_ عايزك أنتِ..
_____ شيماء سعيد ______
بالجناح الخاص بسند..
أبتعد عنها وهي تضم نفسها لصدره، مشاعر كثير غير مفهومة تدور بداخله، أخذ نفس عميق من رائحتها المميزة لترفع نفسها قليلاً عنه ثم نظرت داخل عينه قائلة :
_ مرتاح صح؟!..
فهم معنى السؤال دون أدنى مجهود ولكنه قال :
_ يعني إيه؟!..
_ إيه الصعب في السؤال أنت جوزي وأنا مش مهم أي حاجة بالنسبة ليا الا راحتك..
قام من على الفراش وبدأ يتردي ملابسه بعجلة، لتشاهد ما يفعله بابتسامة هادئة جدا، ثم قامت هي الآخر من مكانها عندما جلس على الفراش لترفع قدمه فجأة فقال بدهشة :
_ أنتِ بتعملي إيه؟!..
غمزت له مرددة :
_ بتعلم بسرعة يا سيد الناس، هلبسك الجزمة بنفسي..
تركها تفعل ما تريده وقبل أن يرد عليها وصل إليه صريخ مرتفع من حديقه منزله، ليقوم من على الفراش مردفا بقلق :
_ لو حصل ايه تحت أياكي تنزلي يا وعد سامعة..
حركت رأسها بخوف وقالت :
_ أنت رايح فين أنا خايفة عليك..
هل من البداية تحاول فرض حديثها عليه، مهما كانت درجة خوفها لن يسمح لها بذلك، اجلسها على الفراش مردفا بقسوة :
_ أياكي تخرجي، واعرفي إنك مرات الكبير وأمره بس اللي تتنفذ..
حركت رأسها بمعنى لا فائدة وجلست على الفراش ثم وضعت عليها الشرشف الخفيف قائلة :
_ براحتك أعمل اللي أنت شايفه صح..
تركها وخرج يركض للخارج وهنا كانت الصدمة، عندما وجد عمه يضم حبيبة لصدره وكف يده غارق بالدماء، أما فخر فكان يمسك هادي الذي يصرخ بكل قوته مرددا :
_ خرجوني من هنا أنا مش هبقي تحت رحمة سند ولا هقعد معاه تحت سقف واحد…
أقترب سند من فايز مردفا بلهفة :
_ عمي أنت بخير حصل ايه؟!..
أوما اليه فايز بهدوء مردفا :
_ أنا كويس ايدي بس جرحها بسيط، أطلب الدكتور للبنت اللي فقدت الوعي دي وقولي اوضتها فين..
نظر سند لفخر الذي قال :
_ هادي بيه كان عايز يهرب من القصر وحاول يخرج بحبيبة هانم بس لما فايز بيه ادخل حاول يضربها الضربة جات في فايز بيه..
سند :
_ خلي سامي يودي الكلب ده المخزن وأطلب الدكتور لحبيبة هانم..
انصرفوا كل رجاله مع هادي لتنفيذ أوامره، أما هو أقترب من فايز محاولا لحمل حبيبة قائلا :
_ هاتها عنك يا عمي أيدك تعبانة..
ضمها فايز لصدرها أكثر وقال برفض غريب :
_ لأ إياك تقرب، قولي اوضتها بس واطلب لها الدكتور، كانت خايفة جدا..
رفع سند حاجبه ثم أبتسم بخبث وهو يفسح له الطريق قائلا :
_ أدخل يا فايز أول أوضة جنب جناحك بالظبط على ما الدكتور يوصل يشوفكم أنتوا الاتنين..
______ شيماء سعيد _____
بعد منتصف الليل..
دلف سند لجناحه بعدما ظل هاربا حتى بتأكد من نومها، كان اليوم مرهق أكثر من اللازم، حدث به الكثير من الهرج والمرج خصوصاً بوقت وجود الطبيب، أغلق الباب خلفه وبحث عنها على الفراش الا إنه وجده فارغ ليقول :
_ لسة صاحية تعمل إيه دي؟!.. مش عايز أشوفك يا وعد مش عايز…
ألقى بجسده على الفراش مقررا النوم قبل أن تخرج من المرحاض، حاول بشتى الطرق الذهاب للنوم الا إنه لم يقدر، قام من مكانه واقترب من باب المرحاض قائلا :
_ وعد أنتِ بتعملي إيه كل ده في الحمام اخلصي عايز أدخل..
بدأ يقلق مع تأخيرها في الوقت لأكثر من دقيقة ليفتح الباب بلهفة، ابتلع ريقه وهو يضع يده خلف عنقه ثم خرج من المرحاض، فتح غرفة الملابس ليجد القسم الخاص بها خالي الا من ورقة صغيرة، أخذها بكف مرتجف وقرأها بذهول :
_ كنت ناوي ترمي عليا يمين الطلاق تاني يوم الفرح يا كبير، كنت عايز تفضل الراجل اللي بيغير الحريم زي الجزم ومش فارق معاك، شوفت نفسك ضعيف قدامي عشان كدة حاولت تستقوي عليا وتبين إني بالنسبة لك ولا أي حاجة، أنت بتحبني يا سند وأنا كمان بحبك، بس أحب اقولك إنك ضعيف كنت عايز تقول للناس رميت الدكتورة زي ما رميت الباقي بس للأسف دلوقتي البلد كلها هتقول مرات الكبير هربت يوم الصباحية بالليل،، هتوحشني وخليك فاكر ان أنت اللي اختارت النهاية دي…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بغرفة حبيبة رغم رحيل الطبيبة الا إنه ظل كما هو يراقبها وهي نائمة، جميلة تلك المرأة لدرجة عالية، بسيطة، هادئة، أبتسم بسخرية من أين أتي لها الهدوء وهي كانت تقف أمامه منذ قليل ند بند..
بدأت تتقلب على الفراش بعدم راحة ويدها تقترب من يدها الأخرى المعلق بها المحلول، انتبه أخيرا ليجلس بجوارها ويأخذ كفها الصغير بين كفيه هامسا بحنان :
_ براحة هتجرحي نفسك شوية والوجع يروح..
ابتسمت بنومها على تلك النبرة الحنونة وعقلها الباطل خيل لها أن هذا حسن، لتضغط على كفه مردفة :
_ خدني في حضنك يا حسن واوعدني إنك مش هتسبني ابدا..
من هذا حسن الذي تتمسك به بتلك الطريقة؟!. ولما هو غاضب من وجود رجل أخر بحياتها وربما يكون مستحوذ على قلبها كما يتخيله عقلها، ضرب بكل المبادئ بعرض الحائط وتمدد بجوارها على الفراش مردفا :
_ أنا جانبك ومستحيل أسيبك.
______ شيماء سعيد ______
على الصعيد الآخر بمنزل الكبير، بداخل جناح سند الذي تحول بعد قرأته لخطاب وعد لبقايا حريق مشتعل وأثره القليل من الرماد، جلس على الفراش المهشم وبيده الورقة يعيد قرأتها من جديد، تركته؟!. رحلت؟!.. رغما عنه؟!.. كاذب يا سند كاذب هذه كانت رغبتك أنت من البداية حتى لا تضعف أمامها..
ضغط على الورقة لتنكمش ثم همس :
_ مش دي النهاية يا وعد، مش من حقك تكتبي نهاية زي دي.. انا اللي أختار أمتا أبعد عنك وإزاي ترجعي لحضني تاني..
ثار أكثر مع فكرة هروبها منه، هي من تركته وليس العكس، وقعت عيناه على صورة لوالده معلقة على الحائط ليقوم بثقل كبير مقتربا منها ثم همس :
_ مشيت زي ما أمها عملت فيك زمان واتجوزت أنت امي غصب عنك، فضلت امي تدفع الباقي من عمرها في حاجة هي مالهاش علاقة بيها، كنت عايز أضمن وجودها معايا بأني اسيطر عليها زي ما علمتني يا حاج عتمان وكانت برضو النهاية واحدة مشيت، بس انا مش هسمح بده وعد حلمي وهحققه، انا بس اللي من حقي أبعد لكن هي لأ أنا اللي أقرر النهاية مش العكس..
أخذ يتحدث كثيرا مع صورة والده بلا توقف، هو موجوع، يتذكر جيدا عندما قص عليه والده كم نال من الوجع مع هروب حبيبته التي لم تتحمل طباعه القاسية، كان يحاول إثبات أن وعد تعشقه وسوف تتحمله باي شكل غير والدتها.. وها هي تثبت إليه عكس النظرية..
عاد لغرفة الملابس ليجد قميص نومها الخاص بأول ليلة، أخذه واردف :
_ اشمعنا اخدت كل حاجة وسابت ده عايزه تثبت ان الموضوع مش فارق معاها ، فضلت سنتين مستني فيكي يا وعد والمرة دي هترجعي ليا بنفسك..
_____ شيماء سعيد ______
بمنزل سناء الممرضة المساعدة الخاصة بوعد، أغلقت باب غرفتها خلفها ثم جلست على الاريكة المقابلة للفراش الذى تجلس عليه وعد الباكية، تنهدت بقلة حيلة قائلة :
_ وبعدين معاكي يا دكتورة، من ساعة ما جيتي وانتِ بتعيطي طيب حتى قوليلي حصل ايه بيك وبين سي سند، الليلة تاني يوم ليكم..
أزالت تلك الدمعة المستفزة التي تحاول اظهار ضعفها دون أخذ الأذن منها ثم ابتسمت بتعب قائلة :
_ أنا عارفة إن وجودي هنا خطر عليكي وعلى والدتك يا سناء، اوعدك أول ما النهار يطلع همشي متخافيش..
ضربت سناء على صدرها مردفة بهلع :
_ أخص عليكي يا دكتورة، دي لو ما شالتكيش الأرض اشيلك فوق دماغي، أنتِ مش هتمشي من هنا ده بيتك، بس أنا خايفة عليكي من الكبير وعايز اعرف مالك..
وضعت وعد يدها على يد سناء قائلة :
_ كتر خيرك يا سناء، من أول ما شوفتك قولت عليكي بنت أصول، بس صدقيني مفيش حاجة تتقال أكتر من إن سند الكبير مينفعش يتجوز، اللي زيه بيشوف الست زي العبدة عنه، ولا حتى ينفع يبقى كبير بلد، عارفة المقولة بتاعت لو سالوك عن العدل قل مات عمر هي دي الحقيقة..
ردت عليها سناء بشفقة :
_ والله هو سيد الناس بس متربي على ان عشان تبقى كبير لأزم الست تبقى تحت طوعه، كنت فاكرة إنك هتقدرى تغيري ده..
ابتسمت وعد بسخرية قبل أن تتمدد على الفراش وتضع الغطاء عليها قائلة :
_ مش لما يكون اتربي الأول المفتري ده، معلش يا سناء حاسة ان جسمي كله بيوجعني ومحتاجة أنام شوية..
حركت سناء وجهها بقلة حيلة ثم قامت من على الاريكة مغلقة نور الغرفة قائلة وهي تخرج :
_ تصبحي على خير يا ست الستات..
ردت عليها قبل أن تهرب مثل عادتها بالنوم من أي شيء يؤلمها :
_ وأنتِ من أهل الخير…
______ شيماء سعيد ______
بغرفة همت..
_ عايزني إزاي يعني؟!..
ضم كفها إليه بلفهة مردفا :
_ نتجوز يا همت ووقتها أكيد مش هدخل أخو مراتي وخال عيالي السجن..
لماذا تشعر وكأنها تراه لأول مرة؟!.. لماذا نبرة الحنان بصوت مختفية يحاول بث سمه بداخلها؟!.. ابتلعت ريقها لمحاولة أخفاء ما بدأ يظهر على ملامحها ثم حركت كتفها مردفة بهدوء :
_ طيب ما احنا فعلا هنتجوز، روح حدد مع سند معاد الفرح وأكيد هيقبل زي ما قبل أول مرة..
انتفض وتغيرت معالم وجهه بطريقة اخافتها وهو يقول :
_ أنتِ غبية أنا وسند كشفنا ورقنا قصاد بعض، مستحيل يبقبل إنه يجوزك ليا..
ابتسمت إليه ببراءة وقالت :
_ وهو هيرفض ليه الجواز مهو قبل أول مرة مع إنه كان عارف إنك ظابط..
