رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير بقلم سارة محمد
رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة سارة محمد رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير
رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير
في إحدى شقق القاهرة بالمناطق الراقية ، و وسط ذلك الجو شديد الحرارة ، فتاة يافعة ترتدي كفوف الملاكمة و أمامها كيس الملاكمة الطويل ، أخذت تضرب به بقوة بقدميها وبكفيها ، عاقدة خصلاتها التي تصل لما بعد ظهرها كذيل حصان مما أعطاها مظهرً جاد ، مرتدية زي الرياضة بكنزته "الكت" و بنطاله الملتصق بساقيها الرشيقتان ، تنبعث من بين جفنيها المغطان بأهدابٍ كثيفة تصميمٍ شديد ، ظلت تضرب الكيس حتى تصببت عرق من جميع أنحاء جسدها ، أمسكت بالكيس بكلتا كفيها لتسند رأسها عليه وصدرها يعلو و يهبط بلهاث..
ثم قامت بنزع الكفوف بعصبية و هي تلقيها أرضاً ، شرست ملامحها و هي تقف أمام المرآة ، شردت قليلاٌ و هي تنظر لنفسها ، بملامحها الشرسة و الحادة إلا أن بهما جاذبية خاصة بلون بشرتها الخمري و مقلتيها العسليتان سبحان الخالق و كأنه صب العسل بأعينها ..! و خصلاتها الفحمية المجعدة بغجرية و بالطبع جسدها الرشيق الممشوق لمواظبتها على التمارين الرياضية ، أُنتشلت من شرودها على صوت رنين هاتفها بـ موديله الحديث ، ألتقطته من على فراشها الوثير لتضغط على زر الإجابة ثم وضعته على أذنها قائلة :
- خير ؟
أجاب الطرف الأخر والذي لم يكُن سوى صوت أنثوي به رجفة خوف :
- أنا أسفة يا فندم اني ب.. بتصل في وقت بدري كدة بس في موضوع مهم حضرتك لازم تعرفيه ..
أشتدت ملامحها غضباً لتجأر بها :
- مـ تنجزي في أيه ؟!!!
- الشركة يا فندم .. بتضيع !!
"ملاذ خليل الشافعي"
صاحبة أكبر شركات الأزياء بالوطن العربي ، أستطاعت تكبير شركتها في سنة ونصف رُغم صغر سنها الذي لم يكن سوى أربعة و عشرون ، إلا أن شركتها الكبيرة و سيطها العالي يعود إلى عمليات النصب و الأحتيال التي قامت بها ، فـ أخر عملية نصب قامت بها كانت حول رجلٍ بالخمسون من عمره فقد بصره ، تلاعبت عليه ك الأفعى .. نصبت شباكها بحرفيه ليقع العجوز بالفخ دون عناءٍ يُذكر ، كتب لها أملاكه .. ثروة بملايين الجنيهات فُرغت في أحضانها ، و حتى لا تُكشف وتقع خلف القضبان دائماً ما كانت تحرص على التلاعب بالرجال الفاقدين حاسة البصر خاصة كبار السن .. و تفكر مئات المرات قبل أي خطوة تتقدم بها ، حيث تظهر بأسماءٍ مختلفه كـ "سميرة" "اسيل" دنيا" و الكثير من الأسماء الزائفة ، تتميز بوجهٍ حاد الملامح ، عينان سمرواتين مغلفتين بقسوةٍ و برود و حواجز منيعة هي من وضعتها ، عيناها حادة خاصةً عندما تضع ظل العيون الأسود -مستحضر تجميل- ، خمرية البشرة ذات جسد ممشوق ، خصلاتها بها تمويجة بسيطة ليصل لما بعد ظهرها ، توفى والديها أثر أنفجار حدث ببلدتهما الفقيرة نجت منها هي و شقيقتها عندما كانا عند خالتها -المرحومة - بالأسكندرية ، كانت طفلة لا تتعدى الست سنوات ، و شقيقتها كانت رضيعة عمرها لا يتعدى السنتان ، لم تكن تعي أنها لن ترى والديها مجدداً ، دائماً ما كانت "براء" شقيقتها رغم صغر سنها إلا أنها كانت المدللة لوالديها ، يجلبوا لها ما تريد إن كان بإمكانهم ، يجلبون لها الألعاب وو كأنهم لم ينجبوا إلا إياها !! ، بينما "ملاذ" يصرخون بوجهها و يضربونها أحياناً ، دائما عند طلب و لو شئٍ صغير كانوا يزمجرون بها ، لم تجد "ملاذ" حنان أبداً في طفولتها ، فـ بقيت تلك الفتاة المنطوية المنبوذة من جميع من حولها لاسيما والدها !! ، ربما هي لم تكره والدتها بقدر كرهها لذلك الرجل الذي بالخطأ أُطلق عليه ذلك المسمى ..!!
بعد تلك الحادثة المريرة .. رفقت بحالها السيدة "كريمة" جارتهما التي لم تُرزق بأطفالٍ ، إلا أنها هي من ربتهما تربية صالحة ، كان دائماً زوجها يعترض على وجودهما في المنزل ، فكانت تقول له بفظاظة :
- دة بيتي ياخويا و اللي مش عاجبه الباب يفوت جمل !!!
تهدج صدرها علواً وهبوطاً تنفي برأسها بحركات هيستيرية و هي تحاول إبعاد تلك الذكريات عن عقلها ، لملمت شتات نفسها لترتدي ملابسها الرسمية ، ألتقطت مفاتيح سيارتها بعجلة ..
• • • •
- أنتوا أيه متعرفوش تعملوا حاجة من غيري أبداً ، مشغَلة عيال صغيرة !!!
صدح صوتها بالشركة بأكملها و أمامها صفٍ من الموظفين مطأطأين رؤسهم بخوفٍ ، فـ هم يعلمون أنها لا تتهاون في العمل ، و غضبها الجحيمي أيضاً ..
أهتاج صدرها بغضبٍ لتطرق بكعب حذائها الأنيق على الأرضية و هي تعقب محذرة :
- قسماً بالله لو حصل حاجة زي دي تاني هرفدكوا كلكوا و مش بس كدة هخليكوا مش لاقيين تاكلوا فـاهمين !!!
أومأوا جميعهم مبتلعين الإهانة كالعادة لتبتعد عنهم و هي تدفع باب مكتبها بقوة ، كان أنيق يطغى عليه اللونين الأبيض و الأسود تتوسطه طاولة خلفها مقعد وثير و نافذة شديدة الأتساع ، أتجهت نحو النافذة و طرقات كعبها تصدح بالمكتب ، و قفت أمام الزجاج الشفاف لتطالع المنظر و راءه ، سمعت طرقات عشوائية ليدلف الطارق حتى دون أن ينتظر أستئذانها ، أشتعلت مقلتيها العسليتان لتلتف مطالعة الشخص الذي أمامها و هي تقول ببرودٍ :
- بـرا ..
توسعت حدقتي الشخص ليفتح ثغره ببلاهة قائلاً :
- نـعـم ؟!!
- إنت أستئذنتني قبل مـ تدخل ؟!
كانت لهجتها هادئة ، بينما تنحنح الشخص بإحراج ليخرج مغلقاً الباب ، طرق مجدداً منتظر أستئذانها لتعتلى ملامحها رضا و هي تستطرد:
- أدخل .
دلف الشخص ليطالعها بحنق و هو يقول :
- مش هتبطلي معاملتك الناشفة دي ؟ دة أنا حتى خطيبك يعني ..
تحركت نحوه بخطوات أنثوية غير مقصودة لتقف خلف مكتبها مقربة وجهها منه بملامحها المشدودة :
- إذا كان عاجبك يا عماد !!
حدق بها المدعو "عماد" بعشق و بملامحها القوية الجذابة ليقول بلوعة :
- عاجبني و نص يا قمر !
حدجته بسُخرية لتعود جالسة على مقعدها و هي تعقد كفيها بعملية ليظهر أظافرها المطلية باللون الأسود و هي تقول :
- خير ؟
أبتسم "عماد" ليجلس و هو يقول بجدية :
- نصَباية جديدة !!
تأففت بحنقٍ لتضرب على المقعد :
- أحنا مش كُنا خلصنا م القرف دة !!
غمز لها "عماد" قائلاً بإنتشاء :
- حد يقول لـ ظافر سرحان الهلالي لاء !!!!!
تغيرت معالم وجهها للصدمة الشديدة و هي تنهض قائلة بذهولٍ :
- قولت أيـه ؟!!!!
قهقه "عماد" بسماجة و هو يقول :
- لاء بقولك أيه ونبي كدة نضفي ودنك و ركزي معايا ، هننصب على ظافر الهلالي اكبر رجل أعمال يا ملاذ !!
جلست "ملاذ" و هي تنظر للفراغ ، بينما أكمل "عماد" :
- طبعاً هو غني ع التعريف ، ابن المرحوم سرحان عيلة الهلالي أكبر صعايدة في مصر !! ، هو الوحيد اللي عنده سيط جامد أوي أوي مع أنه عنده أخوات بس ميجوش نقطة في بحر شهرته و أيده الطايلة !!
دوى الصوت بأذنها عدة مرات ، فـ لم تستمع حتى لباقي كلماته ، "ظافر سرحان الهلالي" بن "سرحان الهلالي" ، ذلك الرجل الذي سلب منهما الكثير ، ذلَّها ، تشبَّع ببكاءها ، لم يرحمها أو يرحم شقيقتها حتى عندما كانت طفلة صغيرة ، برقت عيناها بوميض ثم ألتفتت إلى "عماد" قائلة :
- أمتى ؟
• • • •
في الوجه القبلي من مصر حيث الصعيد ..
بـ جناحٍ راقي يجعلك تتأكد من ذوق صاحبه الرفيع ،
أغلق أزرار قميصه الأسود القاتم الذي عزز عضلات جسده عدا أول زرين ، ثم شمّر عن ساعديه و عيناه متصلبة على المرآة أمامه ، ألتقط ساعة ذات ماركة عالمية ثم إرتداها ، صفف خصلاته بعناية لينثر عطره الجذاب بغزارة ، ثم ألقى نظرة واثقة على نفسه بالمرآة ، أنتعل حذاءه ليلج لخارج جناحه
↚
"ظافر سرحان الهلالي"
أكبر تاجر سلاح بالشرق الأوسط ، يفوق القوانين فـ بنظرهما هو فوق مستوى الشبهات ، كيف وهو من يخضع له الصغير و الكبير ، دائماً ما يُرسم لنفسه صورة نظيفة .. خالية من الأوساخ ، سمعته لم و لن تُلطخ ، رغم سنه الأثنان والثلاثون إلا أنه يملك أمبراطورية كبير بإسمه البرّاق "ظافر سرحان الهلالي" .. ذو جسد مُعضل يجعل الفتيات تُلقين بأنفسهن تحت قدميه ، يمتلك طولٍ يافع أطول من المعتاد بقليل ، بشرة برونزية ، و عيناه حادة كالصقر و لكن يشفع لذلك غابات الزيتون التي زُرعت بمقلتيه ، توفى والده لتآكل السرطان بجسده و لحالته المتأخرة لم يتقبل جسده أية علاجات ، عندها جن جنونه ، ذلك اليوم لن ينساه مهما حيا ، أنقلبت المشفى رأساً على عقب .. خاصةً ذلك القرار الذي أخذه والده و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ذلك القرار الذي كان ظالماً بحقه ، و عندما مات أبيه بعد مرور أسبوعان ، لم يذرف دمعةٍ واحدة ، بقى متحلياً بالقوة عكس أشقائه
• • • •
و بالأسفل ، زُين بهو القصر المتسع -ذو الطابع الفرعوني الأصيل- بـ مزينة كبيرة تدلت من السقف العالي ، تعالت الضحكات المرحة على طاولة وُضِعت بالمنتصف ، ولكن ع ضحكاتهم العفوية صوت خطوات "ظافر" التي صدحت بالمكان ، ألتزموا الصمت لـ هالة "ظافر" التي تحيط به ، أقترب منهم "ظافر" ليترأس الطاولة ، تفحصهم جيداً ثم أخذ بتناول الطعام أمامه ، تطلعوا الجميع له بحذرٍ ثم أمتدت كفوفهم ليشرعوا بتناول الطعام بهدوء ، رفعت "مريم" (زوجته) عيناها لتحدق به ، بزوجها ، معذبها ، جلادها ، كم تعشقه .. و كم هو باردٍ ، كم سعت لتتزوجه ، نعم فـ "ظافر" ابن عمها ، تزوجها ليرضي أبيه الذي كان على فراش الموت ، تزوجها قسراً ، إلا أنه يحترمها و يقدرها ، و لكن لم يُحبها يوماً و لن يفعل ، ليس لأنها ليست جميلة .. "مريم" ذات قدرٍ من الجمال و لكنه لا يكن لها الحب مطلقاً ، لم يرزقهما الله بأطفال إلى الأن .. رُغم مرور سنتان على زواجهما .. الأمر الذي جعل العائلة بأكملها تمقت منها ، و الأمر الذي جعل "مريم" تنتفض خوفاً من أن يتركها "ظافر" .. تمتلك "مريم" جمالاً صعيدياً أصيل ، حيث الخصلات الفحمية و البشرة البيضاء الناعمة و المقلتي المتسعتان بلونها البني و الجسد الآخاذ .. و برُغم كل ذلك ، لم يراها يوما "ظافر" كحبيبته .. هي فقط زوجته و هي يأست من أن تنتظر منه الأكثر من ذلك ..
رفع "ظافر ناظريه يحدق بهما ، على يساره تجلس والدته السيدة "رقية"التي زحفت السنوات على وجهها لتطبع تجاعيدٍ وقورة بخصلات فحمية تتخللها بعض الخصلات البيضاء واضعة وشاح على رأسها ..هي أغلى شئٍ على قلبه .. عيناها بهما بريقٍ من الحزن على وفاة زوجها ، رُغم مرور العديد من السنوات إلا أن حبه بقلبها لن يموت ..
أنتقل ببصره لما يلي والدته ، ليجد شقيقته "ملك" .. شقيقته الصغرى التي لم تكمل عقدها الثاني ، فتاة مرحة دائماً ما ترسم البسمة على وجوه الأخرين ، تملك جمالاً من نوع خاص حيث البشرة السمراء و العينان الزيتونية ورثتها عن أخيها و الخصلات الحريرية تحجبها حجابٍ زين وجهها الأسمر كالشوكولا الذائبة . "ملك" و "مريم" لا يطيقا بعضهم ، حيث دائماً ما كانت "مريم" تسخر منها على ألتزامها و على -الوشاح- (مثلما أسميته مريم) التي ترتديه و لكن دائماً ما يتصدى لها "ظافر" ، حيث أخر مرة زمجر بها بعنفٍ جعل أوصالهم ترتجف :
- قسماً بالله لو كلمتيها بالطريجة دي تاني هنسفك يا مريم !!!
و لأنها تعشقه ، صمتت .. وقفت الحروف على طرف لسانها .. عادت من شرودها لتستفيق على واقعٍ مرير
حرَّك "ظافر" ملعقته بالصحن أمامه ليقول بلهجةٍ باردة :
- فين باسل ؟!
تكلفت والدته الرد عليه و هي تقول بنبرة عادية :
- باسل سبقك على مصر ع الشركة ، بيقول عنده شغل كتير رايد يخلصه ..
تابع "ظافر" دون تكبد عناء النظر لها :
- مازن ؟
تابعت والدته مجيبة إياه بنبرة حزينة :
- والله يابني من الفجرية مختفي تلاجيه بيعمل مصيبة زي العادة ..
أُظلمت عيناه على ظلامها ، ليضرب بكفه على الطاولة بقوة جعل الأطباق تهتز خائفةٍ كأهتزاز قلوب الجالسين ، جأر بهما بحدةٍ :
- يعني أيه بيعمل مصيبة !!!! مازن لو عمل مصيبة تانيه هخليه يترمي في السجن و هوصي عليه أوي عشان يتربى ..!!!
ثم تركهم ملتقطاً "چاكت" بذلته السوداء و مفاتيح سيارته ليصفع باب القصر بقوة حتى أهتزت جدران القصر ، أنقبض قلب "مريم" لتركض ذاهبة وراءه و هي تنادي عليه بأعلى صوتها :
- ظــافـر .. ظـافر !!
فتحت باب القصر لتجده مازال يتجه لسيارته ذات النوع الفاخر .. ، لم يتوقف "ظافر و أكمل خطواته الهادئة عكس ما بداخله ، وقفت أمامه "مريم" بصدرٍ يعلو و يهبط من أنفاسها التي تبعثرت ، بينما زفر "ظافر" بتأففٍ ثم نظر لها بتململ ، حاوطت "مريم" وجنتيه بدورها ثم قالت بحنوٍ :
- أهدى يا ظافر صدقني مازن هيبجى كويس ، و سوق على مهلك يا حبيبي ..
رمى لها أبتسامة باردة خالية من الحياة ، ثم أبعد كفيها متابعاً سيره .. دون ان ينبث ببنت شفة ، تجلت خيبة الأمل واضحة على وجهها ، تهدلا كتفيها بأملٍ تبعثر على الأرضية ، فرت دمعة هاربة من عيناها تليها دمعات تُلهب وجنتيها ، ركضت لداخل القصر ، ثم إلى داخل جناحهما .. أرتمت على الفراش تبكي على حالها و بروده معها ..
• • • •
أدارت إطار مقعدها المتحرك حتى تسطيع التحرك في المنزل التي تقطن به وحدها سوى من خادمة ترعاها ، خصلاتها الناعمة منثورة على كتفيها ، شحب وجهها وكأنها بالسبعون من عمرها رُغم سنها الذي يصغر شقيقتها بـ عامين ، سمعت صوت صرير باب الشقة يُفتح ..نظرت خلفها لترى شقيقتها ، سُرعان ما تغيرت معالم وجهها إلى الحقد ، صرخت بغلٍ أنبعث من بين شفتيها بوضوحٍ :
- هو أنا مش قولتلك متجيش هنا تاني !!!
↚
رُغم صراخها ، نبرتها الحادة و الغل الكامن بداخل صوتها ، إلا أن "ملاذ" أبتسمت بـ حنوٍ يظهر فقط إلى "براءة" ، أقتربت من مقعدها متجاهلة تماماً كلماتها و النظرات التي ترميها بها التي كانت كالنصل يمزق جسدها بلا رحمة ، قرفصت أمام مقعدها لتصل إلى مستواها لتضع يداها على كتفها ، و سريعاً ما نفضتها "براءة" بعنف و كأنها ستلوثها !! ، أبتسمت "ملاذ" وكأن شيٍ لم يكن لتقول بنبرة حانية :
- كلتي ؟
نكزتها "براءة" في كتفيها بعنف حتى كادت "ملاذ" أن تسقط للوراء و لكنها تماسكت ، لم تؤلمها تلك الضربة العنيفة التي صدرت من شقيقتها بقدر من آلمتها ما قالته "براءة" :
- أنتِ أيه معندكيش دم مبتحسيش بقولك مش عايزة أشوف وشك !!!
تماسكت "ملاذ" كالجبلٍ و لم تُعلق لتنادي على الخادمة بصوتٍ شديد العلو ، جاءتها الخادمة راكضة و هي تقول :
- أؤمري يا ست هانم ..
- براءة هانم أكلت ؟
ردت الخادمة سريعاً وسط تأففات "براءة" :
- أكلت يا ست هانم و غيرت للهانم هدومها حاجة تانية ؟
- على شغلك ..قالت "ملاذ" بقوة لتذهب الخادمة للمطبخ ، نظرت إلى "براء" قائلة بحنانٍ بالغ :
- أنتِ كويسة يا براءة ؟ محتاجة أي حاجة ؟
صرخت بها "براءة" بـ قهرٍ :
- محتجاكي تبعدي عني ، أنت أيه يا شيخة عايزة مني أيه تاني بسببك بقيت مشلولة وقاعدة على كرسي ، قوليلي عايزة تاخدي أيه مني تاني ، أبعدي عني بقى أنت بتوسخيلي حياتي !!!!!!
جمدت عيناها على عينان شقيقتها ، تخشبت ملامحها و كأنها أصبحت صنم ..دون أن تتفوه بحرف ، نهضت على قدميها تخفي تماماً الأنكسار الذي تجلى في مقلتيها بوضوعها نظارة الشمس السوداء التي حجبت ترقرُق الدمعات في عيناها ..
تركتها وذهبت خارج الشقة ، و صدرها يعلو و يهبط بإهتياجٍ كالغريق ، خرجت من العمارة الراقية بأكملها و هي لا تستطيع إدخال الأكسجين إلى رئتيها ، سرعان ما أخرجت رذاذ الربو من حقيبتها لتضغط على الرذاذ داخل فمها ، بعد أن هدأت قليلاً ذهبت مستقلة سيارتها الفخمة بلونها المستردة ، قاومت اادموع التي تصرخ بالخروج داخل مقلتيها ، قاومت ذلك الشعور لتضغط على مكابح السيارة بقوة مخلفة ورائها دخانٍ كثيف ..
• • • •
دلفت لشقتها ذات الذوق الرفيع ، و لكنها باردة ، رُغم الطقس الحار و لكن شقتها تبعث الرجفة في الأنفس ، أغلقت الباب بقدميها ثم دلفت بهدوءٍ ، ألقت حقيبتها على الأرضية بإهمالٍ لتجلس على الأريكة بالبهو الواسع ، كل شىٍ ضدها ، بدايةٍ بـ شركتها التي خسرت مبلغٍ عظيم نتيجة تسرُب تصاميم الأزياء التي صممتها ، أقسمت على أن تعلم تلك الخائنة التي سرقت الصور إلى الشركة المنافسة ، وصولاً بـ عماد الذي أخبرها على أحتيالٍ جديد ، " ظافر سرحان الهلالي" .. فريستها الجديدة ، والده سبب كل شئ ، هو من جعل شقيقتها تكرهها بتلك الطريقة ، و هي التي أعتقدت أنها ستخرج من ذلك الوحل ، لا تلاحظ أنها أصبحت تنغمس به..
أمسكت بهاتفها تحادث "عماد" بنبرتها الجامدة :
- عماد ، أسمعني كويس ، طبعاً أنت عرفت أن تصاميمنا أتسرقوا ، عايزاك تعرفلي مين اللي سرق الصور ..بليل يكون عندي أسمه يا عماد !! ، و تقول للموظفين على أجتماع بكرة عشان نبدأ نصمم تصاميم تانية قبل ال show مـ يبدأ .. قدامنا شهر يا عماد شـهـر !!!
• • • •
وقف واضعاً ذراعيه المفتولين وراء ظهره ، عيناه تجول على المنظر البديع أمامه ، حتى زجاج المكتب لم يستطيع إخفاء جمال المنظر أمامه ، سمع رنين هاتفه المحمول ، دس يده بجيبه ليخرج الهاتف ، ضغط على زر الإتصال بجمودٍ :
- في حاجة يا مريم ؟
سمِع صوتها الحنون و هي تقول :
- وصلت بالسلامة يا ظافر ؟
أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ليقول بصوتٍ جاهد أن يكون هادئاً :
- مـريـم ، لاحظي أني قولتلك قبل كدة أني مش صغير ، فـاهـمـة !!!!
لم يستطيع كبح غضبه فـ صرخ بأخر كملة حتى برزت عروقه ، زمت "مريم" شفتيها بحزنٍ لتقول :
- مش قصدي والله .. أني بس كنت خايفة عليك عشان الطريج بيبجى طويل من أهنه لمصر ..
تأفف بصوتٍ عالي لتسرع "مريم" قائلة :
- طب خلاص متتلجلجش .. هسيبك دلوكتي تشوف شغلك ..
ثم أغلقت سريعاً قبل أن يُفرغ غضبه بها ، مسح على خصيلاته السوداء بقوة ليجد "باسل" يدلف له و الأبتسامة تغمر ثغره قائلاً بمرحٍ :
- بتشد في شعرك ليه ؟!!
"باسل سرحان الهلالي" ..
يصغر أخيه بعامين فقط ، ذو سيطٍ عالٍ بالسوق ، و لكن بالطبع ليس كأخيه ، إلا أنه دائماً ما يعترض على أعمال أخيه المشبوهة، حاول الكثير من المرات أقناعه أن يتوقف عن تصدير الأسلحة وغيرها من الكوارث و لكن دائماً يزجره "ظافر" و يحذره ألا يتدخل فيما لا يعنيه، لذلك بنى "باسل" شركته المنفردة ، مبتعداً تمام البعد عن أعمال "ظافر" و الوحل الذي أخذ يقحم نفسه به بإرادته، و أصبحت شركته من منافسين شركاتٍ كبيرة في وقتٍ قصير، يمتلك "باسل" جسدٍ رياضي كأخيه ، عيناه سمراء تختلف عن مقلتي "ظافر" الزيتونية ،يقصر "ظافر" ببعض السنتيمترات المحدودة جداً ، بشرته حنطية جذابة ، و خصلاته سوداء .. ، رُغم ضيقه من أفعال أخيه الأكبر إلا أنه يحبه ، لا يستطيع أن يخسره ..
زمجر "ظافر" بحدة و هو ينظر له بتهكمٍ :
- خفة ياض !!!
قهقه "باسل" ملء فمه ليقترب من مكتب أخيه جالساً على المقعد الوثير :
- لاء بجد أيه اللي مضايقك أوي كدة ؟
- مافيش .. ردّ بغموضٍ و هو يدس يداه بجيب بنطاله ناظراً من النافذة بشرودٍ ،تفهم "باسل" حالته و لم يشأ أزعاجه فـ قال مغيراً مجرى الحديث :
- طب أنت راجع الصعيد ولا هتقعد فـ القاهرة شوية ..
قال "ظافر" بهدوءٍ :
- لاء راجع بكرة عشان أشوف أخوك هبب أيه المرادي !!!
أتسعت مقلتي "باسل" و هو يقول بـ صدمة :
- مـازن !! عمل أيه تاني الغبي دة !!
↚
ألتفت له "ظافر" و أخيراً ليرفع له سبابته محذراً بلهجة شديدة :
- باسل أسمع ، المرادي لو مازن عمل حاجة أنا مش هعتقه ، و رحمة أبويا مـ هعتقه يا باسل !!!!
إزدرد "باسل" ريقه و هو يرى أخيه نظراته ملتهبة ، و هو يعلم تمام العلم أنه إذ أقسم برحمة والدهما إذاً هو لا ينتوي خيراً .
• • • •
عندما ذهب "باسل" جلس "ظافر" منكب على أعماله ، طرقت سكيرتيرته الخاصة الباب ليأذن لها بالولوج ، دلفت "سمر" مطأطأة رأسها و هي تقول بحذرٍ شديد :
- بعد أذن حضرتك يا فندم لو كنت بزعجك حضرتك أنا بس كنت جاية عشان أقول لحضرتك يعني آآآ أنا كنت جاية اقول يعني ..
صرخ بها بنبرة جعلتها ترتد للخلف و هي على وشك البكاء :
- مـ تخلـصـي !!!
أومأت سريعاً و هي تقول :
- حاضر .. حاضر ، حضرتك كنت قايلي أفكرك انك عايز تعمل uniform (زي موحد) للعمال و عايزني أدور لحضرتك على شركة أزياء ..
هتف متذكراً :
- أيوة ايوة أفتكرت ، شركة أيه بقا اللي لقتيها ؟
- الـ company صاحبتها ملاذ خليل الشافعي ..
قطب حاجبيه قليلاً ، أسمها مألوفٍ بالنسبة له ، اومأ بهدوءٍ و هو يقول :
- تمام ، تتصلي بالشركة و تاخديلي منهم معاد بكرة ..
أومأت "سمر" ليشير لها "ظافر" بالإنصراف ، فـ ذهبت تهاتف "عماد" لتخبره بما فعلت ..
• • • •
في إحدى ضواحي القاهرة ، سيارة تمشي على سرعة مائتان ، صاحبها يكاد يتحكم في المقود بسبب يداه الأخرى الممسكة بقنينة مليئة بالخمر من نوعها الفاخر ، أخذ يدور بالسيارة -ذات الطراز الحديث- بلا هوادة ، و لكنه توقف فورما لمح فتاة جالسة بزاويةٍ ما بـ أزقة الشارع مخبئة وجهها داخل كفيها و هي تبكي بحرقة حقيقية ، ترجل "مازن" مترنحاً أثر المشروب الذي اودى بعقله ، أقترب منها بعينان زائغتان ، سال لعابة بطريقة مقززة عندما رأى ساقيها البيضاويتان يظهران للعنان ، و بلا وعي منه و بحذرٍ شديد أمتد كفه لتلمس ساقيها قائلة بلا وعي و عيناه شبه منغلقة :
- أنتِ حلوة أوي !!!!
أنتفضت المسكينة تطالعه برعبٍ شديد ، نهضت محاولة الفرار منه إلا أنه جذبها من خصرها و هو يقربها من صدره هامساً أمام وجهها كفحيح الأفعى و رائحة أنفاسه الكريهة منبعثة منه تضرب وجهها بقسوة :
-أنتِ رايحة فين هو دخول الحمام زي خروجه يا مُزة !!!!
أهتاج صدرها علواً و هبوطاً والذعر يكاد يقفز من عيناها ، حاولت دفعة عنها و هي تشعر بيده تستبيح جسدها ، هتفت في رجاءٍ حار وسط بكاءها :
- بالله عليك سيبني أمشي ، أنت مش في وعيك ..
لم يبدو أنه سمعها ، مال برأسه نحوها حتى كاد أن يقبلها إلا أنها ألتقطت القنينة من يداه ثم ضربت بها رأسه بقوة جعلته يُطرح أرضاً ، وضع يداه على رأسه بإعياء و هو ينظر لها بحقدٍ ، بدأت رأسه تترنح ليسقط كالجثة الهامدة ، نظرت له "رهف" بذعرٍ ، لا تعلم أين تذهب و إلى من ، أرتجفت يداها و هي تلتقط هاتفه من جيبة ، و عندما علمت أنه بالبصمة أخذت أصبعه ليفتح الهاتف ، وقع نظرها على أسم "باسل" الذي من الواضح أنه هاتفه عشرات المرات ، وضعت الهاتف على أذنها بأيدي مرتجفة ، جاء صوتٍ رجولي جذاب و لكنه حاد :
- أنت فين يا حيوان دة أنا لما أشوف و الله لأظبُطك أنا و ظافر !!!
أزدردت ريقها بهلعٍ و من دون قصدها فُلتت منها شهقة لم تستطيع كبحها ، بينما ارتسمت ملامح الذعر جليه على وجه "باسل" عندما سمع شهقاتٍ أنثوية ، هتف بقلقٍ :
- ألو !!! مين ؟؟؟؟
حاولت التكلم و لكن رغماً عنها خرجت كلماتها متقطعة و وسط كل كلمة و الأخر جسدها ينتفض ببكاءٍ :
- لو .. لو سمحت تعالي بسرعة ، اخوك بينزف أوي !!!!
جحظت مقلتي "باسل" بقوة ليأخذ منها العنوان منطلقاً بسيارته و الغضب أرتسم أشده على وجهه ..
بعد دقائق وصل ، وجد فتاة ترتدي ملابس تظهر أكثر مما تخفي و من الواضح أنها منامية ، تكتم شهقاتها بيديها ، و أمامها أخيه !!!! غارقاً بدمائة !!!!
ركض نحوه بقوة ليجلس كالقرفصاء صائحاً بجنون :
- مـازن !!!! مـازن قوم ..
تحامل على نفسه ثم حمله على ظهره و أجلسه بالأريكة الخلفية لسيارته ، تخضب قميصه و يداه بالدماء إلا أنه ذهب لها جاذباً إياها من ذراعيها صارخاً بها بنبرة جعلتها تزداد في بكائها :
- أركـبـي !!!! و رحمة أبويا ما هسيبك !!!!!!!
صرخ "باسل" بكل ما أوتي من قوة ليصدح صوته بالمشفى ،جاء جميع الأطباء و طاقم كامل من الممرضين على صوته ، وقفت المشفى على قدمٍ وساق عندما وجدوا صغير عائلة "الهلالي" قاطع النفس و رأسه تنزف ، وضعوه على ناقل المرضى ليركضوا به نحو غرفة العناية المركزة ، هم "باسل" بالذهاب و رائهم إلا أن عيناه لُهبت جمراً عندما تذكر ان تلك الفتاة مازالت جالسة بالسيارة منكمشة على نفسها و عيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع ، ذهب نحوها يطوي الأرض بقدميه لينزلها من السيارة جاذباً إياها من ذراعيها ، لتصرخ "رهف" بألمٍ من قبضتيه الحديدية ..أخذت تبكي بحرقة و أصابعه تكاد تخترق ذراعها ، ألتفتت الأنظار نحو الفتاة ذات الجسد المكتنز بتناسق و ملابسها التي لايصلح التجول بها في الشارع ، نظر لما ترتديه. بإحتقارٍ هو لا يستطيع تحمل النظرات الجائعة الموجهه لها ، و بحركةٍ سريعة كان ينزع بذلته ليضعها على كتفيها بصرامة، ظهر قميصه الملتصق بصدره ليجعله بمظهرٌ جذاب ، أحاطت "رهف" بذلته و رائحة العطر تخترق أنفها ، أستطاعت بذلته إخفاء جسدها الضئيل إذا قورن بجسده الضخمة بحركة سريعة فتح باب سيارتها ليدفعها داخلها بقوة ، أرتطمت رأسها بسقف السيارة لتتأوه بألمٍ ، لم يعيرها أهتمام ليقبص على فكها بقوة مقرباً وجهها من خاصته . لم يفصلهما سوى بعض السنتيمترات ، ألتهبت عيناه بقوة و خرجت نبرته مرعبة :
- إياكي تتحركي من هنا .. حسابنا لسه مخلصش ..
دفع وجهها ليغلق باب السيارة بقوة أخرج به شحنات غضبه .. أرتجفت ضلوعها و هي تراه يبتعد ذاهباً صوب المشفى بخطوات أشبه بالركض ، فتحت باب السيارة لتترجل منها راكضة وراءه و هي تقول بتوسلٍ عله يسمعها :
- لو سمحت أفهمني أنا معملتش حاجة !! أنا ..
كان قاب قوسين أو أدنى من دفنها مطرحها ، لذلك ألتفت لها قابضاً على كتفيها بقوة شديدة ليضرب ظهرها بالحائط خلفها حتى تأوهت هي بتألمٍ و هي تشعر بعظامها تهشمت ، ناهيك عن رأسها الذي يكاد يفتته الصداع من الضربة المؤلمة التي تلقتها ، أقترب بوجهه منها بشدة و هو يقول بنبرة جحيمية :
- قسماً بالله لو أخويا حصله حاجة بسببك هدفنك !!!
لم تستطيع النبث ببنت شفة ، و كأن لسانها رُبط ، و عيناه السمراء تقتحم عيناها الرصاصية بقوة !!!
نفضها و كأنها مرضاً معدي ثم ذهب حيث يرقد أخيه ..
سقطت "رهف" على الأرضية تشهق شهقات متتالية ، ضمت بذلته إلى صدرها لتخفي جسدها عن الناظرين ، البعض يرمقها بشفقة و البعض بلا مبالاة و كأن قلوبهم أصبحت كالحجر ، منذ هروبها من منزل والدتها و زوجها الذي كان يتحرش بها يومياً و هي مطبقة الفم ، ليأتى و يكمل عليها ذلك الحقير ، ثم يليه أخيه الذي ما إن رأته و هو يعنفها دون حتى سماعها ..
ظلت جالسة على الأرضية ما يقارب الساعتين ، قررت النهوض عندما لم تجد فائدة من جلوسها هكذا ، سارت في الرواق بإنهاكٍ تجُر قدميها ، حتى رأته يقف بهيبته ناظراً لزجاج غرفة أخيه ، أستطاعت رؤية عيناه تلمع بدموع رافضة النزول ، أقتربت منه ببطئٍ خائفة من بطشه، لم يتكبد "باسل" عناء النظر لها ، ظل شارداً و هو يسألها بصوت جاف مميت :
- عمللك أيه عشان تضربي دماغة بالإزازة اللي كانت ممكن تفتحله دماغه ؟ عـمـلك أيــه ؟؟!!!!!!
↚
صرخ بحدة بالأخير و هو يلتفت لها قابضاً على فكها حتى كاد أن يهشمه ، مما جذب أنظار الناس من حوله والجميع يغمغمون بغرابة ، أنسابت دموعها لتضربه بصدره بقوة منفضة يداه عنها و هي تصرخ به بصوتٍ هز أرجاء المشفى :
- كـان عايز يغتصبني !!!!!!!
جمدت عيناه داخل عيناها ، "مازن" أخيه ولكنه يعلمه جيداً و يعلم قذارته، لاسيما أنه لم يكن بوعيه أساساً ، إذاً فهو يتوقع أي شئٍ منه ، أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ، و الأهم الأن أن لا يعرف ظافر شيئاً مما حدث و إلا سيقوم الدنيا و لن يعقدها و لن يبرح من "مازن" إلا و هو جثة هامدة ..
بهدوءٍ أخرج من جيبه رزمة مال ليمد كفه بها و هو يقول ببرود :
- أظن أنه ملحقش يعمل حاجة ، خدي دول و إياكي حد يعرف باللي حصل و لا حتى تقوليه بينك و بين نفسك !!!!
و كأن دلواً من الماء البارد سُكب عليها ، نظرت له بحقدٍ شديد ، أخذت المال منه إلا أنها ألقتها بوجهه بأقوى ما لديها من قوة لتصيح به بحدة :
- واضح أن كلكوا نفس الوساخة !!!!
ثم أبتعدت عنه ببعض خطوات ، بينما "باسل" يكاد ينفجر من الغضب ، لم تتحمل "رهف" فسقطت مغشياً عليها يُحيطها الظلام من جميع النواحي
• • •
طرقات تتوالى على باب منزلها ، قطبت حاجبيها قليلاً فمن سيزورها ، نهضت بثقلٍ لتجد "عماد" يقف و الأبتسامة مرسومة على ثغره ، نظرت له بجمود لتسند يداها على إطار الباب مانعة إياه من الدخول و هي تردف بفظاظة :
- خير ؟!!
أستطرد "عماد" بدهشة :
- الله !! مش هتدخليني ولا أيه دة أنا حتى جايبلك أخبار عنب .. ثم نظر إلى ما ترتديه الذي كان عبارة عن شورت يصل لفوق ركبتيها بقليل تعلوه كنزة بيضاء خفيفة ، لاحظت "ملاذ" نظراته الجائعة تجاهها لتمسك بفكه بحدة و هي نقول :
- عـمـاد !!! لم نفسك و شوف أنت واقف قدام مين ، أنا ملاذ أنت واعي صح !!!
- نسيتي تقولي أنك خطيبتي !!!
قال بسُخرية ، بينما هي جمدت نظراتها و هي تقول بتهكمٍ :
- أظن أنت عارف أنا خطيبتك ليه ، مش عشان سواد عيونك و حُط في بالك أن أنا محدش يجبرني على حاجة ، ممكن في ثانية ألغي الخطوبة دي خالص !!!!
أمسك "عماد" بيدها و هو يقول برجاءٍ :
- لاء يا ملاذ و حياة أغلى حاجة عندك دة أنا سمعتي تبوظ !!!
نفضت يدها عنها و هي تقول :
- يبقى خاف على نفسك ، أحنا مخطوبين قدام الناس بس أنا حتى مش لابسة دبلتك يا عماد !!!
زفر "عماد" بيأسٍ ، فـ لطالما كانت "ملاذ" حلمه الوحيد ، تمنى لو تُحبه مثلما أحبها هي ، نظر لها قائلاً بنبرة واهنة :
- طيب ممكن أدخل بقا عشان فعلاً الموضوع مهم ، متقلقيش انا مش هعمل حاجة !!
قهقهت ملء فمها لتفتح الباب على آخره و هي تقول :
- أقلق ؟ و مش هتعمل حاجة ؟ ع أساس أن ممكن تفكر تعمل حاجة معايا يا ماجد ، طلعت غبي أوي بس معلش هعديهالك ، يلا أدخل .
دلف "عماد" متغاضياً عما قالته "ملاذ" ، جلس على الأريكة لينظر لها و هو يراها تتوجه ناحية المشاية الكهربائية ، ظلت تركض عليها و أصبعها يضغط على الزر مما جعل الآلة تُزيد سرعة الركض ، بدأ "عماد حديثه قائلاً :
- سمر لسة مكلماني من شوية وقالت أنه وافق أنه يتعامل مع شركتنا و هييجي الشركة بكرة عشان التصميم بتاع الـ uniform ..
برقت عيناها بنشوة و هي تقول :
- براڤو يا عماد ، بس أهم حاجة تكون دافع للبت سمر دي.كويس عشان متفكرش تلعب بديلها ..
نفى "عماد" برأسه قائلاً بثقة :
- لاء متقلقيش ، البت دايبة فيا ومتقدرش تطعني في ضهري أبداً ..
نظرت له بسخرية والعرق يتصبب من جبينها :
- ويا ترى عارفة أنك خاطب ؟
- عارفة و راضية ..
- طب كويس ..
قالت "ملاذ" :
- أنا أصلاً بفكر ألغي تعاقدي مع شركة الهواري و هدفعلهم الكام ملطوش اللي مكتوبين في الشرط الجزائي ، كدة كدة التصاميم اتسرقت و انا مش هفضي أصمم تاني أنا عايزة بس أنشغل بال uniform اللي هعمله مع ظافر دة ، بس مش قبل مـ أعرف مين اللي سرق التصاميم ..
حك "عماد" ذقنه و هو يقول :
- معاكي حق ، أنا هعرفلك مين اللي عمل كدة ، بس المشكلة بقا دلوقتي ظافر الهلالي ذكي أوي يا ملاذ ، أزاي هنعرف نضحك عليه !!! و بعدين دة لو عرف أن أحنا اللي مخططين لـ ده كله مش بعيد ينسفك !!!!!!
رمت به نظرة جامدة لتقول :
- عماد حاسب على كلامك مين دة اللي ينسفني ، و بعدين أحنا سمعتنا في النور كل اللي نصبت عليهم قبل كدة ميعرفونيش أصلاً مكنوش بيسمعوا غير صوتي حتى أسمي ميعرفهوش أنت ناسي أن كلهم كانوا عاميين ؟!!
أنا في دماغي خطة كدة عشان أوصل لظافر وفلوسه .. و أقهره زي مـ أبوه قهرني و قهر أختي اللي بقت تكرهني بسببه !!!
جحظت مقلتي "عماد" و هو ينظر لها بضياع :
- مش فاهم ..
- مش مهم !!!
• • • •
وُضعت "رهف" على فراش المرضى ، كانت لا تشعر بما حولها ، بينما "باسل" يطالعها بقلقٍ ، لاسيما عندما أخبره الطبيب أنها تعاني ضغوطاتٍ نفسية حادة ويجب عليها الراحة التامة ..
خرج من الغرفة ليتركها ترتاح ، ليجد طبيب حالة أخيه يخرج من الغرفة ماسحاً العرق المتصبب من جبينه ، ركض له باسل قائلاً في خوف شديد :
- عامل أيه يا دكتور ..
نظر له الطبيب قائلاً يطمئنه :
- متقلقش يا باسل باشا ، مازن بيه عال .. الأزازة اللي أتخبط بيها مأذتهوش جامد هو بس نزف شوية بس أحنا وقفنا النزيف ..
زفر "باسل" براحة شديدة ليقول :
-طب هيفوق أمتى ؟؟؟
- كمان ساعتين هو بس عايز راحة تامة ، بعد أذنك ..
مسح "باسل" وجهه بعنف ، ترك الطبيب ذاهباً لغرفة مدير المشفى بخطوات أقرب للركض، باغته بصفع الباب بقوة ، أنتفض على أثره المدير ذو الخصلات البيضاء التي تتخلل خصلاته السوداء ، أرتبك المدير بقوة و هو يقف مرحباً بحفيد صاحب المشفى ، و رغماً عنه خرجت نبرته مهتزة :
- أتفضل يا باسل بيه ، خـ .. خير في حاجة ؟
↚
حدجه "باسل" بنظرة باردة أربكته ، اقترب بخطواتٍ هادءه ، وقف أم مكتبه ثم سرعان ما قبض "باسل" على تلابيب الرجل أمامه ليجعل رأسه على مقربه منه ، نظر له الأخير بإرتعادٍ ليردف "باسل" بنبرة هادئة و لكنها تبث الخوف بالأوصال :
- و رحمة أبويا يا "مهاب" ، لو حد من عيلة الهلالي ولا الصحافة عرفوا أن مازن أتنقل ع المستشفى خاصةً ظافر هخليك تبيع بليلة ع الطريق ، فــاهم !!!!!
شخصت أبصار المدعو "مهاب" و أرتجف جسده من صراخ "باسل" بآخر الجملة ، أومأ بحركاتٍ سريعة و هو يقول بأنصياع تـام :
- حاضر يا باشا .. حاضر .
تركه "باسل" ببطئ مبقياً يداه على تلابيبه و لكن تلك المرة حتى يهندمها له ملقي له بإبتسامة جافة ، ثم تركه و ذهب تاركاً الباب خلفه مفتوح على مصراعيه .. ندى جبين "مهاب" و تجمعت حبات العرق عليه ، أزدرد ريقه ليمسك بهاتفه الأرضي عابثاً بأزراره ، وضع سماعة الهاتف على أذنه ، أنتظر قليلاً حتى هتف سريعاً :
- ظـافر بيه .. مصيبة !!!!!
• • • •
شرد بذهنه بالفراغ ، و كأن عقله توقف عن العمل ، منذ أنهاء مكالمته مع "مهاب" و هو كمن تلقى صاعقة أودت به ، لم يستوعب بعد ما فعله أخيه المراهق ، تشنجت تعابير وجهه و تقلصت ملامحه ، برزت عروقه و ألتهبت مقلتيه ، لن يجعل الأمر يمر مرور الكرام ، و بنفس الوقت سيحول دون ألقاء أخيه خلف القضبان و تلطُخ سمعة عائلة "الهلالي" التي لم يشوبها شائبة منذ العديد من السنوات ، تأهبت جوارحه لينهض و عيناه مظلمة لا تنوي خيراً ، ألتقط مفاتيح ليلقي نظرة على ساعة معصمه ذات الماركة المعروفة ، وجدها بالواحدة و النصف بعد منتصف الليل ، ألتقطت مفاتيح سيارته وهاتفه ليلقي نظرة على الشركة التي فُرغت تماماً سوى من سكيرتيرته الخاصة التي أسندت وجهها على مكتبها غافيةٍ بإرهاق مطلقة شخيراً عالياً ..
أقتضب وجهه ثم نادى عليها بحدة جعلها تنتفض من مكانها و بوادر النعاس لازالت على وجهها ، وبخها "ظافر" بحدة قائلاً :
- دة مكان شغل يا أنسة مش أستراحة عشان سيادتك تنامي فيها ، مش عايز أشوف وشك هنا تاني !!!!!
جحظت المسكينة و ترقرقت العبرات في عيناها بقوة البرق لتتوسله قبل أن يذهب بـ نبرة مهتزة :
- والله يا فندم أنا خلصت كل الشغل اللي عليا و كلمت الـ assistant بتاعة الشركة اللي حضرتك قولتلي عليها ، و بصراحة أتحرجت أقول لحضرتك أمشي و حضرتك لسة موجود ..
قالت آخر الجملة و هي تضغط على شفتها السفلية بحرجٍ ، نظر لها "ظافر" ببعضٍ من الرفق ليقول بنبرة صارمة :
- أخر مرة تتكرر و تنامي في المكتب يلا روّحي ..
أشرق وجهها لتومأ بقوة و هي ترى سرابه و كأنه تبخر من أمامها ..
• • • •
أستقل سيارته حديثة النوع ليدس المفتاح بها منطلقاً بها إلى وجهته ، و سرعان ما وصل إلى الشقته بـ منطقة "المعادي" ، صف سيارته بموقف السيارات الخاص به ، صعد للبناية المرموقة التي يقطن بها لنظر للبواب الذي أنتفض ما إن وجده قائلاً بترحيبٍ شديد :
- ظافر بيه حمدلله ع السلامة يا بيه العمارة نورت ، أنا عملت زي م حضرتك قولت و بعت مراتي تنضف الشقة و آآآ..
بتر "ظافر" عبارته بنظرة نارية جعلت الكلمات تقف على لسان البواب رافضة الخروج ، تركه "ظافر" ماضياً نحو المصعد ، فُتح المصعد ليستقله "ظافر" بوجهٍ خالٍ من التعبير ، ضغط على الطابق الذي يقطن به ثم خرج من المصعد بعد دقيقتان ، أخرج مفتاح شقته ليدسه بالباب ، ما إن فتح الشقة حتى بردت أطرافه ، و كأنه دلف لإحدى المقابر و ليست شقة طبيعية ، برودة ليست طبيعية رُغم الطقس الحار ، تفتقر شقته لذلك الدفئ العائلي المفتقده هو ، رُغم أنه متزوج إلا أن "مريم" لم تكن يوماً سوى مجرد زوجة ، ليست حبيبه أو صديقة أو أم له ، هي فقط زوجة تنصاع لزوجها في كل شئ و كأنه دمية هو المتحكم الأساسي بخيوطها ، نوعاً ما لا يُحب ذلك ، لا يحب عندما يقول لها تذهب تذهب .. تجلس تجلس .. تبقى أو تغادر ، تلبي ما يؤمرها به بفمٍ مطبق..
أشتاق لتلك الشقة ، فـ هو لم يزورها لثلاثة أشهر ، إلا أنه حرص على تنضيفها كل يوم من قِبل زوجة البواب الثرثار ، تجول بعيناه متفرساً أرجاء الشقة ، لدائماً ما يتمتع "ظافر" بذوق رفيعٍ ، ذو خبرة و كفاءه بـ كل شئ يخصه ، كان يطغى على الشقة اللون الرصاصي المخلوط باللون البنفسجي القاتم ، حيث السقف يخلط بين اللونين الرقيقين متدلي من السقف "نجفة" أنيقة ، معظم الأثاث بنفس اللونين ، و الستائر بنفسجية أيضاً ، رمى بهاتفه و مفاتيحه على الأريكة بإهمالٍ ، ليدلف لغرفته التي أشتاق لها، أخرج مفتاحها من جيبه ثم فتح الباب ، الأتربة بكل مكان، لم يستطيع أن يرى سوى تلك الأتربة تطغى على الغرفة محجبة الأثاث خلفها ، ظهرت ملامح الأمتعاض على وجهه جلياً ، ولكن هو من قرر ألا تدلف زوجة الواب لتنظف تلك الغرفة محتفظاً بخصوصياته ، نفض التراب بيده من على الفراش بتقزز ليجلس عليه بإرهاقٍ ، أسند مرفقيه على فخذيه عاقداً كفيه مطالعاً الفراغ بتركيزٍ شديد و هو أصبح متيقن لما سيفعله .. حل بذلته عنه ملقياً بها على الأرضية بزفيراً مختنقاً، ظهرت عضلاته بوضوح أسفل قميصه الأسود الملتصق بصدره العريض ، حل أزرار قميصه بدوره ليظهر صدره الأسمر و بطنه ذات العضلات السداسية ، كان يتفوق على شقيقاه رياضياً و لياقةً ، فـ الكل يحسده على جسده المتناسق و عضلاته ، انزل بنطاله أيضاً ليبقى بالشورت فقط ، ولج خارج الغرفة لبهو الشقة الواسع ، أرتمى بجسده على الأريكة بإنهاكٍ محجباً عيناه بذراعه المفتول ، و هو قد علم كيف يعاقب "مازن" على ما فعله ..
• • • •
منذ ذهاب "عماد" و هي تفكر في مقابلته ، أقسمت و قطعت عهداً مع نفسها بإذلاله و قهره مثلما فعل أبيه بالماضي ، جلست على فراشها الوثير ذو الأغطية الحريرية ، نظرت للسقف بشرود و هي تطلق تنهيدة غامضة ، ليست حزينة أو خائفة ، تنهيدة فارغة .. ألتقطت هاتفها لتضغط على أزراره ، رفعته لأذنها منتظرة إجابة الطرف الأخر ، و بعد لحظات كانت "ملاذ" تقول بإيجاز إلى خادمة "براءة" :
- براءة عاملة أيه يا فتحيه ..
أخفت "فتحية" نظرة حزينة داخل عيناها ، فـ هي تعمل لدى الشقيقتين "ملاذ" و براءة" منذ أكثر من عشر سنوات ، تعلم "ملاذ" جيداً ، فـ هي ذات قلب طيب خاصةً مع شقيقتها ، رُغم علم "فتحيه" بالغل و الحقد الذي تكنه"براءة" إلى "ملاذ" ، و لكن لم تبادلها "ملاذ" يوماً ، بل على العكس كانت تتعامل معها برفق و كأنها أبنتها رُغم فارق العمر الذي لا يذكر ، و لكن دائماً ما ترى "ملاذ" ليست مجرد شقيقة إلى "براءة" .. بل كانت بمثابة الصديقة و الأخت و الأم لها ، و لكن دائماً "براءة" ما تصفعها بكلماته القاسية ، زوت ما بين حاجبيها بإستغراب ، قالت "ملاذ" بعدما ساد ذلك الصمت الرهيب :
- فتحية أنتِ معايا ؟
جاء صوت "فتحية" الحنون :
- معاكي يا ست البنات ، براءة هانم كويسة متقلقيش يا هانم و نامي .. تصبحي على جنة يارب ..
أبتسمت "ملاذ" نصف أبتسامة لم تصل لعيناها ، ثم أغلقت الهاتف مودعة إياها ، أصبح من الروتين أن تهاتف "فتحية" ليلاً قبل أن تنام لتطمئن على "براءة" ..
أطبقت بكفيها على بعضهما ثم وضعتهما أسفل رأسها ، أغمضت عيناها ببطءٍ لتذهب في سُباتٍ عن العالم ..
• • • •
أبتعد "مازن" قليلاً عن ظهر الفراش الطبي ليفسح المجال إلى الممرضة التي تضع الوسادة خلف ظهره ، نظر لها بمكرٍ و هو يمسك بيدها قائلاً بغزلٍ صريح :
- متشكر يا قمر، قولتيلي أسمك أيه بقا ؟
أبعدت ذراعه بحدة قائلة بعينان تشعان جمراً :
- هطلب لحضرتك الدكتور يطمن عليك ..
ألتمعت نظرانه إعجاباً و هو يتمتم بنبرة لعوبة :
- أموت أنا في القطط اللي بتخربش !!!
"مازن سرحان الهلالي"
↚
يصغر أخيه "باسل" بثلاث سنوات فقط حيث يبلغ من العمر خمسة وعشرون عاماً ، يختلف تماماً عن اشقائه ، فـ هو ذو ألاعيب ملتوية ، غير متحمل للمسؤلية فقط يركض وراء الفتيات ، دائماً ما يسبب العديد من المشاكل إلى عائلة الجارحي مما جعل أشقاءه غير معتمدين عليه أبداً و لم يفكروا أبداً أن يجعلوا "مازن " يتولى منصب في شركاتهم ، ذو مقلتي سمراء ورثها عن والدته مع بشرة مائلة للسمار ، جسده رياضي متناسق بطبيعة الحال كأخوته ، مدلل والدته دائماً ما تدافع عنه من بطش أخيه الأكبر ..
أحتدت نظراتها بقوة لتصرخ به :
- أنت بني آدم مش محترم و متستاهلش السرير اللي أنت نايم عليه في غيرك أحق بالأوضة دي !!!!
فغر ما بين شفتيه ، كيف تجرؤ أن تتحدث معه بتلك الطريقة و هي تعمل لديه بمشفى عائلة "الهلالي" !!
أحتدت عيناه لينهض من على الفراش بتأهب ، رُغم الدوار الذي شعر به إلا أن عزيمته على أن يشعر تلك الفتاة بقدرها الحقيقي كان أكبر حتى من تألمه ، صرخ بها بقوة بنظرة حادة :
- أنتِ بتعلي صوتك في مستشفى أبويا دة أنتِ ليلتك طين !!! أنتِ فاكرة نفسك بنت دة أنتِ متسويش في سوق الستات تعريفة !!!
كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير ، رفعت كفها لتهوى به على صدغه ، لم تكتفي بل رفعت سبابتها في وجهه قائلة بنبرة قوية لاتنهزم :
- أحترم نفسك .. هو أنت اللي راجل ؟!!! أنت كنت هتغتصب البنت اللي مرمية في الأوضة اللي جنبك ، دي أقل حاجة عملتها أنها ضربتك بإزازة القرف اللي بتشربة دة أنت تستاهل الشنق !!! بُص لنفسك الأول في المراية يا أستاذ ، يمكن أكون أنا عادية شكلاً بس عايزة أقولك أنك مشوه من جوة يا مازن بيه !!!!
ألتفتت موجهه ظهرها له خارجة من الغرفة صافعة الباب خلفها ، تعالت أنفاسه الحادة ليطيح بالأجهزة التي بالغرفة بجنون هيستيري
ولج "باسل" يطالع الغرفة التي أصبحت على الارضية ، وجده صدره يعلو و يهبط بغضب شديد ، أقترب منه في خطواتٍ معدودة ، و بإندفاع أهوج قبض على تلابيبه ، ثم و من دون مقدمات أخذ يسدد له اللكمات بقوة صارخاً به واصلاً لأقصى بلوغ غضبه :
- يا زبالة يا *** ، دة أنا هطلع ******** يا *** ..
دلف طاقماً من الممرضين والأطباء مفزوعين ، وبصعوبة شديدة أستطاعوا تخليص "مازن" الذي بصق دماً من أيدي "باسل" بصعوبة ، صرخ بهم "باسل" بقوة ليرتدوا جميعهم للخلف منصاعين لأحفاد "الهلالي"، أخذ "مازن" يسعل بقوة حتى كادت روحه أن تخرج من مكانها ، بينما لم تهدأ النيران المستعرة بداخل "باسل" ، أهتاج صدره بقوة ثم ركل الأرض بقدميه باصقاً على أخيه ، ثم سبّ بنابية وخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه ، جلسة على إحدى مقاعد المشفى المترصاة ، أسند مرفقيه على فخذه ليمسك بجبينه منكساً برأسه ، يعلم أخيه و تهوره و أندفاعه الأهوج ، إلا أنه لم يكن يتخيل أنه كان قاب قوسين أو أدنى من أغتصاب فتاة ليس لها ذنب بقذارته ، جمع رباط جأشه ثم نهض بثبات ، دنى من الغرفة الماكثة بها و بحذرٍ شديد فتح الباب ، رآها تتمدد على الافراش غارقة بسُباتٍ عميق ، أغلق الباب خلفه ثم مضى نحو فراشها بخطواتٍ هادئة عكس غضبه الثائر قبل برهـة ، تفحص وجهها بنظرات شاملة دقيقة منزوياً ما بين حاجبيه ، وجهها مستدير كالبدر ببشرته البيضاء ، خصلاتها مفروشة بجانبيها عدا خصلات ثائرة سقطت على وجهها ، جفنيها المطبقان تحول دون رؤية عيناها ، هل كانت تلك البريئة سيُنتهك عرضها بتلك البساطة ، ماذا لو كانت متمددة هكذا ولكن و هي جثة هامدة لا مجرد أغماءً بسيط !!!!
أطلق زفيراً مشفقاً على حالها ، أمتدت أنامله لتزيح خصلة ثائرة على جبينها متلمساً بشرتها الناعمة ، تملمت "رهف" على أثر لمسته الخشنة ، و فجأة فتحت عيناها برعبٍ معتقدة أنه من حاول أغتصابها ، صرخت بهلع على تلك الذكرى و هي تضع يداها على أذنها صـارخة بهلعٍ و نبرة صائحة :
- أبعد عنـي ، سيبوني في حالي بقـا !!!!!!
تذكرت زوج والدتها و ما يفعله بها ، و أستنكار والدتها معتبرة حديث أبنتها مجرد هذيان و ترهات ، تجسد أمامها أنتهاك جسدها على يد زوج والدتها ، دائماً ما يحاول تلمسها بيدته القذرة و عيناه التي تجعلها كالعارية أمامه ، أندهش "باسل" من حالة البكاء الهيستيرية التي تملكتها ، أمسك بكتفيها بقوة محاولاً أن يهدأها ، و لكنها بدت كالمغيبة لا تعي شئ ، جلس "باسل" أمامها سريعاً ثم أزاح بكفيها بعيداًعن أذنها و هو يقول بصوتٍ حنون لأول مرة يخرج لفتاة :
- أهدي ، مافيش حاجة هتحصلك طول مـ أنا جنبك ..
هدأت تدريجياً عندما أنبعث صوته الدافئ لجوارحها ، اهتاج صدرها و كأنها تصارع غرق روحها ، حاوط "باسل" كتفيها بذراعه ليصبح شبه محتضنها ، سارت رجفة في جسدها و كأنها صُعقت بصاعق كهربي ، نظرت لعيناه السوداوية ، غرقت في ظلمات عيناه ، شعورٍ قوي يطمأنها مادامت بجانبه ، كان وجهه يبعد وجهها بعض الإنشات ، سقطت "رهف" ببصرها ، ثم فرت دمعة هاربة منها عندما تذكرت أن لا مفر من زوج والدتها ، و أنها ستعود للجحيم مجدداً و بقدميها ..
سمع رنين هاتفه المكتوم في جيب بنطاله ، لذا نظر لها قبل أن ينهض تاركاً الغرفة ، أضاءت شاشة الهاتف بإسم أخيه ، أزدرد ريقه توجساً من أن يكن علِم "ظافر" بما فعله أخيه ..
تحلى بالشجاعة ثم ضغط على زر الإجابة ليضع الهاتف على أذنه ، أنتظر ردَّ "أخيه" و لكن ساد صمتاً موحشاً ، لذا بادر "باسل" بثبات :
- ظافر ..
- بكرة .. الـ *** اللي عندك يبقى عندنا في القصر ، تجيبه و تيجي ، وتجيب البنت اللي عمل فيها كدة ، الصحافة مش عايزها تشم خبر ، فــاهـم !!!!!!!
ثم أغلق الخط و لم ينتظر جتى ردّ أخيه ، ألتهبت مقلتي "باسل" حتى أصبحا كالجمر ، غمغم بعدائية شديدة و هو يقول متوعداً :
- ماشي يامهاب الكلب !!!!
• • • •
حل الصباح سريعاً ، و نهضت "ملاذ" مقاومة بوادر النعاس التي علقت بجفنيها ، أغتسلت ثم ذهبت نحو المطبخ ، وقفت أمام الموقد تعد قهوتها ، أنتشرت الرائحة لتنبعث داخل رئتيها مصيبة إياها بحالة عجيبة من الأنتشاء ، أرتشفتها ببطئٍ متلذذ ، ثم ذهبت لغرفتها و فتحت ضلفة خزانتها ، أخرجت ملابس رسمية حيث التنورة تصل لأعلى ركبتيها بقليل مظهرة سمار بشرتها الجذاب ، أعلاها كنزة بيضاء خفيفة بجانب بذلة نسائية رسمية ، عقصت خصلاتها للأعلى ليسقط كذيل حصان مفرود بنعومة على ظهرها ، نثرت عطرها بغزارة ، ثم أنتعلت حذائها ذو الكعب العالٍ ، حرصت "ملاذ" على أن تبقى بكامل أناقتها وجمالها ، لذا وقفت أمام المرآة ممسكة بأحمر الشفاة ، زمت شفتيها لتضع احمر الشفاه الصارخ بحرص ، نظرت لنفسها بغرور ، أرتسمت بسمة متحدية على شفتيها و عيناها الحادة تراقب أدق تفاصيلها ، طقطت بكعبها العالي الأرضية لتخرج من المنزل ملتقطة هاتفها و مفاتيح سيارتها ..
• • • •
نظرت لمرآة سيارتها لتتأكد من مظهرها ، أبتسمت برضا ثم ترجلت من السيارة مطرقة بكعبها العالي الأرضية ، تغنجت في سيرها ، جذبت أنتباه الواقفين أمام شركتها بكعبها العالي ، أكلتها النظرات الشهوانية و هما يطالعونها بدقة شديدة ، طالعتهم بنظرة متعالية ثم دلفت لشركتها ، سرعان ما لحقتها السكرتيرة الخاصة بها و هي تقول بتوترٍ ملحوظ :
- ظافر بيه جيه ومستني حضرتك في مكتبك يا فندم ..
لم تتغير تعابير وجهها المتصلبة و هي تتابع سيرها حتى وصلت أمام مكتبها ، أخذت زفيراً عميقاً ثم وضعت كفها على المقبض بثبات لتديره ، رأته يقف بطوله المهيب أمام نافذة مكتبها الزجاجية واضعاً كفيه بجيبه ، أغلقت الباب لتلفت أنتباهه و بالفعل ألتفت لها ، جمدت عيناها على عيناه الزيتونية القاتمة ، لم تهتز عيناها من عيناه المظلمة و الحادة عكس أقرانها ، رسمت أبتسامة لم تصل لعيناها لتمضى نحوه بخطواتها المتغنجة ، مطالعة إياه بنظرة بدت و كأنها تنبعث من أفعى !! ، وقفت أمامه لتطالع قامتها التي فجأة أصبحت قصيرة إذا قورنت بضخامته ، هي لم تكن يوماً قصيرة و لكن أمامه تلاشى طولها ، جمد وجهها مجدداً ثم مدت كفها لتصافحه قائلة بنبرة قوية :
- ملاذ خليل الشافعي ..
أخرج يد واحدة من جيبه ثم بادلها المصافحة لا بل أبتلع كفها بين كفه الغليظ مستشعراً نعومة بشرتها ، ثم قال بنبرة لا تقل قوة عنها :
- ظافر سرحان الهلالي ..
حاولت الحفاظ على نظرة الحقد التي برقت بعيناها بلحظة و هي تسمع أكثر أسم تمقته بحياتها ، تدفقت الذكريات لذهنها و لكنها حافظت على رباطة جأشها لتبتسم نصف أبتسامة و هي تبعد كفها عن كفه الخشن ، بادرت "ملاذ"و هي تتجه صوب مكتبها :
- تشرفنا ..
↚
جلست على الكرسي خلف مكتبها بهدوءٍ ، ثم عقدت يداها ببعضهما مظهرة أناملها المطلية بطلاء الأظافر الأسود ، راقبته بتفحصٍ و هو يجلس على الكرسي أمام مكتبها ، نظر لها بعيناه الزيتونية ثم بدأ حديثه قائلاً بنبرة فاترة :
- أكيد عرفتي أني جاي عشان الـ uniform الجديد بتاع شركتي ..
بتر عبارته باب المكتب الذي فُتح بقوة ، حرّكا كلاً من "ملاذ" و "ظافر" على الباب ، وجدت "ملاذ" "سالم الهواري يقتحم مكتبها تعاقبه سكيرتيرته التي أردفت له بتوترٍ شديد :
- يا سالم بيه مش كدة ..
نظرت السكرتيرة لـ "ملاذ" مبررة بنبرة مهتزة :
- صدقيني يا ملاذ هانم أنا قولتله أن حضرتك في أجتماع مهم بس هو آآ
بترت عبارتها مشيرة بأصبعها لتخرج من المكتب ، أزدردت السكرتيرة ريقها بتوترٍ ثم خرجت من المكتب بحذرٍ، ظلت "ملاذ" جالسة على كرسيها بغرور و هي تطالع "سالم" الذي يكاد يخرج نيران من أذنه ، قالت "ملاذ" بوجهٍ جامد :
- خير يا سالم بيه ؟!! في حد يقتحم مكتب حد كدة ..
تأججت النيران المستعرة بداخل المدعو "سالم" ثم أقترب من مكتبها في خطوات سريعة ، ليضرب على المكتب بقوة صارخاً بها بذروة غضبه :
- يعني أيه تلغي الأتفاق اللي بينا في يوم وليلة ، أنتِ كدة بتدمري سمعة شركتي !!!! الـ show بعد أسبوع فاهمة يعني أيه ..
لم تتغير تعابير وجهها ، بينما نهض "ظافر" عندما شعر بتجاوز حدود المدعو "سالم" ، وقف أمام مكتب "ملاذ" محجباً الرؤية عنه ، وضع كفيه بجيب بنطاله ثم نظر له بإستهزاء ليقول بنبرة باردة :
- مش واخد بالك أن في راجل قاعد !!! ولا أنت مبتتكلمش غير مع النسوان بس !!
شخصت أبصار "سالم" على "ظافر" ، أشتعلت عيناه ليهدر به :
- أنا كلامي مش معاك ..
ثم أبتعد عنه ملتفاً حول مكتب "ملاذ" التي نهضت بغضبٍ شديد ضاربة المكتب بكفيها :
- صوتك ميعلاش في مكتبي يا سالم أحسنلك و أطلع برا عشان متتهانش أكتر من كدة !!!!!
جحظ بعيناه من أهانتها له ، رفع يده عالياً متأهباً لصفعها و لكن تعلقت يده بالهواء عندما أمسك به "ظافر" الذي أحتدت عيناه بل توحشت ، سدد له لكمة أطاحته أرضاً و هو يزمجر به :
- أيدك متتمدش على ست يا *** !!!!!
أفترش "سالم" أرضاً لتنزف أنفه ، بصق دماً و هو ينظر له بعدائية كبيرة ، حاول التوازن ثم نهض مزيلاً الدماء على أنفه موجهاً نظرة نارية إلى "ملاذ" قائلاً بصراخ هزَّ الشركة بأكملها :
- مش هسييك يا ملاذ !!!!
خرج من المكتب صافعاً الباب، نظرت له "ملاذ" و هي تقول بغيظ حاولت كبحه :
- مكنتش محتاجة حضرتك أنا أعرف أدافع عن نفسي كويس أوي ..
قهقه ملء فمه و هو يطالعهاً بتهكمٍ قائلاً :
- هو أنتِ فاكرة أني ضربته عشانك ؟!! لاء خالص أنا بس مبحبش أشوفة واحدة بتضرب و أنا واقف !!!
جمدت أنظارها عليه ، حاولت كبح ثورتها لتعاود مجالسة و هي تشير بيدها على المقعد ليجلس ، نظر لها "ظافر" بإستهزاءٍ ثم عاود النظر في ساعته ، و بعجرفته المعتادة قال :
- نكمل كلامنا وقت تاني هبقى أبعتلك السكرتيرة تتفاهموا مع بعض ..
ألتقط مفاتيحه ثم ولج خارج المكتب بخطواتٍ رزينة ، أشتعلت حدقتي "ملاذ" بغضبٍ ، ولجت خارج مكتبها بخطواتٍ تحفر الأرض بقوة ، خرجت من الشركة بأكملها ثم وققت أمام حارس البوابة قوي البنية ، رفعت سبابتها في وجهه قائلة بلهجة صارخة :
- الحيوان سالم ميعتبش باب الشركة تاني يا أما أقسم بالله أرفدك فـاهم !!!!
لم يكن أمام الحارس سوى الأنصياع لها ، ألتفت "ملاذ" عندما شعرت بنظراتٍ مصوبة نحوها كالسهام المندفعة ، رأته ينظر لها بعيناه الزيتونية فاتحاً باب سيارته مستعداً للولوج لها ، أحتدت نظراتها نحوه ولكنه بقى ساكناً ، جامداً ..!!
رمى بها نظرة هازئة ثم أستقل سيارته ، و أنطلق بها بقوة مخلفاً وراءه أدخنة كثيفة
أنقبض قلب السيدة "رقية" بعنف ، شعرت بشيٍ سئ سيحدث ، بجانبها "ملك" بملامحٍ مذعورة تحاول مواساتها ، بينما "مريم" تقف مكتفة ساعديها أمام صدرها تطالعهم بتململ غير عابئة بتلك السيدة الكبيرة التي على بدت وكأنها على مشارف الموت ، صرخت بها "ملك" لتأتي بكوب من الماء ، تصنعت "مريم" أنها لم تسمعها و هي تنظر لأظافرها باهتمامٍ زائف ، ركضت "ملك " بدلا عنها لتأتي بكوب ماء ، جلست تحت أقدام والدتها ثم أعطتها الكوب لترتشف ببطئٍ ، عادت تتنفس بشكلٍ طبيعي لتزفر "ملك" بإرتياح حقيقي و هي تقول مربتة على كتفيها :
- بجيتي كويسة ياما ؟
أومأت السيدة رقية ببطئ و لكنها قالت بنبرة قلقة :
- أنا بخير يابتي أطمني ، أنا بس جلبي مقبوض أجده و كأن في حاجة عفشة هتُحصل ..!!!
ربتت "ملك" على كتفيها في محاولة بائسة لطمئنتها ، لكن كيف تطمئنها و هي من الأساس توازيها إحساساً بالخوف ، نهضت "ملك" من جوار والدتها لتلتفت إلى "مريم" التي ترميهم بنظراتٍ ساخرة ، لتردف بوقاحة بالغة :
- خلصتوا التمثيلية البايخة ديه ؟
لم تستطيع "ملك" أن تتحمل ، رفعت كفها عالياً لتهوي به على صدغ "مريم" بقوة صارخة بها يجنون :
- أكتمي مش عايزة أسمعلك حس !!!
ألتف وجه "مريم" إلى الجهة الأخرى ، تلونت عيناها باللون الأحمر القاني ، شهقت السيدة "رقية" لتنتفض صارخة بـ "ملك" :
- مـلـك !!!!!!
أعتدلت "مريم" بوقفتها مطالعة "ملك" بنظراتٍ لو كانت تُقتل لكانت "ملك" جثة هامدة ، ولكنها شخصت أبصارها خلف "ملك" مطالعة"ظافر الذي ولج لداخل القصر ، أنزوت شفتيها بمكرٍ و في ثواني معدودة كانت تركض صوب "ظافر" الذي تجمد ما إن طالع وجهها الذي تلون باللون الأحمر ، أرتمت "مريم" بأحضانه متشبثه بخصره بقوة لتقول بصوتٍ باكي :
- ألحجني يا ظافر ، أختك ضربتني يا ظافر !!!!
↚
أنزوى ما بين حاجبيه و هو يطالع أخته بنظرة أخرستها ، كانت نظرته تطالبها بتفسيرٍ في الحال ، لم ترتعب من نظرته على عكس العادة ، همت بالحديث ولكن "مريم" قاطعتها حاظية بتلك الفرصة الذهبية لتتشبث بذراع زوجها بقوة و هي تردف ببكاءٍ زائف :
- انا معملتش حاچة يا ظافر ، الحاجة رقية تعبت فچأة و انا چريت چبتلها ماي "ماية" اختك رمتها من يدي و ضربتني بالجلم !!!!!!!
أشتد فكه ، وجه نظرات نارية إلى "ملك" التي فغرت شفتيها بذهول ، لم تتوقع وقاحتها التي تزايدت عن حدها ، صكت أسنانها و هي تضيق عيناها ناظرة لها بإشمئزاز ، لم يبالي "ظافر" لهم بل ركض بأقصى سرعته إلى والدته التي يدى الإرهاق كاسياً وجهها ، قرفص على ركبتيه ممسكاً بكفيها المجعدان ليقبل كليهما بحنانٍ جارف و هو يقول مربتاً على كفيها :
- أنتِ كويسة يا أمي ، تعالي نطلع على أكبر دكتور في مصر .
لانت نظراتها و هي تطالع ولدها الأكبر ، لطالما أعتبرته بمثابة السند لها ، الدرع الحامي لها دائماً ، هي تحب "باسل" و "مازن" بالطبع و لكن هو له معزة خاصة بقلبها ، أمتد كفها الواهن لتربت على وجنتيه بحنان أموي غريزي و هي تردف بلطف :
- لاه يا جلب أمك ، أنا زينة مافييش حاچة ..
لم يريد أن يضغط عليها ، أومأ بإبتسامة باهتة ثم نهض مجدداً بطوله الفارع ، لم يتكبد عناء النظر إلى "ملك" أو "مريم" ، صعد على الدرج بخطواتٍ سريعة ، ذهب مباشرةً إلى غرفته ، تلك الغرفة التي لا يدخلها أحد على الإطلاق ، و من يتجرأ و يُعصي أمره ؟! ، حتى زوجته لم تلج لها منذ زواجهما ، ليس بها شئٍ مثير للأهتمام فقط فراش وثير يتوسط الغرفة مع شاشة تلفاز كبيرة ، و مرحاض واسع ملحق به ، ولكنها غرفة يجد بها نفسه ، يبتعد عن ضجة الحياة ويهرب لها .. أخرج مفتاح الغرفة بين العديد من المفاتيح المصحوبة لها ، دس المفتاح بالباب ثم دلف للغرفة ، أوصد الباب خلفه ثم توجه مباشرةً إلى الشرفة الملحقة بالغرفة ، ولج لها لينزع بذلته ، حرر أزرار قميصه و كأن شيٍ ما يطبق على أنفاسه ، حتى جلس عاري الصدر ، استند بيداه على حافة الشرفة ، يطالع المنظر الذي أمامه بعينان فارغة ، عينان نُزعت منهما الحياة نزعاً ، شارد بالا شئ ، بزوجته التي للأن لم تنجب له ولدٍ يحمل أسمه ، يكمل نسل عائلة الهلالي ، ولكن كيف و زوجته عقيمة لا تنجب ، فعلوا كل شئ ، الكثير من العمليات الجراحية الباهظة و لكن لا فائدة ، دون عن ذلك والدته التي تحثه ان يتزوج من أخرى تنجب له ولداً يكمل نسل العائلة و أسمها العريق ..
أخرج هاتفه من جيبه ، عبث بـ شاشته ثم وضعه على أذنه ، أنتظر قليلاً ليأتي صوت باسل من الطرف الأخر ، نفث "ظافر" دخان سيجارته والنيران تنبث من حدقتيه لا سيجارته ، ظهر صوته ببحته المميزة :
- أنتوا فين !!
- جايين يا ظافر ، جبت مازن والبنت وجاي .
• • • •
منذ ركوبها تلك السيارة و هي تشعر بشئ أشبه بحجرٍ كامن على صدره ، فقط تسند رأسها على النافذة تذرف الدموع بعدما أرغمها هذا ال "باسل" على في الصعود السيارة ، رُغم صراخها بأن يتركها في سبيلها إلا أنها لم تنتصر عليه بالنهاية لينتهي بها المطاف جالسة بجانبه بينما هو يجلس خلف المقود و لتوه أنها مكالمه مع مجهولٍ -بالنسبة لها- ، و ما زاد الطين بلة إلا هذا الحقير الذي يجلس خلفهما ، تجنبت تماماً النظر إليه مثلما أخبرها "باسل" ، من الحماقه أن تصعد بسيارة بها رجلين إحداهم كاد أن يسلب منها أعز ما تملك ، و لكن هي تثق بعض الشئ في "باسل" .. و هذه أيضاً حماقة ..
بعد مرور أكثر من ساعتين ، صف "باسل" السيارة بموقف السيارات الخاص بهم والذي ضم الكثير من السيارات الفخمة ، ترجل "باسل" من السيارة مطلقاً زفيراً ، هو يعلم جيداً كيف يفكر "ظافر" ، يعلم ان "مازن" سيتلقى صفعة لم يرى لها مثيل من قبل ، نظر إلى "مازن" بإشمئزاز و هو يراه يترجل من السيارة بينما مقدمة رأسه محاوطة بشاش طبي ، كاد أن يهجم عليه و هو يراه يطلق صفيراً مدوياً ، ألتف حول السيارة ليفتح بابها مخرجاً "رهف" التي كانت ترتجف كالجرذ المبلل ، قبض على رسغها البارد بقوة ليتجه بها نحو القصر ..
لم تستطيع "رهف" إخفاء دهشتها من ذلك القصر الفخم والمكون من أربع طوابق ، سارت خلف "باسل" و هي لا تستطيع مقاومة فضولها لرؤية القصر من الداخل ..
• • • •
رآهم عبر النافذة ، طالع "مازن" بنظرات متوعدة قاسية ، أرتدى قميصه الأسود ثم شمر عن ساعديه ليخرج من الغرفة موصداً بابها بالمفتاح من الخارج ، و بخطوات رزينة هادئة كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، لم يلاحظه "مازن" أبداً ، بينما والدته فور ما رأته بتلك الحالة ركضت نحوه لتحاوط وجهه المضمد و هي تقول بفزع غريزي :
- واه !! مين اللي عمل فيك أكده يابني أيه اللي حُصُل !!!!
طالع "مازن" والدته بإبتسامة باردة و هو يقول بلا مبالاة :
- مافيش حاجة انا بس آآآ ..
- كنت هغتصب بنت .. مش كدة ؟
قاطعه "ظافر" بنبرة باردة و هو يقف أمامه و والدته الحاجز بينهما ، شخّص "مازن" بصره على أخيه بهيبته المعهودة ، بلل شفتيه و هو لا يستطيع حتى أبتلاع ريقه ، وقف الحديث على طرف شفتيه وكأنه فقد النطق ، أعتدل بوقفته أمام أخيه و رسم -ببراعة- البراءة على وجهه علّ "ظافر" يرأف بحاله و هو يقول بنبرة خافته نسبياً :
- أبيه أنا مكنتش أقصد أنا ...
↚
لم يستطيع حتى أن يُكمل عبارته ليجذبه "ظافر" من خصلاته بقوة مبعداً إياه عن والدته حتى لا يحتمي بها ، كاد أن يقتلع خصلاته بيده حتى تأوه "مازن" بقوة و هو يحاول إبعاد كف أخيه عن خصلاته ، بينما ضربت السيدة "رقية" على صدرها بقوة على صغيرها الذي وقع بـ يد "ظافر" ، حاول أيضاً "باسل" التدخل و لكن منعه "ظافر" بإشارة من يده و نظرة كانت كفيلة بعودة "باسل" إلى محله ، أبتسمت "رهف" شبح أبتسامة و هي ترى من أراد أنتهاك حرمتها أصبح كالجرذ الذي وقع بالمصيدة ..!!
- من أمتى و أحفاد الهلالي بيتعرضوا لحُرمة يابن ال*** !!!
هتف "ظافر" بجملته التي تردت صداها في القصر بأكمله تلاها لكماتٍ وجهها إلى "مازن" على أماكن متفرقة من جسده ، أشتعل القصر بصراخ "ظافر" بأبشع السباب و أستنجاد "مازن" و صراخه يكاد يخترق أذان المتابعين بصمت ، فـ هُم يعلموا جيداً أن من يحاول التدخل سينفجر به "ظافر" ..
طُرِح "مازن" أرضاً و قوته تخور شئٍ فـ شئ ، لم يرحمه "ظافر" و لم يشفق عليه مقدار ذرة ، بل ظل يركله بقدمه بقوة حتى بصق "مازن" الدماءٍ ..
حتى "رهف" أشفقت عليه قليلاً و هي تراه يتلقى لكمات مفزعة في جميع أنحاء جسده ..
وقع قلب السيدة "رقية" أرضاً التي ظلت تنوح و تضرب صدرها على ما تراه من مشهد مُرهق لقلبها ، رؤية بِكرها يضرب أخيه الأصغر كان بمثابة لكمة بقلبها ، و كأن من يُضرب هي ليست ابنها !!
لم تعلم ما تفعل غير البكاء و بجانبها "باسل" محاولاً تهدئتها و هو يحاول إقناعها بأن تعود للغرفة ولكنها أبت صارخة بوجهه بقوة ، ولكن عندما رأت فلذة كبدها وجهه مغطى بالدماء بالكامل ركضت نحو أبنها الاكبر تضربه بقوة في صدره الذي يعلو و يهبط ، ظلت تضربة بهستيرية و هي تصرخ به بقوة ، انخفضت ضربات قلبها تدريجياً لتتهاوى بين يدي "ظافر" مغشياً عليها ..
عيناه حمراوتان بطريقة يُرثى لها ، الإرهاق بادياً على وجهه بوضوح ، يشعر بضيق في صدره و بعلقم في جوفه ، بمجرد التفكير بأنه أمه مستلقية على فراشٍ أبيض بسببه يجعله يود قتل نفسه ، والدته هي أغلى شخصٍ بحياته .. لا يستيطع الإستغناء عنها، لم يكن قلقاً على مازن _الراقد بجانب غرفة والدته_ بقدر قلقه على والدته ، بغضون ساعات تحولت حياتهم إلى جحيمٍ مُهلك ، راقب بعيناه "باسل" الذي يسند رأسه على كفيه بجانبه "رهف" يبدو عليها الذعر ،و زوجته التي للتو علِمت ما حدث و هي أيضاً يبدو عليها القلق ، مروراً بشقيقته التي تبكي بحرقة بين أحضان عمتها ، عيناها منتفخة و صوت بكائها يقطع نياط القلوب ، اقترب من مقعدها ليجلس جانبها .. وبهدوءٍ نزعها من أحضان عمتها ليُسند رأسها على صدره ، أجهشت "ملك" بالبكاء أكثر و تمسكت بقميص "ظافر" بقوة و هي تقول بحرقة :
- ماما يا ظافر .. أمي هتروح منا .
مسح على ظهرها بيدٍ وبالأخرى شدد على عناقها و هو يقول بنبرة حاول أن يجعلها جامدة مخفياً البراكين في قلبه :
- أهدي يا حبيبتي أمك هتجوم و ترجع أحسن من الأول .. أهدي .
ظلت تبكي بين أحضانه حتى غلبها النعاس ، عندما ثقلت رأسها على صدره علم أنها نامت ، أشار لـ "باسل" بعيناه ان يحملها من بين يديه و هو يقول : خدها يا باسل على البيت و خلي الخدامين ياخدوا بالهم منها ..
أومأ "باسل" بصمت ولم ينبت ببنت شفة ليلتقط "ملك" من بين يدا أخيه، همَّ بالذهاب ليجد "رهف" تتشبث بذراعه قائلة بنبرة خائفة :
- ممكن أجي معاك .. أنا خايفة اقعد هنا لوحدي ..
أومأ بصمت فـ هو أيضاً يشعر بالشفقة عليها، خرج من المشفى حاملاً اخته و "رهف" تمشي بجانبه منكسة برأسها و هي تفرك اصابعها بتوترٍ ، وضع "باسل" "ملك" في الأريكة الخلفية للسيارة ، ليستقل هو امام المقود و تعقبه "رهف بالمقعد جواره ، أنطلق "باسل" بالسيارة بوجهٍ متجهم ..
• • • •
حمل "باسل" شقيقته ثم وضعها على فراشها ، هتفت "رهف" بمزاح قليل لتخفف عنه :
- أطلع برا بقا عشان أغيرلها هدومها .. يلا طرّأنا ..
أومأ بإيجاز -بوجهٍ خالٍ- من الملامح ثم خرج مغلقاً الباب خلفه ..
أخرجت لها "رهف" منامه مريحة ثم ألبستها إياها ، خرجت "رهف" من الغرفة بعد أن أغلقت أنوارها ..
كان "باسل" ينتظرها بعد أن أخذ ملابس جديدة له ولشقيقه ، هبطت "رهف" الدرج قائلة :
- يلا عشان نرجعلهم ..
- لاء .. هروّحك ..
قال "باسل" بجمود ظهر في نبرته ..
حدقت به "رهف" بذهول قائلة :
- تروّحني فين ..؟!!
- هروّحك فين يعني عند أهلك !!!
أردف "باسل" بغضبٍ ساخر ..
لم تستطيع أبتلاع ريقها لتفرك أصابعها و هي تحاول أختلاق حجة مقنعة لتبقى قائلة بأرتباك :
- أيوة بس .. بس أحنا في الصعيد وانا بيتي في مصر يعني هناخد وقت عشان نروح مصر و مينفعش تسيب مامتك واخوك في المستشفى وتمشي كدة ..
↚
بتر "باسل" عبارتها قائلاً و هو يخرج من القصر متجهاً لسيارته بنبرة لا تقبل النقاش :
- لاء متخافيش عليهم أنا عارف أنا بعمل ايه ..
ذهبت وراءه مطأطأة رأسها بحزن ، أستقلت السيارة بجانبه بهدوءٍ تام ، ألتف "باسل" برأسه لها قائلاً :
- هنطلع ع مصر ، ساكنة فين ؟!!!
• • • •
- دخول والدة رجل الأعمال المشهور و صاحب شركات التصدير المعروفة بأسم "الهلالي" المشفى بالعناية المرّكزة ، و الحزن يخيم على عائلة الهلالي بأكملها ..!!!
قرأت "ملاذ" تلك العبارة على "مواقع التواصل الاجتماعي" ، شقت البسمة ثغرها لتجلس على المقعد بأريحية ، و سرعان ما هاتفت "عماد" الذي ردّ عليها في الحال ، بادرت "ملاذ" بنبرة ذات مغزى لا تخلو من الأمر :
- أعرفلي مستشفى ايه في قنا يا عماد ، لازم اعمل الواجب بردو !!!!!
• • • •
بعد وصول "باسل" و "رهف" للقاهرة ، وقف "باسل" بسيارته أمام مبنى يبدو عليه الرقي في منطقة لا تقل فخامه ، خفق قلب "رهف" بقوة ، أرتجفت يداها و هي تنظر لذلك المكان والذي من المفترض أنه عنوانها -الزائف- الذي أخبرت به "باسل" ...
- ده بيتك ..؟!
أخرجها من شرودها نبرة "باسل" التي تملؤها الشك ، أومأت "رهف" بصمت ، فـ هي لو تحدثت بنبرتها المرتجفة سيستطيع "باسل" أن يكشف كذبها بسهولة ..
أمتدت أناملها لمقبض باب السيارة ، همَّت بفتحه ولكن منعها قبل أن يلتقط "باسل" رسغها ، ألتفت له "رهف" ببطئ ، فتح كفها الصغير ثم وضع به كارت مدوّن عليه رقم المحمول بطبيعة الحال ، هتف "باسل" بنبرة دافئة بعد أن أغلق كفه على الكارت :
- لو أحتاجتي أي حاجة .. أي حاجة يارهف كلميني ، أنتِ زي أختي الصغيرة ..
أبتسامة لم تصل لعيناها رُسمت على وجه "رهف" ، يليها إماءه صغيرة ثم سحبت يدها و ترجلت من السيارة ، عصف بها الهوار فور نزولها من سيارته ، و كأنها أصبحت في مهب الرياح بدونه ..!!!!
أراد أن يطمئن عليها فـ أنتظر حتى دلفت إلى داخل المبنى ، ثم أنطلق بسيارته عائداً إلى قنا
أنقبض قلبها بخوف و هي تسمع مكابح السيارة ، أختفى الصوت تدريجياً لتنزل من على درج البناية سريعاً و هي تراه قد أحتفى بلمح البصر ، تقف بمفردها في طريق لا يمر به أمرؤ ، و الساعة قاربت على منتصف الليل ، أحتضنت "رهف" الكارت إلى صدرها و هي تحاول أن تقوى كـ قوة الأسم المدون عليه ، أقتربت من رصيف الشارع لتجلس عليه ، سرعان ما أجهشت ببكاءٍ كطفله فقدت والدها ، عندما تتذكر أنها مرغمه لتعود لوالدتها و زوجها اللعين يعلو صدرها و يهبط و كأنها في حالة هيستيرية ، شعرت بيد وضعت على كتفيها ، أنتفضت "رهف" بقوة معتقدة أنه أحد الشباب الثامل ، ولكن أرتخت ملامحها عندما رفعت رأسها ووجدته ، شهقت بأسمه بقوة لتقف قبالته ، و بدون تفكير أرتمت بأحضانه متشبثه بقميصه بقوة و هي تقول بشهقات متتالية :
- ب.. باسل ..
- ششش .. اهدي .
قال "باسل" مربتاً على ظهرها بحنانٍ بالغ .. أبعدها عن أحضانه ليقول بعتابٍ مثبتاً عيناه على مقلتيها الزائغة :
- كدبتي ليه وقولتي أنه بيتك ؟!!! أفرضي مكنتش رجعتلك عشان حسيت أنك بتكدبي ؟ أنتِ عارفة كان ممكن يحصلك ايه !!
نظرت أرضاً بحزنٍ و شهقاتها تخرج جاعله جسدها بأكمله ينتفض ، ربت على كتفيها بشفقة لحالها الذي يُرثى له ، أمرها بلطف ان تستقل السيارة لتنصاع لأمره دون بث كلمة ، جاورها هو قابعاً خلف المقود لينطلق بالسيارة ..
اوقف "باسل" السيارة جانباً في مكان عام ، ألتفت لها مرّكزاً جميع حواسه عليها ، نظرت له "رهف" بتوترٍ حاولت أن تنظر إلى أي شئ حولها عدا عيناه السوداوية البرّاقة ~
- كدبتي ليه ؟
كانت نبرته مستفهمه ، وبنفس الوقت حاول أن يحافظ على هدوء أعصابه حتى لا يخيفها .. ولكن بداخله سيجن ، لِمَ كذبت ؟! لِمَ قالت أنها تقطن بتلك البناية وهي لا تعرف شئ عن تلك المنطقة من الاساس ؟!! كل هذا يفقده عقله !!!