رد عليها بسخرية رغم ما به من غليان بسبب غبائها :
_ أول مرة كان بيرسم يخلص عليا يوم الفرح، ودلوقتي أكيد هيقول إني عايز اتجوزك عشان اكسره بيكي واعرف ألعب معاه كويس..
صدمت من حديثه لتضرب على صدرها وهي تعود خطوة للخلف مبتعدة عنه وهمست بتردد خائف :
_ هو أنت ممكن تكون عايز تعمل فيا كدة فعلاً يا حمد؟!..
لماذا إصابته تلك الرجفة لا يعلم ولماذا لأول مرة ينظر بداخل عينيها ولا يفهم ما بهما حقا لا يعلم، رد عليها سريعاً عندما سقطت من مقلتها دمعة تعلن إنها بالفعل خائفة :
_ أنتِ مجنونة يا همت، اللي بيني وبين سند شغل مش أكتر أنتِ برة منه، حبي ليكي ده حياتي كلها أما شغلي في ركن تاني بعيد عنك ادخلك فيه ليه؟!..
تعبت ولا تعلم لما تضيق بها الدنيا لتلك الدرجة، ولماذا حياتها معقدة لتلك الدرجة؟!.. جلست على الفراش بجسد متعب، محبط، خائف، ثم رفعت بصرها اليه مردفة بتشتت :
_ تعبت يا حمد والله العظيم تعبت، اشمعنا أنا يعني اللي يحصل فيا كل ده ما الناس كلها عايشة عادي وبتتجوز عادي، اشمعنا جوزنا هو اللي واقف هو إحنا خطر على الكوكب؟!..
اشفق عليها ولعن نفسه وسند معه، هي أرق من أن تأخذ كبش فدا بلعبة لا تعرف عنها شيء، جلس بجوارها ثم اردف بمرح :
_ ايه يا بنتي النكد ده، وبعدين لأزم يبقى في شوية اكشن جوا حياتنا امال هنعرف قيمة حبا إزاي..
رفعت وجهها له ببراءة قائلة :
_ هو لما نتجوز هيحصل ايه بعد كدة؟!.
_ مش هيحصل حاجة يا روحي هنيجي هنا نقول لسند وبكدة هنضمن إنه يوافق ونعمل فرح كبير..
_ موافقه..
______ شيماء سعيد _____
بغرفة حبيبة.
بدأت تفتح عينيها بثقل وقلبها الرقيق لا يتحمل ذكريات الساعات الماضية، لحظة واحدة مرات عليها تحاول بها استيعاب وجود رجل ينام بجوارها بكل أريحية ويعطي لها ظهره.
انتفضت صارخة ليستيقظ فايز بضجر ثم رد وهو مازال متسطح :
_ جرا ايه يا بت أنتِ. بطلي صداع مش عارف انام منك..
أصابتها حاله من الذهول لم ترى بحياتها شخص بهذا الكم من الفجور، اعتدلت ثم حاولت القيام من مكانها الا ان جسدها لم يسعفها على ذلك، لتسقط على الفراش مره أخرى فوضعت كفيها على راسها مردفة بتعب.
_ أنت مين يا جدع أنت وبتعمل ايه هنا..
اعتدل هو الاخر ثم نظر اليها بطرف عيناه قائلاً:
_ انا اللي حشرت نفسك في حياته من غير اي 30 لازمه وسببتي لنفسك في اذى..
أخيراً تذكرت أين رأته من قبل، فهو الشجاع الذي أنقذها ليله أمس، أخذت نفس عميق ثم أردفت بهدوء:
_ أنا عارفه اني دخلت نفسي في الموقف وانا مش فاهمه حاجه خالص، سوري وشكرا جدا انك وقفت جنبي، بس ده ما يمنعش ان ماكانش ينفع تقعد معايا في أوضة واحده دي إسمها قله أدب..
ربما هي أنقى بكثير من أن تفهم نظراته لها، لم يصل إليه جملة واحدة من حديثها كان كل تركيزه على حجابها الذي سقط وهنا ظهرت خصلاتها السوداء الرائعه، عنقها الابيض الجميل وهذا العرق البسيط الظاهر بجانبه، ابتلع ريقه بصعوبه وفاق على صريخها:
_ لا اله الا الله يا أستاذ اللي أنت بتعمله ده ما ينفعش لو سمحت أخرج بره، انا لحد دلوقتي مش عايزة أعمل فضايح لأننا في ريف ولاني ضيفة، لكن قدامي ثانيه كمان وهمسح بيك الارض..
وقور فايز يعرف متى يتحدث ومتى يصمت ومع من يتحدث وبأي طريقة، ولكن أمامها ذهب كل هذا بعيدا وعاد لسن المراهقه ليقول بمشاكسه وهو يغمز لها:
_ لو صوتي هتبقي أنتِ الخسرانة الناس هنا كلامها كتير وممكن تتدبسي في جوازه، وقتها أنا بقى هخلع أصلي عصفور وما اكرهش في حياتي قد القفص..
رفعت حاجبها بسخرية قبل أن ترد عليه:
_ أنت ليه محسسني ان الستات واقفه طوابير عشان تتجوزك؟!.. أنت شكلك اصلا داخل على 40 سنه ومعنس..
ضحك بكل صوته ، ضحكة قدرت على إصابتها برجفة لذيذه، لماذا نبرته دافئه لتلك الدرجه التي تأثر من يسمعها؟!..
قام من على الفراش ثم رد عليها بابتسامة هادئة:
_ لأ يا ستي أنا مش عانس، أنا أرمل هسيبك بقى ترتاحي في اوضتك، لكن احذري مني لأني لما بعرف مكان مش بسيبه ابدا..
إلى هنا ويكفي، من الواضح إنه أخذ عليها بطريقة مستفزة لذلك ردت بجمود:
_ يا ريت يا أستاذ تلزم حدودك معايا لأني مش هقبل أنك تتخطى الحدود دي..
شقت الإبتسامة وجهه من جديد وهو يشير لها على مقدمه عنقها قائلا:
: إسمي فايز تقدري تقوليلي فايز عادي، وبالنسبة لموضوع الحدود أنا وأنتِ بالذات مش هينفع يبقى في بينا حدود بعد كده، خصوصا ورقبتك الحلوه دي باينه قدامي بتقولي أعمل حاجات ممكن تخدش حيائك، وأحنا عندنا اللي يشوف شعر الست يبقى مبروك عليه البضاعة..
بالمعنى الحرفي للكلمة من أي داهية سقطت عليها تلك الكارثه؟!.. انتبهت أخيرا إنها بدون حجابها لتدور عينيها بلهفه تبحث عنه، انحنت سريعاً لتلتقطه من على الارض ثم وضعت اياه على خصلاتها قائلة بخجل :
_ أخرج برة لو سمحت ، اللي حضرتك بتعمله ده غلط المفروض تراعي إني ضيفة هنا وليا حرمه وأنت مش عامل حساب كده خالص..
شعره بنفسه وبما يفعله، منذ متى وفايز الكبير يفعل تلك المشاكسات الوقحة؟!.. وضع يده خلف عنقه ببعض الحرج قائلا وهو يلتقط رابطة عنقه من على الفراش:
_ بعد كده مدخليش نفسك في حاجات عائليه ممكن لا قدر الله المره الجاية ما حدش يلحقك يا حبيبة..
قال إسمها بمنتهى الحلاوه ثم رحل سريعا، لتبقى صامتة لعدة لحظات قبل ان تعود للفراش وتهمس لنفسها:
_ نامي يا حبيبة نامي ده أكيد حلم من أحلامك العبيطة..
_____ شيماء سعيد ____
بغرفة المكتب الخاص بسند، كان يضع ساق على الآخر ويقف أمامه فخر المندهش من الحالة الواصل إليها رب عمله قائلا بتردد :
_ سند بيه هو جنابك كويس..
أوما إليه بهدوء مريب ثم قال :
_ إلا قولي يا فخر إيه هي الحالة الوحيدة اللي ممكن حد يخرج بيها من البيت ده وأنت رجالتك واقفين..
لم يفهم ما قاله لذلك رد بتعجب :
_ أنا مش فاهم حاجة يا كبير..
_ أعيد السؤال تاني بطريقة أبسط، في حد ممكن يخرج من بيت الكبير من غير أذنه وأنت واقف على الباب..
حرك فخر رأسه بلهفة نافيا وهو يقول :
_ لأ طبعاً مستحيل حد يدخل ويخرج الا لما أكون راضي عن دخوله وخروجه..
هنا وصل الكبير على حافة الهاوية، قام من مجلسه ضاربا المقعد الذي كان تحته بساقه ثم صرخ :
_ يبقى وعد لما خرجت، خرجت قصاد عينك وبمزاجك يا فخر..
_ الست وعد هتخرج تروح فين يا كبير في يوم زي ده؟!.. أقسم لك بالله ما شوفتها..
قبل أن يكمل حديثه أشار له الآخر بصمت مردفا بقوة:
_ أنا عارف إن الغدر والخيانة مش في طبعك، أنت الراجل الوحيد في رجالتي اللي ممكن اتسند عليه يا فخر…
وضع فخر كفه على عنقه قائلا :
_ رقبتي فداك يا باشا..
أخذ سند نفس متعب ثم قال :
_ تقلب الدنيا وترجع بوعد يا فخر الليلة قبل بكرا، من غير ما مخلوق على وجه الأرض يعرف انها مش هنا اللي يسأل عليها هي في الجناح فاهم؟!..
_ أمرك يا كبير…
____ شيماء سعيد _____
مر على هذا اليوم شهرين كاملين، ظل بهم سند يبحث مثل المجنون عن وعد، وهي تمكث بمنزل سناء ترفض الخروج من الغرفة، دلفت لها والدة سناء قائلة :
_ وبعدين معاكي يا وعد يا بنتي كفاية عياط بقى هو أنتِ أول واحدة تحمل يعني..
سقطت دموعها أكثر حركتها رأسها بطريقة هستيرية برفض مرددة :
_ لأ أنا مش عايزة الطفل ده مش عايزة أي حاجة تربطني بسند الكبير، مش هكمل معاه ولو الواد ده هيخليني جارية عنده هنزله، مش عايزاه..
_____ شيماء سعيد _____
بنفس اليوم مساءا دلف فخر لمكتب سند الذي كان يدخن في السيجارة رقم ألف، لا يعلم كيف سيلقي عليه هذا الخبر ولكنه سيقول :
_ سند بيه.
_ قول اللي عندك يا فخر، لسة مالهاش أثر معاك لآخر اليوم عشان تسلم عهدتك..
حرك رأسه سريعاً ثم اردف:
_ لأ الحمد لله جبتها بس حضرتك لازم تتصرف قبل فوات الأوان..
انتفض سند من موضعه وهو يقول بلهفة:
_ هي فين؟!..
أبتعد فخر قليلا ليكن بموضع أمان ثم قال بسرعة:
_ في الوحدة الصحية بتسقط نفسها..
_ أنت بتقول ايه يا مخبول أنت. وعد حامل وبتنزل ابني بتنزل ابن الكبير؟!…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
قبل ساعتين بمنزل سناء..
كانت وعد على نفس حالتها تبكي بصمت لتدلف لها سناء قائلة بشفقة :
_ وبعدين معاكي يا دكتورة اللي بتعمليه ده غلط عليكي قبل ما يكون غلط على اللي في بطنك..
ظلت شاردة كما هي لا ترى أمامها الا صورتها وسند يضعها أسفل قدميه قائلا :
_ أخلصي خليني أشوف ليلتي..
ظلت تحرك يدها على قدميه بالماء الساخن قائلة برجاء :
_ بلاش يا سند لو ليا خاطر عندك بلاش ما أنا تحت رجلك أهو وبعمل كل اللي أنت عايزه..
قذفها بعيدا وقام من مكانه يبحث بعينه عن شيء حتى وصل إلى كرباجه المفضل الذي يعاقبها به بعدما وجدها وهي تحاول الهروب منه، بلحظة واحدة صرخت من شدة الألم قائلة :
_ حرام عليك بقى حرام عليك مش قادرة.. أنا حامل
زاد من ضربه لها وهو يردف بتجبر :
: حامل في بنت بومة زيك، اياكي اسمع لك صوت لحد ما أدخل بعروستي لو شوفتك هقتلك يا وعد.. فاهمة..