فركت "رهف" اصابعها بتوتر قائلةً بنبرة مهتزة :
- أنا .. أنا قاعدة مع ماما و جوزها و لما أخوك حاول يعتدي عليا كنت هربانه منهم .. ومستحيل أرجعلهم تاني لو هموت ..
ثم أنفجرت في بكاءٍ مرير ، غطت وجهها بباطن كفيها ، لا تعلم أين ستذهب و من سيحميها ، كلما تذكرت ما يفعله ذلك الرجل الملقب بـ زوج والدتها بها ، تشعر بأنها تريد التقيؤ !!!
مسح "باسل" وجهه بباطن كفيه ليقول بنبرة متحشرجة :
- معندكيش قرايب .. أي حد من عيلتك ؟ خال ولا عم ولا اي حد ؟!!
نفت برأسها بقوة قائلة و قد أزدادت في بكائها :
- معنديش حد ، بابا كتب كل حاجة بأسمي ومكتبش حاجة بأسم ماما ، هما أصلاً مكنوش بيحبوا بعد عشان كدة ماما اتجوزت بعد مـ بابا مات بعد م خلصت عدتها بيومين .. عشان كدة الحيوان دة عايز ياخد ورثي .. هو هددني انه هيخليني أمضي على تنازل لورثي ليه ..
أزداد بكاءها أكثر ، شعر "باسل" كما لو أن قلبه يتمزق عليها، حاول أن يجد مخرج من ذلك المأزق ولكن لم يكن أمامه سوى شئٍ واحد ..
- تتجوزيني ؟!!!!
↚
• • • •
عندما أنارت الشمس بوهجُها الذهبي الساطع ، ارتدت "ملاذ" بنطال أسود تعلوه كنزة بيضاء خفيفة تلائم ذلك الطقس الحار مع بليزر باللون النبيتي القاتم ، عقصت خصلاتها على هيئة ذيل حصان ليُعطها مظهر جادي ، أنتعلت حذائها ذو الكعب العالٍ لتأخذ مفتاح سيارتها مع هاتفها قبل ان تخرج من المنزل ، حاولت أن ترتدي أخفّ ما لديها خاصة الجو الذي لا يُحتمل في الوجه القبلي بالصعيد ..
أستقلت سيارتها خلف المقود ، عبثت في الهاتف قليلاً لتهاتف "فتحية" (التي تعتني بـ براء) ، أخبرتها "ملاذ" بطريقة موجزة انها ذاهبة للصعيد في بعض الأعمال الضرورية ، وأخبرتها بنبرة صارمة أن تعتني بـ "براء" جيداً ، أغلقت معها بعد دقيقتين لتطالع الرسالة المبعوثة من قبل "عماد" مدوّن بها عنوان المشفى التي تقطن بها العجوز والدة "ظافر" ذلك ..
ألتمعت عيناها ببريق مخيف لتنطلق بالسيارة سريعاً ..
• • • •
بعد مشوار كان شاق بالنسبة لها ، أصطفت سيارتها جانباً أمام المشفى الراقدة بداخلها والدة "ظافر" ، ألتقطت باقة الورود الحمراء التي أبتاعتها ، ترجلت من السيارة و حذائها يطرق الأرضية الصلبة أسفلها ، ألتوى ثغرها بأبتسامة مغترة وهي تمضي نحو المشفى في خطوات مدروسة ، وجدت فتاة الأستقبال لتسألها بإيجاز عن رقم غرفة والدة "ظافر" ، ذهبت لرقم الغرفة التي أخبرتها الفتاة بها ، استقلت المصعد لتصعد الغرفة رقم 201 ، ذهبت نحو الغرفة بخطى واثقة .. طرقت الباب مرتان لتسمع صوت تألفه جيداً .. كيف لا تألفه و هي أتت لأجل صاحب الصوت خصيصاً ، أدارت مقبض الباب لتفتحه بلطفٍ زائف .. دُهش "ظافر" عندما رآها تطل بوجهها الخمري وقوامها الممشوق ، تلقي التحية بلطفٍ بالغ ..
بينما صُدمت "مريم" من كتلة الجمال التي دلفت لهم ، خفق قلبها بقوة كالطبول من أن يكون زوجها يعرفها .. بالتأكيد هو على صلة بها فهي ولأول مرة تراها ، نهضت متأهبة و كأنها ستتشابك معها ..
مدت "ملاذ" كفها إلى "ظافر" قائلة بحفاوة شديدة :
- أزيك يا ظافر باشا ، اعذُرني جيت من غير ميعاد بس أول مـ عرفت أن والدتك في المستشفى جيت ع طول .. أتمنى مكونش أزعجتكم ..
أنتصب "ظافر" بقوة معيداً الجمود لوجهه ليمد يده مقابلها يصافحها بجمودٍ قائلاً :
- أهلاً يا أنسة "ملاذ" ، أزعاج أيه بس أنتِ نورتي ..
بادلته أبتسامة لتنزع يدها من يده ذاهبة بدورها إلى والدة "ظافر" التي تعلقت أبصارها بـ "ملاذ" بإعجاب بأخلاق الفتاة وجمالها التي لا تدخل به في منافسة مع أحد ، أقبلت عليها "ملاذ" منحنية بجسدها قليلاً لتصل إلى "السيدة رقية" التي ترقد على الفراش ، صافحتها بلطف لتقبلها على وجنتيها قائلة بتهذيب :
- أزي حضرتك يا طنط ، ألف سلامة عليكي ..
وضعت "ملاذ" الورد على الكومود الذي يجاور الفراش ، بينما أبتسمت "السيدة رقية " و هي تتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها ، رسمت أبتسامة عريضة و هي تقول بترحاب بلهجتها الصعيدية الأصيلة :
- الله يسلمك يا بتي ، تعالي يا حبيبتي أجعدي چاري .. " أقعدي جنبي"
لم تفهمها "ملاذ" و أرتسم ذلك على وجهها بوضوح ، لتجذبها الأخيرة من ذراعها لتجلسها جوارها على طرف الفراش ، و على الطرف الأخر كان يجلس "ظافر" ليصبحا في مقابل بعضهما البعض وكان الحاجز بينهما والدته ..
كظمت "مريم" غيظها من مظهرهم الذي جعل الأدرينالين يرتفع لديها بقوة ، حتى انها أرادت أن تجذب تلك الحمقاء من خصلاتها المموجة تلك ، نهضت بقوة عازمة على التصرف ، أظلمت عيناها و هي ترى تلك الفتاة تنظر لزوجها بجرأة ، عيناها تشعان خبثاً عكس اللطف التي تحاول إصطناعه بجدارة ، تقدمت نحوها بخطوات عنيفة لتقف أمامها قائلة بعنفٍ ظهر جلياً في نبرتها :
- بعد أذنك عايزة أقعد جنب حماتي و چوزي يا أنسة .!!
أصتنعت "ملاذ" أبتسامة صفراء لتنظر لها بعيناها السمراوتين تتفحصها ، تناظر خِصمها و كم كانت النتيجة حاسمة لصالحها ..
وثبت "ملاذ" لتتنحى جانباً قائلة بودٍ زائف :
- أكيد طبعاً أتفضلي ..
تأففت "السيدة رقية" بقنوط ولكنها سمحت إلى "مريم" أن تجلس جوارها على مضض ، نظرت "ملاذ" إلى "ظافر" قائلة بنبرة جادة :
- معلش يا ظافر باشا انا عارفه انه مش وقته بس أحنا لازم نتكلم في الشغل عشان نبدأ نصمم ال uniform ..
أومأ "ظافر" بهدوءٍ ليثب حتى يتحدثوا خارج الغرفة تاركين "مريم" تشتعل غضباً ..
****
وقفوا في ممر المشفى قبالة بعضهم ، "ظافر" يضع يده في جيب بنطاله الأسود منتظراً منها أن تتحدث ، أخذت "ملاذ" مهمة البدأ بالحديث قائلة بنبرة آسفة :
- بدايةً أنا بعتذر على اللي حصل أخر مقابلة بينا ، أنا عارفة أني كنت غِلسة شوية بس أنا أتعصبت لما شوفت الزفت دة ..
تخلى "ظافر" عن صمته قائلاً :
- ولا يهمك ..
رسمت أبتسامة على ثغرها و هي تقول بمرحٍ :
قولي بقا يا سيدي نبدأ التصميم أمتى ؟
- الوقت اللي تعوزوه ..
أومأت "ملاذ" بإبتسامة لتعود إدراجها الغرفة ، دلفت للغرفة لتخبرهم بلزوم ذهابها الأن ، أعترضت "السيدة رقية" بقوة قائلة بنبرة لا تقبل النقاش :
- معقولة يا بتي ، يعني تبقي ضاربة مشوار لحديت الصعيد و تمشي أكده على طول ؟ لاء ميصحش دي مش عوايدنا ، متقول حاجة يا ظافر !!
ألتفت لها "ظافر" قائلاً :
- أقعدي يا أنسة ملاذ ، الدكتور هيكتب للحاجّة على خروج دلوقتي و روّحي معانا أتغدي و أنا تبقى أوصلك ..
↚
رسمت "ملاذ" الخجل على وجهها قائلة بترددٍ زائف :
- بس آآ ..
- مافيش بس !!!
قاطعتها والدة "ظافر" بنبرة حادة ..
و كأنها تجلس على جمرٍ مشتعل ، تهدج صدرها بعنف و عيناها تقطر حقداً ، تود أن تقفز عليها لتوسعها ضرباً ..
سارت الإجراءات سريعاً وخرجت والدة "ظافر" من المشفى ، أخبر "باسل" "ظافر" بأن يذهبوا بمفردهم و هو و "رهف" سيلحقا بهم بسيارته ، أومأ "ظافر" رغم أستغرابه أن "رهف" تلك لم تذهب لبيتها إلى الأن ..
جلست "السيدة رقية" بالأمام جوار "ظافر" بوجهٍ يظهر عليه الإعياء والحزن ، نظرت له "السيدة رقية" قائلة بترددٍ :
- ظافر .. كنا استنينا مازن عشان نطمن عليه آآآ
بتر عبارتها بنبرة حادة :
- أمي لو سمحتي متفتحيش الموضوع دة .. أعتبري أن مازن مـات !!!
ساد جو من الشحنات المذبذبة ، والدته بدت و كأنها فقدت النطق ، وقفت الكلمات على طرف شفتيها ، بينما كانت "ملاذ" تجلس بالأريكة الخلفية جوار "ملك الجالسة بالمنتصف وعلى يسارها "مريم" التي تفادت الجلوس بجانب تلك الفتاة ، قطبت "ملاذ" حاجبيها عندما حذرّت أن أخيه أيضاً بالمشفى ، ويجب أن تعلم لماذا و بأسرع وقت لديها ..
• • • •
أستقلت السيارة جواره و هي تفرك يديها ببعضهما بتوترٍ ملحوظ ، لا تصدق أنها ستتزوج شقيق من حاول اغتصابها، ولكن ما يُطمئنها أن "باسل" ليس كأخيه أبداً ، هي بدون أسباب يطمئن قلبها عندما تكُن جواره ، انطلقت السيارة سريعاً مما جعل "رهف" تشعر وكأنهما يسابقا الرياح ، أنتفض قلبها من محله عندما قال "باسل" :
- أوصفيلي عنوان بيتك ..!!
ابتلعت شهقة كادت أن تصدر من داخل جوفها و هي تقول بعينين متسعتين :
- لـيـه ؟!! أنت .. أنت هترجعني ليهم ؟!!
تابعت وقد بدأت عيناها بذرف الدموع و هي تقول بتوسلٍ :
- عشان خاطري بلاش ترجعني ليهم ، هبقى خدامة تحت رجليك بس بلاش ت..
بتر عبارتها و هو يقف بالسيارة بقوة حتى أنها أرتدت إلى الوراء ، ألتفت لها ليقبض على كفيها بحنو ظهر في نبرة صوته :
- أهدي .. مستحيل أرجعك ليهم .. و أوعي تاني مرة ترخصي نفسك كدة ، أنتِ مش خدامة يا رهف ، أنتِ غالية جداً عندي ..
لم تفلح كلماته إلا في زيادة بكاءها أكثر ، لأول مرة يعطف عليها شخص في حياتها بعد والدها ، منذ أن مات والدها اصبحت هي في تقف أمام الدنيا بمفردها ، تتلقي صفعة تليها الأخرى و تتوالى الصفعات على حياتها ، لم يواسيها شخص حتى و إن كانت كلمة ، نظرت "رهف إلى حدقتيه الحانية ، يتدفق من داخلهما دفئٍ يجعلها تتمنى لو أن تسكن بعيناه طيلة حياتها .. بعدما هدأت وصفت له عنوان بيتها في المنطقة التي تسكن بها ..
عندما وصلا أمام بيتها ، ترجل كلاً من "باسل" و "رهف" تلحقه ، جالت نظرات من المارّة من تلك السيارة الفخمة التي ولأول مرة تزور حيّهم الشعبي ، ألتهمتها النظرات الحاقدة و المنفرة ، أبتسمت بسُخرية محدثة نفسها :
- طبعاً مستنيه ايه لما تباتي يومين برا البيت و فالأخر تيجي ومعاكي واحد بعربية واو .. مستنيه ايه غير النظرات دي ..
صعدا كلاً منهما الدرج المتهالك ، تعالت ضربات قلبها بتوجسٍ و هي لا تعلم ماذا ستقول لوالدتها ، و مجدداً سترى وجه زوج والدتها البغيض ، أشارت "رهف" إلى "باسل" على باب شقتها ، أنتصب "باسل" بجسده العريض .. بينما "رهف" تقف خلفه ينتفض جسدها بين الفينه والاخرى ، فتح زوج والدتها و الملقب بـ "بُرعي" ، أعتلت ملامحه ارتباك جليَّ و هو يطالع "باسل" الذي يفوقه طولاً و عُرضاً ، إزدرد ريقه قائلاً بتوجسٍ :
- خير يا بيه ؟!! انت مين ؟
ثم طالع "رهف" التي تقف خلفه بغضب عارم مسطرداً :
- ولا بنت الـ *** دي عملت حاجة ؟!!
قست ملامحه بطريقة مُرعبة ، أسودت عيناه التي ترمقه بتوعدٍ لسبّ زوجته المستقبلية ، زجره في كتفه ليُزيحه من أمامه ، دلف للمنزل بعينان تجولتا في أنحاءه ، كان بسيط ومتواضع للغاية ، دلفت "رهف" وراءه و هي تنظر لزوج والدتها بقرف تجلى على صفحات وجهها ، مضت نحوهم والدة "رهف" ، سيدة بدينة الجسد بعض الشئ تعشق زوجها الذي أستغل هذا العشق لينهب نقودها و ليتحرش بأبنتها ، و لأنه تثق به ثقة عمياء فدائماً عندما تخبرها أبنتها أنه يحاول التحرش بها لا تصدقها و في بعض الأحيان تصفعها بقوة لتكف عن الافتراء عليه -كما تظن هي- ..
نظرت السيدة "زهرة" (والدة رهف) إلى أبنتها بغضب و هي تصيح بها :
- كُنتِ فين بابت !!! بنتيمينا على ودانا وتدوري على حل شعرك !
لاذت "رهف" بالصمت ولم تعلّق ، بادر "باسل" قائلاً بنبرة تحذيرية رافعاً سبابته بوجهها :
- لولا أنك ست كبيرة كنت رديت عليكي .. بس عيلة الهلالي مبتضربش نسوان !!
- عيلة الهلالي !!!
أردف بها "بُرغي" بنبرة مرتابة ، فـ هو قد سمع الكثير عنها و عن صيتها و ثراءها الفاحش ، أبتلع ريقه و هو يطالع "باسل" بتوجس قائلاً :
- و ابن سرحان الهلالي عايز مننا ايه ؟!!
↚
ألتفت له "باسل" مجاوراً "رهف" ، قبض على يدها بتملكٍ و هو يقول :
- هتجوز رهف !!!
• • • •
صف "ظافر" سيارته في موقف السيارات الملحق بالقصر .. أسند والدته حتى تستطيع السير بينا ترجل كلاً من "ملاذ" و"مريم" و "ملك" ، دلفوا جميعهم إلى القصر لتنظر "ملاذ" إلى باحة القصر والحديقة التي زُينت بزهور أنواع مختلفة و ألوان مبهجة ، تغلغلت رائحة الزهور الذكية إلى روح "ملاذ" ، أستنشقتها "ملاذ" سامحة لها بالتعمق داخل جوارحها ، رأتهم جميعهم يدلفون إلى القصر يساندون السيدة "رقية" بينما وقفت هي بالحديقة تطالع الزهور من حولها ، لفت أنتباهها زهرة حمراء نبتت وسط الزهور البيضاء حولها ، بدت متميزة عن باقي من حولها ، سارت لها رغماً عنها تطالعها كم هي براقة و لامعة ، أمتدت أناملها الرقيقة لها لتتلمسها بلطف ، دائماً ما كان لونها المفضل هو الأحمر ، ترى به نفسُها و كأنه مرآة تنعكس لها .. لم تلاحظ أبداً ذلك الذي يقف خلفها يضع كِلتا يداه في جيبه ، عيناه تكاد تثقب ظهرها بنظرات كالصقر ، و بدون مقدمات أردف بنبرة غامضة :
- عجبتك ؟!!
أنتفض جسدها بذعر مطلقة شهقة عنيفه لتفاجأه بصوته ، التفتت له في حدة صارخة بغضبٍ أهوج :
- في حد يخض حد كدة !!!
أحتدت عيناه عند صراخها بوجهه بتلك الطريقة ليهتف بنبرة حادة و نظرات صارمة محذرة :
- متعليش صوتك !!!
- أنا أعلي صوتي براحتي !!
قالت بعناد ولهجة باردة و هي تكتف ذراعيها أمام صدرها مطالعة إياه بتهكمٍ أغضبه ..
وجّه لها نظرة غامضة ليتحرك من أمامها يطوي الأرض بقدميه بعينان مشتعلتان من الغضب ، دلف إلى القصر تاركاً باب القصر مفتوح ..
بينما الأخيرة أنعقد ما بين حاجبيها بغرابة .. لِمَ لم يصرخ بها ؟ لِمَ لم يعنفها ؟ أو لِمَ لما يقوم بطردها خارج قصره ؟ دارت تلم الأسئلة في عقلها و لكنها لم تجد أية إجابة لها ، دلفت إلى القصر بخطوات بطيئة ، شردت بذهنها و هي تسير داخل القصر عيناها تتجول على كل أنش به ، لم تجد نفسها إلا وهي تصتطدم بـ "ظافر" بقوة لترتد للخلف بألم و كأنها أصتدمت بحائط ضخم ليس بإنسان ، قطب "ظافر" حاجبيه بغضب صارخاً بها :
- مش تاخدي بالك أيه عميتي !!!!
تفاجأت من ردة فعله الغاضبة و صراخه بوجهها لتصرخ بوجهه هي أيضاً بعنفٍ :
- أنت بتزعق ليه انا مكنتش اقصد ..
- يعني أيه مكنتيش تقصدي أنتِ غبيه مش تبصي قدامك !!!
ضربت الأرض بقدميها بغضب صارخة به بإحتجاج :
- متقولش عليا غبيه و متزعقش !!!
وقفت "ملك" خلفهم فارغة فاهها بصدمة و كأنها تشاهد طفلين يتشاجروا أمامها ، لم تستطيع كتم ضحكتها لتدوي بالقصر و هي تنحني من شدة الضحك ، ألتفتا لها يقولان معاً بغيظ :
- بتضحكي على ايه ؟
نظرا كلاهما لبعضهما البعض بغيظ لتستطرد "ملك" محاولة إيقاف ضحكاتها :
- عاملين زي العيال الصغيرة !!
- مـلـك !! حاسبي على كلامك ، هي اللي عيلة !!!
نظرت له "ملاذ" بشرارات تخرج من حدقتيها ليقول "ظافر" بجمودٍ إلى "ملك" :
- وصلي ضيفتنا لأوضة الضيوف .
أومأت "ملك" بأبتسامة مرحة لتأخذ "ملاذ" من يديها صاعدين الدرج ، تابع "ظافر" صعودهم بنظرة ثاقبة حتى أختفا كلتاهما عن ناظريه ..
• • • •
أوصلت "ملك" "ملاذ" إلى غرفة الضيوف جالبة لها منامية مريحة لتُقضي بها اليوم ، شكرتها "ملاذ" بلطفٍ زائف لتحاول أستدراجها مسطَّردة :
- قولي لي ياملك هو اخوكي مازن في المستشفى ، أصلي سمعت طنط مامتك بتقول انه محجوز في المستشفى ، خير حصله حاجة ؟
أرتبكت "ملك" لتفرك يداها تنظر إلى "ملاذ" التي قالت بحزن مصطنع :
- خلاص يا ملك لو مش عايزة تقولي خلاص براحتك ..
تراجعت "ملك" قائلة سريعاً :
- هحكيلك ..
أنتبهت لها "ملاذ بجميع جوارحها ، قصت لها "ملك" ما حدث مع اخيها الأصغر و العراك الذي صار بينهُ و بين "ظافر" ، ألتوى ثغر "ملاذ" بخبث استوطن صفحات وجهها و ملامحها لا تنتوي الخير أبداً !!
• • • •
بدت و أنها تقف على جمر مشتعل ، وجهها أصبح احمر من كثرة غضبها ، تشعر و كأن روحها تُسحب منها ، تعلم أن تلك الدخيلة ليست لطيفة او بريئة كمان تتصنع ، فـ هي لمحت نظرات خبيثة بعينها عندما تنظر إلى زوجها و ذلك ما جعلها تتمنى لو تقفز على عنقها تكسره بيداها ، ألتفتت للباب الذي فُتح لترى "ظافر" يدلف للغرفة ، اتجهت له ومن دون سابق إنذار ارتمت بأحضانه بقلبٍ ملتاع ، تفاجأ "ظافر" من عناقها له بتلك الطريقة و لكنه رفع يده يربت على خصرها قائلاً بتساؤل :
- مالك يا مريم ؟ في حاجة ..
↚
نفت برأسها و هي تشدد عناقها على خصره أكثر قائلة بنبرة خائفة :
- ظافر .. أنت مش هتسيبني صُح ؟
قطب حاجبيه بغرابة ليبعدها عن احضانه ، رأى وجهها الممتلئ بالدموع ليرفع حاجبيه بإندهاش أزداد أكثر ، فـ هو و لأول مرة يراها تبكي بتلك الطريقة ، أمتدت انامله الخشنة لتمسح دمعاتها من على وجهها قائلاً بلطف :
- ليه العياط دلوقتي ؟..
وكأن جملته كانت القشة التي قسمت ظهرت البعير لتنفجر في البكاء بقوة و هي تقول بتقطع أثر بكائها :
- أنت هتسيبني يا ظافر .. أنا متوكدة ، أنت عمرك مـ حبيتني و فوقه أنا مجبتلكش العيل اللي نفسك فيه .. يعني أكيد هتتچوز عليا ..
ربت على رأسها بحنان و هو يقول :
- أيه اللي جاب الأفكار دي لدماغك يا مريم ..
لم تخبره أن تلك الشكوك بدأت تحل على رأسها بسبب تلك الفتاة ، جذب رأسها إلى صدره عندما رأى صمتها ، يمسح على ظهرها مشفقاً على حالها ، يعلم أنها تعشقه و لكنه لم يبادلها ذلك العشق يوماً ، ولكن بدلاً من ذلك العشق كان يعوضها حناناً و عطف ..
أجتمعوا جميعاً على طاولة الطعام العريضة ، جلس "ظافر" على رأسه السُفرة بطبيعة الحال ، تجاوره والدته الذي بدى الشحوب على وجهها و رُغم ذلك رفضت تناول الغداء في غرفتها لتصرّ على أن تجلس معهما ، و من جهة اليمين جلس "باسل" الذي قد أتى للتو بحوزة "رهف" ..
بدأوا الجميع بتناول الطعام بصمت تام ، كانت "ملاذ" تحدق بصحنها بشرود ، لا تصدق أنها تجلس في قصر ذلك الرجل بل و تأكل على طاولة طعامه ، شردت لبعيد تماماً عندما كانت تبلغ من العمر خمس سنوات ..
طفلة صغيرة تصرخ بصوتٍ عالٍ على تلك السيدة الكبيرة بالعمر ، رُغم عُمرها الذي لم يتعدى الخمس سنوات و قُصر قامتها إلا أن صوتها كان يصدح بالبيت الصغير بأكمله ، حاولت تلك السيدة أن تهدأها بكلماتها الحنونة و هي تجلس كالقرفصاء لتصبح في مستواها :
- أهدي يا ملاذ يا حبيبتي صدقيني براءة أختك هتبقى بخير أهدي ..
نفت "ملاذ" بوجهها الطفولي الذي أمتلأ بالدموع و هي تقول بطفولية بريئة :
- لا مُس (مش) هتبقى كويسة هي لاسم (لازم) تعمل عملية بفلوس كتير .. أنتِ بتضحكي عليا أنتِ كذابة !!!
ثم تركتها وذهبت بعيداً خارج البيت بأكمله ، عيناها غارقة بالدموع الطفولية ، ركضت من على الدرج غير عابئة لصراخ تلك السيدة عليها ، عيناها مُلتمعة ببريق أصرار رغم صُغر عمرها ، ولكن معالجة شقيقتها كانت أكبر من أي شئ أخر ..
قادتها قدميها الصغيرة لقصر ذلك الرجل فاحش الثراء ، لم يكُن يبعد كثيراً عن بيتها المتواضع ، وقفت أمام البوابة و رُغم الفزع الذي أعتراها عندما وجدت رجلين قويان البنية و منكبيهما العريضان و طولهما الفارع ، أعتلت ملامحهما غرابة شديدة لوجود تلك الطفلة أمام قصر متحجر القلب ذلك ، قرفص أحدهما على قدميها أمامها قائلاً بحنو :
- عايزة حاجة يا حبيبتي ؟ فين مامتك وباباكي توهتي منهم ولا ايه ؟..
هزت رأسها برفض قائلة بنبرة قوية لا تليق إلا بها :
- عايسة (عايزة) أقابل عمو اللي جوا ، اللي معاه فلوس كتير ..
رفع ذلك الشخص حاجبيه بدهشة مسطرداً :
- و أنتِ عايزة عمو في أيه ؟ تعالي أوديكي لمامتك وباباكي ..
ثم سحبها من يديها لتنفض يده بقوة ، أنفجرت في بكاء شديد ليصرخ بها الأخر بعنف شديد :
- أمشي يابت من هنا مش ناقصين قرف ع الصبح !!
نظرت له بحقد و لم تكف عن البكاء المزعج والقوي ، فمن يراها لا يصدق بأن ذلك الصوت المرتفع نابع من تلك القزمة !
ظلت تبكي الكثير من الوقت حتى أعلن أستسلامه أحد الحراس قائلاً :
- خلاص هنخليكي تقابليه ..
أبتهج وجهها سريعاً لتلمع عيناها من فرط سعادتها ، قفزت تصفق بطفولية ، صرخ الأخير محتجاً بإستهجان عما قاله رفيقه :
- أنت بتقول أيه يا مراد لو شافها سيدنا الكبير هيتعصب علينا أحنا ..
صرخ به المدعو "مراد" هو الأخر متأففاً بضيق :
- أنت مش شايفها مهرية من العياط ازاي دي ممكن تموت كدة !!!
فتح الحارس بوابة القصر بضيق مشيراً لها بالدخول .. دلفت "ملاذ" بنصرٍ و بخطوات سريعة ، نظرت حولها للحديقة التي أمتلئت بالزهور مبهجة اللون لتصدم بجمالهما ، لم تعبأ كثيراً لتركض نحو باب القصر ، أخذت تطرق الباب بكفيها الصغيرتان لتفتح لها الخادمة ، صُدمت من تلك الصغيرة لتقول بغرابة :
- أنتِ مين يا عسولة ؟ و آآ
و في غضون ثانيتان كانت "ملاذ" تعبر تاركة إياها تهذي ، فقد ملت كثيراً أهذا كله لكي تقابل ذلك الرجل فقط ، وقفت "ملاذ" في منتصف القصر تقول الخادمة بنبرة يغمرها الغرور :
- فين أوضة اللي بتستغلي (بتشتغلي) عنده ؟
جحظت حدقتي الخادمة و لكنها لم تمنع تلك الأبتسامة التي زحفت على ثغرها لتشير لها على غرفة مكتب "سرحان الهلالي" لتذهب "ملاذ" لتلك الغرفة لا تصدق أنها و أخيراً ستتحدث مع الذي سينقذ شقيقتها ، وقفت أمام الباب لتقف على حافة قدميها حتى تصل لمقبض الباب ، جاهدت كثيراً و لكن فتحته بالأخير ، دلفت للغرفة بخطوات خائفة لتجده أخيراً ، "سرحان الهلالي" ذو الملامح القاسية و العينان المخيفتان بلونهما الأسمر ، خصلاته تتخللها الشيب قليلاً يجلس خلف مكتبه بغرورٍ يعمل بأوراقه ، لفت أنتباهه تلك الصغيرة التي دلفت لمكتبه لينتفض محدق بها بذهول ، أخذ يتسائل من أين جاءت ولماذا ، وقف أمامها واضعاً كفيه بجيوب بنطاله و معدته تدلى قليلاً أثر الشحوم المختزنة بها ، لم يتخلى عن جموده ليردف :
- أنتِ مين و بتعملي أيه في مكتبي ؟
↚
لم تنبث "ملاذ" ببنت شفة ، مدت كفها الصغير في جيب بنطالها الصغير لتخرج بعض الجنيهات القليلة ، بسطت كفيها الصغيرتان معانا أمامه ، لم تجرؤ على رفع رأسها لتقول بعينان ممتلئة بالعبرات ليخرج صوتها متحشرجٍ أثر البكاء العالق بصدرها :
- دول بس اللي معايا .. ممكن يا عمو تساعد أختي عسان (عشان) تقدر تمسي (تمشي) على رجليها لو سمحت .. أنا عايفة (عارفة) أنك معاك فلوس كتير أوي .. لو سمحت يا عمو ساعدنا ..
قست ملامحه يطالعها بتهكمٍ ليصرخ بالخادمة بقوة :
- يا مديحة .. تعالي طلعي الأشكال دي من القصر ..
لم تفهم "ملاذ" ما قاله و لكن عندما وجدت الخادمة تأتي لتأخذها صرخت بقوة به و ببكاء يفطر القلب :
- لاء يا عمو لو سمحت ساعد أختي .
نظر لها ببرود جليدي ، و كأن الرحمة نزعت من قلبه نزعاً فأصبح كالحجر ، بل ربما قد نظلم الحجر إن شبهنا ذلك الشخص به ..
بكت "ملاذ" بكل ما أوتيت من قوة عندما سحبها ذلك الرجل بقوة ليدفع بها أمام مكتبه بقوة غير مراعياً صِغر سنها ، شفقت عليها الخادمة لتهم بإيقافها و لكن منعها "سرحان" بإشارة منه ، نظر لها بعيناه القاسيتان ليقول بنبرة خالية من الرحمة :
- لو شوفتك هنا تاني هحبسك في أوضة ضلمة فاهمه ؟!!!
ثم دلف لمكتبه صافعاً الباب خلفه ، أجهشت "ملاذ" بالبكاء لتترسخ عيناه القاسية بعقلها ، لم تيأس "ملاذ" أبداً بل نهضت رُغم جسدها الصغير الذي تألم من قوة دفعته ، طرقت على الباب مجدداً و لكن تلك المرة بقوة أكثر و هي تصرخ به بغضب :
- أفتح الباب .. أفتح أنت لازم تساعدنا !!!
رق قلب الخادمة لها لتجذبها و هي تقول برأفة :
- أبعدي يا حبيبتي عشان ميحبسكيش في الأوضة ، أنا مش عارفة أزاي باباكي و مامتك سابوكي تيجي القصر دة ..!!!!
نفضت "ملاذ" يدها عنها بقوة و هي مازالت تطرق على الباب بحدة رافضة الذهاب قبل أن تعود أختها في السير كما كانت ...
فتح "سرحان" الباب بعينان ملتهبتان ، حدقتيه حمرواتان بطريقة مرعبة تطلق شراراً ، شهقت "ملاذ" بخوف طفولي عندما وجدته هكذا لتنكمش على نفسها برهبة ، جرّها "سرحان" من ذراعها بعنف لغرفة كانت بالقبو ، باردة كالجليد ، حاولت الخادمة منعه و لكن لم تستطع لتركض لزوجته السيدة "رقية" لتحاول منعه مما سيفعله بتلك الطفلة ، ألقى "سرحان" بـ "ملاذ" داخل تلك الغرفة شديدة الظلام ، نظرت "ملاذ" حولها برعبٍ شديد محتضنه نفسها ، فـ فوق ظلام الغرفة الموّحش و لكن أيضاً برودتها لا يتحملها شخصٍ بالغ ما بالك بطفلة صغيره لا تفقه شئ !!!
اغلق "سرحان" الباب عليها ليوصده بالمفتاح ، قابل زوجته في وجهه بملامح فزعة مما قصت لها الخادمة ، أمسكت السيدة "رقية" ب تلابيب زوجها قائلة بفزع شديد :
- وديت البت فين يا سرحان .. متجولش أنك دخلتها الأوضة إياها !!!!
نظر لها بحدقتان خاليتان قائلاً :
- دخلتها يا رقية .. أبعدي من وشي الساعة دي ..!!!
جحظت عينان الأخيرة بقوة لتصرخ في وجهه ضاربة على صدرها بقوة :
- يـخـرابـي .. دي البت زمانها مفلوجة من العياط يا حبة عيني ، هات يا سرحان المفاتيح ..
تركها ماراً بجوارها غير عابئاً لها أبداً ..
بينما في الداخل كانت المسكينة تبكي بقوة. بشهقات لم تتوقف ، ينتفض جسدها بين الحين و الأخر من قوة بكاءها ، أخذت تناجي والدتها و والدها قائلة ببكاءٍ شديد :
- تعالي يا ماما خوديني ، تعالي خوديني أنا خايفة أوي ، أنا عايسة (عايزة) أخرج من هنا ، تعالي يا ماما أبعدي السرير (الشرير) دة عني ، أنا مس عايسة أقعد هنا أنا بخاف من الضيمة (الضلمة) .. الجو برد أوي هنا تعالي يا ماما خوديني بقا تعالي يا مـامـا !!!!
أنفجرت في بكاء قوي لتجلس بزاوية ما في الغرفة تضم ركبتيها إلى صدرها لتنسدل خصلاتها الغجرية على كتفيها ، سمعت صوتٍ من وراء الباب ، كان صوت فتى .. و لكن صوته حنون للغاية ، نبرته تغلغلت في جوارحها بقوة ، كان يمهس من وراء الباب بنبرة مطمأنه :
- متخافيش .. هطلعك من هنا !!!!
أجهشت بالبكاء بقوة ، أزرقت شفتيها من شدة البرودة و بردت أطرافها ، زاغت عؤناها لتصتدم رأسها على الأرضية بسكون تام ، و في تلك اللحظة بالضبط دلف "ظافر" إلى الغرفة الباردة ، ليشاهد ذلك الجسد الصغير يسقط امامه على الأرضية الباردة ، أنقبض قلبه ليركض نحوها ، طالعها بنظرات قلقة تشمل وجهها بأدق تفاصيله ، بشرتها الشاحبة بقوة و ثغرها المزموم الذي تحول لـ اللون البنفسجي ، دموعها العالقة بأهدابها المغلقه و البعض منثور على وجنتيها كاللؤلؤ ..
لم ينتظر ليحمل جسدها الصغير بين ذراعيه ، كان "ظافر" آنذاك بعمر الخامسة عشر ، رُغم سنه إلا أنه يملك جسد صخم ورثه من أبيه ، لذلك فقد كانت "ملاذ" كالريشة بأحضانه ، أستندت "ملاذ" برأسها على صدره بإرهاق ، نظر لها "ظافر" بشفقة ليصعد لغرفته تاركاً أبيه يصرخ به ، صعد الدرج بخطوات واسعة ليصل لغرفته ، فتح الباب بقدميها ليلج ، وضعها على فراشه الناعم برفقٍ شديد ، عيناه الزيتونيه تجول على وجهها بقلق أعتراه ، و كأنها مسئولة منه هو فقط ..
أعنتت بها أمه أيضاً لـ تأتي تلك السيدة التي تعِش معها "ملاذ" و "براءة" لتأخذ "ملاذ" ، و لكن لم تكن نفسها "ملاذ" .. بل كانت طفلة بقلبِ قاسٍ ، قلب و عقل ترسخ بهما حدقتين .. تلك العينان السمراء القاسية و المتحجرة ، و عيناه الزيتونية الممتلئة بالدفء النابع منها ..
”ليتنا نستطيع أن نعالج خدوش أرواحنا.”
• • • •
↚
بدون مقدمات رفعت رأسها لتنظر إلى "ظافر" .. بعيناه الزيتونية الحنونة ، و لكنه يحجب ذلك الحنو بجمود قاسٍ ، لتتمثل أمامها حدقتي مزيج بين قسوة "سرحان الهلالي" و حنو "ظافر سرحان الهلالي" ..!!
نهضت "ملاذ" فجأة من على طاولة الطعام شاعرة بأختناق كبير .. و كأن شئ يجثى على صدرها يمنعها من التنفس حتى ، نظروا جميعاً لها لنهوضها المفاجئ و من بينهم "ظافر" الذي طالعها بإستغراب .. هم بأن يسألها عما بها لتقاطعه "ملاذ" قائلة بنبرة لاهث تجاهد لتلتقط أنفاسها :
- أنا .. أنا لازم أمشي ..
قطب "ظافر" حاجبيه كما فعلت والدته لتسألها بقلق :
- فيكي حاجة يابتي ؟ أنتِ بخير ؟
أومأت "ملاذ" بصمت و هي تستشعر نبرتها الحنونة ، لم تنتظر بل ذهبت بخطوات واسعة نحو باب القصر لتخرج سريعاً ..
ذهب "ظافر" ورائها ليرى ما حدث لها ، وجدها تقف وسط الحديقة تضع يدها على قلبها و باليد الأخرى تستنشق الرذاذ النابع من بخاخ الربو ، هدأت ضربات قلبها المتسارعة لتعود لطبيعتها ، تقدم "ظافر" نحوها .. وقف أمامها ليراها مغمضة العينان تحاول تنظيم تنفسها غير ملاحظة وقوفه أمامها ، لأول مرة يرى ملامحها بالقرب ذاك ، تجولت حدقتيه على وجهها بدايةً من حدقتيها المغلقتان و أهدابها الكثيفة التي علقت بها حبات "الماسكرا" الجافة ، نزولاً بأنفها الصغير .. عبرت عيناه على شفتيها و عند تلك اللحظة لم يتسطيع إزاحة نظره عن شفتيها المُطلية باللون الأحمر القاني ، شعور يدفعه لأن يهجم على شفتيها مقبلا إياها ، و لأنه "ظافر" الذي لا يقف أمامه شئ ، وباللحظة الأخيرة توقف عما كاد أن يفعل ، بل أبتعد عنها تماماً و كأنها مرض سيُعديه ، نبض فكه لشدة غضبه ، التنين عيناه كما لو كانت سيضخ من داخلها الدماء ، منذ متى و هو يشعر بذلك الشعور تجاه أنثى ؟ منذ متى و عيناه تحيد على فتاة ؟ لقد عاهد نفسه بأن لا يُميل للحب مهما صار ، و لكن لما عندما يرى "ملاذ" يشعر و كأنها مسؤليته ، يشعر كمل لو أنه رآها من قبل ، عندما يراها يشعر و كأنه عاد طفلٍ من جديد ، و لكنه لن يسمح بنضج ذلك الشعور داخله ، سيقتلعه من جذوره في الحال ..!!!
فتحت "ملاذ" عيناها تطالع "ظافر" بإستغراب ، تفحصت هيئته الغاضبة لتتمتم بتساؤل :
- في أيه ؟ .. إنت كويس ؟ باين عليك آآ ..
بتر عبارتها و قد عاد الجمود إلى عيناه الزيتونية الباردة :
- مافيش حاجة .. يلا عشان أروحك ..
- طب وعربيتي ؟
- هخلي السواق يبعتهالك على عنوان شقتك ..
سبقته بخطوات ذاهبة نحو سيارته ، أستقلت المقعد الذي يجاور مقعد السائق ، كما أستقل "ظافر" وراء المقود ، كانت صفحات وجهه لا تفسر ، الغابات الزيتونية بحدقتيه كانت وكأنها تشتعل مصدرة لهباً يحرق الأخضر واليابس ، ذراعيه المشمرتان بقميصه الأسود الأنيق كانا مشدودان على المقود بطريقة مفزعة ، برزت أوردته البنفسجيه بـ رسغيه و كأنه يعاني حرباً نفسياً بداخله ، كل تفاصيله تلك لاحظتها "ملاذ" ، عندها لاحت أبتسامة خبيثة على ثغرها ، فـ خطتها تسير كما المطلوب ، عادت ترسم البراءة على وجهها ببراعة ، عيناها السوداوية تلتمع ببريق ربما مخيف ، بريق الأنتصار الذي لطالما لم ينزاح من حدقتيها ، تحركت السيارة مصدرة صرير عالٍ ، كانت السيارة تسير على سرعة مئة و عشرون ، تجمدت "ملاذ" بكرسيها .. و لأول مرة تشعر بالخوف الذي جعل جسدها بأكمله ينتفض ، هجمت الذكريات السيئة على ذهنها ، تخيلت أن بتلك السرعة أفتعلا والداها حادث أودى بقدم شقيقتها ، رُغم إنها لم تكن بالسيارة في ذلك الحادث و لكنها استطاعت ان تشعر بذلك في تلك السيارة ، بدأت تلك الحقيقة تتجسد أمامها شيئاً فـ شئ ، و بالفعل لاحظت شاحنة ضخمة يصدر منها أبواق الأنوار العالية التي كادت أن تُعمي بصرها ، جحظت عيناها بقوة و قلبها يدق بعنف شديد غطت وجهها بكفها و كأنها تريد أن تختفي من ذلك العالم ، و باللحظة الأخيرة أنحرف "ظافر" بالسيارة ليتنحى بها جانباً ، أهتز صدره علواً و هبوطاً من الذي كاد أن يحدث بهما ، تلك هي الحياة ، فقط ثوانٍ معدودة شعر بهما أن الحياة توقفت ..!!!
التفت لينظر إلى "ملاذ" التي لازالت تخفي وجهها داخل كفيها كالأطفال ، الصمت يسود السيارة سوى أنفاس "ظافر" اللاهثة ، لا يعلم كيف سيتصرف ليمد كفيه يزيح كفيها عن وجهها قائلاً بنبرة لاهثة :
- متخافيش .. مافيش حاجة حصلت ، أنتِ كويسة ؟
أخذت "ملاذ" بعض الدقائق تستوعب بهما ما حدث ، و لكن نبرته الدافئة جعلتها تسند رأسها على كفيها الموضوعتان على فخذيها ، رأسها تميل للأمام لتنساب خصلاتها مسترسلة حول كتفيها ، بنبرة قوية تمتمت :
- روّحني !!!!
حاول تهدأتها ببعض الكلمات :
- أهدي مافيش ..
بترت عبارتها بصراخها بوجهه بقوة شديدة حتى ألتهب وجهها :
- روَّحني دلوقتي حالاً !!!!!
أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ، فـ و لأول مرة يصرخ أحد بوجهه بتلك الطريقة و لكنه مراعياً فزعها وخوفها ..
أنطلق بالسيارة ولكن بسرعة أهدأ و طوال الطريق لم يسمع سوى صوت أنفاسها العالية ..
قاطع ذلك الصمت الذي ساد بينهما و الجو المشحون بذبذبات هاتف "ملاذ" الذي صدح صوته بالسيارة ، تفاجأت "ملاذ" بأسم "براءة" يلتمع بالشاشة ، فمنذ الكثير من الوقت لم تهاتفها شقيقتها ، سريعاً ما ضعطت على زر الإجابة لتضع الهاتف على أذنها بنبرة حنونة للغاية :
- براءة ..!!
جحظت عيناها عندما وجدت السيدة "فتحية" التي تعتني بشقيقتها تصرخ بأن عليها المجئ بالمشفى الأن فحال شقيقتها سئ ..
انقبض قلبها و توقفت الأحرف على طرف شفتيها ، لم تكن تملك القدرة حتى للرد عليها ، ألتفتت إلى "ظافر الذي كان يوزع نظرات استفهامية بينها وبين الطريق ، أخبرته بنبرة متوجسة :
- متروحش البيت أطلع ع مستشفى **** بـسـرعـة !!!!!
• • • •
↚
ترجلت "ملاذ" راكضة حتى كادت أن تتعثر بخطواتها و هي ذاهبة نحو المشفى ، لحق "ظافر" بها و لأول مرة يراها بذلك الفزع ، ركض وراءها ليلحق بها ليمسك برسغها قائلاً بنبرة هادئة :
- ممكن تهدي عشان نتصرف ..
تلوت بين ذراعيه صارخة به في غضبٍ ليتركها ، تركها "ظافر" بالفعل بدمٍ بارد ، ذهبت "ملاذ" إلى موظفة الاستقبال تصرخ بها :
- فين براءة .. براءة خليل الشافعي ..
أرتبكت الأخيرة من صراخها بوجهها لتبحث بين أسماء القابعين بالمشفى لتجد بالفعل الأسم ، تمتمت موظفة الأستقبال قائلة بنبرة خائفة :
- في أوضة 301 الدور الرابع
لم تنتظر لتركض نحو المصعد ، ضغطت على الزر منتظرة قدومه ، فركت أصابعها بتوتر شديد ليقف "ظافر" بجانبها بشموخٍ كالمعتاد ، حاول تهدأتها بنبرة دافئة لطيفة :
- بإذن الله أختك هتبقى كويسة ..
نظرت له من فوق كتفيها ليأتي المصعد ، أستقلا كلاً منهما المصعد لتضغط على الطابق الرابع ، الوقت يمر كمرور سنوات وليس مجرد لحظات طفيفة ، صدرها يعلو ويهبط من فرط خوفها على شقيقتها ، فـ هي لن تتحمل أن تصاب بأذى ، سستحول دون أذيتها ولو كلفها ذلك حياتها ..
بينما "ظافر" لم ينبث ببنت شفة ، فقط يراقب تعابير وجهها القلقة ، حتى ذلك القلق الذي غلف صفحات وجهها لم ينقص من جمالها أو جاذبيتها مقدار ذرة ، بل باتت و كأنها لوحة فنية متوجسة رُسمت بقلم رسامٍ محترف ..
وصل المقعد و أخيراً لتركض "ملاذ" خارجه منه وقفت أمام الغرفة المطلوبة لتفتح بابها على حين غُرة ، رقت تعابير وجهها عندما رأت غاليتها تجلس على الفراش نصف جلسة أمامها تجلس "فتحية" ممسكة بصحنٍ من الحساء الساخن ، كانت تطعمها برفق .. أنزوت شفتيهاا بأبتسامة حانية ، دلفت الغرفة بخطواتٍ مترددة و هي تُمضي نحو فراشها ، نظرت لها "براءة" بغضب صارخة بها :
- أنتِ جيتي هنا ليه ؟!!!!
أسبلت "ملاذ" بعيناها قائلة بنبرة هامسة لصوتها المبحوح من كثرة الصراخ :
- جيت أتطمن عليكي ..
- أطلعي برا !!!
رمت بكلمتها التي كانت كاللكمة لقلب "ملاذ" الدامي ، لم تعيرها "ملاذ" أهتمام أو هذا ما اظهرته ، رسمت الجمود على وجهها ببراعة لتشير إلى "فتحية" بالأبتعاد ، انصاعت لها "فتحية" لتضع الصحن الذي بيدها على الطاولة الصغيرة القابعة بحجر "براءة" جلست "ملاذ" على طرف الفراش لتأخذ هي الصحن ممسكة به ، همت بإطعامها لترمي "براءة" الصحن بقوة على الأرضية ، تناثر بعض من الحساء الساخن على كفي "ملاذ" ، و لسخونته الشديدة أغمضت "ملاذ" عيناها تفرك يدها التي شبه أحترقت و لم تتغير تعابير وجهها قط ، أشتعلت حدقتي ذلك الذي يقف يراقبهما ، كان يحاول التماسك محاولاً ألا يتدخل بشؤنهما ولكن عند فعلة شقيقتها تلك لم يستطيع التحكم بأعصابه ليذهب نحوهما ، أمسك بكف "ملاذ" غير منتبهاً لذلك الحرق ، تمتم بنبرة حادة كالنصل :
- قومي يا ملاذ نمشي ..
نظرت له "براءة" بنظرة مشدوهة ، أرتسمت علامات الأعجاب داخل عيناها من ذلك طويل القامة و صدره العريض و غابات الزيتون بعيناه ، أخفت نظرات الإعجاب سريعاً لتنتهز الفرصة لتنهرها شقيقتها أمامه لتشعر بالخجل أمامه غير عابئة بمشاعرها :
- خودها و امشي يلا ، مش عايزة أشوف وشك يا ملاذ في بيتي مش ناقصة قـرف يا هانم !!!!!
لم تتغير تعبيرات وجهها الهادئة ، و لكن داخلها براكين مشتعله على أهُبة الأستعداد لتحرق الأخضر واليابس ، أشتدت كفيه على كفيها مغمضاً عيناه و هو شعر بروحه تحترق ، لم يستطع السير هكذا دون أن يردها لها ، صاح بها بنبرة نارية كالجحيم :
- لما تعرفي تتكلمي مع أختك الكبيرة يبقي أتكلمي ، أه وبالمناسبة أنتِ فعلاً متستهليش يبقى عندك أخت حنينة زيها ..
جذب "ملاذ" من يدها ليسيرا في ممر المشفى ، كانت مستسلمة تماماً بين يداه ، وقفا أمام المصعد ينتظرا مجيئه ، وبدون وعيٍ منه ضغط على كفها بقوة ، أنفلتت شهقة متألمة من ثغر "ملاذ" ، تفاجأ "ظافر" بها تبعد يداها عنه تفرك كفها بألم ظهر على قسمات وجهها ، نزل بناظريه لكفها ليجد الأحمرار يسود مع ندبة تصل من مقدمة أصابعها حتى رسغها ، قطب حاجبيه بقوة ليجذب كفها متمتماً بصدمة :
- إيدك مالها ؟!!!
سحبت كفها مجدداً من كفه الغليظ و هي تقول محاولة ألا تظهر الألم القابع داخل عيناها :
- سيبني .. ملكش دعوة..
تقلصت ملامحه بغضبٍ أهوج و عينان سودويتان ليجذب ذراعها نحوه لتصتدم بصدره عيناها تقابل عيناه الزيتونية الحادة ، لفحت أنفاسه الساخنه وجهها عندما نهرها بحدة :
- بلاش عناد يا ملاذ ، و أخر مرة تتكلمي معايا بالأسلوب دة !!!
لم ينتظر ردّها ليمسك بكفها بلُطف داخل كفيه الغليظتان ، اشفق على حالها عندما رأى تلك الندبة ، ظن أنها من ذلك الحرق علاوةً على أحمرار كفها الرقيق ، و أكمل هو عندما ضغط عليه بقوة غير مقصودة لتطبع أصابعه على كفها ، تحدث بلطف تلك المرة و هو يأخذ كفها داخل كفه الخشن :
- تعالي هجيب دكتور يشوفك ..
لا تعلم لِمَ لم تعاندها تلك المرة ، و لكن نبرته الحانية التي تغلغلت بين ثنايا روحها جعلت فمها مطبوق منصاعة له .. فقط تلك المرة ..!!!
• • • •
↚
بالفعل أطمئن الطبيب على أحوالها ووضع لها ضمادة حتى تمنع الحرق من الملوثات ، لم تُخفى نظرات الإعجاب التي كان ينظر بها الطبيب إلى "ملاذ" عن "ظافر" .. ، لا يعلم لما شعر بأنه يريد الفتك بذلك الطبيب الوسيم ، تغاضى عن فعلته الأن ليقف أمام "ملاذ" واضعاً كلتا يداه بجيب بنطاله و هو يسألها بنبرة فاترة :
- بقيتي كويسة ؟!
أومأت له "ملاذ" و لم ترد .. بينما لم يستطيع "ظافر" محاربة فضوله أكثر و هو يسأل عن تلك الندبة :
- هي الندبة اللي كانت في إيدك دي من الحرق؟!!..
رفعت بصرها له بنظرات غامضة ، نفت برأسها و عيناها لازالت معلّقة على حدقتيه الساحرتان ، همّ بأن يسألها عن سبب وجودها ولكنها قالت بنبرة غامضة :
- عايزة أمشي من هنا ..
ثم خرجت من الغرفة تُسبقه نحو المصعد ، أغمض "ظافر" عيناه يحاول تهدئة نفسه .. يشعر كما لو أنه يصارع حرباً نفسية داخله ، خرج أيضاً من الغرفة و هو يراها تقف أمام المصعد محدقة بالفراغ مكتفة ذراعيها أمام صدرها ، وصل المصعد ليستقلا إياه ، عاد "ظافر" واضعاً كفيه بجيب بنطاله بهيبة لا تليق إلا به ، ألتفتت له "ملاذ" محدقة به ، ظلت تنظر له لبعض اللحظات لتلاحظ ثغره الذي أنزوى بسُخرية :
- خلاص عرفت أني وسيم ..!!!
جحظت عيناها متمتمة بصدمة :
- نعم ؟!!!
التفت لها يمنع ضحكته بصعوبة :
- أصلك مبحلقة فيا من أول م دخلنا الأسانسير !!!
ضيقت عيناها بغيظ ليصل المصعد منقذ إياها من ذلك الموقف المقحمه به ، سبقته بخطوات سريعة ليبتسم "ظافر" مكشراً عن أسنانه اللؤلؤية ..
ذهبت نحو سيارته لتستقل المقعد الذي يجاوره تزم شفتيها بغضب حتى أشتعل وجهها أحمراراً من شدة الغيظ ، أستقل "ظافر" السيارة ينظر لحالها ، أنفلتت منه ضحكة رجولية صاخبة صدحت بأرجاء السيارة ، ليست فقط السيارة ، بل نشرت صداها في جوارح تلك المسكينة الجالسة جواره ، لأول مرة تراه يضحك من قلبه هكذا ، طرق قلبها كالطبول و هي تنظر له بذهول مُحبب ، تابعت تحرك تفاحة أدم خاصته التي تعلو وتهبط لضحكاته ، رنت بأذنها تلك الضحكة تقسم باللذي لا إله إلا هو أنها ستظل محفورة في قلبها مهما حيت !!!
أبعدت خصلة سقطت على وجهها لتضعها خلف أذنها ، لوهله تبعثرت روحها في الأرجاء ، شردت أمامها فكيف ضحكته تكن بذلك الجمال و الرجولية البحتة ، إزدردت ريقها تحاول أبعاد تلك الأفكار عن ذهنها ، ألتفتت له مجدداً لتجد أبتسامة عابثة تتراقص على شفتيه المرسومة بدقة ، تمتمت بهمسٍ سمعه "ظافر" :
- ضحكتك .. عاملة زي الأطفال !!!
رفع أحد حاجبيه بخبث قائلاً بعدم فهم زائف :
- قولتي أيه ؟!
أرتبكت سريعاً لتخىج منها العبرات متلعثمة :
- مقولتش حاجة .. ممكن تمشي بقى عشان عايزة أروح ..
أومأ دون أن يتكلم ، و لكن أبتسامته العابثة لاتزال تزين ثغره !!!
• • • •
أوصلها للعنوان الذي أخبرته به ليقف بسيارتها أسفل ناطحة السحاب التي لا يقطن بها سوى أصحاب الطبقة المخملية .. ألتفتت له "ملاذ" تنظر له قائلة بلطفٍ زائف :
- ميرسي على اللي عملته معايا النهاردة و ع الغدا اللي أتغديتوا عندكم ..
أومأ بأبتسامة بسيطة ليقول هو الأخر بجدية :
- الـ uniform هستلمه أمتى ؟!!
- هبدأ اصمم فيه النهاردة ..
أومأ هو بجدية ، كادت أن تترجل "ملاذ" لتلتفت له و بدون مقدمات أقتربت بشفتاها لوجنته المزينة بلحية زادته وسامةً لتطبع قبلة رقيقة على وجنته ، تصلب جسد"ظافر" غير مصدقاً ما فعلته ، همست بأذنه بنبرة صوتها المميزة :
- بـاي !!!!
ثم تبخرت من أمامه ، و كأنها كانت مجرد سراب ، لم يلاحظ أبتسامتها الخبيثة التي أرتسمت على وجهها عندما أدارت ظهرها له ذاهبة إلى شقتها و خطتها تسير بنجاحٍ باهر ، لم يعي "ظافر" ما حدث و نعومة شفتيها لازال يتذكرها ، أغمض عيناه فـ لو كانت بقت لدقيقة أخرى لكان أقدم على فعل حقاً يروق له ..
أخرج هاتفه من جيب بنطاله يضغط على أزراره بأنفاس تهتاجٍ ، وضع الهاتف على أذنه يقول بنبرة قوية :
- ملاذ خليل الشافعي ، تعرفلي عنها كل حاجة من أول من أتولدت لحد اللحظة دي ..!!!!
• • • •
وصل "ظافر" قنا بقريته إلى قصر الهلالي ، أول من قابل كان شقيقه الذي أخبره بنبرة جادة :
- ظافر عايزك دقيقتين ..
تحدث "ظافر" بإرهاق :
- باسل مش قادرة أتكلم جعان نوم ، أجل أي حاجة لبكرة ..
اوقفه "باسل" ممسكاً بساعده بنبرة لا تحمل النقاش :
- ظافر .. مش هاخد من وقتك دقيقتين ..
↚
قطب "ظافر" حاجبيه لجدية "باسل" الشديدة بالحديث رُغم روحه المرحلة ليعلم أنه حقاً حديث هام ، أومأ له ليذهبا نحو مكتب "ظافر" ، دلفا للمكت ليجلس "ظافر" أمام شقيقه قائلاً :
- خير يا باسل في ايه ؟
تنهد "باسل" قائلاً بنبرة لا تزال جدية :
- عايز أتجوز !!!!
تفاجأ "ظافر" بما قاله "باسل" ، تمتم بنبرة متسائلة بجدية :
- تتجوز ؟ دلوقتي !!!
أومأ "باسل" بإصرارٍ و تحدٍ يلتمع بعيناه و هو يبادر بنبرة جامدة :
- الوقت دة أكتر وقت مناسب ..
أشتعل صدر "ظافر" غضباً لينهض صارخاً به :
- أنت أتجننت يا باسل ؟ أخوك يبقى عامله المصايب دي ومرمي في المستشفى و امك لسة طالعة من نكسة وتقولي عايز أتجوز !!!!
نهض "باسل" قبالته قائلاً بعقلانية :
-ظافر أهدى .. مش لما تعرف الأول هتجوز مين ؟!!
مسح "ظافر" على وجهه بغضب و هو يقول بسُخرية لاذعة :
- وتبقى مين الهانم ؟!
- رهف ..
قالها كمن قال شئ أعتيادياً غير عابئاً بما فجره في وجه أخيه الذي لم يستوعب ما قاله ، أستغرق دقيقتين ليتقبل ما قاله ، و بعد ذلك الصمت الرهيب لم يقل سوى شئ واحد :
- ليه ؟!!!!
- حبيتها !!!
قالها رافعاً كتفيه بإعتيادية ، لم يصدق "ظافر" حرف مما قاله أبداً ليبتسم أبتسامة صفراء ساخرة :
- حبيت اللي أخوك كان هيغتصبها و أنت لسة شايفها من يومين ؟ أعقل يا باسل ، أنا هعتبر نفسي مسمعتش ولا كلمة !!!!
كاد أن يذهب لولا يد أخيه التي أمسكت بذراعه بقوة ، عيناه بها وميض غريب تفاجأ به "ظافر" ليلتفت له بكامل جسده .. فكّر بعقلانيه قليلاً أستغرقت بعض الدقائق ، رفع أنظاره له ليقول بـ بريق مخيف ظهر في حدقتيه هو الأخر :
- و انا موافق !!!!!
• • • •
دلفت لشقتها لتخلع حذائها ذو الكعب العالي ، ألقت بحقيبتها على الأرضية بأهمال تجلس على الأريكة ، عقدت اصابعها معاً تنظر أمامها شاردة ، لا تعلم لما بدأت تلك الاحاسيس تدفق عليها كتدفق الدم بالشرايين ، نظراته الدافئة لم تتغير من صِغره ، منذ ذلك اليوم الذي أنقذها من بين براثن أبيه ، و منذ رؤيتها لعيناه وهي صغيرة لم تتجاوز الخمس سنوات .. شعرت بشعور غريب يخالجها ، و كأنها أستوطنت عيناه !!!
ذهنها يكاد ينفجر من شدة التفكير ، نظرت إلى كفها المحاوط بضمادة خفيفة ، ظهرت شبح أبتسامة على ثغرها و هي تتذكر نظراته الحنونة لها ، و عندما جذبها من كفها موبخاً شقيقتها عما فعلته ، و عند تلك النقطة تيبس جسدها صائحة بقلقٍ عارم :
- براءة !!!!
ركضت نحو حقيبتها لتخرج منها هاتفها ، سرعان ما هاتفت "فتحية" التي ردّت عليها بقلق هي الأخرى :
- ملاذ يابنتي .. انتِ كويسة يا حبة عيني ؟!
همهمت "ملاذ" سريعاً و اضعة كفها المضمد على جبينها :
- كويسة يا دادة كويسة .. براءة كويسة روّحتوا البيت ؟!
أسبلت "فتحية" بعيناها تشعر بالعطف تجاه تلك المسكينة لتجيبها بتنهيدة حارة :
- كويسة يا حبيبتي و احنا روّحنا دلوقتي ، قوليلي يا ملاذ مين الراجل اللي كان معاكي دة ؟
أرتبكت "ملاذ" و زاغت أنظارها قائلة بتلعثم :
- دة .. دة ظافر يا دادة .. بينا business .. قولي لي طيب يا دادة هي براءة كان مالها ..
- ولا حاجة يا بنتي داخت شوية والدكتور قال نقص كالسيوم و اني اهتم بصحتها ..
أومأت "ملاذ" متنهدة بعمقٍ لتودع "فتحية" .. همت بأغلاق الهاتف معها ولكن سمعت "براءة" تقول بنبرة حادة :
- عايزة أيه تاني الست ملاذ مش قولتلها مش عايزة اسمع صوتها و لا ألمحها حتى ولا هي معندها ذرة كرامة .. انا مش عارفة أزاي قابلة على نفسها تيجي تزورني و أنا أصلاً مش طايقة أشوف وشها!!!
ثم أُغلق الهاتف ، للمرة المائة و العشرون تشعر "ملاذ" بنغزة حادة بقلبها ، و كأنه يُطعن بنصلٍ حاد طعنات أماتتها و هي على قيد الحياة ، شعرت بأن شقيقتها توجه لقلبها لكمات أدمته بلا رحمة ، لم تشعر بنفسها إلا و هي تلقي الهاتف في الحائط امامها ليسقط على الأرضية تتبعثر محتوياته ، أنقبض صدرها تشعر بضيق شديد في التنفس .. و كأن الهواء لا يصل لرئتيها ، أهتاج صدرها علواً وهبوطاً لتخرج رذاذ الربو من حقيبتها .. وضعته بفمها مستنشقة إياه ، هبط صدرها مفمضة عيناه لتستند برأسها على مسند الأريكة ، تدفقت الدماء داخل عيناها التي تلونت بالأحمرار القوي ، نظرت لتلك الشقة الباردة التي تقطن بها بمفردها ، لا أحد يزورها ولا أحد يطمئن عليها ، و كل هذا بسبب من ؟ .. نعم بسبب والد "ظافر" ذاك ، عند تلك النقطة أشتعل صدرها و لمعت عيناها بوميض أنتقام مخيف ، بدت و كانها فقدت عقلها عندما لاحت أبتسامة خبيثة على ثغرها ، عادت لتلتقط هاتفها تحاول لملمة شتاته المتفرقة ، أعادته لحالته الطبيعية لتعبث به قليلاً ،وضعت الهاتف على أذنها والأبتسامة الجذابة لا تمحو من على ثغرها الصغير ، جاءها صوت رجولي من الطرف الأخر يقول بترحيب حار :
- مش معقول ملاذ الشافعي بتكلم جريدتنا المتواضعة !! أزيك يا ملاذ هانم ..
↚
رفعت أنفها بشموخ يضاهي شموخ الجبل ، خرج صوتها في كبرياءٍ ملحوظ :
- مش عايزة رغي كتير يا صابر ، عندي للجورنال بتاعكوا خبر بمليون جنيه هيطلعكوا لفوق !!!!
تأهبت حواس المدعو "صابر " ليعتدل بجلسته قائلاً بتركيز شديد :
- سامعك ؟!
- مازن سرحان الهلالي في مستشفى *** دلوقتي نتيجة محاولة أغتصاب بنت و هو سكران .. ولما اخوه ظافر عرف ضربه لحد مـ كان هيموت واتحجز في المستشفى !!!!
• • • •
وبالفعل بعدما فعلوا الصحفيين اللازم و الذهاب إلى المشفى و تأكدوا من أنه بالفعل قابع بالمشفى ، رغم تردد مدير الجريدة عن نشر خبر كهذا لخوفه من شر "ظافر" و أبناء الهلالي باكملهم ، ولكن حثته "ملاذ" على فعل ذلك مخبرة إياه بأنها ستُعطيه "مبلغ محترم" جعلت لعابه يسيل ، كُتب ذلك الخبر -الذي كان كالفرصة الذهبية لهم- بخطٍ عريض في تلك الجريدة ..
قرأت "ملاذ" الخبر على الأنترنت بأبتسامة شامتة أكتسحت شفتيها :
- محاولة "مازن سرحان الهلالي" بن أكبر عائلات الصعيد و شقيق "ظافر سرحان الهلالي" بأغتصاب فتاةٍ ..
ثم قرأت ما يليه عما حدث بالتفاصيل التي أخبرته بها ، لاخت أبتسامة خبيثة لا تنم بخير على شفتيها ، بل صاح عقلها بفرحةٍ بما أودت بمصيبةٍ ستلاحق عائلة "الهلالي" مهما حيت ، ألتمعت عيناها بنصرٍ له مذاقٍ لذيذ بفمها لتجلس على الأريكة خلفها بأريحية واضعه قدمٍ على الأخرى وهي تقول بغلٍ حاقد :
- قربت نهايتك يا ظافر !!!!
• • • •
كاد أن يقتلع خصلاته من فرط غضبه ، لا يصدق من ولماذا ينشر ذلك الخبر وكيف ولا أحد يعلم ما حدث أبداً خارج عائلتهم !!! ، زمجر بعنفٍ شديد ليقلب غرفة مكتبه رأساً على عقب ، طرح بكل شيء على الأرضية بغضبٍ أهوج ، تشنج فكه بغضبٍ بل و أسودت عيناه كظلام الليل .. أقسَم برحمة أبيه أنه لن يرحم من فعل تلك الفعلة المشينة و تجرأ وأساء لسمعة عائلته ، وجد "ظافر" الباب يُفتح على مصراعيه ليجد أخيه "باسل" يكاد يطوي الأرض من غضبه الأعمى ، أقترب "باسل" من شقيقة متفادياً الأشياء المتناثرة على الأرضية و هو يقول بعصبية :
- مين اللي عمل كدا يا ظافر !!!! مين ابن **** اللي عمل كدا !!!
مسح "ظافر" على وجهه بعنفٍ و هو يردد بجنون تلبسه :
- معرفش معرفش !!!!
ثم تابع متمتماً بسرعةٍ و كأنه يسابق الوقت :
- أسمع يا باسل .. أنت لازم تتجوز البنت دي بسرعة بأسرع ما يمكن و تاخدها وتسافر على مصر ..
أومأ "باسل" سريعاً مؤكداً على.كلامه المنطقي :
- فعلاً دة اللي هيحصل عشان نشيل عننا أي شبوهات و نصرّح أن هي مراتي و أن مازن مستحيل يقرب من مرات أخوه ..!!
- صح .. دة اللي هيحصل يلا روح خدها دلوقتي ع أقرب مأذون و أكتب كتابك عليها و سافروا مصر روح ع شقتي اللي في المعادي غير اللي في الزمالك و انا هديك المفتاح ..
ثم ذهب "ظافر" إلى خزانته ليفتحها مخرجاً مفتاحاً فردي ليُعطيه إلى "باسل" الذي أنطلق من أمامه سريعاً ..
أعتلى الحقد ملامح "ظافر" قائلاً بتوعدٍ مُريب :
- هدفع اللي عمل كدة تمن غلطته كبير أوي ..
أخذ مفاتيح سيارته لينطلق خارج القصر بل خارج قنا بأكملها متجهاً إلى القاهرة ..
• • • •
جلسا الفتاتان "رهف" و "ملك" يتسامرون بأشياء عدة يتخلل حديثهم ضحكاتهم المرحة ، ليقتحم "باسل" الغرفة دون أستئذان و هو يقول سريعاً :
رهف ألبسي أي حاجة من عند ملك و هاتي بطاقتك و حصليني على تحت ..
كانت نبرته لا تنم على خير أبداً لتضيق "رهف" ما بين حاجبيها قائلة بغرابة :
- ليه ؟ هنروح فين ؟! ..
أنفجر بوجهها فالوقت يمر على تساؤلاتها الحمقاء :
- أنتِ هترغي ألبسي يلا مش عايز كلام كتير !!!
تفاجأت من صراخه بوجهها لتومأ برأسها بهدوء ، كاد أن يخرج لولا "ملك" التي أوقفته متجه له و هي تشعر بأن أخاها ليس على ما يُرام ، أمسكت بذراعه المفتول قائلة بتساؤل عجيب :
- خير يا باسل شكلك أجده مش مظبوط في حاچة حُصلت ؟
نفى برأسه يحاول أن يرسم أبتسامة زائفة ليطمئنها ، حاوط كفيه الغليظتان وجهها و يُملي عيناه من شقيقته الصغيرة فهو لن يراها لفترة ربما تكون طويلة حتى تهدأ الأوضاع ، خرج صوته في حنو ودفئ لطالما كان يغلف نبرته :
- مافيش حاجة يا حبيبتي .. لو أحتاجتي أي حاجة قوليلي و قولي لظافر و قولي لأمك متزعلش مني !!
وقع قلب الأثنتان أرضاً تتعالى نظرات الدهشة من حدقتي كِلتاهما ليخرج "باسل" منتظراً "رهف" في سيارته ..
أنتظر خمسة دقائق ليراها تنهض مرتدية إحدى قطع ملابس شقيقته المحتشمة ، أستقلت "رهف" السيارة جواره ملتفة له قائلة بتوجسٍ :
- ممكن أعرف هتودينا فين ؟!!
- رايحين للمأذون ..
قالها بأعتيادية لا يشعر بالقنبلة التي فجرها بوجهها للتو ، نظر لملامحها يراقب تعبيراته المصدومة و شفتيها التي تحرك بهمسٍ خافت متلعثم من حجم صدمتها :
- مأذون !!! ليه !
↚
نظر لها بحنق هادراً بعصبيه :
- هو أيه اللي ليه اكيد مش هنروح عنده نعمل مكرونة بشاميل .. عشان هنتجوز يا رهف !!
- دلوقتي !!
قالت بغباء تلبسها لتتمتم مصححة ما قالته :
- يعني .. ليه بالسرعة دي ؟!
- حصلت مشكلة وهنطلع ع القاهرة هنجيب المأذون هناك وياريت بلاش اسئلة كتير كانت إجابته مختصرة بإنجاز ، أدار مقود السيارة لينطلق ..
• • • •
وفي مكان أخر بالقاهرة و بمشفى عائلة الهلالي تحديداً ..
جلست "فريدة"_ ممرضة "مازن" و التي تتابع حالته_ على الفراش امامه متأملة محياه الهادئة و المستكينة ، جفنيه المسبلتين و أنتظام أنفاسه ، لا تصدق أن ملامحه الهادئة ينبع منها ذلك الشر !! ، بدأت بتفقد حالته لتجد وجهه المكدوم قد بدأ في الشفاء قليلاً ، كادت أن تنهض من أمامه لتجد جفنيه يتحركان ببطئٍ واهن ، أقبلت عليه سريعاً تنحني بوجهها له قأئلة بقلق :
- أنت سامعني ؟ لو سامعني حرك أيدك ..
نزلت بحدقتيها إلى كفه لتجده يتحرك ببطئ ، همت بالركض لتنادي على طبيبها حتى يرى المريض و لكنها وجدت يده تمتمد ليمسك برسغها ضاغطاً عليه بقوة ، تجمعت حبات العرق على جبينه و هو يقول بمهس و هو مازال مغمض العينان :
- أنا مش وحش أوي كدا .. والله مش وحش !!!
خرجت الحروف من شفتيه مرتجفة كأرتجاف كفه الممسك بذراعيها الأن ، هي لا تُخفي أنها تشمئز منه و من أفعاله ، و لكن نبرته تلك جعلت قلبها يرق لحاله ، ربما هو يُخفي ألمٍ كبير داخله ، بلا وعي وجدت كفها الأخر موضوع على كفه الممسك برسغها ، ربتت عليه بأبتسامة ملائكية رُسمت على وجهها و هي تقول بنبرة دافئة :
- أنا عارفة أنك مش وحش ..
نزعت يدها من يده ببطئ لتنادي على الطبيب وقد تغيرت صورته بعيناها تماماً ..
عادت "فريدة" مع الطبيب ليطمئن عليه وبالفعل أخبرها بأن حالته أصبحت تتحسن تدريجياً لاسيما أنه من أبناء عائلة الهلالي ف العناية به تكُن على أكمل وجه ، أخبر الطبيب ممرضته "فريدة" قائلاً بجفاء :
- ممكن يقوم كمان شوية ، أول م يقوم أهتمي بيه كويس و بأكله ..
أومأت له "فريدة" ليخرج الطبيب تاركاً إياه معه ..بمفردهما ، و بالفعل بعد القليل من الوقت فتح "مازن" عيناه السمراوتين ، وجد "فريدة" واثبة و هي تعلّق المحاليل بجانب فراشة ، طالع بشرتها ناصعة البياض و خصلاتها بلونها كالشوكولا الذائبة المنسدلة على وجها بنعومة ، براءة عيناها العسلية و أنفها الرقيق مع شفتيها المكتنزة ، بدى و كأنه يرى لوحة تمزُج بين البراءة و الأنوثة ، للحظة برقت عيناه و تعالت دقات قلبه ، هزّ رأسه بعنف يخالف ذلك الشعور الذي يخالجه عندما يراها ، بل تعالى غضبه من حاله ، وجد نفسه بلا وعي يصرخ بها بنبرة أفزعتها :
- أنتِ واقفة بتعملي أيه عندك و ليه أنا لسة هنا لحد دلوقتي ..
وضعت يدها على قلبها تخفف من فزعها لتطالعه بعنف هادرة به بعصبيه :
- في حد يخُض حد كدا !!! ، و بعدين أنت بتزعق ليه كدا اللي يشوفك دلوقتي مش يشوفك و أنت نايم و مسالم جداً و كان شكلك .. زي الأطفال !!!
أرتفعا حاجبيه و هو ينظر لها بدهشة ، و لكن سرعان ما غضبت ملامحه ليهم بالنهوض معتدلاً بوقفته و لكنه عاد جالساً عندما شعر بالدوار يهاجم رأسه ليحاوط جبينه بوهنٍ ، أمسكت "فريدة" كتفيه سريعاً لتوبخه بنبرة حانية :
- مينفعش تقوم فجأة كدة عشان متدوخش ، أنا هروح أجبلك أكل عشان وشك أصفر أوي ..
ثم ذهبت من أمامه و كأنها تبخرت ، لأول مرة تبقى قريبة منه هكذا ، رأئحتها تغلغلت روحه مدابعه كيانه بأكمله ، أغمض عيناه متمنياً أن تظل رائحتها معبقة بالأجواء حوله ، أنحنى برأسه ممسكاً بها سانداً مرفقية على فخذيه محدثاً نفسه بغضبٍ من نفسه :
- فوق يا مازن .. أنت مستحيل تحبها أنت مش بتحب و معندكش قلب ، أنت عايزها بس عايز تملُكها و دة اللي هيحصل !!!
• • • •
- يعني أيه باسل راح وخد البت اللي أسمها رهف دي ؟ هو ناوي يچنني !!!
صاحت السيدة "رقية" و هي تضع يدها على قلبها تخفف من الألم الذي يخالج صدرها ، حاولت "ملك" تهدئتها حتى لا تنتكس مرة أخرى و هي أيضاً لم تفهم شئ ..
هدأت والدتها قليلاً و هي تقول :
- طب ظافر أخوكي فين راخر (هو كمان) ؟
رفعت الأخيرة منكبيها و هي تقول بأسى :
- معرفش ياما هو كمان كلمني وقالي أنه راح مصر ..
ضربت السيدة "رقية" على رأسها ببكاء :
- يا حزنك يا رقية ولادك الأتنين ضاعوا و الثالت مرمي في المشتشفى (المستشفى) معرفش عنه حاچة .. اهه يا حزنك يا رقية يا حــزنك !!!
↚
- ياما أهدي أبوس يدك متعمليش فنفسك أكده هما چايين بليل أن شاء الله ..
قالت "ملك" مربتة على كتفيها و هي الأخرى أصبح ينتابها القلق مما سيحدث ..
كانت "مريم" تستمع لهم من وراء الباب عيناها مشتعله كالجمر ، بالتأكيد ذهب وراء تلك الملعونة كما أسميتها ، ركضت إلى غرفتها تبحث عن هاتفها بعيناها لتجده قابع على الفراش ، ألتقتطه بنيران مشتعله داخل صدرها لتعبث بأزرارة لتجد أسمه مسجل لديها "حبيبي" ، ضغطت على أزراره بعنف حتى كادت أنه تهشمه ، وضعت الهاتف على أذنها و ملامحها لا تنبؤ بخير أبداً ، سمعت صوته من الطرف الأخر يقول بنبرة عادية :
- في حاجة يا مريم ؟
خرج صوتها غاضب و هي تقول بصوتٍ عالٍ :
- أنت فين يا ظافر ؟!!
تخشب وجهه و هو يقول بنبرة تحذيرية :
- متعليش صوتك وملكيش دعوة أنا فين ، و يلا أقفلي دلوقتي عشان ورايا حاجات مهمه ..!!
ثم فصل الخط بوجهها ، شهقت "مريم" من أفعاله لتقذف الهاتف بالحائط أمامها ليقسط متهشماً ، هتفت بحقدٍ تلألأ بحدقتيها واضعة يدها في خصرها :
- ماشي يا ظافر .. أنا هفرجيك (هوريك) ..
•• •• ••
حدث .. و أصبحت زوجته أمام الجميع ، فركت يداها مبعدة خصلة ثائرة سقطت على وجهها الذي يشتعل أحمراراً ، لأول مرة تكُن خائفة لتلك الدرجة فـ الأمور جرت سريعاً لتصبح الأن تقف في منزل "ظافر" الذي أعطى المفتاح إلى "باسل" ، تراه يودّع أصدقاءه الشاهدون على تلك الزيجة ، خرج الجميع من المنزل تاركين العروسين لتصبح هي و هو بمفردهما ، أقتري منها "باسل" خطوة لتبتعد هي عشر خطوات ، رفع "باسل" كلتا حاجبيه و هو يقول بدهشة :
- أنتِ خايفة مني يا رهف ؟!!!
نكست رأسها للأسفل و لم تنبث ببنت شفة و كأن الحروف تأبى الخروج ، رق قلب "باسل" لها مبادراً حتى يُطمئنها :
- متخافيش يا رهف أنا مستحيل أغصبك على حاجة لأني مستحيل أأذيكي .. أنا عارف أنك زي أي بنت عايزة فستان أبيض وفرح بس صدقيني مكنش فيه وقت ..
قطبت "رهف" حاجبيها لتتخلى عن صمتها و هي تقول بهدوء :
- أنا مكنتش عايزة حاجة من دي .. كفاية أني هبعد عن شر زوج ماما ..
ثم تمتمت بشك ناظرة له بتساؤل :
- بس عايزة أعرف ليه دة حصل بسرعة كدا يا باسل ؟
توترت ملامح "باسل" لوهله ولكنه حافظ على توازنه حتى لا يجعلها تشعر بشئ :
- أنا كنت قلقان الزفت زوج أمك دة يعمل حركة واطية من حركاته عشان كدة سرّعت الموضوع .. و كمان عشان ورث أبوكي ..
أومأت "رهف" بأقتناع فهي تثق بـ "باسل" فيما يقوله ،ردد "باسل" بمزاح حتى يغير مجرى الحديث :
- بقولك أيه بقا أنا جعان أوي بتعرفي تعملي أكل ولا هتسمميني و هتدخليني المستشفى و أنا لسة عريس جديد ؟
قهقهت "رهف" برقة و هي تقول بثقة :
- عيب عليك أنا طباخة قديمة !!!
ضيق عيناه و هو ينظر لها بشك مصطنع :
- أنا قلقان منك يا رهف ..!!!
صدح صوت ضحكاتها الرقيقة ، أبتسم "باسل" ملء فمه و هو يطالع ضحكتها الملائكية ، بل مال برأسه جهة اليمين ينظر لها و قد برقت حدقتيه بإحساس جديد لأول مرة يشعر به ، صمتت "رهف" و هي تنظر له بخجلٍ لينفجر الدماء في وجنتيها الممتلئتان و هي تطالع عيناه السمراوتين الساحرة قائلة بصوتٍ مذبذب :
- أنت بتبصلي كدة ليه بقى ؟..
لم تمحو الأبتسامة من على وجهه ليقول بلا وعي و لأول مرة يصبح شفاف أمام أمرأة بتلك الطريقة :
- ضحكتك .. حلوة اوي .. حتى خدودك وهي شبه الفراولاية كدة !!!
جحظت عيناها العسلية الواسعة لتعُض على شفتيها السفلى بخفة ، ضربت بقدميها بالأرض كالأطفال و هي تقول بخجل شديد :
- يا باسل خلاص بقى الله !!!
قهقه "باسل"بقوة عائداً برأسه للخلف على مظهرها الذي كالطماطم الجاهزة للقضم ، نظرت له بغيظ لتذهب من أمامه إلى الغرفة التي قابلتها ، بينما صاح "باسل" و هو يقول محاولاً السيطرة على ضحكاته الصادحة :
- اسمعي بس في شنطة هدوم عندك غيري لبسك و خودي شاور و تعالي عشان ناكل .. لو أتأخرتي هاكل لوحدي !!!
دلفت "رهف" إلى الغرفة لتجد بالفعل حقيبة مكتظة بالملابس موضوعة على الفراش ، أخرجت بيجامة تتكون من بنطال و كنزة رُسمت عليها أشخاص كرتونية مختلفة و بنصف كُم ، وضعتها على الفراش لتبحث عن الأشياء الأخرى بالحقيبة فـ وجدتها ممتلئة بملابس الخروج و ملابس النوم و العديد من الملابس ذات الذوق الرفيع ، دلفت إلى المرحاض و لم تتذكر منامتها أبداً تاركة إياها موضوعة على الفراش كما هي .. تجولت أنظارها بإنبهار كم هو واسعٌ و به كل شئ تحتاج له .. مضت نحو رذاذ الماء لفتح الصنبور ، بعد دقائق من أنتهاءها بحثت بعيناها عن البيجامة لتضرب كلها برأسها قائلة بغباءٍ :
- نسيت البيجامة على السرير .. طب وبعدين !!!
ألتقطت المنشفة كبيرة الحجم لتحاوط بها جسدها ، وثبت في مكانها قليلاً و هي تفكر بصوتٍ عالي :
- هو ممكن يدخل الأوضة ؟ لاء أكيد لاء يا رهف هو عارف أني بغيّر هدومي .. يارب ميدخلش ..
قالت جملتها الأخيرة برجاء حار ، أمسكت بمقبض الباب لتتوقف قليلاً مفكرة :
- طب م أنا أندهله هو يجبهالي أحسن !!
و بالفعل فتحت الباب نصف فتحة لتصرخ بصوتٍ عالٍ حتى يسمعها :
- بــاســل .. يا بـاســل !!!!!
↚
ركض "باسل" ليفتح باب الغرفة و هو يقول بهلعٍ :
- في أيه يا رهف وقعتي في الحمام ولا أيه !!!!
منعت "رهف" ضحكتها من الخروج لتقول من وراء الباب بخجلٍ :
- أسمع يا باسل في بيجامة على السرير هتهالي لو سمحت ..
ألتمعت مقلتي "باسل" بخبث لم تستطع "رهف" أن تراه ليذهب نحو المرحاض و هو يقف خلف الباب مستطرداً و هو يضع كلتا يداه في جيب بنطاله :
- تدفعي كام يا حلوة ؟!!
- يا باسل انجزز !!!
قالت "رهف" بغضب ليبتسم "باسل" قائلاً :
- طب خلاص خلاص ..
ذهب نحو الفراش ليلتقط البيجامة .. نظر لها بصدمة ليلوح بها بالهواء و هو يقول بدهشة :
- أيه يا رهف دة !!!! دي بيجامة بنت أختك الصغيرة دي ولا أيه !!!
ضربت "رهف" الأرض بقدميها و هي تقول :
- يا باسل" هات بقى أنجز الجو برد و انا لابسة الفوطة و هبرد كدة !!!
أزداد بريق عيناه السمراوتين ليأخذ البيجامة متجهاً نحو المرحاض ، أنزوت شفتيه بأبتسامة ماكرة لمد البيجامة بجانبه و هو ليأمرها أن تأخذها ، مدت "رهف" ذراعها المبتل بحسن نية لتجد يد تسحبها خارج المرحاض ، لم تستطع "رهف" أن تُكتم شهقتها جاحظة العينان و هي ترى مقلتيه يتفرسان بها ، سُحر "باسل" من جمالها ، بدايةً بخصلاتها المنسدلة على كتفيها يقطران بالماء لتزحف قطرات الماء على ذراعيها و عنقها و بشرتها البيضاء ، ترفع رأسها له لقُصر قامتها أمام طوله المهيب ، عيناها العسلية تحدق به في براءة ممتزجة بخجلٍ فجعل من عيناها كلوحة فريدة من نوعها ، رأئحتها المسكرة التي تختلج جوارحه بأكملها ، كيف لها أن تكن بتلك النعومة !!!! ، و بلا وعي منه مدّ أنامله متلمساً وجنتيها الساخنتان كاللهيب من شدة خجلها ، لا يعلم لِمَ يريد أن يقترب و يقبل كل إنش بوجهها ..إحساساً داخلياً يدفعه إلى ذلك ، لم يمنع نفسه من تلك القبلة البريئة -من وجهة نظره-، ليقترب مبهوراً من جاذبيتها التي تعادل جاذبية نيوتن ، أقترب بثغره لوجنتها ليطبع قبلة بثّ بها أحاسيسه المكبوتة ، أغمضت "رهف" عيناها تستشعر شفتيه على وجنتها الناعمة ، و ذقنه الخشنة المنمقة التي ربما تجرح وجنتيها ، كانت كالهش بين يداه ، لا تعلم لمَ لم تمنعه .. و كأن قدميها شُلت !!! ، زحف "باسل" بشفتيه بزاوية شفتيها قُرب شفتيها بالضبط ، أغمض عيناه بلا وعي لِمَ يفعله ، بل توطدت أكثر قبلاته ليصبح مقبلاً كل إنش بوجهها و كأنها طعامه اللذيذ ، و جاء عند شفتيها الكرزية ، رويداً طبع قبلة رقيقة على شفتيها ، قبلة دامت كثير من الوقت .. بينما هي مستسلمة تماماً من رقة قبلاته التي جعلتها تكاد تذوب بين ذراعيه ، جذبها "باسل" من خصرها متعمقاً بقبلته لتصبح أكثر شغفاً ، أصبحت قبلته كالزلزال يعصف بكيانها ، بل و تجرأ اكثر ليمد كفه حتى كاد أن ينزع المنشفة من عليها ، هنا جحظت مقلتيها برعبٍ قوي ، تداهمت الأفكار على ذهنها كالموجات العاصفة ، أمسكت بكفيه تمنعه لتضرب صدره بقوة مبعدة إياه ، تلبستها حالة من الفزع جعلتها تبتعد عدة خطوات للخلف و هي تنفي برأسها بهيستيرية ، و كأن أحدا صفعه على وجهه ليفوق مما كان مقبل عليه ، مسح على وجهه بكفه بعنف ليستعيد رباطة جأشه ، نظر لها "باسل" رافعاً كفيه حتى يطمئنها قائلاً بصوتٍ متحشرج :
- أهدي يا رهف .. متخافيش مش هعملك حاجة ..
نفت برأسها بقوة أكبر ممسكة بالمنشفة مثبتة إياها على جسدها بقوة و هي تصرخ به بصوتٍ مبحوح :
- لاء أنت زيهم ، أنت زي الحيوان جوز ماما و أخوك مش هتفرق عنهم يا باسل ، أبـعـد عني أنا عايزة أروح عند ماما ..
أنهارت عند تلك اللحظة لتسقط على الأرضية تخفي وجهها داخل كفيها ، شهقاتها تقطع نيّاط قلبه .. كانت أشبه بخناجر تمزق قلبه ليسير صوبها .. أنحنى على ركبتيه ليصبح بمستواها ، و بهدوء شديد أبعد كفيها عن وجهها ليطالع عيناها الغارقة بالدموع العالقة بأهدابها ، حاوط وجهها قائلاً بحنو و دفئ ينبعث من نبرة صوته :
- أنا مكنش قصدي يا رهف .. ومش عارف أزاي كنت هعمل كدة ، أنا أسف أنا هروح أنام في الاوضة التانية وصدقيني مش هقربلك أبداً .. بس أنا عايز أقولك حاجة يا رهف ، إياكي تاني مرة تشبهيني بجوز أمك ابن ***** دة تمام ؟..
أسبلت "رهف" بعيناها ليمسك بذقنها رافعاً إياها و هو يقول بحنان :
- ألبسي هدومك و الأكل برا على السفرة أنا طلبته من مطعم جنبنا م هو أكيد مش هسيبك تعملي أكل في يوم زي دة ، كُلي و نامي .. أنا داخل أنام تصبحي على خير !!!!
ثم تبخر من أمامها .. عصفتها البرودة عندما أبعد يداه الدافئتين من على وجهها .. و كأنه الأمان و المسكن لها ..~
•• •• •• ••
تفاجأ مدير الجريدة بـ "ظافر" يقتحم المكتب بعنف ، وثب المدير بصدمة وقد شُلت أطرافه بالكامل ، أقترب منه ظافر بخطوات باردة ، بدت ملامحه كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، وقف أمامه يد وضعت في جيب بنطاله والأخرى ببطئٍ شديد التفت حول عنق الأخير ليدفعه نحو الحائط بعينان سوداوية ، وضع المسكين يده على كف "ظافر" الصلب بطبيعة الحال ، حاول إزاحة كفه و لكنه كان كالجداه لا يتزحزح فقط يوجه له نظرات مشتعله جعلته يرتجف ..!!
- مين اللي طلب منك تنزل الخبر ؟!!!!
جحظ المدير بعيناه ليشعر بأنقطاع أنفاسه ، تلونت شفتيه باللون البنفسجي المائل إلى الأزرق ، خرج صوته في ضعفٍ شديد و نبرة صوته تختفي تدريجياً :
- سيبني يا باشا ..وأنا هحكيلك على كل حاجة بس سيبني أبوس إيدك !!!!
دفعه "ظافر" بقوة ليسعل ذلك الرجل بقوة لينحنى إلى الأمام و هو لا يستطيع إلتقاط أنفاسه ، نظر له "ظافر" بإحتقار ليلتفت إلى المقعد ، جلس واضعاً قدم على الأخرى ليُخرج لُفافة تبغ بنية اللون .. أشعلها بقداحته الذهبية لينفث دخانها متابعاً ذلك المدير بنظرات ثاقبة كالصقر تكاد تخترق عظمه ، جلس المدير بالمقعد المقابل إلى "ظافر" بعد أن هدأ قليلاً و أستعاد أنفاسه المبعثرة ، فرك يداه بتوتر فهو يعلم من هو "ظافر سرحان الهلالي" ويعلم بروده و جموده .. يعلم أيضاً أن لا أحد يستطيع أستفزازه فهو عندما يغضب يتحول إلى جحيم مشتعل بالنيران !!!