ظلت تحرك رأسها بقوة وهي تردد :
_ فاهمة بس ابعد عني ارحمني أبوس رجلك..
أقربت منها سناء متعجبة من حالة الانهيار التي أتت لها فجأة مردفة بقلق :
_ مالك يا دكتورة وعد فيكي ايه أنتِ معايا في بيتي محدش هيقدر يعملك حاجة..
كانت وعد خارج التغطية لا يصل إليها الا كابوسها بسند الكبير، ضربت بطنها فجأة وهي تصرخ :
_ حاضر هنزل اللي في بطني بس أنت ارحمني أرجوك..
عادت للواقع على صريخ سناء وهي تقول برعب :
_ يا لهوي يا لهوي أنتِ بتنزفي يا دكتورة..
فتحت عينيها وألقى نظرة سريعة على خيط الدماء الرفيع الذي يسقط من بين ساقيها هامسة :
_ بنتي راحت زي ما انت عايز يا سند…
_____ شيماء سعيد ______
عودة للوقت الحالي..
دلف سند الكبير للوحدة الصحية التي انقلبت رأسا على عقب بمجرد دخول زوجة كبيرهم، أقترب من الغرفة المتواجدة بها وعد لتخرج له الطبيبة فور علمها بقدومه، نظر إليها منتظر حديثها لتخفض عينيها مردفة بتوتر:
_ البقاء لله يا سند بيه للأسف الجنين نزل..
زلزال عنيف أصابه، هذا الطفل الذي كان يسكن أحشائها كان طرف الخيط الرفيع المتبقي بينهما، حلمه بسند له وللكفر من بعده مات بنفس اللحظة التي علم بوجوده فيها..
هل هي حزينة الآن على موت طفلهما أم تحمد الله على فرارها منه؟!.. لأول مرة يحاول الثبات وتفر تلك الدمعة رغماً عنه، أعطى ظهره للطبيبة لعدة لحظات قبل أن يعود لهيبته المعتادة وينظر إليها مردفا :
_ مات إزاي؟!..
حدقت به بدهشة مردفة:
_ يعني ايه يا بيه مش فاهمة؟!..
_ هو إيه اللي مش فاهمة سبب نزول إبني إيه يا دكتورة؟!..
هنا عاد جسدها للارتجاف لا تعلم ما تقوله، نظراته بمفردها ارعبتها فكيف سيكون حال تلك المسكينة النائمة بالداخل؟!.. حاولت أخذ أنفاسها المسلوبة ثم قالت :
_ بصراحة يا سند بيه المدام حالتها النفسية مش كويسة خالص، دخلت في نوبة غريبة وفضلت تضرب بطنها والطفل كان في أول شهرين مقدرش يتحمل ده ونزل، بس متقلقش حالة الرحم كويسة جدا وتقدر تحمل على طول بعد ما ترتاح شوية..
كل هذا لا يهمه فقط وقف عند جملة واحدة ” فضلت تضرب بطنها” هي من قتلته، وعد كانت متعمدة تنهي حياة طفله، لم يكن رغماً عنها بل كان بكامل اردتها، قتلته وقتلت معه أخر باب مفتوح للرحمة بقلبه همس بقوة :
_ قصدك قتلت ابن سند الكبير، اكتبي لها على خروج حالا..
_____ شيماء سعيد ______
بمنزل الكبير..
كانت تجلس همت مثل عادتها الأخيرة بعيدا عن الجميع بالحديقة، إلى أن رأت سند يدلف وهو يحمل وعد، ركضت إليهما بلهفة قائلة :
_ أبية هي وعد مالها أنت عملت فيها إيه؟!..
رغم أن حالته كانت خارج السيطرة الا إنه سالها بتعجب وهو يكمل طريقه للداخل :
_ وأنا هعمل فيها ايه يعني يا همت؟!..
حركت راسها بتعب أعصاب وهي تحاول الاطمئنان على وعد ثم همست بتردد :
_ أنت ممكن تعمل أي حاجة لأي حد يقف قصادك يا سند مهما كان هو بالنسبة لك إيه..
صدم نعم صدم هل همت من قالت هذا؟!.. ألقى عليها نظرة سريعاً بها الكثير من العتاب ثم أشار إليها لتفتح باب الجناح ودلف دون رد، شعرت بمرارة جملتها بحلقها لتقترب منه قائلة بندم :
_ سند صدقني أنا مكنتش أقصد أنا بس…
وضعت وعد فوق الفراش ثم رد عليها بهدوء :
_ عندك حق بس أنتِ ووعد مش أي حد لو هبقي ضعيف قصاد قرار هيبقى القرار ده يخصك..
أكمل حديثه وهو يراها تحاول أن تتحدث :
_ لينا كلام كتير مع بعض بس مش النهاردة بالذات يا همت، لو خسرتك النهاردة هبقي خسرت كل حاجة كفاية اللي راح مني في الكام ساعة دول لحد كدة..
أومات إليه ثم اقتربت منه مقبلة أعلى رأسه وخرجت من الغرفة، أخذ نفس طول وجلس على المقعد المقابل للفراش منتظر رؤيته لعينيها لعله يري بهما إجابه تريح قلبه…
_____ شيماء سعيد _____
بعد ساعتين…
عادت وعد للوعي ويا ليتها لم تعد، تذكرت ما حدث هي قتلت جنينها، ذهب منها بلحظة غفلة كان سند الكبير هو شيطانها الذي حسها على ذلك، وضعت كفها على بطنها قائلة :
_ ماتت صح؟!.. بنتي ماتت هي أرتاحت وأنا لأ ليه؟!.. خسرتي تاني يا وعد خسرتي والمرة دي كل حاجة، قتلتها…
لمحت صورة لسند على الحائط!!… وصل إليها؟!.. هذا هو منزله، بعقل مجنون أخذت الفازة الموضوعة بجانب الفراش ثم القتها على صورته لتبقى ألف قطعة..
_ أحسن….. أنت اللي تستحق الحسرة يا سند مش أنا..
انتفض جسدها بفزع على أثر غلقه للباب خلفه ، حاولت القيام من مكانها إلا أن أعصابها لم تسعفها على ذلك ، مرعب الموقف حقا أكثر من مرعب..
ابتلعت ريقها ميشرة إليه بأن يعطي لها فرصة بسيطة للدفاع عنها نفسها ، أشار إليها بالصمت ثم أردف:
_ هربانة من جوزك شهرين ويوم ما أوصل لك تبقي بتنزلي إبني..
رغم كثرة الحديث بداخلها ورغم وجع كل جزء من جسدها بعد المراحل التي مرت بها اليوم إلا إنها قالت:
_ من حقي أختار أبو ولادي وأنا شايفاك ماينفعش تبقي زوج ولا أب ولا إنسان أساسا..
يا ليتها صممت أو كذبت ، كان سيقبل منها أي تبرير إلا ما قالته ، أزال العباءة من على جسده ثم حرك رأسه يميناً ويساراً قائلا وهو يقترب منها بخطوات يعلن بها أنهما على حافة الهاوية:
_ عايز عيل بدل إللي راح يا وعد ، ومش هييجي إلا منك..
نظرت اليه بكراهية واضحة ثم همست بالقرب منه :
_ هنزله برضو اللي زيك لأزم نسله يتقطع، أنت مريض والعالج خسارة فيك..
أبتعد وضحك بجنون، توقع الحرب مع الجميع الا معها هي سألها بنبرة مريبة :
_ مش عايزة عيال مني ليه؟!…
سقطت دموعها وارتجف صوتها وهي تقول :
_ يمكن عشان ده الصح، إبني مش هيبقى منك، دور الجارية اللي انت رسمه مينفعش أكون البطلة بتاعته يا كبير…
صرخ مثل الطير الجريح :
_ كنتي هتبقى سلطانة بحبي ليكي وبوجود العيل ده بنا..
_ صرخت باعتراف قتل ما تبقى منه :
_ بس أنا بكرهك يا سند…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
أسبوع كامل مر وهو بعيدا عنها كل البعد، لم ينهرها أو يحاول الاعتذار منها، بدأت مرحلة جديدة من العذاب بينهما وهي البعد.
وقفت مثل عادتها الجديدة بالشرفة تنتظر قدومه تراه فقط ثم تنام على فراشها بسلام، دق باب الجناح التفتت بلهفة لعله هو، خاب أملها عندما فتحت الباب ورأت همت أمامها تقف باعين باكية..
أخذتها وعد للداخل وهي تقول بتوتر :
_ مالك معيطة ليه بالشكل ده؟!..
نزلت دموع الأخرى بتعب وشهقاتها ترتفع شيئاً فشي، فتحت وعد ذراعيها لها بلا كلمة لتلقي بنفسها داخل أحضانها تبكي وتبكي حتي تعبت، تنهدت وعد قائلة :
_ ها مرتاحة دلوقتي وحاسة إنك احسن؟!…
أومات برأسها لتبعدها وعد مردفة :
_ طيب الحمد لله قوليلي مالك بقى؟!..
أخذت همت شهيق طويل بعدها قالت :
_ أنا عايزة أتجوز حمد..
ابتسمت وعد بسعادة :
_ طيب بتعيطي ليه يا عبيطة، مش حمد ده حبيبك واهو رجع أتجوزوا..
_ سند مش هيقبل..
زفرت وعد بضيق مرددة :
_ مش هيقبل ليه مش حمد ده حبيبك وهو عارف كدة وكان قابل بيه ايه اللي أتغير بقى…
انهارت همت في البكاء من جديد وهي تهمس :
_ أنتِ مش فاهمة حاجة خالص، الموضوع طلع أكبر من كدة بكتير..
حركت وعد كفها على ظهر الأخرى وقالت بنبرة حنونة :
_ طيب أهدى وقوليلي في إيه وأنا هفهم على طول، ويمكن كمان أقدر أساعدك..
توترت همت بالبداية وترددت بقول ما قاله حمد، فمهما حدث وعد زوجة سند ومن الممكن تأخذ عنه فاكرة خطئة خصوصاً بتلك المرحلة التي يمروا بها، شعرت بها وعد وقالت بصدق :
_ متخافيش وصدقيني هقف جنبك..
أومات لها وقالت كل شيء لتقوم وعد من مكانها بصدمة، ربما رأته يعذب رجل من قبل، عاشت بين يديه وظهر لها الجانب المظلم منه، الا قتل الروح لم ولن يفعلها، ولكن حمد هو الأخر عاشت معه سنوات، كان دائماً خير الظهر والسند هل بالفعل سند هكذا، حركت رأسها سريعا برفض ثم قالت :
_ أكيد في حاجة غلط أو سوء فهم سند مستحيل يبقى كدة.. تفتكري سندك هيبقى وحش كدة يا همت؟!..
حركت رأسها سريعا برفض وهي تقول :
_ سند مش بس أخويا ده كل دنيتي..
ابتسمت لها وعد مردفة :
_ يبقى تعالي ننام مع بعض النهاردة وأنسى الكلام الفارغ ده من دماغك..
ضحكت همت قائلة بخجل :
_ طيب وأبيه هينام فين؟!..
ردت عليها الأخرى بسخرية :
_ لأ ده غضبان عند أهله سيبك منه ويلا نعمل حاجة مفيدة بدل الكلام عليه..
_ زي ايه؟!..
_ اتكلمي معايا عن الحرباية بنت عمك وتفاصيل جوازه منها…
____ شيماء سعيد _____
بالمندرة الخاصة بسند..
كان صامت يتابع قول أحد الرجال :
_ يا كبير دي بت عمي وأنا أولى بيها من الغريب..
أشار اليه بالصمت ثم نظر الي والدتها لتقول بخوف :
_ من يوم ما أبوها مات وإحنا عايشين في خيرك يا كبير، أكل وشرب وعلام، لكن اسأله هو وابوه فين ورث بنتي هو عايز يتجوزها بس عشان تبقى تحت رجله، حمدي ابن اختي مربيها على ايده وبيعشق التراب اللي بتمشي عليه..
تدخل ابن العم قائلا :
_ ايه التخاريف دي يا ولية يا خرفانة، بت عمي محدش ياخدها غيري..