أشار "ظافر" بسبابته ليتحدث و هو لازال ينظر له مضيق عيناه بإنصات .. و بالفعل أملى عليه المدير ما أمرت "ملاذ" بأن يتحدث به قائلاً بتوجس متلعثماً :
- آآآ .. اللي قالي انشر الخبر دة .. بنت أسمها رهف ، رهف محمد الجندي يا ظافر باشا !!!
دلفت "فريدة" إلى الغرفة القابع بها "مازن" و على يدها صينية بها تحمل طبق من الحساء الساخن ، وجدته مستنداً على فخذيه برمفقيه محاوطاً رأسه بعينان مغلقتان ، تنحنحت "فريدة" لتلفت أنتباهه و هي تتمتم :
- الأكل ..
-مش عايز ..!!!
قال بأقتضاب و هو لازال على وضعه ، تقدمت منه واضعة الصينية على الكومود بجانب الفراش قائلة ببرودٍ و رسمية :
- الأكل عندك أهو .. هسيبهولك لحد مـ تجوع و آآآ
↚
شهقت "فريدة عندما دفع "مازن" الصينية لتسقط على الأرضية ليتناثر الحساء مزمجراً بقوة واثباً بأندفاع :
- بقولك مـش عـايـز أنتِ مبتفهميش !!!
تراجعت "فريدة" للخلف من غضبه الجحيمي ، جف حلقها و هي تراقب وجهه شديد الإحمرار وعيناه اللتان تحولتان لجمرتين من الجحيم ، صرخت "فريدة" و هي تقول بلا وعي وحدةٍ :
- أنت مش طبيعي .. أنت مريض مستحيل تكون طبيعي !!!!!
تخشبت عيناه عليها ليقترب منها موجههاً لها نظرات مرعبة ، أبتعدت "فريدة" عدة خطوات للخلف حتى وجدت أنها حوصرت بين يداه فـ خلفها ذلك الحائط المنيع و من أمامها صدره العريض ، إزدردت ريقها تراقب وجهه الجامد وعيناه الباردتان ، لم تجد بمقلتيه ذرة من الشفقة .. لم تجد سوى جحودٍ و قسوة جعلتها ترتعد من الداخل مما هي مقبلة عليه ..!!
أفاقت على صوته المخيف و هو يقول بنبرة مشتعلة :
- كنتِ بتقولي أيه يا حلوة ؟!!!
أستعادت رباطة جأشها لتنتصب أمامها قائلة بشجاعةٍ :
- بقول أنك مستحيل تكون طبيعي ..لأن دي مش أفعال ناس سويّة !!!
تلاعبت أصابعه على وجنتيها و هو يقول بوقاحةٍ بالغة :
- خافي على نفسك يا فريدة .. أنا مبرحمش !!!!
أبعدت وجهها بتقزز و هي تنظر له بإشمئزاز قائلة :
- أنا مبخافش ..!!!
رمى بها بنظرة متوعد ليلتوى ثغره بإبتسامة خبيثة و هو يقول متلاعباً بأعصابها التالفة :
- أخبار أخوكي الصغير أيه .. "يزيد" !!!!
جحظت عيناها تلك المرة بصدمة و كأنه أسقط دلواً بارداً فوق رأسها ، تعالت نبضات قلبها فهو علِم نقطة ضعفها الوحيدة لترتجف شفتيها أمام عيناه التي تراقبها كالصقر ، نظفت حلقها بعد أن شعرت بجفافه التام لتقول بنبرة مهتزة :
- أنت تعرف يزيد منين ..!!! ، أسمع ، ورحمة أبويا و أمي لو لمست شعرة من أخويا هندمك باقي حياتك !!!!
تعالت ضحكاته الصاخبة الرجولية مقهقهاً بتسلية ليبتعد عنها .. سرعان ما ظهر وجهه الحقيقي لتتوّحش حدقتيه مكشراً عن أنيابه ، أمسك بخصلاتها البندقية بقوة يكاد أن ينزع جذورها بين يداه ، شهقت "فريدة" بقوة لتضع يدها على كفه الغليظ تحاول أن تبعده و هي تصرخ به بعنف :
- أبعد عني يا حيوان .. ألـحـقـونـي !!!
صرخت بكل ما أوتيت من قوة ليكتم "مازن" صراخها بكفه الأخر ، أشتدت قبضته على خصلاتها محدقاً بحدقتيها الثابتتان ، أراد أن يرى ولو ذرة من الخوف في عيناها ولكن تطايرت آماله و هو لازال يرى عيناها تحطم ذلك العهد الذي أخذ به على نفسه على أن يذُلها ويجعلها كالحشرة يتركون بصمات أحذيتهم عليها، أتخذ وعداً بأن يمزق تلك الفتاة أشلاء مبعثرة حتى لا تعود و تتحدى أسيادها ، أعاد رأسها للوراء و الألم الذي يعصف بخصلاتها التي تكاد تتمزق من جذورها لا يُحتمل ، ظهر عنقها الطويل أمامه لينظر لها برغبةٍ سرعان دفن أنفه بعنقها و رائحة زهور اللافندر المنبعثة منها تجعله كالثمل الضال .. أغمضت "فريدة" عيناها بألمٍ جسدي و نفسي ، تشعر بروحها تتمزق عندما تعصف أنفاسه الغاضبة بشرة نحرها الرقيق ، ظنت أنه سيفعل ما أراد فعله بتلك الفتاة التي نجت من بين براثنه ، ولكنها عادت لفتح عيناها بقوةٍ تكاد تخرج من محلها عندما أستطرد بأنفاسٍ لاهثة :
- هتجوزك يا فريدة ، غصب عنك أو برضاكي هتجوزك ..
شهقت بقوة لتلكم صدره بقوة ليبتعد "مازن" ينظر لها بحدقتان زائغتان لاهثتان، بللت شفتيها الجافة مبتعدة عدة خطوات للخلف و نبرته التي تشع أصراراً عميقاً أخافتها ، هي تعلم إن وضعها برأسه لن يتركها إلا وهي بقايا انسانه محطمة، عند تلك النقطة نفت برأسها بقوة هيستيرية و هي تُردد :
-مستحيل .. مستحيل أتجوزك فـاهـم !!!!
-بـرا ..
قال ببرودٍ مشيراً نحو الباب وكأنه لا يأخذ برأيها بل جوازها منه هو واقع محتوم ستتقبله رغماً عنها
• • •
تجولت "رهف" في منزلها بحرصٍ تتفرسه ، رأت غرفة مغلقة لتتجه نحوها ، طرقت على الباب بخفة لتسمع صوته المحبب إلى قلبها مردفاً :
- أدخلي يا رهف ..
كم تعشق أسمها عندما يخرج من ثغره ، أدارت مقبض الباب لتدلف ، وجدت الغرفة يُطغى عليها اللون الرمادي و ذلك الفراش الوثير الذي يتوسطها ، تنحنحت بإحراج عندما وجدته مستلقي على الفراش و جزعه العلوي عاري واضع ذراعه الملئ بالعضلات على عيناه ، أعتدل "باسل" ليجلس على الفراش ناظراً لها بحدقتيه السمرواتين الناعستان :
- عايزة حاجة يا رهف ؟
نظرت "رهف" أرضاً بوجهٍ متورداً وهو تقول بقنوط :
- ألبس حاجة يا باسل ..
↚
رفع "باسل" كِلتا حاجبيه قائلاً بمزاحٍ :
- بس أنا مش بعرف أنام غير وانا قالع التيشرت وبعدين انا نايم ف أوضتي ..!!
رفعت "رهف" عيناها له لتلتفت نحو الباب قائلة بحزنٍ :
- أسفة أزعجتك ..
نهض "باسل" سريعاً من على الفراش ليلتقط ذراعها مانعاً إياها من الذهاب و هو يقول :
- أستني يا بنتي أنتِ بتقفشي ليه كدا أنا كنت بهزر والله .. خلاص يا ستي هلبس اهو عشان خاطر خدودك الحمرا دي !!!
نظرت "رهف" أرضاً لتبتسم بخجلٍ ، ألتقط "باسل" كنزته ليرتديها سريعاً ثم نظر إلى "رهف" قائلاً بتساؤل :
- قوليلي بقا كنت عايزة حاجة ؟ الأكل برا عندك على السفرة طلعيه وكلي .. وفي التلاجة اللي أنتِ عايزاه و آآآ....
- أنت زعلان مني صح ..؟
بترت "رهف" عبارته قائلة وهي تنظر بالأسفل بحزنٍ أعتلى صفحات وجهها ، قطب "باسل" حاجبيه بدهشة لتعتلي أبتسامة حانية وجهه ليمسك بذقنها رافعاً إياها بلطف قائلاً بحنو :
- أولاً أياكي تنزلي عينك قدام أي حد حتى لو أنا ، ثانياً بقا أنا مقدرش أزعل منك أساساً وانتِ معملتيش حاجة تزعل ..
شخصت أنظارها على عيناه السوداوية البرّاقة ، لم تستطيع وصف مشاعرها نحوه ، كل ما تعلمه أنه حنون كأبيها التي تفتقده بشدة الأن ، أبتسمت بحزن عندما تذكرت أبيها وذلك الرجل المحتل مكانهِ ، أغرورقت عيناها بالدموع عندما تذكرت ما كان يفعله بها ذلك الرجل ومحاولته للتحرُش بها وأنتهاك حُرمة جسدها
قطب "باسل" حاحبيه و هو يرى الدمعة التي فرت من عيناها بل و نبرتها التي تقول أنها على مشارف البكاء :
- باسل أنا شوفت حاجات كتيرة وحشة في حياتي ، فجأة لقيت بابا بيضيع من بين أيديا .. كان مريض وبيحتاج أدوية كتير و أحنا وقتها ظروفنا مكانتش أد كدا بس أنا كنت بحاول أوفرله اللي أقدر عليه كنت بشتغل صبح وبليل و كنت بدرس كمان ، و ماما مكانش بيهمها حاجة وكانت بتكره بابا أوي وكان نفسها يموت النهاردة قبل بكرة عشان تعيش حياتها ، و فعلاً بابا توفى بعد شهر ووصى ماما عليا ، و أول مـ العدة بتاعة ماما خلصت أتجوزت على طول يا باسل كأنها مصدقت ، و ماما حبته جداً لدرجة أنها كتبت كل حاجة بابا سابهالنا ليه و حتى الشقة كتبتها بأسمه .. و كنت دايماً بشوف الراجل دة بيبصلي بنظرات مكنتش مرتحالها لحد مـ فيوم ماما كانت برا و أنا كنت نازلة رايحة الشغل .. و بكل وقاحة دخل أوضتي وكان عايز آآآ ..
أظلمت مقلتيّ "باسل" لترتجف خلايا جسده غضباً شديداً ، نبض فكه كالطبول ليغمض عيناه بتوعد ليقول يحثّها على الكلام :
- كملي ..
إزدردت ريقها لتكمل بقية الحديث بنبرة متألمة :
- و لما روحت أقول لماما مصدقتنيش .. أفتكرت أني بقول كدا بس عشان أخليهم يطلقوا عشان هي عارفة أني مش برتاحله ، بدأ أنه يتمادى لما بقى واثق أن ماما مش هتصدقني و أنا للأسف مكنتش بفتح بوقي ولا بقول لحد حاجة ، لدرجة أنه في يوم خلاص كان هينفذ اللي في دماغة وقتها أنا هربت من البيت وقابلت أخوك و للأسف هو كمان كان هيكمل عليا ، أنا مريت بظروف صعبة يا باسل أنا حقيقي تعبانة أوي و حاسة أن روحي بتتسحب مني بالبطئ !!
أنفجرت في بكاءٍ مرير ليجذبها "باسل"إلى صدره يدفن وجهها بجانب قلبه تحديداً ، حاوط خصرها النحيل بقوة و باليد الأخرى ربّت على خصلاتها الحريرية لتحاوط هي الأخرى خصره و بكائها يزداد ، تذكرت عناق والدها الذي مان يشبه عناق "باسل" بالضبط ، فزوجها يمتلك دفئ والدها وحنوه المفرط ، شددت على خصره لتتبلل كنزته أثر دموعها ، مسح على ظهرها مغمضاً عيناه بألمٍ ، صوت بكاءها يتردد بأذنه ممزقاً قلبه تمزيقاً .. جسدها المرتجف بين يداه جعله يود لو أن يقتل كل من تسبب بنزول دمعاتها ، توعد أمام نفسه و أمام خالقه على أن لا يترك من أذاها وجعل تتذوق المرار كؤوساً ، ألتهبت عيناه بقوة لتصتك أسنانه ببعضهما حتى كاد أن يحطمهما ، أنحنى بعيناه لها عندما وجد جسدها يتراخى بأحضانه ، نبرتها الواهنة و عيناها الناعسة التي تشبه الغزلان ترتفع نحو عيناه قائلة بإرهاقٍ :
- أنا تعبانه و عايزة أنام ..
أنحنى بجزعه ليضع ذراع على ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بخفةٍ ، تشبثت "رهف" بعنقه بعفوية لتستند برأسها على صدره ، وضعها "باسل" على الفراش بلطفٍ شديد ليجدها قد نامت ، أنحنى نحوها وعيناه تتأمل كل إنشٍ بوجهها ، أمتدت أنامله لتُزيل العبرات العالقة بعيناها و على وجنتيها الناعمة ، مال أكثر مقبلاً جبهتها ليُطيل بالقبلة مغمضاً عيناه ليُشبع نفسه بتلك القبلة البريئة ، أبتعد ينظر لها بشفقةٍ .. ف هي لا زالت لم تُكمل العشرون ولكن عيناها الحزينة تخبرك بأن الهموم أثقلت ظهرُها ..
كاد أن يذهب حتى ينام خارج الغرفة ليجدها مشبثة بكفه الغليظ وهي لازالت مغمضة العينان لا تعي ما تتفوه به :
- بابا متمشيش أرجوك .. متسبنيش لوحدي يا بابا خليك جنبي !!!!
رقت عيناه السمراء ليبتسم بحنوٍ نحوها ، و سرعان ما أستلقى بجانبها واضعاً ذراعه المفتول أسفل رأسها والأخر حاوط خصرها النحيل ، أستند برأسه على خاصتها دافناً وجهه بخصلاتها لتكن نائمة داخل أحضانه الدافئة .. وبين ذراعيه الحنونة ..
• • • •
أمسك ذلك الرجل بالهاتف المحمول واضعاً إياه على أذنه و هو يقول بنشوةٍ تجلت في نبرته :
- أنا عملت اللي قولتيلي عليه يا ملاذ هانم .. بس أهم حاجة تحليلي بؤي يا ست البنات !!!
على الطرف الإخر ، زمت "ملاذ" شفتيها ليتقلص وجهها بإشمئزاز قائلة :
- أي الأسلوب المقرف اللي بتتكلم بيه دة مش انا قولتلك هديلك الفلوس مش عايزة رغي كتير بقا ..
لم تنتظر إجابته لتُنهي المكالمة بنفاذ صبر ، وضعت الهاتف على الأريكة وقد أصابها ضيقٌ كبير ، صدرها مختنق وكأن الهواء لا يصل إلى رئتيها ، أنزوى مابين حاحبيها و هي تقول موبخة نفسُها :
- مالك يا ملاذ مش اللي عايزاه حصل و فضحتي عيلة الهلالي فضيحة مش هتتنسي بسهولة ؟!! أومال أنا مالي مخنوقة ليه وحاسة اني مش كويسة ..
نفت برأسها بقوة مبعدة تلك الأفكار عن ذهنها لتعود قائلة بأنفٍ شامخ :
- لاء يا ملاذ فوقي .. اللي مضايقة عشانه دة أبوه رفض يساعد أختك ودمر أسرة كاملة ، و لسة لحد دلوقتي أختي بتكرهني بسببه .. الرجالة كلهم ملهمش أمان ..!!!
صدح رنين الهاتف مجدداً لتنظر له بقنوط ، ألتقطته
لتضعه على أذنها مستطردة بنبرة فاترة :
- في أيه يا عماد ..
على الجانب الأخر .. زفر "عماد" بحزنٍ مغمضاً عيناه ، أخذ نفساً عميقاً متأهباً لتلك القُنبلة التي ستنفجر بوجهُها ، نظف حلقه لتتسلل العبارات من بين ثغره قائلاً :
- ملاذ آآآ .. أنا عرفت مين اللي سرق التصاميم بتاع ال show اللي كان لـ "سالم العياط" ..
أنتصبت "ملاذ" منتفضة معها حواسُها بالكامل قائلة بإنتباه :
- مين يا عماد !!!!
↚
- لما عرفت البنت اللي خدتهم طلعت من قسم الحسابات .. لما جبتها وحبستها عندنا في المخزن وخليتها تعترف .. عرفت أن براءة أختك هي اللي بعتاها وهي اللي قالتلها تسرق التصاميم عشان تبوظلك شغلك !!!!!
توقف قلبها عن النبض .. أو هذا ما تخيلته ، سارت برودة غريبة في جسدها ، برقت عيناها بدموعٍ تسربت إلى حدقتيها لتشرد في اللاشئ .. ليسقط الهاتف من كفها ليستكين على الأرضية أسفلها تاركاً "عماد" ينادي عليها ، بدت وكأنها بعالمٍ منزوي عن ذلك العالم الشرير ، شعرت بشئٍ يكمن على صدرها مانعاً إياها في التنفس ، و لأول مرة تشعر أنها لا ترغب في التنفس .. بل لا ترغب في الحياة أبداً ، أستندت على الحائط بجانبها بصدرٍ يعلو ويهبط ، رفعت رأسها إلى الأمام تنظر إلى سقف الغرفة واضعة كفها على صدرها لا تستطيع التنفس ، جلست على الأرضية تشهق بقوة تشعر بأنها بين الحياة والموت !!!
تصببت عرقاً من جميع أنحاء جسدها رُغم ملابسها الفضفاضة ، وبصعوبةٍ شديدة أسترقت السمع للباب الذي يُضرب بعُنفٍ شديد ، تحاملت على نفسها لتنهض رُغم جسدها الذي بدأ بالتراخي ، توجهت نحو الباب بصعوبة مستندة عليه لتفتحه و ليتها لم تفعل .. فقد رأت أكثر وجهه تبغضه لتقول بصعوبةٍ ونبرة خافتة :
- سـالـم !!!!
دفعها "سالم" بذراعه القوي لتترنح "ملاذ" للخلف و هي تراه يدلف مغلقاً الباب خلفه و قد أرتسمت على وجهه معالم الخُبث و هو يقول بصوته المخيف :
- أيوا سالم يا ملاذ .. سالم اللي هيطلع عليكي القديم والجديد !!!!
ثم هبط بأنظاره متفرساً جسدها الرشيق و الملابس التي تظهر حدقتيه أمتلئت بالرغبة المُقززة ..!
• • • •
طرح بالمزهرية الموضوعة على الكومود أرضاً لتُبرز عروقه ، أشتدت عيناه أحمراراً ملتهباً ، لم يستطيع إخبار أخيه بما قاله مدير الجريدة ، هو موقن إن أخبره ربما يؤذي "رهف" لما تسببت لهم بفضيحة لن تُمحى بسهولة ، و لكن و للأسف لا مفر من إخباره .. سينتظر إلى الغد و من ثم يُخبره بما فعلته وجهاً إلى وجه ، مسح على وجهه بعصبية مفرطة لينظر لهاتفه الذي يرن ، أمسك به و بنبرة لاهثة قال :
- في حاجة يا صلاح ؟!
أجاب المدعو صلاح و عيناه تراقب ما أمر به "ظافر" كالصقر :
- أنا واقف قدام بيت "ملاذ" هانم زي ما حضرتك أمرتني ، و في واحد طلع البُرج و سأل البواب عن شقتها .. ولما سألت البواب مين دة قالي أنه سالم العياط يا ظافر باشا ..
لا .. ذلك كثير على أن يتحمله .. ماذا يُريد منها ذلك الذي صفعه بمكتبها ، تدفق الأدرينالين بأوردته عندما مرّ على ذهنه ما يُمكن أن يفعله لينتقم منها ، أنطلق كالذئب الجريح ملتقطاً مفاتيح سيارته و هاتفه ليعبُر الدرج سريعاً غير مُنتظر ذلك المصعد ، أستقل سيارته و لأول مرة من مجيئه لخبر أنتقال أبيه إلى المشفى يسوق بذلك التهور ، كاد أن يفتعل حوادث كفيلة أن تؤدي بحياته ولكن رغبته في الذهاب إليها والأطمئنان عليها من ذلك الـ "سالم" كانت أقوى بكثير ، وصل و أخيراً عبر ذلك الموقع الذي أرسله له "صلاح" حارسه و المكلّف بمراقبة "ملاذ" و جمع أدق المعلومات عنها ، ترجل من السيارة غير عابئاً بـ بابُها الذي تُرك مفتوحاً للعنان ، وجد "صلاح" بإنتظاره مخبره بالطابق التي تسكن به ليصعدا الأثنان لها
وقفا خلف الباب ليسترق "ظافر" السمع .. وجد "سالم" يصرخ بصوته الجهوري ونبرته الحاقدة :
- مش هسيبك يا ملاذ .. مش سالم العياط اللي يضحك عليه فــوقـي أنا مش عيل برياله سامعه !!!!
لم يجد "ظافر" رد من "ملاذ" .. أنقبض قلبه بألم من أحتمالية أن يكن فعل لها شئ يتمنى ان لا يحدث ، تراجع للخلف خطواتٍ قليله ليركض تلك المسافة مرتطماً بالباب بقوة ليسقط الباب محطماً ، غلت الدماء بدمه عندما وجد "ملاذ" مستلقية على الأرضية بسكونٍ تام مغمضة عيناها بينما "سالم" يشرف عليها صافعاً إياها بكل ما أوتي من قوة ، ركض "ظافر" نحوه ليبعده عنها ، سدد له لكمات ليتكوم "سالم" على الأرضية صارخاً بألمٍ بصوته الجهوري ليركله "ظافر" في معدته و "تحت الحزام" جاعلاً "سالم" يتلوى على الأرضية يجأر بقوة و هو يقول مقبلاً حذاء "ظافر" بدنائةٍ وبخس :
- أرحمني يا ظافر باشا أرجوك سيبني !!!
أنحنى له بجزعه ليقبض على فكه بقوة كادت أن تُسحق أسنانه ، تشنج وجه "ظافر" بوضوح وعيناه الملتهبة تُصدر شرارات جحيمية نحو "سالم" قائلاً بزمجرةٍ كالأسد :
- اللي يتجرأ ويتطاول على أسياده وعلى حاجة تخص ظافر الهلالي لسة متخلقش يا روح أمك .. و أنا هخليك تبوس رجلها هي وتتوسلها عشان تسامحك يا *****
أنتصب بقوة ليضغط على وجه "سالم" كالحشرة الحقيرة بحذائه البراق ليجعل من كرامته ورجولته خرقة ينظف بها الأرضيات ، ألتفت إلى "صلاح" ذو الجسد الضخم قائلاً بنبرة جحيمية :
- أربطه يا صلاح و وديه المخزن وخلي الرجالة يعملوا أحلى شغل معاه !!!
أوماً "صلاح" دون أن ينطق ، تركه "ظافر" ليتوجه نحو تلك المسجية أرضاً .. آلمه قلبه لرؤية خصلاتها المشعثة و وجهها الأحمر المكدوم وكنزتها التي تمزق جزء منها ، جلب "ظافر" إحدى الشراشف الموضوعة على الطاولة ليحاوط جسدها به ثم وضع ذراعٍ عند ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها ، تراخى جسدها بين ذراعيه ليقترب بوجهه من وجهها ليجد أنفاسها بطيئة وكأنها تُصارع الموت ..
تجمعت الجيران أثر صوت الصراخ ليشهقوا جميعهم مشفقين على حال تلك الفتاة ، يتمنوا أن تكثُر أمثال "ظافر" بذلك المجتمع ، أنزوت إحدى الجارات لتمسك بهاتفها واضعة إياه على أذنها و هي تقول بفزعٍ :
- ألحقي يا ست فتحية في مصيبة!!!!
↚
نزل بها الدرج بسرعة شديدة ليستقل السيارة واضعاً إياها في المقعد بجانبها ، ألتفت سريعاً ليحتل مقعده هو الأخر ، أدار السيارة ذاهباً إلى مشفى "الهلالي" و هو يقبض على كفها الصغير متمتماً بصدرٍ مهتاج :
- مافيش حاجة هتحصلك .. متخافيش !!!
وصل سريعاً إلى المشفى فرع القاهرة ليترجل من السيارة حاملاً "ملاذ" ليصرخ بالأطباء و الممرضين الذين ألتفتوا له بفزعٍ :
- هاتوا تروللي بسرعة يا شوية بـهـايـم !!!!
و بالفعل أحضروا فراش نقل المرضى و عندما حاول طبيب ما أن يمسك هو "بملاذ" عنه صرخ به "ظافر" بنبرة أخرسته أمراً إياه بأن يبتعد إلى الخلف .. وضعها "ظافر" ليتجهوا نحو غرفة العناية المركزة ، أنتظر "ظافر" بالخارج جالساً على المقعد و قدميه تهتز بتوترٍ ، عيناه تجول هنا وهناك ذلك الذي لا يؤثر به شئ .. لا يعلم لمَ تعلق بها في الفترة الأخيرة و لذلك أمر بأن يجلب جميع المعلومات عنها ، و علِم وقتها أن تلك الفتاة الناضجة هي نفسُها تلك الطفلة العنيدة الذي أنقذها من براثن أبيه في ذلك الوقت رُغم صِغر سنه بذلك الوقت .. و عند تلك النقطة إزداد تعلقه بها فهو كان يشك من البداية أنها تلك نفسها .. فعيناها السمراء الواسعة تلك من الصعب نسيانها فمقلتيها التي تجنع بين الحدة والبراءة حُفرت في ذاكرته و أؤرخت بين ثنايا قلبه وروحه ، لن يجعبها تبتعد بعدما وجدها أخيراً ..!!
تذكر عندما سرد له "صلاح" الكثير عنها ..
• عودة إلى الوقت السابق •
- ملاذ خليل الشافعي .. عندها 24 سنة وأختها عندها 22 .. و زي مـ حضرتك عارف يا ظافر باشا أن ملاذ الشافعي عندها شركة كبيرة بأسمها وليها كذا فرع في دول عربية مختلفة ، شخصيتها قوية جداً وصعب حد يتحداها دة غير أنها بتدرب بوكس و ملاكمة .. بتحب الرسم بس مش بتعرف ترسم وبتحب الموسيقى الهادية الكلاسيكية و بتعشق القهوة ، أكتر حد بتحبه في حياتها أختها وللأسف أختها دي نصها السُفلي مشلول وقاعدة على كرسي من وهي صغيرة بسبب الحادثة لما كانت "براءة" أختها موجودة مع مامتها وبابا لما كانت صغير و الحادثة دي أثرت عليها .. ولحسن حظ ملاذ أنها كانت عند جارتهم في الوقت دة ، ملاذ رغم أنها كانت صغير في الوقت دة بس هي حاولت تساعد أختها بس دة قدر ربنا .. و من ساعتها و أختها براءة بتكرهها جداً و لما ملاذ هانم بتروحلها البيت عشان تطمن عليها دايماً أختها بتطردها وبتهينها و مع ذلك رغم أن ملاذ عندها كرامة بس اللي عرفته أنها مستعدة تدوس على أي حاجة و أي حد عشان خاطر أختها وعُمرها مـ جرحتها بالكلام أو حتى قالتلها ليه بتعاملها كدا .. براءة دي قاعدة مع ست طيبة وغلبانه أسمها فتحية .. فتحية بتحب ملاذ و براءة بس صعبان عليها ملاذ عشان المعامله اللي بتعامل بيها براءة و أنها مشيلاها مسؤلية شللها دة رغم أن بالفعل ملاذ عرضت حالة أختها على أشهر ألأطباء جوة مصر وبرا وكلهم بيقولوا أنها يكاد يكون مستحيل ترجع تمشي على رجليها عشان الحادثة كلنت من وهي صغيرة وفات عليها وقت كتير .. و ملاذ قاعدة في شقة كبيرة لوحدها في المعادي .. و من سنة طلع خبر في الجرايد أنها مخطوبة لعماد دراعها اليمين في الشغل بس لما عرفت و أطأست ( دورت كويس ) لقيت أنها قالت كدة عشان عماد دة كان في night club مع واحدة في وضع مُخل و عشان "ملاذ" تغطي على الموضوع و سمعة الشركة متتأثرش بكلام الصحافيين طلعت و بكل جرأة قالت أن هي خطيبته و أن مستحيل طبعاً حد يبقى خاطب "ملاذ خليل الشافعي" و يبص برا !! وفعلاً بداً الموضوع يتنسي تدريجياً .. ومن فترة قريبة أتسرقت تصاميم show بتاعها وبتاع راجل أعمال كبير و لحد دلوقتي مش عارفين لسة مين اللي سرق التصاميم دي .. و دي كانت المعلومات اللي قدرت أجمعها يا ظافر باشا ..!!!
• عودة إلى الوقت الحالي •
أفاق على صوت هاتفه يرن ، أمسك به بوهنٍ ليجيب قائلاو بنبرة متعَبة :
- في حاجة يا أمي ؟!
صرخت السيدة "رقية" على الهاتف و هي تجءر بعنفٍ يدل على خوفها على أبناءها :
- أنتَ فين يا ولدي .. وفين باسل أخوك يابني .. حرام عليكوا ليه بتعملوا أكده فيا أنت مش موچود و اخوك باسل خد البنيّة اللي أسمها رهف ومشيوا و أخوك الصغير مرمي في المشتشفى " المستشفى" محدش عارف عنه حاچة و أنت مانعني اروح حتى أطمن عليه .. أنتوا عايزين تموتوني يابني !!!
وضع "ظافر" يده على رأسه و الصداع يكاد يهلكه .. و لكنه ردّ بنبرة حاول أن يجعلها هادئة رغم النيران و البراكين المنفجرة داخله :
- يا أمي أهدي .. أنا في مصر دلوك "دلوقتي" في حاجة مهمه هخلصها و هاچيلك .. ومتجلجيش "متقلقيش" على مازن أنا متابع أحواله و هو بجى "بقى" بخير و هيطلع من المستشفى قريب .. أنا لازم أقفل يا أمي هخلص وهكلمك ..
قال ليُنهي المكالمة ليطرح بهاتفه أرضاٌ بإنفعال .. و لأول مرة تتذبذب مشاعره بتلك الطريقة .. فإن حدث لها شئ سيجعل ذلك الـ "سالم" يكره اليوم الذي ولِد به ، لا يستطيع محو مشهد ضرب الحقير لها ، شعر بخنجرٍ ينغرز بقلبه مقطعاً إياه أشلاء .. أمسك برأسه بأطراف أصابعه يرمق الغرفة التي هي بداخلها بثباتٍ ظاهري ، و ما يخشاه حقاً أن يحبُها فهو بالآونة الأخيرة أحب وجودها جواره ..
نفى برأسه بسرعة و هو الذي عاهد نفسه ألا يميل .. وجد الطبيب يخرج من غرفة العناية المركزة ليثب "ظافر" مستطرداً بقلق حاول ألا يظهره :
- خـيـر يا دكتور ؟!!!
أبتسم له الطبيب ببشاشة وهو يقول :
- الأنسة كويسة يا ظافر بيه ..هي واضح أنها أتعرضت لصدمة دة اللي خلى يجيلها ضيق في التنفس خاصةً انها عندها مرض الربو أصلاً .. بس للأسف هي حالياً وضعها النفسي مش كويس ، ياريت حضرتك تحاول تخفف عنها شوية دة غير ان هي مش واكلة من الصبح ومناعتها ضعيفة ..
قطب "ظافر" حاجبيه لمرضها الذي لم يلاحظه عليها ، أومأ للطبيب مستطرداً بهدوء :
- هي فاقت ؟ أقدر أدخلها ؟
أومأ الطبيب قائلاً بإبتسامة مهذبة :
- أكيد طبعاً أتفضل ..
ليكمل بإبتسامة مهتزة بقلقٍ :
- بس يا ظافر بيه الأنسة في أثار ضرب على وشها .. أنا كنت هبلغ البوليس بس قولت أقول لحضرتك الأول و آآآ
اخرج "ظافر" لُفافة تبغ بنية اللون من جيبته ، أشعلها بقداحته الذهبية و عيناه تراقب الطبيب الذي إزدرد ريقة موجهاً نحوه سهامٍ من النظرات كفيلة بأن تجعله مرتعبٍ ، أقترب منه بخطوات بطئة مدروسة ، أبتسم "ظافر" أبتسامة خفيفة جعلت ذلك الطبيب ينظر بالأسفل ، ليمد "ظافر" كفيه ليمسح على تلابيب قميص الطبيب المسكين ، نفث عبق سيجارته بوجه الأخير ليسعل بحدة ، و بعينان محذِرتنان ونبرة واثقة قال :
- ومين اللي قالك يا شاطر أن ملاذ عليها أثار ضرب .. أنا بقول تخليك في شغلك أحسن عشان تعرف تعيش ..!!!
أمسك "ظافر" بالسيجلرة ليدفنها في كف ذلك الطبيب الذي شهق بحدة ليهتف "ظافر" بسُخرية :
- معلش يا دوك نسيت أن السجاير غلط في المستشفى ..
↚
دفعه "ظافر" من أمامه تاركاً إياه يفرك يده بحدة ، فتح باب الغرفة بطئٍ حذر ليجدها مستيقظة تجلس نصف جلسة على الفراش بينما خصلاتها منسدلة على كلتا أكتافها ، تألم قلبه عندما لاحظ وجنتها الحمراء أثر صفعة ذلك الحقير لها ، يقترب من الفراش ليجلس على طرفه متمعناً النظر بوجهها الطفولي والأنثوي بالوقت نفسه ، عيناها السمراء الشاردة تنظر إلى الفراغ بتعابيرٍ غامضة لم يستطيع تفسيرها ، مدّ كفه لوجنتها الملتهبه ليتلمسها.. وجدها ساخنة كالنار المشتعلة لتبعد "ملاذ" وجهها عن مرمى كفه الدافئ ليعود "ظافر" ويتلمس وجهها قائلاً بأنفعال :
- أثبتي !!!
اقترب منها "ظافر" أكثر مطالعاً وجنتيها بتركيزٌ شديد ، نظرت "ملاذ" إلى عيناه الرمادية التي أختطلت مع لون أخضر طفيف جعلت منهما مزيجاً رائعاً ، تمعنت النظر بوجهه مستغلة فرصة قربه منها بذلك الشكل .. فهي لن يحق لها كثيراً أن تراه بقربٍ هكذا .. لازالت عيناه جذابة كما هي منذ صغره .. دافئة .. رائعة .. قوية ، تغلغلت رائحة عطره الرجولي الجذاب إلى أنفها لتدغدغ روحها لتغمض عيناها ، وحين تلك النقطة أرتفع "ظافر" بمقلتيه قليلا و يطالع حدقتيها المسبلتان .. وجهها البرئ الذي لم يُلطخ بـ مستحضرات التجميل ليصبع ناعم وجذاب ، أنفها الشامخ وثغرها المكتنز الشاحب قليلاً ، عند تلك النقطة أبتعد عنها فوراً كمن لدغته عقرب .. فهو إن لم يبتعد الأن ربما سيفعل أشياء ليست صحيحة بالوقت الحالي
فتحت "ملاذ" عيناها ببطئ لتعود و تنظر أمامها ، برقت عيناها بوميض حقدٍ خالِصاً لتقول بنبرة متوعدة :
- مش هخليه يفلت بعملته !!! هدفعه التمن غالي أوي و أنا و أنت و الزمن طويل يا سالم !!!
وضع "ظافر" كلتا يداه بجيبه ليقول بصوت متحشرج أثر تأثره بقربه منها بتلك الطريقة :
- أنا اللي مش هسيبه وهخليه يتمنى الموت وميطولوش !!!!
- دة حقي أنا و أنا اللي هاخده بإيدي !!!
قالت "ملاذ" بشراسة ليقاطع ذلك التواصل البصري "فتحية" التي دلفت بعينان أمتُلئت بالدموع ، ركضت نحو "ملاذ" لتتلقاها في أحضانها و هي تقول ببكاءٍ :
- تعالي في حضني يا ضنايا .. مين يا حبيبتي اللي عمل فيكي كده !!!
شددت "ملاذ" على عناقها الدافئ لتستريح برأسها على صدرها الدافئ ، مسدت "فتحية" على خصلاتها كالطفلة الصغيرة و هي تقول بقلبٍ أموي مفطور :
- أنا كنت قلقانه من أنك تقعدي لوحدك يا حبة عيني الناس مبترحمش و أنتِ مينفعش تقعدي كدا من غير راجل !!! و بعدين فين خطيبك الزفت اللي أسمه عماد ؟!!
أبتعدت "ملاذ" عن أحضان تلك السيدة الحنون لتضم كفيها محاوطة إياهم و هي تقول بوهنٍ :
- أنا كويسة يا ماما فتحية متخافيش هو معمليش حاجة .. وعماد ميعرفش حاجة عن اللي حصلت .
قالت جملتها الأخيرة و هي تنظر إلى "ظافر" الذي وثب بشموخٍ ، علمت وقتها أنه جمع معلومات كثيرة عنها فلم تتفاحئ أبداً فهي كانت متوقعة ذلك .. "ظافر" ليس باليسير اللعب معه ..
أبتسمت السيدة "فتحية" لتعود شاهقة بعنف ضاربة يدها على صدرها :
- أيه اللي في وشك دة يابنتي اللي أتهجم عليكي هو اللي ضربك كدا ؟!!!!
أسبلت "ملاذ" عيناها بحزنٍ لتعود وتخفيه وراء قناع القوة و هي تقول بمزاحٍ زائف وداخلها حُطام :
- لو كنت فايقاله كنت ردتله القلم عشرة بس حظه أني أغمى عليا عشان مكنتش قادرة أتنفس ..
ربتت "فتحية" على خصلاتها بشفقة لتلتفت و هي تنظر إلى "ظافر" قائلة بوجهٍ بشوش :
- معلش يابني لامؤخذة أنشغلت في ملاذ .. مش أنت اللي كنت معاها لما براءة أختها كانت في المستشفى ؟!!
أومأ "ظافر" دون أن يتحدث لتبادر هي بحنو :
- أنت اللي أنقذتها مش كدا ، ربنا يحميك لشبابك يا بني ومتشوفش حاجة وحشة أوي .. ما شاء الله عليك طول بعرض بجمال وعيون ملونة و آآآ
-خلاص يا ماما فتحية !!!
قالت "ملاذ" بغيظ ليقهقه "ظافر" و هو يرد بلباقة :
- دة من ذوقك يا حاجة ..
• • • •
- يعني هو قالك أنه هييچي ياما طيب ميتى ؟ "أمتى" ؟!!
قالت "ملك" بقلق لتردف والدتها بقلقٍ أكبر :
- معرفش يا بتي والله أنا خايفة على أخواتك قوي .. طب أتصلي أكده بالمستشفى اللي هنا عايزة أسمع صوت مازن يابتي وحشني قوي ...
أشفقت "ملك" على والدتها لتومأ بالإيجاب ، جلبت هاتفها لتتحدث مع مشفى "الهلالي" .. أوصلت الممرضة الهاتف إلى أخيها الذي أستطرد بنبرة فاترة - خير يا ملك في حاجة ؟!!
صرخت "ملك" بفرحة و هي تقول :
- مازن الحمدلله أنك رديت .. أنت بخير يا اخوي ؟!!
أقتربت منها السيدة "رقية" سريعاً لتلتقط الهاتف من بين يداها و هي تُردف بسعادة شديدة :
- مـازن .. وحشتني يا جلب أمـك !!
تنهد "مازن" بحرارة ليتمتم :
- أنا كويس يا أمي متقلقيش و هخرج من المستشفى بكره أو بعدُه بالكتير ..
أنتفضت والدته بحنان أموي وهي تقول :
- بچد يا ضنايا ؟!! أنا هبجى "هبقى" أقول لباسل أخوك يروح يچيبك يا حبيبي ..
أغمض "مازن عيناه و هو يقول بإصرارٍ قوي :
- أنا مش هاجي لوحدي يا أمي .. عاملكوا مفاجأة هتعجبكوا !!! ، أنا هقفل دلوقتي ..
أغلق الخط ولم ينتظر ردّها ليلقي بالهاتف أمامه بغضب شديد ليمسك بذهنه يضغط عليه .. برزت الشعيرات الدموية داخل مقلتيه جازاً على أسنانه كما لو أنه فقد عقله ..
نهض بعنف ليهادمه ذلك الدوار المفاجئ ، أستند على الكومود ممسكاً بمقدمة رأسه ، عاد لإتزانه ليهرول نحو الباب دالفاً إلى خارجها ، سار بخطوات سريعة إلى مكتب مدير مشفى "الهلالي" ليدفع الباب بعنف و عينان يتطايران منهما الشر ، نهض المدير بخوف و هو يقول :
- في حاجة يا مازن باشا أيه اللي خرجك من أوضتك أنت لسة تعبان و آآ ..
↚
أمسك "مازن" بتلالبيبه صارخاً في وجهه بصرامة :
- هــي فـيـن !!!
- مـ .. مـين يا باشا !!!
قال المدير بتلعثم و هو يطالعه بغرابة ، أفرغ "مازن" شحنة غضبه بذلك المسكين ليكور كفه ملكماً إياه ، طُرح المدير أرضاً ليزحف إلى الوراء متمتماً برجاءٍ حار :
- يا باشا قولي بس مين دي اللي بتسأل عليها و أنا هقولك ..
- فـريدة !!!!!
قال "مازن" و هو ينحنى بجزعه قابضاً على عنقه ، لم يكن طبيعياً بالمرّة عندما نُطق أسمها من بين شفتيه ، عيناه محمرتان وأذنبه تنفس عن النيران الكامنة به ، شاش طبي محاوط رأسه ليزيد من الألم الفتاك الذي يشعر به ، أرتجف جسد المدير ليلهث بوجهٍ محتقن :
- فـ فـريدة .. مين يا .. يا باشا سيبني أبوس إيدك !!! ..
نفضه "مازن" من يده ينظر له بتقزز ، وضع الأخير كفه على نحره يحكه بعنف و هو يسعل بحدة ، لم يكن "مازن" يعي ما يحدث .. عيناه غائمتان بشرٍ مخيف :
- مش هسيبها .. فريدة بتاعتي أنا بس !!!!!
• • • •
- كُلي يا حبيبتي الدكتور بيقول انك مش بتهتمي بصحتك كويس ....!!
أدخلت "فتحيه" المعلقة الممتلئة بالحساء داخل فمها رغماً عنها ، ابتعلت "ملاذ" المعلقة بصعوبة قائلة بمزاح :
- حرام عليكي يا ماما أفرضي كنت شرقت و موت دلوقتي ؟!!!
ضربت "فتحية" كتفها قائلة بتوبيخ حاد :
- بس يا ملاذ بعد الشر عليكي من الموت يحبيبتي ..!!!
وقف مستنداً على جدار الباب عاقداً ذراعيه معاً يراقبها بتفرس ، همست شفتيه بخفوت شديد و قد تبدلت ملامحه سريعاً :
- بعد الشـر عليكي !!!
أمسكت "ملاذ" بكف "فتحية" التي تعيد الكرة لتجعلها تأكل رغماً عنها ، همهمت "ملاذ" بإبتسامة بسيطة و عينان قويتان لاتُهزم :
- روحي أنتِ يا ماما فتحية عشان تاخدي بالك من براءة مينفعش نسيبيها لوحدها كدا !!!
فرغت "فتحية" ثغرها للحظة .. بعد ما فعلته "براءة" بشقيقتها و بعد أن جعلتها تخسر عملاً مهم كهذا ما زالت " ملاذ" تفكر بها وبراحتها ، نكست عينان "فتحية" بحزن .. أشفقت بشدة على "ملاذ" ، فرت دمعة هاربة من بين عينان تلك السيدة البسيطة لتحاوط وجه "ملاذ" ترتب خصلاتها المموجة بإثارة و هي تقول بنبرة شارفت على البكاء :
- ربنا يحميكي يابنتي و يخليكي ليا و ميحرمنيش منك أبداً ، متقلقيش يا ضنايا براءة مع واحدة صحبتي من الجيران و بتاخد بالها منها كويس ، وبعدين مين اللي قالك اني هسيبك بس و انتِ في الحالة دي !!
- لاء يا ماما فتحية .. انا عارفة براءة أختي مش بترتاح مع أي حد وهي بتحبك وبترتاح معاكي أنتِ بس ..
تظن أنك تقاوم ذلك الحزن الذي يدفعك على حافة الانهيار .. لكنك في الواقع تنطفئ مع كل بقعة من الحزن تُكئب حياتك لتصبح كالذين قُبضت أرواحهم .. ولكن أجسادهم لازالت تمشٍ على الأرضية ، تتحدث بهدوء .. عيناه توحي قوة ليست باليسيرة ، و لكن داخلها ؟ خالقها وحده من يعلم كم تألمت روحها ، تمنت لو أن تصرخ باحضن إحدهم ، لو أن تُفرغ ما به من حزنٍ مكبوت .. و لكن "ملاذ" ليست الفتاة التي تبكي على أطلال روحها .. هي ليست ضعيفة لتبكي أمام أحدهم ، و لكن ذلك الوقت سيمضي .. سيمضي كما لو كان كـ عبور شاحنه فوق روحك لكنه سيمضي !!!!
- متقلقيش عليا والله .. ظافر معايا .. آآآ قصدي ظافر باشا موجود مش هبقى لوحدي !!!
تعمدت قول أسمه مزيلة ذلك التكلّف المزعج ، و ما أجمل أسمه من بين شفتيها .. و ما أجمل لَفظ أسمه بلسانها ، أكد "ظافر" على حديثها موجههاً كلماته إلى "فتحية" و هو يقول بنبرة واثقة :
- أيوا يا مدام أنا هبقى معاها متقلقيش وروحي لأختها عشان متسيبهاش لوحدها ، دة غير ان الدكتور قال أنها هتمشي ..
- بس آآآ ..
تمتمت "فتحية" بتردد لتقاطعها "ملاذ" بحدة زائفة :
- مافيش بس يا ماما يلا روحي عند براءة هي محتجالك أكتر مني !!!
- حاضر يا قلب ماما فتحية .. لو عوزتي أي حاجة يا حبيبتي قوليلي ..
أومأت "ملاذ" بإبتسامة طفيفة لم تصل لعيناها ..
أقتربت السيدة "فتحية" لتجذب "ملاذ" إلى أحضانها ، تشبثت بها "ملاذ" بقوة تتمنى أن لو تبتعد عن ذلك العناق الدافىٍ الذي رحب بها ، دفنت وجهها بصدرها تمنع حالها بقوة عن الأنهيار تواً ، أوقات كثيرة لا نريد الأنعزال عن العالم .. بل نريد الإنعزال عن أنفسُنا .. عن كل من حولنا .. عن آلامنا وتمزق روحنا .. عزلتنا عن العالم لن تُجدي نفعاً ، نزعت "ملاذ" نفسها من بين أحضانها لتخرج "فتحية من الغرفة لتخبر "ظافر" بضرورة التحدث معه لتتبدل ملامحها إلى الغموض ، ذهبا إلى كافتريا المشفى ليجلسا مقابل بعضهما البعض ، نظرت له "فتحية" و هي تتمتم بتوترٍ :
- أنا عارفة يابني أنك مش فاضي بس انا مش هاخد من وقتك كتير ، أنا مش طالبة منك غير أنك تاخد بالك من الغالية بنت الغاليين دي ، ملاذ ملهاش حد في في الدنيا يا بني أبوها و أمها ماتوا في حادثة من وهي صغيرة و أتربت على إيد واحدة جيرانهم ربنا يباركلها و انا قريبتها .. للأسف يا بني حتى الأخت اللي طلعت بيها "ملاذ" من الدنيا واللي هي براءة اللي بتكرهها جداً ، براءة بتحقد على أختها الكبيرة دايماً وشايفة أن هي سبب اللي هي فيه ، أمبارح سمعت براءة بتتكلم في الموبايل وكانت بتقول أن البنت الجاسوسة اللي محطوطة في شركة "ملاذ" واللي سرقت تصاميم عرض ملاذ و اللي عماد حابسها عنده في المخزن قالت كل حاجة و أعترفت عليها ، لما سمعتها حسيت أن أد أيه ملاذ وحيدة في الدنيا ملهاش ضهر تتسند عليه .. بس أنا عارفة ملاذ كويس مستحيل تبين زعلها قدام حد حتى لو أغلى شخص في حياتها ، أنا كبيرة يا بني وعندي خبرة في الدنيا ونظرات عينك فاضحاك .. وبسهولة أقدر أعرف أنك حبيتها ، خد بالك منها يابني وحياة أغلى حاجة عندك .. ملاذ ملهاش حد يا ظافر باشا خُد بالك منها
↚
• • • •
سار "ظافر" بخطوات سريعة صارمة تكاد تطوى الأرض من أسفله ، إصرارٍ كبير يقفز من عيناه معاهداً أن التراجع ليس من شيمه ، فتح الباب سريعاً ليجدبها لازالت تجلس كما هي تحدق في اللاشئ بعينان شاردتان ، وبدون مقدمات أقترب من الفراش ليقف أمامها واضعاً كِلتا كفيه بجيبه ليسطرد بنبرة جهورية :
- تتجوزيني ؟ !!!!
تعلقت عيناها بعيناه ليجريا حديثاً دون أن يتحدثا ، لا تعلم لما داهمها شعور بالندمٍ ، ندم على ما فعلته .. ندم على أنها جعلته يتحمل ما لا ذنب به ، ما فعلته التي من المفترض شقيقتها كان بمثابة خنجر أستقر بين أضلُعها ، هي تكرهها بل وتحاول تخريب حياتها متحججه بأنها السبب بما حدث من شللٍ لقدميها ، ندمٍ تلبسها عما سيحدث بها بعدما يكتشف أنها لم تكن سوى نصابة لعينة دلفت لحياته وحياة غيره كثير لتدمرها لهم ، هي ليست بذلك السوء .. ولكن أحياناً ما تجبرك الحياة على أفعال ليست من شيمك ، و هي تلك الطفلة التي أُجبرت قسراً على تحمل ما لا طاقة لها به ، تلاقت عيناه الزيتونيه بعيناها البندقية ، تلك العينان الدافئتان التي لطالما لم تفارق ذهنها منذ الخامسة من عمرها ، و لأول مرة يتسرب لها إحساسٍ بذلك الخوف الذي جعل جسدها يرتجف من الداخل ، لم يكُن خوفاً منه ، بل خوفاً عليه عندما يعلم بما خطت له و هو الذي أنقذها من بين براثن "سالم" ، خائفة من الخزى الذي سيشعر به و عيناه التي تطلق حباً جماً موجهاً لها يُخفيها بـ ظلام عيناه وذلك الجنود القاطن بهما ، ثُبِتت عيناها على عيناه تتمتم بنبرة باردة عكس ما يجيش بصدرها :
- ليه و أنت متجوز أصلاً ؟!!!
جلب ذلك الكرسي ليجلس أمام فراشها ثم وضع قدماً على الأخرى و هو يقول بنبرة صادقة واثقة :
- بصي يا ملاذ .. أنا مش بحب اللف والدوران ، بصراحة أنتِ عجباني ، سيدة أعمال ليها أسم كبير في السوق ومصممة أزياء شاطرة وموهوبة ، و الأهم من دة كله شخصيتك قوية و الراجل القوي لما بيبقى عايز يتجوز بيختار مراته تبقى قوية زيه لأن الراجل الضعيف هو بس اللي بياخد واحدة ضعيفة عشان يفرض شخصيته عليها و يذلها عشان عنده نقص ومن جواه عارف أنه ضعيف فـ بيعوض النقص فيها ، و كمان أنتِ جمالك جذاب جداً ، وحكاية متجوز دي مريم جدعة بس أنا متجوزها من زمان وكان بالغصب لما كنا أنا وهي صغيرين ، دة غير أن هي مش بتخلف روحنا لدكاترة كتير جوة وبرا مصر كله قال أن أحتمالية أنها تخلف ضعيفة جداً ، وصدقيني العيلة كلها عايزاني أتجوز يعني لما تبقي مراتي هُما هيفرحوا وهيحبوكي جداً .
رُغم حديثه الذي لمس قلبها ، ولكن نبرته باردة تجعلها تشعر بالصقيع يرجُف جسدها ، ولكن عند النظر إلى عيناه تتبخر تلك البرودة للتيقن أن كل هذا ترهات .. و أنه سيتزوج بها لأنه يحبُها منذ صغره ، منذ أن حملها وهي طفلة بين ذراعه غير مبالٍ للعقاب القاسي الذي سيتخذه أبيه بحقه ، رفعت أنظارها له و هي تردف :
- بس أنا قدام الناس والصحافة مخطوبة من عماد .. حتى لو كان كذب و أنا عملت كدا عشان المصيبة اللي كان فيها بس آآآ ...
أحتدت عيناه كالصقر ليعقد يداه معاً آخذاً حيز صغير من الكرسي الجالس عليه منحني بجزعه العلوي للأمام و هو يقول بتحذيرٍ :
- لما تبقي على ذمتي متجبيش أسم راجل تاني على لسانك ، عماد اللي بتقولي عليه دة زي مـ أعلنتوا خطوبتكوا في الجرايد و على التلفزيون هتنهوها من غير شوشرة .
قطبت حاجبيها تنظر له بحدة :
- أنت بتتكلم معايا بصيغة الأمر ليه ؟!
أغمض عيناه يحاول التحكم بأعصابه ليفتحمها مجدداً وقد نهض و هو يستطرد :
- تحبي نكتب الكتاب أمتى وبعدين نبقى نعمل الفرح ؟
ضيقت عيناها تنظر صوبه و هي تهتف بتساؤل :
- هو الفرح هيبقى هنا ولا في الصعيد ؟!!!
ردّ بإيجاز :
- هنكتب الكتاب هنا انا وانتِ والشهود على الضيق و بعدين هنعمل الفرح في الصعيد .. و أنا رأيي نسرع بقا ويبقى الخميس دة اللي هو بعد بكرة نكتب الكتاب واللي بعده الفرح ..
أنزوى ما بين حاجبيها و هي تقول :
- بس كدا بدري أوي !!!
- مافيش حاجة نتأخر عشانها !! ، قولتي أيه ؟
- أديني فرصة أفكر دة جواز مش سلق بيض !!!
أبتسم "ظافر" ملء فمه و هو يقول بثقة و إعجابه بها يزداد كل لحظة :
- مش قولتلك ذكية !!! حاضر يا ملاذ
ثم أكمل و هو يستعد للخروج من الغرفة قائلاً :
- أنا هشوف الدكتور لو حالتك تسمح أنك تخرجي النهاردة .. أنتِ بقيتي كويسة صح ؟ حاسة بحاجة ؟
هزت رأسها بالنفي تُخفي عنه يدها التي تحاوط معدتها أسفل تلك الملاءة البيضاء و قسمات الألم التي أزالتها من على وجهها ببراعة ، اومأ بشكٍ ليخرج من الغرفة ، نهضت "ملاذ" سريعاً وقد تصبب العرق من على جبينها تنحنى بجزعها للأمام و الألم لا يُحتمل لتعُض على شفتيها بقوة كادت أن تُدميها ، أتجهت نحو المرحاض سريعاً لتسمع صوت باب الغرفة يُفتح مجدداً فقد جاء لأخذ هاتفه ، وجد الأخير الغرفة فارغة ليسمع صوت أنين ألم ينبعث من المرحاض جعل قلبه ينخلع من مكانه ، أتجه للمرحاض بخطواتٍ سريعة ليجدها تقف بالحوض تُفرغ ما بمعدتها ، أقترب منها "ظافر" سريعاً ليبعد خصلاتها عن وجهها يُربت على ظهرها ثم قام بغسل وجهها بلطفٍ شديد ، قرّبها منه يحاوط خصرها و عيناها الواهنتان تحدقان به .. أستندت على صدره شبه محتضنة إياه ، أخفى جسدها الصغير بذراعيه اللذان حاوطا خصرها ، هدئها "ظافر" و هو يضع رأسها على كتفه يمسح على خصلاتها لتستقر شفتاه بجانب أذنها يهمس بصوته الدافئ قائلاً بلطفٍ :
- أهدي خلاص مافيش حاجة ، تعالي أرتاحي على السرير و أنا هجيبلك دكتورة غير الدكتور دة ..
بدأ جسدها بالتراخي بين يداه مغمضة عيناها بإرهاق ، ليضع ذراع أسفل ركبتيها والأخر عند ظهرها ، تشبثت به "ملاذ" تحاوط عنقه لتغفى على صدره ، أقترب من الفراش يضعها عليه برفقٍ شديد و كأنها ماسة غالية يخاف أن تُخدش ، مسد على خصلاتها و هو يتمتم بنبرة خافتة حتى لا تسمعه :
- هجيبلك دكتورة عشان مش مستحمل أن راجل يقرب منك !!!!!
• • • •
سُلِط ضوء الشمس المتوهج على عيناها ، أغمضت "رهف" عيناها لتضع يداها على وجها لتمنع ضوء الشمس من التسلل لعيناها ، وجدت يده تحاوط خصرها وظهرها ملتصق بصدره ، ناهيك عن رأسها التي تنام على ذراعه المعضل القاسي ، ألتفتت له و هو لازال يشدد على خصرها مانعاً إياها من مجرد التفكير بالنهوض ، حاولت نزع يده ولكنها كانت كالحديد و هي المغناطيس الذي يجذبها ، أرتفعت بأنظارها تحدق في وجهه الرجولي البحت ، و ذقنه الخفيفة التي زادته وسامة ، تمنت لو أن تكتم نبضات قلبها التي علت من رؤيتها له نائم كالطفل بتلك الطريقة ، أرتفعت بأنظارها أكثر لتتسلل أبتسامة على وجهها لخصلاته المشعثة ، تمنت لو أن تظل باقي حياتها بين ذراعيه تحدق به فقط وهي تجزم أنها لن تمل ، تذكرت ما قالته له البارحة و بكائها بأن يظل جوارها ، كلما تتذكر زوج والدتها ينتفض قلبها من بين أضلعها ، أدمعت عيناها لتكتم شهقاتها حتى لا تُزعجه واضعة كفيها على فمها ، فتح "باسل" عيناه بنعاس عندما شعر بجسدها ينتفض بين يداه ، نهض نصف نهضةٍ مفزوعة عندما رأى الدموع تفيض على وجنتيها بجسدٍ مرتعش ، أسند بكفه على الفراش والأخر أخذ مكانه لوجنتيها يمسح دموعها مردداً بقلق و حالتها جعلت قلبه ينتفض فزعاً :
- مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه ، حاسة بحاجة في حاجة بتوجعك ؟!!
↚
لم تُزيدها رقة كلماته و كلمة "حبيبتي" التي خرجت من بين شفتيه بعفوية سوى البكاء أكثر و بحُرقة أكبر ، لم تكن وحدها تبكي .. قلبه أيضاً قد أدماه البكاء عليها ، أستلقى على الفراش جاذباً إياها في أحضانه لتدفن "رهف" وجهها بصدره متشبثة بكنزته بأقوى ما لديها تردد بهلعٍ مفاجئ :
- أنا خايفة ، خايفة منه أوي !!!!
أشتعلت حدقتيه ليمسح على ظهرها يهدهدها مردداً بعنف :
- خـايفة منه ليه ؟ أروح أخلصلك عليه دلوقتي وأخليه جثة عشان متعيطيش بسببه كدة !!!!
أنتفض جسدها لتتشبث به أكتر متمتمه وهي تنفي برأسها بقوة مرددة :
- متوديش ن .. نفسك في داهية عشانه ..!!!
أبعد وجهها عنه ليمسح على وجنتيها بأنامله الخشنة قائلاً بهمس أمام شفتيها :
- أنا مستعد أرمي نفسي في النار عشانك ، مش عايز أشوفك بتعيطي كدة مرة تانيه عشان مروحش أقتله بإيدي دلوقتي ويبقى أنتِ السبب ..
هزت رأسها بقوة ليقترب "باسل" بثغره مقبلاً مقدمة رأسها ، أغمضت "رهف" عيناها لينزل "باسل" بشفتيه مقبلاً عيناها المسبلتان برقة جعلتها تذوب بين يداه ، قبّل وجنتيها وكل أنش بوجهها ، لتستقر عيناه على شفتيها التي ترتعش ، عاد بنظره لعيناها المفتوحتان و هو يهمس بتفهمٍ يحاول كبح مشاعره وكل ذرة بداخله تنتفض مطالبة إياها :
- رهف قوليلي لو أنتِ هتضايقي أنا هبعد و آآآ
نفت برأسها بخجلٍ شديد منكسة ببصرها بوجنتين مشتعلتان ، جحظت عيناه غير مصدقاً ليندفع مطبقاً بشفتيه على ثغرها يقبلها بمزيجٍ بين الشغف والعنف المحبب .. ليغرقوا في بحور عشقهما فتصبح زوجته أمام الله ..
• • • •
قامت بدس المفتاح في باب شقتها المهترئ بإرهاق ، وجدت الشقة كالعادة يسودها الظلام ، رمت بحقيبتها تجلس على المقعد بوهن و هي تتمتم مع حالها :
- هقعد أرتاح شوية وبعدين هجيب يزيد من عند أم بطة ..
جحظت عبناها بقوة حتى كادتا أن يخرجا من محلهما عندما صدح صوتٍ رجولي يرد بتهكم :
- متقلقيش يزيد في الحفظ والصون !!!!
نهضت "فريدة" بهلع لتشعل الأضواء ، خرجت شهقة عالية منها عندما وجدت أخيها نائماً على قدم ذلك متحجر القلب الذي صوّب مسدس ناحية رأسه ، أنسابت دموع "فريدة" و هي تشعر بروحها تُنزف ببطئ مؤلم صارخة به :
- أنـت عملت فـيه أيــه !!! ودخلت هنا أزاي رد عليا
أشار لها "مازن" بأن تصمت واضعاً المسدس أمام فيهِ و هو يهمس بسُخرية :
- شششش أهدي يا فريدة عشان متقلقيش دودي وتصحيه من النوم ..
ركضت "فريدة" نحوه تُبعد ذلك المسدس عن رأس أخيها لتغرسه بقلبها و هي تمسك بيده على المسدس قائلة بعينان حمرواتين و نبرة هالكة :
- أقتلني أنا .. اقتلني و ريحني بس بلاش يزيد !!!!
أبعد "مازن" رأسه أخيها من على قدمه ليسندها على الأريكة ، نهض يقف قبالتها و هو ينظر إلى يداها الناعمه التي تشتد على يداه ، عيناها التي لمعت بهما دموع حزينة جعلت قلبه يرتجف لوهله ، أخفى الشفقة عليها يجمود ليقترب منها ، وجهها قبالة وجهه وعيناه السوداوية تحدق بعيناها الحزينة :
- هتجوزك .. هكسر مناخيرك و هعلمك الأدب هخليكي تدفعي تمن القلم اللي أدتهولي و مش هرحمك ، وهعرفك قيمتك وأنك ولا حاجة يا فريدة ، وياريت متعيشيش في دور الشريفة كتير مش لايق عليكي بصراحة ، أنا اللي بعوزه باخده حتى لو بالعافية ..
صمت قليلاً يطالع عيناها التي جحظت بصدمة لتعتلى عيناه خبثاً كبيراً و هو يجذبها من خصرها نحوه :
- و لا أقولك بلاش جواز ، أنتِ متستاهليش أنك تشيلي أسمي .. أنتِ واحدة رخيصة و أنا هتعامل معاكي على الأساس دة !!!!
وبلحظة كانت ينزع المسدس الفارغ من الطلقات من بين يداها ليُلقيه على الأريكة ، جذبها من مؤخرة عنقها ليهجم على شفتيها بعنف ، لم يكتفي بذلك فقط بل أخذت يداه تستبيح جسدها ما لا حق له به ، كانت لمساته بمثابة النيران التي تحرقها ، أخذت تضربه بصدره لتنساب دموعها على وجنتيها من ذلك الأذى النفسي الذي تتعرض له و لمساته القذرة تكوي جسدها ، أبتعد "مازن" عنها ليمسح الدماء التي تنزف من شفتيها بصدرٍ يعلو ويهبط ، و بأنفاس لاهثة ردد بقسوة :
- تحبي نكمل اللي كنا بنعمله و لا أجيب المأذون و أكتب عليكي دلوقتي حالاً !!!!
- ماشي .. ماشي بس متعملش فيا كدا !!!!
قالت بأنفاس متقطعه ونفس تمنت لو أن ينقطع !!!!!
• • • •
النيران تأكلها و تلهب روحها ، منذ أكثر من ساعتين تهاتفه ولكن دائماً ما تقول تلك البلهاء أن الهاتف مغلق ويرجى إعادة الأتصال في وقتٍ لاحق ، قلبها يخبرها أن شئ سئ قادم في الطريق ، نزلت إلى أسفل لتجد السيدة "رقية" تصلي بخشوعٍ ، كتفت "مريم" ذراعيها تطالعها بحدة ، أنتهت الأخيرة من الصلاة لتصيح بها "مريم" بوقاحة و لم تراعي كبر سنها :
- جاعدة ولا على بالك ولادك التلاتة مختفيين محدش يعرف هما فين !!!
نظرت لها السيدة الوقورة بهدوء قائلة :
- أنا كلمت "ظافر" و أطمنت عليه وجالي أنه بخير و باسل معاه هبياتوا في شقته اللي في المعادي ، و مازن چاي بكرة بإذن الله .. أهدي أنتِ بجى !!!
نظرت لها "مريم" بإستخفاف لتستطرد بحدة :
- وليه سي ظافر مكلمنيش وموبايله مقفول ، ليه يكلمك أنتِ وميكلمنيش هو ناسي أنه متچوز !!!
نهضت السيدة "رقية" لتقترب منها متعمدة إغاظتها :
- و هو أنتِ حسستيه أنه متچوز .. دة حتى العيل اللي نفسنا فيه مش عارفة تچيبيه !!!
و كأنها صبت البنزين على النار لتجأر بها بحدة :
- أتكتمي يا ولية يا خرفانه أنتِ !!!
شهقت الأخيرة تضرب يدها على صدرها قائلة بعدم تصديق :
- أنا خرفانه يا بنت المركوب !!!! طب تعالي بجى !!!
↚
صفعتها "رقيه" بقوة لتقع "مريم" على الأرض ، جاءت "ملك" على صوتهما لتتفاجأ بما رأته ، وقفت بينهما لتفصل والدتها عن "مريم" التي نهضت تنظر لها بحقدٍ قائلة :
- هدفعك تمن القلم دة غالي قوي قوي يا حماتي !!!!
ثم ذهبت نحو غرفتها تداري وجنتها المشتعله ، نادت "رقية" على الخادمة آمرة إياها بأن تصنع أشهى و أطيب الماكولات لعودة فلذة كبدها الصغير غداً ، مُلئ البيت بالزغاريد الفرِحة لعودة"مازن" القريبة
• • • •
و بالفعل جلب "ظافر" طبيبه بدلاً من ذلك الأبله ، فحصتها الطبيب لتلتفت إلى "ظافر" الذي ينصت لحديثها بإنتباه :
- الأنسة كويسة يا ظافر باشا هي بس محتاجة راحة و واضح أن نفسيتها سيئة و بخصوص الخروج فـ هي ممكن تخرج النهاردة حالتها مستقرة بس ياريت الأهتمام بصحتها وبأكلها شوية .. عن إذنك ..
توجه "ظافر" ناحيتها يجلس أمامها على طرف الفراش لينظر إلى وجهها المرهق المهموم ، و الخوف الكبير بعيناها التي تحاول إخفاءه وراء قوتها و هالة الجبروت التي تحيط بها ، مدّ كفه يمسح على خصلاتها المموجة و كأنها طفلته الصغيرة ليسأل بلطفٍ :
- مالك ؟!!!
أغتصبت أبتسامة على وجهها و هي تتمتم بكذب :
- أنا كويسة ..
- كدابة !!!
قالها بحدة طفيفة فـ أكثر شئ يكرهه الكذب ، أستلقت "ملاذ" على الفراش لتضع يداها أسفل وجهها قائلة بإرهاق :
- أنا نعسانه و عايزة أنام ..
ضغطت على شفتيها مذبذبة لا تعلم أتطلب منه ذلك الطلب أم لا .. حسمت قرارها أخيراً و هي تنظر له قائلة بتردد :
- هو أنا ممكن أطلب منك طلب ؟!!
أبتسم "ظافر" مجيباً بترحاب :
- أكيد ..
- ممكن تمسحلي على شعري زي مـ بابا كان بيعمل لما كنت صغيرة ؟!!!
أبتسمت عيناه قبل ثغره ليقترب منها أكثر ، و بالفعل أخذ يمسح على خصلاتها الحريرية بحنو لا يظهر إلا لها ، أغمضت "ملاذ" عيناها لتغرق بالنوم تحت دفء كفه ..!!!
• • • •
جلب "مازن" المأذون وبعضٍ من أصدقاءه ليشهدوا على تلك الزيجة ووالد احد اصدقائه ليكون وكيلها ، نبض قلبها بعنف عندما أمسكت بالقلم بيدٍ مرتعشة ، عيناها زائغة تريد أن تصرخ بأنها تتمنى الموت دون أن تصبح زوجته ، و بالفعل نهضت تحاول إجتناب نظراته النارية التي تحرقها ، ارتجفت شفتيها و هي تتمتم بنبرة مهتزة :
- أنا .. أنا داخله أشرب !!!!
ثم ركضت من أمامهم نحو المطبخ ، أستندت على الثلاجة بأنفاسٍ لاهثة و عينان أرتفعت إلى خالقها تنجوه هو الوحيد الذي سينتشلها مما بها ، كتمت شهقة باكية كادت أن تخرج بكفيها عندما وجدته أمامها ، قبض "مازن" على رسغيها ليلويهما أسفل ظهرها جاعلاً من جسدها ملتصق بجسده ، تصبب وجهها عرقاً لتلتصق بعض الخصلات القليلة بجبهتها ، و قبضته على رسغيها جعلتها تغمض عيناها من فرط الألم التي تشعر به !!
- لما أكلمك تُبصيلي !!!
هزت رأسها بعنف رافضة تماماً أن تفتح عيناها ليمسك بها من كتفيها ضارباً بظهرها بالثلاجة صارخاً بها بنبرة جعلت معدتها تتقلص خوفاً :
- بـقـولك لمـا أكلمك تُحطي عينك في عيني ..
فتحت عيناها وليتها لم تفعل ، نبض قلبها برعبٍ تحدث بوجهه عن كثب ، عيناه النارية و وجهه المشتنج و فكه الذي ينبض بغضب و جبهته الملتفة بشاش طبي ، لم تعد تشعر بأطرافها و لم تقوى حتى على الوقوف ، لو أنه لم يمسك بها بذلك العنف لكانت سقطت على الأرضية بقدمتان هلاميتان ، أمسك "مازن" بخصرها وباليد الأخرى تمسح دموعها الملتهبة لتزداد وجنتيها إلتهاباً وكأن أنامله نيران تهشم روحها لتتركها رُماداً منثوراً :
- أمسحي دموعك يا حلوة ، وياريت توفريهم بعد مـ اللي برا يمشوا ، مش عايزهم يفتكروا أنك مغصوبة على الجوازة ولا حاجة ..
أكمل ممسكاً بفكها حتى كاد أن يهمشمه :
- أنا خيرتك وقولتلك أخُد اللي عايزه منك بجواز شرعي و لا تبقي زيك زي أي فتاة ليل هاخد اللي عايزه و أرميكي في أقذر صندوق زباله و أنتِ متأكدة أني أقدر أعمل كدا !!! لسة الأختيار قدامك أنا مستعد أمّشي المأذون والناس كلها دي دلوقتي حالاً !!!
نفت برأسها بقوة و هي تقول و قد أنهمرت في البكاء :
- لاء خلاص .. خلاص همضي بس أرجوك أخويا نايم و لو صحي وشافني بالحالة دي هيتعب ..!!
↚
حاوط وجنتيها قائلاً بإستهزاء لاذع :
- متخافيش يا حبيبتي و متعيطيش أنا مش بستحمل أشوف دموع التماسيح دي في عينك !!!!
ثم قهقه بصوت عالٍ ليصفع وجنتيها بخفة :
- يلا يا مراتي عشان المأذون ميستناش أكتر من كدا ..
جذب يدها بقوة جاراً إياها كالشاه ، جلست "فريدة" محلها مجدداً لتلقي نظرة على أخيها الذي لم يُكمل السبع سنوات غارقاً بالنوم على الأريكة ، خطت بالقلم على ورقة إعدامها شنقاً ..
أستقبل "مازن" المباركات بإبتسامة مغتصبة ، خرجوا جميعاً من الشقة ، ظلت "فريدة" محدقة بالفراغ بشفتين منفجرتين ، وقف "مازن" قبالته يجأر بأمرٍ محتوم :
- يلا عشان هنمشي من هنا !!!
نظرت له "فريدة" بصدمة قائلة :
- نمشي نروح فين !!!!
- مش عايز أسألة كتير .. تمشي معايا و أنتِ ساكتة !!!
قال "مازن" بحدة لتنظر "فريدة" إلى "يزيد" قائلة و هي على مشارف البكاء :
- طب و يزيد !!!
أشاح بيداه قائلاً بلا مبالة وقلبٍ متبلد :
- أرميه في أيه نيلة وديه عند جارتك اللي كنتي سايباه هناك !!!
- أنت مستحيل يكون عندك قلب !!!! مستحيل ..!
هتفت "فريدة" بلا تصديق و هي تعود للوراء ، تأفف "مازن" بغضب ليصرخ بها :
- م تنحزي يا ماما لسة هتعمليلي فيها شُغل الصعبانيات دة !!!!
نظرت به بكرهه حقيقي نابع من قلبها ، و قبل أن تخطو خطوة واحدة تمتمت :
- مش همشي قبل مـ تقولي دخلت هنا أزاي و أزاي ام بطة أدتهولك كدا بسهولة !!!
نظر لها "مازن" لتزحف إبتسامة خبيثة على ثغره و هو يقول بنبرة ماكرة :
- مع أن محدش يتشرط عليا عشان ممكن بسهولة أشيلك واحطك في عربيتي .. بس أنا هقولك ياستي ، بإختصار لما مشيت من المستشفى عرفت عنوانك و أنك بتسيبي أخوكي مع جارتكوا عشان بتثقي فيها و كل ده عرفته من مصادري الخاصة ، فتحتلي الست دي قولتلها أني خطيبك و أني عايز أعملك مفاجأة وقولتلها اننا هنكتب الكتاب النهاردة ، و طلبت منها يزيد و هي عشان ست كريمة أدتني كمان النسخة اللي سيبهالها من مفتاح بيتك عشان لو يزيد أحتاج حاجة من هنا ، خدت أخوكي وشربته منوم في العصير وبس ، عارفة أنا بحكيلك ليه ؟ عشان تعرفي أني لما بحُط حاجة في دماغي بعملها و أني حطيتك في دماغي خلاص يا فريدة !!!!
نفت برأسها تعود إلى الوراء أكثر و هي باتت تعلم أنه ليس شخص طبيعي أبداً ، أرتجف جسدها بأكمله وقد شعرت بخطورة ما سيحدث بها ف قررت أن تُسايره حتى لا تغضبه ، حملت أخيها بين أحضانها تقبل كل أنش بوجهه و دموعها بللت وجهه ، مسحت على خصلاته الناعمه لتلتفت إلى مازن الذي ينظر لها كالصقر و هي تقول :
- هروح أوديه عند جارتي ..
- أسـتـني !!!
زمجر بها بحدة ليمسكها من ذراعها مقرباً إياها منه و هو ينزل برأسه ليصبح مقابل لوجهها الطفولي قائلاً بتحذير :
- إياكي تجيبي سيرة لحد على اني اجبرتك ، أنا ممكن في 5 دقايق أخلي سمعتك ف الشارع دة أوسخ من أوسخ جزمة واقولهم ان انتي االي آآآ ..
بترت عبارته وهي تنفض يدها عنه ناظرة له بتقزز قائلة بملامح ممتعضة :
- أنا بكرهك وبكره النفس اللي بتتنفسه !!!!
أرجع رأسه إلى الوراء ليضع أحد كفيه في جيبه والأخرى يعبث بخصلاتها قائلاً بسُخرية :
- صدقيني مش أكتر من كُرهي ليكي ، يلا روحي و أعملي اللي أتفقنا عليه .. ولا تحبي أجي معاكي وأقولهم أنك بقيتي مراتي خلاص ؟!!
أبعدت رأسها عن مرمى يداه وهي تهز رأسها بعنف قائلة برجاء :
- لاء بالله عليك متقولش حاجة دلوقتي ، أقف هنا و أنا هديلها يزيد وهاجي معاك و هعملك اللي أنت عايزة بس بلاش سُمعتي تبوظ أرجوك الناس هنا مش بيرحموا !!!
إلتوى ثغره بخبث كالشيطان و ربما ألعن ، ليسطرد بتهكم :
- ماشي يا ست الشريفة أنا واقف هنا ومراقبك عشان متلعبيش بديلك و كويس أن باب جارتك دة جنبك هنا ...
أومأت ببطئ لتخطي خطوات بطيئة ، هي حتى لم تعد تستطيع حمل نفسها كيف لتحمل أخاها أيضاٌ ، لا تصدق أن حياتها ستتدمر بعد دقائق معدودة ، أتجهت نحو منزل جارتها لتطرق الباب ببطئ ، فتحت لها سيدة بدينة الجسد ذات وجهٍ بشوش لتقول مرحبة :
- يا أهلاً وسهلاً بـ فريدة ويزيد ، دة خطيبك لسة واخده مني من شوية عشان المفاجأة اللي هيعملهالك ..
ثم أكملت و هي تنظر للسقف بحالمية :
- يارب أرزق بطة بنتي بواحد قمر وطول بعرض و حليوة زي خطيبك يابنتي ما شاء الله عليه ربنا يخليكوا لبعض ..
تأفف "مازن" بالداخل لثرثرتها كحال "فريدة" التي بدأت قدميها تخور لتخبر جارتها سريعاً و هي تمد لها يدها بـ "يزيد" قائلة بنبرة واهنه :
- معلش يا أم بطة خلي يزيد عندك النهاردة و بكرة الصبح هاجي أخده منك عشان طلع عندي نبطشية سهر بس هخلصها وأجي أخده ..
ألتقطته الأخيرة قائلة بحب لذلك الصغير و حنو أموي :
- طبعاً يا حبيبتي دة يزيد دة حتة سكرة لما بتيجي تاخديه بزعل أوي والله ، ربنا يقويكي يابنتي على الشغل بس هو عينك حمرا ليه أنتِ معيطة يا حبيبتي ولا حاجة قوليلي دة أنا زي والدتك الله يرحمها ..
↚
تمنت أن ترتمي بأحضانها لتبكي من هنا إلى الغد ف هي بالفعل بمثابة والدتها ، و لكن نظرت بطرف عيناها إلى "مازن" الذي يقف مراقباً إياها ، نظر لها بنظرة جعلتها لا تحاول حتى أن تفكر بما يجول بعقلها الأن ، رسمت إبتسامة زائفة على وجهها لم تصل لعيناها و هي تقول بوهنٍ :
- لاء يا أم بطة متقلقيش أنا بس نعسانه شوية ولما هروح المستشفى هنام ..
أومأت جارتها مودعة إياها و هي لا تستطيع إزاحة نظرها من على أخيها الصغير ، أغلقت "أم بطة" الباب ليتجه "مازن" صوبها بعينان لا تنتوي خيراً ، جرّها وراءه بعنف حتى كادت أن تنزلق من على الدرج و لكنه لم يعبأ ، خرجا من المبنى المتهالك ليفتح لها الباب دافعاً إياها داخل السيارة ، نظرت له "فريدة" بغضب صارخة و عيناها متعلقة به و هو يلتفت ليجلس خلف المقود :
- أنت بتجر بهيمة مـ براحة ..!!!!
أستشاط غضباً ليلتف و هو يصر على أسنانه بحدة رافعاً سبابته بوجهها :
- متصرخيش ومش عايز أسمع نفسك لحد مـ نوصل شقتي !!!
عقد ذراعيها أمام صدرها و هي تسبه بصوتٍ خافت :
- حيوان و وقح !!!!
لم يمسعها "مازن" لبنظر لها قائلاً بتساؤل حاد :
- بتبرطمي بتقولي أيه ؟!!!
نظرت له بتوترٍ لتقول بنبرة مهزوزة :
- مبقولش حاجة ممكن نمشي بقا ؟!
• • • •
فتحت عيناها المغرمة لتلتفت جانبها تنظر له بخجل شديد أكتسى حُمرة وجهها ، كان هو بدوره سانداً رأسه على كفه يحدق بوجهها عن قرب متلاعباً بخصلاتها ، أبتسامة جذابة تشق وجهه معطية إياه مظهر وسيم ، نكست "رهف" أنظارها أرضاً و هي تردف بنبرة مذبذبة :
- أنت بتبُصلي كدا ليه ؟!!
دفن وجهه بعنقها يشتم عبق خصلاتها برائحة اللافندر المنعشة و هو يهمس :
- أنا شكلي كدا حبيتك !!!!
جحظت عيناها ليتسمر جسدها و هي بيعده قائلة بذهول :
- أنت قولت أيـه !!!!
أمسك بكفيها يعانقهما بخاصته ليقبلهما قبلات رقيقة و هو يقول بصدقٍ نابع من صميم قلبه :
- أنا بحبك يا رهف .. يمكن الأول كنت بكرهك بس في حاجة بتجذبني ليكي ، لما بشوفك بتعيطي بحس أني مخنوق و عايز أكسر راس اللي خلى دموعك تنزل حتى لو كنت أنا ، وعد مني مش هخليكي تزعلي أبداً يا حبيبتي ..
أسند جبهته على جبتها مغمضاً عيناه كنا فعلت هي يداعب أنفها بخاصته ، أغرورقت حدقتيها بالدموع لتحاوط وجهه بأناملها تحدق به بسعادة غامرة ، لثم "باسل" شفتيها يبث بها عشقه اللامحدود لها و هي مستكينة تماماً بين ذراعيه ، صدح هاتفه برنين مزعج له .. نهض "باسل" ممسك بهاتفه الموضوع على الكومود ليضعه على أذنه مزمجراً بأخيه "ظافر" بحدة :
- في أيه يا ظافر حد يرن على حد و هو في شهر العسل !!!
- باسل أسمعني ..
لم تكن نبرته مازحة أبداً لينهض "باسل" و هو يخرج من الغرفة قائلاً بإنصات تام :
- في أيه ؟!!!
- لما كلمت مدير الجريدة الو*** اللي نشر الخبر دة قالي أنه اللي وصل الخبر مراتك يا باسل .. رهف !!!!!
يديه مكبلة خلف ظهره ، شفتيه تنزف بدماءٍ جافة يححبها ذلك الشريط الذي أطبق علي ثغره ، وجهه مكدوم يغلب عليه اللون البنفسجي و خصلاته المشعثة ، رأسه عائدة إلى الوراء مغمضاً عيناه بإرهاق ، دلف "ظافر" بخطوات بطيئة يتلاعب بأعصابه ممسك بلُفافة تبغ ينفث داخنها بنظرة ثاقبة ، أطرق بأصبعيه ليلقي ذلك الرجل ذو الطول الضخم بدلوٍ ماء بارد على جسد ذلك الملقي ، شهق "سالم" بحدة وقد تجمدت عيناه بفزع على "ظافر" ، نظر له "ظافر" بقتامة جعلت فرائصه ترتعد ، أرتجف جسده بالكامل و هو يلصق ظهره بالكُرسي و بنبرة راجية مرتجفة قال :
- يا ظافر باشا أرجوك .. صدقني مكنتش أعرف ان ملاذ تخصك !!!! و آآآه !!!!
لكم "ظافر" فكه بقوة جعلته يتآوه ألماً ، سال خيط رفيع على ذقنه ليبصق "سالم" دماً ، نظر له "ظافر" بعيناه الحادة ، شد على خصلات "سالم" للخلف حتى كاد أن يقتلعهما من جذورهما ، حدقتيه تطلق شراراً مصوباً تجاه ليسترسل بفكٍ مشتنج :
- أسمها ملاذ هانم يا زباله ، و إياك تجيب سيرتها على لسانك ال*** دة تاني ..
نزل ببصره ليحل عقدة كفيّ ذلك الأخير ، ضغط عليهما "سالم" يفركهما بألم ، نظر له "ظافر" بقتامة و هو يُردف بنبرة سوداوية :
- فين أيدك اللي أتمدت عليها .!! اليمين ولا الشمال !!!!
أحتضن "سالم" كفيه إلى صدره يقول برجاء باكٍ :
- خلاص يا باشا و حياة أغلى حاجة عندك !! غلطة و مش هتتكر أنا أسف !!!! ، أبوس رجلك !!!
نظر له "ظافر" بتقزز ليمسك بتلابيبه يربت عليهم بهدوء ثلجي :
- مـ أنت لو مقولتليش دلوقتي يا حيلة أمك هكسرلك الأتنين و أستعوض ربنا فيهم بقا !!!!
نظر "سالم" له ، يعلم أنه لا يمزح و لن يتراجع عن كسر يداه بل و تأديبه لما فعل ، أرتجفت يداه اليُمنى و هي تمتد إلى ظافر" ، أمسكها"ظافر" وبلمح البصر كان يلويهما بقوة جعلت "سالم" يُقسم أنه سمع أحتكاك أضلُعه ببعضهما البعض ، صرخ"سالم" بكل ما أوتى من قوة و الألم الذي يشعر به بكفه لا يُحتمل ، حاول إبعاد يده ولكنه كان كالحجر المتصلب بجنون ، عيناه جامدتان على هيئة "سالم" المذرية ، كلما يتذكر أنه كان يعتليها و هي كالجثة الجامدة يصفعها بعنف يريد أن يقتلع قلبه من محله، طفلته الذي لا يطيق بها نسمة الهواء ، يرتجف قلبه عند إصابتها بالأذي ، غُشيّ على عيناه .. أصبح لا يرى شئ و هو يركل "سالم" بقدميه بمعدته ، أفرغ "سالم" ما بجوفه و هو ينوح بترجي أنها غلطة لن تتكرر ، و كيف أن تتكرر من الأساس ! ،تعالَ صراخ "ظافر" و هو لم يكف عن ركله بأبشع الطرق ، دلف "صلاح" متمتماً بتوجس وعيناه مسلطة على جثة "سالم" الهامدة :
- هيموت في إيدك يا باشا !!!!
↚
ركله "ظافر" للمرة الاخيرة جعلت جسده ينتفض على الأرضية الباردة ، مسح "ظافر" على وجهه بعنف بصدرٍ بعلو ويهبط ، يكاد نفسه ينقطع من فرط مجهوده ، و عيناه المشتعلتان التي حكت عما بداخلها ، أشار بسبابته إلى "صلاح" يقول بصوتٍ لاهث منقطع :
- مش عايزه يموت !!! لسة حسابي معاه مخلصش !!!!!
• • • •
أنتفض جسدها بقوة عندما جرّها "مازن" إلى خارج السيارة جاذباً إياها من ساعدها ، نظرت حولها لتجد نفسها بمنطقة نائية شبه صحراوية ، نظرت للمبنى المخيف التي ستدلف له إجباراً ، كادت أن تتعركل بصخرة صغيرة و هي تحاول موازنة خطواتها ، حاولت إبعاد ذراعها عن كفه الغليظ ولكنه كان كالجبل لا يتزحزح ، فاضت عيناها بالدموع التي لهبت وجنتيها ، دلفا للمصعد ليضغط "مازن" على رقم الطابق الذي يقطن به ، حاولت "فريدة" كتم شهقة كادت أن تنفلت منها مطبقة جفونها بقوة عندنا شعرت بنظراته المشتعلة تكاد تحرقها ، أقترب منها "مازن" بخطوات بطيئة يتفرس ملامح وجهها ، وثب أمامها تماماً يحاصرها بذراعيه المفتولتين ، يراقب شفتيها التي غُرست بها أسنانها عندما شعرت بأنفاسه الحارقة تضرب وجهها بقوة ، حركتها جعلت الدماء تفور بأوردته ، ل يقترب أكثر قابضاً على خصرها ملصقها به ، أنتفضت "فريدة" و هي تضع كفيها على صدره تحاول إبعاده ، كانت كمن أشعلت فتيل قلبه عندما وضعت يداها الصغيرة بتلك الطريقة ، أمتدت أنامله ليضع خصلة ثائرة سقطت على وجهها خلف أذنها ، أقترب بدوره من أذنها ليهمس بفحيح كالأفعى جعلت دموعها تنهال على وجنتيها :
- موتك النهاردة يا فريدة .. صدقيني أنتِ بقيتي في جحيم مش هتطلعي منه !!!!!
حبست أنفاسها داخل رئتيها ليقشعر بدنها من قربه لها بذلك الشكل و هي و لأول مرة يقترب منها رجل بتلك الطريقة ، رفعت أنظارها لقامته الطويلة تنظر إلى عيناه القاتمة التي بعثت الخوف في نفسها ، حمدت ربها عندما وصل المصعد للطابق المنشود ، لا .. لا تريد الولوج لتلك الشقة الباردة ، قدميها ثُبتت بالأرض مانعة إياها من الدلوف ، كادت أن تسقط أرضاً عندما دفعها "مازن" للداخل صافعاً باب الشقة بحدة ، أعتدلت بوقفتها ناظرة له بحقد صارخة به بجنون :
- أنت حيوان !!!!
ألتوى ثغره بإبتسامة خبيثة و هو يفك أزرار قميصه متمتماً بمكرٍ خبيث و عينان جائعتان :
- أنا هوريكي الحيوان بيعمل أيه !!!
أرتدت إلى الخلف و هي تراه ينزع قميصه مظهراً صدره الصلب ، لا وقت للتفكير ، ركضت إلى الداخل مسرعاً ليركض "مازن" خلفها و بثوانٍ معدودة كان يجذبها من خصلاتها بقوة حتى كاد أن يقتلعهما ، صرخت "فريدة" بألم تحاول نزع كفه عن خصلاتها ناظرة له برجاء حار و هي تقول ببكاءٍ مزق قلبها :
- عشان خاطر ربنا سيبني !!! متعملش كدا يا مازن بالله عليك ..!!!
لا يعلم لما رق قلبه عندما رأى حالتها ، و لكن لن يهدأ إلا عندما يحقق أنتقامه منها ، هي من تحدته وصفعته بجرأة و وقفت بوجهه ، جذبها من خصلاتها وسط صرخاتها ليدلفا إلى غرفة يُطغى عليها اللون الأسود كسواد قلبه ، صفعها "مازن" بقوة لتسقط "فريدة" على الفراش تبكي بحُرقة و هي تشعر بتشنج فكها ، زحفت إلى الخلف تبعد جسدها عن مرمى يداه التي أمتدت لها ، تضم ساقيها إلى صدرها تُنفي برأسها بقوة و هي تسترسل بأنفاس منقطعة وعبرات لاهثة تترجاه بعينان ممتلئتان بالدموع :
- متعملش فيا كدا أرجوك ، أقتلني أضربني بس متدبحنيش بالطريقة دي يا مازن .. خد حق القلم اللي ضربتهولك عشرة .. أنا موافقة ، بس بلاش تعمل كدا فيا !!!!
لانت ملامحه ليكور كفيه بقوة مانعاً ذلك الشعور من التوغل بداخله ، مغمضاً عيناه حتى لا يرى دموعها التي تجعل قلبه يرتجف داخل أضلاعه ، ألتفت يوليها ظهره ماسحاً على وجهه بعنف ، لا يستطيع .. لا يستطيع أن يقترب منها ، يشعر بوخزٍ حاد في قلبه لصوت بكاءها الذي يتردد في أذنه ، هو كان يريد إذلالها و لكن لمَ يشعر أن تلك لم تكن رغبته بالبداية ، جل ما أراده أن يُكسر أنفها و لكن قلبه يؤلمه على حالها ، ألتفت لها يطالع حدقتيها البندقية المتوجسة و جسدها الذي يرتجف ، وضع قناع القسوة مجدداً ليقترب منها سانداً بذراعيه على ظهر الفراش ليصبح وجهه قبالة وجهها ، ظنت "فريدة" أنه لن يتراجع عما ينويه لتنفجر في بكاء حارق مزق قلبه تمزيقاً ، أخفت وجهها داخل كفيها كالطفلة الخائفة من عقاب مدير مدرستها القاسي ، نظر "مازن" للجانب يلعن قلبه الذي يبكي بدلاً منها و هو للأول مرة يخالجه ذلك الشعور المتضارب كأمواج البحر ، جلس أمامها ليبعد كفيها عن وجهها ، منع نفسه بصعوبة من النظر إلى عيناه الدامعتان ، يكاد يجزم أنه لو نظر لهما سيقع صريع سحرهما ، أدار وجهها للجانب يطالع وجنتها الملتهبة و جانب شفتيها النازفة أثر صفعته العنيفه ، مسح تلك الدماء بإصبعه مانعاً نفسه بكل ما أوتي من قوة حتى لا ينقض على شفتيها ، نظرت له "فريدة" بغرابة عندما نهض مبتعداً عنها متمتماً بنبرة قاسية :
- حسابي معاكي مخلصش !!! انا هسيبك دلوقتي بمزاجي .. دلوقتي بس !!!!
أبتهج وجهها كثيراً وكأنه حَكم عليها بالأفراج ، أستكانت قليلاً عندما خرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه ، وضعت كفها على صدرها تطمئن قلبها بأنه أبتعد و أخيراً ، نهضت عن الفراش بخطواتٍ واهنه بطيئة ، أنتفضت بقوة عندما وجدته يدلف مجدداً ، ألتصقت بالحائط خلفها تتمنى لو أن يبتلعها ذلك الحائط بداخله ، أتجه "مازن" إلى الخزانه ليُخرج ملابس نسائية تُظهر أكثر مما تخفي ، القى به على "فريدة" التي ألتقطهما ، نظرت لهما لتشهق بحدة و هي تقول بفزع :
- اللبس دة مستحيل ألبسه .. أنت .. أنت أكيد بتهزر !!!!
نظر لها بدهشة أخفاها سريعاً أسفل ملامحه الجامدة و هو يُردف بفتور :
- لـيه ؟!!!
أردَفت هي بدهشة مماثلة :
- ليه !!! دة عريان أوي !!! وبعدين أنا متأكدة أن واحدة تانية لبسته قبلي .. انا هقعد بلبسي مش هغيره ..
أقترب منها يجز على أسنانه بحدة ، أنكمشت "فريدة" على نفسها تطالع عيناه المظلمتان التي هبطت لما ترتديه من بنطال من الخامة الجينز تعلوه كنزة بيضاء قصيرة ، و بلمح البصر كان يمزق كنزتها الخفيفة ، جحظت "فريدة" بقوة و هي لم تستوعب بعد ما فعله ، ضمت تلك ملابسها تنظر له بعدم أستيعاب !!!!
- كدة بقى للأسف معندكيش حاجة تلبسيها غير اللي في إيدك .. يا أما تلبسيه يا أما تفضلي من غير هدوم خالص ، و أنا بصراحة عاجبني الخيار التاني !!!!!
نظرت له بإشمئزاز تجلي في معالم وجهها و هي تتمتم بتقزز :
- مشوفتش أو** منك !!!!
↚
- و أنا مشوفتش أرخص مِنك !!!!
قالها بإستفزاز ليخرج من الغرفة بعجرفة ، أنهالت الدموع على وجنتيها بضعفٍ تمنع نفسها من البكاء ، أتجهت نحو الخزانة تحاول إيجاد شئ يكُن أكثر سُتراً من هذا ، و لكنها لم تجد سوى قُمصانه العبِقة برائحته التي تمقتها !!! ، ألتقطت أحد قمصانه باللون الأبيض الزاهي أرتدته سريعاً تغلق أزراره بتعجل ، فردت خصلاتها الحريرية على كتفيها و هي تهمس بتحدٍ :
- ماشي يا مازن يا بن الهلالي !!!
خرجت من الغرفة سريعاً تتفحص تلك الشقة المشؤمة و التي يغلب عليها طابع راقي ، لم تجده بالشقة لتسمع صوت مكابح سيارته تتحرك ، أتجهت نحو النافذة سريعاً تنظر له بكُرهٍ عميق و هي تتمتم :
- روح إللهي مـ ترجع يا أخي !!!
نظرت لقميصه التي ترتديه بقرف و رائحة عطره التي ألتصقت بها تكاد تخنقها !!!
جحظت عيناها بقوة لتذهب نحو باب الشقة و كما توقعت وجدته موصد بالمفتاح ، لعنت على حظها العاثر الذي اوقعها بطريقه ..
• • • •
وصل أمام المشفى بعد أن بدل ملابسه التي تلطخت بدماء"سالم" ، ترجل من السيارة ليدلف إلى المشفى بهيبته المعهودة ، قطب حاجبيه و تصنم مكانه عندما وجد "براءة" شقيقة "ملاذ" تخرج من غرفتها و جوارها "فتحية" علِم "ظافر" سريعاً من الأبتسامة الخبيثة التي أرتسمت على شفتيها ، أنقبض قلبه من أن تكون قد فعلت إلى "ملاذ" شيئاً ، حدقت به "براءة" بوقاحة ممتزجة بإعجاب ، كم هو رجولي المظهر و شخصيته الفريدة من نوعها وعيناه الجذابة أيضاً ، تمنت لو أن تحصل عليه و يبقى ملكها .. هي وحدها ، نظر لها "ظافر" بجمود و كأنه يقرأ أفكار و يعلم بما تنتويه ، نظر لها بفتور قائلاً :
- كُنتِ بتعملي أيه عند ملاذ !!!!
قطبت "براءة" حاجبيها من أهتمامه الزائد بشقيقتها و هي تردد بحدة :
- و أنت مالك بـ "ملاذ" !!! "ملاذ" أختي أنا !!!
تمتم "ظافر" بسُخرية لاذعة ، و هو يضع يده في جيبه :
- أختك ؟!!! طب كويس والله أنك عارفة أن ملاذ أختك مش عدوتك !!!
نظرت له "براءة" و الكره بقلبها يزداد أكثر نحو "ملاذ" ، أكمل "ظافر" و هو يُردف بثقة ليجعلها تبتعد عن تلك الأفكار التي تدور بخلدها :
- و أحب أقولك أني هتكتب كتابي على ملاذ بكرة .. و طبعاً انتِ معزومة !!!
تخشبت ملامحها عكس "فتحية" التي أطلقت الكثير من الزغاريد مما جذب أنظار المتواجدين بالمشفى متهكمين على ما تفعله ، باركت إلى "ظافر" بحرارة و هي تقول :
- يا ألف مبروك يا ظافر بيه و الله أنت وملاذ حبيبتي لايقين على بعض أوي ، بس ملاذ أزاي متقوليش يابني .. أقولك أنا من بكرة هاجيلكم عشان أقف جنب ملاذ ..
أبتسم لها "ظافر" أبتسامة بسيطة و هو يؤكد على حضورها غداً ، و كأن بحديثها ذلك صبت النيران على البنزين لتشتعل "براءة" و هي تكور يداها بقوة ، ضغطت على ذلك الزر الملحق بالمقعد لتسير به بحدقتي أشبه بالبراكين التي إن أنفحرت ستؤذي كل من حولها !!!
ذهبت "فتحية" وراءها سريعاً تخشى أن تفعل بنفسها شيئاً ما ، دلف "ظافر" إلى غرفة "ملاذ" ليجدها تجلس على الفراش شاردة بالفراغ ، ترتدي بنطال من الجينز ملتصق بها برشاقة ، و كنزة باللون الأحمر الدموي ترفع خصلاتها على هيئة ذيل حصان ، لتسقط بعض الخصلات الثائرة على وجهها ، لم تنتبه لوجوده ليتيقن أن تلك الفتاة و التي من المفترض شقيقتها أزعجتها مجدداً ، شرد قليلاٌ بها ينتهز فرصة أنها لم تلاحظه ، بدايةّ بـ خصلاتها المموجة بنعومة والمسترسلة على ظهرها ، و حدقتيها البندقية الواسعة ، أنفها الحاد المستقيم و شفتيها الجميلتان ، و تلك الشامة التي تعتلى ثغرها و أيضاً طبع الحسن المنغرز بذقنها ، يداها التي تعقدهما و أناملها التي تفركهما ، وبلا وعي منه همس بنبرة متحشرجة :
- مـلاذ !!!!
رفعت "ملاذ" أنظارها بفزع لتثب متمتمه بدهشة :
- ظافر !!! أنت جيت أمتى أنا مخدتش بالي خالص ..
أفاق "ظافر" ليلملم شتات نفسه مستعيداً جمود عيناه و هو يقول :
- لسة جاي دلوقتي ، جاهزة عشان نمشي ؟!!
رفعت "ملاذ" حاجبيها بغرابة قائلة :
- نمشي !!! فين ؟!!
- هروّحك بيتك يا "ملاذ" عشان تجهزي لأن بكرة كتب كتابنا !!!!
جحظت "ملاذ" بقوة و هي تصيح :
- نــعــم !!!!! كتب كتاب مين !!!!
أبتسم بدوره و هو يقول متفرساً تعابير وجهها العفوية :
- كتب كتابنا يا ملاذ !!!!
- أنت بتهزر صح ؟!!!
قالت بتفاجأ لتكمل بعدم أستيعاب :
- لاء يا ظافر مش بُكرة أنا لسة عندي حاجات كتير أعملها ، أنا حتى لسة هتفق مع عماد عشان ننهي الخطوبة الـ fake دي !!!
أظلمت عيناه الزيتونية ليقترب منها مزمجراً بنبرة حاول أن يجعلها هادئة :
- مش قولتلك قبل كدا متجيبيش سيرة راجل على لسانك ، و بعدين أول مـ كتابنا هيتكتب عماد مش هيبقى ليه ظهور في حياتك أصلاً !!!
أنزوى ما بين حاجبيها و هي تقول بإعتراض تام :
- مستحيل عماد دراعي اليمين في شغلنا و أنا بثق فيه جداً !!!
أغمض عيناه بأنفعال ليفتحهما مجدداً قائلاٌ بإيجاز :
- هنبقى نشوف الموضوع دة بعدين !!!!
↚
نظرت له "ملاذ" بتوتر و هي تقول بخفوت :
- ظافر دة جواز .. و أنا لسة مش عارفاك أوي و أنت متعرفنيش كمان ..!!!
أقترب منها "ظافر" لحدٍ خطير و هو لا يستيطع التحكم بنفسه ، نظرت "ملاذ" داخل عيناه و أنفاسه الساخنة تضرب وجهها ، وجدت يداه تمتد إلى خصلاتها تزيحها عن وجهها ، أغمضت عيناها تتنفس بصدرٍ مهتاج ، وصل إلى مسامعها همسه الخافت و هو يتمتم :
- لاء أنتِ عارفاني .. من لما كان عندك 5 سنين و كنتي بتعيطي عشان تطلعي من الأوضة اللي أبويا كان حابسك فيها ، يمكن متفتكريش بس المهم أني عارفك ، و عارفك كويس أوي يا ملاذ يمكن أكتر منك أنتِ نفسك ، عارف أن من وأنتِ صغيرة عنيدة ودماغك ناشفة ، مش بتسيبي حقك مهما حصل ، ذكية و قوية ومحدش يهزمك ، عارف كمان أن أكتر لون بتحبيه الأحمر ، و التاريخ اللي عدى عليكي و مستحيل تنسيه لما باباكي و مامتك .. أتوفوا ، عارف أنك بتحبي أختك جداً ومش بطيقي أن حاجة وحشة تحصلها ، عارف أنك عندك حرق كبير في رجلك الشمال بس مش عارف من أيه ، عارف أنك عصبية جداً .. و عارف أنك لما بتشوفي طفل صغير بتبقي طفلة زيه بالظبط ، عارف أن في حاجات جواكي مكتومة مش عايزة تطلعيها ، و أنك مش بتحبي أبداً تبكي قدام حد .. عارف أن في خراب جواكي بس مش بتظهري دة .. عارف أنك هشة جداً من جوا مع أنك من برا تباني أقوى بنت في الدنيا ، مهما حصلك دايماً بتبهريني بإبتسامتك وقوتك ، عشان كدا عجبتيني .. أنا عارف عنك حاجات كتير أوي يا ملاذ !!!
أغمضت عيناها بقوة .. لا لن تبكي .. لن تسمح لتلك الدمعة من الفرور خارج عيناها ، هو حقاً يعلم عنها كل شئ ، يعلم أدق تفاصيلها بل ويفهمها جيداً لأول مرة يُخبرها شخص بأنه يعلم أنها تمثل تلك الهالة القوية التي تحيط بها ، دائماً ما يندهشوا بالمظاهر لا يعلموا ما بداخلها ، لا يعلموا ان قلبها يتمزق من الداخل ، يتلقى صدماتٍ تجعله يدمي ، لا تصدق أنها حاولت أن تؤذيه .. بل وتفننت بذلك رُغم ذلك الحنان الذي يعاملها به ، طعنته بظهره لأجل شقيقتها التي لم تُحبها يوماً ، تعلم أنه سيتألم عندما يعلم بحقيقتها ، سيتألم عندما يعلم أنه وضع ثقته بإنسانه خائنة لا تستحق الحب من أي شخص ، لا تستحق شئ من تلك الحياة سوى الألم فقط ، راقب "ظافر" تعابير وجهها عن كثب ، أحاط بكفيها ليرفعهما إلى فمه مقبلاً إياها قائلاً بحنو لها فقط :
- أنتِ كويسة ؟!!
فتحت "ملاذ" عيناها المبتلة بالدموع التي علقت بأهدابها ، وقع قلبه أرضاً و هو يحاوط وجنتيها مردفاً بهلع :
- مالك ياملاذ ؟!!!
أندفعت "ملاذ" لترتمي بأحضانه بقوة ، تفاجأ "ظافر" و لكنه حاوط خصرها بذراع والأخر مسح على شعرها بحنوٍ مفرط ، شعر بإرتجاف جسدها بين يداه يعلم أنها تكتم بكائها بصعوبة ، تمتم بدوره قائلاً بحزن على حالها و هو يُزيد من أحتضانها :
- عيطي يا حبيبتي .. متكتميش في نفسك كدا .. عيطي !!!
كلماته كانت كالقشة التي قسمت ظهر البعير ، أنفجرت "ملاذ" في البكاء بحُرقة و هي تشدد على خصره ، تبكي و تبكي بقوة عما يخالج صدرها ، بكائها و ألمها أعمق من وصفه بمجرد الكلمات ، جل ما أستطيع قوله أنها كانت تبكي من داخل صميم قلبها لأول مرة ، أغمض "ظافر" عيناه بقلبٍ منفطر على حالها ، يمسد على خصلاتها و كأنها طفلته الصغيرة ، لتتشبث هي بقميصه أكثر و أكثر تقول بجسدٍ ينتفض بين الحين والأخر و عبرات متقطعة :
- أنا تعبت .. مبقتش قادرة أستحمل ، كل حاجة ضدي حتى أختي بتكرهني و بتتمنى موتي ، أنا وحشة للدرجة دي .. مستاهلش الحب أوي كدا !!!
أبعدها عن أحضانه بعنف طفيف ممسك كتفيها و هو ينهرها بحدة :
- متحبيش سيرة الموت على لسانك بعد الشر عليكي ، و أختك دي بني آدمة مريضة مش طبيعية ..!!!
نظرت له بألم شديد أحتل عيناها و هي تهمس بخفوت متقطع :
- أنت كمان هتكرهني زيها .. محدش هيفضل بيحبني .. أنا زي الوباء اللي كله بيبعد عنه ، كله بيقرب مني عشان مصلحته بس ، أنت كمان هتكرهني زيها يا ظافر !!!!
أغمض عيناه بألم ليحاوط وجنتيها مجدداً سانداً جبهته على جبهتها و أنفه يداعب أنفها هامساً :
- حتى لو كُنتي وباء .. مش هبعد عنك .. حتى لو همرض بيكي !!!!! مستحيل هبعد عنك أو أكرهك .. في حد عاقل يكرهك يا ملاذ !!! صدقيني أنتِ تستاهلي أن كل اللي حواليكي يحبوكي .. مش عشان أختك مش بتحبك يبقى كلنا مش بنحبك ، أنا جنبك ومش هسيبك أبداً ..!!!!
كم أحتاجت لتلك الكلمات التي كانت كالبلسم على قلبها ، تشبثت بياقة قميصه و وجهها لايزال مستنداً على وجهه هامسة بنبرة مهتزة :
- أنا أسفة .. أسفة أوي على اللي عملته .. سامحني يا ظافر أنا غبية صدقني !!!! غبية أوي !!!!
قبّل "ظافر" أرنبة أنفها قبل أن يبتعد قائلاً بتساؤل :
- أسامحك على أيه ؟!!
لم تجاوبه ، أندفعت متشبثة بعنقه تقف على أطراف أصابعها لتصل لطوله تسند وجهها على كتفه ، و فجأة شعر "ظافر" بتراخي جسده بين يداه ليعلم أنها فقدت الوعي ، تمسك بها جيداً ليضع يده أسفل ركبتيها و الأخرى على ظهرها يحملها بين يداه ، تشبثت "ملاذ" بعنقه بعفوية ليخرج من المشفى بأكملها ..
• • • •
دلف "باسل" الغرفة غير مصدقاً ما سمعه تواً ، ضغط على الهاتف الممسك به بقوة ، فُرغت عيناه من معاني الحياة عندما رآها مرتدية قميصه الأبيض الذي وصل إلى اعلى ركبتيها ، تنظر له بغرابة و هي تتجه نحوه محاوطة وجنتيه بكفيها الرقيقتان قائلة بقلق :
- مالك يا باسل ..؟ في حاجة ؟!!!
أمسك بكفيها ينزعهما ببطئ ينظر لها ببرودٍ أخافها ، لأول مرة ينظر لها بفراغ هكذا ، توجس قلبها و هي تتمتم :
- مالك ؟!! أنا ضايقتك في حاجة طيب ؟!!!
- لـيـه عملتي كدا !!!!
هتف مسطرداً بهدوءٍ ما قبل العاصفة ، لم تفهم "رهف" ما قاله ، همت بالرد لتجده يمسك بكتفيها بقوة ينهرها بعنف صارخاً بها :
- مـ تـردي يا هــانـم !!!!!
نظرت له بصدمة لتنظر إلى أظافره المنغرسة بذراعيها ، رفعت أنظارها له بجمود لتنزع ذراعيها من أسفل كفيه تفركهما بهدوء ، تفاجأ "باسل" بردة فعلها لتشتعل عيناه مطلقة جمرات من النار ، ثبَتت أنظارها عليه لتسترسل بنبرة فاترة :
- لما تبقى تسألني هجاوبك ..
ذهب "باسل" من أمامها ليجلب تلك الجريدة ، دلف للغرفة مجدداً وسط أنظارها المندهشة ، يقترب ممسكاً بكفها الصغير بحدة ليضع بها الجريدة بعنف ، نظرت له "رهف" بغضب لتفتح تلك الجريدة ، وجدت ذلك الخبر مدّون بالخط العريض حول فضيحة عائلة الهلالي ، جحظت عيناها بقوة لترفع أنظارها له بصدمة قائلة بصدقٍ :
- أنا والله معرفش حاجة عن اللي مكتوب دة يا باسل ، أنا أول مرة أقرأُه صدقني !!!!
أمسكها من عضديها مجدداً مزمجراً بها بعلو صوته :
- أنتِ كدابة يا رهف !!!!!
أمتعض وجهها بألم و هو يضغط بكل قوته على ذراعيها ، أمتلئت عيناها بالدموع و هي تتلوى بين ذراعيه :
- باسل سيبني .. بتوجعني !!!!
هزها بعنف و هو يجأر بوجهها :
- بــوجعـك !!! و أنتِ موجعتنيش لما خلتيهم ينزلوا الخبر دة !!!! طب لـيـه !!!!
نفت برأسها بقوة وقد أسترسلت الدموع على وحنتيها :
- والله ورحمة بابا معرفش حاجة يا باسل .. صدقني أنا مش خليتهم ينزلوا حاجة !!!!!
↚
رق قلبه عندما وجدها تشهق ببكاء حاد ، تركها و هو يرى علامات أصابعه على ذراعها ، مسح على وجهه لا يعلم من الصادق ، ولكن ما يوقنه أنه عندما يراها تبكي يشعر أنه يختنق من داخله ، شعر أنه بالغ في ردة فعله بل وقسى عليها كثيراً ، أقترب منها ليهم بوضع يده على ذراعيها ، وجدها تبتعد عنه ملتصقة بالحائط تحتضن هي نفسها تنظر إلى الأرضية تحاول كبح جسدها من الأنتفاض أمامه ، أقترب منها "باسل" مجدداً و هو يقول :
- رهـف أنا ...
تبخرت من أمامه تاركة إياه لتذهب خارج الغرفة بأكملها ، سبّ "باسل" نفسه ليُطيح بالمزهرية التي تناثرت على الأرضية ، ذهب وراءها عازماً على أن لا يتركها وحدها ، وجدها تجلس على الأريكة ممسكة بكوب من الشاي بكفيها ، أقترب ليجلس جوارها ينظر لها بدفئ ، أقترب أكثر ليجدها تبتعد ملتصقة بآخر الأريكة و هي تقول زامة شفتيها كالأطفال :
- أبعد عني يا باسل ..!!!
وضع كفيه الغليظتان على كفيها الناعمتان الموضوعى على الكوب ، أبتلع يدها داخل يده ليرفع الكوب إلى فمه يرتشف منه ، أغمض عيناه بتلذذٍ مسطرداً بإطراء :
- أحلى شاي دوقته في حياتي !!!!
أرتبكت "رهف" تنظر إلى كل شئ عدا عيناه الساحرة ، أرتجف جسدها عندما سار بأنامله على ذراعيها المحمرتان أثر قسوته عليها ، نظر إلى ءراعها ليُميل بثغره ببطئ ، أطبق بشفتيه على تلك الكدمة التي هو من تسبب بها ، أغمضت "رهف" عيناه بوجهٍ تخضب بالدماء ، أرتفع "باسل" بأنظاره ليجدها مطبقة جفونها و وجهها أحنر كالفراولة الجاهزة للقضم ، غرس أنامله بخصلاتها محاوطاً وجهها بكفيه ، فتحت "رهف" عيناها تنظر له بحزن ممتزج بخذلٍ طفيف ، كم آلمته نظرتها .. لم تكن مجرد نظرة ، بل كانت خنجر استقر في قلبه ..، بات يعلم أن تلك البريئة لن تفعل شيئاً مشيناً كهذا ، أقترب بثغره يقبل شفتيها قبلة رقيقة هامساً بخفوت شديد :
- أسف .. أسف يا حبيبتي ..!!!
نفت برأسها و هي تقول مسبلة عيناها بحزن طفولي :
- لاء أنا زعلانه منك ..!!!
أبتسم بحنو ليقبل طرف ثغرها متمتماً بإعتذار حار ، تحولت قبلاته الهادئة إلى أخرى شغوفة موزعاً قبلاته على وجهها بأكمله مدغدغاً طيات قلبها ، تجولت يداه على قميصه التي ترتديه محاولاً فكّ أزراره و هو مازال يقبل شفتيها برقة ، تراخت "رهف" بين يداه ليتراخى معها ذلك الكوب الساخن ، و بلمح البصر سقط ذلك الكوب على قدمها !!! ، صرخت "رهف" بقوة لينتفض "باسل" جاحظاً عيناه ، قفزت "رهف" من محلها تقفز من شدة الألم ، حملها "باسل" سريعاً ليذهب نحو المرحاض وسط بكاءها ، أجلسها على حوض الاستحمام ليجلب رذاذ الماء ، فتح الصنبور ليتدفق الماء على قدمها ، تشبثت "رهف" برقبته و هي تبكي بألم ، مسح على ظهرها مقطباً حاجبيه ، جفف ذلك الحرق الملتهب بمنشفة نظيفة بلطف حتى لا يؤلمها ، حملها مجدداً ليدلف بها إلى غرفتهما ، وضعها على الفراش برقة ،ثم جلب مرهم مسكن للالآم ليضعه على مكان الحرق ، فركه بلطف شديد ثم نفخ بفمه على الحرق ليلطف تلك السخونة المنبعثة منه ، نظرت له "رهف" بحبٍ شديد لتراه يرفع أنظاره لها متسائلاً بقلق :
- بتوجعك يا حبيبتي .. أستني هتصل بالدكتورة تيجي تشوفك ، نفت برأسها بإبتسامة جذابة و هي تمسك بكفيه قائلة بحنان :
- لاء متجبش حد .. أنتَ كفاية عليا صدقني ..!!!
ذاب بنظراتها الحنونة لينهض جالساً بجانبها ، جذب رأسها إلى صدره يمسك على خصلاتها قائلاً بنبرة حزينة :
- أنا أسف يا حبيبتي .. أسف عشان قِسيت عليكي .. و أسف عشان أنا السبب في الحرق دة !!!
وضعت كلها على شفتيه قائلة بعشقٍ خالص :
- أنت ملكش ذنب في الحرق دة يا باسل ، متتأسفش ..
قبّل باطن كفها ليضمها له مجدداً بحنانٍ شديد ..!!
• • • •
دلف "مازن" إلى الشقة مترنحاً بخطوات غير متوازنه ، تفوح منه رائحة الخمر المقزز ، دلف لغرفته ليجدها ترتدي قميصه الأبيض على بنطالها الجينز تجلس أمام طاولة الزينة تمشط خصلاتها ، أنتقضت "فريدة" عندما وجدته بتلك الحالة الرثة وعيناه الزائغتان المحدقتان به، وقع قلبها أرضاً عندنا بدأ بالأقتراب منها رويداً ، ألتصقت "فريدة" بالحائط تمد ذراعيها للأمام علها تمنعه مما هو مقبل عليه ، و لكنه أقترب ممسك بكفيها يلويهما خلف ظهرها ملصق جسدها به ، أنهال على وجهها بالقبلات المتفرقة التي جعلتها تشمئز منه ، حاولت دفع جسده ولكنه كان يفوقها اضعاف ، فهي ضئيلة الحجم بجواره ، كان مغيب عن الوعي تماماً لا يسمع صراخها حتى ، رفع أنظاره لوجنتها الملتهبة ليبتعد عنها سريعاً يثبت خصرها بيداه ، مسح دموعها بسبابته قائلاً وقد برقت الدموع بعيناه :
- أنا مش وحِش أوي كدا .. ومش هأذيكي ، عشان مش قادر .. مش قادر أوجعك مع أن دة كان هدفي ، دموعك بتقتلني ، فريدة أنا حاسس أني بغرق ومش حاسس بنفسي ، حتى اللي كنت معاها من ساعة مقدرتش تنسيني أني مش عارف أذيكي ، أو يمكن مش عايز .. لو وجعتك هتوجع أكتر منك !!!!
جحظت عيناها تستمع له غير مصدقة ، لوهله ظهر بعيناها شفقة له ، علِمت أنه ليس سئ كما تصورت ، لربما الحياة هي من جعلته هكذا ، ربما هو ليس وَحش ولكنه قاسي ، رفعت أناملها ببطئ .. تتلمس تفاصيل وجهه ، أغمض "مازن" عيناه يستشعر لمستها الرقيقة بوهنٍ ، كادت أن تفر دمعه حزينة من عيناه ولكنه منعها بصعوبة ، حاوطت وجنتها بيدٍ واحدة و هي تقول ببعضٍ من الحنان :
- أيه اللي خلاك كدا طيب ؟!!
حاوط خصرها يسند رأسه على صدرها ، همت "فريدة" بأن تملس على خصلاته الحريرية ولكنها منعت نفسها بصعوبة ، أغمضت عيناها عندما دفن رأسه يكاد يخترق قلبها ، يشدد على خصرها لتجزم أن أضلاعها قد تكسرت ، أسبلت بعيناها عندما سمعته يقول بنبرة متحشرجة :
- أنا أتجوزتك مش عشان أنتقم منك يا فريدة .. بس أنا حسيت أنك الحاجة الوحيدة اللي هتنقذني من اللي أنا فيه .. أنا لما شوفتك كنت عامل زي الغريق اللي لقى قشاية يتعلق فيها عشان تنقذه ، أنا عارف أني صعب .. وقاسي و ممكن أكون حيوان كمان .. بس أنا عارف أنك هتقدري تغيريني عشان أنتِ الوحيدة اللي وقفت في وشي !!!!
لأول مرة تشعر أنها عاجزة لا تستطيع فعل شئ ، أتضمه وتخبره أن كل شئ سيصبح بخير ، أم تدفعه و تخبره أنها لن تستطيع تغيير وَحش مثله ، أنتصر قلبها بالأخير .. وبالفعل رفعت ذراعيها تحاوط وجهه تمسح على خصلاته وقد برقت عيناها بتصميم ، جذبت كفه لتجرّه وراءها ذاهبة صوب المرحاض ، وقفا أمام الحوض الصغير لتنظر له قائلة بنبرة لطيفة لأول مرة يسمعها منها :
- يلا عشان تُحط راسك تحت الميا عشان تفوق من اللي أنت فيه ..
↚
بدى كالطفل يستمع لحديث أمه ، وبالفعل مال بجزعه يفتح الصنبور يضع رأسه تحت الماء بوهن ، كتفت "فريدة" ذراعيها تراقبه بصمت ، ثم جلبت المنشفة لتجفف خصلاته التي ألتصقت بجبينه ، شردت بعيناه السمرواتين وذقنه التي زينت بشرته السمراء ، تعمقت في حدقتيه الذابلة لتشفق عليه ، أخذته لينام مدثرة إياه بعنايه و كأنه طفلها ، أغلقت الضوء لتجلب وسادة صغيرة من على الفراش ، أتجهت صوب الأريكة الموضوعة بالغرفة ليوقفها "مازن" بنبرة صارمة :
- رايحة فين ؟!!!!
نظرت له بدهشة لتجيب ببساطة رافعة كتفيها :
- هنـام !!!!
ضرب الفراش جواره بخفة قائلاً :
- تعالي يا فريدة نامي هنا ..!!
هتفت "فريدة" بعناد قائلة :
- لاء هنام ع الكنبة !!!
أظلمت عيناه ليجأر بنبرة حادة :
- فريدة مبحبش أعيد كلامي مرتين !!!
تأففت تعلم أن العند معه لن يجلب لها شئ ، خاصة أنها عاهدت نفسُها بأن تُغير شخصيته القاسية ، ضربت الأرض بقدميها بطفولية لتذهب نحوه ، أستلقت على الفراش بخوف منه .. ما كاد يفعله الصباح بها لم تنساه ، دثرت جسدها بالغطاء لتحمي نفسُها منه ، جعلت بينهما مسافة كبيرة وساعدها بذلك حجم الفراش الكبير ، ولكنه مدّ ذراعه المفتول ليجذب بخصرها نحوه ، شهقت "فريدة" بحدة ، ليزمجر بها "مازن" قائلاً وهو يضع رأسها على صدره المفتول :
- هششش أتهدي بقا ونامي !!!!
ضربته "فريدة" على معدته ليتآوه بألم زائف :
- أنتِ قاسية أوي يا فريدة !!!!
رفعت "فريدة" رأسها تضيق حدقتيها قائلة بسُخرية :
- لا والله ؟!!!
قهقه "مازن" ملء فمه ليُقبل خصلاتها قائلاً بنعاس :
- يلا نامي بقا بلاش كلام كتير !!!
قضمت "فريدة" أظافرها بخوف قائلة :
- مازن أنت سكران .. مش في وعيك !!!!
أبتسم "مازن" مغمض عيناه :
- فريدة أنا هنام مش هغتصبك متقلقيش !!!!
شهقت "فريدة" لتنهض ضاربة صدره صارخة به :
- أنتِ قليل الأدب و وقح و أنا مش هنام جنبك !!!
أدمعت عيناه من كثرة الضحك ليجذبها دافناً وجهه في عنقها مقيداً حركتها بذراعيه ليغرق في النوم ، نظرت له "فريدة" بتوعد قائلة :
- و الله لأوريك يا مازن !!!!!
• • • •
أسندها إلى صدره بذراع و الأخر دسّ به المفتاح بالباب ، دفعه بقدمه ليُفتح على آخره ، حملها مجدداً ليدلف لشقته ، أنفاسها تضرب عنقه مدغدغه مشاعره ، دلف لغرفته الخاصة ليضعها على الفراش بلطفٍ ، ظل مائلاً برأسه عليها يسند يداه على الفراش متأملاً إياها ، أمتدت أنامله لتمسح تلك الدموع العالقة بأهدابها ، أبعد خصلاتها عن عيناها ليُقبل مقدمة رأسها بحنوٍ مفرط ، أصبح يعلم لما يدق قلبه بتلك الطريقة عندما يكن جوارها ، أحتضن كفها بكفيه الأثنين ليقبله بعشقٍ مغمضاً عيناه ، فتحت "ملاذ" عيناها البندقية لتنظر له بغرابة ، أعتدلت بجلستها ليُسند "ظافر" ظهرها بوسادة وثيرة ، جلس بجانبها محاوطاً وجنتها بكفٍ واحد و هو يقول بحنو :
- أنتِ كويسة ؟!!!
أومأت "ملاذ" دون أن تنبث ببنت شفة ، نظرت حولها لتلك الغرفة الغريبة عليها ، نظرت له قائلة بتوجس :
- أنـا فين ؟!!!!
- في شقتي !!!
أنتفضت "ملاذ" عقب جملته كمن لدغتها أفعى لتقول :
- شقتك!!!! لـيـه ؟!!!! أنا كنت عايزة أروح بيتي ..
أبتسم يطمأنها بنبرته الساخرة:
- متخافيش مش هاكلك يعني ..
ثم أكمل و هو يقترب من وجهها قائلاً بخبث و وقاحة :
- مع أنك تتاكلي بصراحة !!!!
عادت بظهرها إلى مسند الفراش بعينان جامدتان ، قهقه "ظافر" ملء فمه ليعود للخلف ، وثب يستعيد رزانته مجدداً قائلاً :
- هروح أحضرلك حاجة تاكليها ..
↚
ثم أختفى من أمامها كأنه لم يأتي قط ، تحاملت "ملاذ" على نفسها لتنهض تحارب ألم معدتها من شدة الجوع ، ألتفت حولها تتفرس الغرفة بأكملها ، أتجهت نحو طاولة الزينة لتُمسك بزجاجة العطر الثمينة ، رفعتها إلى أنفها تشتمها بعمق ، أغمضت عيناها بإستمتاع فذلك العطر المميز ما ينثره دائماً على ملابسه ، وضعته محله لتتفقد باقي الغرفة بفضول ، ألتفتت لتجده يدلف ممسك بصينية وُضع عليها وعاء من الحساء الساخن مع كوب من الماء بجانبه شريط دواءها ، توترت ملامحها قليلاً و هي تُردف بتبرير :
- أنا بس كنت بتفرج على الأوضة و آآآ ..
أبتسم لها "ظافر" بحنو وهو يضع الصينية على الكومود :
- مش محتاجة تبرري .. أنا واثق فيكي !!!!!!
أرتجف جسدها لوهله ، ألمتها جملته حد الموت ، بل جعلتها تشعر بدناءتها حقاً ، أغمضت عيناها تمنع دموعها بالهطول .. هي و ببساطة تخون تلك الثقة الذي وضعها بها ..!!!
- يلا تعالي عشان تاكلي و تاخدي الدوا ..
أفاقت على جملته بتذهب نحو الفراش تجلس عليه مجدداً بخطى مرتعشة ، جلست قبالته على الفراش تنظر لزيتونتيه البرّاقة، تراقبه و هو ينفُخ بالملعقة ليجعلها تتناولها، قرّبها من فمها لتفتحه هي بلا وعي ، أغمضت عيناها بتلذذ و هي تقول بإستمتاع طفولي :
- طعمها حـلو أوي ..!!!
أبتسم لها "ظافر" قائلاً :
- بالهنا والشفا .. عايزك تخلصي الطبق كـلـه ..!!!
أومأت سريعاً ليسرع هو بإطعامها ، وبالفعل أنهت "ملاذ" الطبق بأكمله لمذاقه الطيب ، تناولت دواءها ليمسك هو بالكوب يجعلها ترتشف منه ، أبتسمت له "ملاذ" بشكر وما أجمل أبتسامتها ، و لكن سرعان ما أختفت تلك الأبتسامة وهي تنظر له بتأنيب ضمير ، ستخبره .. نعم ستخبره حتى و إن كرهها ولكنها لن تستطيع أن تواصل كذبها عليه بتلك الطريقة ، أمسكت "ملاذ" بكفه الأسمر و هي تهمس بخفوت :
- أنا عايزة أقولك على حاجة مهمه ..!!!
أومأ لها "ظافر" بقلق يحثها على الحديث ، همت "ملاذ" بفتح شفتيها لتجد هاتفه يعلن عن مكالمة، تناول هاتفه يضعه على أذنه قائلاً :
- عايز أيه ؟..
صمت قليلاً يستمع لما يقوله الطرف الأخر لينهض صارخاً بحدة جعلت "ملاذ" ترتجف :
- لـاء .. مستحيـل ، مستحيل نرجع نشتغل مع ****** دول ، بعد م كانوا هيخسرونا صفقة بـ 10 مليون جنيه وكذبوا علينا مستحيل أرجع أثق فيهم ، تغور الفلوس بس أنا مبديش فرصة تانيه الناس كدبوا عليا فـاهم !!!!!
أرتعدت أوصالها لتتراجع مئة خطوة حول أخباره بما فعلت ، لا تريد أن تخسر ثقته بها أبداً ، لا تريد أن تُخيب أمله بها .. أغلق "ظافر" هاتفه بعنف لتنظر له بقلق هاتفه :
- أنتَ كويس ؟!!
أومأ لها ليجلس أمامها مرة أخرى قائلاً بإبتسامة صفراء :
- كنتِ عايزة تقولي أيه ؟!!!
بللت ريقها و هي تقول بمزاح :
- كنت عايزة أقولك أن الشوربة اللي عملتها كانت حلوة أوي بجد !!!
أبتسم لها "ظافر" قائلاً :
- بالهنا والشفا .. هسيبك تنامي عشان ترتاحي و لو عوزتي حاجة قوليلي ع طول ..
أومأت "ملاذ" لتستلقي على الفراش ، دثرها "ظافر" جيداً ليخرج من الغرفة بعد أن أغلق الأنوار ، تمسكت "ملاذ" بالوسادة لتبدأ دموعها بالأنهمار مما هو قادم !!
كانت تسير في ظُلمات موّحشة ، ترتجف من برودة الجو لتنكمش على نفسها ، نظرت لما ترتديه لتجد ثوب أسود يكتم على أنفاسها ، عارٍ يظهر أكثر مما يخفي كجميع ملابسها ، جحظت بعيناها عندما وجدت أناملها مُلطخة بالدماء ، برقت عيناها بدموعٍ حبيسة وذلك المشهد يُفزعها ، نظرت حولها لذلك المكان الأشبه بالمقابر ، كتمت شهقة داخل جوفها و هي ترى أسمها محفور على إحدى القطع الرخامية ولكن لا يوجد لها تاريخ ، و بجانب قبرها أستوطنت قطعة رخامية أخرى محفور عليها أسمه ، "ظافر" !!! ، قطبت حاجبيها بهلع ، أستمعت إلى صوت أقدام خلفها لتلتفت سريعاً ،أبتسمت ملء فمها عندك وجدته خلفها لتركض له سريعاً ، تفحصت ملامحه الجامدة الرجولية ، عيناه الزيتونية الظالمة ، وجدته يرفع كفيه الملطختان بدماءٍ أيضاً ، حاوط وجها لتتخضب وجنتيها إحمراراً ، نظرت بفزع ليداه التي شوهت وجهها لتتمتم بفزع ونبرات متقطعة :
- ظـافر .. ايه .. ايه الدم ده ، و ليه هو على إيدي و إيدك ؟!!!
لم يلفظ "ظافر" بحرف ، بل ظل يتلمس وجهها ليختفي وجهها أسفل تلك الدماء البغيضة ، ألتوى ثغره بيأس وقد أمتلئت عيناه بالدموع و هو يسترسل :
- الوقت فات .. فات يا ملاذ ، محدش فينا هيلحق يصلح غلطاته !!!!
جحظت "ملاذ" بقوة لتلتفت لتلك المقابر حولها ، أنهالت الدموع على وجنتيها عندما علمت أن جسدهما يرقدا أسفل التراب ، ألتفتت له لتجده أختفى بلمح البصر ، صفعها الجو البارد مجدداً لتتراجع إلى الخلف و هي تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وصدى صوتها يتردد بأذنها :
- ظـــافــر !!!!!!!! ظـــــافــر !!!!!
أنتفضت من النوم بفزع ، جسدها بالكامل يتصبب عرقاً ، خصلاتها ملتصقة بجبينها و عيناها أغرورقت بالدموع ، وجدت "ظافر" يفتح الباب بقوة و هو يطالعها بقلق ، أقترب منها سريعاً ليجلس جوارها على الفراش ، مسح على جبينها ليبعد خصلاتها محاوطاً وجهها ثم قال بتوجس :
- في أيه يا ملاذ !!!!
جذب وجهها لصدره ممسداً على ظهرها ، تشبثت "ملاذ" بقميصه و هي تقول بشرود و كأنها بعالم آخر :
- كـابوس .. كابوس وحش أوي !!!!
- طب أهدي .. خلاص متخافيش ...
أنتفضت "ملاذ" لتبعد كفيه و هي تزحف للخلف ، تنظر إلى كفيه برعب لأول مرة يظهر بعيناها ، قطب "ظافر" حاجبيه بغرابة و هو يتفرس عيناها الهلعتان ، نهضت "ملاذ" عن الفراش لترفع كفيها لعيناها ، لم تجد بهما شئ لتضمهما إلى صدرها ، نظرت إلى "ظافر" الذي يحدق بها بعد فهم ، أقتربت لتجلس أمامه ، عزمت على إخباره بكل شئ ، لن تستطيع خداعه أكثر ، نظفت حلقها لترفع عيناها البندقية له و هي تتمتم بشئٍ من التردد :
- ظافر أنا عايزة أقولك على حاجة مهمة .. أنا ..
↚
قاطعها "ظافر" سريعاً و هو يقول برزانه :
- انا اللي عايز أقولك على حاجة مهمة .. المأذون جاي بعد ساعة يا ملاذ .. جهزي نفسك !!!
حدقت به بصدمة مزمجرة :
- نــعـــم !!!!!!
أبتسم "ظافر" يتأمل عفويتها ، لتصك "ملاذ" أسنانها قائلة بنبرة غاضبة :
- أنت بتضحك ليه دلوقتي !!! يا ظافر دة جواز مينفعش يبقى بسرعة كدا .. أنت حتى معرفتش أهلك باللي هتعمله ..و لا .. ولا مريم !!! مراتك !!! ، متضحكش يـا ظافر ..!!!!
لم تمحو أبتسامته .. بل زادت أتساعاً حتى أصبحت ضحكات مجلجلة كادت أن تصيبها بالجلطة ، لا تعلم أتضغب من لامبالاته، أم تضع كفها أسفل ذقنها تتأمل أبتسامته التي جعلت قلبها يرتجف من السعادة ، زمت شفتيها بغضب عندما تحول إلى الجدية سريعاً بطريقة أدهشتها :
- راجل عنده 31 سنة يقول لأهله ليه أنه هيتجوز !!! شايفاني عيل بـ ريالة !!!!
رفعت حاجبيها بدهشة لتكتف ذراعيها قائلة بسُخرية :
- طب ومراتك !!!!
أظلمت حدقتاه لينهض قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- قومي جهزي نفسك المأذون في الطريق !!!
نهضت رافضة طريقته في إنهاء الحديث لتقف أمامه قائلة بصوتٍ مرتفع :
- و أنا مش هتحرك من الأوضة دي غير لما أفهم كل حاجة هتمشي أزاي .. مش معقول بين يوم وليلة أبقى مراتك !!!!
طالعها بنظرات حادة و هو يقول بنبرة صارمة :
- متعليش صوتك !!!! ، أنتِ بتاعتي من أول من أتولدتي يا هانم ، بتاعتي من ساعة مـ جيتي على الدنيا دي ، بتاعتي أنا وبس ، فاهمه ؟!!!!!
ضربت الأرض بقدميها قائلة بتمردٍ وغضب شديدين :
- لاء أنا مش بتاعة حد !!!! أنا مش سلعة عشان أبقى بتاعتك ، أنا مش عايزة أتجوزك .. أنا مش عايزة أكون مراتك أبداً فاهم !!!!!
أقترب منها خطوة جعلتها تهاب مما سيفعل ، و لكن قدميها تسمرتا بالأرضية محدقة بعيناه التي بدت مخيفة ، جذبها من خصرها ليُلصقها بصدره ، شهقت "ملاذ" بعنف لتضع يدها على ذراعه تحاول إبعاده ، ضغط على خصرها بقوة مما جعلها تكتم شهقة مؤلمة كادت أن تُفلت منها ، حاولت إبعاده ولكنه لم يتزحزح مقدار خطوة ، هي وبسهولة تستطيع أن تضربه بركبتيها في معدته ، و لكنها تهابه ، هو حنون لكن غضبه جحيمي ، أقترب "ظافر" بثغره من أذنها قائلاً بهمس مخيف :
- هتجوزك يا ملاذ .
أغمضت و هي تشتم رائحته المميزة و عطره الرجولي ، تحركت أنامله على ذراعيها بينما يقول بإبتسامة صفراء :
- لو مش برضاكي يبقى هتجوزك ورجلك فوق رقبتك !!!!
رفعت حاجبيها بسُخرية قائلة :
- أنا مافيش حد يجبرني على حاجة ، ده جواز و آآآ ..
بتر عبارتها بإبتسامة واثقة قائلاً :
- و أنا مش حد !!!!
لم تستطيع النطق ، بل وقفت الحروف على أطراف ثغرها ، أقشعر بدنها عندما لامس وجهها بأنامله الخشنة ، تأملت غابات عيناه الزيتونية وقد نمت أبتسامة خفيفة على شفتيها لا تعلم ماسببها سوى أن نظرات الحب التي تغدق عيناه قد جعلتها تتيقن أنه يعشقها ، أختفت الإبتسامة تدريجياً عندما تذكرت من هي .. تذكرت أنه عندما يعلم بما فعلت سيراها قذرة تحاول سلب أمواله والأنتقام منه لوساوس بغيضة في ذهنها ، جحظت عيناها و هي تدفعه بعيداً ، أرتدت إلى الخلف و هي تتمتم تنفي برأسها بهيستيرية :
- لاء .. لاء مش هتجوزك .. مستحيل !!!!
توحشت تقاسيم وجهه المُتشنجة ، يقترب منها قابضاً على ذراعيها صارخاً بها :
- مــش بمـزاجك يـا مـلاذ !!!!!!!
جفلت "ملاذ" و لأول مرة يصرخ بها بتلك الوحشية ، حاولت إبعاد كفيه عن ذراعيها ، لأول مرة تهاب رجل بتلك الطريقة ، ملامحه المشدودة و فكه المتشنج ، عيناه التي أصبحت أكثر قتامة، دفعها بعيداً ليلتفت بظهره واضعاً يداه بـ جيب بنطاله قائلاً بجمود :
- لو مكتبناش كتابنا النهاردة هخسرك شغلك وصفقاتك اللي انتِ داخله فيها ، هدمرك وهدمر شركتك و سمعتك و مكانتك كـ business woman ، هدمر "ملاذ خليل الشافعي" و بردو بعدها هتجوزك، صدقيني جوازك مني هيفيدك مش هيضُرك !!!!
ألتفت لها راسماً على صفحات وجهه الجمود المتناهي رغم وجهها المصدوم :
- كونك هتتجوزي "ظافر الهلالي" فـ ده شئ هيرفعك للسما ، كل حاجة هتبقى تحت رجليكي من قبل مـ تطلبيها ، صدقيني جوازنا هيبقى مصلحة ليا وليكي ، انتِ اكتر واحدة تليق انها تشيل أسمي، يعني .. مستوى أجتماعي .. جمال، ذكاء و قوة، أنتِ أكتر واحدة هتبقي مناسبة ليا ، آه وبالمناسبة .. أخر صفقة ملابس أنتِ دخلتي فيها واللي حطيتي فيها فلوسك كلها .. أنا أبقى صاحب الشركة اللي اتعاقدتي معاها .. واللي كتبتي على نفسك عقد بـ خمسة مليون دولار ، و أنا عارف أنك مش معاكي المبلغ دة ، وحتى لو بيعتي شقتك و الڤيلا اللي فالساحل وعربيتك أخر موديل و لو سحبتي فلوسك اللي في البنك كلها مش هتكمل المبلغ دة ، أنا ممكن أعمل أي حاجة في مقابل أني أسترد حاجة في الأصل هي بتاعتي !!!!!
جامدة الملامح ، قدميها تنغرس بالأرض رافضة التحرك مقدار خطوة ، عيناها تحدق به ، لا ليس هو ، ليس من أهتم بها في اليومان الماضيان ، ليس من رعاها بل و أغدقها بحنانه ليس هو ، هي ترى أبيه ، تراه بقساوته و عيناه التي نُزعت منها معاني الرحمة بأكمله ، بوجهه الجامد ونبرته الفاترة ، من يقف أمامها ليس "ظافر" ، ليس من يمتلك عينان دافئتان و عبرات حنونة ، لوهله شعرت أنها وللمرة المائة تُصدم بما حولها ، و للمرة المليون تشعر بقلبها يعتصر داخلها ، أبعد ناظريه عنها لا يستطيع أن يرى تلك النظرة بعيناها ، لا يستطيع مقاومة نظرة الخذلان التي لمحَها بمقلتيها ، أدار ظهره لها يغمض عيناه بقوة و كم آلمته عيناها ، لو تعلم فقط أنه يعشقها أكثر من أي شئ بذلك العالم ، لو تعلم أنه قال هذا فقط حتى لا يخسرها مجدداً بعدما وجدها ، ليتها تعلم أن كل حرف خرج من جوفه ما هو إلا ترهات بغيضة ، لم يستطع أن يلتفت لها ليقول محافظاً على نبرته الفاترة :
- نص ساعة تلبسي فيها اي حاجة من اللي جابتهالك الست فتحية موجودين في الشنطة !!!!
↚
ثم تركها وخرج صافعاً باب الغرفة خلفه ، ظلت واثبة مكانها ، عيناها شاردة بالمكان الذي كان يقف به ، هي صامدة ، مهما تلقت من صدمات مميتة لقلبها الذي بحجم الكف ولكنها صامدة ، لن تسمح لأحد بأن يكسرها هي "ملاذ" التي لا تُهزم .
• • • •
أخذت صرخاتها و عويلها يتصاعد تدريجياً ، تضرب كفيها بقدميها بحسرة و بكاء زائف ، نظرت إلى النائم على الفراش بجانبها بغيظ لتقترب تنظر له بغل قائلة :
- هوريك النجوم في عز الضُهر يابن الهلالي !!!!!
تذكرت ما فعلت قبل ساعتين ، عندما أخرجت من حقيبتها الكبيرة مستحضرات التجميل اللازمة ، بدأت برسم كدمات على وجهها بل و أثار ضرب و دماء جافة حيث كانت بارعه حقاً في هذا !!!!
أقتربت من أذنه لتصرخ ببكاء قوي ، أنتفض "مازن" فزعاً و هو يصرخ بلا وعي :
- أيـــه !!!! مـين مـات !!!!!!
فرك عيناه بقوة ليرى "فريدة" تجلس بثيابٍ شبه ممزقة و وجهها مكدوم بينما شفتيها تنزف بقوة ، أنتفض ممسكاً بوجهها و هو يقول بهلع :
- أنتِ أيه اللي عمل فيكي كدا !!! ، أيه اللي حصلك م تــردي !!!!!!
صرخ بأخر جملته وقلبه يكاد يقتلع من محله ، صفعت الأخرى كفيه بعيداً وهي تصرخ بحُرقة :
- أبعد عني يا حيوان !!!! ، مين هيكون عمل كدا فيا غيرك واحد حيوان زيـك !!!!!
جحظت عيناه ليتذكر أنه بالفعل لم يكُن بوعيه البارحة بل كان ثمل حد الموت ، تفحص كدمات وجهها بندم حقيقي و هو يقول :
- أنا بجد عملت فيكي كدا ؟!!!! أنا مش عارف أزاي ده حصل صدقيني دي أول مرة تحصل اني أبقى مش فـ وعي بالطريقة دي !!!
تلمس كدمات وجهها الزرقاء ليجد مستحضرات التجميل تطبع في يده ، جحظت "فريدة" بعيناها و هي تراه ينظر إلى الألوان التي خرجت بيده قائلاً بصدمة :
- دة makeup !!!!!!
نفت برأسها و هي تنهض تدريجياً من على الفراش متمتمه بهلع :
- makeup أيه دي أفعالك الوحشية يا متوحش !!!!!!
- و حيــاة أمــك !!!!!!
صرخ بها لينهض من على الفراش يركض وراءها كالفهد الذي سيلتقط فريسته لا محاله ، ركضت "فريدة" تقف بمقدمة طاولة الطعام العريضة بينما هو يقف بنهايتها ، كادت "فريدة" أن تبكي من فرط الخوف الذي تلبسها و هي تراه يكاد يُخرج دخاناً من أذنيه :
- أنا اسفة يا مازن والله أخر مرة هعمل كدا عشان خاطري !!!!!!
صرخ بها بجنون و هو يضرب على الطاولة بقوة :
- أسفة !!!!! دة أنا قلبي وقف لما شوفتك بالمنظر ده ده ولا كأن قطر داس على وشك فرَمه ، أنتِ عارفة أني كان هاين عليا أضرب نفسي مية قلم لو كنت فعلاً عملت فيكي كدا و أنا مش في وعيي ، أنتِ متخلفة ومبتفهميش !!!!!
أهتاج صدره بعنف بقلبٍ يكاد يتوقف عن النبض ، أقتربت منه " فريدة" بعينان أغرورقتا بالدموع و هي تتمتم بحزن :
- حقك عليا أنا مكنتش أعرف أنك هتضايق كدا !!!!! و الله مكنتش أقصد !!!!
جذبها من خصرها لتجفل "فريدة" بفزع ، وضعت كفيها على صدره لتبعده ولكنها وجدت نفسها تغوص بين ذراعيه أكتر ، بل وتغرق بعيناه الراغبتان بها ، أنفه الحاد والمستقيم وشفتيه القاسيتان ، شعرت بتقلص معدتها عندما تحركت أنامله على وجهها وشفتيها ، مال بشفتيه تلامس شفتيها هامساً بأفكار جحيمية تجتاح عقله :
- تعالي نخلي المقلب اللي عملتيه فيا .. حقيقة ، بس برضاكي !!!!!
توسعت عيناها لتهم بالحديث لتجده يلتقط شفتيها في قبلة أودتها لعالم آخر ، أستسلمت بين يداه تماماً تاركة له الحرية ، أرتجف جسدها لتفر دمعة من عيناها رغماً عنها ، هي تسير بطريق مبهم ليس له ملامح ، بل هي لا تثق بـ "مازن" ، هو لا يحبُها ، تلك ليست سوى رغبة بغيضة سترتطم على أثرها على الأرض لتسقط أشلاء !!!! دفعته بعيداً تمسح شفتيها بتقزز و وجهها تُغرقه الدموع ، تفاجأ "مازن" من حالها ليقترب منها قائلاً :
- فريدة !!! انتِ بتعيطي !!!!
صرخت به بهيستيرية :
- أبعد عني !!!! أنت مش بتحبني ، أنت عايز تتملكني لكن مش بتحبني ، دي مجرد رغبة ولما تاخد اللي أنت عايزه مني هترميني مش كدا !!!!!
جحظ بعيناه صارخاً بها بصدمة :
- أخد اللي عايزة و أرميكي أزاي أنا جوزك يا مجنونة !!!!
صرخت به بالمقابل و هي تطيح بالمزهرية على الأرض :
- جــوزي !!!! جـوزي بالغصب يا مازن أنت اللي غصبتني على الجوازة دي طبعاً عشان مازن الهلالي لما بيعوز حاجة بياخدها مش كدا !!!!!
مسح على وجهه بعنف ليجأر بها كالأسد :
- أنتِ عبيطة ولا بتستعبطي ، أنا لو كنت عايز منك حاجة كنت خدتها من غير جواز برضاكي أو غصب عنك ، أنا مافيش حاجة تقدر تقف قدامي واللي يقف قدامي أفعصه فــاهمه ، فوقي لنفسك متفكريش نفسك حاجة أنتِ ولا تسوي أنتِ حتة حشرة أدوس عليها بجزمتي !!!! و مش أنا اللي واحدة زيك ترفضني أنا مازن الهلالي اللي أحلى منك بيترموا تحت رجليا يا حتة زبالة !!!!!
رمى بكلماته السامة بوجهها ليخرج من الشقة بأكملها ، تاركها كالصنم الذي فقد الحياة ، فقد الشغف وفقد كل شئ و أولهما كرامته !!!!!!
صدى كلماته يتردد بأذنها ، ليكون سبباً كبيراً في أنهمار دموعها على وجنتيها ، سمعت الباب يطرق ، بالتأكيد ليس هو ، و هي لن تفتح بجميع الأحوال ، ولكن الباب يزداد طرقاً بل وعنف حتى كاد أن ينكسر الباب ، دلفت لترتدي شئ أكثر سُتراً لتذهب نحو الباب ، فتحت الباب بجسد خالي من الروح ، أرتدت إلى الخلف و هي تشهق بصدمة قائلة :
- بـابا !!!!!!!
• • • •
تنام معانقة إياه و هي تتمتم بقلق :
- بـاسل ..؟
↚
- نعم يا حبيبتي ..
قال "باسل" مغمضاً العينان ، تمتمت "رهف" و هي تنهض قائلة :
- ينفع أروح أشوف ماما النهاردة ؟!!!
أنتفض "باسل" يجأر بصرامة :
- رهف إياكي تفكري أنك تروحي بيت ابن ***** دة لو شوفته صدقيني هقتله في إيدي !!!!
نفت برأسها بعينان مملؤتان بالدموع قائلة ببكاء كالطفلة :
- بس أنا عايزة أشوفها .. هي وحشتني أوي يا باسل ، وبعدين أنا خلاص مش خايفة منه عشان أنت معايا و مش هتسمح لحد يأذيني .. صح ؟!!
جذبها إلى أحضانه مربتاً على ظهرها بحنو قائلاً بتأكيد حتمي :
- طبعاً ياحبيبتي ، طول مـ فيا النفس عُمري من هسيب حد يلمس شعرة منك !!!
مسد على خصلاتها يقبل مقدمة رأسها ، رفعت "فريدة" أنظارها له قائلة بحماس :
- يعني أقوم ألبس يا حبيبي !!!!
توسعت عيناه ليقبض على خصرها قائلاً بمزاح :
- أهو عشان حبيبي دي مش هتعتبي باب البيت من هنا لشهرين قدام !!!!
صفعته "رهف" على صدره بخفة و هي تتلوى بين ذراعيه :
- يا باسل خلاص بقا مكانتش كلمة !!!!
- أبداً دخول الحمام مش زي خروجه !!!!
أنقض يُقبل كل أنش بوجهها يُدغدغها بمعدتها ، كاد أن يُصيبها نوبة قلبية من كثرة الضحك
• • • •
يقود هو السيارة و بجانبه "رهف" تفرك أصابعها بتوتر ، تقضم أظافرها شاردة في الفراغ ، لاحظ "باسل" هالة القلق التي تحيط بها ليمسك بكفها مشدداً عليه و بالأخر يمسك بالمقود مسترسلاً ليُطمأنها :
- أنتِ بتثقي فيا ولا لاء ؟!!
ألتفتت له "رهف" تؤكد بقوة :
- أيوا طبعاً !!
رفع كفها لثغره ليُقبله بحنو مُثبتاً أنظاره على الطريق أمامه :
- يبقى مش عايزك تخافي من أي حد و أنا جنبك .. أنا عندي أستعداد أني أهد الدنيا فوق دماغ أي حد يزعلك يا حبيبتي ..!!!!!
أرتسمت أبتسامة فرحه على ثغرها ، رقص قلبها فرحاً لأنها و أخيراً وجدت من تستند عليه و من يحبُها بصدقٍ جماً ، تُريد أن تُقبّل كل دقيقة تمر و هو معها، ذلك هو الحُب .. أن يُنير وجهك وروحك ، لا أن يطفأ بك كل ذرة شغف داخلك، نظرت له نظرة عاشقة، نظرة متفرسة وجهه ، و بالفعل أسندت وجهها على كفها تنظر له مبتسمة بأتساع، لاحظ "باسل" تحملُقها به ليطلق ضحكة رجولية أظهرت تُفاحة آدم خاصته لتبتسم "رهف" أكثر على أثرها ، بينما قال "باسل" بإبتسامة واسعة و نبرة وقحة :
- لو فضلتي تبُصيلي كدا هحلف نرجع البيت يا رهف ، أو هنعمل حادثة أيُهما أقرب !!!
مالت برأسها ولم تنبت ببنت شفة ، مازالت الأبتسامة تزهر بوجهها ، تمتمت بنبرة مُشرقة :
- أنا حاسة أن دة حلم .. حلم جميل أوي .. بتمنى أني أموت قبل مـ أفوق منه !!!!
أنقبض قلبه ليضغط على المكابح السيارة بقوة ملتفتاً لها مزمجراً بنبرة أشبه بالصراخ :
- إياكي تجيبي سيرة الموت على لسانك يا رهف ، و رحمة أبويا لو قولتي كدا تاني هـ ...
قاطعته بعناقٍ حنون دافئ ، تستمع لنبضات قلبه العالية لتربت على ظهره العريض قائلة بإبتسامة :
- طب خلاص يا بسلة متزعلش ، متبقاش قفوش بقا الله !!!!
رفع حاجبيه بعينان جاحظة و هو يتمتم :
- بسِلة و قفوش ؟!!!! أنا بسِلة يا رهف ؟!!!!
أومأت "رهف" مطلقة ضحكة عفوية ، خبئها "باسل" بين ذراعيه يُقبل خصلاتها بـ ولهان ، ليبتسم قائلاً بوقاحة :
- حبيبتي لو فضلنا كدا أنا مش همسك نفسي وهيتقبض علينا بفعل فاضح في الطريق العام و صدقيني هعترف عليكي و أقول أن أنتِ غرغرتي بيا !!!!
أبتعدت "رهف" تضربه على صدره قائلة زامة شفتيها بطفولية :
- أنا بغرغر بيك يا بسِلة ؟!!! طب يلا بقا أتفضل امشي !!!!
قهقه بقوة ليسير بالسيارة و ضحكاتهما تملأ المكان ..
• • • •
شعرت برأسها يدور بها ، لا تستطيع الوقوف على قدميها التي ربما تخذلانها لتسقط على الأرض بضعف ، أبيها الواثب أمامها بغضبٍ شديد ، و زوجة والدها التي ملامحها لا تُبشر بالخير ، ممسكين بأخيها الذي يُحدق بها ببراءة ، و سُرعان ما تشبث الصغير بقدميها مُعبراً عن حبُه لشقيقته ، أنحنت له لتحتضنه ببكاء قوي :
- أنا أسفة يا حبيبي مش هسيبك تاني أنا أسفة !!!!
نظرت لأبيها حتى كادت أن ترتمي بأحضانه فكم تحتاج إلى عناقه الأن ، ولكنه أوقفها بمد كفيه يمنعها حتى أن تلامسه و كأنها عدوى ، و بلمح البصر كان يصفعها صفعة أوقعتها أرضاً ، أمسكت "فريدة" بوجنتها تمسح الدماء عن شفتيها ، فهي لطالما أعتادت على إهانته وضربه المستمر لها ، لم يكتفي بذلك بل أنحنى يُمسك بخصلاتها ليرفع وجهها له صارخاً بها بوحشية :
- بتتجوزي من ورايا يا بنت الكـلـب ، يا بنت ***** !!!!!
بكت "فريدة" بقوة ، لم تستطيع الدفاع عن نفسها ، زادت زوجة والدها الجو أشتعالاً و هو تصرخ بشماته :
- طبعاً م هي تربية أمها الشمال !!!!!
كادت أن تُلقنها درساً قاسياً و لكن ما ألجم لسانها وجوده خلفهم يصرخ بهم بقوة :
- أيه اللي بيحصل هنا !!!!
ألتفت جميعهم إلى "مازن" الذي كاد أن ينخلع قلبه عندما رآها بتلك الحالة ، شفتيها متورمة تُدمي حقاً وليست مستحضرات تجميل ، مستلقية على الأرض و ما زاده أشتعالاً عندما رأى ذلك الرجل ممسكاً بخصلاتها بكل ما أوتي من قوة ، أقترب منه حتى كاد أن يُلكمه بوجهه لتصرخ به "فريدة" :
- مازن ده أبويا !!!!
↚
جحظت عيناه بقوة ليلتفت لها ، أمسكها من ذراعيها بلطف ليجعلها تنهض ماسحاً على وجنتيها الملتهبة ، أوقفها خلف ظهره ليلتفت لذلك العجوز ، عيناه توحي عما بداخله من نيران متفاقمة ، ليسكب أبيها البنزين على النار عندما جأر به :
- أنت بقى سبع البرُمبة اللي أتجوزتك من ورا أهلها !!!!
أقترب منه "مازن" يضع يداه بجيب بنطاله يحدق به بجمود قائلاً :
- و أنت بقا أبوها اللي سايبها هي و أخوها لوحدهم و عايش برا مصر مع الزبالة اللي واقفة جنبك ومش بتصرف عليهم ؟ تصدق أول مرة أشوف راجل تجرُه مرا (ست) ، عيب على شنبك حتى !!!!
شهقت "فريدة" من مدى وقاحته لتصرخ به :
- مــازن !!!!!
توترت معالم وجه أبيها ليقول :
- ماشي يا جوز بنتي .. مقبولة منك !!!!!
ليُكمل و هو ينظر لأبنته بعينان مشتعله :
- هو ده اللي أتجوزتيه ؟!! بيهين أبوكي و أنتِ ساكتة !!!!
صرخ به "مازن" بنبرة حادة صارمة :
- كلامك معــايـا أنــا !!!!!
نظرت له تلك ذات النظرات الخبيثة والتي تتفحص "مازن" بهيبته ورجولته لتقول بنبرة رخيصة :
- خلاص بقى يا حبيبي نبقى نجيلهم في وقت تاني !!!!
نظر لها "مازن" بسُخرية ليُكمل :
- أنا شايف كدا بردو !!!
نظر له أبيها قائلاً وقد ظهر الطمع في عيناه :
- و أيه المقابل !!!!
كتمت "فريدة" شهقة حزينة كادت أن تُفلت منها ، بينما أبتسم "مازن" بغرور قائلاً :
- عايز كام ؟!!!
أنقبض قلبها و هي تشعر أن ظهرها أنكسر في تلك الدنيا ، تشعر بخراب العالم بروحها ، أنطفئت معالم الحياة بعيناها ، زاغت أبصارها و هي تشاهد تلك المسرحية القاتلة لقلبها المسكين ، يُبيعها أبيها كسلعة بخسة ، ما قاله كان كرصاصة بمنتصف قلبها، تمنت لو أن تموت قبل أن تسمع هذا الحديث المقزز الذي يدير بينهما ، رأت "مازن"يُخرج دفتر الشيكات من جيبه ليدون رقم ، مده لأبيها قائلاً بجمود:
- عشرة مليون ، و تبعد عن حياتها خالص هي و أخوها يزيد ، أعتبر من النهاردة أن بنتك مـاتت !!!!
بالفعل ، ما قاله صحيح ، هو لم يكذب أبداً في تلك اللحظة هي حقاً أصبحت جسد بلا روح ، نظرت إلى أخاها الممسك بكفها و كأنه يفهم حُزنها، وبالفعل ذهب ما يُسمى بأبيها و مع زوجته العقربة ، تشبث الصغير بثيابها قائلاً بعينان دامعتان :
- فريدة هو بابا مشي ليه ؟!!!!
لم تستطيع الرّد ، تركت يد أخيها محملقة بعينان ذلك الواقف أمامها يطالعها بالقليل من الشفقة ، أقتربت منه لتضربه على صدره بهيستيرية صارخة بجنون :
- حــرام عليك ، ليه تعمل فيا كدا عملتلك أيــه عشان تكسرني كدا !!!!! ربنا ياخُدني عشان ترتاحوا مني كلكوا !!!!!!
جفل الصغير ليبكي على أخته ، بينما هو يقف يستقبل ضرباتها القوية بصدرٍ رحب، لم يحاول أن يوقفها عما تفعل لرُبما تنفث عن غضبها بتلك الطريقة، يعلم ذلك الشعور عندما يخذلك أقربهم إلى قلبك، أبتعدت عنه تصرخ به بألم أخترق قلبه :
- أنت شيطان مش بني آدم ، أنت أقذر واحد ممكن أشوفه في حياتي ، أنت عُمرك مـ هتتغير يا مازن ، أنت وَحش مش بتحس، ياريتني كُنت مُت قبل م أتجوزك يا أخي، مبسوط دلوقتي ؟!!! فرحان كدا لما كسرتني وخليتني ماليش ضهر ؟ مبسوط لما شوهت صورة اللي المفروض أبويا في عيني ؟ مبسوط أني بقيت مضطرة أعيش هنا و رجلي فوق رقابتي عشان مافيش مكان أروحله غير سجنك !!!!!!
أغمض عيناه من كلماتها التي كالسهام المسمومة، هم بالذهاب من أمامها لتتشبث به "فريدة" من تلابيبه مقربة وجهها من وجه الجليدي صارخة به حتى ظهرت عروق عنقها :
- أنت رايح فين !!!! هتمشي ببساطة بعد م خربتلي حياتي ، لما أكـون بكلمك متمشيش وتسيبني فاهم ، أنت هتسمع كل حاجة أنا هقولها دلوقتي ، أنا هاخد يزيد و هنمشي من هنا .. و أنساني بقا!!!!
أشتعلت عيناه ليمسك فكها بقوة أمام أخيها الذي أنفجر بالبكاء :
-خلصتي ؟ في أحلامك ، أنتِ مراتي و هتسافروا معايا الصعيد في بيت أهلي !!!!!
ضربت صدره بقوة لتصرخ بجنون :
- أنت مبتفهمش بقولك مش هروح معاك في حتة !!!!
أتجهت نحو المطبخ لتجلب نصل حاد ، وضعتها على على عنقها بجنون ليصرخ "يزيد" ببكاء :
- فـريدة !!!!
جحظت مقلتيه ليمسح على وجهه بأنقباض قلب و هو يقترب قليلاً قائلاً :
- فريدة سيبي الزفتة دي !!!
صرخت به ضاغطة على السكين أكثر صارخة به :
- إياك تقرب مني !!!!
وقع قلبه أرضاً عندما وجد خط رفيع من الدماء ينزف من عنقها ، كاد أن يجن و لأول مرة يقف عاجز لا يعلم ماذا سيفعل ، أقترب من أخيها الذي يبكي هو الأخر بهيستيرية ، أقترب منه ليحمله و هو يوجه حديثه إلى "فريدة" صارخاً بها:
- أخوكي حرام يشوف أخته بالمنظر دة بقولك سيبي السكينة يا فريدة !!!!!
نظرت إلى صغيرها الذي يستعطفها بعيناه ألا تفعل ، نقطة ضعفها والشئ الوحيد الذي تبقى لها من تلك الدنيا ، ألقت بالسكين أرضاً لتنهار على الأرضية الصلبة جالسة على ركبتيها تُغطي وجهها بكفيها ، أنزل "يزيد" الذي ركض نحو شقيقته ، ذهب هو ايضاً نحوها ليجلس على ركبتيه مثلها، أبعد كفيها عن وجهها بتردد، عيناها الباكية جعلته يغمض عيناه بألم، و سُرعان ما أرتمت "فريدة" بجسدها على جسده فاقدة الوعي !!!
• • • •
↚
- هو فين مأذون الغفلة !!!!
قالت "ملاذ" و هي تقف أمامهم واضعة يداها على خصرها ، ترمق "ظافر" بتحدٍ ، نظرت لجارتها وزوجها الذي سيتولى تزويجها من ظافر و إلى المأذون والأثنان الذين سيشهدوا على تلك الزيجة ، شعرت بأنظارهما تفترسها نهض "ظافر" يطالع الثوب الذي خرجت به "ملاذ" بصدمة ، فقد كانت ترتدي ثوب قبل الركبة يلتصق بها و كأنه جلدها يظهرها بسخاء !!!!! ذهب نحوها ليقبض على ذراعها بقوة آلمتها حقاً ليدفعها داخل الغرفة حتى كادت أن تسقط أرضاً، نظر لما ترتديه بإشمئزاز مشيراً بأصبعه :
- أيه القرف دة ؟!!! أزاي تخرجي كدا !!!!
صرخ بأخر الجملة، جفلت "ملاذ" و لكنها هتفت بقوة :
- ماله ؟ مـ الفستان حلو أهو !!!!
صرخ بها "ظافر" :
- أنــتِ أتجننتي !!!! غيري القرف دة حالاً !!!!!
كتفت ذراعيها أمام صدرها قائلة بعندٍ :
- لاء مش هغيره ، عاجبني !!!!
مسح على وجهه بعنف لينظر لها بنظرات نارية تقذف جمراً بوجهها :
- و رحمة أبويا لو مـ دخلتي وغيرتي الفستان دة يا ملاذ لأكون مموتك في إيدي دلوقتي ، متخلينيش أكرّهك فيا !!!!!
خافت ، لا بل أرتعبت من نبرته و ما يقوله ، تابعته بأنظاره و هو يتوجه نحو الحقيبة الكبيرة ليُقلبها رأساً على عقب ، أخرج منها عباءة سوداء كان قد أبتاعها لها ليُرميها بوجهها قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- دقيقتين و تبقي لابساها ، أتقي شري ، أنتِ لسة ماشوفتيش وشي التاني و أنا مش عايز أوريهولك يا ملاذ !!!!!!
ثم خرج من الغرفة تاركاً قلبها ينبض بعنف ، أرتدت تلك العباءة الواسعة على ثوبها ، و بالفعل خرجت قبل الدقيقتين لتذهب نحو "ظافر" الذي نظر لها برضا ، مضت على الورقة التي أمامها لتكمل تلك الزيجة، كتبا الكتاب لتصبح زوجته ، ذهبوا جميعاً بأمر من "ظافر" ليتركوهما بمفردهم ، خفق قلبها بعنف عندما وجدته يقترب منها وملامحه لا تُبشر بالخير، أرتدت خطوتين فـ نظراته حقاً جعلت فرائسها ترتعد ، أقترب منها "ظافر" أكثر و كلما يقترب تعود هي إلى الخلف، تفاجأت بالحائط خلفها و أمامها صدره الصلب ، حاصرها بذراعيه يتأمل وجهها الجذاب و أحمر الشفاه الذي يُزين ثغرها ، مال بثغره ليلتقط شفتيها في قسوة يقبلها أو لنقول يُنفث عن غضبه بها، شعرت "ملاذ" بشفتيها تدمى لتضربه على صدره بقوة ، أبتعد "ظافر" و هو ينظر إلى شفتيها والتي ظهر لونها الوردي الطبيعي و الجذاب ، تمتم "ظافر" بأنفاس حارة :
- كدا أحسن !!!!
توقف عقلها عن العمل لِمَ تتركه يفعل بها هذا ، لِمَ لا تتحدث و كأن لسانها قُطع ، لِمَ تُحدق به هكذا اتريده أن يفعل مجدداً دون قصدٍ منها، و بالفعل أستجاب "ظافر" ليقبض على خصرها بلطف ، عانق شفتيها بشفتيه ولكن تلك المرة بحنان شديد، أغمضت "ملاذ" عيناها مستسلمة تماماً بين يداه ، جال بخاطرها ما قاله حول أنه لا يُحبها أبداً ، لتضربه على صدره تدفعه بكل ما أوتيت من قوة صارخة به :
- أبــعــد !!!!!!
صرخ بها "ظافر" يلوي ذراعيها خلف ظهرها :
- أهــدي !!!!
نفت برأسها بهيستيرية ليتركها "ظافر" مبتعداً عنها ، أمسك بخصلاته ليقول بصدرٍ مهتاج :
- جهزي شنطتك عشان نروح لقصر الهلالي يا مدام !!!!
• • • •
الفرحة تسود القصر بأكمله لعودة بِكرها ، وُضعت أشهى المأكولات على طاولة الطعام و جميع من بالقصر على قدمٍ وساق يُجهزون كل شئ ، أخبرها "ظافر" على الهاتف أنه تزوج من "ملاذ" ، بتلك اللحظة أطلقت زغاريد فرِحة أرتابت لها "مريم" ، أخفت السيدة "رقية" هذا الخبر عن العائلة بأكملها بأمرٍ من "ظافر" حتى مجيئه هو ليعلم البلدة بأكملها ، قالت "السيدة رقية" بينها وبين حالها :
- و أخيراً يا ظافر يابني أتچوزت ، أخيراً هتچبلي حفيدي اللي نفسي فيه، أحمدك يارب !!!!
نادت على الخدم تقول بصرامة :
- يالا يابت أنتِ وهي عايزة البيت يُبرق من النضافة عشان ضنايا جاي !!!!
بينما "مريم" تكاد تجن و كأنها تقف على جمرٍ مشتعل ، لا تصدق متى سيأتي زوجها الذي لم يهاتفها أبداً منذ أن ذهب و هي لا تعلم عنه شئ سوى من والدته ، تتمنى أن لا يحدث شئ سئ بعودته !!!
• • • •
أطرقت "رهف" بخفة على الباب ، يقف بجانبها زوجها وحبيبها ، فتحت والدتها الباب لتجد أبنتها تقف على وجهها أبتسامة واسعة ، لم تبدو أن والدتها فرحت برؤيتها خاصة عندما قالت بفتور :
- عايزة أيه يارهف ؟!! مش خلاص أتجوزتي وعيشتي حياتك !!!!!
أغرورقت مقلتيّ "رهف" بالدموع و هي تقول بحزن :
- أنتِ وحشتيني أوي يا ماما !!!!
رق قلب والدتها لتجذبها لأحضانها مربتة على ظهرها :
- أنتِ اللي وحشتيني يا ضنايا ، تعالي أدخلي ..
نفت "رهف" برأسها قائلة :
- لاء يا ماما كفاية عليا أني شوفتك ، أنا بس كنت جاية أطمن عليكي ..
↚
ربتت أمها على خصلاتها بحنو :
- و دة ينفع يابنتي ، تعالي أتفضلي أنتِ و جوزك !!!!
دلفت "رهف" بتردد يُعقبها "باسل" كظلها ، دلفوا جميعاً ليجلسوا في غرفة الصالون، جلست "رهف" جوار والدتها تتشبع من حنانها لرُبما لن تراها مرةً أخرى، ترددت كثيراً أن تسأل عن هذا الحقير، ولتقطع الشك باليقين تمتمت و هي تتمنى أن تسمع خبر موته :
- أومال جوزك فين يا ماما ؟!!
تحدثت بإعتيادية :
- نايم يا حبيبتي ...
أطلقت "رهف" زفيراً إرتياحياً و هي تتمتم بصوتٍ منخفض :
- يارب ينام مـ يقوم !!!!
ربتت والدتها على قدمها و هي تسعُل بقوة :
- رهف يا بنتي .. ممكن تروحي تجيبيلي كوباية ميا أشرب يا حبيبتي ..
أومأت "رهف" سريعاً لتهم بالذهاب و لكن قاطعها صوت زوجها الصارم قائلاً :
- خليكي يا رهف أنا هجيب .. المطبخ من فين ؟
أستطردت "رهف" سريعاً وهي ترى والدتها تسعل بقوة :
- لاء يا باسل خليك انا هجيب الميا ع طول ..
هم "باسل" بالإعتراض ولكنها تبخرت من أمامه تاركة إياه يسب بينه وبين حاله ..
سكبت "رهف" الماء داخل الكوب الزجاجي، توقفت الدماء عن السير بأوردتها عندما شعرت بـ يدٍ غليظة تقبض على خصرها، كادت أن تصرخ ليضع هو يده على فمها مكبلاً إياه ليصبح شبه محتضنها، ظهرها ملتصق بصدره و بـ يدٍ يطبق فمها وبالأخر يسير على جسدها بأكمله برغبة مقززة ، لمساته تحرقها و هي حية، رفعت قدميها لتضربه بقدمه بقوة من الخلف ، تآوه الأحمق بصوتٍ منخفض ليُطلق سراحها ممسكاً بقدميه، ألتفتت له لتُبصق في وجهه، ركلته بقدميها على رُكبته ليتكوم بالأرض، أرتجفت يداها وهي تلتطقت كوب الماء لتدلف خارج المطبخ، منعت بصعوبة إنهمار الدموع بعيناه لتخرج إلا والدتها ، مدت يدها بكوب الماء قائلة بنبرة مهتزة :
- أ .. أتفضلي يا ماما ...
أخذت والدتها الكوب لترتشف منه دُفعةً واحدة ، نظرت إلى "باسل" الذي يطالعها بشكٍ، تمنت لو أن تخبره ليذهب يُلقنه درسٍ قاسٍ لن ينساه طيلة حياته، ولكن خوفها على زوجها كان أكبر، هي تعلم أنه لن يتركه سوى جثة هامدة، و هي لن تُضحي به، إلتفتت إلى أمها تقول :
- ماما أحنا ماشيين بقا يا حبيبتي ..
أحتجت والدتها قائلة بحُزن جلي :
- أنتوا ملحقتوش تقعدوا يا بنتي .. و أنا لسة مش أطمنت عليكي ..
مالت عليها "رهف" لتحتضنها مجهشة ببكاء مرير ، أنقبض قلبه و هو ينتفض من على المقعد ، يرى والدتها تُربت على ظهرها و هي تقول بجزع :
- مالك يا ضنايا ؟!! فيكي أيه أوعي يكون جوزك مزعلك !!!!
نفت "رهف" و هي تبتعد عن أحضانها ، مسحت دموعها قائلة بحُزن :
- أنا بعيط عشان هتوحشيني أوي يا حبيبتي ..!!!
ربتت والدتها على كتفها قائلة :
- هو أنا هروح فين أبقي تعالي أشوفك البيت مفتوحلك في أي وقت ..
أومأت "رهف" لتودعها ، خرجا كل من "رهف" و "باسل" الذي يربت على ظهرها بحنو ، نظرت له "رهف" لتتشبث في يده و هم يسيروا نحو السيارة، استقل كلا منهما محله ليلتفت لها "باسل" مردفاً بشفقة :
- أنتِ كويسة يارهف ؟!!
أومأت "رهف" دون أن تتحدث ، انطلق "باسل" بالسيارة عائدين نحو بيتهما !!!!
• • • •
أستقل كلاً منهما السيارة بملامح جامدة، أردف "ظافر" قائلاً بنبرة فاترة :
- أخر مرة تلبسي فيها القرف دة .. و هدومك أنا اللي هختارهالك !!!!
ألتفتت له "ملاذ" بصدمة قائلة :
- تختارلي هدومي ، ليه إن شاء الله أنت فاكر نفسك مين ؟!!
ضرب على المقود بعنف لترتد "ملاذ" إلى الخلف عندما صرخ بوجهها :
- أنــا جــوزك .. و أنــتِ مـلـكـي أنـا .. بطلـي العنـاد والغرور اللي أنـتِ فيه و كلمتي تتسمع !!! دي أخر مرة أقول فيها الكلام دة ، فـــاهـمـه !!!!!
أنتفضت "ملاذ" من ذلك الرجل الذي أمامها، لا ليس هو .. هي لا ترى "ظافر" الأن بل ترى والده أمامها بصراخه الدائم و بنبرته المُرعبة و قساوة حديثه، ليس هذا "ظافر" من أهتم بها و رعاها، ليس من جعلها تشعر أنها ملكة متوّجة، لم تنبت ببنت شفة ، ليس خوفاً منه .. و إنما ذكاءاً منها حتى لا تجعله يخرج أسوأ ما به و هو في تلك الحالة المشحونة بذبذبات الغضب و لكن حديثه لم و لن يروق لها، أنطلق "ظافر" بالسيارة بجسدٍ متشنج أثر غضبه ، أنطلق بالسيارة التي تكاد تطير من فرط السرعة التي يسير بها، قطبت "ملاذ" حاجبيها بخوفٍ لم تُظهره، منذ صغرها تخاف من سُرعة السيارات بل تتلبسها حاله من الذُعر، وضعت يداها على كتفه و هي تقول بصوتٍ مُرتجف :
- ظافر هدي السُرعة .. ظـافر بقولك هدي السرعة لـو سمحت !!!!!
↚
لم يكُن يسمعها ، لم يسمع حبيبته و هي شبه تترجاه أن يُبطئ السرعة لم يُكن يرى أو يسمع شئ ، هو هكذا عندما يغضب لا يرى أو يسمع، و لكن صوت شهقات بكائها و هي تدفن وجهها داخل كفيها يخترق أذنه لتعصف به بقوة ، ضغط على مكابح السيارة لترتد إلى الخلف، ألتفت لها وقد ذهب غضبه إدراج الرياح، ترجل من السيارة ليذهب نحوها، لم تكف "ملاذ" عن البكاء القوي رُغم توقف السيارة، لم تستفيق سوى على ذراعه الذي يجذبها نحوه بلُطف ليُخرجها من السيارة ، أبعدت يداها عن وجهها لتظهر عيناها المبتلة و الحمراء .. لو بإستطاعته كان ليقتل نفسه حتى لا يتسبب في بكاءها بتلك الطريقة، جذبها إلى أحضانه ليجعلها تحاوط عنقه رُغماً عنها، قبل خصلاتها مربتاً على ظهرها و هو يُردف بندم حقيقي :
- أنا أسف .. متعيطيش خلاص أنا أسف أنا مكنتش شايف قُدامي، ملاذ أرجوكي متعيطيش يا حبيبتي خلاص ...
أبتعدت عنه تضربه على صدره ضربات قوية متتالية قائلة بصراخٍ باكي :
- أنـت غبي و مجنون .. أنا مبحبش السُرعة العالية بفتكر بابا و ماما ماتوا أزاي يا ظافر و أنا مبحبش أفتكر ده ..
جذبها لأحضانه مجدداً في عناق يسحق عظامها يدفن وجهه بعنقها يقول بأسفٍ :
- أهدي أنا أسف .. خلاص وعد مش هسوق بسرعة تاني بس كفاية عياط !!!!
حاوطت عنقه برجفة و هي تسند رأسها على كتفه و قد شعرت بالطمأنينة بين يداه، شعور فريد حقاً ، تشعر أنها تحتضن أباها بدفئ عناقه ولمساته الحنونة، هدهدها "ظافر" يمسح على خصلاتها مغمضاً عيناه يشتم رائحتها الجذابة، كم تمنى ذلك العناق كثيراً، كم تمنى أن تعانقه وتتشبث به مثل الأن، دام عناقهما رُبما عدة دقائق كِلاهما صامتان، أبتعدت عنه "ملاذ" ليحاوط "ظافر" وجهها بكفيه ماسحاً دموعها، أقترب بثغره ليُقبل مقدمة رأسها بحنو جارف، نظر لها قائلاً بمرحٍ :
- تمام كدا يا باشا ؟!!
أبتسمت "ملاذ" و ما أجمل أبتسامتها بعد بُكائها .. نظرت له قائلة بتحذير وهي تزم شفتيها :
- مش هتزعقلي تاني أبداً ؟!!!
ملئت ضحكاته الرجولية الطريق الفارغ الذين يقفوا به ليجذب وجهها نحوه مقبلاً طرف ثغرها بعُمق قائلاً بحنو :
- لاء مش هزعقلك تاني أبداً ..
أومأت "ملاذ" لتستقل السيارة بمشاعرٍ مختلفة كُلياً ، أستقل هو أيضاً لينطلقوا نحو قصر "الهلالي"
• • • •
ترجل "ظافر" من السيارة بعد أن صفها في مصف السيارات الخاص بعائلتهما، ترجلت هي الأخرى بتردد لتتمسك بذراعه قائلة :
- ظافر .. أنت متأكد أن هُما هيقبلوا بيا ؟!!
ربت على كفها قائلاً بلطف :
- أيوا متأكد .. أنا قايل لأمي أصلاً اني كتبت كتابي عليكي !!!!
شهقت "ملاذ" قائلة بصدمة :
- بجد !!! طيب و هي قالتلك أيه !!!
كوّب وجهها بين يداه قائلاً :
- كانت مبسوطة جداً ..!! وبعدين متخافيش و أنا جنبك !!!
قطبت حاجبيها قائلة بإنزعاج :
- أنا مش بخاف أصلاً !!!
قهقه "ظافر" ليُقبل جبهتها ممسكاً بكفها، سارا نحو باب القصر ليجد والدته تستقبله بالأحضان ، أحتضنت "ملاذ" أيضاً بأمومة لتبادلها "ملاذ" العناق، بينما "ظافر" لازال ممسك بكفها يرفض أن يتركه، ظهرت "ملك" التي أتجهت لتحتضن أخيها بإشتياق، تفاجأت من وجود ملاذ" بجانبه ممسك بيدها لتقول :
- ملاذ ؟!! أنتِ هنا ..!!
لم تعلق "ملاذ" أبداً ، لتظهر "مريم" من وراء السيدة "رقية" عيناها مثبته على كف زوجها الممسك بكفها ، تسمرت بمكانها لتنظر إلى "ظافر" بصدمة ، وفجأة تعالى صوتها لتصرخ به بقوة أفزعتهما :
- ظـــافـــر !!!!!!
جلست على أريكة غرفتها التي تجاور غرفة "ظافر" ، ثم أطلقت العِنان لعقلها لتتذكر ما حدث من مطاحنات بينهم، عندما أندفعت "مريم" تجأر في ضراوة :
- بتعمل أي أهنه دي يا ظافر ، وماسك في أيدها ليه أكده !!!!!
عقّب "ظافر" بملامح مبهمة وبعينان جامدتان:
- مـلاذ بقت مراتي يا مريم، كتبنا كتابنا والدخله كمان كام يوم !!!!!
هللت والدته فرِحة تقول بنبرة شامتة :
- أيوا أكده ياضنايا ، اللي عملتهة الصح يا حبيبي عايزة أشوف حفيدي قبل مـ أموت !!!!!
توقف عقلها عن التفكير، تحدق بكفيهما المتشابكان بجمود، لم تعد قدميها تحملها حتى كادت أن تسقط من أعلى الدرج ، لتساندها "ملك" التي أشفقت عليها قليلاً ، ليس من السهلاً أن ترى من تحبه متشبث بآخر، وقعت عليها كلماته كالصاعقة، هزت رأسها نافية ما يقول و كأنها بكابوس، هو وعدها أن لن يتزوج بأخرى ، هو من قال أنه لن يتركها، حدقت بـ "ملاذ" بحقد إن وُزع على بلدة بأكملها سيُكفي ويفيض، بينما نظرت لها "ملاذ" بإنتصار جلي، تخبرها أنه أصبح ملكها، لها هي فقط و أنها فقدته للأبد، عندما وجدتها تنظر لها بتلك الطريقة ركضت نحوها تجتاز الدرج وعيناها تشع غضباً سيودي بها، أسرع "ظافر" ليجعلها تتوارى خلفه منتصباً أمام "مريم" يحذرها قائلاً :
- إياكي تلمسيها !!!!!
ألتوى ثغرها بإبتسامة ماكرة وهي تقف خلفه لتستفزها أكثر، نظرت له "مريم" بخذلان ، بضعفٍ، بعينان حزينتان، تستميله بنظراتها عله يتراجع، ولكن لم تؤثر به نظراتها مقدار ذرة، أسرعت السيدة "رقية" تنهي اللحظات المشحونة لتجلب "ملاذ" من ذراعها متمتمة بإبتسامة مِرتابة :
- تعالي يحبيبتي أما أفرچك على جِناحك ، هو جنب جِناح "ظافر" على طول !!!
نظر لها "ظافر" قائلاً :
- لاء يا أمي ملاذ هتقعد معايا !!!!
رفضت والدته رفضٍ قاطع قائلة :
واه !!! تقعد معاك كيف يابني أنت عايز الناس ياكلوا وشوشنا ويقولوا عايشين مع بعض في نفس الچناح من غير دُخلة، لاع ملاذ هتقعد في جناحها لحد م تتدخلوا يا حبايبي !!!!
لم يُجيب "ظافر" لينظر إلى "ملاذ" يُريد أن يشبع من عيناها ، أمرت والدته الخادمة بأن تحضر ثيابها وترصصهما في خزانتها
↚
أفاقت على رنين هاتفها لتجفل بتوجس، ألتقطته لتتأفف ثم وضعته على أذنها ترد بإيجاز :
- نعم يا عماد ؟!!
أسترسل "عماد" سريعاً وبنبرة مخنوقة :
- ملاذ حقيقي اللي سمعته ؟!! أنت واللي أسمه ظافر كتبتوا الكتاب ؟!!!
رفعت أحد حاجبيها قائلة :
- و أنت عرفت منين !!!