باشارة من كف الكبير صمتت كل القاعدة ليقول هو :
_ هاتي سمر بتك يا عزيزة والكلمة الأخيرة هتبقى ليا انا مش عايز صوت بعدها…
حركت عزيزة رأسها مردفة بطاعة :
_ أمرك يا كبير أمرك..
دقائق وكانت الفتاة تقف، نظر لها سند لتجلس على المقعد المقابل له ثم قال بصوت وصل للجميع :
_ عايزة مين فيهم يا سمر؟!..
تعالت دقات قلبها ونظرت لوالدتها التي بعثت لها نظرة حنان لتأخذ نفس عميق قائلة :
_ ولا واحد فيهم أنا عايزة أكمل تعليمي وأبقى زي الدكتورة وعد..
صرخت عزيزة :
_ إيه الكلام ده وابن خالتك يا قليلة الأدب..
_ أنا مش قليلة الأدب ياما، حمدي على عيني ورأسي ولو يستنا لحد ما أوصل لأحلامي مش هبقي لغيره، لكن لو مش قادر يبقى ربنا معاه..
قبل أن تتحدث عزيزة قال سند :
_ رايك ايه يا حمدي..
رد بصوت يفوح منه العشق :
_ هستنها العمر كله..
_ يبقي خلاص سمر لحمدي وأنت يا ابن زهران ورث بنت عمك يبقي عندي الليلة..
رحل الجميع لياخذ نفسه بتعب، دائماً عادل ومعها هي يجعلها تعيش كل أنواع الظلم، فاق على صوت فخر الذي قال :
_ ممكن أتكلم معاك شوية يا كبير..
_ قول اللي عندك يا فخر..
_ هدى بنت شيخة القبيلة عايزها تبقى مراتي..
ضحك سند ثم قال بسخرية :
_ مهي مراتك بقى لها شهرين وعايشة جوا دارك إيه الجديد؟!.. كل ده مش رافع راسنا يا خيبة أملي فيك…
خفض فخر عيناه ثم قال بخجل :
_ جوازنا كان الأول بأمرك وعشان احميها من أهلها، لكن دلوقتي أنا عايزها مراتي بجد وهعمل لها فرح كبير..
أبتسم اليه سند قائلا :
_ حبيتها.؟!..
_ بقت إدمان..
_ يبقى فرحك على حسابي يا فخر..
_____ شيماء سعيد _____
بحديقة المنزل..
كانت حبيبة تقرأ بعض آيات القرآن الكريم بوقت استراحتها من العمل، حتى آت إليها صوت فايز، أغلقت عينيها عدة لحظات مردفة لنفسها بتوتر :
_ اوعي تردي يا حبيبة أنتِ مش حمل وجع جديد..
جلس على المقعد المقابل لها متعجبا من طريقتها، كتم ابتسامته على طريقتها الطفولية في إغلاق عينيها ثم قال بجدية :
_ أنتِ نمتي والا ايه يا بيبة..
انتفضت فهي لم تتوقع أن تأتي له الجرأة ويجلس أمامها، جزت على أسنانها مردفة بغيظ :
_ ايه بيبه دي إحترم نفسك لو سمحت..
غمز لها مردفا :
_ إحنا عيلة زبالة اوي يا بيبة ومفيش عندنا حد محترم، وبعدين لو محترمتش نفسي هتعملي ايه يعني؟!…
كانت على وشك البكاء من شدة الخجل ثم همست :
_ يا أستاذ فايز عيب اللي حضرتك بتعمله ده، أنت عايز مني إيه بالظبط؟!..
رغم بساطة الحديث الا إنه عجز بالفعل عن الإجابة، ماذا يريد منها هو نفسه لا يعلم، فقط يتحمس لرؤيتها، رفض العودة للقاهرة ليبقى بجوارها وبجوار طفليها الذي شعر معهم بالمعنى الحقيقي لكلمة اب، ابتسامتها تعطي له طاقة رهيبة ليكمل يومه بكل نشاط، ليكن صادق أصبحت جزء لا يتجزأ من يومه الا إنه لا يعلم ما العنوان المناسب لتلك المشاعر، أخذ نفس عميق ثم أردف :
_ مش عارف عايز منك إيه بس اللي أعرفه إنك بقيتي حق ليا، وولادك بقوا حاجة مقدرش أكمل يومي الا لما أشوفهم، تفتكري ده إسمه إيه؟!..
ربما تعلم المسمى ولكنها ترفضه وبشده، قامت من مكانها ثم أردفت بقوة :
_ بص يا أستاذ فايز مهما كان أحساسك فده حاجة تخصك لوحدك، أنا معنديش حد في الدنيا غير ولادي فاريت تحترم ده..
آت لعقله فجأة صورتها بأول مرة رأها بها، تذكر ذكرها لاسم رجل وهي نائمة ومع الوقت علم إنه زوجها السابق، قام من مجلسه وسحبها لتبقى بين أحضانه مردفا بقوة :
_ لسه بتحبيه؟!..
تعجبت قائلة :
_ هو مين؟!..
_ طليقك اللي سابك وساب ولاده عشان يتجوز واحدة تانية..
جملة واحدة جعلتها تعود لنتقطة الصفر من جديد، تألم قلبها من فكرة معرفته لما مرت به من اوجاع، صرخت قائلة :
_ أنت قليل الذوق دي حاجة خاصة بيا..
صدمتها الحقيقة كانت في شفتيه التي سقطت على شفتيها منفذا رغبته في إسكاتها أو ليقول الحقيقة تقبيلها، تجمد جسدها من الذهول وظلت تفكر كيف تتصرف الي أن قال علقها، يا حمقاء إنك بداخل حالة مغزية من الاستسلام..
إنتهت القبلة وابتعد عنها متعجبا من سكوتها مردفا :
_ أنتِ كويسة والا حصل لك إيه..
سقطت بكفها على وجهه وفرت هاربة، وضع يده محل الصفعة مرددا :
_ والله لو عملتي ايه لافضل أبوسك يا بسبوسة..
على بعد أكثر من ثلاثون مترا كان يقف شادي وبيده هاتفه مصوراً تلك اللقطة قائلا :
_ حقك عليا يا خالي بس أنا لأزم أمشي من هنا..
____ شيماء سعيد _____
بجناح سند، بعد ما طال به التفكير قرر ولأول مرة يواجه مرضه، دلف ليرأها بعدما كان يهرب منها، أبتسم بحنان على مشهد ضمها لهمت ونومهما بهذا السلام المريح للاعصاب..
بخطوات هادئة أقترب منها ثم حملها بخفة لخارج الجناح، ذهب بها لجناح والده ولا يعلم لما فعلها الا أنها حدثت بالفعل، وضعها على الفراش ثم جلس على الاريكة يراقب تفاصيلها البسيطة أثناء نومها..
شعرت برائحة عطره بالغرفة، فتحت عيناها باشتياق رغم كل شيء، وجدته يتطلع بها كأنه لم يرى امرأة بحياته مثلها، بلعت تلك الغصة المريرة بحلقها ساخرة من نفسها، حمقاء!! قلبها الغبي يجعلها تشعر إنه يبادلها نفس الشعور..
اشاحت بوجهها بعيدا ليقف أخيراً بعدما طال صمته ثم أقترب منها بخطوات مترددة حتى جلس بجوارها على الفراش، رفع وجهها إليه بأحد أصابعه ثم همس :
_ وحشتك؟!..
نفت وقلبها يصرخ يرفض ما تحاول إيصاله إليه ليبتسم لها بوجع مردفا :
_ بس أنتِ وحشتيني وجدا كمان..
رأت ضعفه لتنهار بعض حصونها قائلة بعتاب :
_ أنت شوفت مني كل حاجة حلوة عشان كدة وحشتك، لكن أنت للأسف مش سايب ليا ذكري واحدة حلوة توحشني بيها، بالعكس كل ما أشوفك أحس قد ايه أنا كنت غبية لما وقعت في حبك…
مسح على شفتيها بطرف يده وهو يقترب منها أكثر مقبلا أعلى رأسها باعتذار، قائلا :
_ وعد أنا مريض نفسي، مريض ومن صغري بحاول أثبت العكس، حتى في جوازي الكتير العيب كان فيا مش فيهم، لحد ما قبلتك أنتِ غصب عندي حسيت بحاجات مكنتش عايز أحس بيها بذات معاكي، يمكن عشان كدة وصلنا لهنا..
صُدمت بالفعل صُدمت، لم تتخيل ابدأ أن يعترف بنفسه أن الخطأ به، والأغرب من ذلك لمعت الندم بداخل عينه وهي تعلمها جيدا.. تود لو تضرب بكل شيء عرض الحائط وتأخذه بين أحضانها إلا انها تحلت بالثبات وقالت :
_ اشمعنا أنا اللي مش عايز تحس بالحب معايا..
قام من على الفراش صارخا :
_ كنت رافض الحب من أي ست وخصوصا أنتِ، مش عايز أبقى زي عتمان الكبير وللأسف بقيت، وعد لو بتحبيني فعلا خليكي جانبي..
قامت من مكانها ووقفت أمامه رفعت كفيها لتضم وجهه إليها ثم أردفت :
_ تفتكر الحب لوحده كفاية عشان نكمل؟!..
تعجب قائلا :
_ يعني إيه؟!..
أخذت نفس عميق مردفة :
_ الحب لأزم يبقى معاه ثقة، أمان، إحترام، المفروض إن قيمتي تبقى من قيمتك بس أنت عملت العكس..
رد عليها بلفهة :
_ أنا كمان خايف ومش حاسس بالامان، صدقيني لو اضمن جودك هنعيش زي ما بتحلمي..
تنهدت هامسة :
_ عايزة أطمن في حضنك يا سند، نفسي تبقى سندي زي ما أنت سند الكل..
أخذها بين يديه بحنان وعيناه مثبته على شفتيها قائلا أخيراً ولأول مرة بصدق :
_ بحبك..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بعد ثلاث أيام في وقت متأخر من الليل بعدما ذهب الجميع للنوم، قررت وعد بحركة طائشة النزول للمطبخ فهى لم تأكل بشكل جيد على العشاء، فتحت الثلاجة وبدأت بأخراج الطعام منها ومع أول معلقة سقطت من بين أصابعها برعب..
تقدم سند منها بغضب أعمى بصره عن خوفها ثم أردف وهو يجذبها من خصلاتها إليه :
_ نزلتي المطبخ في الوقت ده ليه كنتي عايزة تهربي تاني؟!..
الموت أفضل بكثير من وقفتها المرعبة بين حصونه المشتعلة بالنيران، أطلقت صرخة عالية تطلب منه السماح على شئ لم تفعله:
_ أرجوك بلاش ضرب..
سقطت فاقدة للوعي بعد جملتها لتفتح عينيها بفزع على نبرة صوته المتلهفة :
_ وعد حبيبتي مالك أفتحي عينك ده اكيد كابوس..
بالفعل كابوس مرعب بسببه فقدت جنينها ولا تعلم الي أين ستصل، رأته يقترب منها بحنان الا انها رفضته وبشدة ليأخذها بين احضانه بالقوة مردفا :
_ خدي نفسك واهدي ده كابوس مش أكتر أنتِ جوا حضني في أمان..
مع تكرار الحديث على مسامعها بدأت تهدأ رويدا رويدا حتى رفعت وجهها الجميل إليه أخيراً لا يعلم لما نظرة العتاب تلك؟!. مسح على خصلاتها عدة مرات هامسا :
_ أحسن دلوقتي؟!..
أومات إليه قبل أن تقول بتعب:
_ أنت صدقت إني سقطت البيبي بنفسي؟!.
أبتعد عنها وكأنه تذكر للتو فقدان جنينه الذي رحل دون ذنب، أعطى ظهره لها لا يحبذ المواجهة على الإطلاق قائلا بجمود :
_ أمال مات ازاي يا وعد؟!.. الدكتور نفسه قال إنه نزل بسبب العنف..
سقطت دموعها مع تذكرها لما فعلته وهي مغيبة ثم قالت بحسرة :
_ أنت اللي قتلت إبني، فضلت تضرب فيا لحد ما مات..
انتفض من على الفراش بذهول، ماذا قالت تلك الحمقاء فهو لم يرفع يده عليها ابدا، نظر لها ليجدها جادة بكل كلمة تتفوه بها ليقول :
_ أنتِ بتقولي ايه؟!.. هو أنا مديت أيدي عليكي قبل كدة؟!.. إبني نزل وأنتِ هربانة مني..