صاح بها "عماد" و لأول مرة بغضبٍ ثائر :
- مــش مهم عـرفـت منين جاوبيني اللي سمعته دة حـقـيـقـي !!!!!
جمدت ملامحها لتعلق بنبرة هادئة وكلمات مسمومة :
- لما تعرف تتكلم معايا أزاي ساعتها هكلمك !!!!
ثم أغلقت الهاتف بأكمله لتلقيه على الفراش بغضب تاركة "عماد" يتمتم بجنون كمن يجلس على جمرٍ مشتعل :
- لاء يا ملاذ أنتِ بتاعتي ، مش هسمح لحد ياخدك مني أنتِ ملكي أنا !!!!!
سمعت الباب يطرق بهدوء لينبعث صوتٍ أنثوي رقيق يتمتم :
- ملاذ أنا ملك .. ينفع أدخل ؟؟
ردّت "ملاذ" قائلة على مضض :
- تعالي يا ملك أتفضلي ..
دلفت "ملك" داخل الغرفة لتشهق بإعجاب مردفة :
- أيه يا بنتي الجمال دة ما شاء الله عليكي بجد ، أنا بقول لو ظافر شافك كدا ممكن يخلي الدخلة دلوقتي !!!
أبتسمت "ملاذ" ببهوت على إطراءها لتنظر إلى ما ترتديه ، فقد أبدلت ملابسها إلى منامية تتكون من بنطال قصير يصل إلى ما قبل ركبتها مع كنزة "كت"قصيرة في منتصف معدتها تكشف عن ذراعيها الممشوقتان وخصرها النحيل، لتعود ناظرة إلى "ملك" بغرابة قائلة :
- أنتِ مش بتتكلمي صعيدي زيهم ليه ؟!
أبتسمت لها "ملك" لتذهب جالسه جوارها قائلة :
- انا أصلاً بسافر القاهرة عشان الجامعة بتاعتي هناك، يعني بتكلم زيكوا عادي ...
أومأت "ملاذ" بصمت، بينما هتفت "ملك" قائلة:
- عارفة يا ملاذ أنا كنت طول عمري مرات أخويا ظافر بالذات تبقى قريبة مني زي أختي كدا ، بس للأسف لما اتجوز مريم كانت بتكرهني وبتكره ماما، مريم مش سهله و نابها أزرق بس الحمدلله انه عرف يختار المرة دي..
قالت بإمتعاض لحظ أخيها الذي أوقعه في "مريم"، لتعود مبتسمه بمرحٍ قائلة:
- انا حبيتك خلاص وشكلنا هنبقى صحاب ..
نظرت لها "ملاذ" بإبتسامة نابعة من قلبها، فتلك الفتاة رُغم سنها الصغير إلا أن وجهها البشوش المستدير يجعلك تطمأن لها، أبتسمت لها "ملاذ" قائلة :
- أكيد يا حبيبتي ..
صفقت "ملك" بسعادة، لتجلس مربعة القدم قائلة بحماس متأهبة :
- خلاص أحكيلي بقا أتعرفتوا على بعض أزاي أنتِ و ظافر ؟!!
مُحت الأبتسامة من على وجهها لتشرد في أول لقاء بينهما بعد مرور تلك السنوات،عندما دافع عنها أكثر ولقن "سالم" درساً لن ينساه، نظرت إلى "ملك" قائلة بإبتسامة صفراء:
- أنا بقول تخلي "ظافر" يحكيلك احسن ؟!!
- لاء أنا عايزة أسمع منك !!!
قاطعهما أقتحام "ظافر" الغرفة لتنتفض "ملك" تنظر له بتوجسٍ، بينما "ملاذ" لم يهتز لها رمشٍ، أشار لـ "ملك" بالخروج لتخرج فوراً دون انا تنبس بكلمةٍ، أخذت عيناه تجول على ما ترتديه من ملابس، كلما يراها يشعر بأنه يفقد السيطرة على نفسهُ، مسح على وجهه بعنف ليزمجر بحدة :
- الحيوان عماد كلمك !!
نظرت له بدهشة قائلة :
- و أنت عرفت منين ؟!!
أبتسم بقسوة مردفاً بشراسة :
- أتوقعت، أصل أنا نزلت الخبر في الجرايد عشان كله يعرف أنك بقيتي بتاعتي !!!!!
جحظت عيناها لتنهض مندفعه تجاهه بشبه صراخ :
- ظـافر أنت أتجننت أزاي تنشر الخبر كدا و مقولتليش لـيـه !!!!!
جمدت أنظاره يقول بتحذير :
- متعليش صوتك يا ملاذ !!!!
بلغ الغضب ذروته لتضرب الارض بقدميها بصوتٍ أعلى :
- فهمني لـيـه عملت كدا من غير ما تقولي !!!! عماد شكله اي دلوقتي قدام الناس !!!!!
نبض فكه بقوة ليتشنج وجهه بغضبٍ هالك، قبض على ذراعها بقوة آلمتها صارخاً بوجهها يجأر بصوته الجهوري :
- إيــاكـي تجيبي أسم راجل تاني على لسانك أنا حذرتك قبل كدا المرة الجاية هتزعلي مني يا مــلاذ !!!!
لم يهتز لها رمشٍ، ظلت تطالعه بجمود لتنفض يداها بعيداً تزيح كفه القاسي، دلفت "رقية" إلى الغرفة بدون استئذان تضرب صدرها بذراعها قائلة بقلق :
- في أيه يا ولاد صوتكوا عالي ليه عاد، أوعاك "إياك" يا ظافر تزعل ملاذ بتي من دلوكتي يا ملاذ لو ظافر عملك حاسة تيچي تقوليلي أنا زي أمك يا حبيبتي ..
↚
ظل ينظر لها بقتامة لينهب الأرض بقدميه دالفاً خارج الجناح ، ظلت "ملاذ" على وضعها تنظر للأمام بشرود، ربتت "رقية" على كتفيها قائلة بحنو :
- معلش يا بتي أستحمليه، ظافر عصبي بس مافيش أحن منه، أنا مـ صدقت أني إن شاء الله هبقى چدة، أرتاحي يا حبيبتي و نامي هبَابة "شوية" على ما الخدم يحضروا الغدا ..
اومأت "ملاذ" بإرهاق فهي حقاً منهكة، خرجت "رقية" لتترك لها مساحة من الحرية، أتجهت "ملاذ" نحو الفراش لتستلقى عليه بتعب، كم أشتاقت لفراشها وشقتها.. بعد دقائق قليله ذهبت "ملاذ" في سُبات عميق !!!
• • • •
جلس جوارها على الفراش، مسح على خصلاتها بندم يجاوره أخيها الصغير مترقرق العينان خائفاً على شقيقته، أخبره الطبيب الذي ذهب قبل دقائق بإرهاقها النفسي والجسدي وضرورة الأعتناء بها وبصحتها، أنثنى يضع يداه على ركبته ممسك برأسه بتعبٍ، ذهب نحوه الصغير قائلاً ببراءة وبنبرة شبه باكية :
- عمو هي فريدة هتفوق أمتى ؟!!
نظر له "مازن" متمتماً بضيق:
- فريدة نايمة شوية يا يزيد ..
أومأ "يزيد" يتنهد بتعب يُفرك عيناه بطفولية، ليبتسم "مازن" قائلة في نبرة لطيفة :
- تيجي ننام أنا و أنت جنبها ؟!!!
أومأ الصغير سريعاً ليصعد الفراش مستلقياً جوار شقيقته، دفن أنفه الصغير بعنقها متمتاً بكلمات غير مفهومة، أستلقى "مازن" هو الأخر جوارهما بحذرٍ، أغمض عيناه بنعاس ليغفو هو الأخر ..
• • • •
للمرة المائة تأخذ شقيقتها ما يخُصها هي، ألقت بالهاتف في عرض الحائط صارخة ببكاء عنيف، ركضت نحوها "فتحية" ضاربة صدرها هاتفة :
- يا ساتر يارب في أيه يا براءة يا بنتي !!!!
صدح صوت بكائها المنزل باكمله جوارها "فتحية" تحاول تهدأتها، صرخت "براءة" بكل ما أوتيت من قوة و بحُرقة شديدة :
خدت مني كل حاجة، حتى هو خدته مني !!! يــارب ليه بيحصل فـيـا كـدا لـيه كل حاجة حلوة بتروح مني !!!!
بكت "فتحية" على بكائها النابع من قلبها ، وقد فهمت ما تقصده ، فهي أيضاً قرأت بالجريدة خبر زواجهم .. عانقت "براءة" تحاول بث الطمأنينة بها و لكن لا حياة لمن تُنادي، اخذت تضرب كل ما تُطيله يداها جالسة على المقعد لا حول لها ولا قوة، نبع الحقد من عيناها عازمة على ألا تترك لهم فرصة ليبقوا سعداء، قطعت وعد على نفسها على أن تذيقها المرار كؤوساً !!!!
• • • •
- مـش ممكن !!!!
هتف "باسل" بصدمة عندما علم بزواج أخيه، جائت "رهف" على جملته المصدومة قائلة بغرابة :
- في أيه يا بـاسـل ؟!!!
ألتفت لها قائلة بعجلة :
- رهف لمي هدومك بسرعة .. راجعين على الصعيد !!!!
- لــيــه !!!!
صرخ بها بقوة :
- رهـف لمي هدومك و أنتِ ساكتة !!!!
• • • •
طُرق باب مكتبه بهدوءٍ، أمر هو بالدخول ليرى والدته تدلف متجهة نحوه،فورما رآها نهض مردفاً بلطف :
- تعالي يا أمي .. في حاجة ؟
- البت اللي أسمها مريم دي فين ؟!!
أمتعض وجهه قائلاً:
- مريم سابت الجناح و قاعدة في الأوضة اللي فوق ، لمت هدومها وطلعت .
أشارت بيداها بإرتياح قائلة :
- يلا أحسن بردو !!! كنت عايزاك في موضوع يا حبيبي ..
أتجهت نحو الفراش تشير له بالجلوس جوارها، جلس "ظافر" ينظر لها بإستغراب ، ثم علت الدهشة محياه عندما قالت :
- مخبيين عليا أيه يا ولاد الهلالي ..!!
- قصدك أيه يا أمي ؟!
تنهدت بقلة حيلة قائلة :
- أخواتك فين يا ظافر ، مازن بقاله يومين خارچ من المشتشفى يابني و كان قايل أنه چاي على أهنه ، وباسل مختفي و لما قولتلي أنه عندك صدقتك، أنا عارفة أنه مش عندك يابني ريح قلبي وقولي هما فين ؟!!
أطلق زفيراً مرهقاً يقول بجدية :
- هقولك يا أمي .. بس توعديني أنك متضايقيش ..
أومأت سريعاً بتوجس تحثه على المتابعة، أسترسل "ظافر" قائلاً :
- باسل أتجوز رهف اللي وقعت في طريق مازن عشان سمعة العيلة متضيعش بسببه، صدقيني دة كان الحل الوحيد للمصيبة دي !!!!
لطمت على فخذها صارخة بصدمة :
- يا نصيبتي !!!! أتچوز !!! و أتچوز البت اللي كان أخوه هيتچوزها ، يا ليلة سودا !!! و من ورانا و من ورا أهل البلد !!! لـيـه !!!!
↚
- دة كان الحل الوحيد !!!!
- طـب .. طـب و مازن راح فين، أوعى تكون عملتله حاچة يا ظافر ؟!!!
أستعد ليفجر في وجهها الصدمة التالية قائلاً بهدوء :
- ومازن أتجوز ممرضة شغالة قي المستشفى بتاعتنا !!!!
شعرت بالأرض تُسحب من أسفلها ، أسندها "ظافر" صارخاً بهلع :
- أمي .. أمــي !!!!!
دلفت "ملك" للغرفة لترى والدتها تسقط على الفراش بوجهٍ شاحب و عينان مغلقتان، أسرعت "ملك" تركض نحوهما لتهتف لأخيها ببكاء :
- أيه اللي حُصل يا "ظافر" في أيه !!!!
حاول "ظافر" أن يفيقها ليجلب كوب من الماء، نثره على وجهها لتفيق، أسرعوا بمساندتها حتى تجلس على الفراش، أحتضنتها "ملك" تشهق ببكاء خائف من فقدان أغلى ما لديها :
- خضتينا عليكي ياما أنتِ كويسة ؟!!!!
لم تنبت ببنت شفة، ظلت تنظر أمامها بشرود حزين، نظر لها "ظافر" بشفقة ليردف :
- ملك سيبينا لوحدنا شوية !!!
نفت "ملك" متشبثة بوالدتها التي بدت بحالة ليست طبيعية قائلة :
- لاء يا ظافر أنا لازم أعرف في أيه !!!
- مــلــك !!!!!
صرخ بها بنبرة حادة لترتجف "ملك" من شدة الخوف، أنكست رأسها بحزن لتخرج خارج الغرفة ، أقترب "ظافر" من والدته لينحنى أمام قدميها ممسكاً بكفيها قائلاً :
- يا أمي ردي عليا ، زعقي طيب أعملي أي حاجة بس حالتك دي بتقلقني، صدقيني أنا عرفت أن مازن كمان أتجوز بالصدفة بس باسل كنت عارف أنه هيتجوز، محدش فينا يقدر على زعلك و ياستي لما ييجوا أبقي عاقبيهم براحتك بس بلاش حالتك دي .. أعملك أيه طيب عشان تبقي مبسوطة .. صدقيني هما جايين دلوقتي يا حبيبتي و هما هيفهموكي كل حاجة..
أومأت دون أن تتحدث، أبتسم "ظافر" بسعادة ليقبل كفها بحب
• • • •
أفاقت "فريدة" لتشعر بثقل على خصرها، وجدت "يزيد" و مازن يحتضنان خصرها النحيل، أنتفضت "فريدة" بفزع تناظرهما بجسد يرتجف، سُرعان ما تذكرت ما حدث لتجهش ببكاءٍ حارق، أخبئت وجهها داخل كفيها وجسدها ينتفض من شدة البكاء، أفاق "مازن" على صوت بكائها ليهرع نحوها، رؤيتها بتلك الحالة جعلته يشعر بشعور لأول مرة يشعر به، هو لا يعلم ماذا يفعل لكي يجعلها سعيدة، ولا يعلم لِمَ يحاول إرضائها بشتى الطرق، هو من أصابها في مقتل بكلماته المسمومة ليأتي الذي من المفترض أبيها ليُكمل عليها، مسح على وجهه و هو كالعاجز أمام بكائها، كاد أن يُمسك بكتفيها بلطف لتبعد ذراعيه بعنف ناظرة له بإشمئزاز، خرجت الكلمات مصحوبة بشهقات مرتجفة :
- إ .. إياك تلمسني .. أبداً !!!!!
نهضت عن الفراش تحاول خلق مسافة كبيرة بينهما، نهض هو قبالتها قائلاً بنبرة هادئة :
- فريدة أسمعيني عايز أقولك اي !!!!
وضعت كلتا كفيها على أذنها صارخة بجنون ليفيق أخيها الصغير على صوت بكائها:
- سيبني بقى في حالة مش عايزة أسمع حاجة مش عايزة أسمع كفاية اللي سمعته وشوفته سـيـبـني !!!!!
أقترب منها يحاول تهدئتها و بدأ في فقدان أعصابة لتبتعد هي إلى الوراء صارخة بجنون حتى أشتدت عروق عنقه، بكى "يزيد" يضم ساقيه إلى صدره، أندفع نحوها ليحاوط كتفيها بذراعيه المفتولين صارخاً بوجهها :
- اهـدي بــقــولك !!!!!
ضربته على صدره بكفها الصغير بدموع تنهمر على وجنتيها كالشلالات، أستقبل ضرباتها بصدر عريض مشدداً على خصرها، أُنهكت قواها واستنفذت طاقتها لتخونها قدميها حتى كادت أن تسقى لولا ذراعه الذي أسندها سريعاً، تعلقت أنظاره بأنظارها ليتنهد بإرتياح بعدما هدءت، تمتم "مازن" بصوتٍ أجش :
- هعمل أتفاق معاكي مقابل أنك تيجي معايا لقصر الهلالي في الصعيد ..!!!
هزت رأسها نافية بضعف قائلة :
- مستحيل أجي معاك في مكان !!!
ثُبتت أنظارها عليها قائلاً :
- لاء هتيجي .. وبمزاجك ..!!!
ليتابع هو بعينان ماكرة قائلاً:
هشتريلك شقة وهكتبها بأسمك في أحسن مكان في القاهرة، أخوكي هيدخل أرقى المدارس و هيتعلم احسن تعليم، مش هخليكوا محتاجين حاجة بس هتفضلي على ذمتي يا فريدة لحد م أنا اللي أقرر هطلقك، عايز أثبت لعيلتي أني مش فاشل، وأني أعرف أعتمد على نفسي كويس وأعرف أكون عيلة، قولتي أيه ؟!!!
صُدمت من عرضه، فرغت شفتيها بذهول لتلوي شفتيها بتقزز متمتمة :
- أنت فعلاً فاشل يا مازن، و مستحيل تنجح في أنك تكوِّن عيلة، أنت مش عارف تحب نفسك عشان تحب اللي حواليك، و أنا مش مستعدة أبقى فار تجارب عشان تثبت لعيلتك أنك مسؤول !!!!
أظلمت نظراته ليضع يداه في جيبه قائلاً بسخرية :
- فريدة أنتِ مراتي، والمهر بتاعك أنا دافع فيه دم قلبي، يعني كدا ولا كدا أنتِ هتيجي معايا عند أهلي، بس أنا عايز تبقي مستفادة عشان تضمني حقك لما أطلقك، بس واضح أنك غبية فعلاً !!
ظلت تناظره بحدة ممزوجة بتحدي، و أخيراً أسترسلت :
- على شرط ..
أبتسمت عيناه لنجاح خطته قائلاً:
- أشرطي يا مدام ..
نظرت لأخيها الذي ينظر لهما بعدم فهم لتهمس :
- جوازنا هيبقى على ورق بس يا مازن !!!
↚
قطب حاجبيه لوهلة، لتصدح صوت ضحكاته العالية أرجاء الغرفة عائداً برأسه للخلف، سرعان ما قطع ضحكاته بنظرة راغبة تتفرسها :
- أنتِ أنانية أوي يا فريدة، عايزة تاخدي كل حاجة و أنا ماخدش أي حاجة، فريدة أنا متجوزك لسبب واحد أنتِ عارفاه .. وبعمل كل دة بردو و أنتِ عارفة ليه !!!! وتيجي تقوليلي على ورق، طب و أنا كدا هبقى مستفيد بأيه !!!!
شهقت مصدومة من مدى وقاحته، لتعود للخلف ضاربة الأرض بقدميها قائلة :
- مستحيل دة يحصل !!!!!
نظر إلى "يزيد" ليجده قد غفى ذاهباً في سُبات عميق، تقدم منها بضع خطوات لتعود هي ضعفهما، لينتهي بها الحال محاصرة بين الحائط وذراعيه ينظر لها كالأسد الذي يود إفتراس بل تمزيق فريسته، تاهت في عيناه السمرواتين شاردة بقساوتهما، يقترب ليُسند جبينه على جبينها مستنشقاً أنفاسها الدافئة، قائلاً بنبرة خالية :
- أنتِ محتاجاني صدقيني ، أبوكي مستحيل يسأل فيكي لا أنتِ ولا يزيد، شغلك مش هيكفي المصاريف اللي هتصرفوها، أعتبري أنك بتعملي خدمة مقابل مبلغ مادي محترم وشقة و أحلى عيشة، بذمتك مش عرض مُغري !!!!
أغمضت عيناها البندقيتان لتنهمر الدموع على وجنتيها، شعر بقبضة تعتصر قلبه ليميل مزيلاً دموعها بشفتيه الغليظة التي أخذت تجول على وجنتيها، فتحت عيناها على مصراعيهما دون أن تتحرك، نزل بشفتيه قليلاً حتى كاد أن يطبق بشفتيه على شفتيها، لتدفعه "فريدة" قبل أن تستسلم للمساته المذيبة، خفق قلبها برعب لتتمتم :
- طيب .. موافقة .. موافقة بس سيبني لوحدي لو سمحت ..!!!
أبتسم بخبث ليقول :
- مافيش وقت ، جهزي نفسك وأخوكي عشان هنسافر الصعيد .. دلوقتي !!!!!
تركها ليدلف خارج الغرفه، أرتمى على الأريكة في إرهاق ليخرج سيجاره البنيّ، نفث دخانها يحُكّ جبهته بتعب، عاد بذاكرته للخلف عندما هاتفه أخيه ..
- أنتَ لازم تيجي حالاً يا زفت وتجيب البت اللي متجوزها دي معاك، صدقني ليلتك مطينة !!!!!
أمسك بذهنه بشرود، كيف علِم أخيه يأنه تزوج رُغم حرصه على أن لا يعلم أحد من عائلته أبداً، لم يكن يريد أن يعلم "ظافر" دون أن يخبره هو، نهض واثباً ليجلب مفاتيح سيارته لينتظرهما بالأسفل ..
• • • •
الدموع عالقة بأهدابها، تنظر إلى وجهها الذي بُهت لونه، وعيناها التي أصبحت خالية من كل شئ، لم يعد لديها ظهرٌ تحتمي به، لم يعُد لديها سوى الله، حملت أخيها الصغير الغارق في النوم بعد أن أرتدت ملابسها البسيطة لتلج خارج الغرفة، بحثت عنه لكنها لم تجده في البيت، ظنت أنه تركها وذهب لتضع "يزيد" على الأريكة قائلة في غضب :
- هو راح فين !!! يارب أنا تعبت ..!!!
لم تشعر بنفسها إلا وهي تجلس على الأريكة منهارة في البكاء الشديد، الذي جعل أخيها ينتفض من نومه، يقترب منها بيداه الصغيرتان جداً ليُزيل دموعها عن وجنتيها بلُطفٍ طفولي مبتسماً في وجهها كالملاك، أحتضنته هي فلم يعد لديها في الدنيا سواه، نظرت لباب الشقة الذي فتح بعنف ليدلف "مازن" قائلاً بعنف أشد :
- أنتِ مطلعتيش ليه بقالي ساعة مستنيكي في العرب...
استوقفته دموعها ليقترب منها بجزع، نهضت هي قبالته تصرخ في وجهه بحُرقة :
- و أنتِ مش قولتلي ليه انك واقف برا !!!!!
ثم أكملت بنبرة تشوبها الألم :
- أنا فكرتك مشيت ..!!!
ربت على كتفيها قائلاً بلا مبالاة :
- لاء متقلقيش أنا مش همشي و أسيبكم أبداً ..
• • • •
دلف للغرفة ليجدها مستلقية على الفراش في وضع الجنين مسبلة بعيناها بإرهاق، كم يود هو أن ينام بعمق مثلها، منذ وفاة والده لم يستطيع الغوص في النوم بتلك الطريقة التي تنام بها، يقترب منها لينثنى بجزعه العلوي مستنداً على الوسادة بكلتا ذراعيه محدقاً بجمالها الجذاب، مسح على خصلاتها كما لو أنها طفلته، تململت "ملاذ" لتفتح عيناها ببطئ، و أول ما رأته كانت غابات الزيتون خاصته، أنتفضت من على الفراش لتفرك عيناها من شدة النعاس، أعتدل هو في وقفته أبتسم يطالع وجهها الصافي كم كانت بريئة كالأطفال، تفاجأت هي من وجوده لتقول:
- ظافر كنت عايز حاجة؟
تنهد قائلاً :
- كنت فاكرك صاحية فقولت أجي عشان أتكلم معاكي على فرحنا
أبتلعت ريقها قائلة بتردد :
- فـرحنا !!!!
بدا الإرهاق على وجهه جلياً، ليجلس جوارها مغمضاً عيناه بتعب عائداً برأسه للخلف لتظهر تفاحة آدم خاصته، الإرهاق بادي على وجهه وبقوة،لاحظت هي ذلك لتمد يدها على ظهره بتردد قائلة ببعضٍ من القلق:
- أنت كويس ؟!!
أغتصب أبتسامة صفراء متمتماً :
- مافيش حاجة يا حبيبتي ..
توترت قليلاً لأثر تلك الكلمة على قلبها، ولكنها أخفت توترها قائلة بشك :
- بجد؟!!!
أبتسم لها قائلاً وهو يربت على ذراعها مسترسلاً :
- أرجعي نامي يا ملاذ ..
فركت عيناها كالأطفال قائلة زامة شفتيها :
- لاء أنا مش عايزة أنام !!!!
↚
لتُكمل قائلة بتردد :
- أنا جعانة ..
نظر إلى شفتيها بعينان مظلمتان يشُعان رغبة، قلبه يحثه على فعلها، بينما عقله يدفعه دفعاً منجذباً لسحرها، وبالفعل في غضون ثوانٍ كات مطبق بشفتيه على شفتيها يقبلها برقة، بلطفٍ جعلها تستسلم له، ظلت متيبسة لاسيما عندما أمسك بعنقها من الخلف ليتعمق أكثر!!!
طرقات خفيفة على الباب جعلتها تجحظ بعيناها لتدفعه بصدرٍ يعلو ويهبط، حاولت إزاحة ذراعه القوي عن ظهرها ليُشددها هو أكثر ناظراً لها بتحذير شديد، سمح للطارق بالدلوف لتدلف الخادمة تخبرهم بضرورة النزول ليأكلوا منكسة بنظرها للأسفل، خرجت بهدوء لتنظر له بغضب نافضة ذراعه عنها لتنهض واثبة مزمجرة به بوجنتان متخضبتان :
- يا ظافر في حد يعمل كدا !!! ، يعني ينفع الموقف اللي حطتني فيه دة !!!!
جذبها من ذراعها لتسقط على قدمه يبتسم لها بخبث، شهقت "ملاذ" بخجل، حاولت النهوض ولكن ذراعه الذي يحاوط خصرها بشراسة يحول دون ذلك، كادت أن تبكي من فرط الحرج قائلة :
- ظافر سيبني والنبي لو حد دخل والله هنتبهدل !!!!
قهقه بصوت عالي جعلها تتمنى لو أن تنشق الأرض وتبتلعها، ليهتف "ظافر" وسط ضحكاته الرجولية :
- أنتِ هبلة يا ملاذ ؟!!، أنتِ مراتي مش شاقطك (يقصد مش جايبها من الشارع يعني)
نظرت له بغلٍ لتضربه على منكبيه العريض بعنف، ضحك هو بقوة، ليصمت بعد برهة من الزمن، كما لو أنهما بعالم منفرد عن ذاك، بإبتسامة لطيفة على ثغره يتأمله، كان دائماً ينظر إليها وكأنها أعظم أحلامه التي تحققت وأجمل إنتصار فاز به !!!
ـعيناها البندقية وبخصلاتها الفحمية التي تنسدل بطول ظهرها، أمسك بخصلاتها المموجة بجاذبية، سار بأنامله على طول ظهرها لترتجف هي مغمضة عيناها من ذلك الشعور الذي يدغدغ روحها، فتحت عيناها لتنظر له، أقترب هو منها لتنثنى عليه بخبث، هم بأن يقبلها لتَنزع هي ذراعها من فوق معدتها لتنهض لتسقف بمرح، ركضت تجاه الباب ليركض هو وراءها صارخاً بها بقوة :
- مـــلاذ !!!!!
أنتفضت من صرخته لتلتفت له برعب، أقترب منها يحاصرها بذراعه قائلاً بنبرة سوداوية :
- ورحمة أبويا قبل مـ تعتبي باب أوضتك لو مشوفتيش أنتِ متنيلة ولابسة أيه متعرفيش أنا هعمل أيه !!!!
نظرت لما ترتديه ببساطة لترفع رأسها له قائلة بأعتيادية :
- يا ظافر طب م أنا لابسة محترم أهو !!!!
أظلمت عيناه لتتراجع برهبة من عيناه المخيفة قائلة :
- طب خلاص هغيرهم ..
جذبها من كفها ليقف أمام الخزانة، فتح الضلفة ليرى ثياب قصيرة لا تليق بشرقيته، مسح على وجهه بعنف ينظر لها بغضب ناري، كيف كان تخرُج بتلك الثياب ويراها الجميع بها، هتف بها بعينان متقدان :
- هو أنتِ لبسك كله زبالة كدا !!!!!
رفعت حاجبيها بغصب قائلة :
- زبـالة !!!!!
تابعت بنبرة قوية قائلة :
- ظافر أنا مسمحلكش تقول على لبسي كدة !!! ،وبعدين انا حرة ألبس اللي أنا عايزاه ..
جمدت عيناه ليجذب ذراعها بعنف قائلاً :
- مش عايز أسمع صوتك، أنتِ مراتي وتعملي اللي بقولك عليه !!!!
نفضت ذراعها صارخة بقوة :
- ولو معملتش اللي هتقولي عليه !!! هتضربني !!!!!
مسح على وجهه بغضب صارخاً بها بصوتٍ عالي :
- مــتعــليش صــوتك !!!!!
أنتفضت من صراخه بوجهها، ذكرها صراخه بأبيه، عيناه القاسية ونبرته الجهورية، أبتعدت عنه ببطئ لتجلس على الفراش، شعرت بنفَسها يضيق، أهتاج صدرها بأنفاسٍ لاهثه، ركض "ظافر" نحوها، لجلس كالقرفصاء أمامه ممسكاً بكفيها قائلاً بقلق شديد :
- مـلاذ ، حبيبتي أنتِ كويسة ؟!!!
أمسكت هي بقميصه متشبثه به تشهق كالغارقة، عجز "ظافر" امامها لا يعلم ماذا يفعل، لتشير هي إلى حقيبة يدها، أتجه هو سريعاً ليجلبها لها، فتحتها "ملاذ" لتمسك برذاذ الربو الخاص بها، وضعته بفمها لتهدء أنفاسها، أرتخى جسدها تميل برأسها للأسفل، مسح هو على خصلاتها لينهض جالساً بجوارها، جذبها لأحضانه يربت على خصلاتها بحنو، غفت "ملاذ" بأحضانه من شدة الإرهاق، أسندها على الفراش ليميل هامساً بأذنها بأسف:
- أنا أسف يا حبيبتي ..
ثم قبل جبهتها ليخرج من الجناح ...
• • • •
على الجانب الأخر .. وفي القاهرة بالتحديد، يقود "باسل" سيارته بأعصاب مشدودة، تطالعه "رهف" بغرابة ولكنها فضلت الصمت على أن تزعجه، لا تعلم ماذا قرأ ليكُن بتلك الحالة ...
وعلى نفس الحال كان "مازن"و"فريدة" التي وضعت أخيها بالأريكة الخلفية لتجلس هي جواره بملامح باهته وعينان مُرهقة، سُرق منها بريقها عنوة، ظلت جالسة بهدوء تام وكأنها ليست من نفس العالم، أسبلت جفنيها بنعاسٍ لتستند على زجاج السيارة، وسرعان ما ذهبت بنومٍ عميق كحال أخيها بالخلف، نظر لها "مازن" بإستنكار ، وبعد عدة فترة ليست بطويلة جداً وصلوا كلاً من "باسل" و"مازن" وزوجاتهم، ليصُفوا سيارتهم بالكراج الخاص بهذه العائلة العتيقة، تفاجأ "باسل" بـ "مازن" يقف أمامه ليقول بدهشه ممزوجة بقلق اخوي :
- مـازن ..!!!! أنت طلعت أمتى من المستشفى و أزاي محدش يقولي، أنت كويس طيب يا مازن ؟!!
ثم نظر لداخل السيارة لتلك الفتاة النائمة إلا أنه لم يلاحظ "يزيد" ، ليُتابع بتفاجأ مشيراً نحوها :
- مين دي يا مازن!!!!!
لم يجيبه ،لتنظر له "رهف" ، شهقت برهبة و هي تعود للخلف، أمتلئت عيناها بالدموع لتختبئ خلف ظهر "باسل" الذي لتوه تذكر، بينما نظر لها "مازن" ببرود ثلجي ليجلب "فريدة" النائمة من رسغها حتى كادت أن تسقط أرضاً بفزع، سحبها خلفه وكأن شئ لم يكن، فور مغادرته أنفجرت "رهف" في بكاءٍحار لتتشبث بقميصه بكفيها الصغيرتان دافنة وجهها بمنتصف صدره، أدخل هو أصابعه في خصلاتها لي قبل رأسها ماسحاً على ظهرها باليد الأخرى، ثم قال بعطف :
- أهدي يا حبيبتي مافيش حاجة، خلاص أوعدك مش هتشوفي وشه تاني ..
أبعدها عن أحضانه ليكوّر وجهها مبعداً خصلاته عن وجهها ليُردف :
- مش عايز أشوفك بتعيطي تمام ؟!!
أومأت ببطئ ليبتسم مقبلاً جبهتها، ثم سحبها متجهين إلى بوابة القصر ..
↚
• • • •
حاولت "فريدة" نزع كلها الصغير من بين كفه الغليظ وهو يسحبها وراءه بغضب حقيقي و هم يقفان في حديقة القصر، صرخت به "فريدة" بحدة :
- أبعد عني بقا أنت أتجننت، ويزيد في عربيتك لو صحي هيتخض لما مش يلاقيني جنبه !!!
تأفف بضيق ليقول بنبرة باردة :
- هبقى أبعت أي حد من الخدم يجيبوه، وبطلي زن بقى !!!!
فركت رسغها الذي طغى عليه الأحمرار، لتنظر له مجدداً بإنكسار قائلة :
- ويا ترى بقى لما تدخل هتقول لأهلك أيه و أنت متجوزني من وراهم، لاء وكمان متجوز ممرضة أشتريتها بفلوسك !!!!!
نظر لها بهدوء دون أن يعلق، لتُكمل قائلة وهي على حافة البكاء :
- أنا كان أشرفلي أموت عن أني أتجوزك، أتجوز واحد كان هيغتصب واحدة و نجت من إيده، بس أنا بقى مراتك، يعني أنت تعمل فيا اللي أنت عاوزه و أنا أفضل ساكته، لأني للأسف ماليش غيرك دلوقتي، أبويا باعني .. و ماما ماتت من زمان، و كل دة بسببك، حسبي الله ونعمة الوكيل فيك يا مازن، ربنا مش هيسيب حقي و حق أي حد جيت عليه !!!!!!!!
لم يرف له جفن، وكأن كلماتها هباءٍ منثور، دام الصمت دقائق سوى من نحبيها الخافت وجسدها الذي ينتفض بألمٍ، يقترب منها في خطوات حادة لتتراجع هي للخلف بتوجسٍ، و بلحظاتٍ كان يقبض على فكها حتى كاد أن يحطمه، مقربا وجهها من وجهه قائلاً وعروق عنقه أشتدت بقوة:
- ورحمة أبويا لو في حد من اللي جوا عرف أني متجوزك غصب هقتل أخوكي قدام عينك !!!! عايزهم يعرفوا أننا أسعد زوجين و إلا هخليكي تلعني اليوم اللي شوفتيني فيه، أنتِ لسة متعرفيش مين مازن الهلالي، صدقيني أنا أوسخ بكتير من اللي في خيالك، و شغل العياط دة مش عليا أبداً، و أدبكب قولتي أنتِ ملكيش غيري دلوقتي!!!!! يعني أنا ملجئك الوحيد!!!!
أغرقت دموعها وجهها بالكامل، ألم كلماته كان أقوى من ألم قبضته القوية على فكها، أبعدها عنه بحدة ليجذبها ذراعها يسحبها خلفه، دلفا للقصر وسط زغاريد بعض الخدم بوصول كلا من "مازن" و"باسل" أحفاد عائلة الهلالي، ووسط همهمات حول الفتاتان التان تجاورهما، جاءت السيدة "رقية" لوصول الزغاريد على مسامعها، أحتدت ملامحها عندما رأتهما، تمنت لو أن هذا كابوس ستفوق منه سريعاً، ذهبت لكلا من "باسل" و "مازن" اللذان حدقا بها بتوتر، نظرت هي لهم بدورها بإشمئزاز قائلة :
- يا خسارة يا ولادي!!! يا خسارة!!!
نزل "ظافر" من فوق الدرج يطالع هذا الجو المشحون بذبذبات التوتر، وضع كلتا كفيه بجيبه وفضل الصمت دون أن يقل شئ، بينما أقتربت والدته من "باسل" قائلة بحسرة :
- ليه يا باسل تعمل أكده يابني !!!!
أخفض "باسل" أنظاره يشعر بغصة داخل حلقه، أكتفى بالصمت لتنظر "رقية" إلى "رهف" بسُخرية لاذعه :
- چيتي لفيتي على أولادي، معرفتيش توقعي مازن في أشباكك فـ قولتي توقعي باسل!!!!
صُدمت "رهف" من حديثها لينظر لها "باسل".. أمسك بكفها قائلاً بنبرة صارمة بعض الشئ :
- أمي لو سمحتي !!! رهف بقت مراتي يعني كرامتها من كرامتي، ولو هنضايقك أوي كدا هاخدها وهمشي مش من القصر من الصعيد كلها !!!
نظرت له أمه بألم، و عيناها تفيضان بالحزن لتنظر إلى "مازن" ذو الملامح الجامدة، لا مبالي بما يحدث أبداً، لتعود وتنظر إلى فريدة التي تنظر لها برهبة بعض الشئ، نظراتها المشمئزة نحوها وهي تطالعها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها كانت بمثابة سهام أُخترقت قلبها لتمزقه أشلاء، أشارت إلى "فريدة" بسبابتها وقالت بإستهزاء :
- بچى هي دي اللي أنت اتچوزتها !!!! حتة مُمرضة لا راحت ولا چات!!!! كأني لا ربيت و لا علمت طول السنين اللي فاتت !!!!
أبتلعت إهانتها بفمٍ مطبق وعينان تبرقان بالدموع، ألتفتت تنظر إلى "مازن" تنتظر منه أن يدافع عنها مثلما فعل أخيه مع زوجته، ولكنه وجدته جامداً صامتاً يضع يداه في جيبه بعنجهية، تمنت لو أن تركض من ذلك الباب المفتوح لتهرب منه حيث لا مكان، أبتعدت عنهم السيدة "رقية" بحزن لتقول :
- خدتوا قراركوا يا ولاد الهلالي !!!! وعايزين تهملوا "تمشوا" من القصر كمان، بس أنا مستحيل اخليكوا تهملوه!!!!!
• • • •
دلفا كلاً من "رهف" وباسل" لغرفته، جلست هي على الأريكة بإرهاق قائلة بحزن :
- واضح أن مامتك مش متقبلة وجودي يا باسل!!!!
نفى "باسل" برأسه و هو ينزل قميصه قائلاً بلا مبالاة :
- متقلقيش كام يوم و كل حاجة هترجع زي الأول ..
نهضت تقترب منه قائلة :
- يعني أحنا مش هنمشي من هنا ؟؟!!!
رمى بقميصه على الفراش ليمسح وجهه بضيق قائلاً يحاول أن يتحكم بأعصابه :
- مش عارف يا رهف ..!!!!
أحتدت نبرتها وهي تقول بتوجس :
- يا باسل بس أخوك آآآ !!!
قاطعها مزمجراً بها وقد طفح الكيل :
- مازن مش هيقدر ييجي جنبك أنتِ بقيتي مراتي، ومتقلقيش هو مش و** عشان يبص لمرات أخوه !!!!
أسبلت عيناها بحزن لتتركه ذاهبة نحو الفراش، لم تلاحظ جمال الغرفة و رُقيّها، إلا أنها أرتمت على الفراش متممدة عليه بحزنٍ في وضع الجنين، للنت ملامحه لتقوده قدماه نحوها ليتسلقي جوارها، كانت توليه ظهرها ليضع هو ذراعه القوي على خيرها يقربها منه، دفن أنفه بخصلاتها يشتم رائحتها العبقة، قبل جانب عنقها بعمق، تخشب جسدها بين يداه إلا انها ظلت على حالها، أستند هو برأسه على عنقها ليُغمض عيناها بنعاس أختطفه منها..
• • • •
↚
صعدا كلا من "مازن" و "فريدة" لغرفته، كانت غرفته فوضوية تخبرك بأن صاحبها عشوائي للغاية، ملابسة ملقاه بكل مكان على الأرضية، مبعثرة كحال تلك المسكينة التي جرتها قدميها نحو المرحاض الملحق بالغرفة، وفور دخولها أغلقت الباب وراءها لتستند على الباب منهارة في بكاءٍ حاولت كتمه بوضع كفها على فمها بحرقة، تتمنى الموت الذي بالتأكيد سيكون أخف على روحها المحطمة من ذلك الحيوان البشري الذي يستعد للفتك بفريسته، بينما "مازن" الذي سمع نحيبها ليتأفف بأمتعاض، تجاهلها ببرود ليفتح ضلفة خزانته، أخرج ملابسه ليضعها على الفراش، ليذهب نحو بابا المرحاض، أمسك بالمقبض ليحاول فتحه بعنف دون فائدة، ثم طرق عليه بضراوة قائلاً بغضبٍ :
- أطلعي يا فريدة عايز أدخل الزفت !!!!
فتحت "فريدة" الباب بوجهٍ طغى الأحمرار عليه، وعينان دامية وشفتيّ حمراء مرتجفة، أظلمت حدقتاه وهو مثبت أنظاره على شفتيها والتي ترحب به وبالفعل مال بثغره بعنف يقبلها، أنتفضت "فريدة" برهبة إلا أنها بقت مستسلمة بين يداه، لم تقاومه أبداً بل تركته يفعل بها ما يشاء وكأنها دميته، أدمت شفتيها من شراسة قبلته لكنها لم تبالي، ألم روحها أضعاف ألم لمساته على جسدها، أبتعد عنها "مازن" بغرابة وتوجس، حالتها الهادئه تُريبة أكثر من جنونها و أنفعالاتها، نظر لشفتيها الدامية وعيناها المغمضة بأمر غُلِبت عليه، لا يريدها هكذا، يريدها تقاومه وتعنفه عن أسلوبه الهمجي، سرعان ما غضب ليستفزها علها تخرج من حالة الهدوء التي تلبستها قائلاً بإستفزاز وبرود عكس صدره التي تعتمر النيران به:
- أيوا أنا عايزك تسلميني نفسك كدا، انتِ مفيش قدامك غيري دلوقتي ومضطرة تنفذي اللي انا عاوزه ومن غير حرف !!!!
كان يتوقع ثورانها، صراخها بأنها ليست دمية، لكنها لاذت بالصمت، بل و أومأت برأسها بهدوء تدل على موافقتها، ملامحها بُهتت و عيناها أنطفئت، أبتعدت عنه بهدوء لتترك الغرفة بأكملها صافعة الباب خلفها بحدة، ثار "مازن" من فعلتها ليتبعها راكضاً وراءها ليصرخ بحدة جعلت من بالقصر يأتون على صوته، لم تبالي "فريدة" لتنزل من أعلى الدرج تبحث عن أخيها، و السيدة "رقية" جوارها "ملك" يقفا بـ بهو القصر، تعدتهما بملامح جامدة لتخرج بالحديقة الواسعة الملحقة بذلك القصر المُخيف، و هو وراءها كاد أن يجن جنونه، سمعت هي نحيب "يزيد" البرئ، ألتفتت حولها بجنون لتجده جالس أسفل شجر يضم ركبتيه إلى صدره، ينتحب من الخوف ودموعه تسيل بصمت، هرولت نحوه لتفترش الارضية بجانبه، جذبت رأسه إلى صدره ليشهق هو ببكاءٍ ضاري يعانق خصرها، اتجهوا جميعاً خلفها، حاوطت "فريدة" وجه أخيها تقبل وجنتيه ماسحة على خصلاتها قائلة بصوتٍ باكٍ :
- أهدي يا يزيد ياحبيبي متخافش، أنا مش هسيبك أبداً و الله يا حبيبي !!!!
عانقها "يزيد" قائلى بنبرة متقطعة أثر بكاءه :
- أنا صحيت من النوم مش لاقيتك .. متسبينيش يا فريدة !!!
و في مقابلتهم "مازن"، الذي لان قلبه عندما شاهد ذلك المشهد، بحياته لم يحتضنه شخص مثلما تحتضن هي أخيها، لم يربت أحد على خصلاته كما تفعل هي، بل لم يغمره أحد بذلك الكم من الحب النقي، كم يتمنى لو أن يكن هو بدلاً من أخيها، أدار ظهره لهما وصوت بكاءها وبكاء الصغير يخترق أذنه بطنيناً قاسٍ، سرعان ما هرب، هرب من كل شئ، أستقل سيارته القاتمة ليذهب بعيداً، بعيداً جداً، في مكان أعلى جبل بعيداً عن الضوضاء وعن كل شئ حوله !!!!
• • • •
نظرت لهما "رقية" بإستعلاء لم يظهر إلى على تلك المسكينة، ثم نظرت لأخيها بملابسه البالية قائلة بتقزز :
- ومين الصغير دة كُمان، ولا تكونيش خلفتي من أبني من غير م تقولونا كُمان !!!! دة أيه المصايب اللي بتتحدف علينا دي ...
لم ترد "فريدة" لتحمل أخيها الذي بدى الأرهاق على وجهه من كثرة البكاء، كادت أن تذهب من أمامه لتقبض "رقية" على ذراعها تمنعها من الحركة صارخة بحدة:
- متعلمتيش في مدارسكوا لما الكبير يتكلم معاكي لازمن تسمعي وتُجفي "تقفي" عدل !!!!!
تدخلت "ملك" التي أشفقت على حال "فريدة" قأئلة لأمها :
- خلاص ياما سيبيها دي البت مفلوجة من البكا !!!
ثم أبعدت كف والدتها عن ذراعها التي قالت لتلك الواثبة بتحدٍ أمامها :
- روحي يابت أعمليلنا الوكل (الأكل).. من النهاردة هنمشي الخدم وتخدمينا أنتِ والبت مرات باسل !!!!!
• • • •
مالت على الحوض الصغير لتفرغ كل ما بجوفها، تشعر بنصلٍ حاد يمزق معدتها إرباً، نظفت وجهها بإرهاق، تآوهت لتمسك معدتها بألم ينهش روحها، لا تستطيع التصديق إلا الأن انه تركها، تزوج دونها، بكت، بكى قلبها قبل عيناها، بكت أيامها وسنواتها التي كانت تقضيها في إسعاده هو فقط، بينما كان يمر"ظافر" بجوار غرفتها، لينصت لصوتها الباكي، دفع الباب يجدها مرتميه على الأرضية، أتجه نحوها، ليجذب ذراعها بهدوء، أسندها بذراعه القوية ليجعلها تقف أمامه، ربت على ظهرها لتجهش هي بالبكاء بأحضانه، تمسكت بقميصه تدفن رأسها في صدره ببكاءٍ هيستيري، تأوهت بنحيب قائلة برجاءٍ:
- ماتهملنيش يا ظافر !!! أتچوزها أنا راضية بس متهملنيش (متسبنيش)، صدقني أنا من غيرك أموت يا ظافر !!!!
تنهد "ظافر" بشفقة حقيقية ليربت على ظهرها في محاولة منه لمواساتها، حاوطت عنقه مرتمية بأحصانه تغوص في صدره العريضة، رائحته الرجولية البحتة، بين ذراعيه القوية، أشقهت بالبكاء لا تستوعب أنها ستتركه، في فراقه جحيم، وبقربه موت بالبطئ، حاوط ظهرها يقول بنبرة حنونة :
- أهدي يا مريم، تعالي نتكلم بالعقل طيب ..!!!
أبتعدت قائلة بحزن تشير لقلبها بهلاك ودموعها تسارع بالسقوط على وجنتيها :
- في الحب دة بس اللي بيشغِل يا ظافر، أنت عُمرك من حبيتني، لو سبتني هموت، أكتلني (اقتلني) و ريحني من الدنيا لو أنت مش چنبي !!!!
حاوط وجهها الأبيض يقول بصدق نابع من قلبه :
- أنتِ جميلة وطيبة يا مريم، و تستاهلي حد يحبك بجد، بس أنا بحبها هي، من أول مـ هي أتخلقت وجات على الدنيا دي و هي ليا..صدقيني أنا حبيتها فعلاً مش هقدر أظلمك معايا أكتر من كدا.. مين عارف يمكن تلاقي حد يحبك فعلاً، ساعتها هتحسي باللي أنا حاسُه !!!!!!
و كأنه ألقى بقنبلة ذرية أودت بحياتها، نفت برأسها بهيستيرية قائلة :
- أنا رايداك "عايزاك" أنت، أنت راچلي وسندي و كل حياتي.. متعملش فيا أكده !!!
نفى برأسه قائلاً بنبرة حادة ممسكاً بذراعها بعنف :
- أفهمي بقا لو فضلتي مراتي أبقى بستغلك !!!!
أمسكت بكفه الغليظ لتقبله ببكاءٍ قائلة وهي تومئ برأسها :
- أنا موافقة تستغلني زي م أنت رايد، بس متبعدش عني ورحمة أبوك !!!!
↚
أبعد كفه ليمسك بكتفيها يهزهما بعنفها صارخاً:
- بطلي بقا قلة الكرامة دي!!! أحترمي نفسك متبقيش مذلولة لحد عشان أي حاجة !!!!
تركها لتسقط على الأرض بصدمة، ثم خرج من الغرفة بأكملها !!!!!!
حافية على جسر عشقي الفصل الحادي عشر:
فتح باب الغرفة على مصراعيها بعنفٍ، أنتفضت "فريدة" التي كان تمسح على خصلات أخيها لكي ينام، تأفف "مازن" بضيق، وربما غيرة، ليقول في صوتٍ حاد غير مراعي لذلك الطفل المسكين :
- وديه عند الدادة اللي هنا وهي هتاخد بالها منه، عايز أتكلم معاكي شوية ..!!!
تشبثت بأخيها النائم قائلة برجاءٍ:
- ممكن بس تخليه ينام هنا، هو مش بيعرف ينام بعيد عني ...
صرخ بها "مازن" بقوة جعلت الدموع تتجمع في عيناها :
- انتِ مسمعتيش انا قولت أيه، أرميه في أي داهيه !!!!
أنتحبت "فريدة" لتتخرج من الغرفة تبحث عن المربية، وجدت سيدة كبيرة بالعمر يبدو على وجهها البشاشة لتخبرها بأن تبقيه معها، أوصتها عليه لتعود للغرفة مجدداً، أزالت الدموع العالقة بعيناها لتجده يجلس على الأريكة واضعاً قدم فوق الأخرى، منفثاً سيجارته الذي أخذ دخانها يحلق بالغرفة، أختنقت من الرائحة لتقف أمامه قائلة بنبرة حاولت أن تكون هادئة:
- خـيـر ؟!!!
ترك لُفافة تبغه جانباً لينهض واقفاً امامها بصدره العريض شمر عن ساعديه لتتخذ انامله طريقها إلى أزرار قميص، حلّ واحدة تلو الأخر و ملامح وجهه جامدة، وقع قلبها أرضاً، سرعان ما تراجعت بضع خطوات بعيداً عنه تقول بجسد يرتجف حرفياً :
- أنت .. بتعمل أيه !!!!
أقترب منها ببطئ قاصداً التلاعب بها و هو يقول بنبرة جدية أكثر من أي وقت :
- هاخد حقوقي منك..مش دة كان أتفاقنا !!!!
أمتلئت عيناها بالدموع مجدداً وجسدها أصبح كالجليد، تخشبت في أرضها تقول :
- بس مش دلوقتي يا مازن أرجوك !!!
حوُصرت بين الحائط الجامد خلفها وذلك الحائط البشري أمامها، حاصرها فعلياً بيداه وجسدها ملتصق به، أغمصت عيناها عندما امتدت يداه الى ذراعيها بينما مال بشفتيه الغليظة يوزع قبلاتٍ راغبة على كامل وجهها، يزيل دموعها بشفتيه، أمتدت أنامله تفتح أزرار قميصها لتطلق هي شهقة باكية قائلة:
- مازن !!!!!
- شششش ...
تلامست شفتيه بشفتيها ليهجم بعنف على شفتيها، أستسلمت له "فريدة" تحيط بعنقه، تبادبه قبلته بقلة خبره منها، كانت بداية لعنة رغبته بها التي تبتعد كلياً عن مسمى "الحُب"
• • • •
أدار مقبض الباب ليدلف لغرفتها، وجدها نائمة على الفراش كما تركها الليلة الماضية، نزع سترته مرهقاً ليلقيها جانباً، نزع قميصه أيضاً ليبقى عاري الصدر، أستلقى جوارها ليدخل يداه أسفل ظهرها حتى يتلقاها في أحضانه كطفلته الصغيرة، ألصق أنفه بأنفها حتى أصبحت أنفاسها هي من تدخل رئتيه، ما الذي أصابه ؟ إنه "ظافر سرحان الهلالي"، هو الذي يهتز له أعتى الرجال، تلقي الفتيات بنفسها تحت أقدامه لينلن شرف نظرة منه ، كيف لها أن تفوز هي بقلبه وسط ملايين الفتيات، بملامحها الجذابة، جمالها البرّاق، عيناها التي وقع بغرامهما، جمالها الخلاب ورائحتها التي تُسكره فعلياً الأن، هو بالكاد يسيطر على نفسهُ، هي تنام في أحضانه بمنامه خفيفة و شيطانه يوسوس له بأنها حقه، زوجته، يفعل بها ما يشاء، أفاقت "ملاذ" ليحمد ربه قبل أن يفعل شئ يندم عليه لاحقاً، ذعرت"ملاذ" من تواجدها بين ذراعيه القوية، علاوةً على ذلك وجهها المقابل لوجهه، أنتفضت عندما وجدته عاري الصدر، وضعت يدها على صدره تحاول خلق أي مسافة بينهما إلا أنه بقي ملتصقاً بها مانعها من الذهاب يحاصرها بـ خصرها، حاولت أن تدفعه بعيداً قائلة :
- يا ظافر أبعد عني.. لو حد دخل وشافنا كدا هيبقى آآآ ..
قاطعها بنظرات حادة وبنبرة صارمة قال :
- ألف مرة أقولك أنتِ مراتي فاهمه يعني أيه مراتي ؟!!!
صمتت..بل أستكانت بين أحضانه بجسدٍ مرتخي، بوجهٍ مقتضب ولكن داخلها شعور يدغدغ مشاعرها لكلمته التي تعبر عن ملكيتها له، صمتت لحظات ثم أندفعت تسأله بنبرة حاولت أن تكون عادية ولكنها مندفعة:
- هو أنت باباك مات أزاي يا ظافر ؟!!!
أظلمت عيناه بل وأحتدت بطريقة مرعبة قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- حاجة متخصكيش !!!!
أرتفعا حاجبيها قائلاً بسُخرية:
- مش أنت كل شوية تقول مراتي مراتي، مراتك من حقها تعرف كل حاجة عنك ....
نظر لها بنظرة ذات مغزى قائلاً :
- و أنا أعرف عنك كل حاجة ؟!!!
خفق قلبها بخوف لم تظهره بتاتاً خوفا أن يكتشف سرها، ولكنه كان يكذب، هو يعلم عنها كل شئ من "فتحية" تمتمت "ملاذ" بهدوء واثق :
- لو سألتني سؤال هجاوبك ...
شدد على خصرها بكلتا ذراعيه يقول طابعاً قبلة على عنقها الطويل، أفقدتها قبلته صوابها بالكامل و أنفاسه التي تلفح صفحات وجهها، بينما أستطرد هو قائلاً في نبرة صاغية :
- فين باباكي ومامتك ....
- ماتوا من و أنا صغيرة ...
قالت بنبرة معتادة و كأن موتهما لم يشكل فارقاً في حياتها ...، طبع قبلة أخرى على طرف ثغرها هامساً :
- و أختك ..
ظهر على وجهها قسمات الألم لكن سرعان ما أخفتهما خلف ستار القوة والشجاعة متمتمة :
- مالها ؟
- ليه بتكرهك كدا ؟!!
سأل هو بفضول، ولكن إجابتها كانت الصمت المميت، داعبت يده خصلاتها منتظراً إجابتها، بينما قالت هي بصوت به بحة مميزة :
- لما تقولي باباك مات أزاي هقولك ليه أختي مش بتحبني ..
عادت ظلمة عيناه ليزفر بضيق ثم قال بنبرة حادة يشوبها بعض الألم :
- كان عنده سرطان .. وحالته كانت متأخرة !!!!!
↚
سقط الخبر عليها كالصاعقة، رقص قلبها طرباً لأنتقام خالقها الشديد من ذلك الرجل الذي لا يوجد الرحمة بقاموسه، لم تستطيع إخفاء عيناها التي برقت بسعادة خفية نابعة من قلبها، فقد أخذ الله حقها و حق شقيقتها، نظر لها "ظافر" ولم يلاحظ فرحتها ليقول بنبرة هادءة :
- قوليلي بقى أختك ليه مش بتحبك ؟!!
شعرت بغصة في حلقها، قلبها يحترق وروحها أصبحت رماداً، حاوطها "ظافر" ليدفنها داخل أحضانه، قبّل خصلاتها مشفقاً على حالها، حسب أقوال "فتحية" أن "ملاذ" رأت الكثير في حياتها، رأت ما يجعل الجبل ينهدم، مسح على خصلاتها الناعمة بحنو، لا يريد أن يضغط عليها ليقول بحنو:
- حبيبتي لو مش عايزة تحكي مش لازم ...
لأول مرة تتبادل عناقه، بعناق هي من أرادته، هي التي تحتاج لأحضانه الدافئة، حاوطت خصره، تشعر بالأمان جواره، تتيقن أن لا يوجد أحد يستطيع إذائها عندما يكون بجوارها، تتوارى خلف جسده الضخم الذي يحتضنها وكأنه أبيها، لم تقابل رجلٍ مثله قط، رغم أنها عرِفت الكثير والكثير من الرجال، إلا أنه هو المميز، المختلف، والرجلٌ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تمنت لو بإستطاعتها أن تخبره، ولكنها ستفقده، ستفقد حبهُ وحنانهُ، الحياة ليست عادلة، أنها قاسية، تدهُسك إن لزِم الأمر، تجعلك تملك كل شئ بين يداك، وفي أقل من الثانية تفقد كل شئ وكأنه كان سراب ..!!!
قالت وهي تدفن وجهها في أحضانه مقاطعة ذلك الصمت المريب قائلة بهدوءٍ ثلجي :
- صدقني أنا مش عارفة هي ليه بتكرهني أوي .. كدا ...
ثم أكملت قائلة بحزن ظهر رغماً عنها في صوتها :
- هي شايفة أن هي متستاهلش أنها تبقى عاجزة .. و أن انا المفروض أكون مكانها ...
قاطعها بنبرة تشوبها الصرامة :
- بعد الشر عليكي ...
رفعت رأسها له تقول بعينان مغلفتان بالدموع و كأنها ليست "ملاذ" ذات القلب المتحجر :
- هو أنا وحشة أوي كدا عشان كل الناس تبقى كارهاني ؟ حتى أقرب الناس ليا ؟!! اختي بتحفر في الصخر عشان تكسرني، عايزة تأذيني حتى في شغلي !!!!!
بكت، "ملاذ خليل الشافعي" بكت كالأطفال، ؛ هي التي طيلة تلك السنوات لم تذرف دمعة واحدة، أنتفض "ظافر" عندما شاهد دموعها التي كانت كالسوط الذي يجلد جسده، جلس نصف جلسة ليجذبها لصدره، يقول بنبرة حزينة على ألم حبيبته :
- ششش أهدي يا حبيبتي.. اهدي ..
أزال دموعها بأنامله الغليظة يهمس بخفوت :
- دموعك دي بتخليني أحس بنار جوايا ..!!!
أزدادت عيناها بكاءاً لتتشبث برقبته كالطفلة وهي تبوح بما يمليه عليها قلبها :
- متسبنيش يا ظافر ..!!!
هذا كثير على قلبه، و أخيراً أعترفت أنها تحتاجه، و أخيراً سمحت لمشاعرها بالخروج،انحنى على شفتيها يقبلها بلطف شديد، وكأنه يقول لها لا تحزني بطريقته الخاصة، ليتحول هذا اللطف إلى رغبة سيطرت على حواسه بأكملها، وُزع قبلاته على كامل وجهها لينحدر إلى عنقها الطويل، و بكل قبلةٍ يعلن صك ملكيته لها، قبّل عظمتيّ الترقوة خاصتها، طرقات على الباب أعادتهما لأرض الواقع، أغمص "ظافر" عيناه يود لو أن يحطم وجه الطارق، مسح على وجهه بعنف لينظر لتلك المستلقية بصمت مغمضة عيناها و كانها ليست بذلك العالم، نهض قبل أن يترك قبلة بالقرب من ثغرها، أرتدى القميص الخاص به ليتركه مفتوحاً، فتح باب الغرفة بعنف ليجد الخادمة تنظر للأرض بإرتعاد قائلة :
- ظافر بيه، الجواد باشا واقف تحت مستني حضرتك في الباركينج ...
ثم تحركت سريعا. مبتعدة عن وجهه الأحمر الغاضب، عاد "ظافر" دالفاً للغرفة، ذهب نحوها وهي لازالت كما هي، أبتسم بخبثٍ ليستند بذراعيه على الفراش منحنياً بجزعه عليها، قبل جفونها المغلقة، ثم وجنتيها الأثنتين، مروراً لشفتيها، يا الله ، ثم أمسك بـ باطن كفها يقبله قائلاً بصوت أجش ماكر:
- راجعلك يا ملاذي ...!!!!!
• • • •
أختبئت خلف الستار تنظر له و هو يتحدث مع أخيها، أبتسامته و رزانته، يداه الموضوعة بجيبه بهيبة تبرعمت به بالفطرة، سماره ، عيناه الرصاصية ،وحركات رأسه، يا الله كم تعشقه، الحياة قاسية، ليست عادلة، تجعلك تتشبث بمن لا يحق لك، تراجعت عن النافذة لتردد ببهجة :
- أكيد مدام واقف مع ظافر يبقى هيطلع هنا ..
خلق قلبها بقوة لتذهب مرتدية ثوباً يصل لنهاية قدميها فضفاضاً، ثم لفّت حجاباً بلون (عنّابي) يروق لبشرتها، لم تضع في وجهها شئ، برّقت عيناها بعشقٍ لتتجه في لهفة إلى الدرج، أجتازته سريعاً حتى كادت أن تقع في أخر درجتين، ولسوء حظها انه كان يقف مع أخيها ليقول بسُخرية لم يقصد بها إزعاجها :
- لسة مكبرتيش يا ملك !!!
ظهر الضيق على وجهها من ذلك الموقف الذي أوقعت نفسها به، نظرت له بإمتعاض ليبتسم "جواد" بدوره بحنو أخوي، نظرت أسفل قدميها وقلبها يقرع كالطبول، وهي الساذجة تعتقد أنه يبادلها مشاعرها البريئة تلك، أرادت أن تعود لغرفتها حتى تتخلص من عيناه الرمادية تلك، إلا أن "ظافر" طلب منها بتهذيب إحضار كوب من القهوة خاصتها المميزة، وبالطبع دلفت المطبخ تعدها لهم بإتقان شديد، وبعد دقائق أمسكت بالصينية الفاخرة قاصدة أن تأتي هي بها لهم وليست الخادمة، وضعت الصينية على المائدة، ثم أبتعدت صاعدة لغرفتها، أغلقت الباب ورائها لتقف خلفه واضعة يدها على قلبها الذي يكاد يقفز من محله، عطره لازال عالق بأنفها .. يسكر روحها، هي غريقة في عشقه ولا تستطيع أن تنقذ نفسها ..
• • • •
ضمت كلتا ذراعيها إلى صدرها، تشعر أنها رخيصة عندما تهاونت معه، رُغم أنه لم يُجبرها على شئ، إلا أنها شعرت أنها أداة لإمتاعه فقط، لم تبكي أو تذرف الدموع، حاوطت جسدها بـ تلك الملاءة لتدلف إلى المرحاض تزيل لمساته التي باتت تكوي قلبها، أنهمرت مياة الدُش و أنهمرت معها دموعها بلا توقف، علت شهقاتها حتى وصلت له بالخارج، مسح على وجهه بغضب قائلاً بضيق :
- وبعدين بقا في النكد اللي على الصبح دة !!!!!
نهض عن الفراش ليذهب إتجاه المرحاض، طرق على الباب صارخاً بها بحدة :
- أطلعي يا فريدة عايز أدخل ..
وجد الباب يفتح لتخرج هي بالمنشفة تحاوط جسدها بها، فُتن "مازن" بمظهرها، إلا أن وجهها الباكي و عيناها المنتفخة جعل شرارة الغضب تزداد بقلبه أكثر، أمسك بذراعها بقوة ينهرها بضراوة:
- أنا مغصبتكيش ع حاجة، كل حاجة كانت برضاكي !!!!
تلوت بين ذراعيه تحاول أن تزيح قبضته، دفعها "مازن" للخلف حتى كادت أن تسقط أرضاً، تاركها متجهاً إلى المرحاض متمتماً بعنف :
- دي عيشة بقت تقرف !!!!!
• • • •
خرج "مازن" من المرحاض بعد أن استحم محاوطاً خصره بمنشفة، تتساقط قطرات الماء على جسده المعضل..
ولكنه لم يجدها بالغرفة، أرتدى ملابسه سريعاً ليتجه إلى اسفل، ظل يبحث عنها في أزقات القصر الكبير ليسأل كبيرة الخدم قائلاً بلهفة :
- فين فريدة ؟!!
↚
أجابته الأخرى بأحترامٍ :
- فريدة هانم في الاوضة بتاعة أخوها ياباشا ...
تركها ليتجه نحو الغرفة بغضبٍ أعماه، كيف تجرؤ على التجول بالقصر من دون علمه، وقف أمام الباب الذي يصدر من خلفه ضحكات الصغير، أدار مقبض الباب ليدلف للغرفة، وجد "يزيد" يلعب بالألعاب على الأرضية تشاركه اللعب أيضاً بجانبه مرتسمة على وجهها أبتسامة حقيقية، ولكنها أزيلت تماماً بعد أن رأته، لِمَ هو سبب في تعاسة الجميع، سحبها من ذراعها بلا رحمة يجذبها خلفه متجهين إلى جناحهم، رأتهم والدته لتذهب نحوهم قائلة بسُخرية:
- چاررها أكده ليه وراك يا مازن ؟!!
لم يرد عليها بل أتجهوا إلى الجناح وهي مستسلمة له تماماً، دلفا ليصفع هو الباب خلفه، أمسك بفكها بين كفه الغليظ يضغط عليهما لتأن "فريدة" من الألم، وجهه قبالة وجهها يقول بتحذير لا يقبل النقاش :
- قسماً بالله لو خرجتي من الجناح هنا من غير أذني هتشوفي وش مكنتش حابب تشوفيه دلوقتي..!!!!
حاولت إزاحة كفه صارخة به بألم :
- أبعد عني بقا ..!!!! أنت مريض !!!!
شعرت بفكها يتحطم من كثرة ضغطه عليه يقول بنبرة سوداوية:
- أنتِ قولتي أيه؟!!!!!
أزاحت يده بقوة لتصرخ به بجنون:
- أنت حيوان ومعندكش دم، أنا بكرهك عارف يعني أيه بكرررهههك من كل قلبي...
رفع يده عالياً لتهوى على وجنتها سرعان ما أطاحتها أرضاً ببكاء ذليل!!!، جذبها من خصلاتها ليجعلها تنهض قائلاً بجنون :
- لو أبوكي و أمك معرفوش يربوكي أنا هربيكي يا فريدة !!!!
نظرت له بسخرية ممزوجة بألمٍ طغى على روحها :
- فاقد الشئ لا يُعطيه يا مازن !!!!!
كاد أن يصفعها مجدداً إلا أنه عجز، لا يعلم لِم لم يطاوعه قلبه، تركها بعيداً ليخرج خارج القصر بأكمله، تاركها منهارة على الارضية الباردة !!!
• • • •
دلف للشركة بخطواتٍ رزينة، خطواتِ يملؤها الوقار، ألتفتت حوله أنظار الفتيات الهائمة، فاحت رائحة عطره بكل مكانٍ معلنة وصوله قبل حتى أن تطأ قدميه، نظر إلى السكرتيرة الخاصة بها قائلاً في نبرة صارمة :
- تعالي ورايا ..
ثم دلف لمكتبه دون أن ينتظر ردها .. بينما أنتفضت السكرتيرة مرتديه الزي الرسمي للشركة، إلا أنها فتحت أول زرين من قميصها نظرت لمظهرها في المرآة قبل أن تدلف له، تهادت في خطواتها نحو المكتب تتمايل بغنح، يا لسذاجتها .. لا تعلم أن آلاف من الفتيات لا يستطيعن إغراءه، هي فقط واحدة تربعت على عرش قلبه، طرقت على الباب لتسمعه يأمرها بالدلوف بخشونة، دلقت السكرتيرة تقترب منه قائلة بمياعة شديدة:
-- أؤمرني يا ظافر بيه..
نظرها لها بإشمئزاز يقول بحدة جعلتها تتراجع سريعاً:
- أحترمي نفسك وأقفي عدل، قسماً بالله لو شوفتك بتعملي حركاتك الرخيصة بتاعة بنات الليل ده في شركتي لأكون طَردك زي أوسخ زبالة عندي ..
أغرورقت عيناها بالدموع لتتراجع لفشل مخطتها الذريع، ولكلماته السامة التي ألقاها بوجهها في أول يومٍ لها ..
أردف هو بصرامة شديدة قائلاً :
- جواد جه ولا لسة ؟!!
أومأت بصمت ليضرب على مكتبه بحدة جعلت الدموع تنهمر من عيناها :
- أيه القطة كلت لسانك مـ تنطقي ولا أتخرستي !!!!
قالت بنبرة باكية :
- أيوا جه يا فندم ..!!!!
أنقذها "الجواد" من ذلك الموقف ليدلف بمرحه المعتاد، نظر لكتلة الجمال المنتصبة أمامه، ليتفاجأ بعيناها منهمرة بالدموع، ألتفت إلى "ظافر" قائلاً بتساؤل :
- في أيه يا ظافر ؟!!!
لم يلتفت له "ظافر" ليصرخ بالسكرتيرة بضراوة:
- مشوفش وشك هنا تاني، قدمي أستقالتك وغوري في داهية تاخدك !!!! بـــرا !!!!!
انتفضت لتخرج سريعاً بعد ان بعثر كرامتها، طالعه "الجواد" قائلاً بمزاح :
- والله أنت معندكش قلب، بقا في حد يشخط في الصاروخ دي، وبعدين عملت أيه لـ ده كله !!!!
نظر له "ظافر" بإستهجان :
- وطبعاً انت اختارتها عشان صاروخ !!!،انا لما قولتلك تختارلي سكرتيرة..سكرتيرة يا جواد مش بت **** زي دي.. ع العموم لولا أن السكرتيرة القديمة سافرت كانت مشتلي شغل كتير ..
اشاح "جواد" بيداه قائلاً بإقتضاب :
- والله أنت مش وش نعمة!!!!
نظر له بتهكم ثم أكمل بجدية :
- أخبار الشحنة بتاعة لندن أيه ؟!!!
أبتسم "الجواد" بإنتصارٍ يقول :
- هنستلمها كمان يومين ..!!!!
أومأ برأسه، ثم قال بتحذير:
- خلي بالك يا جواد، العيون علينا الفترة دي ...
طمئنه "جواد" قائلاً بثقة :
- متخافش يا صاحبي ..
↚
• • • •
تسللت لغرفتها،تسير على اطراف أصابعها بخوف، وجدتها نائمة مستلقية بسلام، نظرت لجمالها بحقد شديد إن خرج سيحرق الأخضر واليابس، اتجهت نحو الفراش بجانبها، لتفح العلبة التي بيدها، خرجت حية صغيرة الحجم، تخرج فحيح مرعب من لسانها، لتتجه نحو قدم "ملاذ"، سرعان ما خرجت "مريم" من الغرفة حتى لا تشعر بها!!! مبتسمة بتشفي وأنتصار!!!!
• • • •
تعدت الساعة منتصف الليل، مكنبٌ على الاوراق ليصدح رنين هاتفه، قطب حاجبيه فـ لم تعتاد "ملك" أن تهاتفه، أنقبض قلبه ليجيب، وصل له صوتها الباكي و هي تقول :
- ظافر تعالى بسرعة ، ملاذ يا ظافر!!!!!
بمجرد أن ذُكر أسمها أنتفض بقوة، التقط مفاتيح سيارته وحلته، هرول بقوة يسابق الرياح تحت أنظار المتواجدين لحاله مديرهم العجيبة، أستقل سيارته ليتحرك بأقوى ما لديه، يشعر بقلبه يعتصر بين ضلوعه، رغم أن الطريق بين القاهرة والصعيد ليس بقليلٍ إلا أنه وصل إلى القصر في وقتٍ قياسياً، ترجل من السيارة تاركاً الباب مفتوح، دلف ليجد القصر فارغ تماماً علم أنهم متجمعون في غرفتها، صعد الطابق الثاني، ليسمع نواح والدته، لم ينتظر ليدفع الباب بقوة، وقعت أنظاره على وجهها الشاحب، انخلع قلبه عندما وجدها مستكينة تماماً كأن روحها صعدت إلى السماء، أقترب منها على الفراش ليجذب الأنظار حوله، بينما أردفت والدته ببكاءٍ :
- مش عارفة يابني ازاي ده حُصُل، أول مرة تدخل حية في القصر!!!!!
نظر لها بصدمة حقيقية، لفتت أنظاره قدمها اليمنى محفورة بثقبين باللون الأحمر، يحاوطهم تورمٍ باللون الأحمر القاتم، جذب جسدها البارد لأحضانه يدفنها بصدره، بينما نظرت له والدته بشفقة قائلة وهي تربت على كتفه:
- متخافش يا ضنايا، الضاكتور طمنا عليها، و كتبلها على مضاد حيوي بعَت الواد حسن يچيبه، وقال انها متتحركش كتير ...
ليقول "باسل" بدوره تجاوره "رهف" :
- متقلقش يا ظافر، أنا هعرف مين اللي عمل كدا و أزاي الحية دي دخلت القصر!!!!!
وقفت "مريم" تطالع زوجها و هو يحتضن "ملاذ" و كم انه مشهد يؤلم قلبها، ولكن عندما هتف "باسل" بجملته التي أدخلت الرعب على قلبها، ندمت ندماً شديداً، هي تعلم عندما يعلم "ظافر" بأن هي من فعلت تلك الفعلة الشنيعه حتماً سيقتلها!!!!
وقفت "فريدة" ممسكة بأخيها الصغير، تطالع ذلك المشهد الذي لطالما حلمت أن يكُن زوجها حنوناً عليها هكذا، يخاف عليها كما يخاف "ظافر" على زوجته، ألتفتت تنظر إلى "باسل" الذي يعانق "رهف"، لتفر دمعة هاربة من عيناها، منذ ان ذهب في الصباح لم تراه، وليت الله يأخذه قبل أن يصل لها!!!!
أردف "ظافر" وأخيراً قائلاً بنبرة باردة:
- أمي بعد أذنك ممكن تاخديهم وتطلعوا برا ...
وافقت والدته على الفور ليذهبوا جميعاً تاركينهم بمفردهما، قبّل "ظافر" جبينها مغمضاً عيناه بألمٍ يستحوذ على جوارحه، جسدها البارد المستسلم بين ذراعيه ووجها الشاحب جعله كالمجنون لا يعلم ماذا يفعل، ولكن ما يعمله الأن أنه سيعاقب من فعل هذا أشد عقاباً يستحقه.. نهض تاركاً إياها بلطف ليجعل الخادمة تجلس جوارها لتبقى معها، ثم ذهب بإتجاه غرفة"مريم" دفع الباب بقدميه ليجدها مستلقية على الفراش، نائمة او ربما تُدعي النوم، اقترب منها وبدون مقدمات جذبها من خصلاتها ليجعلها تقف، صرخت "مريم" بكل ما أوتيت من قوة لشدة قبضته التي كادت أن تقتلع خصلاتها، هوى بيده على وجنتها بصفعة أطاحتها أرضاً، عاد يجذبها من خصلاتها مرة أخرى بقوة اشد لينهال عليها بالصفعات وسط صراخها، دلف "باسل" لينجدها من بين قبضتيه، وقف أمامه يدفعه بعيداً عنها ليصرخ "ظافر" بها :
- ورحمة ابويا م هسيبك يا بنت ال***، أنا هوريكي يا *****!!!!!
صرخ به "باسل" وهو يدفعه بعيداً عنها:
- أهدى يا ظافر أنت أتجننت!!!!!
دلفت السيدة "رقية" لتضرب على صدرها بفزع من رؤية "مريم" متكومة على الأرضية هكذا، أتجهت نحوها مع "ملك" و "رهف" و "فريدة" ليجعلوها تنهض مشفقين عليها، أبعد "ظافر" أخيه عنه بدفعة قوية منه ليتجه نحوها مجدداً عازماً على تحطيم وجهها المكدوم، لتقف والدته أمامه، تصرخ به بحدة:
- واه!!!! أيه يا ظافر أنت أتچنيت أيه اللي حُصُل لده كله!!!!!
صرخ "ظافر" بهما و هو ينظر إلى "مريم" نظرات دونية :
- الهانم هي اللي حطت الحية لـ ملاذ!!!!!!
شهَق الجميع بتفاجأ، بعينان جاحظتان غير مصدقين أنها فعلت ذلك، لم تدافع "مريم" عن نفسها، بل قالت في وهن ضعيف و هي تشعر بجسدها يصرخ من الألم :
- أيوا أنا اللي دخلتلها الحية في أوضتها!!!!! هي اللي سرقت چوزي .. هي!!!!!
أتسعت أعينهم ليبتعدوا عنها بقرفٍ، نظر لها "ظافر" بجمودٍ ليسترسل :
- أنتِ طالق يا مريم.. طـــالــق !!!!!!
جحظت بعيناها لتعود لوعيها، نفت برأسه تحاول الأقتراب منه لينهرها بحدة :
- قسماً بالله لو قربتي هخلص عليكي يا مريم، تلمي هدومك وترجعي عند أبوكي، مش عايز أشوف وشك هنا ســـامـعـة !!!!!!!!
سمعا صراخ "ملاذ" بالأعلى، ليركض "ظافر" نحو الغرفة خلفه الجميع، دلف ليجدها تصرخ من الألم محاوطة قدمها المصابة بهلعٍ لأول مرة يراه بها، دلف للغرفة ليأمر الخادمة بالخروج مغلقاً الباب جيداً، و كأنها لم تلاحظ وجوده، فقط شاردة بالفراغ محاوطة قدمها وجسدها ينتفض بين الفينة والأخرى، أقترب منها ليجذبها لأحضانه يبعد قدمها عن مرمى يداها يثبتها على الفراش، ود لو أن يدفنها داخل ضلوعه، قبل خصلاتها عدة قبلات يعتذر مرة ويهدأها مرة، لم تتحدث قط فقط تدفن نفسها داخل احضانه كالطفلة، مسح على ظهرها يقول بندم وبنبرة شديدة الحنو :
- شششش أهدي يا حبيبتي، أهدي، أنا اسف، مكانش ينفع أسيبك لوحدك، أنا أسف يا حبيبتي أسف، هاخدك وهنبعد عن هنا خالص، أهدي !!!!
لم تسمعه، أصابتها نوبة عصبية مصدومة مما حدث، تتذكر شكل الأفعى، تتذكر صراخها عندما وجدتها تلتف حول قدميها، تذكرت عندما ظلت تصرخ بإسمه ليأتي وينقذها، عاودت النظر إلى "ظافر" تتشبث بقميصه تقول ببكاءٍ:
- أنا ناديتك !!!!ناديت عليك وقتها بس أنت مجيتش!!!!
دفنها بأحضانه يربت على خصلاتها حتى غفت بأحضانه سريعاً من كثرة الإرهاق، نظر لتلك اللدغة بعينان مظلمة، رفع البنطال الخفيف التي ترتديه من فوق اللدغة حتى لا تؤلمها ...
شعر برجفة جسدها المثلج، ورجفة شفتيها الطفيفة، أحتضنها أكثر قائلاً بتوجس من فقدانها:
- مش هسيبك لوحدك تاني، هتبقي معايا فكل حتة، وجوازنا هيتم بأسرع وقت!!!!
قبل جبينها يهدء من روعها، كطفلة أُخذت منها حُلوتها عنوةٍ لتبكي في أحضان أبيها بحُرقة، أبعد خصلاتها عن وجهها الأحمر المذعور، ظل جوارها يمسح على ظهرها حتى غفت تماماً
• • • •
↚
عادا "باسل" و "رهف" لغرفتهما، جلس على الفراش منحني بجزعه يضع يداه على رأسه التي على وشك الأنفجار، ربتت "رهف" على ظهره وهي تقول بنبرة عطوف:
- أهدى يا حبيبي و إن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة ..
أستطرد و هو لازال على وضعه قائلاً :
- أنا أول مرة أشوفه كدا، أول مرة يمد أيده على مريم بالطريقة دي!!!!!!
زمت "رهف" شفتيها تعقب قائلة :
- م هي تستاهل الصراحة يا باسل دي حطت حية لمراته عايزُه يعمل أيه فيها!!!!!
رفع رأسه ينظر للفراغ بثغرٍ أعتلاه بسمة شقية:
- بس هو واضح أنه بيحب ملاذ فعلاً، شوفتيه كان بيحضنها أزاي كأنها بنته!!!! أخيراً ظافر لقى البنت اللي هتنسيه كل حاجة حصلت في الماضي!!!!
أبتسمت "رهف" لتستند برأسها على كتفه، عوضاً عن ذلك فتح هو ذراعيه ليستقبلها بأحضانه، قبل جبينها بحنان قائلاً :
- ألبسي يلا عشان أخرجك..!!!!
أنتفضت "رهف" تصفق بمرح قائلة :
- 5 دقايق هتلاقيني جاهزة ....
نظر لها بسُخرية يقول:
- ده على أساس أن البنات بتجهز في 5 دقايق!!!!
• • • •
دلفت "فريدة" الغرفة بعد أن غفى "يزيد" بغرفته الجديدة، دلفت للمرحاض لتغتسل، أرتدت منامة قصيرة تصل إلى بعد ركبتيها بقليل، سرعان ما دفنت نفسها في الفراش تحت الغطاء لكي يأتي ويجدها نائمة، وبالفعل دلف "مازن" للغرفة بأسلوبه الهمجيٌ، أدعت النوم لتغمض عيناها و لكن لم تسطيع السيطرة على أرتجاف جسدها الطفيف، وكأن من أتى ملك الموت وليس زوجها، أبتسم "مازن" بسخرية ليذهب بإتجاهها، نكزها بكتفها قائلاً بإرهاق بدى في صوته :
- فريدة.. قومي أعمليلي أكل ..
ردت "فريدة" بنبرة جامدة تخفي البراكين المشتعلة داخلها:
- أطلب من الخدم ..
أردف هو بإستهجان :
- وأنتِ لازمتك أيه ؟!!!
نظرت له بحدة لتعتدل في جلستها قائلة بتحدٍ :
- و أنا مش هعمل طفح، روح أتصرف!!!!
جلس على الفراش بجانبها قائلاً بهدوء يسبق العاصفة :
-أنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة وهتقومي تجيبيلي أكل!!!!
تأففت لتهنض بإمتعاض، أتجهت نحو الباب تضرب الأرض بقديمها، لتتسمر في مكانها عندما صرخ بها بـحـدة :
- فــريــدة!!!!!!
أنتفضت لتلتفت له بخوف قائلة برهبة:
- في أيه ؟!!!
أقترب منها ليجأر بحدة :
- أنتِ مش شايفة اللي أنتِ لابساه!!!!
نظرت لما ترتديه بخجل، أخذت الإسدال لترتديه بخجلٍ، ثم نزلت إلى الأسفل، توجهت نحو المطبخ لتجد الخادمات بالإضافة إلى السيدة "رقية"، دلفت المطبخ تقول لإحدى الخدم بتهذيب على مرمى عينان حماتُها:
- لو سمحتي ممكن تحضري أكل لمازن ..
اومأت الخادمة بإبتسامة :
- تحت أمرك يا هانم ..
تشدقت "رقية" تنظر لها بتهكم:
-هانم!!!! وانتِ يا فريدة مهتعرفيش تحضري لچوزك الوكل بنفسك ؟!!
ألتفتت لها "فريدة" قائلة بإحترامٍ :
- لاء أكيد بعرف يا طنط بس أنا تعبانه شوية، بس أكيد بإذن الله هبقى أحضرلكم الغدا في يوم ..
نظرت لها "رقية" بغيظ لتقول بغلٍ :
- ماشي يا مرات أبني ...
ثم ذهبت من أمامها، لتزيل "فريدة" قناع القوة، تخبئ خلفه الكثير من الحزن و الإرهاق، جلست على المقعد المقابل لطاولة صغيرة بالمطبخ، اسندت رأسها عليها بتعبٍ، حتى غفت من دون أن تعي..
نظروا لها الخادمات بشفقة ليتستمروا قائلة إحداهن :
- ياحبة عيني الست هانم نامت!!!
قالت الأخرى بحزن:
- أنا مخابراشي (مش عارفة) الست هانم رقية بتعاملها أكده ليه، زي ما يكون بيناتهم تار !!!!
لتهمس الأخرى:
- بس فريدة هانم ردت عليها و أحرچتها..
جاء "مازن" بعد أن شعر بتأخيرها، لينتبه لما قالته الخادمة، دلف بحدة يقول:
- أيه اللي بيحصل هنا ؟!!!
انكسن رؤوسهن لتقول إحداهن :
- مافيش حاجة يا بيه!!؟؟
لتتقدم إحداهن بجرأة :
- لاء فيه يا بيه، الست رقية هانم بتعامل فريدة هانم بطريجة مش ولا بُد ..
نكزتها إحدى الخدم لتكف عما تقوله، إلا أنه رفع إحدى حاجبيه قائلاً بأستفسار :
- قالتلها أيه؟!!!
↚
قصت عليه الخادمة ما حدث، نظر "مازن" إلى "فريدة" النائمة ولا يعلم لِما آلمه قلبه عليها، أنحنى بجزعه ليحملها بين يداه بلطف حتى لا يفيقها، قائل. لإحدى الخدم :
- هاتي الأكل و تعالي ورايا ..
راقب ذراع "فريدة" الذي عانق رقبته بحركة عفوية منها، أتجه لغرفتهما ليضعها برفق على الفراش، ألتفت للخادمة ليأخذ الطعام منها، اغلق الباب ليجلس يقضم بعض اللقيمات بشراهة، لينهض يحل ازرار قميصه ليبقى عاري الصدر كعادة أبناء الهلالي، أستلقى جوارها ليضما إلى صدره محاوط خصرها من الخلف، تمتمت "فريدة" بدون وعي :
- مازن.. كلت؟!!
أبتسم ليبعد خصلاتها عن عنقها الأبيض يقبلها هامساً :
- ايوا كلت ..
دفن أنفه برقبتها ليغفى بإستمتاع ..
• • • •
تخشب جسده عنها شعر بها تحتضنه بكل ما أوتيت من قوة، كم أشتاق لتلك اللحظة، حاصرها بذراعيه الضخمة ليسمعها تهمس بخفوتٍ :
- ظافر!!!!
شعر بقلبه يأن من الألم، حبيبته خائفة وهي بين يداه،حتى وإن لم تقولها إلى أن نبرتها أوحت بذلك، ليته لم يتركها، ليت الأفعى لدغته هو وليس هي، أحتضنها بقوة كأنه خائف من فقدانها!!! ظلا هكذا لبضع دقائق ليبتعد عنها قليلاً هامساً وأنامله تسير على وجنتها الشاحبة:
- هروح أجبلك أكل ياحبيبتي، أنتِ مكلتيش حاجة من الصبح!!!
أمسكت بكفه بقوة تنفي برأسها، لا تريده أن يبتعد عنها مرةً أخرى، أنحنى ليطبق على شفتيها بقلبة أذابتها، ليبتعد وشفتيه لازالت ملامسة لشفتيها يهمس بخفوتٍ :
- مش هتأخر...
نهض مبتعداً عنها ليخرج من الغرفة، ذهب نحو المطبخ ليحضر لها شطيرتان، وجد والدته تجلس على المقعد ممسكة بالمصحف ترتل بصوتٍ عذب، ا
أغلقته قائلة بصوت خاف "صدق الله العظيم" لتشير لأبنها بالمجئ، نظر لها بحيرة فهو يود ان يصعد لمحبوبته و لكن لا يستطيع رفض طلب والدته، لتهمش هي بنبرة ماكرة :
- تعالى يا حبيبي أجعد چاري و بعدين أطلعلها!!!
جلس بجوارها بهدوء، لاحظت والدته إرهاقه لتربت على كتفه قائلة بحنان:
- بتحبها يا ظافر، بتحبها يا حبيبي، أنا أول مرة اشوفك أكده، أنت مشوفتش نفسك لما كنت بتحضنها قدامنا كلنا..!!!!
أمسك برأسه والصداع يفتك به قائلاً:
- أنا مش عارف أعملها أيه، حاسس أني عاجز، أحساس بشع أوي يا أمي...!!!!
ربتت على خصلاته بحزن قائلة بلهفة :
- معاش ولا كان اللي يعچزك يا بني، متقولش أكده ..
نفى برأسه قائلاً بندم:
- لاء يا أمي، أنا السبب.. ياريتني مكُنت سيبتها لوحدها، أنا الغلطان..!!!!
- ياحبيبي و أنت كنت تعرف منين بس أن كل دِه هيحصُل، ربنا ينتقم منها الحية الحقيقية اللي كانت عايشة وسطينا!!!!
التفت لها قائلاً بنبرة سوداوية:
- هي راحت فين؟!!
تشدقت بـ:
- لمت هدومها وغارت في داهية عند أبوها..!!
تنهد بإرتياح وكأنه ثقل و أنزاح من على قلبه، لتربت والدته على كتفه العريض قائلة بحنو أمومي:
- روح يابني شوفها، ولو عوزتني نادم عليا و أنا هاچي!!!
أومأ بهدوء لينهض، صعد لها بخطوات سريعة، فتح الباب بهدوء حتى لا يخيفها، ليتفاجأ بالفراش فارغ، وقع فؤاده أرضاً برعب عندما سمع أنين متألم يأتي من المرحاض!!!!!
ركض داخل الغرفة متجهاً نحو المرحاض، جزع عندما وجدها منحنية تخرج ما بجوفها على الحوض، شعر بأن حبيبته تصارع الموت، وهو مكبل الأيدي لا يعلم ماذا يفعل، أتجه نحوها في خطواتٍ سريعة، ليحاوط خصرها مبعداً بخصلاتها من على وجهها، يقف خلفها ملصقاً ظهرها بصدره كحائط منيع يصد أي خطر يحاول أن يأخذها منه، مسح على وجهها بالماء بلطفٍ شديد، لفّها له يسندها بذراعيه الممتلئة بالعضلات، أرتجف جسدها متشبثة بقميصه تدفن رأسها بصدره و الألم بقدميها لا يحتمل، فهي قد عانت السير عليها لتصل إلى المرحاض بصعوبة بعد أن خطت بقدمٍ واحدة مستندة على الحائط!!!
مال بجزعه ليضع ذراع على ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بخفة، وضعت هي بدورها كِلتا ذراعيها حول عنقه لتدفن أنفها في عنقها الذي يفوح برائحته الرجولية التي تعشقها..
جلس على الفراش ليجلسها بأحضانه كالطفلة الصغيرة، أخذ يتفحص اللدغة عن كثب، نظر لها بحنو ليربت على ظهرها مقبلاً جبينها، رغماً عنها بكت، بكت لكثرة الهموم على قلبها، بكت لقدميها التي تؤلمها، بكت كارهة الحياة، بكت تريد أن تؤنبه عن عدم وجوده في حياتها مبكراً، هو تأخر.. تأخر كثيرا. بعد أن فقدت شغفها بكل شئ حولها، بكت لكذبتها ااتي ستؤدي بها أسفل الجحيم، بكت لأنها شعرت أن خسارته قريبة، قريبة جداً، بكت كأنها لم تبكي من قبل، كان بكاءها مصحوب برعشة عنيفة بجسدها وهي بين أحضانه، جالسة على ركبتيه، كاد أن يكسر ضلوعها في عناقه لها، لم تكن تعلم أن بكاءها بتلك الطريقة بمثابة لكمات تضرب قلبه بلا رحمة، فرت دمعة هاربة من مقلتيه ليزيلها بقوة، أهو يبكي، هو الذي فقد إنسانيته بالأعمال المشبوهة كتجارة السلاح وغيرها تنساب دمعة خائنه منه و هو يرى حبيبته بتلك الحالة !!!
تشبثت بكنزته تهمس بصوت يرتجف باكٍ:
- ياريتك كنت جنبي من الأول ياظافر، ياريتني قابلتك من زمان، مكنتش هبقى كدا والله!!!!
رفع كفها الصغير يقبل باطنه قائلاً بحنو:
- ورحمة أبويا، أقسم بالله وعد أتحاسب عليه أني مش هسيبك أبداً، طول م أنا جنبك مافيش حاجة هتقرب منك!!!!!!!
↚
• • • •
في الصباح الباكر، جلست "رهف" على الفراش البارد تضم قدميها لصدرها تبكي بقوة، تذكرت ما حدث البارحة....
عندما نزلَت عن الدرج بخطوات متغنجة، في ثوبها البنفسجي الذي أظهر رشاقة قوامها، وبياض بشرتها الناصع، ألتمعت عينان "باسل" بعشقٍ، كاد قلبة أن يطير من فرط جمال محبوبته، قلّص المسافة بينهما ليستقبلها على أول الدرج، كـ ملكٌ ينتظر ملكته على أحر من الجمر، و لحسن حظه كان الجميع منشغل بغرفهم، وقفت أمامه بخجل تنكس برأسها بالأسفل، حاوط وجهها بكلتا يداه، ليزرع قبلات على كل إنش في وجهها الصافي، ارنبة أنفها، جبينها، وجنتيها القابلة للقضم، وأخيراً شفتيها الذي لم ولن يتشبع من إرتواءها، أمسك بكفها ليسيرا معاً، أتجها نحو السيارة ليفتح لها باب السيارة قائلاً بمزاح:
- أتفضلي يا رهف هانم ...
أستقلت السيارة بفرحٌ كبير، نظرت له و هو يلتفت ليجلس جوارها، ثم نظر لها ممسك بكفها، رفعه لثغره ليطبع قبلة حنونة عليه قائلاً بعشقٍ:
- بحبك!!!!
نظرت لفستانها بخجلٍ مسترسلة بوجنتين كالطماطم:
- ميرسي!!!!!
نظر لها بدهشة ليقول بنبرة مازحة:
- بقا انا اقولك بحبك تقوليلي ميرسي، هو أنا عاملك صينية بطاطس يا رهف..
زمت شفتيها قائلة بحزن زائف:
- ماشي يا بسلة أتريق عليا كمان...!!!
قهقه بقوة ليتحرك بالسيارة قائلاً بتوعد مصطنع:
- لما نروَح يا رهف أصبري عليا!!!
• • • •
وصلا لمطعم من أفخم المطاعم بالقاهرة، أتخذا كلاً منهم مقعده، نظرت "رهف" للمطعم بإنبهار، ثم عادت بنظرها إلى "باسل" الذي يطالعها مبتسماً، لتردف قائلة بسعادة برّقت بمقلتيها :
- انا فرحانة أوي!!!!
ابتسم وقال:
- ربنا يقدرني و أفرحك أكتر ....
ثم أكمل قائلاً :
- تطلبي أي يـا موزّة؟!!
نظرت له بدهشة قائلة بإشمئزاز زائف:
- موزّة؟! أنت بيئة أوي!!!
- بيئة عشان بقولك موزّة، يلا يبنت العبيطة!!!
شهقت لتزم شفتيها تنفخ بوجنتيها بضيق زائف مكتفة ذراعيها أمام صدرها، ماذا إن نهض وأكلها الأن، بالتأكيد هي قابلة للأكل، ليته حجز ذلك المطعم الغبي لهما بمفردهما، أبتسم لها بعشقٍ جلي، طلبا ما يريدونه من الطعام، لينهوا عشائهما الرومانسي بنظراتهما المحبة ...
تعلقت بيداه ليخرجا من المطعم، لم يلاحظوا تلك العينان الخبيثة التي تراقبهما، كادا أن يستقلا السيارة، ليوقفهما صوت ماكر يقول:
- أزيك يارهف، وحشتيني!!!!
ألتفتت "رهف" لذلك الصوت بإستغراب، بينما جمدت ملامح "باسل" بالكامل، ليلتفت له واضعاً يداه بجيبه، مراقباً للحديث الذي يدور بينهما ببرودٍ تـــام!!!!!
جمدت أطرافها، نظفت حلقها وهي تقول بصـدمة:
- سـليم!!!!!!
أقترب منها "سليم" يطالعها بنظراته الخبيثة، بينما أبتعدت عنه "رهف" لتختبئ وراء "باسل" متشبثة بحِلته، نظر له "باسل" متأهباٌ للعراك يقول بوجهٍ لا يتبين له أية ملامح:
- أنت مين ؟!!!!
تجاهله "سليم" تماماً، محدقاً بـ "رهف" بنظرات أرعبتها، قدحت حدقتيّ "باسل"، وبدون مقدمات قبض على تلابيبه ليصبح وجههما مقابلاً لبعضهما، كل منهما يحدق بالأخر بتحدٍ حارق، ربت "باسل" على منكبيّ الأخير يقول بهدوء سابق للعاصفة:
- هو أنت متعلمتش يا روح أمك أن لما الرجالة تبقى واقفة متتكلمش مع النسوان!!!!!!
شهقت "رهف" بخوف لتمسك بذراع "باسل" قائلة برجاء حار وهي تتيقن أنها سينشبا عراك في الحال :
- باسل عشان خاطري يلا نمشي من هنا!!!!
ألتفت لها بنظرة جعلتها تصمت متراجعة وكأنها قد أبتلعت لسانها، ليزيح "سليم" يده قائلاً بإبتسامة باردة مستفزة:
- أهدى على نفسك يا عم الشَبح، ده حتى أنا و رهف عارفين بعض.. عـز المـعرفة!!!!!!
حدق به بشراسة ليلتفت لها ممسكاً برسغها بقوة آلمتها :
- مين دة ؟!!!!
أبتلعت ريقها بنظرات زائغة لتتمتم بخفوت:
- هقولك والله بس أحنا لازم نمشي من هنا!!!!!
أبتسم "سليم" بسماجة ليستطرد واضعاً كلتا يداه بجيبه قائلاً:
- أنا اللي كنت خاطبها، أيه يا رهف هو أنتِ مقولتيش لجوزك أنك كنتي مخطوبة ليا قبل كدا!!!!!
• • • •
دلف "باسل" الغرفة صافعاً الباب خلفه، ألقى نظرة جانبيه _باردة_ عليها أخرج لُفافة تبغ ليشعلها بقداحته الذهبية، ليخرج إلى الشرفة الملحقة بالغرفة مستنداً بكفه على السور، ينظر للفراغ بعينان متوعدة، لا يخفى عنه صوت نحيبها الذي يصدر من خلفه، كانت ملامحه جامدة تنذر بشرٍ قريب ..
نهضت "رهف" لتتجه نحوه بخطوات وئيدة، تقدم قدمٍ وتؤخر الأخرى، مسحت دموعها بظهر يداها و هي تقف خلفه مباشرةً، أستندت برأسها على ظهره العريض تدفن وجهها به، محتضنه خصره لتنفجر بالبكاء بشهقاتٍ متتالية
↚
تقلصت ملامحه ألماً قابضاً على سور الشرفة حتى ظهرت أوردته من شدة الغضب، هي لا تعلم ماذا تفعل دموعها به، تلك الطفلة لا تدرك مدى تأثيرها عليه، تغفل عن أنه أصبح مهووساً بها، لم يلتفت لها، ولم يفتح لها ذراعيه كالعادة، بل ظل متخشباً بالأرض لا يبدى أي ردة فعل، لا يستمع سوى لنحيبها الذي أخذ يمزق في روحه
تمتمت بشجنٍ وبصوتٍ راجي:
- أرجولك متعملش كدا فيا، أنا مكنتش هقدر أحكيلك عشان عارفاك متهور وممكن تجيبه وتقتله وتضيع نفسك عشان واحد زي ده!!!
لم يرُد، مصغياً لحديثها بهدوءٍ مخيف، ابتعدت عنه "رهف" لتمسك بكلتا منكبيه تديره لها قائلة ووجهها مملوء بالدموع:
- باسل تعالى نتكلم بالعقل و أنا هفهمك كل حاجة والله!!!! بس متتجاهلنيش بالطريقة دي!!!؟
مسحت بعيناها على وجه لترى ملامحه الجامدة لم تتغير إنشاً، و لأول مرة تراه هكذا كـ لوح الجليد، نفث دخان سيجارته بعيداً عن وجهها مبتسماً بسُخرية لاذعة مردفاً:
- للأسف كان المفروض أسأل عن البني آدمة اللي هتجوزها، واللي هتشيل أسمي وتبقى أم عيالي، دي مش غلطتك دي غلطتي أنا!!!! مكنش ينفع أتجوز واحدة كدابة!!!!!!
وقعت كلماته عليها كالصاعقة، جحظت عيناها بصدمة وكلماته كالخناجر المستقرة في جسدها، وبهدوءٍ شديد أغرورقت عيناها بالدموع الحارة، وذراعها التي كادت أن تضعها عل يده لتواسيه أنزلتها بجوارها، ترددت صدى الكلمات بأذنيها تبتسم لنفسها بألمٍ، ألم تمكن منها يتآكلها، لقد مات أبيها من قبل، أصبحت بلا ظهرٍ تستند عليه، أذاقتها الدنيا مرارة الحياة، بل وصفعتها عدة صفعات لا يتحملها بشريٍ، و عندنا شعرت أن الله يعوضها بزوجٍ أحبها بكل جوارحه، طعنها هو الأخر بظهرها دون أن يسمع مبرراتها ليثبت لها بأن الحياة ظالمة، لم تبدي ردة فعل أو هكذا ظنت، فتعبيرات وجهها كانت كالكتاب المفتوح أمامه..
لوهله شعر بتأنيب الضمير عندما نظر لوجهها الذي بُهت، وعيناها التي أختفت الحياة بهما، إلا أنه رفض التنازل عن كبريائه كرجلٍ، ألتفت ليعود على وضعيته مستنداً على السور بكلتا يداه و كأنها لم يحطم قلبها تواً، ألتفتت "رهف" مبتعدة عنه بوجهٍ متحجر، أتجهت نحو خزانتها لتخرج حقيبتها الكبيرة، فتحت سحابها بهدوء لتضع ملابسها بها عاقدة أن لا تبقى بذلك القصر أبداً، ألتفت "باسل" عندما سمع بالضجة التي تحدثها، تصنمت عيناه عندما رآها تنقل جميع ملابسها للحقيبة، أتجه نحوها قائلاً بتساؤل بارد:
- بتعملي أيه..
لم تعيره أهتمام، وكأن سؤاله لم يوجه لها، لتكمل ما تفعله بهدوءٍ تــام
ظهر الغضب على محياه ليصرخ بها بضراوة :
- لما أكلمك تبصيلي و تردي عليا فاهمه!!!!!!
لاحت أبتسامة ساخرة على وجهها لتترك ما تفعله تتقدم نحوه قائلة بنبرة خالية من الحياة:
- بعفيك من الأختيار الغلط، أنا فعلاً مينفعش أشيل أسمك او أبقى ام لأولادك، عشان كدا أنا رايحة لماما وياريت ورقتي توصلني في أقرب وقت!!!!!
صُدم من حديثها، لم يتوقع أن كلماته ستجرحها بذلك الشكل، أمسك بذراعها بعنف قائلاً بتحذير:
- أيه الجنان اللي بتقوليه دة!!!!
أمسكت بكفه لتزيحه بعيداً عن ذراعها قائلة بهدوء مستفز:
- ده مش جنان، دة الحل ليا وليك يا باسل!!!!!
أمسكها من كتفيها ليهزها بقوة صارخاً بها خارجاً عن طوره بالكامل:
- أنتِ فاكرة أني ممكن أطلقك!!!!! ده بُــعـدك يا رهــف، و سيادتك عايزة تروحي تقعدي عند جوز أمك ال**** دة أنا أهد الدنيا عليكي أنتِ وعيلتك كلها، أنتِ مراتي ومِلكي وهتبقي في المكان اللي أنا فيه غير كدة مش عايز أسمع منك أي حاجة تانيه فـاهمة!!!!!
تلوت بين ذراعيه تصرخ به وعروقها أشتدت لكثرة ما تعانية من ألم كلماته قبل قبضته على جسدها:
- سيبني يا بـاسـل أنا بـكـرهـك ومش عايزة اقعد معاك أبداً سـيبني!!!!!
تلبستها حالة من الجنون الهيستيري تصرخ بوجعٍ وبكاء حارق يكاد يزلزل القصر بأكمله، صُدم "باسل" لما توصلت إليه "رهف" من حالة هيستيرية ليجذبها إلى صدره معانقاً إياها بكلتا ذراعيه يردف سريعاً:
- أهدي يا حبيبتي، أهدي و أنا هعملك اللي أنتِ عاوزاه بس أهدي!!!!!!!
ضربته على صدره عدة ضربات تحاول أن تنزع نفسها من أحضانه ولكنه كان متمسكاً بها لأقصى حد، لم تستكين "رهف" له و هي تردد بـ (طلقني)، حملها "باسل" بين ذراعيه، ليضعها على الفراش بلطفٍ، أستلقى بجانبها لتتخلل يده اسفل ظهرها يرفعها نحوه حتى تجلس بأحضانه، مربتاً على خصلاتها حتى هدأت و غفت بإرهاق..
• • • •
تجلس أمام المرآة ممسكة بالفرشاة تمشط خصلاتها الطويلة، لتضع القليل من مساحيق التجميل، ليظهر جمالها البرّاق، أنتفضت على المقعد عندما وجدته يدلف بهيئة مبعثرة، حيث أول أزرار قميصه المفتوحة وبذلته على يده، خصلاته مبعثرة ووجه مرهق حقاً، رمى بجسده على الفراش مغمضاً عيناه بوهن..
لم تبالي به "فريدة" لتكمل تمشيط خصلاتها كأنها لم تراه، نظرت لما ترتديه والذي كان عبارة عن منامة تتكون من بنطال (مشجر) مُريح، تعلوه كنزة ملتصقة بجسدها لم تغطي كامل ذراعيها، نهضت من امام المرآة، لتهم بالخروج من الغرفة، ولكن أستوقفها صوته الحاد يقول :
- على فين!!!!
التفتت له بتعجب تتمتم بصوت خفيضه لم يسمعه:
- هو مش مغمض عينه عرف أزاي أني ماشية هو ملبوس ولا أيه!!!!
نظرت له تقول بإمتعاض:
- و أنت مالك؟!!
هدر بها بحدة وهو لازال على حاله:
- فــريـدة!!!!! أنا مش ناقصك و عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي...
نظرت له بسُخرية قائلة:
- و أيه الجديد؟!! ع العموم رايحة أشوف يزيد..
نهض ليجلس على الفراش يتفحصها بعيناه من رأسها حتى أخمص قدميها، خجلت "فريدة" من نظراته ولكنها صمتت، لينظر لها "مازن" قائلاً بهدوء :
- ألبسي حاجة محترمة شوية عشان أنا أخواتي تحت!!!!
ضيقت عيناها بغضب لتقترب منه بخطوات بطيئة، وقفت أمامه لتقول بنبرة شرِسة:
- أنت عايز تفهمني أنك بتغير عليا زي أي زوجين طبيعين، مازن أنا وأنت زي الميا والنار مستحيل نتجمع مع بعض، فياريت بلاش تعيش في دور الزوج اللي بيحب مراته، أنت متجوزني لسبب واحدة أنا و أنت عارفينه كويس..
↚
ثم نظرت له بإحتقار لتشير بيدها بسُخرية:
- وبعدين أنا مش نازلة أتمشى في قصركم الفظيع، أنا هقعد مع يزيد في أوضته، ده غير أني مش لابسة بدلة رقص عشان تقولي ألبسي حاجة محترمة!!!!
- خلصتي؟!
قال ببرود شديد ليشير بسبابته إلى الخزانة قائلاً:
- لو ملبستيش حاجة طويلة دلوقتي قسماً بالله م أنتِ شايفة أخوكي النهاردة يا فريدة!!!!!
نظرت له بصدمة لمدى جموده بكلامها لم يؤثر به مقدار ذرة، ضربت الارض بقدميها لتتجه للخزانة تبحث عن شئ محتشم..
• • • •
نزلت من فوق الدرج، فقد أشتاقت لأخيها التي أهملته في هذان اليومان، أشتاقت لأحضانه الدافئة، و عندما يربت بيده الصغيرة على ظهرها ببراءة، ولكن وهي شاردة أرتطمت بالسيدة "رقية" والتي كانت ممسكة بكوب من الشاي الساخن، ولسوء حظها سقطت الماء المغلي على ذراع "فريدة" وسقط الكوب الزجاجي متحولاً لشظايا، صرخت "فريدة" بألم ممسكة بذراعها الملتهب لتنهمر الدمعات من عيناها، غضبت السيدة "رقية" لتصرخ بها و لم ترحم حالتها قائلة:
- أيه عميتي إياك معدتيش بتشوفي زي الخلق!!!!
فركت "فريدة" ذراعها بعينان دامعتان لتنظر لها "رقية بإستحقار مشيرة إلى الزجاج المنثور على الأرض قائلة بتكبرٍ:
- يلا يا بت لِمي الأزاز الي كسرتيه دة!!!!
نظرت لها "فريدة" بصدمة لتقول بصوت باكٍ متجاهله ألم ذراعها:
- أنتِ ليه بتعامليني كدا!!!!، دة أنتِ حتى بتصلي و عارفة ربنا و عندك بنت!!!! ليه أنا بالذات اللي بتكرهيني اوي كدا!!!!!
نظرت لها "رقية" بتقزز:
- لأنك أقل من أني أعاملك بحُسنة، حتة ممرضة لا راحت ولا چات لفت على أبني لحد م أتچوزته وكمان من ورا أهله، عيلتك لا ليها أصل ولا فصل و بعدين لما تتكلمي مع أسيادك تتكلمي بإحترام فاهمه يا بت ولا مبتفهميش!!!!!
- في أيـــه اللي بيحصل هنا؟!!!!
هدر بها "مازن" الذي وقف خلف "فريدة"، ألتفتت له "فريدة" لينصدم من الدموع التي ملئت وجهها، أتجه نحوه في جزعٍ ليربت على ظهرها قائلاً بقلق:
- بتعيطي ليه يا فريدة؟!!!
شهقت "فريدة" ببكاء حقيقي نبع من قلبها، لفتت أنظاره يدها شديدة الإحمرار و الزجاج المنثور في الأرضية، ألتقط يدها قائلاً بصدمة:
- أيه اللي حصل!!!!!
ألتفت لوالدته ليقول بغضبٍ:
- في أيه يا أمي!!!!
ضغطت الأخيرة على شفتيها لتتشدق قائلة:
- مافيش حاجة يا بني مراتك أتدلق عليها شوية شاي عملتها مندبة!!!!
أشتعلت عيناه بإنفعال ليعاود النظر إلى ذراعها الملتهب، جذب رأسها ليطبع قبلة صغيرة على خصلاتها مربتاٌ على ظهرها قائلاً في حنو لأول مرة ينبع منه:
- تعالي أحطلك مرهم...
حاوط كتفيها بذراعه المفتول ليسيرا نحو الغرفة متغاضياً عن صدمتها من كلماته و أفعاله وحنانه الذي ظهر فجأة..
صعدا لغرفتهما ليدلفا تاركين "رقية" تشتعل غيظاً ..
أجلسها "مازن" على الفراش مغلقاً الباب من خلفه، جلب كريم الحروق ليجلس بجوارها، كان الحرق يأخذ حيز كبير من ذراعها، وضع طبقة رقيقة من الكريم على منتصف ذراعها الملتهب، وزعهما برفق حتى لا تتألم ثم رفع ذراعها إلى ثغره، ثم نفخ به بلطف حتى يجف، نظرت له "فريدة" وصدمتها لم تزول عن وجهها، ظنت أنه يتصنع الأهتمام أمام والدته إلى أن نظراته القلقة عبرّت عما بداخله، رفع بصره إليها قائلاً بقلق:
- بيوجعك أوي؟! أجيبلك الدكتور؟!!
نفت برأسها قائلة بخفوت وبنبرة مبحوحة وهي تنزع ذراعها من بين كفه قالت:
- لاء.. أنا كويسة...
ربت على ظهرها بحنو قائلاً:
- أحكيلي أيه اللي حصل بالظبط..
نظرت له وقد عادت الدموع لعيناها عندما تذكرت أفعال أمه قائلة بصوتٍ ينذر بالبكاء:
- أنا كنت رايحة ليزيد زي م قولتلك وخبطت فيها من غير م أقصد والشاي وقع أتكب عليا، وقالتلي أني لفيت عليك و أني مش ليا عيلة!!!!!
لتنفجر في البكاء كالأطفال وهي تتمتم بحزن عميق:
- بس هي مغلطتش انا فعلاً مش ليا عيلة!!!
دفنت رأسها بكفيها باكية بحدة، ليجذبها لصدره بإبتسامة خفيفة لطفولتها، مقبلاً خصلاتها و هو يردف:
- خلاص بقا متعيطيش يا فريدة.. أهدي، وبعدين أنتِ عندك ابوكي على فكرة و أكيد هو بيحبك و عندك أخوكي يزيد كمان صح؟
لم تساعده كلماته سوى على البكاء أكثر، ليمسح هو على خصلاتها قائلاً :
طب أقولك قومي ألبسي و خلي يزيد يلبس عشان نروح الملاهي يلا!!!
أنتفضت "فريدة" تقول بصدمة وهي تمسح عيناها من الدمعات العالقة بهما:
- هـــاه!!! ملاهي!!!!!
• • • •
↚
أنتفضت تلك السيدة البدينة تضرب على قدميها قائلة بحسرة وبلهجتها الصعيدية:
- يا حسرة عليكي يابتي، چوزك طردك ورمى عليكي يمين الطلاق طب و الله لا أنا ولا أبوكي هنسكتله هو مفكر أنك مالكيش ضهر ولا أييهه!!!!
دفنت "مريم" رأسها في أحضان والدتها تبكي بحرقة، لا تصدق أنها ستبتعد عنه، لطالما أحبته "مريم" دون مقابل، أحبت كل شئ و أي حركة تصدر منه، ولكنها دفعت ثمن هذا الحب اللعين غالٍ، لم تستوعب أن حُبها له كان دافعاً جعلها تجلب حية لـ "ملاذ"، لم تكن "مريم" شريرة يوماً، و لكن حبها الأسود لها لم يكن سوى دافع لتلك الشرور، أقسمت "مريم" بداخلها أنها لن تجعله ينعم بحياة هادئة بعيداً عنها، ستجعله يندم على فراقها وطردها بذلك الشكل المهين!!!!
يقترب منهم ذلك الكهل الذي يرتدي جلبابه ويبدو على وجهه الوهن قائلاً بتعب:
- أحنا معندناش بنات تتطلق يابتي، أحنا هنتصرف ونرچعك لچوزك...
• • • •
مال بثغره طابعاً قبلة عميقة فوق جفونها المُسبلة، ممسكاً بكفها الناعم وعيناه تسير على كل شبرٍ في وجهها بنظرات متفرسة، ثم تنهد بإرهاق فهو لم ينام منذ يومان خائفاً على أن يصيبها مكروه، فهو مازال يؤنب نفسه على ما حدث، نهض من جوارها يدثرها جيداً حتى لا تبرد، ليتجه الغرفة المجاورة حتى لا يبتعد عنها، نزع كنزته الملتصقة بجسده ليرتدي كفوف الملاكمة، يقف أمام كيس الملاكمة بنظرات شرِسة، أخذ يلكمه بحدة منفثاً عن الغضب المتأجج داخله، تصبب العرق من فوق جبينه بل من فوق جسده بأكمله..!!!
اشتعلت عيناه بإحمراراً مخيفاً ليلتقط الكيس بين ذراعيه مستنداً عليه بجبهته، نزع الكفوف ليستلقي على الأرض ممارساً تمرين الضغط المفضل له، أشتدت عضلاته بعنف و هو يصل للعد مائتان!!
نهض عن مضجعه ليتجه نحو هاتفه الراقد على الفراش، أمسك به ليعبث بشاشته، وضعه على أذنه ليأتي الرد بعد ثوانٍ، تنهد مردفاً بصدرٍ مهتاج من شدة تعبه:
- الشُحنة يا جواد أخبارها أيه؟!!!
أردف "الجواد" بغرابة:
- ياعم قول أزيك يا جواد مش الشحنة يا جواد خبط لزق كدا!!! ،و بعدين متقلقش الشحنة وصلت وأستلمناها، بس مالك يا ظافر بتنهج ليه كدا أنت فين؟!!
أردف هو بشراسة:
- المهم دلوقتي أنتَ لازم تيجي وتجيب معاك أوراق الصفقات اللي عايزة أمضتي لأني مش هعرف أجي الشركة اليومين دول..
- أنا كنت لسة هقولك كدا، يلا أنا جاي مسافة السكة
أبعد "ظافر" الهاتف من على أذنه ليتجه صوب الحمام الملحق بالغرفة، أغتسل سريعاً ليخرج مرتدي بنطال قطني مريح تعلوه كنزة "كت" سوداء أظهرت عضلات صدره وذراعيه، مضى نحو غرفة "ملاذ"، أدار المقبض ليتفاجأ بها جالسة على الفراش ضامة ساقيها لصدرها تدفن رأسها بهما، ليسمع تنهيداتها المتألمة أقترب منها سريعاً ليجلس بجوارها ماسحاً على ظهرها وهو يقول بقلقٍ من حالتها:
- مالك ياحبيبتي، حاسة بوجع أجيبلك الدكتور؟!!!
رفعت وجهها الذي أغرقته الدموع لها لتقول بصوتٍ متقطع:
- أنت.. كنت.. فين!!!!
حاوط وجهها بكفيه ليطبع قبلة على جبينها قائلاً بحنو:
- أنا كنت في الأوضة اللي جنبك يا حبيبتي متخافيش..
نظرت بعمق داخل عيناه لتقول بصوت مبحوح:
- يعني أنت مش مشيت وسيبتني وزهقت مني؟!!!
ابتسم بحبٍ ليجذبها لأحضانه قائلاً بشبه تأنيب:
- ليه بتقولي كدا؟ أنا مستحيل أزهق منك او أسيبك، أنا بس عايزك تتحسني بسرعة عشان أتجوزك ونمشي من هنا بقا..
حاوطت خصره بذراعيها لتقول بنبرة ضائعة:
- أنا أستاهل اللي بيحصل فيا، أستاهل كل حاجة وحشة بتحصلي يا ظافر!!!!
نزعها من أحضانه قائلاً بتوبيخ وقد ازعجته كلماتها:
- متقوليش كدا يا ملاذ...
نفت برأسها قائلة بألمٍ أعتصر قلبها:
- لاء انا أستاهل صدقني، أنا عايزة أموت بقا و أرتاح أنا تعبت!!!!
نهرها "ظافر" بحدة قائلاً بعنف:
- متدعيش على نفسك سامعة متجيبيش سيرة الموت على لسانك!!!!!
أنهمرت الدموع من عيناها لتنفجر في البكاء ، لترتمي في أحضانه بإندفاع بألمٍ يغزو قلبها، ربت "ظافر" على ظهرها ليقول محاولاً التخفيف عنها:
- حبيبتي قوليلي ايه اللي مزعلك، أنا متأكد انك مش بتعيطي عشان موجوعة، أنا عارف ان في حاجة جواكي شايلة همها، في أيه؟
تشبثت بكنزته لتسترسل بصوتٍ مرتجف:
- ياريتني اعرف أقولك..!!!
مسد على خصلاتها قائلاً بشكٍ:
- طب أنتِ خايفة مني؟!
نفت برأسها قائلة بصدقٍ:
- لاء.. خايفة أخسرك!!!!
أبتسم "ظافر" ليبعدها عن أحضانه، كوّب وجهها قائلاً بنبرة حنونة:
- أنا اللي خايف أخسرك صدقيني..!!!
مسحت عيناها كالأطفال لتنظر له ببندقتيها اللامعة، نظرة جعلته ينصهر كالجليد، مال بثغره ببطىٍ، ليلتقط شفتيها بشفتيه ببطئٍ، سارت أنامله على طول ذراعيها الناعمة ليضع كفه خلف عنقها لتطبع شفتيه على كامل وجهها بقبلات متفرقة وكأنه يواسيها بطريقته، لثم عنقها الطويل بلطفٍ، أبعدته "ملاذ" قائلة بصدرٍ يعلو ويهبط:
- ظـافـر!!!!!
↚
- أنـا عــايـزك!!!!!
• • • •
استقلا ثلاثتهم السيارة ليجلس "يزيد" الصغير بالخلف يشاغب بطفولة، ضرب على كتف "مازن" قائلاً ببرائة:
- عمو مازن هو أحنا هنروح فين؟!
ألتفت له "مازن" بإبتسامة مقتضبة قائلاً:
- خليها مفاجأة...
أبتسمت "فريدة" تطالع الحديث الذي يدور بينهما، صفقت بحماس لينظر لها "مازن" بصدمة:
- مش كفاية طفل واحد في حياتي كمان طلعت متجوز طفلة، آدي أخرة صبري..!!!
قهقهت "فريدة" بقوة" ليشاركها أخيها بالضحك لا يعلم ماذا يقولون لكن رؤية شقيقته جعلته يبتسم لا إرادياً!!!
تحرك "مازن" بالسيارة متجهاً نحو الملاهي...
• • • •
صفّ سيارته ليستقلوا، صرخ "يزيد" بحماس:
- المياجيح (مراجيح)!!!! ألتمعت عيناها ببرائة لتقدم على الذهاب غير عابئة بأحد، ليقبض "مازن" على رسغها قائلاً بجدية:
- فريدة، تفضلي ماسكة إيدي أنتِ شايفة الدنيا زحمة أزاي!!!
نفخت وجنتيها لتومأ برضوخ، مال "مازن" بجزعه، ليحمل"يزيد" بذراع والأخر أمسك بكف زوجته، أتجه أولاً إلى الألعاب الخفيفة حتى لا يتعب "يزيد"، رفض"مازن" تماماً العب معها رغم إلحاحها السديد عليه، إلا أنه تحجج بأنه سيقف يراقبهما، تعالت صرخات"فريدة" و "يزيد" ليبتسم "مازن"، أخذ يفكر، لما يُعامل زوحته بتلك الطريقة، لم يقسو عليها هكذا وهو يعلم أن ليس لها مكان للذهب إليه سوى بجواره، لِم يستغلها -جسدياً- بتلك الطريقة البشعة، أنب نفسه بشدة ليمسح على وجهه بحدة وحيرة، لمح على الجانب الأخر رجلاً طويل القامة يقف خلف فتاة، جحظت عيناه عندما وجده يحاول لمسها بطريقة مقززة مستغلاً ذلك الإزدحام ، أندفع الدماء لرأسه ليلقي نظرة على "فريدة" و "يزيد" ليجدهما لازالا يمرحان على تلك اللعبة، هرول نحو تلك الفتاة ليقبض على ذلك الرجل، طرحه أرضاً ليكيل له ضرباتٍ قوية بوجه وبأماكل متفرقة من جسده، إلتفتت تلك الفتاة برعب لتطالع "مازن" الذي لم يرحم ذلك الراجل الراقد أسفله، ألتفتت تلك الفتاة بإستغراب لتجحظ كاتمة شهقة كادت أن تخرج منها لتصيح بصدمة:
- مـــازن!!!!!.
توقف "مازن" عن ضربه على الفور .. عندما أستمع صوتها، رفع رأسه لتكاد عيناه أن تخرج من محلها و هو يردف بصدمة حقيقية:
حافية على جسر عشقي الفصل الثالث عشر:
قبضَت بكفيها على الغطاء المحاوط لجسدها، مغمضة عيناها بأسى بدى على قسمات وجهها، بينما هو خلفها يحاوط خصرها بذراعه البارد مستنداً بذقنه على خصلاتها، حاولت أن تنزع ذراعه عنها إلا أنها فشلت، فقد كان متشبثاً بها كأنه خائف فقدانها، و هروبها من بين يداه!!!
تنهدت بضيق لشعورها بقلبها الذي ينبض بقوة بداخلها، مرتعبة من أن تكون قد وقعت في فخ الحُب، نفت ما برأسها، شعورها تجاهه هو الإطمئنان فقط، الإرتياح نحوهه، هي تشعر بجانبه بأنها في آمان، بأن لا يوجد أحد على الأرض يستطيع إذائها وهي بجواره.. ليس إلا!!!
خافت من أن تكون تعلّقت به، خافت من حصوله على قلبها المغلف بالحزن وعدم الثقة، أستسلمت للأمر لتلتفت تعطيه وجهها، حدقت بملامحه الوسيمة حتى و هو نائم يبدو كالملاك، غفلت عن حالها لوهله لتميل بثغرها مقبلة صدغه برِقة....
تفاجأت به يفتح عيناه بخبثٍ ماكر وسط صدمتها، تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها، حاوط خصرها بذراعه القويتان عندما قال بخبثٍ:
- أنتِ عارفة أنا هعمل فيكي أيه بعد اللي عملتيه دلوقتي ده!!!!
خفق قلبها بعنف لتمد كفيها واضعها إياهما على صدر العاري محاولة أختلاق مسافة بينهما قائلة بوجهٍ تخضب بالإحمرار الشديد:
- ظـافـر!!!
لم يبالٍ بكفيها الصغيرتان لينحني نحوها مداعباً أنفها الصغير بأنفه الحاد مغمض العينان يستشعر أسمه الذي يُلفظ من بين شفتيها قائلاً مغمض العينين بحنو:
- عيونه!!!!
تنهدت بعمق و قد أدركت أنها وبدون نقاش قد وقعت فريسة لحُبه، أستسلمت لذلك الشعور الطاغي، لتصمت، حتى عندما أطبق بشفتيه على شفتيها في قبلة رقيقة لم تفعل شئ، لم تقاومه بل تبادلت معه قبلته بشوقٍ زُرع بقلبها، قررت أن تعترف له بكل شئ منهية ذلك الصراع الذي يدور داخلها و لكن ليس الأن حتى لا تفسد تلك اللحظة..
• • • •
جلست على الأراضي الباردة تضم كلتا ركبتيها إلى صدرها تبكي بعنف، لا تستطيع نسيان ما حدث البارحة و كلماته القاسية معها، لقد طعنها بدمٍ بارد، شردت فيما حدث لتتذكر البارحة عندما كانت تقف في شرفة منزله لتراه يترجل من سيارته السوداء الفخمة يسير بهيبة عهدتها منه، قفز قلبها فرحاً لترتدي إسدالها لتنزل لعنده بخطوات متلهفة وقد قررت الإعتراف له بمشاعرها البريئة النقية، كان وجهها يزينه البسمة و هي ترى الخادمة تفتح الباب لها، تلاقت نظراته بها لتفضحها عيناها الخائنة!!!
أبتسم بسُخرية لينتظر ذهاب الخادمة و قد أصبح يسأم شعورها تجاهه، أتجهت نحوه "ملك" بخطوات متهادية تنظر أرضاً بخجل، لتفرك أصابعها ببعضهما بتوترٍ قائلة في حياء:
- أزيك يا جواد؟!!
ردّ بإقتضاب:
- كويس
شعرت ببرودة ردُه لترفع نظراتها له قائلة بغرابة:
- أنت .. أنت زعلان مني في حاجة؟!!
أدار وجهه للجهة الأخرى وبرائتها تجبره قسراً على أن لا يقسو عليها، فهي لطالما كانت طفلته التي كانت تركض تجاهه منذ صغرها ليستقبلها هو بالأحضان، حتى كبرت و نضجت فـ لم تعد تفعل ذلك تحت أمر من "ظافر" بالتأكيد، تنهد بعمق محاولاً الدعس على قلبه ليقول ببرودٍ ثلجي:
- لاء!!!
أغرورقت عيناها بالدموع لبروده معها لتنظر بالأرض حتى لا يرى دموعها قائلة بنبرة يشوبها الألم:
- عن إذنك!!!
↚
ثم ألتفتت حتى كادت أن تذهب بعيداً عنه، إلا أنه ناداها قائلاً بجمود:
- أستني!!!!
ألتفتت له بأمل لتقول بلهفة:
- نعم؟!..
يقترب منها عدة خطوات بطوله المهيب ليبعثر مشاعرها، نظر لها بثبات قائلاً:
- بصي يا ملك، أنا عارف أنك بتحبيني!!!!
وقع قلبها أرضاً لتنظر له بصدمة، طغى الإحمرار على وجهها لتنظر لقدميها تنتظر متابعة حديثه و ليته لم يفعل!!!
- بس أنا أسف مش هقدر أبادلك المشاعر دي، أنتِ لسة صغيرة ومش فاهمه الدنيا، لسة صغيرة في عيني.. مش قادر أشوفك غير البنت اللي بضفرتين اللي كانت بتجري عليا تُحضني، أنا أسف يا ملك بس أنتِ أختي الصغيرة ومش عارف أتخيلك مراتي أبداً، أتمنى تكوني فهمتيني...
وقعت كلماته عليها كالصاعقة، كانت كالنيزك المدمر على قلبها، تابعته عيناها و هو يذهب من أمامها ، وذهبت معه جميع أحلامها معه إدراج الرياح، ركضت نحو عرفتها حتى كادت أن تسقط لولا يد "ظافر" التي أمسكت بكتفيها قائلاً:
- على مهلك!!!
أخفت عيناها عنه قائلا بصوت متألم:
- أسفة..
حاوط كتفيها ليقول بإستغراب عندما لاحظ دموعها قائلاً وهو يرفع ذقنها له:
- مالك؟!!
تلعثمت قائلة:
- مافيش يا أبيه أنا كويسة أنا بس تعبانه و عايزة أنام..
نظر لها بريبة محاوطاً وجهها بحنو:
- متأكدة يا ملك؟!!!
اومأت بإبتسامة مغتصبة، ليميل هو مقبلاً جبهتها قائلاً:
- ماشي يا حبيبتي أطلعي أستريحي، و لوحد ضايقك تعالي قوليلي على طول..
أومأت لتذهب نحو غرفتها، أغلقت الباب لتستند عليه شاهقة ببكاءٍ حارق، ظلت طوال الليل تبكي حتى أنتفخت عيناها، عادت من ذكرياتها لتستغفر، نهضت ثم أدت صلاتها بخشوع تبكي ساجدة لربها، تتمنى من ان يزيل حبه من قلبها .. أو يغرس حبها في قلبه!!!!
• • • •
كاد أن يحطم ضلوعها من شدة أحتضانه لها، يندم عما نطق به لسانه، ربت على خصلاتها البنية ليميل مقبلاً جبهتها، تلوت "رهف" بين ذراعيه لتفتح جفونها بنعاس، سرعان ما أستوعبت وجودها بين أحضانه طوال الليل لتنهض كمن لدغتها حية واثبة تقول بصراخ:
- أبـعـد عـنـي!!!!!!
صُدم من ردة فعلها ليقول مهدئاً إياها:
- أهدي يا حبيبتي!!!!
صرخت بهيستيرية ضاربة الأرض بقدميها:
- متقوليش حبيبتك، أنا بكرهك..أنا همشي من هنا، مش هقعد هنا دقيقة واحدة!!!!
نهص عن الفراش ليمسك بكتفيها بقوة قائلاً بنبرة هادئة يحاول أن يمتص غضبها:
- عشان خاطري أهدي، أنا أسف على اللي قولته أنا مكنش قصدي والله!!!
أخذت تلكمه على صدره في ضربات لم تؤثر به صارخة بإهتياج:
- مكنش قصدك!!!! أنت عارف كلامك عمل فيا أيـه!!!!!
حاوط وجهها قائلاً بندم:
- و رحمة أبويا مكنتش أقصد...
نزعت كفيه عن وجهها لتنفي برأسها قائلة بصراخ سمعه من بالقصر بالكامل:
- ســيــبـني!!!!!!
كانت "رهف" في حاله لم يستطيع "باسل" أن يروضها، حتى دلفت والدته للغرفة بقلق قائلة:
- في ايه يا ولاد!!!!!
ألتفتت لها "باسل" الذي قال في إرهاق:
- مافيش حاجة يا أمي...
ابتعدت عنه "رهف" لتتجه للسيدة "رقية" تتوسلها قائلاً:
- عشان خاطري خليه يوديني عند أمي، أعتبريني بنتك وخليه يسيبني في حالي!!!!
تفاجأت "رقية" بإستنجادها بها ليتجه نحوهما "باسل" قائلاً بغضب و هو يجذب "رهف" من ذراعها بقوة نحوه:
- روحي أنتِ يا أمي أنا و هي هنحل مشاكلنا مع بعض...
أنتحبت "رهف" أكثر لتشفق عليها "رقية" جذبتها إليها بعطفٍ أمومي لتقول لإبنها بحزم:
- سيبني أنا يا بني ههديها..
تركها "باسل" بقلة حيلة لتحاوط "رقية" "رهف" من كتفيها ثم دفعتها معاً لتسيرا خارجن من الغرفة، و شهقات "رهف" لا تخفي عليه.. مسح على وجهه بتعب ليهتف بنبرة حادة قبل أن يغادرن الغرفة:
- خليكوا.. أنا اللي همشي!!!
ثم غادر صافعاً الباب وراءه بحدة، انفجرت "رهف" في البكاء لترتمي في أحضان "رقية" التي نظرت له بعطف أمومي، ربتت على خصلاتها لتقول بحنو:
- أهدي يا جلب أمك، مافيش حاجة تستاهل دموعك دي يا ضنايا، صدجيني باسل بيحبك، يمكن أنا كنت معترضة على چوازكوا في الاول بس أنا ميهمنيش غير راحة أبني، و هو بيحبك فعلاً يا بتي، أستهدي بالله..!!!
أهتزت نبرتها وهي تقول ببكاء:
- أنا عارفة أنه بيحبني بس هو وجعني أوي بكلامه، حسسني في نظر نفسي أني رخيصة!!! وأني مستاهلش أبقى مرات باسل سرحان الهلالي!!!!!
↚
رغم أنها لم تعلم ما حدث بينهما إلا انها ربتت على كتفيها تقول بتأنيب:
- متقوليش أكده يا حبيبتي دة أنتِ ست البنات..
ثم تابعت بإبتسامة:
- لما ييجي هخليه يتأسفلك و يحِب على راسك كُمان!!!
مسحت دموعها لتومأ بإبتسامة، ثم أخذا يتسامران و شعرت "رهف" بالطمانينة بوجودها، فهي تذكرها بوالدتها وحنانها، ليدلف "باسل" على حين غرة، تهربت "رهف" من عيناها و هو يقول مثبتاً نظراته عليها بشوقٍ:
- خلصتوا؟!!
نهضت والدته لتقول بحدة زائفة:
- تعالى يا وِلد أتأسف لمرتك و حِب على راسها..
ثم أنسحبت خارج الغرفة قائلة بإبتسامة:
- ومتزعلهاش تاني
أبتسم "باسل" بحُب ليقترب منها بخطوات وئيدة، يتابع نظراتها المتجهة أسفل قدميها، كوّب وجهها بكلتا كفيها ليطبع قبلة عميقة على جبهتها قائلاً بعشقٍ:
- أنا أسف يا حبيبتي، صدقيني مكنش قصدي!!!!
أبتسمت "رهف" قائلة:
- خلاص مش زعلانه..
جذبها إلى أحضانه مربتاً على ظهرها لتقول "رهف" بشرود:
- أنا لازم أحكيلك على كل حاجة..
قاطعها "باسل" بوجهٍ عاد لجموده بعض الشئ:
- لو مش عايزة بلاش دلوقتي..
- لاء!!! هحكي!!!
أصرت بنبرة هادءة ليومأ لها "باسل" بهدوء..
جلست "رهف" على الفراش تتذكر ما حدث لتبدأ بالسرد على مسامعه:
- اللي شوفته دة أسمه سليم، كنت خطيبته من قبل م أشوفك، ظهر في حياتي فجأة وحبيته أوي، وبعدين جه عشان يخطبي من جوز ماما، أنا قولت أن جوز ماما أحتمال كبير مش يوافق، بس أنا اتفاجأت أنه وافق وعينيه كانت بتقول أن في حاجة مخبيها عليا، و بقيت فعلاً خطيبة سليم، لحد مـ في يوم جه عشان يقعد معانا، و ماما وجوزها سابونا قاعدين لوحدنا..
شردت أكثر في ذكريات بعيدة..
كان يجلس "سليم" على الأريكة بينما هي تجلس على الكرسي بجواره بحياءٍ، ربت "سليم" على الأريكة بجانبه قائلاً بخبث:
- مـ تيجي يا حبيبتي تقعدي جنبي هنا، وبعدين دة أنا هبقى جوزك..
أبتسمت "رهف" بسذاجة لتذهب جالسة جواره وليتها لم تفعل، نظرت للأرض بخجلٍ لينتهز "سليم" الفرصة ثم مدّ يده لخصرها النحيل، أنتفضت "رهف" بحياء و توترٍ، فـ قد كانت كلتا ذراعيه يحاوطان خصرها ليقبل وجنتيها الطرية برغبة حاولت "رهف" إبعاده بخوفٍ قائلة:
- سليم أبعد أحسن ماما وجوزها يشوفونا..
أبتسم ساخراً على براءتها ليقول و هو لازال مقيدها بين ذراعيه:
- لاء متخافيش..
فهي لا تعلم أنه زوج والدتها هو من طلب منه فعل ذلك بينما هو مع والدتها بالداخل يلهيها عنهم..
تجرأ أكثر ليقيل شفتيها برغبة مريضة و يداه تتلمسها برغبة ، كادت "رهف" أن تبكي فهي تريده أن يبتعد و لكن تخاف أن تخسره ف أستسلمت للمساته التي كوّت جسدها، و لكنها أبتعدت كمن صُعقت بالكهرباء عندما حاول نوع ملابسها لتنهض قائلة بنبرة شبه حـادة:
- سـليم!!!!
لم يكن يعي ما يفعل، لينهض قبالتها ثم دفعها نحو الحائط خلفها، أنهال عليها بالقبلات المقززة متلمسا جسدها بكفيه، حاولت "رهف" إبعاده إلا أنه بقى كما هو دون تحرك ف بنيته كانت تفوقها أضعاف، أنهمرت الدموع من عيناها لتنقذها والدتها التي قامت بالنداء عليها من الخارج، أنتفضت لتبتعد عنه ماسحة دموعها قائلة بنبرة متلعثمة:
- جاية يا ماما...
و يومٍ ما كانت "رهف" و "سليم" يجلسان بسيارته لتردف بحدة:
- أنت فاكرني أيه عشان أجي معاك شقتك، سليم أنت مستوعب اللي بتقوله!!!!!
تأفف "سليم" ليغتصب أبتسامة على ثغره قائلاً بلطف زائف:
- هو أنا هاكلك يا حبيبتي، ده أنا هوريكي الشقة اللي هنقعد فيها أنا غلطان يعني!!!!
كتفت ذراعيها قائلة بريبة:
- ومقولتليش ليه من الأول عشان أقول لماما و جوزها يبقوا معانا، ولا أنت فاكر أني هاجي معاك من غيرهم، أنت ناسي القرف اللي عملته لما كنت عندنا!!!!!
صدم "سليم" فقد تحولت من فتاته المطيعة لقطة ذات مخالب حادة، ليردد بعدم أستيعاب مصطنع:
- قرف!!!، أنا بحبك يا رهف عشان كدا هموت عليكي، أنتِ متعرفيش النار اللي جوايا و لو عليا كنت أتجوزتك دلوقتي حالاً!!!!
شعرت "رهف" بالندم لما قالته لتربت على كتفه ببراءة تقول برقة:
- طب خلاص يا حبيبي متزعلش أنا مكنتش أقصد!!!
نظر لها بحزن زائف و هو يقول بعينان بريئتان:
- يعني هتيجي معايا؟!!
↚
أحتدت نظراتها لتقول:
- لازم ماما و جوزها يبقوا معانا..
تأفف بيأس ليقترب من عنقها ثم وزع قبلاته عليها، حاولت "رهف" إبعاده بتقزز ليضغط "سليم" على شريان برقبتها بإحترافية، لتقع مغشياً عليها بين براثنه..
أحتدت عينان "باسل" لتنفجر الدماء برأيه قائلاً بنبرة حادة:
- كملي!!!!
إزدردت ريقها و هي تتابع ملامحه، لتكمل ..
أخذها "سليم" إلى شقته بالفعل، بينما كان ينتظره زوج والدتها على أحر من الجمر، حملها "سليم" ليدلف بها لشقته، نظر لها ذلك الرجل برغبة مريضه ليلتقطتها من بين ذراع "سليم" قائلاً بوقاحة:
- روح أنت يلا مهمتك خلصت..!!!!
نظر له "سليم" قائلاً بإشمئزاز:
- مش عيب عليك يا راجل لما تبقى عايز تغتصب بت أد بنتك!!!!
تشدق ذلك الرجل بغضب شديد:
- و أنت مالك يا روح أمك، يلا ياض أمشي من هنا!!!
نظر له "سليم" قائلاً بنزق:
- هات الفلوس الأول مش كفاية التمثيلية البايخة اللي عملتها على البت دي، وبعدين البت قمر و أنا كنت عايز أدوق الشهد قبلك بس يلا بقا ماليش نصيب!!!!!
ضغط على شفتيه و هو ينظر لها بين يداه برغبة قائلاً :
- هديلك الفلوس بس مش دلوقتي يا بـأف..!!!
نظر له بإشمئزاز ليقول:
- طيب يا جدو.. يلا سلام..
ثم خرج من الشقة، دلف "ناصر" زوج والدتها للغرفة ليضعها على الفراش و هو ينظر لجسدها برغبة، مزق ملابسها سريعاً ليلبسها منامية عارية باللون الأبيض.. فتح أزرار قميصه بعجالة، بينما فتحت "رهف" عيناها بنعاس، تشوشت الرؤية أمامها لتتفاجأ به يوزع قبلات مقززة على وجهها، شهقت بعنف ليقيد هو ذراعها ثم أنهال عليها بالقبلات بكت "رهف" بقوة هو يضغط بجسده الهزيل عليها ضربته بركبتها في معدته ليتآوه هو بألم ليسقط على الأرض متكوراً و هو يسبها بشتائم تندي له الجبين، نهضت بعنف لتمسك بالمزهرية الموضوعة على الكومود، لتضربه على رأسه بقوة، صرخ "ناصر" بألم، ليسقط مغشياً عليه، ركضت هي نحو الباب لتخرج من الشقة، ركضت على الدرج ببكاءٍ قوي، ينظروا لها المارة بشفقة تارة وبغضب مما ترتديه و برغبة متفحصين جسدها، أختبأت "رهف" لتقابل "مازن" في ذلك الحين..!!!!!
بكت "رهف" و هي تعلم أن "باسل" سيغضب، سيثور، و من المحتمل أن يطلقها بعدما علمه عنها، فهو كأي رجل شرقي لا يقبل بفتاة مثلها، بالفعل كان "باسل" يثور داخله، بل يشتعل كالبركان المتوقد بنيران مستعرة، نهض لا يعلم ماذا يعل أو ماذا يقول، مسح على وجهه بقوة ليخرج سيجاره البني، أشتعله بقداحته ينفث عن غضبه به، بدلاً من أن ينفث عن غضبه بتلك المسكينة، شعر بالإختناق ليخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه، تاركها منهرة بالبكاء!!!!
• • • •
- يعني البنت دي كانت خاطبتك وسيبتوا بعض قبل شهرين من الفرح!!!! بس ليه!!!!
قالت "فريدة" بتفاجأ امام "مازن" الذي يجلس أمامها منفثاً غبار سيجارته قائلاً ببرود:
- كانت طمعانة في فلوسي!!!!
ثم أقترب منها برأسه مضيقاً عيناه قائلاً ووجهه مقابل وجهها:
- عشان كدا دايماً بقول أنكوا صنف زبالة و طماعين!!!!!
شهقت"فريدة" بصدمة لتنهض من أمامه صارخة به:
- أنت قصدك أن أنا طمعانة فيك!!؟
أعتدل"مازن"في جلسته ليضع قدماً فوق الأخرى قائلاً بخبث:
- لو مكنتيش طمعانة في فلوسي مكنتيش وافقتي على عرضي و الفلوس اللي هتاخديها مني مقابل أنك تبسطيني يا مراتي!!!!
وضعت كفها على فمها للحديث الذي طعن قلبها، أغرورقت عيناها بالدموع لتردف ببكاء:
- أنت ليه بتعاملني كأني واحدة جايبها من الشارع؟!!!!
أبتسم أمام دموعها قائلاً بسُخرية:
- م أنتِ كدة فعلاً!!!!!
جحظت عيناها لتقدح عيناها شراً، مالت عليه بحدة لتقبض على تلابيب قميصه صارخة به ببكاءٍ مفرط:
- أنت متعرفش حاجة عني، متعرفش قبلت أني أكون مراتك ليه، أنا لولا أخويا اللي ملوش حد غيري في الدنيا دي عمري م كنت هفكر أقبل عرضك ال*** زيك!!!!!، أنت متفرقش معايا أصلاً ولا معتبراك راجــل!!!!!!!!
لم تقصد.. لم تقصد ما تفوهت به تواً و هي ترى تغير ملامحه من الجمود والبرود التام إلى ملامح شُكلت كالشيطان أمامها، ملامحه جعلتها كالخرساء لا تعلم بما تبرر ما قالته، أبتعدت عنه سريعاً كمن لدغتها أفعى و هي تراه ينهض مقترباً منها في خطوات بطيئة كالموت الذي يقترب منها رويداً رويداً، ألتصقت بالخزانة تقول بصدرٍ مهتاج من شدة خوفها منه و مما قد يحدث:
- أنا مكنتش أقصد..!!!!
لكنه لم يستمع لها، أقترب منها بعينان مشتعلة ليقف أمامها تماماً، قبض بأصابعه الغليظة على فكها بعنف حتى كاد أن يقتلعه في يده، حاولت "فريدة" إزاحة كفه لتنهمر الدموع كالشلالات على وجنتيها، فقد كانت نظرته أسوأ شئ تراه في حياتها، بل كان الأسوأ صفعته التي أوقعتها أرضاً لقوتها، ثم أنهال عليها بالصفعات صارخاً بها بجنون، يسُبها بأفظع الشتائم، يضربها بقدمه في معدتها، يضرب رأسها بالأرضية حتى فقدت الوعي تماماً، أقتحما كلاً من "ملك" و "رقية" الغرفة لوصول الصوت لهما ليشهقا بصدمة، ضربت "رقية" على صدرها بصدمة أعتلت وجهها:
- يا نصيبتي!!!!!!
فقد كانت "فريدة" متكورة على الأرض، وجهها شاحب كالموتى ممتلئ بالكدمات الزرقاء، و جسدها المكدوم بالإضافة إلى فمها النازف، ركضت نحوها "ملك" لتميل بجانبها صارخة بأخيها بحدة:
- ايه اللي أنت عملته ده يا متخلف!!!!!
ضربت على وجنتيّ "فريدة" برفقٍ هاتفه ببكاء:
- فريدة.. فريدة ردي عليا عشان خاطري!!!!
ألتفتت لوالدتها المتصنمة تقول ببكاءٍ قوي:
- ماما فريدة لازم نوديها المستشفى، روحي صحي ظافر و باسل!!!!!!
↚
لم يعي "مازن" ما يحدث ،كأنه كان بغيبوبة فاق منها لتوه، صُعِق عندما رأى "فريدة" بتلك الحالة متكورة أسفل قدميه، أبعد "ملك" عنها بعنف لينثنى واضعاً يده أسفل ركبتيها والأخرى على ظهرها، حملها كالريشة بين ذراعه ليركض بها خارج الغرفة، بل خارج القصر بأكمله، فتح له سائقة الخاص سيارته ليضعها هو بجانب مقعده، أزاح السائق بحدة ملتقطاً مفاتيحه منه ليصارع الرياح في سرعته، بقلبٍ ملكوم و عقل تأكد من فقدانها!!!!!
• • • •
وصل بها لمشفى "الهلالي"ليترجل بسرعة فائقة، دار حول السيارة ليفتح الباب الخاص بمقعدها ثم حملها ليركض تجاه المشفى و جسده البارد ينزاع جسدها الثلجي، صرخ بكل ما أوتي من قوة:
- هاتوا سرير هنا بــسـرعـة يا شوية بــهــايـم!!!!
ركض نحوه طاقم من الممرضات و الأطباء مع الفراش المتنقل ليضعها عليه، ولسوء حالها أتجهوا بها فوراً إلى العناية المركزة ليجتنبوا بطش بن عائلة الهلالي، نظر إلى يده التي تخضبت بدماءها بفزعٍ، مسح على خصلاته بجنون يرفض فقدانها، جلس على المقعد ليجد والدته و "ملك" و "ملاذ" تستند على "ظافر" و أخوانه "ظافر" و "باسل" يركضون نحوه لتمسك به والدته بجزعٍ:
- هي فين!!!!!!
أشار لغرفة العناية المركزة بلا حديث، نظرت له والدته بإستحقار لترفع كفها عالياً ثم هوت به على وجنته بصفعة قوية، شهق الجميع بتفاجأ و لكنه كان صامت، فـ تلك الصفعة لم تؤثر به أبداً و كأنه فقد الإحساس بمن حوله، قبضت على تلابيبه لتقول بحدة :
- أنا اللي دلعتك زيادة عن اللزوم!!!! أنا اللي خليتك تطاول على اللي أضعف منِيك، يا خسارة تربيتي فيك، حسبي الله ونعمة الوكيل البت اللي مرمية چوة لا حول ليها ولا جوة بسببك أنت، دة أنت عندك أخت لو چوزها عمل فيها أكده مش هنسكتله، و لا أنت واخدها معندهاش أهل عشان تبيع وتشتري فيها، عشان أهلها مش موچودين هتفكر نفسك هتفتري عليه، البت دي اول م تفوق تطلقها وتسيبها في حالها، أنت مريض و مينفعش حد يعيش معاك واصل!!!
كلماتها كانت كالخناجر التي تستقر في قلبه وبين ضلوعه، و لكنه لم ينطق بكلمة، أبتعد عنهما ليخرج خارج المشفى بنظرات شاردة، ذهب بعيداً.. بعيداً جداً و هو الحل الذي يلجأ له دائماً.. الهروب!!!!!
• • • •
جلسوا جميعهم على المقاعد بقلة حيلة أمام الغرفة ينتظروا الطبيب، أسندت "ملاذ" رأسها على كتف "ظافر" الذي حاوط كتفيها، رفعت أنظارها لتنظر له بإبتسامة، فهي قد أختارت رجلاً بمعنى الكلمة، حمدت ربها بسرها أنه رزقها به، خرج الطبيب بضيقٍ ليزيح الكمامة عن وجهه، أقتربوا منه جميعهم ليتطمأنوا، ليردف الطبيب بهدوء ملتفتاً إلى "ظافر" :
- بصراحة يا ظافر بيه البنت جاية مدغدغة، وشها وجسمها مليانين كدمات و واضح أنها أتعرضت لإعتداء بالضرب وحشي جداً أدى إلى شروخ في عضمة الفك من كتر الضرب، و دراعها كمان هنجبسه عشان نتفادى أي كسور لا قدر الله!!!!
أندفعت السيدة "رقية" تقول:
- طب هي فاقت يا ضاكتور؟!!!
- الحقيقية هي في غيبوبة أنا مستغربها، يعني رغم أن أعضائها الحيوية بتقوم بوظائفها و كله تمام بس هي كأنها رافضة الواقع اللي هي عايشة فيه، هي بنفسها اللي رافضة تقوم من الغيبوبة!!!! بس متقلقوش أنا هكلف طاقم كامل من الممرضين يفضلوا معاها لحد م تبقى كويسة و الأفضل تبقى في المستشفى كمان كام يوم.. بعد إذنكوا
ثم أنصرف الطبيب بإحترام.. لتقول "رقية" بحزن:
- أنا كمان چيت عليها يا حبة عيني، مش كفاية الحيوان التاني..
أظلمت عينان "ظافر" ليقول بتوعد:
- مازن سيبهولي أنا يا أمي!!!!!
• • • •
ظلت "فريدة" راقدة على الفراش بـ غيبوبتها، رافضة النهوض ومواجهة تلك الحياة التي سلبت كل ما هو جميل في حياتها، بينما يختفى "مازن" تماماً، بحثا عليه كلاً من "ظافر" و "باسل" بشتى الطرق وفي كل مكان، إلا أن محاولتهما باءت بالفشل، و كأن الأرض أبتلعته، لم يتركوا "فريدة" بمفردها أبداً، وخيم الحزن عليهم لعدم أستجابتها و نهوضها، أما "يزيد" الصغير كان يبكي لعدم وجود أخته بجواره، فهو لا يعلم أحد سواها من تلك الوجوه الغريبة عليه..
تحسنت قدم"ملاذ" لعناية "ظافر" بها، مما حث "ظافر" على الإسراع ليقيم حفل الزفاف في القصر، إلا أن "ملاذ" أصرت بعد أن تسترد"فريدة" عافيتها.. لربما تقول له عما يدور بخلدها في ذلك الوقت..
و بالفعل تحسنت حالة "فريدة" و أفاقت من غيبوبتها ليذهبوا بها للقصر، رفضت "فريدة" في بادئ الأمر الذهاب لذلك القصر الذي أصبح ثقلاً على قلبها، إلا أنهم أصروا خاصةً "رقية" تقول لها بحزم أن لا أحد سـ سيمسها بمكروه أبداً، أطمئنت "فريدة" قليللً لاسيما عندما لم تلمح طيف "مازن" أبداً، ظلتا "رهف" و "ملاذ" و "ملك" مع "فريدة ليخرجانها من تلك الحالة، حتى أصبحوا أصدقاء..
• • • •
نظرت "فريدة" لنفسها بالمرآة..أعتلت المرارة صفحة وجهها، لتنظر لكدمات وجهها الزرقاء، وكتفها الأيمن مصتبغاً بلوناً بنفسجي قاتم، و بعض الخدوش ، أنهارت أرضاً تخفي وجهها بكفيها لتبكي بحرقة شديدة، دلفت "رهف" بجزعٍ لتركض نحوها، رفعتها عن الأرض لتجذبها لأحضانها، ياللمراراة فالفتاة التي كاد زوجي أن يغتصبها تحتضني لتواسيني.. هكذا قالت "فريدة" في نفسها، صرخت "فريدة" بإهتياج:
- ليه بيحصل فيا كدا!!!! أشمعنى أنا اللي جوزي يعمل فيا كدا!!!! أنا بكرهه أوي، يارب خدني بقا يارب!!!!
ضمتها "رهف" لصدرها أكثر قائلة بحزن:
- اهدي ياحبيبتي متعمليش في نفسك كدا هو ميستاهلش والله دمعة من عينيكي عيشي حياتك و أعتبري أنه مات!!!!
لا تعلم لما خفق قلبها بعنف عندما ذكرت موته، أبتعدت عنها تقول بتوجس:
- هو فـين؟!!!
- مش عارفة بس هو أخر مرة كان موجود لما جابك على المستشفى، باسل وظافر دوروا عليه في كل حتة و مش لاقيينه، بصي أنا أيوا بكرهه عشان اللي عمله فيكي و اللي عمله معايا كمان وبقول عليه حيوان بس أنتِ مشوفتيش منظره لما جابك على المستشفى، كان منهار جداً كأنه لما كان بيضربك مكنش في وعيه و فاق على منظرك لما أغمى عليكي ..كان تايه!!!!!
لم يزيدها كلماتها سوى خوفاً على أن يكون قد أصابه مكروهٍ ما، لعنت ذلك القلب الذي لازال يخفق له، هدأتها "رهف" لتقول بمزاح حتى تخرجها مما هي به:
- بقولك أيه تعالي نرخم على البت ملاذ شوية!!!!
↚
أومأت "فريدة" بإرهاق لتتجها نحو غرفة "ملاذ"، طرقوا الباب ولكن لم يسمعوا رداً، ليدلفا بحذر فوجدوهها نائمة كعادتها مفترشة الفراش بأكمله، أبتسما بخبث لتلتقط "رهف" كوب الماء البارد لتلقيه بوجهها صارخة برعب زائف:
- حــريـقـة!!!!!!
أنتفضت "ملاذ" برعب قائلة بصراخ:
- الـبـيت بيولععع!!!!!!
أنفجرا "رهف" و "فريدة" من الضحك لتنظر لهما "ملاذ" بعبوس قائلة بضيق:
- والله حرام عليكوا!!!
لكزتها"رهف" قائلة بضحكات عالية:
- م أنتِ اللي بتنامي زي القتيلة!!!!، قومي يلا!!!، أنتِ ناسية أن فرحك بعد يومين!!!!!!
أنقبض قلبها عندما تذكرت أمر زفافها، وكأن حكم أعدامها هو من أقترب، نظرت لهما قائلة بشرود:
- أنا مش عايزة أتجوز!!!!
نظرت "فريدة" لها بغرابة لتقول:
- أنتِ بتهزري يا ملاذ ده فرحك خلاص، وبعدين ظافر بيحبك ليه بتقولي كدا؟
أبتسمت في وجوههم حتى لا تشعرهم بالخوف على حالتها، لتتمتم:
- مافيش حاجة يا جماعة انا بس خايفة مش اكتر..
ثم أكملت وهي تقبض على معدتها قائلة:
- أنا جعانة اوي...
جذبتها "رهف" قائلة من ذراعها لتنهض من على الفراش:
- طب يلا كلهم على السفرة تحت ومستنيينا...
نهضوا ثلاثتهم لتنذرها "فريدة" قائلة بحذرٍ:
- ملاذ هتنزلي كدا؟ بلاش عشان ظافر ميزعقش..
نظرت "ملاذ" لما ترتديه لتجد سروال من الجينز يصل لما قبل ركبتيها، تعلوه كنزة خفيفة بحمالاتٍ رفيعة، عضت على شفتيها بتردد لتنظر لهما قائلة بتوترٍ:
- بلاش أنزل كدا صح؟
قالا معاً:
- ايوا بلاش..
أومأت لتقول بإبتسامة:
- طب خلاص أنزلوا أنتوا و أنا هغير وجاية وراكوا..
خرجا الأثنتين لينزلوا بالأسفل..
كان "ظافر" يترأس الطاولة يأكل من طبقه بهدوء بارد، يجاوره "باسل" و والدته و "ملك" التي كانت نظراتها خاوية حزينة ألتفت "ظافر" برأسه عله يجدها، أعتلى وجهه الإستغراب ليقول بإستفهام:
- فين ملاذ؟!!
أجابت "رهف" وهي تجلس جوار زوجها:
- نازلة ورانا...
نظرت "رهف" إلى "باسل" بملامحه الجامدة، ربتت على ذراعه قائلة بخفوت:
- حبيبي إنت كويس؟
أومأ دون حديث لتتنهد هي بحزن، ثم عادت تنظر إلى طبقها منكسة رأسها للأسفل..
عاد "ظافر"ينظر لطعامه بجمود، بعد دقائق.. مر طيف رائحتها القوية ألتفت لها ليجدها باسمة الوجه، ترتدي ملابس محتشمة، أبتسم لها بعذوبة لتبادله هي بأخرى شغوفة، جلست بعيدة عنه قليلاً لتبدأ طعامها بهدوء.. بينما قالت السيدة "رقية" بحزن:
- ملقتوش مازن بردو؟!!
تحدث "ظافر" قائلاً بسأم:
- دورنا عليه في كل حتة يا أمي بس كأنه فص ملح وداب...
تنهدت "رقية" بضيق:
- هيفضل مشيلنا همه أكده...
مازال يقول لها إحساسها بأنه ليس بخير، إلا أنها تمنت عدم رجوعه، ولكن فقط ليبقى بخير بعيداً عنها...
عادت "رقية" تتحدث بود إلى "ملاذ":
- مش هتنزلي يا حبيبتي مع فريدة ورهف و ملك عشان تچيبي الحاچات اللي هتحتاچيها عشان فرحك؟!!
وقف الطعام بحلقها لتسعل بقوة، أنتفض"ظافر" واثباً ليقول بقلقٍ:
- أنتِ كويسة؟!!!
- أسم الله عليكي يابتي..
قالت "رقية" بقلق..
سكبت لها "فريدة" كوب من الماء، لترتشف منه "ملاذ" بتوتر..عاد "ظافر" جالساً، ليقول:
- أنزلوا و أنا هبعت السواق و الحُراس معاكوا..
• • • •
صعدت "ملاذ" لغرفتها و قلبها يكاد يخرج من محله، أتجهت نحو فراشها لتجلس عليه بجسد يرتعش من شدة البرودة، أمسكت بهاتفها حتى تهاتف "فتحية" فوجودها بجانبها سيطمئنها، إلا أنها وجدت رسالة مجهولة من رقم غير مسجل، قطبت حاجبيها و هي تقرأ مضمونها:
- هدمرلك حياتك!!!!
أبتسمت بسخرية فهي ليست من ذلك النوع الذي يتأثر بتلك الرسائل المهددة..
هاتفت "فتحية" لتخبرها بميعاد زفافها وبضرورة وجودها بجوارها..
نهضت بعجالة لتبدل ثيابها بتنورة ألتصقت بقدميها يصل طولها لما بعد قدميها، تعلوها حلة رسمية باللون الأسود، بدت أمرأة قوية وجذابة حقاً، رفعت خصلاتها ثم أسقطت بعض الخصلات جعلتها بمظهر طفولي..
يقتحم "ظافر" الغرفة لتنتفض "ملاذ" برعب.. نظرت له بغضب قائلة:
- في حد يدخل اوضة حد كدا يا ظافر؟!!
↚
جمدت ملامحه عندما تفرس ما ترتديه ليقترب منها قائلاً ببرود:
- أيه اللي أنتِ لابساه دة!!!! انتِ متجوزة شوال بطاطس لتكوني فاكرة أني هخليكي تخرجي كدا، دة أنتِ مش هتعتبي باب الأوضة بيه أصلاً!!!!
كتفت ساعديها أمام صدرها لتقول:
- ماله لبسي بقا أنا طول عمري بلبس كدا!!!!
مسح على وجهه بعنف، حتماً سيرتكب جريمة و هي تقف أمامه هكذا، حاول تهدئة نفسه مراراً ليبتسم بإستفزاز:
- أنتِ دلوقتي متجوزة، يعني أنا اللي أشوف تخرجي بأيه و أيه اللبس اللي تلبسيه برا و أيه اللي تلبسيه لما تبقي معايا..
ثم مال عليها بقامته الطويلة ينظر لشفتيها بخبث:
- أنا بس يا مدام..!!!!
عادت للوراء خطوتين بتوتر لتقول بعند:
- أيوا بس أنا عايزة أنزل كدا...
- في أحلامك يا حبيبتي!!!!
- أنت ليه دايماً عايز تضايقني وخلاص..!!!!
- أنتِ اللي بتستفزيني!!!!
- و أنا هنزل كدا يا ظافر!!!!
- مــلاذ!!!!!
صرخ بها بعنف لتنتفض هي على أثرها، ثم تابع بحدة شديدة:
- لو القرف دة مغيرتيهوش يبقى مافيش نزول خالص!!!!
- لاء خلاص.. طيب أطلع بقا برا لو سمحت عشان أغير هدومي..
أقترب منها بمكرٍ:
- مش عايزة مساعدة؟!!!!
نظرت له بحقدٍ:
- حد قالك قبل كدا أنك قليل الأدب؟!!
قهقه قائلاً و هو يغمز بخبث:
- و قالولي اني واطي ومتربتش كمان!!!!
لاحت أبتسامة على شفتيها أخفتها سريعاً لتدفعه خارج الغرفة وسط ضحكاته الرجولية و غيظها منه، عادت ترتدي سالوبيت من الجينز الفاتح فضفاض قليلاً عليها، لترفع خصلاتها كعكة فوضوية جذابة..!!!
نزلت من على الدرج سريعاً حتى كادت أن تتعثر في أخر درجات الدرج لتقع في أحضانه شاهقة بفزع، فقد كان "ظافر" يقبض على خصرها بشدة، ليقول بحدة:
- على مهلك أفرضي كنتي وقعتي دلوقتي أيه شغل العيال ده!!!!!
نظرت له بحزن لتبتعد عن أحضانه، أغرورقت عيناها بالدموع لصراخه بوجهها بتلك الحدة، شعر "ظافر" بالضيق ليجذبها لأحضانه و كأنها طفلته، مسح على ظهرها قائلاً بحنو:
- خلاص متزعليش أنا بس خوفت عليكي، أفرضي مكنتش مسكتك كنتي هتقعي و بعدين ده أنتِ رجلك أصلاً وجعاكي ونازلة تتنطتي كدا يا قردة!!!!
أبتسمت لتشدد على خصره قائلة بمزاح:
- أنتَ هتقُر عليا يا ظافر!!! و بعدين أنا مافيش حاجة تهدني أصلاً!!!!
قبل خصلاتها الناعمة ليقول و هي لازالت تقبع في أحضانه:
- م أنا عارف أنتِ هتقوليلي يا مـلاذي..!!!!
أبتسمت بخجلٍ، لتجحظ عيناها عندما سمعت صوت "باسل" من وراءهما يقول:
- أيه ده عصفورين كنارية!!!!
حاولت "ملاذ" نزع جسدها من أحضانه إلا أنه ظل مشدداً على خصرها قائلاً ل "باسل" الذي يقف خلفها:
- بس يا ظريف وروح لحسن رهف بتنادي عليك!!!
نظر له "باسل" يضيق عيناه ليقول:
- بتوزعني يعني...ماشي يا عم ظافر أنا همشي بس بمزاجي...
- أيوا م هو واضح أنه بمزاجك فعلاً..
قال "ظافر" بسُخرية..
بعد ذهابه حلّ قيد "ملاذ" التي كاد الخجل أن يأكلها، نظرت له بعتاب:
- ينفع كدا طيب؟!!
أبتسم بعشقٍ قائلاً:
- واحد وبيحضن مراته أيه الغلط في كدا...
ثم تحول وجهه للجدية التامة قائلاً:
- ملاذ..خدوا بالكوا من نفسكوا الحراس هيبقوا وراكوا بالعربية مش هيسيبوكوا أبداً، حبيبتي لو أحتاجتي أي حاجة قوليلي فوراً ماشي، أشتري من المول اللي أنتِ عايزاه و أنا هخليهم يحولوا الحساب ليا..
أبتسمت قائلة بغنج و هي تتلمس تلابيب قميصه:
- بتخاف عليا يا ظافر؟!!!
↚
أبتسم ليحاوط خصرها بذراعيه القويتان قائلاً:
- لو مش هخاف عليكي هخاف على مين، وبعدين محدش يقدر يقربلك دة أنتِ حرَم ظافر الهلالي..
نظرت له بتحدٍ:
- لاء أنا محدش يقدر يقربلي عشان أنا ملاذ الشافعي...
قهقه بقوة و هو ينظر لها بإعجاب من قوتها تلك، لذلك هو يعشقها ليطبع قبلة عميقة على وجنتها:
- طبعاً يا حبيبتي..
تذكرت تلك الرسالة الغريبة ولكنها قررت إخفاء الأمر عليه، فبالتأكيد سيقلق كثيراً و من المحتمل أن لا يجعلها تذهب بعيداً عنه، بينما نظر "ظافر" برضا لملابسها..
أتوا الفتيات ليأخذوها ثم صعدوا للسيارة، تتبعهم سيارة الحراس..
وصلنّ المول بالقاهرة ف المسافة لم تكن بالبعيدة ليترجلنّ من السيارة، أمتلئت العربة بالملابس وبمستحضرات التجميل و كثير من الأشياء، كانت "ملك" معهم بجسدها فقط، أما روحها و قلبها و عقلها أيضاً معه هو، ألتفتت لها "فريدة" تربت على "ذراعها بحنو تسألها:
- مالك يا حبيبتي مش أخدتي حاجة يعني؟!!!
أبتسمت "ملك" بوهن قائلة:
- معجبتنيش حاجة!!!
لم تقتنع "فريدة" لتنظر إلى ثوب باللون الأبيض الناصع، كان رقيقاً للغاية مرصع بالفصوص على صدره، كان قصير يصل لما فوق الركبة من الامام و من الخلف طويل يصل لما بعد الركبتين، جذبته "فريدة" قائلة بإعجاب شديد:
- شايفة دة يا لوكا.. حلو أوي خوديه..
نظرت "ملك" للثوب بعينان فارغة لتقول:
- هلبسه فين دة؟!!
- في أوضتك يا حبيبتي.. أقولك خليه لما تتجوزي!!!!
أومأت "ملك" بمرارة لتلتقطه منها مبتسمة لها بشكر، شردت " ملك" لتسير بالمول وحدها بعيداً عنهما، لم تشعر سوى بإرتطامها بصدرٍ عريض صلب، رفعت أنظارها لتعتذر من ذلك الشخص، إلا أن قلبها وقع أسفل قدميه عندما وجدته.. هو، بملامحه الجذابة التي أودت بعقلها.. أبتعدت عنه عدة خطوات قائلة بخفوت شديد:
- أنا أسفة مكنتش أقصد...
كادت أن تلتفت لتبتعد عنه إلا أنه أمسك بذراعها قائلاً:
- أستني يا ملك!!!!
شعرت وكأنها صعقت كهربائياً من مجرد قبضته على ذراعها، نزعت يدها بحدة قائلة بغضب:
- أنت أتجننت أزاي تمسك أيدي كدا!!!!!
تمتم بهدوء:
- مكنتش أقصد.. أنا بس كنت عايز أعتذر على اللي قولته المرة اللي فاتت.. صدقيني مكنتش أقصد أجرحك انا آآآ..
قاطعته قائلة بجمود شديد:
- متعتذرش.. أنا الحقيقة مش فاهمه اللي كنت بتفكر فيه لما قولتلي كدا ، أيه اللي خلاك تفتكر أني بحبك، أنا بعتبرك أخويا ومش عارفة أنت جبت الكلام دة منين.. على العموم حصل خير.. بعد إذنك.
ثم ذهبت وسط صدمته، شعرت "ملك" بأنها أستردت جزء كبير من كرامتها التي بعثرها هو..
عادت إلى الفتيات و "ملاذ" التي أنتقت كثير من الأشياء، حتى لفت أنظارها ثوب طويل يصل للأرض، باللون الأحمر الناري والذي تعشقه حقاً، كان جزءٍ كبير منه من الامام مفتوح و ظهره بالكامل عاري، ألتقطته قائلة بحماس:
- أنا هقيس دة!!!!
نظروا الثوب بإعجاب لتغمز لها "رهف":
- دة ظافر لما يشوفك و أنتِ لابساه ممكن يتجنن!!!!
أبتسمت لها "ملاذ" بحرج لتدلف لغرفة قياس الملابس..
أرتدته "ملاذ" لتنظر لنفسها بالمرأة، باعجاب حقاً لا تعلم ماذا سيحدث إن رآها "ظافر" هكذا، أبتسمت لنفسها بغرورٍ لترتد للخلف عندما رأته يدفع الباب ثم أغلقه سريعاً ليقف أمامها، كاد أن يغشى عليها عندما حاصرها بذراعيه المفتولتين، أهتاج صدرها أثر الفزعة قائلة بفزعٍ:
- ظـــافـــر!!!!!!
-همممم..
همهم بشرود و هو يتفرسها بعيناه، لا عفواً بل يأكلها بعيناه أكلاً، قبض على خصرها يقربها منه ليدفن رأسه بعنقها بوله، أرتفع صدرها علواً و هبوطاً لتحاول دفعه من منكبيه قائلة برجاء:
- ظافر أبعد عشان خاطري..
- دة أنا يبقى معنديش دم لو بعدت عنِك!!!!!
قال و هو يقبل عنقها الطويل بقبلات شغوفة ..
أستجمعت قوتها لتدفعه قائلة بعدم أستيعاب:
- أنت جيت أزاي؟!!! و فين البنات..
- باسل خدهم، وبصراحة أنا مقدرتش كان لازم أجيلك!!!!
قالها و هو يقترب بشفتيه و هو حقاً فقد السيطرة على حاله بالكامل، نظرت لعيناه وإلى ما يُرمي له لتقول برجاء:
- ظافر!!!!!
أبتلع باقي كلماتها بقبلة شغوفة جعلتها مستسلمة تماماً بين يداه، شعرت بضلوعها تتحطم لشدة ضغطه عليها.. أبتعد عنها بصدرٍ مهتاج، حقاً سيتمادى ويفعل أشياء لا تليق هنا، أبتعد عنها قائلاً بصرامة:
- غيري هدومك بسرعة و يلا أنا هستناكي برا!!!!
↚
أومأت سريعاً فقط ليخرج من الغرفة، خرج "ظافر" بالفعل لتسرع هي مبدلة ثيابها..
وقف "ظافر" أمام الغرفة ينتظرها، لا يصدق كيف لها أن تبعثره هكذا.. وجدها تخرج من الغرفة مرتدية ملابسها بخجلٍ ووجه شديد الإحمرار، لتأخذ هي ما أشترت تاركة إياه يدفع النقود، جذبها من يدها ليتجها نحو سيارته، وضع الأكياس على الأريكة الخلفية لتستقل هي بالأمام، تراقبه بعيناها، جلس هو أيضاً بمحله لينطلق بالسيارة سريعاً، نظرت "ملاذ" للطريق قائلة بغرابة:
- ظافر ده مش طريق البيت..
- عارف..
قال بإيجاز بارد لتقول هي بتوتر:
- طب أنت هتوديني فين؟!!
- هتعرفي..
سأمت من ردوده الباردة لتصمت، ثم عادت تقول بلهفة:
- ظافر هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
أومأ دون كلام لتقول هي بتردد:
- اليوم اللي حصل م بينا ، أنت مشكتش أني ممكن أكون بنت مش كويسة؟!!!
صُدم من حديثها، ليصف السيارة على الطريق الجانبي ثم ألتفت لها بكامل جسده ليضيق عيناه قائلاً:
- قصدك أيه؟!!
إزدردت ريقها لتقول:
- يعني أن أنا سلمتلك نفسي قبل يوم فرحنا، الحاجة دي مش خليتك تشُك فيا وكدة؟!!
تحولت ملامحه للجدية قائلاً بتأكيد:
- مستحيل، أنا اللي قولتلك أني عايزك لأني فعلاً كنت محتاجلك، وبعدين أنتِ مراتي يا ملاذ يعني ده حقي، و متقلقيش أنا هتجوزك و أستر عليكي متخافيش يعني...
أبتسمت له و هي تنظر له بنظرات غريبة، أبتسم لها ووجه مقابل لوجهها يسألها:
- بتبصيلي كدا ليه؟
حاوطت كفه بكفيها الصغيرتان تقول بإبتسامة و عيناها التي برقت بالدموع:
- أنت كل مرة بتثبتلي أني أخترت صح..!!!!
أبتسم بحب ليقبل جبينها بعشقٍ خالص، ثم أعتدل في جلسته قائلاً بمزاح:
- نمشي بقا عشان ميخدوناش بفعل فاضح في الطريق العام.. ثم أكمل غامزاً لها:
- وبعدين ده أنا محضرلك مفاجأة هتعجبك جداً!!!
• • • •
صفّ السيارة أمام يختٍ ضخم، تفاجأت "ملاذ" وهي تترجل من السيارة قائلة :
- يخت!!!!!
أبتسم لها ليجذبها من ذراعها ليقفوا أمامه، شهقت "ملاذ" بقوة عندما قرأت أسمه، حُفر عليه أسمه "ملاذي"!!!!!!!
ألتفتت له قائلة بصدمة:
- ظافر اليخت على أسمي!!!!!
أبتسم لها ليحاوطها من كتفيها قائلاً:
- اليخت أصلاً بتاعك يا حبيبتي..تعالي..!
جذبها من ذراعها ليدلفا له، وضعت "ملاذ" يدها على فمها عندما وجدت الأرض مفترشة بالورود الحمراء، وفي أخر الطريق فراش أبيض منثور عليه ورود بيضاء وحمراء، أنهمرت الدموع من عيناها لتتعلق برقبته و هي تدفن أنفها بعنقه، قهقه "ظافر" عالياً ليحاوط خصرها ثم رفع جسدها عالياً عن الأرض، ملصقها بجسده الضخم، ليسترسل :
- عجبتك المفاجأة؟
تعلقت برقبته أكثر قائلة بفرحة شديدة:
- أوي..!!!
أنزلها "ظافر" على الأرض لتقترب هي لتلك الصورة التي توسطت الحائط، نظرت لها بفرحة وهي تنظر لصورتها!!!!
ألتفتت له لتقترب منه ممسكة ذراعه كالطفلة قائلة بسعادة حقيقية لأول مرة تشعر بها:
- أنت بتحبني أوي كدا؟!!
مسح على خصلاتها قائلاٌ بحالمية:
- أنا عديت مرحلة الحب، انا بقيت مجنون بـيكي!!!!
أشرأبت بعنقها لتطبع بشفتيها على وجنته قبلة رقيقة، جحظت بعيناه بصدمة لتبتعد هي بشقاوة، ركضت بعيداً عنه ليركض هو ورائها، أمسك بخصرها بقوة ليلصقها بجسده قائلاً بخبث:
- أنتِ أد الحركة دي؟!!!
نظرت له بخجل، ثم حاوطت عنقه بذراعيها الرفيعتان قائلة بغنج:
- هتعمل أيه بقى..؟
مال عليها بثغره قائلاً بخبث:
- انا مش بتاع كلام، انا بعمل على طول..
أنقض على شفتيها يقبلها بعنف تارة، ورفق تارة أخرى، بادلته "ملاذ" قبلته و هي تغرس أصابعها في خصلاته، أمتدت أنامله لملابسها لتبتعد "ملاذ" قائلة برجاءٍ:
- ظافر لاء!!!!
مسح على وجهه ليقول بهدوء:
- طيب خلاص متخافيش مش هعمل حاجة..
↚
أبتعد عنها ليدلف إلى غرفة باليخت، وقفت "ملاذ" وحدها تهدء قلبها الذي ينبض بعنف، وجدته يخرج من الغرفة، ممسكاً بعلبة مخملية حمراء، أقترب منها ببطئ وسط نظراتها المستفهمة، وجدته يجثو على ركبتيه أمامها ثم فتح العلبة التي ظهر بها خاتم به فص زمردي خالصٍ، مطعم بالمجوهرات بريقه يتلألئ، جحظت عيناها عندما قال بإبتسامته الساحرة:
- أنا عارف أني كدا كدا فرحنا بعد يومين، بس أنا عايزة اسمعها منك أنتِ.. تـتـجـوزيـنـي!!!!!!!
وقفت محافظة "قنا" بأكملها على قدمٍ وساق أحتفالاً بزفاف "ظافر"، لتتحول سرايا "الهلالي" إلى مجمعٍ مكتظ بالأشخاص من كبار البلدة، لفيفٌ من علية القوم، زُين القصر بأفخم الزينات، فُرشت الورود على الأرضية ليجهز كل شئ على أكمل وجه بأمرٍ من "السيدة رقية" ..
وقفت "ملاذ" أمام المرآة بغرفتها، تنظر لنفسها بإبتسامة حقيقية، نظرت لثوبها الأبيض المطعم بفصوص تبرق كوجهها، كان ثوبها رقيقاً يتماشى مع نعومتها، فـ ذوق زوجها رفيع للغاية، رغم بساطته و إحتشامه إلا أنه حقاً كما تخيلته بأحلامها، فقد جعل "ظافر" مصممة عالمية تصممه لها خصيصاً، لا يظهر سوى جزءٍ من ذراعيها، أبتسمت عندما تذكرت ما قاله لها عندما جلبه..
تجلس على الأريكة تتصفح هاتفها المحمول، لتجد من يقتحم الغرفة -كعادته- بدون أستئذان، أنتفضت "ملاذ" شاهقة حتى كاد أن يسقط الهاتف من بين يدها، نظرت له بغلٍ لتنهض واقفة قبالته قائلة وهي مكتفة ذراعيها:
- أنا لو جرالي حاجة وقلبي وقف هيبقى بسببك وهتشيل ذنب واحدة فرحها بعد يومين!!!!
قطب حاجبيه بإنزعاج ليقول بتحذير:
- متجيبيش سيرة الموت على لسانك!!!!
أبتسمت بحبٍ له لتتشبث في يداه كالطفلة قائلة بمرحٍ:
- متبقاش قفوش يا ظافر بقا!!!!
قرص أذنها قائلاً بدهشة:
- قفوش يا ملاذ!!!!
- خلاص خلاص!!!!
قالت و هي تحاول نزع أذنها من أنامله الغليظة ليتركها "ظافر" مبتسماً على شقاوتها، فركت اذنها بألم تنظر له بضيق، لتتفاجأ به يقول و هو ينظر للباب المفتوح:
- ادخلي يا فوزية..
قطبت حاجبيها بغرابة لتلتفت، وجدت سيدة يبدو على وجهها الوقار ترتدي لبس الخدم، تحمل ثوب مغطى بال ( cover) الخاص به، لتضعه على الفراش و هي تقول بأدب:
- حاجة تانية يا ظافر بيه..
- لاء أطلعي أنتِ يا فوزية..!!!
قالها بنبرة هادئة، لتخرج "فوزية" من الغرفة، بينما نظرت "ملاذ" للثوب بغرابة لتتجه له قائلة و هي تميل عليه لتجر سحابه:
- ظافر ايه الفستان دة..!!!
شهقت بشدة واضعة يدها على فمها قائلة بصدمة فرٍحة:
- الله!!!! دة فستان فرحي!!!!!!
أبتسم "ظافر" ليمضي نحوها جالساً على الفراش بجوار الثوب و هو يقول:
- أيوا!!!
نظرت بإمتنان و هي تردف:
- عشان كدا مكنتش عايزني أنزل أجيبه أنا!!!!
أومأ يطالع عيناها البراقة، لتتجه "ملاذ" له، جلست جواره لترفع ذراعيها محاوطة عنقه هامسة بنبرة حانية:
- أنا بجد مش عارفة أقولك أيه.. أنت أحسن حاجة حصلتلي في حياتي كلها، ربنا يخليك ليا!!!!!
أيُصدم من كلامها، أم من طريقة أحتضانها له، زفر متنهداً ليقبل كتفها العاري محاوطاً خصرها النحيل ذراعيه القويتان، تمنى لو أن يظلا هكذا الباقي من عمره، مسحت "ملاذ" على خصلاته مغمضة عيناها و إبتسامة عاشقة تزين ثغرها، ابعدت وجهها للخلف قليلاً وهي لازالت محاصرة بين يداه، لينظر لها "ظافر" بوجهه المتشنج والجامد، كوّبت وجهه بين أناملها، لتقترب بثغرها ببطىٍ طابعة قبلة على وجنته، قبلة بطيئة جعلته يغمض عيناه و هو يستشعر شفتيها الناعمة على وجهه، لتعود مستندة برأسها على كتفيه تحاوط خصره بقوة، أنفاسها تضرب عنقه الحنطي، تستنشق رائحة عطره الغريبة والقوية، لطالمها عشقت رائحته، عيناه الزيتونية، ذقنه النامية، أنفه الحاد، خصلاته الناعمة، قوته، حنانه، و غيرته عليها، هيبته التي تأسرها، و إبتسامته.. إبتسامته التي أحتلت ثغره الأن.. وكأنه يعلم ما تفكر به، يقرأ أفكارها، ابتسمت هي أيضاً بخجلٍ، كادت أن تبتعد عنه فهو لا يفكر مرتان عندما يكُن قريباً منها، ولكن هيهات، فذراعه الذي أحتل خصرها بقوة ينظر لها بخبث، جحظت عيناها عندما دفعها برفق على الفراش ليشرف عليها محاصرها بذراعيه، أغمضت عيناها تلعن حظها العاثر لتتمتم :
- ظـافر آآ..
أبتلع باقي كلماتها داخل جوفه ليعانق شفتيها بشفتيه بشغف !!!!!
خفق قلبها بعنفٍ متذكرة، لتنظر لخصلاتها الملفوفة بلونها البندقي التي أسترسلت على خصرها البارز، وُضع على شفتيها أحمر شفاه قاني على حسب رغبتها، فهي تعشق ذلك اللون، دلفنّ كلاً من "فريدة" و أخيها الصغير الذي ارتدى بذلة تليق بجسده الصغير، و أيضاً "رهف" و "ملك"، ليشهقا بصدمة من جمالها الآخاذ، لتقول "فريدة" بذهول:
- أيه الجمال دة يا ملاذ، بجد يابخت "ظافر" بيكي!!!!
أبتسمت "ملاذ" على إطرائها قائلة
- أنتِ اللي قمر يا فوفا!!!
بالفعل كانت "فريدة" ترتدي ثوب باللون الأزرق القاتم والذي أظهر جمال بشرتها بـ بياضها الناصع، رافعة خصلاتها برقة، تاركة بعض الخصلات ساقطة على وجهها..
لتقول "رهف" و هي تربت على ظهرها:
- ماشاء الله يا حبيبتي زي القمر!!!