هذا صحيح؟!.. إذا من قتل صغيرها؟! هي بالفعل هي، صرخت به قائلة :
_ مش أنا بقولك ده إبني مستحيل اعمل فيه كدة، أنت سبب يا سند مش عايزاك في حياتي تاني..
حالتها أصبحت بالفعل خطيرة وربما حالته هو أكثر خطورة، أخذ نفس عميق قبل أن يجذبها لتقف أمامه ثم أردف بجدية :
_ أنا هطلقك يا وعد..
هذا ما كانت تبحث عنه لما إذا سقطت قلبها بتلك الطريقة؟!.. لماذا تألمت لتلك الدرجة التي لا تريدها، ردت بمعالم خالية :
_ ماشي طلقني..
_ بس أنا بحبك ومش هقدر أعمل كدة..
هو مجنون ويحاول بشتى الطرق أصابتها بنفس مرضه، وضعت كفها على عنقه ثم ضغطت بقوة مردفة بتقطع :
_ حاسس ان روحك بتروح منك وحاسس إنك مخنوق ومش قادر تاخد نفسك، هو ده بالظبط اللي بيعمله حبك فيا بتخنق ورحي بتطلع..
يعلم لانه يشعر بنفس الشعور، لم يستطيع الوقوف أمامها أكثر من ذلك حتى لا تنحدر هيبة سند الكبير، أبعدها عنه قائلا :
_ قبل ما أطلقك لأزم ارجعك زي ما اخدتك الأول..
ضحكت بسخرية قائلة :
_ كان على عيني يا كبير بس هتعمل ده إزاي؟!.. أنت ليك في العمليات الشمال والا ايه؟!..
فتح فمه بصدمة من معنى حديثها الا إن روحه الوقحة تغلبت عليه ليقهقه مردفا بغمزة جعلته أكثر وسامة :
_ لأ للأسف مش اللي في دماغك، ده أنا هسيبه ذكرى مني ليكي، اللي اقصده حاجة تانية..
رفعت حاجبها الأيمن بنفس السخرية قائلة :
_ آمال تقصد ايه؟!…
_ هنروح لدكتور نفسي إحنا الاتنين، العلاقة دي أخدت مني سنين واخدت منك أنتِ كمان يبقى الأفضل نتعالج بدل ما حد فينا يأذي التاني..
_____ شيماء سعيد _____
عند شادي..
وقف بإحدى الأراضي الزراعية مع شاب يبدو عليه الطمع، أخذ نفس عميق قبل أن يقول للشاب :
_ جبت الفون اللي طلبته منك؟!..
أوما الآخر قائلا :
_ مع إني مش فاهم ليه طلبت مني اجيب أنا الموبايل من المحل مع إن جنابك كان ممكن تروح لوحدك، بس وماله يا باشا أنت حر الموبايل أهو زي ما طلبته بالظبط..
أخذ منه شادي الهاتف بضجر قائلا :
_ خلاص هو انت ناوي تحكي ليا قصة حياتك، خد حسابك أهو واخفي من وشي..
أخذ الأموال بطمع وفر من المكان أما شادي أخذ نفس عميق يحاول به اخماد ضميره الذي يحثه ان لا يفعل الا انه أردف :
_ مش هيبقى في أذى يومين تلاتة والبلد كلها هتنسي وهرجع أنا وخالي نعيش في القاهرة..
جلست تحت شجرة الليمون وبدأ في إيصال الهاتف بشبكة الانتر نت، ثواني معدودة وكان أصبح لديه حساب مزيف على منصة الفيسبوك وطلب العضوية بالجروب الخاص بكفر الكبير هامسا :
_ حلو اوي كدة الجروب ده فيه كل أهل البلد كبير وصغير والكل هيشوف البوست بما فيهم الكبير..
دقيقتين وأصبح عضو بالجروب فتح القسم الخاص بالصور وقام بتنزل صور فايز وهو يقبل حبيبة وكتب فوقها ” فين كبير البلد والقرف ده بيحصل جوا بيته”
نشرها ومن بعدها تم رفضها سريعا ليبتسم مردفا :
_ لأ الأدمن راجل ياض يا فخر، روح بقى قول للكبير بتاعك.. مع إني كان نفسي البوست يقع تحت أيدي حد تاني عشان تبقى بجلاجل بس يلا مش مهم كدة كدة وصلت للكبير وده المهم..
_____ شيماء سعيد _____
بمنزل الكبير أخذت وعد في سقى الزرع بتعب أعصاب، انتبهت لصوت حمد خلفها فقالت بهدوء :
_ خير يا أستاذ حمد في حاجة؟!..
رفع حاجبه مستنكر حديثها ثم قال :
_ والله بقيت أستاذ فجأة كدة في إيه يا وعد؟!.. ده أنا محمد صاحبك بعيدا عن تغيير الأسم..
تنهدت قبل أن تقول بنفس الهدوء :
_ هو أنت كنت فاقد الذاكرة فعلاً والا كنت بتضحك عليا طول فترة وجودك في حياتي؟!..
رد عليها سريعاً :
_ إيه الكلام الفارغ ده يا وعد، أنتِ شاكة اني ممكن أكون كذبت عليكي طول الفترة اللي فاتت دي؟!..
_ مش عارفة وبصراحة أنا بقيت عايشة بالبركة كدة مش عايزة أعرف اي حاجة، بس الغريب بقى أنت دخلت هنا ازاي بعد ما سند طردك؟!.
أشار لها على الباب الخلفي للحديقة ثم رد بمنتهى البساطة :
_ دخلت من الباب ده ازاي بقى دي شغلتي..
ابتسمت إليه بسخرية :
_ مش قولتلك أنا طول عمري هبلة، عموماً أنت عايز مني إيه بالظبط أكيد جاي هنا عشان تقابل همت..
حرك رأسه نافيا :
_ لأ مش جاي لهمت.
_ أمال جاي لمين.؟.
_ جاي ليكي أنتِ محتاج مساعدة أختي ليا..
ضحكت ساخرة :
_ وأنا أقدر أساعدك في إيه يا حضرت الظابط، عايزني أساعدك تقبض على جوزي وتبقى الظابط الشجاع اللي قبض على الشرير بمساعدة مراته؟!..
نفذ صبره منها، يبدو أن سند صك عليها طبعه لتبقى جزء لا يتجزأ منه، مسح على خصلاته بضجر ثم قال :
_ هو سند حفظك الكلام وأنتِ بتردي وخلاص؟!..
_ آمال أنت عايز ايه بالظبط..
_ عايز أهرب أنا وهمت من هنا وده مش هيكون الا بمساعدة منك..
اتسعت عينيها بصدمة مرددة :
_ أنت مجنون والا ايه حكاية مستحيل طبعا ده غير اني هقول لسند، لو عايزة ادخل من الباب الحرامي بس اللي بيدخل من الشباك..
______ شيماء سعيد _____
بعد عناء يوم عمل طويل، وصل سند أخيراً لباب جناح نادت عليه شقيقته ليأخذ نفس عميق مردفا :
_ خير يا همت..
عضت على شفتيها بتوتر قبل أن تردف :
_ أنت قولت ان ليا كلام كتير مع بعض، بس واضح اني توهت منك في زحمة الدنيا..
تنهد وجذبها معه لغرفة نومها المجاورة لجناحه، أغلق الباب خلفهما وجلس بها على أقرب مقعد المقابل للحديقة قائلا :
_ لو الدنيا كلها تاهت مني أنتِ هتفضلي في مكان محدش يقدر يقرب منه..
خفضت رأسها أرضا وقالت بطريقة مباشرة :
_ أبيه هو أنت السبب في اللي حصل لحمد يوم الفرح؟!…
صمت لعدة ثواني قبل أن يقهقه بنبرة بساخرة، تعجبت من تلك الإجابة الغير مفهومة بالنسبة لها وقبل ان تسأله سألها هو :
_ مهما كانت اجابتي هتصدقيني والا هتصدقي اللي قالك الموضوع..
وضعت كفها بين كفه بلهفة مرددة :
_ لو الدنيا كلها في كفة وأنت في كفة هتبقى أنت الكسبان يا سندي وضهري من يوم ما فتحت عيني على الدنيا..
هذا ما كان يريد سماعه أقترب منها أكثر مقبلا أعلى رأسها بعمق ثم استقام بوقفته قائلا وهو ينوي الخروج من الغرفة :
_ مش أنا يا همت، رغم إني كنت عارف هو قد إيه زبالة بس حبك له كان كفاية يخليني اسيبه عايش..
خرج لتقول وهي تراه يغلق الباب :
_ أنا بحبك جدا يا ابيه..
أبتسم لها ورد :
_ وأنا بحبك يا قلب ابيه..
_____ شيماء سعيد _____
دلف للجناح ليجد وعد تنام على الاريكة، رفع حاجبه بتعجب وأقترب منها بخطوات هادئة، بداخله رغبة ملحة لرؤيتها بملامح ساكنة، خارج دائرة الوجع المستفزة المتواجدة بداخلهما، جلس بجوارها، لمس خصلاتها، ثم مرر أربع أصابعه بنعومة على تفاصيل وجهها الناعمة البارزة أمامه بطريقة أكثر من مغرية..
تنهد بتعب متحديثا :
_ عايز أحط عيل تاني جواكي يا وعد، حتى لو مش هنكمل يبقى على الأقل عندي حجة أشوفك بيها كل شوية..
ساعة كاملة مرت وهو فقط يشاهد طريقة نومها بلا ملل، اشتاق لسماع صوتها مقررا استيقاظها والحديث معها بأي موضوع حتى لو سخيفة سيسمعها فقط..
قرص خدها مردفا :
_ أنتِ يا ست هانم أصحى..
فتحت عيناها ،بالحقيقة لم يأتي النوم إليها من الأساس إلا انها هي الأخرى كانت مستمتعة بهذا الدفي الحنون، اعتدلت مردفة بنوم مزيف :
_ سند أنت هنا من أمتي؟!…
حاول رسم الوقار على معالم وجهه وهو يقول :
_ مش كتير لسة داخل، نايمة هنا ليه السرير في تعابين؟!..
حركت رأسها مجيبة بسخرية :
_ لأ فيه عقرب واحد بس والنوم جانبه مش مرياح..
لا تعلم لما هو وقح لتلك الدرجة معها اليوم؟!.. اجابها بكل بساطة :
_ بذمتك النوم جانبي مش مريح طيب ده مفيش راحة ولا واجب أكتر من اللي بعمله معاكي..
صدمت بالفعل صدمت قامت من على الاريكة مردفة بعصبية :
_ لو سمحت في حدود بنا يا ريت تحترمها..
شهقت فجأة عندما حملها على كتفه بطريقة همجية ثم ألقى بها على الفراش مردفا :
_ عندك حل من الاتنين الأول تحترمي نفسك وتنامي في حضن جوزك بكل أدب، أو تنامي على الكنبة ونام أنا جنبك فيها بمنتهى قلة الأدب..
نظرته كانت جادة لذلك أغلقت عينيها قائلة :
_ السرير واسع تصبح على خير..
ألقى بنفسه بجوارها واستيقظ بصباح يوم جديد على إتصال من جدته التي قالت برعب :
_ همت هربت مع حمد يا سند..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
دلف لغرفة مكتبه وخلفه فخر وعمه فايز، أقترب سريعاً من اللوحة التي يُعرض عليها كاميرات البيت، عيناه بمفردها مرعبه حاول فايز التخفيف عنه قائلا :
_ أهدى شوية يا سند أكيد هتوصل لها..
أوما بعينه الحمراء وهي مثبته على بث الكاميرا ثم قال :
_ مش بنت الكبير اللي تهرب يا عمي همت ما تعملهاش وانا هعرف دلوقتي من اللي عملها..
أشار لفخر مردفا :
_ مش عايز مخلوق يعرف اي حاجه وأمر رجالتنا ان ما فيش نمله تخرج من كفر الكبير الا لما تعدي عليا الأول..
حرك فخر رأسه بتوتر مردفا قبل أن يتوجه للخارج :
_ أمرك يا كبير..