و "رهف" التي كانت ترتدي ثوب باللون الفيروزي والمشابه لعيناها تماماً، لتترك خصلاتها منسدلة على ظهرها مما جعلها كالحورية..
قالت "ملك" أيضاً ببلاهة:
- دي مُزة مُزة يعني!!!!
أرتدت "ملك" ثوب طويل بلون رقيق للغاية "pink" ، و حجابٍ عصري بنفس اللون، كانت كالملاك الصغير، و لكنها أخفت ملامحها الباهته وعيناها الذابلة أسفل مستحضرات التجميل الرقيقة التي زينت وجهها..
أبتسمت"ملاذ" بخجل لتقول بضيق زائف:
- أنتوا ليه محسسني أني كنت معفنة قبل كدا؟!!
قهقهوا بمرح ليقاطعهم صوت زغاريد من خلفهم، أتجهت لها السيدة "رقية" لتحتضنها و هي تقبلها على كلتا وجنتيها :
- الله يحرسك يا بنيتي، ايه الچمال دة ما شاء الله زي الجمر أنا لازم أبخرك!!!!
أبتسمت "ملاذ" بخجلٍ قائلة:
- تسلمي يا ماما!!!!
ربتت على ظهرها قائلة بمكرها المحبب:
- يلا يا عروسة چوزك واجف تحت على نار.. مستني عروسته!!!!
↚
برقت عيناها ليخفق قلبها بعنف فـ هي الأخرى تتوق لرؤيته، أبتعدا الجميع ليفسحها مساحةٍ لها، خرجت "ملاذ" من الغرفة، بكعبها العالي و الذي يطوي الأرض أسفل قدميها تاركاً خلفه طرقاتٍ أنثوية، وقفت أعلى الدرج لتجد ظافر ينتظرها بالأسفل، يضع كلتا يداه خلف ظهره لينبض قلبها بعنف لوسامته، أبتسمت بسعادة عندما أرتدى تلك الحلة السوداء والتي جلبتها هي له...
نظر لها "ظافر" بذهول، نطقت عيناه عشقاً و هو ينظر لملاكه، لاحت على ثغره أبتسامة حقيقية، لأول مرة يكُن بتلك السعادة، رفعت "ملاذ" ثوبها عن قدمها لتنزل على الدرج بخطوات وئيدة، و مع كل خطوة تقترب بها منه قلبها يكاد يخرج من محله، روحها خرجت بالفعل راكضة له، أقتربت منه ليمد هو كفه لها، وصلت له بالفعل لتضع كفها الصغير براحة كفه الدافئ، وقفت قبالته لتصل رأسها لكتفيه رُغم أنها أرتدت كعبٍ عالٍ، أقترنت مقلتيهما بحديثٍ خاص بهما فقط، وكأنهما بعالم منفصل، بمفردهما، حاوط "ظافر" وجهها ليميل بثغره طابعاً قبلة رقيقة على جبينها، تعالت الزغاريد والضحكات فرحة بالعروسين، سحبها "ظافر" إلى ساحة الرقص ليقبض على خصرها بذراعيه، حاوطت هي عنقه ليرقصا معاً رقصتهما البطيئة "slow dancing"، نظرت له بعيناها الجميلتان، يتساءل لِما نظراتها تضعفه بتلك الطريقة، ينظر لعيناها البندقية اللتان تحدقان به ببراءة، هو ثابت إلى الأن، يكبح نفسه أن يحملها بين ذراعيه لغرفتهما، ليغرقا معاً في بحور عشقهما، مال على أذنها يقول بخبث:
- يا خسارة الفستان الحلو اللي هيتقطع كمان شوية ده!!!!!
شهقت بعنف لتضربه على كتفه بحدة قائلة بخجلٍ شديد حتى أصبح وجهها شديد الأحمرار:
- ظـــافــر!!!!!!
قهقه بشدة عليها و هما يرقصان، ليقول بمزاح:
- أنا الغلطان يعني أني بمهدلك عشان مش عايز أفاجئك؟!!!
كادت أن تبكي من فرط الخجل لتدوي ضحكاته، يجذبها لأحضانه مقبلاً خصلاتها قائلاً بابتسامة:
- خلاص بقيتي شبه الطمطماية أرحمي نفسك!!!
دفنت وجهها في أحضانه بخجلٍ ليميل هامساً بوقاحة:
- وبعدين أنا شوفت كل حاجة قبل كدا ع فكرة؟!!!
-يـاربـي!!!!
هتفت و هي تنزع نفسها من أحضانه ناظرة له بحدة، مقتضبة الجبين، لتتحول عيناها من حادة إلى راجية طفولية:
- عشان خاطري خلاص!!!
قهقه مجدداً لينظر لوجهها بتفحص، أحتدت عيناه بقوة ليقول مشيراً إلى شفتيها بصرامة:
- القرف دة يتمسح حالاً!!!!!
صُدمت من أنقلاب حالته بتلك الطريقة، علمت فوراً أنه يقصد أحمر الشفاة القاني، لتنظر له بإستعطاف قائلة:
- ظافر please أنا بحب اللون دة أوي النهاردة بس عشان خاطري..؟!!!
أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه، ليفتحها مجدداً، مال قليلاً عليها ليهمس بجانب أذنها:
- لو ممسحتيش الروچ همسحهولك بطريقتي.. و أنتِ عارفة طريقتي كويس ولو مش عارفاها معنديش مانع أعرفهالك!!!!
جحظت عيناها لتبعده قائلة بإستسلام حزين:
- خلاص همسحه أنا..!!!!
- يا خسارة..!!!
أردف بخبثٍ غامزاً لها بعيناه..!!!!
• • • •
جلست "رهف" بجوار "باسل" الذي كان بارد الملامح، عيناه ساخرة تُجلد روحها بلا شفقة، رغم أنه لم ينظر لها من الأساس ولكنها علمت أنه يقصدها هي، نظرت له بحزنٍ، فهو لم يحدثها منذ يومان، بل كان ينام على الأريكة وكأنه يشمئز النوم بجوارها، أعتصر قلبها بقبضةٍ جليدية، أغمضت عيناها بألم مزق روحها، وضعت كفها الصغير على كفه الموضوع على قدمه، ليبعد هو كفه قبل أن تصل لمستها له، يرفضها بقلبٍ قاسٍ، لم تشعر "رهف" بنفسُها إلا وهي تصدر شهقة بكاءٍ خافتة أختفت وسط الأغاني العالية، و لكنه سمعها، ليُغمض عيناه بجمودٍ، لا يعلم ماذا يفعل، فقد علِم أن زوجته كان تعشق غيره، كانت تسمح لغيره أن يضع يده عليها ، كانت تسمح له ان يقبلها ، شعر وقتها بمن يهوي على وجنتيه بصفعاتٍ قوية، شعر بالأختناق لينهض من جوارها ليذهب خارج القصر، رفضت "رهف" تركه وحيداً لتذهب خلفه وهي تراه يقف أمام المسبح الذي تناثرت الورود عليه، يدخن سيجارته وعيناه تضيق كالصقر، أقتربت منها على هوادة، لتقف خلفه، لا تعلم ماذا تقول، ماذا ستبرر فعلتها بالماضي، ولكنها أيضاً مُدمرة، لم تكن تعلم أن تلك ما هي سوى مسرحية كانت هي ضحيتها، لم تكن تدري أن شهقاتها بدأت تعلو لتنجرف في بكاءٍ مرير، بكاءها يمزق قلبه أشلاء، نفث دخانه بهدوء عكس قلبه الموقود بنيران مستعرة، ليجدها أقتربت منه خلفه تماماً، وبدون أن تشعر حاوطت ظهره العريض من الخلف لتدفن أنفها به باكية بقوة، صُدم "باسل" لينظر ليداها التي وضعت على صدره، عقله يخبره بأن يبعدها عنه، وقلبه يخبره بإحتضانتها لتواسيها، ولكن و لأنه رجلٍ، ألقى بالسيجار ليبعد يداها عنه بعنف ليرتد جسدها للخلف من قوة إبعاده عنها، ألتفت لها يحدقها بنظراتٍ نارية، ليقبض على كتفيها بعنفٍ يهزها بشراسة:
- إياكي تلمسيني، أنا قرفان منك مش مصدق أنك كنتي بالرُخص دة!!!!! ازاي أستحملتي أنه يلمسك ردي عليا أزاي خليتيه يوسخك بإيده، مغيرتيش على نفسك !!!! أزاي تبقي هبلة وساذجة أوي كدة ردي عليا!!!!!!
بكت "رهف" بقوة وهي تعلم أنها تستحق أكثر من هذا، لا تعلم بماذا تجيب عليه، خبئت وجهها بكفيها تخجل من النظر له، لتتفاجأ به يبعد كفيها عن وجهها بحدةٍ، يرفع ذقنها بشراسة قائلاً بعينان حمرواتين:
- بُصيلي و أنا بكلمك!!!!!
نظرت له بعيناها المتورمة الباكية، تتمنى لو ترتمي بأحضانه وتبكي، أبعد "باسل" عيناه عن نظراتها التي تضعفه، ليدفعها من يداه رافعاً سبابته نحوها قائلاً بنبرة جحيمية:
- هطلقك يا رهف!!!! هطلقك!!!!
• • • •
يراقبها بعيناه الرمادية كالصقر، لا يعلم لما ينتفض قلبه بين ضلوعه عندما يراها، و ذلك اللون كان حقاً رقيقاً عليها، تبتسم بمرحٍ مع "رهف" و "فريدة"، ولكن عيناها حزينة، تنهد هو ليبعد عيناه عنها، أخرج من جيبة لُفافة تبغ بُنية اللون، وقداحة أنيقة ليشعلها، نفث الدخان الكثيف، و هو لازال يتابعها بعيناه، ليجد "فريدة" و "رهف" ذهبتا ليتركوها جالسة بمفردها، ضاقت عيناه عندما وجد رجلٍ يتابعها على بعد، ينظر لها نظرات يعلم مغزاها هو جيداً، أطفئ سيجارته لينهض و هو يراه يقترب منها، حتى وقف أمامها قائلاً بنبرة خبيثة:
- القمر دة واقف لوحده ليه!!!!!
رفعت أنظارها له حتى كادت أن ترد عليه، ولكنها شهقت بعنف عندما وجدت "جواد" يديره له ليلكمه بعنف بوجهه ليقع الأخير أرضاً، جحظت عيناها و هي تراه متكوماً على الأرض يمسح الدماء من فوق فمه، نظرت له بحدة عندما قال بنبرة جامدة لا حياة فيها:
- أخفي من قدامي يا حيلة أمك!!!!!
بالفعل تحامل الرجل على حاله لينهض ذاهباً من أمامه، ليلتفت لها "جواد" بوجهٍ متشنج غاضب، اردفت الأخيرة قائلة بعدم أستيعاب:
- أنت أزاي آآآآ...
قاطع حديثها عندما سحبها من ذراعها وراءه بقوة، ليتجه بها إلى مكان بعيداً عن تلك الضجة، دفعها للحائط خلفها ليرتطم ظهرها به بقوة، أمسك بذراعيها يهزها بعنف قائلاً بنبرة تستشاط غضباٌ:
- أيه اللي أنتِ عاملاه في شكلك دة الفستان مبين تفاصيلك كلها و لا الحجاب دة على الفاضي يا هانم!!!!
نظرت له بغضب لتنفض ذراعيها من بين كفيه تنهره بحدة:
- أنت أتجننت أيه اللي أنت بتعمله دة!!!! وبعدين أنت مالك بيا وبـ لبسي أنا ألبس اللي أنا عاوزاه دي حاجة متخصكش!!!!
نبض فكه بغضبٍ يطالعها بعيناه التي تذيبها ليمسك بذراعيها يديرها خلف ظهرها قائلاً بجنون لم يستوعب حتى ما تفوه به:
- لاء تخصني، أنتِ كُلك تخصيني أصلاً، كل حاجة فيكي بتاعتي!!!!!
↚
شهقت من ذلك الأقتراب الذي جعل جسدها بالكامل يرتجف، أدمعت عيناها قائلة و هي تحاول نزع يداها بعيداً عن أغلال قبضته:
- أبعد عني بقا!!!!!
لانت ملامحه عندما وجد دموعها تنهمر على وجنتيها، ليبتعد عنها، فركت هي رسغيها بألم لترفع نظراتها الغاضبة والدامعة له، لترفع كفيها هاوية على وجنته بصفعة قوية قائلة و هي تشير له بسبابتها:
- أياك تقرب مني بالطريقة الزبالة دي مرة تانية، و إياك تتكلم معايا بالنبرة دي، أنت فاكرني أيه يا أستاذ واحدة زبالة من اللي بتعرفهم!!!!
تشنج وجهه بقوة، لتنفجر الأوردة في دمه ليصيح وجهه أحمر من شدة الغضب، لولا أنها فتاة لكان ؤدّ لها تلك الصفعة عشرةٍ!!!! نظر لها بنظرات لن تنساها "ملك" من شدة رعبها، لتتجاوزه مبتعدة عنه تفرّ من أمامه ..
لكنها لمحت ما جعلها تشهق بعنف!!!!!
• • • •
ركضت "ملك" إلى "ظافر" و "ملاذ" كادت "ملاذ" أن تقبلها على مجيئها بذلك التوقيت، إلا أن "ملك" كانت فزعة الملامح توجه حديثها إلى "ظافر":
- ظافر الحقني!!!
نظرت لها "ظافر" قائلاً بصرامة:
- في أيه؟ حد عملك حاجة..
نفت سريعاً قائلة :
- عمتي هنا!!!!!
قطب ملامحه لتجحظ عيناه بشدة قائلاً بشدة و هو يبتعد عن "ملاذ" سريعاً:
- أييييه!!!! فين!!!!
ألتفتت لتنظر لنقطةٍ ما، نظر "ظافر" لما تنظر إليه ليجدها بالفعل، جالسة على مقعدٍ متحرك، خصلاتها يغزوها الشيب مغطاة بوشاح أسود، ملامحها متجهمة ولكنها خبيثة، اتجه "ظافر" لها يتعدى ذلك الحشد من الأشخاص، تاركاً "ملاذ" و "ملاك" وحدهما يقفن بالمنتصف، أمسكت "ملاذ" بذراع "ملك" قائلة بقلقٍ :
- ملك هو ظافر أضايق ليه لما عمتكوا جات!!!
نظرت لها "ملك" بتوجسٍ قائلة:
- دي مصيبة يا ملاذ!!!!
لتكمل قائلة:
- أنتِ متعرفيش عمتي دي شرانية أزاي و ممكن تولع الدنيا في ثانية!!!!
أبتسمت "ملاذ" بسُخرية قائلة بخفوت:
- طبعاً م هي أخته!!!!
ألتفتت لها "ملك" قائلة بغرابة فهي لم تسمعها:
- بتقولي حاجة؟!!!
نفت برأسها سريعاً لتجذبها "ملك" قائلة:
- تعالي نشوف بيقولوا أيه!!!!
• • • •
- كيف يعني متعزمنيش على فرحك يا وِلد ، ولا أنا بجيت ميتة بالنسبالكوا!!!!
قالت تلك العجوز والتي تُدعى "سُمية"، كانت نبرتها حاقدة يكمن بها شرٍ غريب..ليقول "ظافر" بنبرة هادءة:
- أكيد لاء يا عمتي كنت هقولك..
وقعت أنظارها على "ملاذ" و "ملك" و هما متجهان نحوها، نظرت إلى جمالها المنير بحقد لتتشدق قائلة:
- هي دي بجا العروسة، ذوجك مش بطال!!!
رفعت "ملاذ" حاجبها لتهتف :
- نـعم؟!!!
أمسك "ظافر" كفها لينفي بعيناه أن تجري مناقشه مع "سُمية"، أومأت "ملاذ" على مضض لكي لا تفسد فرحتها، بينما أتجه "ظافر" بعيناه إلى عمته قائلاً:
- ياريت يا عمتي تسيبي اليوم دة يعدي على خير!!!
ظلت نظراتها معلقة على "ملاذ" لتستغرب بدورها تلك النظرات الحاقدة الموجهة لها، لتبادلها بتحدٍ سافِر، أخذها "ظافر" من يدها بقوة ليجذبها خلفة متجيهن نحو الاريكة الخاصة بالعروسين والتي كان مجهزة على أكمل وجه مزينة بالورود، جلس "ظافر" لتجلس "ملاذ" بجواره، مسح على وجهه وقد بدأ الصداع فعلياً يفتك برأسه، نظرت له "ملاذ" تتفحص ملامحه المرهقة، ربتت على ظهره قائلة بحنو:
- أنت كويس؟!
أومأ بدون رد، ليعود ناظراً لها قائلاً ملتفتاً قبالتها بكامل جسده، ثم أمسك بكفيها قائلاً بجدية:
- حبيبتي أنا عارف أنك هتضايقي من اللي هقولهولك، بس احنا لازم ننهي الفرح دلوقتي ونطلع على اوضتنا..
أبتسمت قائلة بتفهم:
- لاء إنا مش هضايق انا عارفة أن دة لازم يحصل..
أبتسم لها بإصفرار لتردف هي:
- هو أحنا هنفضل هنا يا ظافر؟
نفى برأسه قائلاً :
- لاء شقتي اللي في المعادي تشطيبها خلص النهاردة بس أمي مصرة نفضل هنا يومين وبعدين ننزل القاهرة هفرجك ع الشقة، ونطلع على باريس عشان شهر العسل بتاعنا يا مُزة!!!
صفقت بيدها بسعادة قائلة بحماس:
- بجد هنسافر باريس..
رغم ضيقه مما يحدث إلا أنه أبتسم على براءتها، و بدون وعي جذبها إلى صدره يحاوط خصرها، هو من كان بحاجة لذلك العناق وليست هي، مال ليدفن وجهه بخصلاتها يشتم عبقه الساحر، تلوت "ملاذ" قليلاً قائلة بحرجٍ:
- ظافر .. الناس..
-شششش
همهم و هو يحرك أنفه داخل خصلاتها، ينعم برائحتها ورائحة خصلاتها، نهض فجأة جاذباً إياها من كفها الصغير متجهين نحو غرفته ، يريد الأبتعاد عن ذلك الضجيج، أن يكن بجوارها فقط ولا يريد شئ أخر، ذهبت "ملاذ" وراءه ترفع ثوبها عن الأرض لتوازن خطواتها مع خطواته، أتجها إلى غرفته ليفتح الباب بقوة بقدمه، أغلقه مرة أخرى جيداً ليلتفت لها، كانت أنفاسه مهتاجة و كأن أحد الحروب تقوم بداخله، قطبت حاجبيه بغرابة من حالته، أمتدت أناملها لذراعه قائلة بنبرة لطيفة:
- أهدى يا ظافر.. أهدى كل حاجة هتبقى بخير..
لم يكن يسمعها، ينظر حوله كالمجنون، ليمسك بزجاجة عطره الموضوعة على المزينة، ليضربها بقوة بالحائط، أنتفضت "ملاذ" بفزع، تفاقم فزعها عندما ظل يلكم الحائط بكفه بقوة صارخاً بإهتياج:
- جـــات لـيـه!!!! بتفكرني بـ أبويا و أنا مش عـايـز أفتكره!!!!!!
↚
أنهمرت الدموع على وجنتيها لتركض نحوه تبعد كفه الذي أخذ ينزف دماً عن الحائط و هي تقول بشهقات باكية:
- أهدى يا حبيبي عشان خاطري تعالى..
جذبته ليجلس على الفراش لتتجه للمرحاض تبحث عن صندوق الإسعافات الأولية، وجدته على أحد الأرفف لتجذبه متجهة نحو ظافر، جلست بجواره ودموعها تتساقط على وحنتيها و كأن ألم يده هي من تشعر به، كادت أن تمسك بكفه ليبعدها هو قائلاً بجمود:
- أبعدي عني..!!
جذبت يده مجدداً قصراً لتعقمها، ثم لفت الشاش حول كفه، رفعت أنظارها له ليجده ينظر للأمام بفراغ، عيناه مرهقة، لم تتردد لتجذب رأسه إلى صدرها مربته على خصلاته الناعمة بهدوءٍ، تفاجأ هو قليلاً لفعلتها، إلا أنه أستسلم محاوط خصرها بقوة حتى كاد أن يحطم ضلوعها، تحملت هي ألم قبضته لتقبل جبينه، دفن أنفه بعنقها الطويل متنهداً بعمق، ليقبل عظمتي الترقوة خاصتها ، وقبلة أخرى وضعت على عنقها، تليها عدة قبلات رقيقة، لتتمتم "ملاذ" بخفوت مرتجف:
- ظـ ..ظـافر!!!
لم تسمع منه رداً، قبَل كل أنش بعنقها ، ليرتفع إلى شفتيها!!!
أنقض عليها ممسكاً بعنقها من الخلف، بادلته "ملاذ" قبلته بخجلٍ، يقبلها بعنف و كأنه ينفث عن غضبه بها، إلا أن "ملاذ" تحملت و لم تحاول إبعاده، فصل القبلة فجأة مبتعداً عنها لشعوره بحاجتهما للأكسجين، وجد شفتيها ترتجف بقوة، عيناها دامعتان ووجهها أحمر بالكامل، مسح على وجهه بعنف ليؤنب حاله، فـ ما ذنب تلك البريئة في ضيقه هذا، يجذبها لأحضانه قائلاً بندم وبنبرة حانية:
- ملاذ أنتِ كويسة؟!!!
لم تنطق بكلمة، إلا أنها بادلته عناقه، لتقتحم الغرفة "ملك" فجأة، أنتفضت بخجل منسحبة من الغرفة:
- أنا أسفة..
ظهر الغضب على وجه "ظافر" ليردف بنبرة حادة:
- في حد يدخل أوضة حد كدا يا ملك!!! أنتِ أتجننتي!!!
لمعت الدموع في مقلتيّ "ملك" لتنسحب من الغرفة منكسة رأسها، لتلتف له "ملاذ" بغضب قائلة سريعاً:
- أيه يا ظافر اللي قولتهولها دة أتفضل قوم صالحها..
ردّ بجمود متناهي:
- لاء..!!!
أمسكت بذراعه قائلة برجاء:
- عشان خاطري يا حبيبي قوم طيب بخاطرها أنت زعقت فيها جامد..
نظر لها بخبث قائلاً :
- حبيبي!!!!!
جحظت بعيناها لتتوتر سريعاً مبعدة كفها عن ذراعة و هي تنظر للأرض بتوترٍ، أقترب بثغره لثغرها المزموم للأمام ليخطتف قبلة رقيقة تُضاد قبلته القاسية قبل قليل ليهمس في أذنها مسترسلاً بمكر:
- أهو عشان حبيبي دي ممكن أعمل أي حاجة.. بس قوليها تاني..
نظرت له بضيق مضيقة عيناها قائلة:
- أنت أستغلالي أوي!!!!
دوت صوت ضحكاته بالغرفة ليقول مثبتاً كفه على الفراش بجانبها و هو يميل عليها قليلاً:
- هــاااا؟!! قولي بسرعة قبل م أرجع في كلامي...
أبتسمت لتحاوط عنقه بذراعيها قائلة بغنجٍ تتقنه بمهارة:
- حـبيبي!!!!
أظلمت عيناه و هو ينظر لشفتيها قائلاً بنبرة لا تبشر بالخير:
- سيبك من ملك بقا دلوقتي!!!!
أنتفضت "ملاذ" قائلة بتوسل مبعدة ذراعيها عنه:
- ظافر please انزل شوفها ..
نظر لها بسأم ليردف بخفوت:
- طيب.. بس أنا راجعلك تاني ها.. مش هسيبك النهاردة!!!!
نظرت له بخجل لتضربه على كتفه بلطف و هي تدفعه للخارج.. لتبدأ في تبديل ملابسها.. وتنظيف الغرفة من الزجاج المنثور على الأرضية
• • • •
أتجه "ظافر" للأسفل بإبتسامة كبيرة تزين ثغره، فقد أستطاعت "ملاذ"ان تخرجه من حالته تلك، إلا أنه أستمع لنحيب "ملك" من غرفتها، مضى سريعاً نحو الغرفة خاصتها ليدلف، وجدها تجلس على الفراش تحاوط وجهها بكلتا يديها تبكي بقوة، ف يكفي ما حدث بينها وبين "جواد" ليكمل عليها أخيها، شعرت بوجوده بالغرفة لترفع عيناها الباكيه به، أنفطر قلبه على صغيرته ليسرع إليها يجذبها من ذراعها لتنهض عن الفراش، ثم جذب رأسها إلى صدره لتبكي الأخرى بعنف، مسح على ظهرها قائلاً بأسف:
- متزعليش مني يا حبيبتي أنا أسف.. أنا مكنتش أقصد أزعقلك كدا..
↚
نفت براسها قائلة بشهقات باكية تجعل جسدها ينتفض بين الحين و الاخر:
- لاء يا أبيه ظافر أنا اللي غلطانه عشان دخلت من غير م أستأذن أو أخبط، بس والله عمتو تحت مصممة أنها تشوفك وماما بتحاول تهديها..
قطب حاجبيه بإنزعاج قائلاً و هو يشدد على أحتضانها:
- عايزة أيه؟!!
- مش عارفة..
قالت بحزن ليبعدها هو، مسح دموعها بأنامله قائلاً و هو يجذبها للخارج:
- طب تعالي أنزلي أقعدي مع البنات متقعديش هنا لوحدك..
أستجابت له لينزلا على الدرج معاً.. تركها "ظافر" ليتجه إلى عمته بعد أن لاحظ عدد الأشخاص بدأ يقل تدريجياً، وقف أمامها قائلاً بصوتٍ بارد:
- خير يا عمتي!!!
نظرت له بخبث لتشير للنساء الواقفات خلفه بعيناها، و الذين كانوا بأجساد ضخمة بدينة، و بالفعل صعدوا لينفذوا مخططها الدنئ، ثم عادت "سُمية" بنظرها ل "ظافر" قائلة :
- تعالي يا ولدي أجعد چاري..
حاول التحكم بأعصابه ليجلس بجانبها قائلاً بإقتضاب:
- خير؟!!
همت بالرد عليه ليوقفها صراخ"ملاذ" بالأعلى بقوة جعل جميع من بالقصر يصدم، لينتفض "ظافر" راكضاً لغرفته يطوي الأرض اسفله!!!!
• • • •
بدلت "ملاذ" ثوبها بـ قميص للنوم باللون الأبيض يظهر جمالها خجلت "ملاذ" من أن يراها "ظافر" هكذا ف ما ترتديه يعتبر الأكثر حشمة بين ما يوجد في الخزانة، فـ "ظافر" الوقح -كما أسمته- قد جلب مع ثوب الزفاف بعض قمصان للنوم لا تخفي شئ.. أسدلت خصلاتها التي وصلت لأسفل ظهرها، أكتفت بوضع أحمر شفاه أبرز جمال شفتيها، وكحل بسيط لتنظر لنفسها بغرور، أرتدت (الروب) الخاص بالقميص، إلا أنها تفاجأت بأقتحام الغرفة من قبل سيدات أقل ما يقال عنهم مجرمات، فزعت "ملاذ" قائلة بغرابة وحدة:
- أنتوا مين!!!! و أزاي تتدخلوا كدا!!!
تقدمت منها سيدة سمراء تنظر لها بوجوم قائلة بحدة:
- شوفوا شغلكوا يا نسوان!!!!!
لم تفهم "ملاذ" ما يحدث، لتنتفض عائدة بجسدها للخلف عندما تقدمن الأخريات و قد كانوا أربعة سيدات ضخمات، أنتفضت "ملاذ" مبتعدة عنهم لتصرخ بهم:
- أنتوا أتجننتوا أطلعوا برا أنتوا متعرفوش "ظافر" هيعمل فيكوا أيه!!!!
أبتسمت لها واحدةّ منها قائلة وهي تلاعب حاجبيها:
- ظافر بيه اللي باعتنا يا حلوة، تقاليد الصعيد أن الدخلة تبقى بلدي!!!!!!!
شهقت "ملاذ" بقوة لتنهمر الدموع من عيناها، لم تصدق أن "ظافر" هو من طلب منهم هذا، لتطلق صرخة عالية عندما أمسكتها إحداهم من ذراعيها تكبلها خلف ظهرها لتفتح الأخرى الروب الخاص بها..
أنفتح الباب بقوة ليجحظ "ظافر" بعيناه عندما رأى زوجته بين أيديهم!!!، ليصرخ بحدة جعلت من بالقصر بأكمله ينتفض على صراخه:
- أنتوا مين يا شوية *****!!!!!
أستطاعت "ملاذ" الهروب منهم لتركض إلى "ظافر" مرتمية بأحضانه تبكي بعنف قائلة ببكاء شديد:
- ظافر الحقني والنبي خليهم يبعدوا عني!!!!!
حاوطها "ظافر" بذراعٍ واحدٍ يربت على خصلاتها ليصرخ بهم:
- أطلعوا برا يا ****** منك ليها و رحمة أبويا لهميحكوا من على وش الأرض يا ***** !!!!
ليكمل بحدة جعلتهم يرتعبوا:
- أنتوا مين اللي باعتكم أنطقوا....
قالت إحداهن برعب شديد:
- سمية هانم اللي بعتتنا يا بيه و أحنا عبد المأمور!!!!!
شددت "ملاذ" على خصره لتبكي بقوة أكبر..بينما صدم "ظافر" لما تقوله.. ليطردهم خارج الغرفة بشراسة وهو يكاد يفقد صوابه، أخرج هاتفه ليهاتف "باسل" الذي هتف بنبرة قلقة:
- في ايه يا ظافر أيه الصراخ اللي عندك دة أنا مش عايز أطلع عشان مراتك...
- باسل هتلاقي شوية نسوان**** نازلين، خُدهم المخزن و ظبطهم!!!!
ليغلق "ظافر" دون أن يسمع رده، وضع الهاتف جانباً لينظر إلى "ملاذ" الذي أصبح جسدها يرتجف من شدة الخوف بين يداه و لأول مرة يراها بتلك الحالة، حاوط خصرها بأقوى ما لديه قائلاً بحنو وهو يربت على ظهرها:
- خلاص يا حبيبتي أهدي مافيش حاجة.. أنا جنبك محدش هيقدر يلمس شعرة منك أهدي!!!!
أبتعدت عنه تسترسل ببكاء:
- هما قالولي أنك قولتلهم الدخلة تبقى بلدي يا ظافر!!!!!
ضغط على أسنانه بحدة ليحاوط وجهها مقبلاً جبينها واضعاً رأسها على صدره قائلاً بلوم:
- أنتِ فاكرة أني ممكن أعمل فيكي حاجة زي دي!!!!، بس وحياتك عندي لهخليهم يبكوا بدل الدموع دم..
حاوطت خصره بأقوى ما لديها، وقد بدأ يتراخى جسدها بتخدرٍ، ليحملها "ظافر" بين يداه، وضعها على الفراش ليجلس جوارها ممسكاً بكفيها، ليقول بنبرة حادة لا تقبل النقاش..
- لمي هدومك وهدومي لأننا مش هنقعد هنا دقيقة واحدة...
أومأت بإرهاق ليحاوط وجهها قائلاً بحنان ظهر في نبرته الدافئة:
- هبعتلك حد يساعدك ماشي يا حبيبتي؟!!
أومأت مرة أخرى دون رد، كاد أن ينهض لتمسك بذراعه بقوة قائلة برعب وقد بدأت الدموع بالترقرق في عيناها مجدداً:
- لاء متسبنيش يا ظافر خليك معايا!!!
↚
حاوط وجهها بكلتا كفيه ليميل مقبلاً وجنتها و هو يقول بنبرة لطيفة:
- متخافيش يا حبيبتي أنا مش هتأخر و محدش هيدخل عليكي متخافيش..
تعلقت برقبته كالطفة تدفن أنفها بعنقها قائلة ببراءة:
- لاء خليك جنبي..!!!
دفن وجهه بخصلاتها متنهداً بحرارة، ف هي لا تعلم أن حركة بريئة منها تستطيع أن تبعثر كيانه بأكمله، نزل ببصره ليلاحظ ما ترتديه،ابتسم بخبث هامساً في أذنها:
- بـ اللي أنتِ لابساه دة مش في مصلحتك أني أفضل جنبك خــالص!!!!
نظرت له بغباء قائلة ببلاهة:
- ليه يعني؟!!!
غمز لها بعيناه الزيتونية بوقاحة:
- تعالي هوريكي عمَلي الكلام في الحالات اللي زي دي ملهوش لازمة
شهقت "ملاذ" عندما كاد أن ينقض شفتيها لتضع يدها على كتفه قائلة برجاء:
- لاء خلاص أمشي أنا هغير هدومي وهجهز الشنط...
أبتسم ليلتقط كفها الصغير، قبّله بعشق ليقول :
- مش هتأخر يا حبيبتي.. هنمشي من هنا و نبعد عن كل دة..
• • • •
غادروا جميع من بالقصر سوى العائلة..
أحتقنت عيناه غضباً، تطاير الشر منها لهيباً، نزل على الدرج بشراسة.. متجهاً لغرفتها، أقتحم الغرفة بقدمه بفظاظة، ليجدها جالسة مع والدته، توترت معالم وجهها عندما رأته، لتفرك كفيها بقلق لتقول والدته بغرابة:
- ظـافـر؟!! في حاچة يا حبيبي أنت مش المفروض تبجى چار عروستك دلوقتي؟!!!
لم ينظر لها، ليمضى نحو عمته ببطئ قاصداً التلاعب بمشاعرها، مال بجزعه العلوي عليها، ليضع كلتا كفيه على أذرع المقعد التي تجلس عليه قائلاً بنبرة مخيفة :
- و رب الكعبة الموضوع دة مـ هيعدي على خير!!!!!
ارتجفت نظرات تلك العجوز لتردف بإرتباك:
- موضوع أيه يا أبن أخوي!!!!
نظر لها بأعين كالصقر، لتنظر له والدته قائلة بقلق:
- أيه يابني في أيه؟!!!!!
لتكمل متذكرة:
- أيوا صحيح مرتك كان بتُصرخ ليه يا ظافر؟!!، أنت عملتلها حاچة!!!!؟
أبتسم بسُخرية ليقول و هو على حاله:
- مـ تردي يا عمتي!!!! مراتي كانت بتصرخ ليه!!!!!!
- و أنا أعرف منين يا وِلد!!!!
قالت بتوترٍ، ليبستم هو بقسوة شديدة، أعتدل في وقفته لينظر لأمه قائلاً بنبرة حادة:
- أنا هاخد ملاذ و همشي يا أمي.. نازلين مصر دلوقتي!!!!!
أنتفضت والدته قائلة بخضة:
- ليه يا ضنايا مش أتفجنا تفضل أهنه كام يوم ؟!!!
- معلش يا أمي عندي شغل هناك ولازم أنزل ضروري...
أدمعت عيناها قائلة بحزن:
- على راحتك يابني...
قبل كفها قائلاً بلطف:
- متزعليش يا حبيبتي صدقيني هاجي أزورك أنا وهي دايماً..
أومأت بإبتسامة مربتة على خصلاته، ليغادر الغرفة، هم بالصعود إلى "ملاذ" ولكن أوقفه صوت أنثوي يعلمه جيداً:
- ظافر.. أسـتـنـي!!!!!!!
(تفتكروا مين؟!!!)
• • • •
أعدت "ملاذ" حقيبتها و حقيبة زوجها بمساعدة إحدى الخدم، بدلت ملابسها لتجلس منتظرة "ظافر"، تفرك يداها و قد قررت الأعتراف له عن حقيقتها و ماضيها الذي أصبح يقف كالعلقم بحلقها، تذكرت "ملاذ" عندما سألته إحدى المرات..
كانا بغرفته مستلقية هي بأحضانه، يداعبها بأنفه لتبتسم هي بخجلٍ، لتردف "ملاذ" بنبرة متوترة لم تظهرها له:
- ظافر.. ممكن أسألك سؤال..
أومأ لها بإنتباه، لتزدرد ريقها معتدلة ليصبح وجهها مقابل وجهه، أسترسلت قائلة:
- لو حد كدب عليك.. كدبة كبيرة مش صغيرة، ممكن تسامحه؟!!
قطب حاجبيه من سؤالها بذلك التوقيت خصيصاً، لتظلم عيناه محاصراً لخصرها بذراعه و هو يقول بنبرة سوداوية:
- أنا مبحبش الكدب، واللي بيكدب عليا بخليه مايشوفش يوم عدل في حياته يا ملاذ، عارفة أيه أكتر حاجتين مش بسامح عليهم؟، الكدب و الخيانة.. أوعي.. أوعي يا ملاذ تفكري تكدبي عليا أو تخونيني، أنا لو بعشقك و عرفت أنك عملتي حاجة من الحاجتين دول صدقيني هكرهك في ثواني، هخليكي تندمي أنك عرفتيني وقابلتيني في يوم من الأيام..!!!!
أرتجفت شفتيها.. أين ذهبت نظرته الدافئة، أين نبرته الحنونة التي تداعب أذنها، رأت بذلك الوقت شخصاً مختلف كلياً عمن أحبته هي، كادت أن تبكي منهارة تعترف له بكل شئ، ولكنه سيقتلها بلا شك، إلا أنها عزمت أمرها بإخباره اليوم تحديداً..
نظرت للباب الذي فُتح فجأة.. بعنفٍ شديد!!!!، أيقنت ان ذلك ليس "ظافر" و لكنها عندما رفعت أنظاره وجدته!!! يقف أمامها بطوله الشامخ، عيناه قاسية لأبعد حد، نظرت لكفيه اللذان كورهما بحدة لـ تتحول إلى بيضاء لشدة ضغطه على أوردته، ينظر لها بعينان مظلمتان، أنتفضت "ملاذ" لتقف أمامه قائلة في قلق وقلبها يخبرها بشئ سئ حدث:
- مالك يا ظافر أنت كويس؟!!!
↚
حاولت أناملها أن تتلمس كتفه ليقبض هو على كفها بقوة شديدة حتى كاد أن يكسره، تآوهت "ملاذ" بألم ليدير ذراعيها خلف ظهرها بقوة ، يطالعها بعينان ماتت بهما الحياة، شعرت "ملاذ" لوهلة بأنها ترى أبيه، بقسوة عيناه و غلاظة نظرته، بكت بقوة لذراعيها التي سمعت فرقعتهما، ضغط هو أكثر بكفها على ظهرها لترتطم بصدره، حاولت إبعاده قائلة ببكاء:
- ظافر إيدي.. أنت بتوجعني!!!!
شدد أكثر على كفها و كأنه سُعِد بتألمها، قبض على خصلاتها ليلفهما حوله كفه المتحرر يجذبهما لأسفل حتى بات عنقها الطويل يظهر أمامه، بكت "ملاذ" بحرقة و قد تيقنت من أنه علِم كل شئ، ولكن.. من أخبره!!!!!!!
رفضت "ملاذ" ذلك الذل الذي يعاملها به لتضربه على صدره حتى يبتعد، إلا أنه كاد أن يقتلع خصلاتها بين يداه قابضاً اكثر عليهما، يقترب بثغره من أذنه ليهمس بهما بنبرة أقل ما يقال عنها مُرعبة!!:
- أنتِ أوسخ حد شوفته في حياتي!!!!!
بكت " ملاذ" بحُرقة ليدفعها "ظافر" بقسوة، سقطت على الأرض تبكي بندمٍ، أتجه هو الى الحقائب ليمسكها بيدٍ، و بالأخر مال ليجذبها من خصلاتها بقسوة لتنهض واثبة أمامه بوجهٍ أحمر من كثرة البكاء، نظر لها بتقززٍ و كم آلمتها نظراته، ليردف هو بحدة مشيراً بسبابته لوجهها:
- أمسحي دموع التماسيح دي مش عايز حد يحس بحاجة تحت، كلهم مستنينا تحت وقسماً بربي لو حد حس أن في حاجة هقتلك يا ملاذ!!!!!
مسحت الدموع العالقة بأهدابها لترتب خصلاتها المشعثة بيدها وشهقات بكائها لم تستطيع أيقافها ليصرخ هو بها بقسوة حقيقة:
- قـولـت أخـرسـي!!!!!
حبست أنفاسها داخلها ليقبض هو عل ذراعها المتراخي، جذبها خلفه لينزلا على الدرج، خطواته تسابق خطواتها حتى كادت أن تسقط على وجهها لولا ذراعه الذي أمسك بها بقسوة، وقفا أمام العائلة بأكملها لتنظر "ملاذ" إلى "رقية"، سرعان ما أرتمت بأحضانها لتنفجر في البكاء، أصتك "ظافر" على أسنانه بغضبٍ وتوعد ينظر بعيداً عنها بحدة، بينما قلق الجميع من بكاءها المفاجئ في أحضان "رقية"، ربتت الأخرى على ظهرها قائلة بفزع:
- مالك يابتي..أيه اللي حُصُل ظافر عملك حاچة؟!!
أبتعدت "ملاذ" عنها لترمق "ظافر" بنظرة جانبية، وجدته يكاد ينفجر من الغضب لتنفي سريعاً بإرتباك:
- لاء يا ماما أنا كويسة، أنتِ بس هتوحشيني أوي!!!!
أطمئن الجميع ليزفروا براحة، لتربت "رقية" على ظهرها قائلة بتأثر:
- ربنا يعلم يا بتي هتوحشك جد أيه، بس متجلجيش ظافر وعدني هيچيبك دايماً تزورينا!!!
أومأت بإبتسامة متألمة، لتنظر إلى "رهف" التي أحتضنتها قائلة بلطفٍ:
- هتوحشيني أوي يا ملاذ يا حبيبتي، أوعي يا بت أنتِ متتصليش عليا فاهمه هقطعك..!!
أومأت "ملاذ" بإبتسامة حزينة، ودّعت "فريدة" و أخيها أيضاً لتخبرها "فريدة" بضرورة الأتصال بهم عندما تصل بسلام، كما فعلت بالمثل مع "ملك" التي أخبرتها بأنها كم كانت بمثابة أختٍ لها..، تمنت "ملاذ" لو أن تظل بينهم، لا تعلم ماذا سيفعل بها عندما يكونوا بمفردهم!!!!
ودّعهم "ظافر" بملامح جامدة ليقبض على ذراعها متجهين إلى سيارتهم، لتتجه العائلة بأكملهم- عدا "سُمية التي ظلت بغرفتها- للخارج معهم، ليقُل "ظافر" قبل أن يستقل السيارة لأخيه:
- باسل، حاول تنزل مصر بكرة عشان عندنا شغل كتير في الشركة!!!
قطب "باسل" حاجبيه قائلاً بغرابة:
- شغل أيه يا ظافر أنت عريس جديد سيبك من الشركة دلوقتي!!!!
أحتدت عيناه ليردف بنبرة لا تقبل النقاش:
- بــاسـل!!!، هستناك بكرة!!!!
أومأ "باسل" رغماً عنه ليستقل "ظافر" السيارة، تجاوره "ملاذ" التي نظرت لهم من النافذة بحزن، قاد "ظافر" على سرعة مائتان، لتتشبث "ملاذ" بمقعدها مغمضة عيناها بقوة، تذكرت كيف ماتا والديها لتضع يدها على أذنها صارخة بهيستيرية، تفاجأ "ظافر" بصراخها ليهدئ السرعة قليلاً، أهتاج صدرها و هي تفتح عيناها لتطالع الطريق أمامها، بكت بقوة لتدفن وجهها في بكفيها، ضرب "ظافر" على المقود يجأر بها بجنون:
- مش عايزة أسمعلك صوت أخرسي خالص!!!!!!
توقفت عن البكاء سوى من جسدها الذي ينتفض رغماً عنها، لتنظر للنافذة بجوارها بعينان أغرورقتا بالدموع، لا تسمع سوى صوت أنفاسه الغاضبة، ذلك ليس من أحبته، أين "ظافر" الذي كان يجذبها لأحضانه عندما تبكي، أين من كانت تشعر جواره بالأمان، أين من أعتادت أن تبكي بأحضانه، هل أصبح يكرهها!!!! أبتسمت بسُخرية مريرة، بالطبع سيكرهها، ما فعلته لا يقبله إنسان على كرامته، وصلا إلى مكان شبه معزول عن العالم الخارجي، لترفع "ملاذ" أنظارها لتلك البناية شاهقة الأرتفاع، نظرت حولها لتجد كل شئ ظلام لا توجد أنوار أو سيارات حول البناية، ترجل "ظافر" من السيارة ليركض بواب البناية له مهللاً بترحاب مبالغ به:
- يا أهلاً يا ظافر بيه البُرج نَور بيك، هات عنك يا بيه...
لينتشل الحقائب من يده، يسبقهما للداخل، تابعت "ظافر" بعيناها، ليفتح هو باب السيارة لها جاذباً إياها من عضدها، يغرز أظافره بذراعها بعنف!، أخرجها من السيارة بوجهٍ ليس له ملامح، ليسيرا معاً للداخل، ليجدا "البواب" يضع الحقائب بالمصعد يثرثر:
- أنا خليت مراتي تنضف الشقة زي م أمرت يا بيه وبقت بتُبرق!!!!
أشار له بسبابته ليبتعد من طريقه، نفذ الأخير أمره ليستقلا الأثنان المصعد، دفعها بعيداً عنه و كأنها ستلوثه، ليقف هو بالمقدمة و هي خلفه، ضغط على الطابق الحادي عشر، ليضع يداه بجيبه، حاولت "ملاذ" الدفاع عن نفسها قائلة بنبرة حزينة:
- ظافر لو سمحت أسمعني!!!!!
ألتفت لها بغتةً ليقبض على عنقها بقوة ليرتطم ظهرها بالمرآة خلفها، وضعت يدها على كفه الغليظ و قد بدأت بالشعور بالهواء ينفذ من رئتيها وهي بالأساس مريضة ربو، نظرت لملامحه المُرعبة وعيناه الحمراء من فرط غضبه، أقترب بوجهه من وجهها الأبيض يقول بنبرة جعلتها تتمنى أن يقتلها بالفعل لتنتهي من ذلك العذاب:
- أنا هعرفك مين ظافر الهلالي يا بنت الشافعي!!!!!
تركها بإشمئزاز لتسعل "ملاذ" بقوة تميل بجسدها للأمام لتشهق عدة مرات تحاول إدخال الأكسجين برئتيها، بينما يقف هو يرمقها بتهكمٍ، وصل المصعد الطابق المنشود لينفتح، خرج "ظافر" ساحباً "ملاذ" خلفه بدون رحمة، يجلب الحقائب بذراعه المتحرر، ليدُس المفتاح بالباب لتنفتح الشقة بيُسرٍ، كان يطغي عليها اللون "النبيتي" القاتم و الرُمادي، كان أقل ما يُقال عنها راقية حقاً، الأثاث فخم، الأنوار خافتة بها، واسعة للغاية..
شدد "ظافر" على ذراعها المرتخي بين كفه، ليلقي بالحقائب بقوة أمامه لتصدر صريراً أفزعها حقاً أشفقت على الحقائب، كيف سيكون مصيرها معه إذا، نظرت له بطرف عيناها برعب، تقف خلفه ببضعة خطوات وكفها مقيد بكفه القاسي..
↚
بدون مقدمات صفع الباب بحدة ليجذبها من خصلاتها لتقف أمامه شاهقة بفزع، حاولت نزع قبضته عن خصلاتها إلا أنه شدد أكثر مقرباً وجهها من وجهه، نظرت "ملاذ" إلى وجهه، وكأنها لأول مرة تراه، بملامحه القاسية وفكة المنقبض، عيناه الزيتونية تحيط به شعيرات تكاد تنفجر من الدماء، بحثت عن النظرة الثانية في عيناه، بحثت عن نظرته التي تشع حباً وعشقاً لها، ولكن هيهات.. لم تجد سوى القسوة، الكره، والحقد الذي سيودي بها حتماً!!
قبضته القاسية على خصرها، ونظرته التي تمزقها، تحرق روحها حرقاً، أغمضت عيناها.. لا تريد أن ترى هذا الإحتقار ينبع من عيناه، لتشهق عالياً منفجرة بالبكاء تردف بتقطعٍ راجي:
- أديني فرصة أشرحلك!!!!!
تصاعدا كفيه ليقبضا على كتفيها بقسوة يهزها بعنق صارخاً يجنون حقيقي:
- لـــيــه!!!! ردي عليا لـيـه!!!!!!
بكت بقوة لينهرها هو أكثر يجأر بوجها بحدةٍ:
- مراتي أنا طلعت بتنصب على الرجالة عشان تاخد فلوسهم!!!! مراتي طلعت واحدة **** وكانت عايزة تأذيني في شغلي!!!!
نفت برأسها بقوة لتحاوط وجهه في محاولة منها للسيطرة على غضبه قائلة بنبرة باكية:
- لاء والله أنا عمري مـ هفكر أأذيك أبداً، أنا حبيتك والله العظيم حبيتك!!!!
دفع كفيها بعيداً ليقهقه بسُخرية لاذعة، ضحكاته كانت مختلفة عن كل مرة، لم يظهر على وجهه اي نوعٍ من المرح، بل كان يتألم، قلبه يدمي حزناً وعقله سيشُل مما فعلته هي به!!!!، لينظر لها بتهكمٍ :
- حبتيني؟!!!!
أومأت سريعاً و هي تبكي ضامة كفيها إلى صدرها:
- والله العظيم حبيتك.. أنت متعرفش أنا مريت بـ أيه في حياتي يا ظافر أنت الوحيد اللي قدر يغيرني.. أنا والله كنت هقولك كل حاجة والله العظيم مكنتش هسيبك تعرف من برا، أنا بحبك صدقني أنا عُمري مـ حبيت حد زي مـ حبيتك أنت!!!!!!
أقترب منها خطواتٍ بطيئة، وتلك البسمة الساخرة المرتسمة فوق ثغره تجعلها تبكي أضعافٍ، ليقف أمامها.. يطالع وجهها بقرفٍ ظهر على ملامحه، ليقبض على فكها بعنفٍ قائلاً بنبرة مظلمة:
- كام واحد لمسك؟!!!!
فتحت عيناها بصدمة، وكأنه هوى بصفعة عنيفة على وجنتيها لتقول ببطئٍ:
- أيــه!!!!!
شدد قبضته أكثر على فكها قائلاً بسُخرية:
- أيه!!!! مش من حقي أعرف مراتي ليها علاقات مع كام واحد غيري!!!!!
جحظت عيناها بقوة ليعجز لسانها عن الرد، تجزم أن قلبها مات بتلك اللحظة، بل كل خلية بجسدها تراخت وكأنها ستفقد وعيها من قساوة كلماته على قلبها، ،لتقول بنبرة غلفتها الدموع:
- أنت عارف أن أنا مستحيل أعمل حاجة زي دي!!!! أنت عارف كويس أن أنت أول واحد يلمسني!!!!
نظر لها بقتامة ليبتسم مقرباً وجهه من وجهها قائلاً بقسوة ذبحتها ببطئٍ:
- الطب أتطور يا مدام، والعمليات ال**** اللي بيعملها اللي زيك كترت!!!!!
أبعدت كفه عن فكها بحدة صارخة به:
- أنت أتجننت أكيد!!!!!
جذب خصلاتها بقوة لتصرخ "ملاذ" بقهر وكفه يكاد يمزق خصلاتها، قرب ثغره من أذنها قائلاً بنبرة مهلكة:
- أكيد جسمك كان المقابل للفلوس اللي بتاخديها منهم.. و أوعي تفتكري أني هصدق دور الشريفة اللي أنت بتعمليه، أنتِ أبعد ما يكون عن الشرف!!!!!
لف خصلاتها على قبضته ليهمس لها بنبرة أرعبتها:
- هقتلك يا ملاذ، هقتلك!!!!!
وبالفعل دفعها بعيداً ليخرج مسدسة يصوبه في وجهها.. جحظت "ملاذ" بقوة، شعرت بدقات قلبها تبطئ رويداً، لا تصدق أن تلك ستكون نهايتها، ستموت على يد أكثر شخص أحبته بتلك الدنيا، ولكن الموت أهون عليها من أن تبقى بذلك العالم المقزز، لتقترب منه بخطوات ليس بها روح ممسكة بالمسدس لتصوبه ناحية قلبها، ترفع أنظارها له قائلة ببكاءٍ يتبعه شهقات عالية:
- أقتلني يا ظافر.. أقتلني وريحني بقا من اللي أنا فيه دة!!!!!
نظر لها بغلٍ ليغرز مسدسه بصدرها قاصداً إيلامها ليقول بنبرة سوداوية:
- أريحك؟!!! أنتِ طول م أنتِ مراتي مش هشتوفي الراحة أبداً، ورحمة أبويا هخليكي تتمني الموت يا ملاذ ومش هطوليه، هخليكي تكرهيني أضعاف حبي ليكي!!!!!
ليلقي بالمسدس جانباً ليتقدم منها يفتح أزرار قميصه بعجالةٍ واحدة تلو الأخرى، أرتعبت "ملاذ" لتعود للخلف بعيداً عنه ليرتجف جسدها رهبةً، لتردف بشفتي مرتجفة:
- هتعمل أيه؟!!!!
سحب حزامه الجلدي من بنطاله ليلفه حول كفه ليترك القطعة الحديدية قبالتها، تعثرت "ملاذ" لتسقط أرضاً لتزحف بعيداً عنه و الدموع تنهمر من عيناها قائلة ببكاءٍ حقيقي:
- ظافر أبوس إيدك متعملش فيا كدة!!!!!!
تكورت على نفسها لتضع ذراعيها على وجهها لتحمي نفسها من بطشه منتظرة الضربة التي ستصيب جسدها في مقتل، ولكنها لم تسمع سوى صوت أنفاسه الغاضبة تخترق أذنها بضراوة، رفعت نظراتها له لتجد مغمض العينين يكور الحزام بيده..لتبتعد عنه للخلف وهي تردف برجاءٍ:
- أنا أسفة.. عشان خاطري يا ظافر أديني فرصة أشرحلك..
لم يطاوعه قلبه اللعين على أن يقسو عليها، روحه ستتألم قبل جسدها، كرهها بالفعل، هي التي طعنته بظهره بعدما أمنها على روحه وحياته بأكملها، خذلته، أدمت روحه، ولكنه لا يستطيع أذيتها، لا يتحمل أن يكن سبباً في أذيتها، و كأن قلبه رافضاً أن يؤلمها، ليلقي بالحزام جانباً، أستند على الحائط بجواره ماسحاً على وجهه بقسوة، ليحطم كل شئ يقابله، يكسر ويغضب ويثور ويصرخ بها حتى أنقلبت الشقة رأساً على عقب، بينما هي لازالت تجلس على الأرضية تبكي بجزعٍ، خائفة منه لأول مرة، فغضبه سيعصف بها لا محال، أصابت قطعة كبير من الزجاج باطن يده لتنتفض "ملاذ" راكضة نحوه ممسكة بكفه قائلة بخوفٍ وقلق:
- ظافر.. ظافر أنت كويس ياحبيبي؟!! بتوجعك أوي، أنا هجيب الشاش وهلفهالك دلوقتي..!!
دفع يدها بعيداً صارخاً بها بنبرة جحيمية:
- أبـعـدي عـنـي!!!!!
أرتدت "ملاذ" للخلف لتنكس رأسها قائلة بخفوتٍ شديد:
- حاضر..
أستند على الحائط بذراعه مغمضاً عيناه ليتهدج صدره بعنف و هو يشعر أن قلبه يعتصر من شدة الألم، لتنظر له هي بقلق وندمٍ، لتجهش بالبكاء وهي ترى جبينه يتصبب عرقاً وجسده بدأ بالإرتعاش، أندفعت "ملاذ" نحوه لتسنده قائلة بتوجسٍ:
- ظافر أنت كويس؟!!!
جف حلقه ليبعدها عنه بوهن مرتدياً قميصه ناسياً أن يغلق أزراره، ليخرج من الشقة صافعاً الباب خلفه، يوصده بالمفتاح جيداً حتى لا تهرب، خرج خارج العمارة ليطالعه "البواب" بقلقٍ ولكنه مضى نحو سيارته ليستقلها، رأسه ستنفجر، قلبه يدمي والدموع تهدد بالسقوط داخل عيناه..ظل يدور ويدور بالسيارة، لأول مرة يشعر أنه تائه هكذا، ليس له مأوى، كالطفل الذي خذلته أمه وقت أحتياجه لها، شعر بالإختناق رُغم الهواء الذي يلفح وجهه، شئ يجثو على صدره، يريد البكاء ولكن والله لن يفعل، فليس "ظافر" من يبكي على أمرأة، ولكنه وبشكلٍ ما يتألم، عيناه الزيتونية ذبلت، وقف أعلى جبلٍ ليصف السيارة جانباً، وضع رأسه على المقود بوهن، وضع يده على قلبه يشعر بنغزة غريبة به، تغاضى عن ذلك الإحساس ليُدير السيارة ذاهباً لاحدى الحانات التي أنقطع عنها منذ دخولها لحياته، أبتسم بسُخرية ليغلق ازرار قميصه يهندم حالته المزرية قليلاً.. دلف للحانة لتنبعث داخل أنفه رائحة الخمر، طالع الساقطات يتمايلن أمام أشباه الرجال، ليجلس هو متجرعاً كأس الخمر، حمد ربه أن في تلك الحانة لا أحد يعلم أنه "ظافر الهلالي".. فلو علم أحد لكان أنتشر خبر وجوده بتلك الأماكن وفي ليلة زفافة بالجرائد، تقربت منه فتاة ذات قوام ممشوق ترتدي ثوب أسود اللون يظهر اكثر مما يخفي لتقف أمامه تميل عليه بجسدها قائلة بنبرة لعوبة:
- ليك وَحشة يا بيه!!!!
↚
أبتسم "ظافر" بسُخرية ليقبض على ذراعها قائلاً وقد عزم أمره على أن يفرغ غضبه بها:
- تعالي معايا يا روح أمك!!!!!
أبتسمت تلك الفتاة لتذهب معه لإحدى الغرف، و لسوء حظها أنه كان يتخيلها "ملاذ"، وبالفعل أنهال عليها بالضرب بالغرفة، لأول مرة يكُن قاسٍ مع فتاة بتلك الطريقة..وعندما أنتهى منها تركها عارية تبكي بحُرقة، ليلقي لها بالمال في وجهها ليخرج من الحانة يطوي الأرض أسفله، أستقل السيارة ثملاً ليضطر للعودة لها..
• • • •
دلفت "رهف" لغرفتها لترمي بجسدها على الأرضية مجهشة بالبكاء.. تحتضن جسدها لتحمي نفسها من بطش الحياة بها، فصراخه بها و كلماته التي ألقاها بوجهها كانت بمثابة دلواً بارد ألقاه عليها، كالصفعة التي أفاقتها، ضمت قدميها لصدرها لتدفن وجهها بركبتيها باكية بألمٍ، لتجد الباب ينفتح بقوة، علمت أنه هو، رفعت عيناها شديدة الأحمرار له لتجده يدلف مغلقاً الباب خلفه، وجدت ملامحه يعتليها البرود ليفتح أزرار قميصه موجهاً نظره للمرآة بعيداً عنها، ليبقى عاري الصدر متجهاً إلى الأريكة مستلقي على ظهره واضعاً ذراعه على عيناه، تجاهلها تماماً و كأنها ليست معه بالغرفة، نهضت"رهف" ببطئٍ لتتجه نحوه، جلست على الأرضية بجانب الأريكة، لتمد أناملها ممسكة بكفه البارد، لاحظت تشنج وجهه لتحاوط كفه الغليظ بكلتا كفيها قائلة بنبرة حنونة:
- باسل؟!!
لم يرد عليها بل ظل على حاله، مما أصابها بالإحباط قليلاً ولكنها بالفعل عزمت على مصالحته مهما كلفها ذلك، عبثت بخصلاته و هي تعلم أنه يعشق تلك الحركة، وعندما وجدته مستسلماً للمساتها استلقت على الأريكة بجانبه لتتمسك بجسده قائلة بإبتسامة ماكرة بعض الشئ:
- باسل أمسكني.. الكنبة صغيرة و لو مش مسكتني هقع كدة...
تنهد "باسل" ليلتفت لها بجسده كاملاً ليقبض على خصرها مقربها منه و هو يقول بهدوءٍ:
- عايزة أيه يا رهف؟!!!
أبتسمت لنجاح خطتها لتحاوط عنقه بذراعيها قائلة بغنجٍ:
- عايزة أنام جنبك..!!!!
منع أبتسامته من الظهور على ثغره لحركات زوجته الطفولية لتتلمس أنامله ظهرها هبوطاً وصعوداً و هو يقول بمكرٍ:
- ليه؟!!!!
تشبثت بعنقه قائلة بخوفٍ زائف:
- أنا أصلي لما بتبقى بعيد عني بحلم بكوابيس وحشة أوي.. بس طول مـ أنا جنبك مش بحلم بحاجة والله..
قهقه بقوة لتبتسم هي لأنها رأت ضحكاته وأخيراً، ليمسح على خصلاتها مقبلاً جبينها ليحاوط كتفيه مقربها منه لأبعد حد، ابتسمت "رهف" بقوة لتقبل وجنته قائلة بسعادة:
- خلاص سامحتني؟!!!
نظر لها بعشقٍ ليميل على شفتيها ويطبق بشفتيه عليها ، بادلته "رهف" بشوق حقيقي ليفصل قبلتهما بعد دقائق مقبلاً باقي أنحاء وجهها بإشتياق لها..
• • • •
جلست بجانب أخيها في غرفتها على فراشها الوثير، تمسح على خصلاته لينام، تحدث أمامها بشرودٍ ليهتف أخيها بتساؤل طفولي:
- ديدا هو فين عمو مازن؟!!!
أحتدت عيناها لتقول بغضبٍ:
- و أنت مالك بيه يا يزيد نام يلا..
زم "يزيد" شفتيه بحزن ليغلق عيناه بإذعان، بينما جلست هي تفكر به، لا تنكر أنها أشتاقت له.. أشتاقت لغضبه و لإبتسامته، لقسوته ولحنانه بعض الأحيان، تذكرت عندما عالج يدها وعندما ذهبا للملاهي، و لكنها أيضاً لم تنسى عندما ضربها بقسوة، ستضع تلك الذكرى أمامها حتى لا تعود وتفكر به أبداً، فبرغم أنها لا تعلم أين هو و ماذا يفعل ولكنها تصبر قلبها بأن ذلك أفضل لهما، نهضت من جوار أخيها عندما وجدته غاص بالنوم، شعرت بالإختناق لتقرر أن تنزل تتجول بالحديقة قليلاً.. وبالفعل هبطت لتجد القصر مظلم فالجميع خلد للنوم، ولم تنسى أن تأخذ كتابها معها ليسليها، خرجت الحديقة لتجد أنوارها خافتة تناسب قراءة الكتاب الذي بيدها جلست على الأريكة المتحركة لتستنشق الهواء براحة، نظرت حولها لتتذكر عندما جلبها "مازن" لأول مرة.. عندما صرخ عليها بتلك الزاوية، تتذكر كل شئ.. فتحت الكتاب لتقرأ بسرها، مر عليها ساعة.. أثنان.. ثلاث ساعات بدون ملل، بدأ ظلام الليل يغلف الحديقة، لتنقطع أنوارها فجأة، أنتفضت "فريدة" ناهضة برعب والهواء يعصف بها من كل جانب، وقع قلبها أرضاً عندما أشتمت رائحته التي تحفظها عن ظهر قلب، ألتفتت حولها وقد بدأت الدموع تتجمع بعيناها، تبحث عنه ولكنها لم تعد ترى حالها حتى من ذلك الظلام الموحش، أرتجفت شفتيها لتنهمر الدموع من عيناها تقول بخفوتٍ خائف :
- مازن؟!!!
أحتضنت نفسها بقوة و هي تعلم أنه قريباً منها للغاية الأن، لطالما كانت تهاف من الظلام، لا تعلم لما راودها شعور مشتاق لكب ترتمي بأحضانه، تعاتبه عما فعله بها، أجهشت بالبكاء لتكرر ندائها عليه بنبرة باكية:
- مازن أنا عارفة أنك حواليا دلوقتي.. عارفة أن سامعني.. عشان خاطري تعالى..
بكت بقوة لتنهار أرضاً على العشب الأخضر، شعرت بالهواء يعصف بها و بإختفاء رائحته لتعلم أنه ذهب.. وبالفعل سمعت صوت مكابح سيارته تبتعد لتنفجر من البكاء مغشياً عليها على الأرضية..!!!
• • • •
تمنى لو أن يذهب نحوها يعتصرها بعناقاً يحطم ضلوعها، لو أن يقبلها حتى يقطع أنفاسها، تمنى لو يمسح دموعها بشفتيه ويعتذر لها عما فعله بها، بكاءها حطمه، جعله كالتائه لا يعلم أيذهب لها أم يعود إدراجه، لا يعلم كيف علمت أنه بجوارها رغم ظلام الحديقة الشديد، كيف شعرت به رُغم حرصه الشديد على أن لا تراه أبداً، أوقف السيارة جانباً ليستند برأسه على المقود، أطلق زفيراً مختنقاً يردف بألمٍ تغلغل روحه:
- وحشتيني.. وحشتيني أوي!!!!
(يا جماعة أنا بحب مازن و فريدة أوي والله💙!)
• • • •
عاد "ظافر" للشقة ليجد كل شئ على ما يرام، فـ بقايا الزجاج المنثورة ليس لها أثراً، من الواضح أنها نظفت كل شئ، دلف ليصفع الباب بحدة، تقدم نحو غرفتة و رأسه تؤلمه لكثرة ما تجرعه من شرابٍ، ليقتحم الغرفة بثمالة، أنتفضت "ملاذ" التي كانت تجلس تنتظر عودته، رفعت أنظارها له لتجد خطواته ليست موزونة، نهضت راكضة نحوه و هي تطالع حالته الرثة قائلة بقلقٍ شديد:
- ظافر أخيراً رجعت.. مالك أنت كويس؟!
↚
دفعها بعيداً عنه قائلاً بسُخرية:
- مش كفاية تمثيل بقا ولا المسرحية البايخة دي مش هتخلص؟!!!
توازنت "ملاذ" مستندة على المقعد لتردف بألمٍ:
- تمثيل؟!!!.
رفعت أنظارها له لتقول بخفوت:
- تعالى نام هنا و أنا هنام برا..
جاءت لتخرج لتجده يقبض على خصرها قائلاً بثمالة:
- برا فين يا حلوة.. هو مش النهاردة ليلة دخلتنا ولا أيه؟!!!!
فاحت من فمه تلك الرائحة البغيضة لتقول "ملاذ" بصدمة ساندة كفيها على صدره:
- ظافر أنت شارب؟!!!
تلمس جسدها برغبة بدون وعي لتبتعد "ملاذ" عنه قائلة بإرتباك:
- ظافر أنت مش في وعيك!!!!
أقترب منها ليميل مقبلاً عنقها بقسوة جعلتها تدفعه بعيداً صارخة به:
- ظافر بلاش الحركات دي!!!!
نفى برأسه ليقترب منها مجدداً جاذباً خصلاتها بعنف ليهمس بأذنها بقسوة:
- من النهاردة مش هتلاقي غير المعاملة دي.. مهمتك من هنا ورايح تبسطيني.. انا وأنتِ مش هيجمعنا غير السرير!!!!!!
شهقت "ملاذ" بصدمة لتصرخ به بغضب شديد تنفض يداه بعيداً عنها:
- أنت أتجننت أيه القرف اللي أنت بتقوله دة!!!! أنا مراتك مش واحدة من الزبالة اللي تعرفهم؟!!!
قهقه بقوة ليقول بسُخرية:
- تصدقي أن الزبالة اللي أنا أعرفهم دول أشرف منك يا ملاذ!!!!!
أرتدت للخلف مصعوقة.. ليته صفعها، ليته قتلها أو أنهال عليها بالضرب حتى الموت،و لكن كلماته أصعب من ضربه لها، بكت بقوة لتخرج من الغرفة تاركة إياه يبتسم بنصر.. ليلقي بنفسه على الفراش ذاهباً في سبات عميق، قضت "ملاذ" ليلتها في البكاء والعويل على قلبها الذي تم دفنه اليوم، تعلم أنها أخطأت بحقه و من حقه أن يفعل بها ما يشاء.. و لكن هي عشقته، هي حقاً أحبته أكثر من أي شئ..!!!!! سمعت رنين هاتفها لتبحث عنه، وجدته أخيراً لتجد رقم أختها يتوسط الشاشة.. أبتسمت بفرحٍ لتجيب سريعاً قائلة بإشتياق باكٍ:
- براءة.. وحشتيني أوي يا حبيبتي مش مصدقة أنك بتتصلي بيا...!!!!
- أنا اللي قولتله على كل حاجة.. قولتله على وساختك كلها!!!!! أيه رأيك في المفاجأة دي؟!!!!
• • • •
في صباح اليوم التالي...
- فريدة.. فريدة قومي يا حبيبتي أيه اللي منيمك هنا كدا..
قالت "رهف" وهي تحاول إفاقة "فريدة" التي أنتقضت برعبٍ، نظرت إلى "رهف" لتتمسك بيدها قائلة:
- مازن.. مازن كان هنا!!!!
جحظت "رهف" قائلة بعدم أستيعاب:
- مازن!!!! أنتِ متأكدة؟!!!!
أومأت بقوة لتنظر حولها باكية بعنف:
- بس أنا ناديت عليه وكنت خايفة أوي بس هو مرضيش ييجي.. دايماً لما يبقى محتجاله مش بييجي.. أنا تعبت أوي!!!!
ظنت "رهف" أنها كانت تتهئ وجوده، لتسندها حتى تنهض مربتة على ظهرها:
- أهدي يا حبيبتي تعالي نروح على أوضتك دلوقتي..
تشبثت بها "فريدة" تبكي بحُرقة:
- أنا زعلانه منه أوي.. زعلانه عشان ضربني بس مكنتش عايزاه يسيبني دة كله.. رهف خليه يرجع وأنا مش هزعل منه والله!!!
أشفقت "رهف" عليها لتقول بتأثر:
- أنا مكنتش أعرف أنك بتحبيه أوي كدا..!!!
بدت "فريدة" و كأنها لم تسمعها لتهتف بحُرقة:
- ليه بيحب يعذبني دايماً معاه؟! أنا عايزة اشوفه يا رهف خليه ييجي أبوس إيدك!!!!
أصعدتها "رهف" لغرفتها لتدثرها بالغطاء جيداً توعدها أنها ستتحدث مع "باسل" ليبحث عنه...
تركتها "رهف" لتصعد لغرفتها و هي تبكي على حالة صديقتها، هي تعلم شعورها جيداً فهي أيضاً عاشقة.. لا تطيق إبتعاد زوجها عنها، دلفت للغرفة لتمسح دموعها من على وجنتيها، نظرت أمامه فوجدته يرتدي ملابسه و هو ينظر إلى المرآة، لتقف خلفه، و سرعان ما حاوطت خصره دافنة أنفها بظهره العريض لتبكي، صُدم "باسل" منها ليلتفت لها يحتضنها بقلق قائلاً:
- في أيه يا رهف؟!!!
- باسل أنت مش هتبعد عني أبداً صح؟!!!
قالت وهي تشدد على أحتضانه متشبثة بقميصة، ليبتسم مقبلاً خصلاتها قائلاً بتهكم:
- دة أنتِ نكدية وبتعشقي النكد زي عنيكي!!!!
ليكمل قائلاً بحنو:
- أسيبك أيه يا عبيطة أنا عمري م هسيبك أبداً!!!
مسحت دموعها لتبتعد عنه قائلة بإبتسامة:
- ماشي يا بسِلة..!!!
قرص أذنها قائلاً بغضب مصتنع :
- بسلة تاني يا بت!!!!
قهقهت "رهف" لتتقول:
- ايوا أحلى بسلة في الدنيا!!!!
↚
دفعها بعيداً ليكمل إرتداء رابطة عنقه قائلاً :
- متجوز واحدة هبلة والله!!!
ليلقي برابطة عنقه بعيداً مردفاً بنفاذ صبر:
- طب والله م أنا لابسك!!!!
قهقهت "رهف" عليه بقوة لتنحنى تجلبها، وقفت أمامه تمنع ضحكاتها من الخروج مطالعة ملامح وجهه الغاضبة، لتلف الرابطة حول عنقه بإحترافية و هي تعقدها له بمهارة، أنتهت منها لتقف على أطراف أصابعها طابعة قبلة على عيناه السمراء قائلة بحنو:
- تمام كدا؟!!
أبتسم لها وقد زال غضبه بالكامل ليومأ لها، تذكرت "رهف" أمر "مازن" لتقول بتوتر:
- باسل هو أنتوا لية مش لقيتوا مازن؟ فريدة مقطعة نفسها من العياط وصعبانة عليا أوي عايزة تشوفه..
نفى "باسل" براسه متنهداً و هو يقول:
- للأسف كأن الارض أنشقت وبلعته.. مش لاقيينه خالص بس هلاقيه أكيد..
• • • •
أفاق "ظافر" من النوم ممسكاً برأسه بألمٍ، حاول تذكر ما حدث و لكن كل شئ مُسح من ذاكرته، بحث عنها بأرجاء الغرفة ولكن لم يجدها.. لينهض سريعاً متجههاً للخارج، لفت أنتباهه جسدها المتكور على الأرضية الباردة ودموعها التي لم تجف من على وجنتبها، جلس كالقرفصاء أمامها لتمتد أنامله متلمساً دموعها العالقة بأهدابها بسُخرية، نظر لها بضيق،ليمد كفه إلى كتفبها يهزها بعنف لكي تفيق، ولكنه وجد جسدها متراخي تماماً بين يداه،.. قطب حاجبيه ليدير وجهها الشاحب له، وضع أصبع أمام أنفها ليجد تنفسها بطئ ليشعر بالقلق يتغلغل إلى قلبه، نهض ليميل بجزعه واضعاً ذراع أسفل ركبتيها والأخر على ظهرها ليحملها بخفة، أتجه بها نحو غرفته ليضعها على فراشه، جلس بجوارها ليربت على وجنتيها مسترسلاً بنبرة يشوبها القلق:
- ملاذ فوقي.. ملاذ..!!!!
لم تستجيب للمساته ليركض "ظافر" إلى المطبخ، جلب كوب به ماء عائداً لها يسكب القليل في يده لينثر تلك القطرات على وجهها لترمش بأهدابها بضيق، فتحت عيناها ببطئ لتجد ينظر لها بجمودٍ، نهضت جالسة على الفراش لتتذكر ما قالته لها شقيقتها، تساقطت الدموع من عيناها لتنظر له،و بدون مقدمات أرتمت بأحضانه الذي كان دائماً مأوى لها لتجهش بالبكاء، صُدم "ظافر" من فعلتها ليشعر بجسدها المرتجف على جسده وهي تقول بنبرة مهزوزة خرجت باكية رغماً عنها:
- للدرجة دي.. للدرجة دي طلعت أختي بتكرهني.. عايزة تأذيني بالطريقة دي ليه؟!!! ليه مش عايزاني أبقى مبسوطة.. ليه كل الكره دة أنا عملتلها أيه طيب؟!! عملتلها أيه يا ظافر أنا عمري مـ أذيتها.. أنا قربت منك عشان أخدلها حقها من أبوك.. عشان ترجع تحبني.. بس هي دمرتني، خسرتني أكتر واحد أنا بحبه حتى هو بقى بيكرهني.. دمرتلي حياتي!!!!!
أغمض عيناه يصتك على أسنانه بقسوة، كور كفيه بحدة بينما هي تتشبث بأحضانه أكثر تبكي بقوة، تشهق داخل صدره وكأنه إن تركته ستموت، تدفن أنفها بصدره رافضة الإبتعاد، نظر "ظافر" فوق كتفه و هو لأول مرة لم يبادلها عناقها، أغمض عيناه ليشعر بقلبه الذي أصبح قطعة من الجليد، لم يواسيها على بكاءها الذي يعتصر قلبه، لم يخبرها بأن كل شئ سيصبح بخير، هو عاد قاسي كما كان.. عاد "ظافر سرحان الهلالي".. تحامل على قلبه ليدفعها بعيداً عنه ليخرج من الغرفة تاركها تبكي بقوة على قسوته التي لم تعهدها منه..!!!!
دلف "ظافر" للغرفة المجاورة ليستند بذراعيه على المزينة، رفع أنظاره ليطالع وجهه الجامد بالمرآة، عيناه الباردة، قلبه المحطم وروحه المشوهة، أغمض عيناه ليتنهد بقوة، نزع عنه ملابسه ليدلف للمرحاض الملحق بالغرفة كي يغتسل..
خرج بعد عدة دقائق يلف منشفة سوداء على خصره، تسابقت القطرات على جسده تدرس عضلاته القاسية، مروراً بعضلات معدته السداسية، ثم أرتدى حلته السوداء على عجالة لينثر عطره بملامح جامدة، صفف خصلاته بعناية.. ليخرج من الغرفة، مرّ بجانب غرفتها، لم يسمع شئ ليدلف ببطئ، تفحصت عيناه الغرفة ليجدها فارغة تماماً، أسترق السمع للمياة المنهمرة من المرحاض ليهم بالخروج ولكنه وجدها تخرج من المرحاض تحاوط جسدها بمنشفة حمراء اللون، أنتفضت "ملاذ" عندما رأته بوجهها لتتمسك بالمنشفة بقوة منكسة رأسها للأسفل بتوترٍ، لتتساقط قطرات الماء من خصلاتها الطويلة، ومن وجهها.. مروراً بعنقها شعر "ظافر" بقدميه تقوده نحوها، مأخوذاً من جمالها الساحر، ليقف أمامها ..رفع أنامله ليتلمس وجنتها الناعمة ليرفع ذقنها له بدون وعي منه، نظرت له "ملاذ" بعشقٍ لتجد نظرات غامضة، لم تفهمها أبداً ،تعلقت عيناه بشفتيها المرتجفة ليميل بثغره نحوها بلا وعي.. أغمضت "ملاذ" عيناها بشوقٍ تنتظر قبلته التي تشعرها بحبه ، إلا أنها أنتظرت كثيراً، لتفتح عيناها، رأت نظراته الساخرة التي عصفت بها، لمست شفتيه شفتيها ببطئ وبهمس أفعى:
- أنا متعودتش أخُد بواقي حد!!!!!
صُدمت من حديثه لتتجمع الدموع بعيناها بينما أبتعد عنها هو بإنتشاء مربتاً على وجنتيها كأنه سيصفعها..ليخرج من الغرفها تاركها مجرد حُطام أنثى..
• • • •
لازالت لا تصدق ما فعله بزفاف أخيها، ولكنها أبتسمت عندما تذكرت ما قاله، فهي وبرغم كل شئ تعشقه، حتى و إن لم يبادلها هو ذلك العشق، ولكن يكفيها أن تراه أمامها، ولكن الأن بالطبع لن يأتي مرةً أخرى لعدم وجود أخيها، تأففت بحزن لتخرج لوحة الرسم الخاصة به، أبتسمت بقوة وهي تطالع ملامحه الوسيمة والتي أبدعت هي في إيضاحها بقلمها، أكملت تحديد ذقنه النامية وعيناه المرسومة بحِدة، خفق قلبها بعنف و هي تتأمل وجهه، تنهدت لتتجمع الدموع داخل عيناها، ليته يعلم أنها تعشقه منذ صغرها، منذ أن كانت تركض له ليفتح هو كلتا ذراعيه حاملاً إياها بجسدها الصغير مقبلاً وجنتيها الممتلئتان، بخبرها كم هو يحبها، تذكرت ذلك البوم والتي لن تستطيع نسيانه..
عودة للماضي..
عندما كانت تبلغ من العمر سبع سنوات، كانت تبكي في إحدى أرجاء القصر تضم قدميها إلى صدرها، وجهها شديد الإحمرار وعيناها منتفخة بشدة، ألتقطت أذنيها صوته الرجولي القلِق والتي تعشقه هي:
-ملك!!!!
ألتفتت له تحدق به بحزن، لتركض له انحني "جواد" بطوله الفارع يجلس على الأرضية كالقرفصاء ليصل لقامتها القصيرة، تشبثت هي بعنقه تدفن أنفها به، أنفجرت بالبكاء ليحاوطها هو بذراعه المفتول مربتاً على ظهرها قائلاً بتوجسٍ لأنهيارها بتلك الطريقة:
- في أيه يا حبيبتي بتعيطي ليه؟ ظافر زعلك؟! قوليلي مين اللي زعلك طيب؟!!!
نزعت نفسها من بين أحضانه لتفرك عيناها الحزينة بطفولية قائلة:
- في ولد في ال school ضربني على وشي وبياخد السندويتش بتاعي ، ولما كنت عايزة أقول للميس قالي لو قولتلها هضربك تاني!!!!
ضغط على أسنانه بغضب ليمد أنامله يزيل دموعها قائلاً بحنان:
-دة مين الحيوان دة؟ متزعليش يا حبيبتي أنا رايح ال school معاكي بكرة وهشوف الولد دة، خلاص بقا كفاية عياط..
أومأت بحزن ثم أخرج من جيبه قطعة كبيرة من الشوكولا مغلفة لتقفز "ملك" بسعادة، أخذتها من ثم قبلته على وجنته قائلة ببراءة:
- أنا بحبك اوي با جواد!!!!!
عودة للوقت الحالي..
↚
أبتسمت بحزن لتتذكر عندما ذهب معها للمدرسة باليوم الموالي، وعندما غضب على ذلك الفتى و حذره وجعله يعتذر لها عما بدر منه، وأمر المدبرة بفصله من المدرسة نهائياً، أشتاقت لجوادها القديم، لحنانه معها، ولكنه الأن أصبح قاسي لدرجة لم تتخيلها، بارد، كان يعدها بالماضي أنه لن يسمح لأحد بأن يبكيها، أبن وعوده؟ وهي التي تبكي بسببه كل ليلة!!!!
نهضت لتجلب هاتفها لكي تهاتف "ظافر" لتخبره بضرورة أنتقالها إلى القاهرة بسبب جامعتها، وافق "ظافر" بعد إلحاحها يخبرها بنبرة لا تقبل النقاش:
- هتاخدي معاكي دادة فتحية وهتقعدوا في شقة الزمالك، وأنا هبقى أجيلك أطمن عليكي..
واقفت بسعادة لتغلق معه تخبره أن يتذكر توصيل سلامها إلى "ملاذ"..
نزلت إلى الأسفل لتجد والدتها و عمتها "سُمية" بالإضافة إلى "باسل" و "رهف"، ألقت التحية عليهم لتردف بجدية:
- ماما وباسل.. أنا كلمت ظافر و أستئذنت منه أني أنزل القاهرة عشان جامعتي...
أعترضت "سُمية" قائلة بحدة:
- كيف أكده يا بنيتي و هتجعدي فين عاد؟!!!
أغتصبت "ملك" أبتسامة صفراء قائلة بإقتضاب:
- متقلقيش يا عمتو هقعد في شقة الزمالك مع دادة فتحية..
نظرت لها بضيق لتلتفت إلى "رقية" و "باسل" قائلة بقنوط:
- و أنتوا موافجين على اللي هي بتجوله دة؟!!!
ردّ "باسل" بضيق:
- أيوا يا عمتي أنا و ظافر موافقين، ملك لازم تكمل جامعتها وتطلع دكتورة زي مـ هي عايزة..
لتقول "رقية" بإرتباك:
- مدام ظافر و باسل وافجوا يبقى خلاص يا سُمية..
أومأت "سُمية" بعدم أقتناع لتردف "ملك" بجدية:
- أنا هطلع أحضر شنطة هدومي بعد اذنكوا...
قالت "رهف" بإبتسامة لتنهض خلفها:
- أستني يا ملك أنا جاية معاكي..
صعدا الفتاتان إلى غرفة "ملك" لتتجه "رهف" إلى الفراش جالسة عليه قائلة بحزن:
- يعني أنتِ كمان هتسيبيني يا ملك زي ملاذ..
جلست "ملك" بجانبها لتقول بمرح تخفي خلفه حزن ليس له نهاية:
- يا بكاشة أنا هقعد أسبوع ولا أتنين وهاجي أزهقك تاني متقلقيش...
أبتسمت لها "رهف" لتقول:
- ماشي يا لوكا يلا أما نجهز شنطتك..
• • • •
وصل "ظافر" لشركته ليتابع الصفقات التي تنهال عليه، رفض الكثير وقبِل منهم أيضاً، لاحظوا الموظفون غضبه و مزاجيته و عنفه معهم، ليصل "باسل" فوقف أمام مكتبه قائلاً بغرابة:
- مالك يابني أيه العصبية اللي أنت فيها دي، وبعدين ملاذ أزاي تسيبك تنزل من تاني جواز؟!!!
رفع بصره له لينظر له نظرات نارية و هو يقول بحدة:
- باسل.. أسمها مراتك او أي حاجة تانية لكن ملاذ حاف كدا لاء!!!
أبتسم "باسل" ليجلس و هو يقول :
- يآآآه يا ظافر عيشت وشوفتك بتحب أوي وكدة!!!!!
زفر بحدة ليتابع النظر إلى الأوراق التي في يده، قائلاً بجدية:
- صفقة السلاح اللي جاية من إيطاليا أخبارها أيه..
نظر له "باسل" بضيق قائلاً:
- بتسألني أنا ليه أسأل جواد.. ظافر أنا خايف عليك بلاش الصفقات ال**** دي بقا لو سمحت..
نظر له بملل لينهض، ألتفت له ليجلس أمامه قائلاً بسُخرية:
- يابني بطَل عبط بقا، الصفقات **** دي هي اللي عملتلنا أسم..
هتف "باسل" بحدة:
- أنت عارف أخرتها كويس اوي يا ظافر!!!!!
-أخرتها أيه مثلاً؟ الموت؟ طب وأيه يعني كلنا هنموت..
- أخرتها غضب ربنا عليك، أخرتها هتخسر كل اللي حواليك.. أنا كأني شايف أبويا قدامي يا ظافر، أنت خدت منه كل حاجة، قسوته و أنانيته، أبوك مكنش مهتم غير بالشغل والفلوس، كل أعماله كانت مشبوهة، قلبه كان ميت من كتر البلاوي اللي كان بيعملها، شوفت أخرتُه كانت أيه؟!!! سرطان كان بياكل في جسمه لحد مـ قضى عليه تماماً، أنا متأكد أنه دلوقتي بتمنى يرجع للدنيا لحظة واحدة بس عشان يكفر على الذنوب اللي عملها، فكر في كلامي كويس، أنا رايح لشركتي بعيد عن صفقاتك.. سلام!!!!
• • • •
أرتدت "ملاذ" قميصه الأبيض رُغم وجود ملابسها.. إلا أنها أرادت أن ترتدي شئ من رائحته، أبتسمت بحزن عندما وجدت رائحته الرجولية تعلقت بجسدها، لملمت خصلاتها لتعقدهما بكعكة فوضوية جعلتها بمظهر جذاب، ثم جذبت قميصه للأسفل فهو يصل لاعلى ركبتيها بقليل كانت تسير داخل الشقة حافية القدمين ليصدح صوت خلخالها الرقيق الذي يحاوط قدمها، جلست امام التلفاز لتفتحه كي تشاهد شئ لربما يدخل السرور على قلبها، فوجدت قناة الكرتون المفضلة لها لتصفق بفرحٍ، رفعت ساقيها لتسندهما على المنضدة أمامها، مرّ الكثير من الوقت عليها حتى أصبحت الساعة واحدة بعد منتصف الليل، داعب النعاس جفونها ولكنها نهضت سريعاً تعض شفتيها لتقول بقلقٍ:
- هو مرجعش ليه لحد دلوقتي.. يارب يكون كويس ومش حصله حاجة..
ظلت جالسة تعض أظافرها بتوجسٍ، لتسمع صوت الباب ينفتح، رفعت أنظارها بلهفة لتجده يدلف للشقة بوجهه البارد كالعادة، أنتفضت لتتجه نحوه فوقفت أمامه وهي تتفحصه بعيناها كي تتأكد انه بخير، تنهدت براحة عندما تأكدت أن لم يصيبه مكروه، لينظر هو لها بسُخرية، نظرة متفرسة من أعلاها حتى أخمص قدميها .. نظراته أربكتها، وعيناه الزيتونية تتفحصها بنظرات مظلمة،توقعت صراخه عليها لأنها أرتدت قميصه، ولكنه فاجئها ببرودة اللامتناهي و هو يتجاوزها متجهاً إلى غرفته.. تجرأت لتذهب وراءه قائلة بصوتٍ عالٍ:
- ممكن أفهم هنفضل كدا لحد أمتى؟!!
↚
تابعته حتى دلف لغرفته لتدلف وراءه، تنظر له هو يخلع حذائه يتبعه قميصه لتظهر عضلات صدره ، نظرت للأسفل بحرجٍ لتردف بتوتر:
- أنا هستناك برا عشان عايزة أتكلم معاك شوية..
ألتفتت للخلف لتفتح الباب كي تخرج ولكنها وجدت ذراعه تمتد ليغلق الباب بعنف، أمسك بكتفيها ليديرها له بقسوة، أرتطم ظهرها بالباب ليهتاج صدرها بفزعٍ، لفحت وجهها أنفاسه الحارة و هو يحاصرها بذراعيه، وجهه قريب منها لا يفصلهما سوى بعض الإنشات، حاولت بشدة منع نفسها من التحديق بعيناه الزيتونية ، أرادت بشدة إبعاد عيناها عنه ولكن عيناها تأبى أن تترك تلك الحدقتين اللتان أبدع الخالق بها، مازال قربه منها يضعفها ويجعلها تكاد أن يغشى عليها، ينظر لها هو أيضاً يتفحص وجهها الأبيض وعيناها الواسعة السوداء، تزينها أهداب كثيفة، نزل ببصره لشفتيها الوردية والتي ترتجف، ولكنه أبتسم فجأة بقسوة، ليصفعها بكلماته الحادة كنصلٍ مزق روحها:
- أنتِ مش بس طلعتي خاينة وواطية، لاء دة أنتِ كمان غبية ومبتفهميش.. هو أنا مش قولتلك قبل كدة اني مش عايز أسمع صوتك حتى.. أنا بقرف أقعد في المكان اللي أنتِ تبقي فيه!!! بتخنق لما ببقى قريب منك زي دلوقتي.. على أد الحب اللي حبيتهولك بقيت بكرهك.. ومش طايق أسمع سيرتك.. صدقيني هاين عليا اقتلك و أخلص البشر من واحدة زبالة زيك!!!!!
سقط قلبها صريعاً لكلماته، و كأنه أمسك بقلبها الملكوم يعتصره بلا رحمة، دفعته من صدره بقوة، يكفي يكفي إلى هنا، أنهمرت الدموع من عيناها لتصرخ به بقهرٍ:
- لما أنت بتكرهني أوي كدة.. طلقني، طلقني وريح نفسك أيه اللي يجبرك تعيش مع واحدة مش طايقها، طلقني يا ظافر وريح نفسك وريحني!!!!
أبتعد عنها قليلاً ليخرج سيجاره من جيبه ليشعلها بقداحته، نفث دخانها الكثيف لينظر لها بسُخرية قائلاً بنبرة باردة:
- أطلقك؟!!! تبقي بتحلمي، أنتِ دخلتي القفص دة برجلك، ومش هتطلعي منه غير لما أنهيكي، هقضي عليكي تماماً، وبعدين صدقيني أنا لو عليا أطلقك دلوقتي قبل بكرة عشان تتفضحي وسمعتك تبقى في الأرض، بس للاسف سمعتك لو أتبهدلت أنا كمان سمعتي وسمعة شركتي هتتضر، ومش واحدة زيك اللي أخسر شغلي عشانها، أنتِ ليكي شرف أن أسمك مرتبط بأسمي، بس أنتِ حقيقي متستاهليش الشرف دة يا ملاذ ..
ثم أقترب منها قائلاً بنظرات أصابتها في مقتل:
- أوعدك ان حياتك معايا هتبقى جحيم، هخليكي تندمي على اليوم اللي قابلتيني فيه.. هتكرهي نفسك وهتكرهيني، هخليكي تكرهي تسمعي صوتي..
ثم نظر إلى جسدها المغطى بقميصه الأبيض هامساً باذنها بنبرة مخيفة:
- وبالمناسبة.. قميصي اللي عليكي دة ريحتي اللي فيه هتلزق فيكي .. ومش هتطلع غير بـ مية نار يا حياتي!!
دلم تكِف "ملاذ" عن التفكير به، فمنذُ ثلاثة أيام يُقضي نهاره خارج المنزل ويعود فجراً، لم يتحدث معها طيلة الثلاثة أيام..لم تسمع صوته حتى، تشعر بروحها تكاد تخرج من جسدها وهي بعيدة عنه..