تحدث سند بنبرة مخيفة :
_ عايزك تاخد بالك ان دي تاني مره حد يطلع بره بيتي وانت ورجالتك واقفين ما لكمش لازمه.. وقت الحساب قرب..
جلس فايز على أقرب مقعد بتعب أعصاب فهو يعلم أن سند الآن خارج عن السيطره واي تصرف سيصدر منه غير محسوب، انتفض فجأه عندما ضرب الآخر على ظهر المكتب ليقوم مقتربا منه، اتسعت عيناه مردفا :
_ ده شيلها كدة ليه؟!..
صاح سند بنفاذ صبر :
_ لأنه خطفها وده مش بمزاجها يا عمي، همت تربية أيدي متعملش كدة..
وضع فايز يده على كتف سند قائلا :
_ هو مستحيل يخرج بيها من الكفر والليلة قبل طلوع النهار هتبقى في بيتها..
أوما إليه سند بشرود وهو يدقق بطريقة خروج حمد ثم قال :
_ مع إنه شايلها بس هي مش بتقاوم، تبقى نايمة، والبوابة مفيش عليها حرس في الوقت ده، في حد مدخله لحد أوضة نوم أختي ونفس الحد ده اللي ساعده إنها تنام ومتبقاش حاسة باللي بيحصل..
رفع فايز حاجبه بتعجب :
_ ومين اللي هيعمل كدة أنت رجالتك بتعمل لك ألف حساب..
حرك سند رأسه ساخرا ثم قال قبل أن يخرج من الغرفة :
_ هنعرف يا عمي بلاش استعجال بس خليك هنا عشان يبقى البيت أمان على الحريم اللي فيه..
ظل فايز ثابتا محله عدة لحظات يحاول استيعاب هذا البرود المسيطر على الكبير ثم همس فجأة :
_ معقول تبقى البنت مرات سند دي ليها يد خصوصاً إنها اللي جات بيه لحد هنا؟!..
______ شيماء سعيد ______
بشقة صغيرة على طرف كفر الكبير، كان يجلس حمد على الفراش وتزين وجهه تلك الإبتسامة المنتصرة، ها هي ورقته الرابحة بين يديه، أخذ نفس عميق براحة شديدة فاز على إبن الكبير أخيراً..
يحبها نعم يحبها وإذا قال غير ذلك فهو كاذب، من الأحمق الذي يرى ابنة الكبير ولا يقع بغرامها، ولكنه يكره هذا الحب، بدأت تعود لوعيها رويدا رويدا، رسم ابتسامة حنونة على وجهه هامسا :
_ يا صباح الخير على كل حاجة حلوة، بقى معقولة القمر دي يا ناس كلها ساعات وهتبقى مراتي وعلى اسمي..
ظلت صامته خمس ثواني تحاول استيعاب ما يحدث حولها، كيف أتت لهنا فهي بعدما أنتهت حديثها مع شقيقها نامت على فراشها إذا ماذا تفعل مع حمد؟!..
بلعت لعوبها بتوتر مردفة :
_ هو أنا بعمل إيه هنا بالظبط؟!..
مسح على خدها الناعم قائلا :
_ أنتِ هنا معايا يا روح مش عايزك تخافي..
عادتها سؤالها بنبرة أقوى من زي قبل بمراحل :
_ بعمل إيه هنا يا حمد رد وجيت إزاي؟!..
ابتسم بسعادةوقال :
_ هنتجوز يا حياتي مفيش حد هيقدر يقف قصاد حبنا حتى لو سند الكبير نفسه، أما جيتي إزاي فوعد كان ليها دور كبير عشان تجتمع العشاق مع بعض، مش عارف اشكرها ازاي على أنك بقيتي معايا..
ربما هو أحمق ولا يعلم الوجة الآخر لتربية سند الكبير، قامت من فوق الفراش وقالت بنبرة باردة وهي تتحرك بالغرفة أمامه بكل أريحية :
_ اممم مش مصدقة بجد يا حياتي أخيرا الخير انتصر على حقد سند..
اتسعت عيناه مرددا :
_ أنتِ تقصدي إيه يا همت، مهما حصل سند أخوكي يا حياتي..
ابتسمت إليه مردفة :
_ أنت طيب أوي يا حمد كل ما أشوفك أعرف قد إيه عرفت إختار، بس في مشكلة صغيرة خالص يا حياتي مش هنعرف نتجوز بسببها..
سحبها لتبقى بالقرب منها قائلا بلهفة :
_ مشكلة ايه تاني بكرا بالليل بالكتير هنطلع من كفر الكبير ووقتها هنتجوز في أسرع وقت..
أقتربت منه أكثر هامسة :
_ لآزم يكون ليا وكيل..
_ متخافيش الموضوع ده هتصرف فيه..
أومات إليه بابتسامة حاولت أن تجعلها سعيدة ثم قالت :
_ طيب أنا جعانة جدا..
_ تعالي اكلك يا حياتي..
______ شيماء سعيد ____
بغرفة حبيبة كانت تجلس مع وعد الباكية بتوتر فقالت حبيبة :
_ في إيه يا وعد أكيد سند هيجيبها أنا متأكدة، رغم إني هنا من فترة قليلة بس عرفت انه قدها وقدود..
أين وعد فهي تائهة بالملكوت، أخر ما تتذكره طلب حمد المساعدة منها حتى يستطيع أخذ همت، حركت رأسها بتعب أعصاب ثم قالت :
_ أنا عايزة أسافر القاهرة يا حبيبة، محتاجة أرجع لحياتي من جديد المكان هنا مش مكاني..
تعجبت حبيبة من ردها ثم قالت :
_ أنتِ بتقولي ايه ناوية تسيبي جوزك في ظروف زي دي؟!…
رفعت عينيها الحمراء ثم هتفت برجاء :
_ الحب وحش أوي يا حبيبة وحش أوي، سند قوي لكن أنا طلعت ضعيفة ومش عارفة حتى أقف قصاده..
فهمتها حبيبة أخيراً، ربما لم تعلم ما قصتها بالتفاصيل ولكن ما سمعته من الخدم كافي جدا، وضعت يدها على كتف الأخرى مردفة بحسم :
_ الهروب مش حل، لما دخلتي حياته كنتي عارفة انه مش طبيعي مفيش شخص طبيعي يتجوز العدد ده، حبيتيه وقررتي تغيريه والكل كان بيتكلم عن الدكتورة وعد، دلوقتي بقيتي على الهامش حتى من غير ما يرفع ايده عليكي، ضعفك مش هو السبب فيه سببه اوهام عقلك اخترعها عشان يهرب من الحقيقة…
كل كلمة خرجت من حبيبة قدرت على اختراق وعد من الداخل، بالفعل ماذا فعل سند معها لتصل لتلك الحالة، فقط طلب منها غسل قدمه هل هذا سبب كافي لتصاب بالجنون؟!.. لا والف لا أخذت نفس عميق ثم أردفت :
_ همت ترجع وبعدها أنا هعرفه مين هي الدكتورة وعد..
صدع صوت دقات سريعة على الباب لتقول حبيبة بقلق :
_ مين بيخبط بالشكل ده؟!.. اتفضل..
دلفت الخادمة وبيدها هاتفها المحمول مردفة برعب :
_ مدام حبيبة حد بعت الصور دي على موبايلات كل الخدم..
أخذت منها الهاتف مردفة بدهشة :
_ صور إيه.. لالالالا..
قطعت حديثها صارخة بمجرد رؤيتها لنفسها وهي بين أحضان فايز يقبل بها.. ثانية والأخرى وكانت تركض للخارج بكل قوتها..
بغرفة المكتب كان فايز يشاهد كل تسجيلات الكاميرا حتى أتت اللقطة الحاسمة لوعد وهي تتحدث مع حمد بالحديقة الخلفية، صك على أسنانه مردفا بغيظ:
_ كنت متأكد ان البنت دي ليها يد..
وضع أصابعه بين خصلاته يحاول التفكير في كيفية أخبار سند عن شيء مثل هذا، أغلقت حبيبة الباب خلفها بقوة صارخة :
_ أنت إنسان وقح وزباله..
لن يتقبل الإهانة من أحد حتى لو كانت هي، تغيرت معالم وجهه للون الأزرق وكادت أسنانه أن تتهشم من الضغط عليها، قام من على المقعد ثم أردف ببرود :
_ أنتِ ست قليلة الأدب وتربيتك هتكون مهمة خاصة بيا..
لم تهتم بكل هذا، سقطت دموعها وهي تكمل حديثها بجسد متشنج :
_ محدش محتاج تربية غيرك تقدر تقولي ايه ده؟!..
أخذ منها الهاتف وظل صامتا لعدة لحظات قبل أن يردف بوقاحة :
_ ده إثبات إني جامد، شايفة نفسك كنتي في عالم تاني زي، حافظي على الخبير اللي في ايدك يا بنت الناس محدش لقى رجالة الفترة دي..
أهذا هو رده على تلك الفضيحة؟!.. حركت رأسها بانهيار مرددة :
_ أنا انفضحت وأنت فخور بنفسك، طبعاً ما أنا عادي الناس تتكلم عليا أبقى إيه عشان فايز باشا الكبير يفكر في سمعتي..
_ تبقى مراتي..
_ هااا..
أقترب منها بخطوات مدروسة حتى أصبحت بين أحضانه ليهمس بحنان :
_ هتبقى مراتي في أسرع وقت، مش عارف أشكر اللي عمل كدة ازاي لأنه قربك مني، أطلعي ارتاحي يا حبيبة وكل حاجة هتبقى زي ما أنتِ عايزة بس بلاش كلام النهاردة لحد ما همت تبقى في بيتها..
____ شيماء سعيد _____
بجناح الكبير..
دلفت وعد بخطوات متوترة بعدما أخبرتها الخادمة إن سند ينتظرها بالجناح، أغلقت الباب خلفها متعجبة من عتمتة المكان، أخذت نفس عميق ثم همست :
_ سند أنت هنا؟!..
_ اممم..
صدرت منه همهمة بسيطة لتعلم إنه على الفراش، تحركت بخطوات سريعة وجلست بجواره مردفة :
_ أنت قاعدة في الضلمة كدة ليه، وبتعمل ايه هنا؟!..
أبتسم بزاوية فمه قائلا بنبرة صوت غريبة عليها :
_ مش عايزة أكون موجود؟!..
حركت رأسها سريعاً بنفي ثم قالت :
_ لأ طبعاً ده بيتك، أنا بس أقصد عشان خاطر همت….
سحبها لتبقى بين أحضانه، شعر بإرتجاف جسدها تحت يده ليدفن وجهه بأعماق عنقها الناعم مردفا بتعب :
_ كنت محتاج الحضن ده أوي قبل ما أمشي..
هي الأخرى تحتاج لهذا العناق، لذلك قررت الأستمتاع بهذا الدافي والأمان الذي يشعرها بأنها على قيد الحياة، ضغط على جسدها أكثر لو بيده لجعلها تسكن بين ضلوعه لعله يطمئن ولو لقليل..
وصل إليه دقات قلبها العالية ليقول بنبرة رجولية حنونة :
_ أرجعي بنفس قوة أول مرة شوفتك فيها، مش عايزك تبقى ضعيفة لمجرد إني مرتاح عايزك تبقى أنتِ اللي مرتاحة..
ابتعدت عنه رغما عنها وعنه، عينيها تقول الكثير ولسانها يرفض فتح أي موضوع خصوصاً بتلك الظروف الا أن التشجيع الذي ينظر لها به جعلها تردف :
_ أنا مش هكمل معاك الا لما أحس بالأمان يا سند..
تنهد قائلا :
_ وهتحسي بالأمان إزاي يا وعد؟!.. مطلوب مني أوصلك ده إزاي؟!..
قامت من على الفراش مردفة بخبث :
_ لما ترجع همت هقولك يا كبير المفروض تعمل إيه..
قهقه بعدما فهم انها بالفعل عادت وستلعب معه وربما تكسبه، قام هو الآخر وقال وهو يعدل ملابسه :
_ ماشي يا مرات الكبير، العبي براحتك وأنا هكون مرحب جدا وعندي حماس لفوزك..
____ شيماء سعيد ____
نزل سند الدرج وهو مستعد لتلك المعركة الذي سيأخذ بها روح حمد، وقف بآخر درجة على صوت فايز القائل :
_ عرفت مكان حمد؟!..
اوما بابتسامة باردة تعلن بداية الحرب مردفا :
_ ساعة وهمت هتكون في بيتها يا عمي..
أخذ فايز نفس عميق ثم قال :
_ في حاجة لأزم تشوفها قبل ما تقابل حمد يا سند..
رفع سند حاجبه بدهشة وقال :
_ حاجة ايه دي؟!..
أقترب منه بخطوات مترددة ثم فتح له الهاتف على الفيديو الخاص بوعد نظر إليه سند بهدوء مريب :
_ معنى الفيديو ده إيه يا عمي؟!.
_ من غير ظلم يا سند بس تفتكر كانت بتعمل معاه إيه الضهر وهمت تختفي بالليل، ومين عنده الجراءة ينيم همت بكل سهولة الا لو حد قريب منها وهي واثقة فيه؟!.. المعنى واضح..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
كانت تقف أعلى السلم بأنتظار رده، سقط قلبها أرضا مع طول صمته تتمنى من أعماق قلبها أن يثبت عشقه لها مرة واحدة، حركت رأسها بسخرية مع خيبة أمل كبيرة..
أما بالأسفل أخذ ينظر للفيديو أكثر من خمس دقائق بصمت، لم يعطي لفايز انتباه، كيف لأحمق مثل حمد الدخول لمنزل الكبير والاقتراب من زوجته؟!.. اشتغلت نيران الغيرة بقلبه ولم يفوق إلا على جملة فايز الأخيرة :
_ هتعمل ايه يا سند؟!..
رفع رأسه بهيبته المعروفة قائلا :
_ هجيب اختي يا عمي والايد اللي اتمدت على مراتي هقطعها..
رفع فايز حاجبه مردفا بتعجب :
_ أنا مش فاهم منك حاجة أنت تقصد إيه؟!..
_ ممكن أشك في نفسي بس في وعد لأ، وعد بتحب همت كأنها أختها ومش ضعيفة عشان تعمل حاجة من وراه ضهري، مرات الكبير بمية راجل يا فايز، خد بالك منها لحد ما أرجع ولو مرجعتش أطلب منها تسامحني..
خرجت منها شهقة عالية وصلت إليه ليدور برأسه لها بلهفة، عادت إليها الروح من جديد وشعرت أخيراً بالنصر للمرة الأولى معه، نزلت إليه بخطوات سريعة ثم أردفت بتقطع :
_ هستناك ترجع لي بنفسك لسه في حساب كبير بيننا مخلصش يا كبير والا أنت عايز تهرب قبل ما أخد حقي..
ابتسم إليها مردفا :
_ اللي بينا سكة طويلة مش بس حساب ومش ههرب يا دكتوره هاجي لك بس أنتِ توعديني تفضلي مستنياني..
أومات إليه قائلة :
_ هستناك..
أقترب منها بخطوة سريعة واضعا قبلة أعلى رأسها ثم رحل دون أضافت كلمة، لتنظر هي لفايز مردفة بهدوء عندما رأت نظراته الخجولة من حديثه عنها :
_ عندك حق تشك في كل اللي حواليك مفيش حد يستحق الأمان، على فكرة يا أستاذ فايز حبيبة بتحضر شنطة هدومها وهترجع القاهرة لو جواك حاجة ليها بلاش تضيع وقت..
_____ شيماء سعيد _____
بغرفة حبيبة قبلت رأسها صغيرها صالح مردفة بحنان :
_ خد اختك واستنى في العربيه تحت يا حبيبي لحد ما انزل لكم..
أوما إليها قائلا بهدوء :
_ ماشي بس يا ريت بسرعه احسن سماره وحشتني قوي..
ضحكت على زوجة شقيقها التي تتعامل مع طفليها كأنها مثلهما، أغلقت الحقيبة وهي تشعر بفراغ كبير بداخلها هذا المكان أصبح جزء منها يصعب عليها التخلي عنه..
تحركت بخطوات بطيئة حتى وقفت أمام المرايا، وضعت كفها بشكل تلقائي على شفتيها محل أول قبلة بينهما، لماذا تشعر إنها عذراء فقدت أول قبلة؟!.. لماذا تتذكره وتشعر بطعم خاص لكل شيء حدث بينهما حتى لو جملة وقحة خرجت من بين شفتيه؟!..
شهقت برعب على إغلاق باب غرفتها بطريقة همجية، لفت وجهها لتجده يقف أمامها مثل الأسد الذي يخطط كيف يأخذ روح فريسته، ابتلعت لعوبها ثم أردفت بقوة :
_ أنت بتعمل إيه هنا وإزاي تتجرأ وتدخل اوضتي بالشكل ده؟!..
_ هتمشي؟!..
كلمة واحدة بها الكثير من المعاني أومات اليه مردفة :
_ أيوة..
بنظرة يأكلها العتاب سألها :
_ ليه؟!..
رفعت حاجبها قائلة :
_هو اللي ليه يا فايز بيه، أنا كنت جاية هنا عشان ابدأ من جديد حياة بسيطة، لكن من وقت ظهورك وكل ده اتحول، تقدر تقولي طريقه تعاملك معايا من اول يوم شوفتني دي معناها إيه؟!.. ده غير طبعا الصور اللي بقت في أيد الخدم واللي جنابك مش عامل لها أي حساب المكان ده مش مكاني ومش شبهي وانا مش هقعد لحظه واحده بعد النهارده..
تمنت لو يتمسك بها تمنت لو تشعر لأول مرة بحياتها إنها أمرأة مرغوبة من رجل تحبه ولا يقدر على العيش بدونها، خاب ظنها عندما قال ببرود :
_ ترجعي بيتك وحياتك بالسلامة…
____ شيماء سعيد ____
بمكان حمد وهمت أخذت نفس عميق وهي تراه يخرج من الغرفة لتقول بصوت عالي :
_ أنا هدخل أخد شور في هدوم هنا والا لأ؟!..
أجابها من المطبخ :
_ في جوا الدولاب كل اللي نفسك فيه..
أخذ قطعة من الجبن ووضعها داخل فمه مردفا :
_ البنت دي مش ساهلة يا حمد عشان تطمن لها، واحد قدرت تكذب سنين انها مريضة مش هقدر عليك، بس لأ همت بتحبني ودماغها مش بتفكر في حاجة إلا إنها تبقى معايا..
أما بداخل المرحاض بدأت تبحث عن مخرج حتى ولو صغيرة من تلك المقبرة، لعنة من الحب أصابتها لتقع بالشخص الخطأ وتذهب سنوات عمرها مثل السراب أمام عينيها..
ابتسمت ببعض الأمل مع وريتها لتلك النافذة العالية، حركت رأسها مرددة بتعب :
_ هطلع لدي ازاي قبل ما يخلص؟!. قويني يا رب..
خرجت من المرحاض وأخذت مقعد صغير وحبل كبير يسند الفراش من الأسفل وعادت للداخل من جديد، صعدت على المقعد ببطء وبعد أكثر من دقيقة قدرت أخيراً على ربط الحبل بباب النافذة..
بالخارج أنتهي حمد من الطعام وهو يقول بسخرية :
_ أخيراً هرتاح منك يا كبير والمرة دي هتبقى للأبد..
سقطت صنية الطعام من يده مع وقوع باب المنزل ودخول سند الكبير بمفرده، ألقى عليه إبتسامة رائعة وهو يشير إليه بالاقتراب مردفا :
_ وحشتك يا حمد مش كدة، تعالي في حضني يا حبيب أخوك..
أبتلع حمد صدمته ورفع حاجبه ساخرا وهو يقول :
_ منور يا كبير خطوة عزيزة بس يا ترا إيه سببها؟!..
وقف سند أمامه بشكل مباشر ووضع كفه على كتف الأخر ثم قال ببساطة :
_ ولا حاجة ليا عندك أمانة هخدها وامشي..
ضحك حمد وأزال يد الآخر عنه مردفا ببرود :
_ كان على عيني تطلع فاضي بس أختك هتبقى مراتي ومش هتشوفها تاني يا سند..
عاد سند خطوة للخلف وابتسم بتهكم قائلا :
_ الا قولي صحيح يا حمد إيه كل الغل اللي جوا قلبك ليا ده، مش كل اللي بنا قضية أنت مش عارف تثبتها يا حضرت الظابط؟!..
ألقى حمد نظرة سريعة على باب المرحاض حتى بتأكد إن همت مازالت بالداخل ليرد بعدها بنبرة صوت يفوح منها الكراهية :
_ قضية إيه بس يا كبير اللي ما بنا، اللي بيني وبينك كره أكبر من كدة بكتير..
_ اللي هو إيه بقى الكره ده؟!.
الإجابة كانت بالفعل صادمة، فقد حمد السيطرة على نفسه صارخا :
_ إنك ناجح وفوق الكل في البلد حتى فوق القانون، وارث العز والنجاح من وأنت في اللفة، طبعاً ما أنت حفيد عتمان الكبير وولي العهد، أنا مش عايز حاجة غير اني احبسك وأقطع نسلك وبعدها هتجوز همت وقتها بس أنا هبقي كبير الكفر ونسلي هو اللي هيكمل..
تعجب سند جدا من كم الحقد المزروع بداخل هذا الرجل، يكرهه فقط لأن الله أعطي المال والهيبة؟!. لأول مرة بحياته يشعر ان النجاح يجعل من حولك يتمنى نهايتك حتى وأنت لم تفعل بهم شيء، حرك رأسه بذهول مردفا :
_ أنت بتقول إيه ده أنا فكرت ان في بنا تار قديم عشان يبقى جواك كل النار دي، في الآخر تطلع غيرتك هي سبب حقدك؟!..
رد عليه حمد بغل أكبر وشريط حياته يسير أمام عيناه بلا توقف :
_ اللي زيك اخد كل حاجة من الدنيا وميعرفش يعني إيه إنسان شاف المر كله عشان بس يشتري شنطة مدرسة، ميعرفش يعني إيه تبوس ايد كبير البلد عشان بس يتوسط لك تدخل الكلية اللي نفسك فيها، تفضل تتعب وتكبر عشان في الآخر بدل ما تسمع العيال في الشارع نفسها تطلع زيك يبقى نفسها تطلع زي سند الكبير، طول عمرك أخد الدنيا كلها وعشان أنا أعيش يبقى أنت لأزم تموت..
رغم صدمته التي تزيد بكل كل كلمة تخرج من فهم الأخر الا إنه سند الكبير، رفع رأسه بكبرياء ورد بنبرة وقورة :
_ لو كنت بصيت جوا كوبايتك من غير ما تبوص عندي كنت شوفت كل اللي عندك يا حضرت الظابط، عموماً أختي دلوقتي وصلت بيت الكبير أما أنت الحكومة اهي…
أنهى جملته ليدخل رجال الشرطة بنفس اللحظة، أخذ نفس عميق قبل أن يقول :
_ لأول مرة ادخل الحكومة في حسابي مع حد بس قولت لأزم تتحاسب بنفس الطريقة اللي كنت بتحلم تضيعني بيها يا حضرت الظابط..
_____ شيماء سعيد _____
بمنزل الكبير كانت تقف سماح بالمطبخ وبجوارها والدتها التي قالت بسعادة :
_الحمد لله همت رجعت مع رجالة سند..
ضربت سماح على صدرها صارخة:
_ يا لهوي ياما وده سبب تفرحي عشانه..
جذبتها والدتها من كتفها مردفة بشك :
_ ومفرحش ليه يا عين أمك اوعي يكون ليكي يد في اللي حصل لبنت عمك..
ردت عليها سماح بمنتهى البرود :
_ مش هي المقصودة كان كل غرضي إن الست الدكتورة تلبسها وتروح في ستين داهية..
لم تتوقع بأبشع أحلامها أن تجد سند خلفها، أرتعب جسدها وحاولت قول أي كلمة لكن الخوف كان أقوى بكثير، لا تعرف ما حديث لها وهي تسمعه يقول :
_ لما رجعتك البيت الكبير كنت فاكرك أذكى من كدة وهتقدرى تستغلي الفرصة دي كويس، من النهاردة مش عايز أشوفك في الكفر كله..
حركت رأسها بكل الاتجاهات رافضة تلك النهاية، ظلت تصرخ بحبه وإسمه إلى إن سقطت فاقدة الوعي لتظل من بعدها عاجزة الباقي عمرها…
____ شيماء سعيد _____
بعد أكثر من ثلاثة أشهر بإحدى العيادات النفسية أنتهي سند من جلسته بابتسامة مرتاحة وخرج ليري وعد تجلس منتظرة دورها، قامت مقتربة منه بتوتر قائلة :
_ خلصت بسرعة كدة ليه؟!..
زادت ابتسامته ورد عليها بنبرة حنونة :
_ متخافيش كله تمام أدخلي يلا دورك..
أومات وتحركت من أمامه بعد عشر دقائق سألتها الطبيبة بهدوء :
_ قوليلي يا مدام وعد أنتِ بتيجي هنا ليه؟!..
تعجبت في البداية من السؤال الا انها قالت :
_ طول عمري بتعامل على إني برنسس لكن في اليوم اللي نزلت فيه تحت رجل سند عشان اغسلها حسيت وقتها إني ولا حاجة، مع إن في ستات كتير بتعمل كدة ومع اني كان ممكن في يوم أعمل كدة بكل نفس راضية بس لما عملتها بالقوة والقهر كانت بالنسبة ليا نهاية الدكتورة وعد، جيت هنا عشان أرجعها وأحاول أعرف ليه بتخيل إهانة أبشع من كدة بسببها راح إبني..
ابتسمت الطبيبة قائلة :
_ طيب تعرفي سند بيه ليه بييجي هنا؟!..
حركت رأسها بتعب مردفة :
_ معرفش بس تقريباً عشان مشكله والده.. أنا بجد مش فاهمة حاجة خالص..
كتبت الطبيبة بعض الأشياء على ورقة صغيرة ثم قالت :
_ لأ هو عمل كدة عشانك أنتِ..
رفعت وعد حاجبها بدهشة قائلة :
_ عشاني أنا ازاي؟!..
_ يمكن مثلاً عشان بيحبك وعايز يبقى إنسان يليق بيكي يا دكتورة..
ابتسمت وعد قائلة :
_ سند مش محتاج حاجة عشان يليق بيا أنا كنت راضية بكل عيوبه، كنت ببعد عشان خايفة يزهق ويبعد عني ومن أول يوم جواز ده حصل للأسف..
بتلك اللحظة ضربت الطبيبة على الجرس الموضوع بجوارها ليدخل سند قامت الطبيبة ثم قالت بهدوء :
_ على ما أعتقد بعد 3 شهور جلسات أنتوا على إستعداد للكلام بشكل أوضح ومن غير خوف..
خرجت وتركت لهما تلك المساحة، قامت وعد من مكانها مردفة بهدوء :
_ أنت مش مجبر تتكلم في حاجة لو مش عايز..
سحبها من كفها وعاد بها لتلك الاريكة ليجلس عليها وهي بجواره ثم خرجت تنهيده طويلة من بين شفتيه قائلا :
_ بس أنا محتاج أتكلم ومحتاج اسمعك يا وعد.
عضت على شفتيها بالقليل من التوتر ثم قالت:
_ هنتكلم في إيه؟!.. أنت قولتلي قبل كده سبب اللي حصل وان باباك كان بيحب ماما الله يرحمها وده ولد جواك عقده، وأنا قولت لك سبب اللي حصلي وقررنا إحنا الأتنين نتعالج، إيه الحاجه الجديده اللي ممكن نقولها دلوقتي..
أبتسم لها لا يعلم إذا كان يريد بث الإطمئنان بداخلها أم بداخله هو، ثم قال بارهاق نفسي واضح:
_ أنا جيت هنا عشان خاطرك يا وعد، مع إني عارف بعقدتي من سنين زي ما بتقولي، بس ما كنتش عايز اتعالج عملت كدة عشانك أنتِ، مستعدة تكملي حياتك اللي جايه معايا ولا لسه شايفة إن في أبواب مسدودة بينا..
ردت عليه بغيظ:
_ تفتكر لو مش عايزه أكمل هكون مجبور أعيش معاك تحت سقف واحد طول التلات شهور اللي فاتوا دول، أنا باجي هنا عشان أقدر أنسى اللي فات وأبدا معاك من جديد..
وضع كفه على كفها وقال:
_ يبقى نبدأ من جديد..
أبتسمت إليه قائلة:
_ مستعد ؟!..
أومأ إليها بحماس طفل صغير مرددا:
_ جداً المهم أنتِ..
_ أنا كمان جدا يا كبير ..
_____ شيماء سعيد ____
بالقاهرة بمنزل صالح الحداد كانت تجلس سمارة بجوار حبيبة بالحديقة قائلة بغضب:
_ أوعي تقوليلي إن قلبك حن وناويه ترجعي للبية بعد ما طلق مراته الجديده والله اطبق في زمارك رقبتك واخلص منك..
ابتسمت لها حبيبة قائلة:
: اهدي شويه على نفسك وعلى إللي في بطنك بدل ما أنتِ قاعدة تحرقي في أعصابك طول النهار..
جزت سمارة على أسنانها قائلة:
_ يا ستي ملكيش دعوه بيا ولا باعصابي ردي عليا يا حبيبه هو أنتِ ناوية ترجعي لحسن بجد؟!..
حركت رأسها وتعلقت عينيها بتلك الشجره الجميله التي أصبحت تدمن الجلوس أمامها ثم ردت ببساطة:
_ حسن صفحة وأتقفلت وأنا عمري ما رجعت أدور في صفحاتي القديمه، ربنا يهنيه ويرزقه بواحده تانية تليق بيه..
ضربتها على كتفها وقالت بحماس:
_ أيوه كده يا بت تربيه ايدي عايزاكي دايما شديدة الرجاله دول ما يستاهلوش غير المعامله بالجزمه..
شهقت فجأة عندما سقط كف صالح على عنقها الناعم وهو يقول بغيظ:
_ 100 مره أقول لك أحفظي لسانك وأبعدي عن أختي ملكيش دعوه بحبيبه يا سماره البت مش قدك..
قامت من مكانها قائلة بضجر:
_ وأنا 100 مره اقول لك ملكش دعوه بقفايا يا جدع الله، بجد مش قادره اتحملك اكتر من كده يا صالح، هغور من وشك أشوف العشا خلص ولا لأ، وهأكل سندوتشين مربى بالمره في سكتي..
قهقة صالح بمرح وظل صامت حتي اختفت من أمامه فقالت حبيبة:
_ بطل تضايق فيها بقى سمارة طيبة جداً وقلبها أبيض وبتحبك قوي كمان..
أبتسم بهيام قائلا:
_ وأنا بعشقها..
جذب حبيبة لتجلس علي نفس مقعده ثم قال:
_ سيبك منها دلوقتي أنا بعرف أتصرف معاها في موضوع تاني عايز أكلمك فيه..
_ موضوع إيه خير قلقتني؟!..
مسح على خصلاتها بحنان وقال:
_ سند وعيلته هيجوا يقعدوا هنا أسبوع أنا مش عارف أنتِ رجعتي من هناك ليه وما رضيتش اضغط عليكي، ممكن ييجوا عادي والا مش تقدري تتحملي وجودك معاهم في مكان واحد؟!..
دق قلبها بسرعه رهيبه بمجرد تفكيرها برؤيتها لفايز الكبير مره اخرى حاولت التحلي بالقوه وهي تقول بنبره خرجت متوتره رغما عنها:
_ عادي يا صالح ينوروا البيت، أنا أنا أقصد يعني ما عنديش أي مشكله معاهم، بالعكس بحب وعد جداً وهمت كمان وما كانش في بيني وبين سند أي تعامل..
حمقاء لا تعلم إنها تربت على يده ويعلمها أكثر من نفسها، رسم على وجهه إبتسامة مرحة قبل ان يقوم من جوارها ويقول بخبث خفيف:
_ طيب تمام خلي الخدم يجهزوا خمس أوض عشان عمه وابن عمته هيجوا..
ذهب وتركها بمفردها لأفكارها الطائشة كانت مذهوله من نفسها بالفعل غير مصدقه إنها مشتاقه لأبن الكبير لتقول:
_ معقول عايزة أشوف فايز قليل الأدب ده..
____ شيماء سعيد ____
بالمساء جلست حبيبة بالمقعد المقابل لفايز مردفة بعصبية:
_ تقدر تقولي إيه اللي أنت عملته ده؟!.
حرك كتفه ببراءة قائلا:
_ وأنا عملت إيه بس يا شيخة حرام عليكي وبطلي افتراء بقى ده انا جايب العيله كلها وجاي أتقدم لك عايزه ايه أكتر من كده…
حاولت بقدر المستطاع إخفاء سعادتها إلا أن العيون دائماً تكشف صاحبها وتظهر ما بداخلهم بمنتهي الشفافية ، ردت عليه بغيظ:
_ ويا ترا بقي إيه إللي فكرك بيا، تلات شهور كانوا كفاية عشان تنسي انك تعرفني أصلا..
غمز لها بوقاحة قائلا:
_ آه يا قليلة الأصل بقي تنسي الفضايح إللي بنا ، يا بت أنا هنا عشان أستر عليكي..
شهقت بقوة من ردوده الوقحة وقامت من مكانها ، جذبها بقوة لتعود على المقعد ثم أردف بقوة:
_ مكنش ينفع أتقدم لك أو أخد أي خطوة قبل ما أخد حقك من اللي اتجرا وحاول يأذيكي .. .
بلعت لعوبها بتوتر قائلة:
_ هو مين ده..
ضحك بمرح مردفا:
_ مش مهم هو مين المهم إني عايز اتجوزك بقي مش هستني أكتر من كدة ردك إيه..
_ عايزة فترة أدرس شخصيتك..
____ شيماء سعيد ____
بغرفة سمارة جلسوا جميعا لتقول وعد لهمت :
_ فرفشي بقى وبطلي نكد سي هادي عقابه هيخلص وتتجوزوا بقى..
غمزت لها سمارة بشقاوة :
_ الا قوليلي قصة الحب دي ظهرت أمتا يا بت؟!..
بعدت همت وجهها عنها بخجل ثم قالت :
_ مش عارفة بس هادي طلع طيب أوي وكمان وقف معايا في أكتر وقت كنت محتاجة لوجود حد فيه..
ردت تلك المرة صافية التي دلفت للغرفة ببطنها المتتفخة وسمعت حديث همت :
_ المهم تاخدي الموضوع خطوة خطوة السرعة مش حلوة.. وأنتِ يا مرات الكبير ناوية على إيه؟!..
تنهدت وقالت بحنين :
_ ناوية أعيش مش ناوية أضيع من عمري وعمره تاني..
____ شيماء سعيد ____
بعد تسع سنوات بإحدى القري السياحية كانت تجلس وعد على الرمال بجوارها ياسين ابنهما الأكبر يلعب مع شقيقه عثمان، وهي تشاهد سند وهو يسبح بحمام السباحة، وضعت كفها على بطنها المتتفخة بابتسامة مرتاحة لما وصلت إليه..
صرخ عثمان فجأة قائلا بغضب :
_ ليه هديت البيت بقالنا ساعة بنبني فيه؟!…
رد عليه ياسين بهدوء :
_ شكله مش حلو وممكن نبني واحد غيره عادي..
جزت وعد على أسنانها قائلة :
_ واد يا سند يا صغير أنت حتى لو شكله مش حلو تعبتوا فيه والا لأ؟!.. وبعدين كان المفروض تأخد رأيك أخوك لأنه شريكك فيه..
صمت ياسين لعدة ثواني ثم أقترب من شقيقه مقبلا رأسه باعتذار قائلا :
_ حقك عليا يا عثمان تعالي نعمل غيره وأوعدك هحافظ عليه مهما كان شكله كفاية تعبنا فيه..
شهقت بخجل مع قبلة سند الوقحة على شفتيها لتقول بعصبية :
_ أحترم نفسك العيال قاعدة..
حرك كتفه ببرود قائلا :
_ ولا يهمني غيرك يا دكتورة..
ابتسمت قائلة :
_ بحب اسمع اسمي منك يا كبير من غير دكتورة دي..
رد عليها بغيظ :
_ بطلي تقولي يا كبير وأنا مش هقول يا دكتورة..