حادثتها "رقية" و "فريدة" و "رهف" أيضاً ليطمأنوا عليهم، طلبوا مجيئهم ولكن "ظافر" رفض متعللاً بأعماله و أنهم سيذهيوا لها قريباً، إبتسمت ساخرة وهي جالسة أمام التلفاز مثلما أعتادت الآونة الاخيرة، ولكنها تشعر بأنها جالسة على جمر، قلبها يأن حزناً يطلب مجيئه، عقلها يريد رؤيته أيضاً ولكن ليحطم أنفه العالي، أنتفضت فجأة لتنهض بدون مقدمات تحفر الأرض أسفلها لكي تذهب لغرفة المكتب خاصته، وبالفعل أقتحمت الغرفة دون إستئذان، وقفت تستند على مقبض الباب متوقعة صراخه عليها ولكنه كان يتفحص الأوراق بإهتمام غير مبالي لها، أغتاظت بشدة لتتقدم منه بشراسة، ثم ضربت بكفيها على المكتب مقربة وجهها من وجهه المنحني ينظر للأوراق أمامه، لم يتكبد عناء النظر لها ليقلب أوراقه ببرود، ضاقت عيناها لتضغط بشدة على أسنانها لتقول بنبرة عدائية:
- ظافر!!!!
لم يُبدي أي ردة فعل وهو لازال يتفحص أوراقه، زفرت بإختناق وهي تشعر بغصة بحلقها، نظرت لذلك الكوب الزجاجي الموضوع أمامه لتمسك به ملقية إياه على الحائط أمامها ليحدث صوتٍ دوى في الغرفة، ظل على وضعه وكأنها لم تفعل شئ، بينما أصابتها هي حالة من الجنون لتلقي بمحتويات المكتب بأكمله على الأرض بعنفٍ ليتفاجأ هو بما فعلته، نهض بغضبٍ لو أخرجه لعصفَ بهما، كوّر كفه ليضرب على المكتب بقسوة، يطالعها مُراقب صدرها المهتاج ونظراتها الزائغة، جسدها الذي يرتعش بأكمله وكأنها تقف في مواجهة مُناخ قارص البرودة!!!!
أمسكت برأسها لتضغط عليه بضراوة، ثم أطلقت صرخات عالية أعلنت بها عن نفاذ صبرها وعدم أحتمالها لما يحدث، عدم أستطاعتها على تكبد عناء الأمر برمته، آهات متألمة خرجت من فِيها، ليبدأ بالفعل بالشعور بالقلق على حالتها المرضية تلك، لانت ملامحه قليلاً ليتحرك نحوها، وقف قبالتها ليمد أنامله يقبض على كتفيها في محاولة لتهدئتها، وقبل أن يلمسها أرتدت هي للخلف بعنف قائلة بعينان حمرواتين كالدماء:
- متلمسنيش..إياك تلمسني، أنتَ أيه ها؟، أنتَ فاكر نفسك أيه!!!! ملاك!!!مش بتغلط!!! أنا غلطت وعارفة كدة بس أنا حبيتك و وافقت أتجوزك عشان حبيتك مش عشان أنصب عليك، وياريتني مـ حبيتك يا أخي، أنا شوفت فِيك أبويا اللي ملحقتش أشبع من حنيته عليا، شوفت فِيك أخويا السند، وشوفت فِيك حبيبي!!!
وفي الأخر تقولي إن البنات الزبالة اللي تعرفهم أشرف مني!!!!! للدرجة دي أنا رخيصة في نظرك كدة!!!! لـيـه!!!!!
لاء و تقولي أني المكان اللي هيجمعنا السرير!!!! أنـا بـكـرهـك وبكره اليوم اللي قابلتك فيه و بـكـره نفسي عشان حبيتك!!!!!!!!
أنفجرت بالبكاء لترتجف قدميها حتى كادت أن تنهار على الأرضية ليسرع هو بإسنادها واضعاً ذراعٍ على خصرها والأخر على مؤخرة عنقها جاعلاً من وجهها مقابل لقلبه، حاولت إبعاده بوهن تردد بألمٍ:
- بكرهك...
شدد على عناقها مغمضاً العينان يتمتم بنبرة خافتة:
- شششش أهدي..
أسند ذقنه على رأسها يعانق جسدها الصغير إلى جسده أكثر، يشعر بنصلٍ حاد يمزق قلبه إرباً، ودموعها التي تغرق قميصه يجزم أن قلبه يبكي أضعافها، شعر بجسدها يرتخي تدريجياً ليعلم أنها فقدت وعيها من شدة التعب، أنحنى بجزعه ليضع ذراعٍ أسفل ركبتيها و الأخر على خصرها يحملها بخفة، مضى نحو غرفته ليدفع الباب بقدمه، وضعها على الفراش برفق، ظل منحنياً ينظر لها، مسح حبات العرق التي تكونت على جبينها ليدثرها بالغطاء جيداً، أغلق الأنوار ثم خرج من الغرفة، جلس على أقرب مقعد جاء بطريقه ليخرج لُفافة تبغ بُنية اللون من جيب بنطاله، نفث دخانها بإرهاق واضعاً كفه على مقدمه رأسه، يعلم أنه كان قاسي معها تلك الفترة، ولكنه عشقها، وهي طعنته بسكين في ظهره، حياته معها أنقلبت رأساً على عقب، من الصعب أن يخذلك من كنت تتباهى به!!!!!
• • • •
أحتضنت قدميها لصدرها نائمة على الفراش بوضع الجنين، دموعها تنهار مروراً بوجنتيها حتى الوسادة التي تنام عليها، قلبها ينزف دماً، تشعر أنها ناقصة بدونه، تشعر بأنها بـ مهب الرياح وهي ليست بجواره، لا تعلم أهو بخير أم مكروه قد أصابه، يشتاق لرؤيتها مثلما تفعل هي، قلبه ملتاع مثلها، أَم أنه بارد كعادته، لا تعلم أهي تحبه أم ذلك فقط خوفاً على زوجها، ولكنها تتيقن أنها تتألم بدونه، منذ أن أشتمت عطره بذلك البوم في الحديقة وهي على هذا الحال، تبكي ولكن بصمت، لاتظهر لأحد من القصر أنها تشتاقه، سوى "رهف" التي تعلم بنزيف روحها، تنهدت بوهنٍ لتحتضن كفيها إلى صدرها مغمضة عيناها تدعي ربنا بأن يكون بخير، شعرت بالباب يفتح لتجد "يزيد" يقفز فوقها يقبلها من وجنتيها قائلاً بسعادة:
- ديدة أنا بحبِك..
↚
أبتسمت بألم لتنهض جالسة أمامه، لترفع ذراعيها محاوطة كتفيه قائلة بنبرة خافتة:
- أنا كمان بحبك أوي يا حبيبي.. أيه رأيك نخرج النهاردة؟!!!
ربت على ظهرها بكفه الصغير ليتراقص قلبه فرحاً قائلاً ببراءة:
- بجد يا ديدة هنروح فين طيب؟!!
ابتعدت عنه قائلة بحنان:
- المكان اللي أنت عايزة يا قلب ديدة..
وضع أصبع على ذقنه يفكر في مكانٍ ما يذهبوا له، لتتوسع عيناه قائلاً بسرعة:
- عند عمو مازن!!!!!
ذبلت عيناها ليتهدل كتفيها قائلة بحزنٍ بدى ظاهراً في نبرتها:
- لاء يا يزيد شوف مكان تاني.. عمو مازن عنده شغل وهيرجع بعد كام يوم..
زم شفتيه بحزن ليعود قائلاً بعد ثوانٍ:
- خلاص يبقى نروح الملاهي..!!!
حركت رأسها بإيماءه صغيرة قائلة بعطفٍ:
- حاضر يا عمري..!!!
• • • •
أنتقلت "ملك" للقاهرة برفقة مربية المنزل "فتحية" و التي تعتبرها "ملك" كأمها الثانية، نقلت أيضاً جميع أغراضها بالغرفة بمساعدة "فتحية"، دلفت لغرفتها والتي كانت مطلية باللون الوردي الرقيق لتجلس على الفراش تتصفح صورهُ كالعادة، كم يبدو وسيماً في الحقيقة و في الصور، كم تتمنى لو كان يبادلها مشاعرها، ولكنها عزمت على نسيانه، ستنتبه لحياتها ومستقبلها ولن تفكر به، ولكن داهمها ذلك المشهد في عندما كانت بزفاف أخيها، لتتساؤل بصوتٍ يملؤه الحيرة:
- ليه عمل كدا؟!!! دة كأنه كان غيران عليا، الطريقة اللي ضرب بيها الراجل اللي كان بيعاكسني، لما قالي أن الفستان ضيّق.. الطريقة اللي مسكني بيها..كل حاجة بتدل أنه بيحبني.. لاء.. أكيد لاء ياملك متعلقيش نفسك بوهم من جديد، أنا لسة بحاول ألملم قلبي اللي كسره لما قالي أنه مش بيحبني، أيوا صح هو مش بيحبني.. أنا أخت صاحبه وعشرة عمره يعني زي أخته!!!
انا غبيه ليه ضربته بالقلم.. ربنا يستر و مش يقول لظافر عشان آآآآ..
قاطع أندماجها في الحديث دلوف "فتحبة التي جلست على الفراش بجانبها قائلة بحنو:
- أعملك وكل يابنيتي؟!!
- لاء يا دادة مش عايزة أكل انا هنام..
أومأت "فتحية" مربتة على كتفها قائلة بودٍ:
- طيب يا حبيبتي هسيبك أنا..
كادت أن تذهب لولا يد "ملك" التي تشبثت بها قائلة بنبرة يشوبها التوسل:
- دادة ممكن أسألك سؤال؟!!!
عادت لتجلس قائلة بإستفهام:
- جولي يا ضنايا؟
أبتلعت ريقها لتأخذ نفسٍ عميق، أعتدلت متربعة في جلستها لتقول بصوتٍ بدى به الألم:
- أنا.. أنا صحبتي بتحب واحد أوي، بس هو مش بيحبها.. تفتكري صحبتي دي ممكن تعمل أيه مع الراجل دة؟!!!
أبتسمت "فتحية" قائلة بدهاءٍ:
- مـ يمكن يكون هو كمان عيحبها و رايدها وهي متعرفش!!!!
جحظت عيناها قائلة:
- تفتكري يا دادة!!! بس هو قالها أنه مش بيحبها!!!!
- يا بنيتي صدجيني ياما ناس بتجول أنها متعرفش معنى الحُب، وهُما أكتى ناس يتمنوا يعيشوا الإحساس دة، لكن خلي صاحبتك تشوف عينيه، لو اللسان كدب العين عمرها م تكدب يا حبيبتي...!!!!
خفق قلبها بعنف لتضع كفها تحت ذقنها قائلة بإهتمام:
- بس في ناس يا دادة عنيهم بتبقى باردة وغامضة وكأنها لغز مش بيتحل..
- خلاص يبقى ممكن تعرف أنه بيحبها من أهتمامه بيها.. أو غيرته عليها.. حتى لو هو جال أنه مش بيحبها أفعاله ممكن تقول عكس إكده!!!!
تذكرت "ملك" ما حدث بالزفاف لتعلو وجهها أبتسامة ناصعة وقد أشرق الأمل في وجهها، لتطالعها "فتحيه" بغرابة قائلة بشكٍ وثغرها تشكّل بإبتسامة بسيطة:
- متأكدة أنها صاحبتك؟!!!
جفلت "ملك" لتتمتم بتوترٍ مفاجئ:
- ها؟ أيوا..أيوا يا دادا صاحبتي..
طالعتها بنظراتٍ ذات مغزى لتقول:
- طيب يا حبيبتي أنا هجوم أنام بجى..!!
أومأت "ملك" لتنهض "فتحية" تدلف خارج الغرفة، استلقت "ملك" على الفراش، تضم كفيها أسفل رأسها قائلة بإبتسامة:
- أيوا هو أكيد بيحبني.. وإلا مكنش ضرب الراجل دة عشاني.. أنا عارفة أكيد!!!!
• • • •
أستأذنت "فريدة" من "رُقية" لكي تخرج هي و أخيها، فـ وافقت "رقية" على الفور علها تخرج من حالتها تلك، أرتدت "فريدة" بنطال من الجينز يحدد تفاصيل ساقيها الرفيعتان، و پلوڤر باللون الوردي لتظهر بمظهر شبابي أنيق، وجعلت اخيها أيضاً يرتدي ينطال ثلجي اللون و كنزة ثقيلة تحميه من ذلك الطقس القاسي، أوصلها السائق إلى الملاهي ليترجلا من السيارة حديثة النوع، كان المكان مزدحم -كالعادة- والجميع يمرح ويلعب هنا ويضحك هناك، ليضحك أخيها بسعادة قائلاً:
- فاكرة يا ديدا لما عمو مازن جابنا هنا، ولعب معانا كمان!!!!
ابتلعت غصة عالقة بحلقها لتلتمع عيناها منذرة بدموعٍ كادت تسقط لولا أنها أغمضت عيناها بألمٍ مزق قلبُها!!!
حاولت عدم البكاء لتخطوا بأخيها داخل الملاهي، أقتربت من إحدى الألعاب البسيطة التي تناسب صِغر سن اخيها لتجعله يصعدها ووقفت تراقبه، أخبرته أنها ستذهب ولن تبتعد لكي تقوم بشراء المثلجات لهما وأمرته بعدم التحرك او النزول من اللعبة فهي لن تتأخر، وافق هو على الفور و أنصاع لها.. أبتعدت هي ولكنها كانت تراقبه بعيناها..
↚
و بنقطةٍ ليست ببعيدة عنهم.. كان يراقبها هي..بنظراتٍ ثاقبة تتفرسها، أرتفع الإدرنالين بدمه عندما نظر لما ترتديه، كوّر قبضتيه بقوة و أعصابه تهدد بالإنفلات، يريد أن يذهب لها ليحطم وجهها و يعنفها عما ترتديه، ولكنه تعاهد أن يعاقب نفسه بالإبتعاد عنها.. فقد قرر أن يذهب إلى فرنسا وقد حجز طيارته بعد ساعاتٍ فقط عندما تشرق الشمس،ولكن أراد أن يمتع بصرُه بالنظر إلى وجهها.. و إلى كل حركةٍ تصدر منها، قرر وضع حراسه بعيداً عنها لكي يراقبوها ويتدخلوا إن لزم الأمر، تأكد "مازن" من تلك المدة التي أبتعد بها عنها أنه يعشقها، متيم بها حتى النخاع، لربما هو من أضاعها بغباءه وغروره، ولكنه سيستردها بعد أن يتغير تماماً!!!!
ألتفت لكي يغادر الملاهي بقلبٍ ملكوم، ليصعد سيارته وهو يطالع ضحكاتها مع أخيها، كيف يُخبرها أنه يشتاق لها، لكل شئ صغير بها، كيف يُخبرها أنه أدرك قيمتها عندما أبتعد عنها، كيف يخبرها أن فرصةً ستكن بمثابة حياة جديدة له، سيتشبث بتلك الفرصة بكل ما أوتي من قوة، تنهد بضيق ليذهب بالسيارة سريعاً...
شعرت بقلبها ينتفض من بين ضلوعه عندما قال "يزيد" ببراءة شديدة:
- ديدا أنا شوفت عمو مازن دلوقتي!!!!!
- أيـــه!!!!!!فين يا يزيد...
أشار "يزيد" بإصبعه الصغير إلى نقطةٍ ما قائلاً:
- هو كان واقف هنا وكان بيبصلك كمان!!!!
أرتجفت أطرافها لينبض قلبها حتى شعرت أنه كاد أن يتوقف، لتلتف بسرعة ولكنها لم تجده.. بحثت بعيناها عنه ولم تجده، لتلتف لأخيها قائلة بلهفةٍ:
- بس هو مش موجود يا حبيبي..
أومأ "يزيد" وهو يردف ببساطة:
- أيوا عارف.. هو ركب العربية ومشي!!!!!
نزلت لمستواه لتتمسك بكتفيه قائلة بمقلتي أغرورقتا بالدموع:
- ليه مقولتليش يا يزيد.. ليه!!!!!
أنكس "يزيد" رأسه بحزن قائلاً:
-عشان كل م بجيبلك سيرته بتعيطي زي دلوقتي كدا!!!!!
تنهدت بحُرقة لتعتدل في وقفتها، ألتقطت كفه الصغير ليتجها إلى السيارة، أجلسته بها بجانب السائق لتسترسل له بهدوءٍ:
- لو سمحت هسيب يزيد معاك و 5 دقايق وراجعة على طول مش هتأخر..
أومأ ذلك الرجل كبير السن ذو الخصلات البيضاء قائلاً:
- تأمري يا ست هانم..
اومأت بإبتسامة لتبتعد قليلاً عن السيارة، ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها لتبحث عن رقمه بـ أنامل مرتجفة، وجدته أخيراً لتضغط على الأتصال، وضعت الأهاتف على أذنها لتسمع ذلك الرنين الذي يستنزف روحها ببطئٍ، وقع قلبها أرضاً عندما فُتِح الهاتف على الجانب الأخر..
نظر لأسمها المميز الذي يتوسط شاشة هاتفه، يريد فقط سماع صوتها قبل أن يغادر، وبالفعل ضغط على زر الفتح ليضع الهاتف على أذنه، و لأول مرة يشعر بأن لسانه معقود بمكابلٍ من حديد..
أبتلعت ريقها لتنظر أسفلها، أنهمرت دموعها الساخنة على وجنتيها تحرقها ببطئٍ، وبدون قصدٍ منها خرجت منها شهقة أفرغت مكنون قلبها المتألم، مما جعله يغمض عيناه حتى كاد أن يتراجع عما سيقوله لها، رفعت رأسها ببطىٍ لتتمتم بنبرة مهزوزة:
- مـازن!!!!!
أصدر تنهيداً مشتاقاً لأسمهزالذي يخرج من كرزتيها، لتُكمل هي:
- أنت فين؟!! ليه غاوي تعذبني؟!!!!!
إلتوى ثغره بإبتسامة ساخرة، فهي لا تعلم أنه يتعذب أضعاف عذابها، و أخيراً أسترسل بصوتٍ متحشرج بــارد:
- عايزة أيه؟!!!!
صُدمت من نبرته الجافة، لتضغط على شفتيها بقسوة، قائلة بألمٍ ظهر بصوتها:
- عايزة أيه!!!!! للدرجة دي كارهني كدا؟!!!!
- كويس أنك عارفة، أنا فعلاً بكرهك يا فريدة، وبتمنى الزمن يرجع بيا عشان مرجعش أتجوزك و أغلط الغلطة دي!!!
و كأنه لكَّم قلبها بدون رحمة، شعرت بالهواء يصفعها على وجنتيها، صفعات أفاقتها وجعلتها تعي ما حولها، لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها قوية..ساخرة مما آلت لها حياتها:
- طب مـ أحنا فيها!!!! يلا يا مازن تعالي و أرمي عليا يمين الطلاق، عشان أنا حاسة أني في مسرحية بايخة أوي عايزة أطلع منها بقا!!!!
- لاء يا فريدة، مش هطلقك..مش هديكي حُريتك، هتفضلي تحت رحمتي أنا!!!! أنا لما أزهق منك هطلقك لكن غير كدا أنتِ بتاعتي، فاهمة!!!!!
وضعت كفها على وجهها لتصرخ به بحدة:
- أنا مغلتطش لما قولت عليك مش طبيعي..أنت فعلاً مريض نفسي، وربنا هيوقعك في شر أعمالك!!! أنت بتستقوى ليه!!! فاكر نفسك أيه عشان تبيع وتشتري في الناس!!!!!، بس صدقني قريب هطلّق منك وهكمل حياتي مع حد يحبني حب نضيف!!!! مش حُب مريض زيك، أنا أستحملتك كتير.. وأستنيتك عشان قولت يمكن يكون جواك طفل صغير بتخبيه ورا قسوتك دي، بس أنت شيطان!!!! وعمرك مـ هتتغير!!!!!!
أغلقت الهاتف لتجهش بالبكاء، جلست على إحدى المقاعد الموضوعة أمام البحر بإنهيارٍ حقيقي، كوّرت كفها لتضعها على فمها تكتم شهقاتٍ تسحب الهواء من رئتيها، لتضرب المقعد بكفها الأخر بهستيرية مرددة" غبية..غبية وهتفضلي طول عُمرك ساذجة"،ظلت هكذا عدة دقائق لتنهض بوهنٍ وهي تشعر برأسها تدور بها، زاغت أنظارها وهي تعود للسيارة ببطئٍ، لتصعد بجانب "يزيد" الذي غلبه النعاس فنام، تحرّك السواق سريعاً ليصل للقصر!!!
• • • •
ترجل من السيارة واضعاً يده على قلبه مغمضاً عيناه بألمٍ، فقد عاد قلبه يؤلمه من جديد، أستند على السيارة ليتذكر عندما ذهب للطبيب منذ يومان لكي يفحص نفسه بشكلٍ عام، لاسيما عندما بدأ يشعر بإغماء كثير الفترات الأخيرة، وقلبه الذي يؤلمه أحياناً كثيرة، بالإضافة إلى صعوبة التتفس، وبالفعل حدث ما توقعه، هو مُصاب بـ مرض القلب الوعائي، وتنجم امراض القلب الوعائية عن تضيّق أو تصلب في الأوعية الدموية، تؤدي إلى عدم تلقـّي القلب، والدماغ أو أعضاء أخرى في الجسم كمية كافية من الدم، و أخبره الطبيب بضرورة القيام بعملية جراحية، ولكنه لا يريد القيام بها، فلماذا سيصارع لكي يحيا، ما هدفه بتلك الحياة، بعدما رمى بوجهها تلك الكلمات القاسية، كان يريد أن تكرهه ولا تنتظره، فهي من الواضح أنها عشقته مثلما فعل هو، لهذا لا يريد أن تتعلق به، يريدها أن تتقبل أمر أنه بنسبة كبيرة سيغادر تلك الحياة ولن يعود!!!!!
↚
"صدمتكوا ها؟😂😂"
• • • •
ترجلت من السيارة بأقدامٍ رخوية، بالكاد تستطيع السير عليهما، تاركة السواق يجلب أخيها، أستندت على باب القصر لتطرق بوهنٍ، فتحت الخادمة الباب سريعاً لتجد "فريدة" بحالة يُرثى لها، ولكن لم تستطيع قدميها أن تحملها أكثر لتسقط مغشياً عليها لتصتدم رأسها بالأرض محتضنة إياها، صرخت الخادمة بفزع:
- فـريـدة هـانم!!!!!!
جاءت "رقية" على صوت الخادمة لتصتدم بـ "فريدة" مرتمية على الأرض، لتضرب بكفيها على صدغيها صارخة وهي تميل عليها محاولة إفاقتها:
- فريدة!!!! فريدة جومي يابنتي!!!! مالها فريدة يا بت!!!!
تمتمت الخادمة بلكنتها الصعيدية:
- مش خابرة يا هانم أنا فتحتلها الباب لجيتها أترمت على الأرض إكده...
صرخت بها "رُقية" بعنف:
- أنتِ لسة هترغي معايا عاد، روحي أتصلي بالدكتور ياجي بسُرعة يا بت!!!!!
• • • •
لامست قدميها الأرضية الباردة، مُزيحة ذلك الغطاء عن جسدها، ليرتعش جسدها من برودة الشتاء التي لا تَرحم، بحثت عنه ولكنها كالعادة وحيدة بين تلك الأربع جدران، ألقت نظرة على غرفة المكتب والتي كانت بحالة يُرثى لها لتغمض عيناها لا تستوعب مدى غباءها وما فعلته، نظفت الغرفة تعيد ترتيبها في وقتٍ قياسي، ثم بدّلت ملابسها إلى بلوڤر طويل يصل إلى ما قبل ركبتيها، وأرتدت بقدميها حذاء قطيفة خاص بالشتاء، مشطت خصلاتها الطويلة لتجلس أمام التلفاز بهدوءٍ، وجدت الباب يدق بسرعة لينتفص جسدها، فـ هو بالتأكيد لن يدق الباب لأن المفتاح بحوزته دائماً، فمن سيأتي هُنا!!!، أزدادت الطرقات علواً لتنهض ببطئٍ، أستندت بأذنها على الباب قائلة بحذرٍ:
- مين؟!!!!
- أفتحي يا ملاذ!!!!
جحظت عيناها بقوة لترتعش أطرافها، قائلة بصدمة جلية على وجهها:
- عــمــاد!!!!!!!!
أبتلعت ريقها لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها حادة كعادتها:
- أنتَ أيه اللي جابك هنا، وعرفت مكاني أزاي!!!!
قال "عماد" بنبرة خبيثة لم تنتبه لها "ملاذ" :
- أفتحي بس اكيد مش هنتكلم من ورا الباب..
هتفت بنبرة حادة:
- أنت فاكر أني هفتحلك الباب!!!! تبقى بتحلم!!!!
تأفف بضيق لتخطر على باله فكرة ستنطلي عليها، ليهتف بنبرة جادة:
- أنا جايلك بخصوص براءة!!!!
قطبت حاجبيها لتندفع بتهورٍ تفتح الباب سريعاً قائلة بإندفاع:
- مالها براءة!!!!!
أندفعت عيناه تتفحصها لتشعر "ملاذ" بالخطر يحدق بها، لعنت نفسها لغباءها لتقول بحدة شديدة:
- عماد رُد عليا!!!!!!!!! في أيه!!!!
دفعها "عماد" فجأة لترتد "ملاذ" للخلف حتى كادت أن تقع أرضاً، ليغلق هو الباب قائلاً بنبرة ماكرةٍ وهو يتفحصها من الاعلى للاسفل
- في أنك بقيتي زي القمر يا حبيبتي!!!!!!
لم تتردد "ملاذ" ليهوى كفها على وجهها بقوة جعلت وجهه يلتفت للجهة الأخرى، مما جعل الدماء تفور بعروقه ليجذبها من خصلاتها بعنف قائلاً بغِل:
- أنتِ أتجننتي يا **** بتضربيني أنا!!!! قسماً بالله يا ملاذ م هتطلعي من تحت إيدي سليمة الليلة دي!!! مش كفاية بقالي أكتر من 3 سنين شغال مرمطون ليكي!!!! بس أنا هاخد حقي منك النهاردة!!!!! هعمل الحاجة اللي كان نفسي أعملها من زمان!!!!!
حاولت إزاحة كفه الغليظ عن خصلاتها ولكنه فاجئها بصفعة جعلت شفتيها تنزف!!!! تليها عدة صفعات وسط صراخ "ملاذ"!!!!!!
"ظافر هيظبُطك يا معلم"🙂
وبالأسفل.. ضغط "البواب" على أزرار هاتفه القديم ليهاتف "ظافر"، وبالفعل أجاب "ظافر" قائلاً :
- في أيه؟!!!
هتف البواب بقلقٍ:
- بقولك يا باشا في واحد كدا طلع من شوية الدور اللي فيه المدام، وقالي أنه أسمه عماد!!!!!!
أنتفض "ظافر" بصدمة قائلاً:
-أيــــه!!!!!!!! عــمــاد!!!!!!قول للحراس بتوعي يطلعوا يكسروا الباب ويجيبوا الـ**** دة و أنا جاي حالاً
وبالفعل أتى "ظافر" يسبق الرياح في سرعته، توقف بسيارته أمام البناية ليترجل منها تاركاً باب السيارة مفتوحاً على مصرعيه، ركض داخل البناية ليصتدم بالبواب الذي قال بلهفة:
- يابيه الحراس كسروا الباب وجابوا الواد و هو معاهم دلوقتي تحت!!!!
أومأ "ظافر" قائلاً و هو يصعد الدرج بسُرعة:
- أوعى يهرب منكوا.. لو هرب هقتلكوا كلكوا فاهمين!!!!!
صعد "ظافر" ليجد باب الشقة نصف مفتوح، يقتحم المنزل ليجدها جالسة على المقعد جسدها باكمله يرتجف، وجهها غُرق بالبكاء و شهقاتٍ عالية تصدر منها، جسدها ينتفض بين اللحظة والأخرى من شدة البكاء، أندفع ليجلس القرفصاء أمامها محاوطاً وجهها المبتل قائلاً بلهفة وقلقٍ و هو يتفحصها:
- ملاذ!!!! أيه اللي حصل، أبن الـ****** عملِك حاجة؟!!!!
جالت عيناه على وجهها ليجد طرف شفتيها مُلطخة بدماءٍ جافة، صدغها الأيمن متورم شديد الإحمرار، أطلق سبّه نابيه بها توعدٍ عما سيفعله به، لترفع عيناها الباكية له، ثم أنفجرت في بكاءٍ عالٍ، مرتمية في أحضانه بقوة، تتشبث في عنقه كالطفلة مصدره عدة شهقات باكية، مسح على ظهرها و خصلاتها ليقبلهما قائلاً بحنو:
- بس يحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص أنا معاكي محدش هيقربلك!!!!!!
↚
ابتعدت عنه قائلة في محاولة للتحدث لتخرج نبراتها مصحوبة بشهقات أستنزفت روحه:
- أنا.. أنا والله مكنش قصدي.. أ.. أفتحله الباب مكنتش أعرف أنه هيعمل كدا.. والله يا ظافر!!!!!
أمسك بكفيها الصغيرتان ليقبلهما قائلاً بحنان و هو يمسح على وجنتيها:
- عارف يا حبيبتي والله عارف!!!!
حاوطت عنقه مجدداً لتدفن أنفها بتجويف رقبته، شعرت أن "ظافر" القديم والذي عشقها وعشقته هي عاد من جديد، ليربت هو على رأسها مقبلاً صدغها الأحمر بتوعد به بأبشع عقابٍ قد يتلقاه بحياته، وبالفعل قال بنبرة مخيفة:
- ورحمة أبويا هدفعه التمن عُمره!!!!!
أبتعدت عنه لينهض هو جالساً بجانبها ممسكاً بكفيها قائلاً بعطف:
- قوليلي يا حبيبتي براحة أيه اللي حصل بالظبط من الاول..؟؟
أومأت لتقص عليه ما حدث منذ البداية بنبرة خائفة من ردة فعله، إلى أن الدفئ لازال يقبع في عيناه، ليومأ بعدها بهدوءٍ قائلاً بلطف:
- انا رايحله دلوقتي، متفتحيش لحد و أنا مش هتأخر..!!!!
نفت بقوة لتتشبت بذراعه قائلة:
- لاء يا ظافر متسيبنيش، متوديش نفسك في داهية عشانه عشان خاطري!!!!
ربت على كفيها الموضوع على ذراعه ليميل مقبلاً جبينها، ثم نزع كفيها عن ذراعه لينهض غالقاً الباب خلفه، تاركها تجلس على جمرٍ مشتعل
• • • •
وبالفعل ذهب "ظافر" إلى المخزن ليجد حراسه قد قاموا بـإكرامه على أكمل وجه، وجد وجهه متورماً من كثرة الضرب وجسده ليس به جزءاً سليماً، إلى أن رعبه زاد أضعاف عندما رأى "ظافر" أمامه، ليزحف للخلف قائلاً برعبٍ حقيقي:
- صدقني يا بيه هي اللي كلمتني وقالتلي تعالي أنا جوزي مش في البيت!!!! صدقني هي اللي أغرتني عشان أروحلها!!!!!!!
أبتسم "ظافر" بقسوة ليميل له يجلبه من ياقة قميصه، نهض "عماد" وقدميه يرتجفان، ليلكمه "ظافر" بوجهه بقسوة، كاد أن يسقط ولكن "ظافر" أعاد الكُرة حتى بصق "عماد" دماً من فمه، امسكه "ظافر" من جديد ليدفع بركبته ملكماً إياه بأسفل بمعدته ليسقط أرضاً متآوهاً بعنف، سدد له عدة لكمات أخرى بأنحاء متفرقة بجسده، وبقسوة شديدة وضع حذائه اللامع على وجهه ليبكي "عماد" من فرط الذل الذي يعانيه، ليلكمه "ظافر" بوجهه بحذائه مما جعله يبثق أسنانه، لم يكتفي "ظافر" بل مال عليه صافعاً إياه عدة صفعات قاسية على وجهه يسُبه بأفظع السباب!!!!!، لُطخ قميصه بالدماء ويده أيضاً ولم يتركه سوى و هو مغشياً عليه، ليقول إلى حراسه:
- أرموه قدام أي مستشفى!!!!!
تركهم ليذهب إليها بسيارته، صعد بالمصعد ثم دسّ المفتاح بالباب ليدلف، وجدها تنتفض واضعة كفها على فمها بصدمة من قميصه المُغطى بالدماء لتقول بفزعٍ:
- ظافر أيه الدم دة!!!!!
حرر أزرار قميصه واحداً تلو الأخر لتقول "ملاذ" ببكاءٍ:
- أنت قتلته مش كدا؟!!!!!!
وقفت خلفه و هو ينزع القميص لتردف برجاءٍ:
- ظافر عشان خاطري سيبه متوديش نفسك في داهية..
كان جوابها الصمت المميت، تحرك "ظافر" نحو المرحاض ليدلف له بهدوءٍ، تاركها تجلس على الفراش لتنهمر الدموع من عيناها!!!!
بعد فترة خرج يلُف منشفة حول خصره، تاركاً قطرات الماء تتسابق على جسده ، لم يجدها بالغرفة ليتنهد بصبرٍ، أرتدى ملابسه المكونة من بنطال و "سويت شيرت" ثقيل، ليخرج من الغرفة متجهاً نحو غرفتها، فتح الباب ليجدها مستلقية على الفراش متدثرة بالغطاء حتى أعلى رأسها.. تنبعث منها شهقاتٍ خفيفة توحي أنها تبكي، أقترب من الفراش ليجلس بجوارها، نزع الغطاء عن رأسها قائلاً بهدوء:
- مش هتعرفي تتنفسي كدا..
نهضت لتجلس على الفراش قائلة بيأسٍ:
-خليني أموت عشان أرتاح بقا..
قطب حاجبيه بغضبٍ قائلاً بحدة طفيفة:
- بعد الشر عليكي، إياكي أسمع الكلام دة منِك تاني...
نظرت له بحبٍ لتمسك بكفه الأسمر قائلة بنبرة يشوبها البكاء:
- عارف يا ظافر.. رغم كل اللي حصل أنا لسة حاسة أني في أمان معاك..لسة حاسة أني لما ببقى جنبك محدش في الدنيا يقدر يأذيني..
أومأ بهدوءٍ مربتاً على كفها، ليردف بنبرة دافئة:
- أنا أسف على اللي قولتهولك مكنتش أقصد، أنا عارف أن كلامي وجعِك بس أنا فعلاً كنت متعصب شوية.. متزعليش مني..
تركت كفه متذكرة ما قاله لها، لتضم ركبتيها إلى صدرها مستندة بذقنها على رأسها، تاركة خصلاتها الطويلة تسترسل حولها، لتقول بنبرة حزينة:
- أنت عارف كلامك عمل فيا أيه؟!! أنا حسيت كأنك جبت سكينة تِلمة وقطعت فيا، أنا حسيت وقتها أني رخيصة أوي في نظرك!!!
لم يكُن بوسعه سوى أن يجذبها إلى أحضانه، لتتشبث بقميصه تاركة العِنان لدموعها، ظلت تبكي بصمتٍ حتى غفت بأحضانه، ليجعلها تستلقي في وضعٍ أكثر أريحية، تنام بين أحضانه، و هو يشعر أن هو من يحتاج ذلك العناق، ظافر سرحان الهلالي" يعلن أنه يصبح طفلاً بين يداها!!!!!!
• • • •
نائمة على الفراش بسكونٍ تام، وكأنها فارقت الحياة، تلتقط أذنيها عبارات الطبيب التي رنّت في أذنها:
- واضح كدا أن المدام مُرهقة، في ضغوطات عليها خليتها مش قادرة تستحمل، ومناعتها كمان ضعيفة انا هكتبلكوا على ڤيتامينات تاخدها عشان تقوي جسمها شوية، ولازم تهتموا بأكلها كويس
فتحت جفونها التي برّقت بالدموع، لتجد "رقية" تربت على رأسها قائلة بنبرة حزينة:
- جلبي واكلني عليكي ياضنايا، فيكي أيه ياحبيبتي..؟!!
حاولت الجلوس لتساعدها "رُقية" و "رهف"،أمسكت برأسها قائلة بنبرة واهنه:
- سيبوني لوحدي..!!
حاولوا الإعتراض عن تركها وحيدة وهي في تلك الحالة ولكنها أصرّت على ذلك.. ليخرجوا بالفعل تاركين إياها، نهضت "فريدة" من على الفراش لتقف أمام المرآة، تطالع وجهها الباهت، حدقتيها المنطفئة، وجسدها الهزيل، لتتحرك شفتيها قائلة بسُخرية:
- طب وبعدين يا فريدة؟!! هتفضلي كدا قاعدة مستنياه!!!، هتفضلي بتعيطي لحد من يحن عليكي ويرجع؟!!! أيه اللي جرالك أنتِ عُمرك مـ كنتي ضعيفة بالطريقة دي!!!!، أوعي تكوني حبتيه، مينفعش تحبيه يافريدة، اللي زي دة مش بيعرف يحب..معندوش قلب أصلاً عشان يحب بيه، أوعي توقعي نفسك في الحفرة بتاعته، أنتِ فاكرة أنه حبِك؟!! لاء فوقي!!! هو أتجوزك من الأول عشان هدف واحد، بس مبقاش أنا يا مازن إن ما خليتك تندم على الكلام اللي قولته، على الطريقة اللي عاملتني بيها، مبقاش أنا يابن الهلالي!!!!!!
• • • •
- أنتَ جايلك قلب تسيب مراتك كدا أزاي يا بني آدم أنت!!! بقولك أُغمى عليها النهاردة والدكتور قال أنها مش كويسة، أرجع بقا أنت كدا بتعذب نفسك وبتعذبها!!!!
قال "باسل" بنبرة حادة ممسكاً بهاتفه يقف في الشُرفة، بعدما تأكد من عدم وجود "رهف" بالغرفة..
ليتنهد "مازن" قائلاً:
- هرجع يا باسل.. هرجع بس مش دلوقتي!!!!! المهم محدش يعرف أن أنت وظافر عارفين مكاني مش كدا؟!!!
قال "باسل" بتنهيدة حارة:
- أيوا محدش يعرف طبعاً، أنت مسافر فرنسا أمتى؟!!!
↚
- أنا خلاص بجهز شنطتي ورايح المطار.. باسل، خلي بالك منها ومن يزيد، أنا مش عارف إذا كنت هلحق أرجعلها ولا لاء!!!!!
شعر "باسل" بشئٍ سئ أصاب أخيه، ليقول محاولاً سبر أغوار عقله:
- قصدك أيه ياض؟!!! أنت مخبي عليا حاجة صح؟!!!
نفى "مازن" قائلاً:
- لاء يا عم هخبي عليك أيه يعني، وبعدين سلام بقا عشان الطيارة متفوتنيش.
-طيب.. خُد بالك من نفسك، سلام.
أغلقا معاً ليعود "باسل" مرتمياً على الفراش بنعاسٍ، ليجد "رهف" أقتحمت الغرفة صارخة به:
-بـــاســـل!!!!!!
أنتفض "باسل" صارخاً بها بصوتٍ رجولي:
- فـي أيـــه يا بنت الهبلة!!!!!!!
أنفجرت "رهف" بالضحك لتقفز فوقه على الفراش تمسك بوجنتيه السمراء قارصة عليهما قائلة بمرحٍ:
- أتخضيتي يا بسِلة؟!!!
نفض كفيها بعنف قائلاً بصرامة:
- بتهزري مع أبن أختك يا ظريفة؟!!!!
ضربت طرف أنفه بأنامله لتقول بإبتسامة طفولية:
- خلاص متزعلش يحبيبي...
حاوط خصرها بذراعه المفتول ليقلب الكُرّة جاعلاً منها أسفل جسده جاعلها تشهق بصدمة، قال بخبثٍ:
- لاء أنا لسة زعلان..!!!!
حاوطت عنقه لتردف بإبتسامة متغنجة:
- طب وحبيبي أرضيه أزاي بقا؟!!!
مال بثغره على أذنها ليهمس بمكرٍ بكلمات جعلتها تشهق بعنف لتضربه على كتفيه قائلة بحدة:
- أنا الظاهر أتجوزت واحد قليل الأدب أوي!!!!
قهقه ملء فمه ليردف بخبثٍ حقيقي:
- لاء وواطي ومشوفتش دقيقتين تربية على بعض ياحبيبتي..ها؟!! قولتي أيه!!!!
نفت سريعاً قائلة بصرامة:
- لاء مستحيل يا باسل والله عيب كدا..
مال مقبلاً وجنتيها الساخنة من شدة الخجل، ليقول بنبرة خافتة أذابتها حرفياً:
- عيب أيه يا حبيبتي أنتِ مراتي مش شاقطك!!!!!
تأففت بضيق لتعض أصابعها قائلة ببراءة:
- طب أنا هلبسُه وبعد 5 دقايق هقلعه ع طول تمام؟!!
ضحِك من قلبه ولأول مرة يدخل بنوبة ضحك كهذه ليعود برأسه إلى الخلف من شدة ضحكاته، ثم عاد مطالعاً شفتيها المزمومة ليهمس بإبتسامة:
- دي الحاجة اللي أضمنهالك برقبتي طبعاً يارهف!!!!!
وضعت كفها على فمها بصدمة لتقول بعدم أستيعاب:
- أنت بجد قليل الأدب يا باسل أوي!!!!!
أبتسم بشقاوة لينهض من فوقها، ثم جلب ذراعها ليجعلها تنهض أيضاً، نظر لعيناها قائلاً بنبرة بنبرة لا تقبل نقاشاً:
- هو عندك في الدولاب، أدخلي ألبسيه يلا..
ضربت الأرض بقدميها بغضبٍ، لتجلبه من الخزانة ثم دلفت لغرفة تبديل الملابس، كان قميص للنوم باللون الأحمر الذي عزز بياض بشرتها قصير عاري تمام، لم يستر شيئاً من منها، كادت "رهف" أن تبكي من شدة خجلها لا تصدق أنه سيراها هكذا، ارتدت مئزر القميص سريعاً ليسترها ، فردت خصلاتها لتضع أحمر شفاه قاني، خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها لتجده يعطيها ظهره العاري بيده لُفافة تبغ ينفث دخانها، ألتفت لها على حين غُره،ليقترب منها ببطئٍ، كانت تبتعد هي عشرات الخطوات بعيداً عنه حتى أصتدمت بجدارٍ منيع خلفها، ليحاصرها "باسل" بذراعيه، ينظر لعيناها البندقية، ثم رفع أنامله يحاوط وجهها، يميل بشفتيه على وجهها، يطبع قبلاته على كل إنشٍ بوجهها المستدير، لتذوب "رهف" من رقة لمساته...
• • • •
شَعر "ظافر" بإرتجاف جسدها بين يداه، مع تقطيبة حاجبيها والعرق الذي تصبب من جبينها، لتتشبث بقميصه برُعبٍ تهمس بخفوت شديد:
- لاء.. ظافر، ظافر متسيبهوش يعمل فيا كدا يا ظافر لاء!!!!!
حاوطها "ظافر" مشدداً على عناقها متمتماً بقلق شديد:
- شششش بس ياحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص دة مجرد كابوس..
أنتفضت "ملاذ" برُعب لتفيق على همساته الحنونه، حاوطت عنقه لتترك رأسها مُخدره على كتفه هامسة ببكاء:
- ظافر أنا خايفة!!!!!
حاوط خصرها بقوة ليقبل خصلاتها قائلاً بنبرة دافئة:
- إياكي تخافي و أنتِ معايا!!!!! و رحمة أبويا مـ حد يقدر ييجي جنبك و أنا عايش!!!!!!
شددت على عناقه أكثر لتهمس بخفوتٍ:
- عارفة...
أستلقى على الفراش ورفض تركها، جاعلاً رأسها على قلبه ماسحاً على رأسها، تلك الحرَكة التي تخدرها، تجعلها تنام بسُرعة البرق، وبالفعل نامت "ملاذ" ليغفي "ظافر" أيضاً بجوارها..!!!
• • • •
نهضت "ملك" بحماسٍ شديد، وقفت أمام خزانتها لتفكر ماذا سترتدي..وقعت عيناها على حلةً جلدية لتلتقطها، أرتدت أسفلها بنطال فضفاض من الجينز، ثم أخفت خصلاتها الحريرة بحجابٍ باللون الكشمير الرقيق، أخذت حقيبتها لتضع بها مستلزمات الجامعة، ثم لم تضع سوى أحمر شفاه خفيف اللون، لتتجه خارج الغرفة، داهمتها رائحة طعام شهية للغاية لتُغمض عيناها تاركة تلك الرائحة تتسلل إلى جوارحها، لتتجه إلى المطبخ على الفور قائلة بحماسٍ:
- عاملة أكل أيه النهاردة يا دادة؟!!!
↚
ألتفتت لها "فتحية" لتضربها على رأسها بخفة قائلة بمزاحٍ:
- يابت جولي صباح الخير الأول!!!!!
زمت شفتيها بعبوس لتعود مبتسمة قائلة وهي تشرأب برأسها تنظر للأواني أمامها:
- صباح الخير ياقمر..
ضربت "فتحية" كف على الأخر قائلة بحسرة:
- البت أتچننت..
ثم أكملت بصرامة زائفة:
- اوعي يابت عشان أحضرلك الفطار جبل مـ تمشي..
خرجت سريعاً من المطبخ ت قائلة بصوتٍ عالي حتى تسمعها:
- لاء يا دادة أنا همشي مش عايزة أتأخر على المحاضرة بتاعتي..!!!وبعدين ريم مستياني تحت البيت...
خرجت "فتحية" راكضة ورائها تقول:
- أستني يا ملك..!!!!
ألتفتت "ملك" لها قائلة بإهتمام:
- أيوا يا دادة؟!!!
أقتربت "فتحية" منها تقول بحذرٍ وهي تربت على كتفيها:
- خلي بالك يابتي أنا مش برتاح للي أسمها ريم دي أبداً!!!!!
قطبت"ملك" حاجبيها بغرابة لتسألها:
- طب وأنتِ تعرفيها منين يادادة؟!!!!
- أنتِ ناسية يابتي أنها كانت بتچيلك القصر، و أنا كنت بحس أنها بتيچي عشان تلعب على مازن أخوكي..بلاش ياضنايا الصاحبة اللي زي دي!!!!!
أعتقدت "ملك" بأنها تتوهم سلوك صديقتها الحبيبة، لتقول بسذاجة:
- يا دادة دي ريم دي حتة سُكرة وجدعة أوي!!!!، وعلى العموم متقلقيش أنا هاخد حذري منها.
• • • •
تأففت المدعوة "ريم" بغلٍ لتقول بنبرة مليئة بالحقد المتوقد بنيران مستعرة داخلها:
- يا ساتر أما باردة بشكل!!!! هفضل واقفة مستنية الهانم كدا!!!! يلا إن كان لك عند الكلب حاجة قوله ياسيدي، أهي بتوصلني بعربيتها ورحماني من المواصلات وقرفها!!!!!!
وجدتها تخرُج من البناية لتصتنع إبتسامة صفراء على الفور، ثم إتجهت لها لتحتضنها بحُبٍ زائف قائلة:
- وحشتيني أوي يا لوكا!!!!! عاملة أيه يا حبيبتي!!!!
بادلتها "ملك" العناق على الفور لتقول ببراءة حقيقة:
- انتِ كمان يا ميمو وحشتيني أوي والله!!!!
أبتسمت "ريم" لتبتعد قائلة بعجالة:
- طب يلا بقا بسرعة عشان منتأخرش ع المحاضرة.. العيال بيقولوا ان الدكتور أتغير وجِه مكانه دكتور سخيف جداً مش بيرحم حد!!!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج لتتجه لسيارتها قائلة بضيق:
- أصلاً المادة صعبة وكمان يجيلنا دكتور يكرهنا فيها أكتر!!!!! يلا أركبي..
أستقلتا السيارة لتقود "ملك" سريعاً..!!!
وصلا للجامعة لتصف "ملك" سيارتها، ثم ترجلتا منها ليتجها معاً للداخل، شعرت "ملك" ببطنها تؤلمها من شدة الجوع لتقول إلى "ريم" سريعاً:
- بقولك أيه يا ريم أنا مفطرتش..روحي أنتِ المحاضرة بسُرعة و أنا هجيب حاجة من الكافتريا أكلها على طول مش هتأخر..
حذرتها "ريم" قائلة:
- طب متتأخريش يا ملك..
أومأت "ملك" سريعاً لتتجه إلى الكافتريا..أخذت شطيرة من الشاورما لتقضم نصفها بشراهة، ثم وضعت النصف الأخر بحقيبتها ثم أخذت تركض إلى المحاضروة، لتكتم شهقة متألمة كادت أن تخرج من فِيها لقدميها التي أُديرت بشكلٍ مُفاجئ حتى كادت أن تسقط على الأرض لولا توازن جسدها، أنحنت لتتفحص قدمها لتجدها قد تورمت مع إحمرار شديد بها، تحاملت على نفسها لتتحرك ببطئ حتى وصلت إلى المدرج، دلفت بخطوات متعرجة بحرجٍ لتردف بعد أن شعرت بأنظارهم موجهة لها:
- أنا أسفة يا دكتور على التأخير بس أنا آآآ...
ألتفت لها أستاذها الجامعي، كان ذو جسدٍ بدين يرتدي نظارة دائرية، كانت عيناه تقدح غضباً، ليسترسل بها بنبرة عالية:
- و أنتِ لسة فاكرة تشرفي؟!!! أتفضلي برا أنا محدش يدخل بعدي!!!!! و أعملي حسابك أنك شايلة المادة بتاعتي، يلا برا!!!!!!
برقت عيناها بالدموع فـ بالإضافة لقدميها المتورمة يأتي هو ليُزيدها أكثر عليها، ألتفتت لتذهب وسط همسات الطُلاب، لتخرج سريعاً من المُدرج، جلست على الدرج لتتفجر بالبكاء كطفلة صغيرة أضاعت طريقها، بحثت في حقيبتها عن هاتفها لتخرجه، عبثت بشاشته ثم حاولت الإتصال بـ "ظافر"، ولكن لسوء حظها وجدته مغلق، هاتفت "باسل" أيضاً ولكنه لم يرد، ثم أخذت تنظر إلى رقمه بحيرة، وبالفعل ضغطت عليه، وضعت الهاتف على أذنها بترددٍ، ليقع قلبها أرضاً عندما سمعت صوته الرجولي يردف:
- مَلَك!!!!!!!
لا تعلم لما شعرت بأنها تريد البكاء، فـ لمجرد سماع صوته بالهاتف أخذت عبراتها تنهار على وجنتيها، لتطلق شهقاتٍ باكية جعلته ينتفض من مكانه قائلاً بصوتٍ عالٍ:
- أنتِ بتعيطي!!!! أنتِ فين قوليلي عشان أجيلك!!!!!
مسحت دموعها لتردف بنبرة باكية:
- أنا في جامعتي هنا في القاهرة..
أخذ مفاتيح سيارته من على مكتبه ليقول سريعاً:
- طيب أنا جايلك متتحركيش من عندك سامعة!!!!!
- حاضر..
• • • •
أستقل سيارته ليتحرك سريعاً، وكأنه يسابق الرياح، فصوت بكائها كافي بجعله يصبح أشبه بالمجنون، ضغط على المقود بشدة حتى أبيضت مفاصله، ليصل بالفعل أمام الجامعة في وقتٍ قياسي، دلف ليهاتفها حتى يعلم أين هي، شرحت له مكانها ليصل لها، وجدها جالسة على الدرج عيناها حمراء منتفخة أثر بكائها، ليجلس القرفصاء أمامها ممسكاً بكفيها، يقول بصرامة:
- مين بقا اللي مخليكي في الحاله دي عشان هشلفط وش أمه دلوقتي!!!!!
أزداد بكائها أكثر لتقول بنبرة حزينة:
- الدكتور طردني من المُدرج عشان أتأخرت وقالي أني هشيل المادة..!!!
ثم أشارت إلى تورم كاحلها قائلة بنبرة بريئة:
- بس أنا والله رجلي أتشنجت ومش عارفة أمشي عليها من ساعتها، والله مكنتش أقصد اتأخر يا جواد!!!!!
نظر إلى قدمها المتورمة ليعود بأنظاره إليها قائلاً بصرامة:
- فين رئيس المخروبة دي؟!!!!
نفت برأسها لتمسح بأناملها دموعها قائلة:
- لاء يا جواد أنا عايزة أمشي بس لو سمحت..!!!
أزداد علو صوته قائلاً بحدة وهو ينهض:
-ملك ملكيش دعوة بالموضوع دة دلوقتي!!!!، دة بقى يخصني أنا..!!!!!
أستندت على مسند الدرج لكي تقف ولكنها أطلقت شهقة متألمة لتستند بعفوية على كتفه، أمسك هو ذراعها قائلاً بلهفة:
- على مهلك..!!!!
أمسك بكفها ليحاوط بذراعها عنقه، أعترضت هي على فعلته قائلة:
- لاء سيبني أنا هعرف أمشي!!!!
لم يعيرها أهتمامٍ لينزل بها على الدرج برفق، حاولت أن تُبتعد عنها قائلة:
- يا جواد...
↚
-مـ تهدي بقا!!!!!!
قال بصرامة موجهاً لها نظرات حادة جعلتها تصمت، تُخفي إبتسامتها عنه، تيقنت الأن أنها لا تحبه..بل تعشقه!!!!!!
• • • •
أتجهوا بالفعل لغرفة الرئيس الجامعي، و عِندنا علِم بهوية "جواد" فُزع من سلطاته، ليأمر سريعاً أستاذها الجامعى بالحضور على الفور، وبالفعل حضر، وفور أن دَلف للمكتب رمقها بنظرة مشمئزة لييقف أمام الرئيس قائلاً بهدوء:
- حضرتك طلبتني في حاجة يا فندم؟!!!
- أيوا فيه يا أستاذ مُنير، أيه اللي صدر من التلميذة بتاعتك دَفعك تعاملها بالإسلوب دة...
وضع "جواد" قدمٍ على الأخرى لينفث سيجارته بتركيز بينها هي بجواره على مشارف البكاء، ليهتف المدعو "مُنير" قائلاً بفظاظة:
- بصراحة يا فندم الهانم فاكرة أنها جامعة أبوها تدخل وقت مـ هي عايزة وتخرج وقت مـ هي عايزة جيالي متأخرة على المحاضرة و واضح كدا أنها أنسة مش محترمة و آآآ....
لم يشعُر "مُنير" سوى بلكمة جعلته يرتمي أرضاً، تليها عدة لكمات قوية جعلته قاب قوسين أو أدنى من الموت!!!!!!!.
وسط عيناه التي تقدح شرراً، يقف بهيبة واضعاً كفيه بجيب بنطاله، ليخرجهما نازعاً سترته التي ربما تقيد حركته، لتنظر له "ملك" بخوفٍ مما هو مقدم عليه، ليشمر عن ساعديه التي ظهرت بهما العروق جلية ثم أخذ يتقدم منه متأهباً للإنقضاض، وقف أمامه ليتراجع الأخير خوفاً، ولكنه لم يعطيه الفرصة للفرار، ليرفع ركبته ضارباً بها بأسفل معدته، تلوى الأخير ألماً ليرتمي على الأرضية صارخاً بوجعٍ، سدد له "جواد" العديد من اللكمات التي جعلته يتقيئ دماً، لينحنى لها يمسك به من تلابيبه بكفٍ، والأخر يلكمه بها بقوة جعلته يكاد يبصق أسنانه، ليُقبل كفه هاتفاً برعب:
- أخر مرة ياباشا والنبي!!!! أبوس إيدك!!!
جحظت"ملك" برعبٍ لتهرول نحو "جواد" متحاملة على قدميها تتمسك بذراعه قائلة برجاءٍ لتترقرق الدموع بعيناها:
- جواد كفاية عشان خاطري خلاص!!!!!
أزاحها من أمامه بلطفٍ ليرمي بكلماته على المرتمي أسفل قدميه:
-مشوفش وش أمك هنا!!!!!
أومأ الرجل سريعاً بإرهاق ليلتفت "جواد" للمدير الذي وقف بعدم أستيعاب لما يحدث بمكتبه، ليهدر "جواد" به بعنفٍ:
- أطلب الأمن يرموه برا!!!!
أومأ المدير سريعاً ليرفع سماعة هاتفه الأرضي يطلب من الأمن المجئ..
جذب"جواد" رسغها ليسحبها خلفه بضراوة، سارت معه بإستسلام لترى جميع الأنظار تلتفت لهما، منهما "ريم" التي ركضت لهما، أمسكت بـ "ملك" قائلة بفزع :
- ملك أنتِ كويسة أيه اللي حصل!!!؟
ربتت "ملك" على يدها قائلة بوهن:
- أنا كويسة ياريم متقلقيش!!!!
رفعت "ريم" أنظارها إلى "جواد" تطالعه بإعجابٍ، لتمد يدها له قائلة بنظراتٍ يعملها جيداً:
- أنا ريم صاحبتها!!!!
نظر ليدها المُعلقة بالهواء بسُخرية ليقول بنبرة متهكمة:
- أهلاً!!!!
ثم شدد على ذراع "ملك" ليسحبها خلفه تاركين "ريم" يجن جنونها!!!!
• • • •
سارت "ملك" وراءه بضيق ليقفا أمام سيارته، نفضت كفه صارخة به بعصبيه:
- أنت بتجُر بهيمة ولا أيه أنت أتجننت!!!!!!
جمدت نظراته لينقبض فكه، تقدم منها خطوة صغيرة قائلاً بتحذير أرعبها:
- لما تكلميني صوتك يبقى واطي، إياكي تعليه عليا!!!!!
نظرت له بغلٍ حتى كادت أن تذهب من أمامه ليمسك ذراعها بغضبٍ، مشدداً عليه لدرجة جعلتها تقطب حاجبيه ألماً، لتردف بعنفٍ:
- سيب إيدي يا جواد!!!!
-أنتِ فاكرة نفسك رايحة فين؟!!!
هتف بشراسة ليعيدها إلى محلها أمامه، تاركاً رسغها الذي تركت أصابعه أثرها على يدها، أشار لسيارته بجمودٍ قائلاً:
- أركبي!!!!
نفت برأسها قائلة بنبرة متألمة:
- مش هركب معاك أنا معايا عربيتي،و سيبني لو سمحت أمشي في حالي، كفاية لحد كدا!!!!
أخذت الدموع طريقها إلى عيناها لترتجف شفتيها بقهرٍ..
لانت صفحات وجهه عندما رأى دموعها والتي يخضع أمامها، ليردف بلُطفٍ:
- طب أهدي و أركبي يا ملك، مش هينفع أسيبك تمشي لوحدك..!!!
رفعت أنظارها له لترى عيناه الخضراء التي تجعلها بعالمٍ آخر، وبالفعل تحركت ببطئ لتحتل مقعدها، صعد هو أيضاً بجانبها ليتحرك بالسيارة سريعاً..
نظر لها بطرفٍ عيناه ليجدها ملتصقة بالباب تقضم أظافرها بتوترٍ، ليلتوي ثغره بإبتسامة قائلاً:
- أنتِ متأكدة أن عندك 19 سنة وكبيرة وعاقلة المفروض؟!!!
نظرت له مُيضقة عيناها، لتبعد أظافرها عن فمها زامة شفتيها بعبوس قائلة:
- عندك شك يعني؟!!!
أطلق ضحكة رجولية جعلتها تلتفت له قائلة بغيظ:
- قولت نكتة أنا دلوقتي؟!!!
عاد لجديته قائلاً ببرودٍ:
- هتروحي فين؟!!
جحظت عيناها قائلة ببلاهة:
- أنت بشخصيتين صح!!!!!
أومأ لها قائلاً بجدبة تامة:
- أيوا أنا فعلاً عندي أنفصام، بس محدش يعرف ودة اللي كنت بحاول أخبيه، وشخصيتي التانية وحشة مش هتبقي عايزة تشوفيها!!!
شهقت بعنف لتضع يداها على فمها بصدمة، أغرورقت عيناها بالدموع قائلة:
- طب أنت محاولتش تتعالج؟!!، ليه مقولتش!!! المرض دة صعب أوي والله!!!!!!
- حاولت كتير، بس كله قالي أن حالتي مينفعش معاها علاج!!!!
قال بتأثرٍ زائف مركزاً أنظاره على الطريق، يكتم ضحكة كادت أن تنفلت منه، وبات يتيقن أنها لازالت طفلة كما هي..طفلته!!!!
↚
رفع حاجبيه عندما وجدها تطلق شهقات خافتة جعلته يسرع بصف سيارته سريعاً، ليلتفت لها بقلق قائلاً:
- بتعيطي ليه؟!!!
فركت عيناها كالأطفال قائلة بحزنٍ حقيقي:
- عشان أنا مكنتش أعرف أن عندك المرض دة!!!
أبتسم على طفلته ليقول بحنو:
- أنتِ صدقتي يا ملك؟!! أنا بهزر معاكي مافيش حاجة من دي!!!!!
رفعت عيناها له دقائق تستوعب أنه كان يمزح، لتردف بضيق:
- يعني أنت كنت بتضحك عليا!!!!
صمتت دقائق لتلتفت للأمام قائلة بجمودٍ:
- روّحني البيت..!!!!
أدرك "جواد" أنها لم تتقبل مزحته الثقيلة ليقول محاولاً التبرير:
- أنا كنت بهزر!!!!
ظلت تنظر أمامها بتذمرٍ قائلة بنبرة لا تقبل النقاش:
- روّحني لو سمحت!!!!
نظر لها بضيقٍ ليلتفت ممسكاً بالمقود حتى أبيضت عروقه، ثم ذهب إلى شقتها حسب ما وصفت له العنوان، وقف أسفل البناية ينظر أمامه بجمودٍ، لتترجل "ملك" صافعة الباب متجهة نحو بوابة البناية، ليتابعها "جواد" بنظراته الفارغة، قائلاً بنبرة غامضة:
- لازم تعرف كل حاجة!!!!!!
صعدت "ملك" إلى الشقة بخطواتٍ متعرجة لتقابلها "فتحية" التي ضربت على صدرها بصدمة قائلة وهي تركض لها لتساندها:
- إيه اللي حُصل يا حبيبتي بتعُرچي ليه ياجلبي!!!!
أجلستها على الأريكة لتردف "ملك" بتعبٍ:
- متقلقيش يا دادة أنا بس أتخبطت خبطة صغيرة مافيش حاجة صدقيني!!!!
ربتت على خصلاتها قائلة بحزن:
- سلامتك يا حبيبتي روحي أرتاحي على فرشِتك و أنا هچبلك الوكل عندك..
أومأت "ملك" فهي بالفعل تحتاج للراحة، لتُسندها "فتحية" نحو غرفتها، تساعدها في تبديل ملابسها ثم جعلتها تستلقي على فراشها لتُدثرها بالغطاء جيداً، ثم خرجت تغلق الأنوار عليها، لتنتفض "ملك" قائلة بهيستيرية:
- لاء يا دادة سيبي النور..سيبي النور!!!
تراجعت "فتحيه" لتفتح الأنوار قائلة سريعاً:
- أسفة يا ضنايا نسيت أنك بتخافي من الضلمة أعذريني!!!!
أومأت "ملك" وقد بدأ جسدها بالإرتجاف لتختفي أسفل الغطاء، مُغمضة عيناها برعبٍ تردف بخفوتٍ، ونبراتها مرتعبة:
- لاء يا بابا متحبسنيش في الأوضة دي، لاء يا بابا والنبي أخر مرة!!!!!
بكّت "ملك" بقوة وقد بات جسدها ينتفص، ليرّن هاتفها وكأنه يعلم ما تعانيه حبيبته، جلبته "ملك" لتنظر لشاشته التي أُنيرت بإسمه، ضغطت على زر الإيجاب قائلة بصوتٍ خافت:
- ألـو..!!!
أستشعر "جواد" نبرتها الباكيةة والمهتزة ليردف بتساؤلٍ متوجس:
- صوتك ماله؟!!!
أبتلعت ريقها قائلة وهي تحاول التحكم في إرتعاش جسدها وصوتها معاً:
- مافيش حاجة، أنت..أنت بتتصل ليه!!!!
أغمض عيناه يحاول التحكم بأعصابه ليضرب المقود بكفه صارخاً به:
- ردي عليا صوتك ماله بقولك!!!!!
صرخت هي الأخرى ببكاءٍ قائلة:
- والله مافيش حاجة طيب!!!!
مسح على وجهه ليطلق تنهيدة ينفث بها عن غضبه، ليردف بعد دقيقة بنبرة حانية:
- طب أنا واقف تحت أنزليلي!!!
أنتفضت "ملك" لتهدر بعصبية:
- جواد اللي أنت بتعمله دة مينفعش، حرام أصلاً كلامنا واللي حصل الصبح و أنا مش هسمح أنه يحصل مرة تانية!!!!!
شعر "جواد" بضرورة أخبارها بما حدث، ليهتف بهدوءٍ بارد:
- طيب أنزلي و أنا هفهمك كل حاجة، و أنا مش عيل صغير و عارف أنا بعمل أيه يا ملك،و صدقيني لو منزلتيش دلوقتي هطلعلك أنا!!!!
ضربت على رأسها من أفعاله لتقول وهي تعلم أنه لن يصعد إلى هُنا و أنه فقط يخيفها:
- مش هنزل يا جواد!!!!
فجأة وجدت الخط ينقطع، لتنهض واقفة بتوترٍ، ولكن عقلها يطمئنها قائلاً:
- لن يستطيع المجئ إلى هُنا، لا تقلقي!!!!
أخذ قلبها يخفق بقوة، ومعدتها باتت تؤلمها من فرط توترها وبالفعل وجدت من يفتح باب الغرفة بعنفٍ، لتصرخ "ملك" برعب واضعة كفيها على فمها، قائلة بعدم تصديق:
- أنت أكيد أتجننت، أزاي دخلت هنا و أزاي دادة فتحية فتحتلك، جواد اللي أنت بتعمله دة مينفعش و هتودينا في داهية وظافر وباسل ومازن كمان لو عرفوا هنروح في داهيه و أفرض حد شافك و أنت طالع هنا و أنا واقفة بالبيچامة وبشعري و آآآ!!!!
وجدته يتقدم منها بعصبيه واضعاً كفه على فمها و الأخر أمسك به بعنقها من الخلف هادراً بغضب:
- أفصلي شوية أيه راديو يخربيتك!!!!!
جحظت بعيناها لتضع أناملها على كفه الخشن تحاول إبعاده ولكنه ظل شارداً بها، بعيناها الواسعة وبشرتها البيضاء، خصلاتها التي لأول مرة يراها منذ أن كبرت، كم أصبحت طويلة تصل لِما بعد ظهرها، و تلك الكنزة الخفيفة الملتصقة بها، مع بنطال من نفس اللون الأبيض ذو نقشات بسيطة، ليتصاعد بعيناه إلى عيناها المرتعدة، لينزع كفه ماسحاً على وجهه، ليُمسكها من كتفيها يجلسها على الفراش، ثم جلس بجوارها ممسكاً بكفيها معاً، يردف بهدوء وصبر:
- أنا اللي هقولهولك دة صعب، أنا عارف أنك مش هتستوعبيه، بس أنتِ لازم تعرفيه يا ملك..
خفق قلبها بعنف لتردف بخفوت:
- في أيه ناوي تقولي سر من أسرار الدولة ولا حاجة؟!!!
جمد وجهه ليقرب وجهه من وجهها هامساً:
- الموضوع كبير ومتهزريش فيه..
↚
أبتعدت عنه زامة شفتيها قائلة:
- طب قول يا جواد عشان وضعنا دة مش تمام و أنا قاعدة قدامك كدا بالبيجامة!!! قول بسرعة بقى و أمشي!!!!
أومأ متنهداً بتفكير كيف سيُخبرها، لينطق بعد ثوانٍ:
- ملك أنتِ مراتي، من و أنتِ صغيرة ظافر و أخواتك كلهم صمموا أني أكتب عليكي، لما كانوا بيشوفوا أنا بعاملك أزاي و أد أيه انتِ متعلقة بيا، وقتها كان عندك حوالي 10 سنين ومكنتيش فاهمه حاجة، طبعاً اللي حصل دة كان غلط لأنه يعتبر جواز قاصرات عليه سجن وحُكم، بس طبعاً مكنش في حد يقدر يتكلم أصلاً مع عيلة الهلالي، كل عيلتك وعيلتي عارفين أنك مراتي بس خبوا عليكي وقالوا نصبر شوية ونقولك، بس أنا مقدرتش وقولت أنك لازم تعرفي بـ دة!!!!!
وثبت "ملك" من على الفراش تبتعد عنه لتترقرق عيناها بالدموع قائلة بنفيٍ تام غير مستوعبة ما يحدث:
- أنت كداب، مستحيل أهلي يعملوا كدا أنت بتكدب يا جواد!!!!
ثم أشارت إلى الباب قائلة بصراخ و أنهيار أقلقه عليها:
- أطلع برا البيت، أطلع مش عايزة أشوفك تاني !!!!
نهض يقترب منها محاولاً لمس وجنتيها في محاولةً منها لتهدئته لتنفض كفيه صارخة به بجنونٍ:
- أبعد عني متلمسنيش إياك تلمسني، أنت مش جوزي يا جواد مش جوزي!!!!
دلفت "فتحية" بقلق لتقول بتوجسٍ:
- في أيه يا بنتي!!!!
ركضت لها "ملك" ممسكة جلبابها تقول في بكاءٍ ينفطر له القلب:
- ألحقي يا دادة بيقولي أنه جوزي وأن أهلي جوزوني ليه و أنا 10 سنين، دادة أنتِ أكيد كنتي موجودة ومافيش حاجة من الكلام دة حصل، قولي له يا داداة أني مش مراته!!!!!
نظرت لها "فتحية" بألم عليها، فهي كانت من القانطين على تلك الزيجة، فهي تعتبرها طفلتها التي لم تنجبها، لتجذبها لأحضانه تقبل خصلاتها قائلة بحزن:
- أهدي يا ضنايا، چواد بيه كلامه صحيح مش بيكدب أنتِ حجيجي مراته!!!!!
نزعت نفسها من أحضانها بشرود مبتعدة عنها، قائلة بنبرة جامدة:
- اطلعوا برا، مش عايزة أشوف حد هنا!!!!
أشار "جواد" إلى "فتحية" بالخروج بعيناه التي تشبه الصقر، لتخرُج بالفعل وهي تتحسر عليها، ليقترب منها "جواد"، بخطوات بطيئة وهي شاردة في اللاشئ، تُلصق جسدها بالحائط خلفها، وثب أمامها ثم بهدوء حاوط كتفيها بذراعيه المفتولين يُقربها منه، جاعلاً من رأسها على كتفه، مربتاً على خصلاتها بحنو، يقبل رأسها برفقٍ شديد ثم مسح على ظهرها هامساً بخفوت:
- أهدي، أنا عُمري مـ هأذيكي متخافيش مني!!!!
دفنت رأسها بصدره لتجهش في بكاءٍ عنيف، ليبعدها عنه محاوطاً وجهها يُزيل دموعها بإبهاميه، قائلاً بحنو:
- قوليلي طيب بتعيطي ليه!!! لو أنتِ مش عايزاني جوزك يا ملك مش هجبرك و نروح لأقرب مأذون وهطلقك ويغور أي حد!!!!
نفت سريعاً برأسها ليبتسم هو مربتاً على وجنتيه بأبهامه:
- يعني عايزاني جوزك؟!!!
أسقطت بنظراتها أرضاً ليمسك هو بذقنها يرفع وجهها له، ليجعل عيناها مثبتة على عيناه، قائلاً بإبتسامة:
- بتحبيني يا ملك؟!!!
شعرت بإلتهاب وجنتيها لا تعلم من الحرج أم من أنامله التي سببت لها رعشة قوية، لتنزوي شفتيها بإبتسامة صغيرة، ليضحك هو حتى ظهرت غمازته اليمنى، قائلاً بعبث:
- خلاص وصلني ردِك، أنا أساساً كنت عارف دة!!!!!
أبعد خصلاتها عن وجهها مكوباً وجهها ليردف بلطف:
- أومال بتعيطي ليه دلوقتي!!!!
نظرت له قائلة بحزن:
- عشان أتجوزت و أنا صغيرة أوي، و أول مرة أحس أني أهلي مش بيحبوني أوي كدا، وعشان كنت فاكرة أنك عُمرك مـ حبتني، و أنك مغصوب عليا..، ليه يا جواد قولتلي أنك مش بتحبني؟!!!
ربت على خصلاتها قائلاً:
- مكنتش عايزك تتعلقي بيا، عشان كنت فاكر أني ممكن أسيبك، بس أنا عُمري مـ هسيبك أبداً، و أهلك بيحبوكي على فكرة، و أنتِ أغلى حاجة عندهم.. وعندي أنا كمان!!!!
نظرت له بعشقٍ لترتسم أبتسامة كبيرة على ثغرها، ليُكمل هو قائلاً:
- بما أنك عرفتي كل حاجة دلوقتي عايزك بقا تلمي هدومك عشان تروحي معايا الڤيلا عند أهلي، أمي هتموت وتشوفك!!!!
جحظت عيناها لتضع كلها على فمها تصمت شهقة كادت أن تنفلت منها، قائلة بصدمة:
- أنت بتتكلم بجد؟!!!!
أومأ بهدوءٍ لتُكمل:
- طب و ماما و ظافر وآآ!!!!
قاطعها مردداً بجدية:
- ملك أنتِ مراتي يعني ليا الحق أخدك في أي مكان، أنتِ حقي!!!، وبعدين ياستي ظافر وباسل و مامتك كمان عارفين أنا قولتلهوم..خلاص كدا؟!!!
أومأت "ملك" لتقضم أظافرها قائلة:
- طب ممكن بس تسيبني هنا كام يوم أكون جهزت شنطي ورتبت نفسي؟!!
أكد على حديثها قائلاً:
- دة اللي هيحصل!!!
ثم ودعها وذهب تاركها تكاد تطير من الفرح، لا تصدق أنها أصبحت زوجته، لا تصدق أبداً أن ذلك اليوم تحقق، و أن أسمها كُتب جوار أسمه!!!!
• • • •
أفاق "ظافر" ليجدها متوسدة صدره تعانقه بذراعيها البيضاوتان، أزاحها بلُطفٍ ليميل مقبلاً جبينها، ثم نهض متوجهاً للمرحاض، أغتسل "ظافر" ثم بدّل ثيابه، مرتدياً بنطال باللون الأزرق القاتم، وقميص أبيض يقسِم عضلاته الجذابة، تاركاً أول زرين، ثم أرتدى حلة بلون البنطال، صفف خصلاته بعناية ينثر من عطره ببذخ، أمسك بهاتفه ليجد "ملك" حاولت الإتصال به، عاود يتصل بها ولكن هاتفها غير متاح، تقدم إلى فراشه لينثنى بجذعه لها، سانداً قدمٍ على الفراش والأخر كما هو على الأرضية، ثم طبع قبلة أشبع بها جوعه الذي لا ينتهي لها،لتفيق هي مبتسمة له بعشقٍ قائلة:
- صباح الخير..
تلاعب بخصلاتها قائلاً بحبٍ:
- دة أيه الصباح القمر دة!!!!
أبتسمت محاوطة عنقه قائلة:
- أنت نازل؟!!
↚
أوماً قائلاً ببعضٍ من الجدية:
- أيوا رايح الشركة في حاجات كتير عاوزة تخلص هناك!!!!
أعتدلت في جلستها لتفرك عيناها بنعاسٍ تردف بترددٍ:
- ظافر...
جلس جوارها ليشرد بعيناها مغمغماً:
-مممم...
نظفت حلقها بتوتر، مسترسلة بصعوبة:
- عايزة أنزل الشركة، بقالي كتير معرفش عنها حاجة غير من الموظفين.. ومينفعش اللي بيديرها تبقي السكرتيرة بتاعتي!!!!!
تغيرّت تعابير وجهه في ثوانٍ معدودة، لتُظلم عيناه بوحشية، نهض من أمامها واثباً بقامته المهيبة، قائلاً بنبرة باردة:
- أنسي حاجة أسمها شغلك، مراتي متشتغلش أبداً!!!
جحظت بصدمة قائلة بعدم أستيعاب:
- أنسى شغلي أزاي يعني؟!!! و أيه المشكلة في شغلي يا ظافر أنا مقدرش أبعد عن شغلي وحياتي!!! ولا أنت عايزني أبقى تحت رحمتك و تسيبني وتروح شغلك و أنا أفضل قاعدة هنا مستنياك!!!!
أمسك بذراعها الأيمن بقوة ليجذبها له قائلاً بحدة أرعبتها:
- مــلاذ!!!! أتعدلي معايا!!!!!
نفضت ذراعها لتصرخ به بعنف:
- مش هتعدل يا ظافر، أنا لازم أروح شغلي و أنت مش هتقدر تمنعني!!!!
أمسك بكتفيها بهدوءٍ بإبتسامة مخيفة لا تنم عن ذرة مرح:
- مش هقدر أمنعك؟!!! طب جربي كدا و خَطي عتبة الشقة عشان رجلك تتكسر بعدها!!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع قائلة بصدمة:
- أنتَ بتهددني؟!!! أنت فاكر أنك هتحبسني هنا!!!! فوق يا ظافر أنا ملاذ الشافعي محدش يقدر يمشي كلامه عليها، وصدقني أنا لو منزلتش شركتي مش هتشوف وشي تاني!!!!
دفعها للخلف بعنف لتسقط على الأرضية ليصتدم ظهرها بـ ظهر الفراش، كتمت ألمها داخل جوفها لتمسك بظهرها تطالعه بقوة، لينحنى لها هادراً بنبرة قاسية، ووجهٍ تغير ليس هو من وقعت بعشقه:
- لما تتكلمي معايا صوتك يبقى واطي، الظاهر كدا أنك متربتيش و أنا بقى هربيكي من أول و جديد، و كلامي يتسمع مافيش شغل و هفضل حابسك هنا!!!!
حدجها بشراسة ليذهب تاركاً إياها مرتمية على الأرضية،أدمعت عيناها لتمسح دمعاتها سريعاً، وثبت ببطئ لتتآوه بألم من ظهرها، قلبها يأن بما تعانيه من تشوه نفسي، أتجهت نحو المرآة لترفع سترتها، لترى ظهرها الأبيض جزءٍ كبير منه تلون بالبنفسجي، متورماً لا تطيق وضع أصابعها عليه، تأوهت بألم لتضع كفيها على رأسها، جلست على المقعد أمام المزينة، لتجد هاتفها ينبئها عن وجود رسالة ما، ألتقطته من على المزينةثم فتحت الرسالة والتي كانت من رقم شقيقتها كان مضمونها حروفٍ نبع منها حقداً يكفي بلدة بأكملها:
- أزيك يا ملاذ، يارب تكوني عايشة دلوقتي أسوأ أيام حياتك، و أنتِ بتكتشفي جوزك شوية شوية على حقيقته، أتمنى يكون مُوريكي العذاب بألوانه، ظافر مينفعكيش، ظافر بتاعي أنا، كفاية بقا كل حاجة حلوة تبقى ليكي، هحرق قلبك و هاخد منك جوزك و قريب، قريب أوي هيبقى في حُضني!!!!!!
تعالت أنفاسها بشكلٍ مُخيف، ناهيك عن عيناها التي أخذت بذرف دموعٍ تتوالى على وجنتيها، نزفت روحها وقلبها، شددت على الهاتف لتلقيه على الحائط، أطلقت شهقة عنيفة تعقبها بكاءٍ حقيقي، نهضت لتقف ولكنها سرعان ما أنهارت على الأرضية، تنهار معها ثقتها بمن حولها، و شعورها بالأمان أيضاً تفتت، أطلقت آهاتٍ منبعثة من قلبها الملكوم، شعورها بالغرقٍ بمفردها، أطلقت آهات متألمة بما يتوالى عليها، لن يسمعها غيره، لن يشعر بمرارة حياتها إلا خالقها، رغبت فجأة بالشكوى إلى ربُها، لتخبره عن مدى ظلم الحياة، كم هي قاسية، تطلب منه العفو عن تقصيرها معه، تطلب أن يغفر لها كُل ما فعلته بالماضي، وبالفعل نهضت مهرولة إلى المرحاض، ثم توضأت، أرتدت عباءة سوداء لا تظهر منها شئ، و ححابٍ زَين وجهها، ثم وقفت على سجادة الصلاة بخشوعٍ، تُصلي بتضرعٍ، تاركة العنان لدموعها، تدعي أن يهدي لها "ظافر"، و أن يُغفر لشقيقتها، أنهت صلاتها لتسبح بحمد الله، ثم نهضت وهي تشعر بأن روحها تبدلت، نزعت الحجاب و العباءة، ثم خرجت من الغرفة متجهة نحو المطبخ، أحضرت طعاماً لها سريعاً لتسد جوعها، رتبت الشقة سريعاً ململة القمامات تتحامل على ظهرها الذي بات يؤلمها بالفعل، ولكنها تغاضت عنه، ثم أرتدت بيچامة ثقيلة ثم لتجلس أمام التلفاز، أنطفئت تلك الشعلة المتوهجة بعيناها، تاركة بدلاً منها عينان مغيمتان، تنذران بالدموع بأي لحظة، ضمت قدميها إلى صدرها لتستند برأسها على ركبتيها، لتمر الساعات، حتى جاءت الساعة الحادية عشر، وجدت باب الشقة ينفتح بعنف، وجدته يدلف بملامح لا تبشر بخير، ظلت على حالها لتتفاجأ به يقترب منها منحنياً لها، ليجذبها من ذراعيها صارخاً بحدة وعيناه تتفحصها بقلقٍ:
- موبايلك متنيل مقفول ليه!!!! م ترُدي!!!
فجأة صرخت بألم ضرب الكدمة بذراعها دون قصد لينتفض جسدها البارد تاركة العنان لدموعها،ممسكة بظهرها بألمٍ شديد، ليطالعها بقلقٍ ظهر جلياً في نبرته:
- في أيه؟!!!
عندما وجدها تُمسك بظهرها تنحني للأسفل مغمضة عيناها تبكي بوجعٍ لم تستطيع إخفاءه، أبعد يداها مرتعب مما يحدث لها، ليرفع كنزتها الثقيلة، لتتوسع عيناه صارخاً بها:
- من أيه الكدمة دي!!!!
أطبقت بشفتيها ممسكة بكنزته و الألم أصبح يضرب جسدها بأكمله، لينحني بجزعه يحملها بسُرعة، توجه إلى الغرفة ليجلسها عليه، ثم جلس القرفصاء أمامها ممسكاً بكفيها يهتف:
- أيه اللي حصل يا حبيبتي قوليلي، الكدمة دي من أيه؟!!!!
لم تُجيبه ليتذكر عندما دفعها على الأرض، أغمض عيناه لينبض فكه من شدة الغضب، نهض ليُقبل رأسها ثم بحث في الكومود عن مرهماً، ليجده أخيراً، ألتقطه سريعاً ثم جلس خلفها، نزع عنها سترتها، ظهرت الكدمة بوضوح وسط ظهرها الأبيض، ليغمض عيناه لو أستطاع لضرب نفسه مئة مرة، أمسك بالمرهم ليضعه على الكدمة، أنتفضت "ملاذ" بألم لتحاوط نفسها من شدة البرودة و الألم معاً، ليبسط "ظافر" المرهم برقة شديدة يحاول ألا يؤلمها، أنثنى بثغره مقبلاً كتفها الناعم، يقول بنبرة أستشعرت الألم بها:
- أسف، أنا أسف حقيقي!!!!!
أغمضت عيناها تشعر بقشعريرة في جسدها، لتطلق العنان لدموعها مطلقة شهقة جعلته يلتفت جالساً أمامها، ليضمها من كتفيها برفقٍ إلى صدره، حاولت إبعاده عنها بوهن قائلة:
-سيبني، أبعد عني، أنا بكرهك يا ظافر!!!!!!!
غرست تلك الكلمة بقلبه ليتنهد ماسحاً على خصلاتها، ثم قال بحنو:
- طب أهدي..متتعبيش نفسك دلوقتي أهدي ونامي شوية!!!!!
بالفعل أستكانت على صدؤه ولكن ليس بإرادتها، و إنما إرهاقاً مما حدث، ليُغشى عليها سريعاً، ليجعل نصف جسدها على صدره حتى لا تستلقي على ظهرها، محاوطاً خصرها ، حاول تدفئة جسدها البارد بدفئ جسده، ليغفي هو الأخر بإرهاق..
• • • •
بعد عدة ساعات.. أفاقت "ملاذ" لترى جسدها شبه مستلقي فوق جسده، إبتعدت ببطئ، لترتفع بأنظارها تنظر له، صُدمت "ملاذ" عندما وجدته يتصبب عرقاً، جسده بالأكمل ينتفض بين الحين والأخر، وجهه شديد الإحمرار و كأنه نيران موقودة، أنتفضت "ملاذ" لتجلس واضعة يدها على وجهه، لتُبعد كفها سريعاً من شدة إلتهابه، مسحت خصلاته المبللة عن وجهه لتناديه ببكاءٍ قائلة:
- ظافر في أيه والنبي رُد عليا!!!!!
وجدته يفتح عيناه الحمراء لتنهمر الدموع من عيناها، ثم كوّبت وجهه قائلة:
- أنا هتصل بالدكتور..!!!
همت بالنهوض لتجده يمسك برسغها قائلاً:
- متتصليش بحد، متدخليش حد البيت و أنا في الحالة دي، ممكن يعمل فيكي حاجة و أنا كدا، أنا هبقى كويس متقلقيش!!!
صرخت قائلة ببكاءٍ:
- لاء هتصل بيه مينفعش أسيبك كدا!!!!!
نظر لها بوهنٍ قائلاً برجاء:
- لاء يا ملاذذ لو سمحتي!!!!
مسحت على خصلاته لتمسك بكفيه تقبلهما وهي لا تعلم ماذا تفعل، لتنهض سريعاً ترتدي كنزتها، ثم دلفت تجاه المرحاض، ملئت حوض الاستحمام بمياه شديدة البرودة، لتعود له تنظر لوجهه المتعب وعيناه المغمضة بقلق، أتخذت يداها مسارها نحو أزرار قميصه لتسرع بحله واحداً تلو الأخر، جردته من قميصه عدا بنطاله حاوطت وجهه وجهه تقول سريعاً:
- ظافر حبيبي أسمعني حاول معايا تقوم لحد الحمام...
↚
نهض بالفعل معها ليتجها إلى المرحاض، تحاوط خصره و ذراعه يطوق عنقها، حاول هو ألا يتحامل عليها بسبب ما حل بظهرها، لتدلف به إلى المرحاض ، جعلته يمدد جسده داخل حوض الاستحمام ليتشنج وجهه من برودة المياه في هذا الطقس البارد و مع سخونة جسده، جلست هي على حافة الحوض لتمسد على خصلاته قائلة ببكاءٍ:
- أستحمل بس شوية و هتبقى كويس..
ثم أخذت تبكي عليه لتتحرك شفتيه قائلة بإرهاقٍ:
- متعيطيش.. أنا هبقى كويس والله!!!!
أومأت لتنهض أمامه تمسك بالمياه الباردة تمسح بها وجهه بحنو لطيف، ثم أعادت الكرة عدة مرات لتتأكد من زوال حرارته، ظل هو يطالعها بنظراتٍ لم تفهمها، ولكنها أستمرت في ما تفعله، لتضع المياه على عنقه و مقدمة صدره الذي لم تصل له المياة، لتردف قائلة بلُطف:
- بقيت أحسن شوية؟!!
أومأ لينهض ببطئٍ يخرج من حوض الاستحمام، لتحاوطه بالمنشفة حتى لا يبرد، أجلسته على الفراش لتخرج له ملابس مُريحه عوضاً عن التي تبللت، ثم وضعتهما بجواره على الفراش قائلة برفقٍ:
- ظافر ألبس الهدوم دي و أنا هروح أجيب مياة و تلج و هاجي مش هتأخر..!!!
أومأ بإستسلام لتخرج هي من الغرفة، تحضر صحن به ماء وقطع من الثلج وقطعة من القماش ، و صحن آخر أحضرت به حساء ساخن و دجاجة مسلوقة، ثم ذهبت نحو الغرفة لتجده بدل ثيابه مستلقياً على الفراش، اسرعت "ملاذ" تضع الصينية على الكومود، لتجلس بجواره، وجدته مغمص العينان لتنحني تقبل وجنتيه حتى تستشعر جسده، لتجد الحرارة قد نزلت بعض الشئ، التفتت لتُمسك بالقماشة تغطسها بالمياه، ثم عصرتها جيداً، لتضعها على جبينه، أسندت رأسها على كفها تطالع ملامح وجهه، لتقبل عيناه قائلة بحنو:
- هتبقى كويس أن شاء الله!!!!
فتح عيناه ليطالعها، مدّ كفه ليمسك بكفها الصغير، يقبلها بعشقٍ قائلاً بندمٍ شديد:
- أسف على اللي حصل، أنا أكتشفت أن مافيش أغبى مني والله!!!!
أبتسمت له لتستند برأسها على جبهته قائلة:
- أنا كمان أسفة عشان كلمتك بطريقة وحشة، متزعلش مني!!!!
بللت القماشة مجدداً لتضعها على جبينه، ليهتف هو بلطف:
- خلاص يا حبيبتي الحرارة نزلت مافيش حاجة أنا بقيت كويس!!!!
وضعت وجنتيها على وجنتيه لتجد بالفعل وجهه أصبح بارداً بعض الشئ، لتتنهد براحة قائلة بسعادة:
- الحمدلله الحمدلله يارب..!!!
لتعتدل جالسة، ثم أقتربت منه بشدة لترفع الوسادة حتى يجلس، ليشرد هو بوجهها الملائكي، ثم أعتدل في جلسته، لتأتي هي بالصحن قائلة بتحذير:
- الطبق دة كله لازم يخلص وهتاكل الفرخة كلها عشان تخف!!!!
أطلق ضحكة رجولية رُغم إرهاقه ليهتف بمزاح:
- بتكلمي أبن أختك ولا حاجة؟!!!!
أبتسمت لتطعمه حتى أنهى بالفعل الصحن، ليقول و هو يُثنى على طبخها بإعجابٍ:
- أول مرة أعرف أن أكلك حلو كدا..!!!!
أبتسمت له لتقطع الدجاجة قطع، ثم جلست تُطعمه حتى شبع، مسحت فمه بمنديلاً مببللاً ويداها أيضاً، ثم جذبت رأسه إلى صدرها تمسح على خصلاته و كأنه طفلها، ليغفى "ظافر" بأحضانها، وغفت هي أيضاً تحمد ربها لشفاءه، و لظهرها الذي لم يعُد يؤلمها كثيراً..
• • • •
نهضت "فريدة" باكراً، جالسة على فراشها بإبتسامة باهتة، وثبت متجهة إلى خزانتها، لتنتقي بنطال باللون الأبيض، تعلوه كنزة ثقيلة تناسب ذلك الطقس باللون الأحمر، ثم تركت خصلاتها مفرودة، أخذت حقيبتها لتنزل من الدرج، وجدت "رُقية" جالسة على الأريكة ممسكة بالمصحف تقرأ به بصوتٍ رخيم، عندما وجدته قالت بهدوءٍ:
- صدق الله العظيم...
ثم قبلته لتتركه بجوارها، أقتربت "فريدة" منها لتجلس بجوارها قائلة:
- ماما أنا رايحة الشغل، خلي بالك من يزيد و أنا مش هتأخر!!!
ربتت "رقية" على خصلاتها قائلة بإبتسامة:
- متخافيش يابتي، يزيد في عنيا، أيوا أكده ياضنايا عيشي حياتك ومتفكريش فيه، صدجيني أنا يابنتي الراچل عُمره ما بيرجع لواحدة بتبكي عليه، أنچحي و أثبتيله أنك قويه، و أحنا معاكي يا حبيبتي!!!
ظلت شاردة في حديثها طيلة الطريق، تفكر في نصائحها، حتى وصلت للمشفى، دلفت ليبارك لها الجميع على زواجها، لا يعلمون إن تلك الزيجة كانت بمثابة الإعدام شنقاٌ لها، ولكنها قابلت المباركات المتهللة عليها بإبتسامة بسيطة، لتبدأ عملها بجوار الطبيب، ذلك الشخص الذي كانت تعشقه قبل أن يقتحم "مازن" حياتها، ذلك الطبيب والذي يُدعى "إياد"، ذو الطول الفارع والجسد الممشوق، البشرة البيضاء والعينان الزرقاوتان، دلفت لمكتبه لتراه جالساً على مكتبه قائلاٌ بقنوط طفيف:
- مبروك يا فريدة على جوازك، بس مش كُنتي تعزمينا يعني؟!!!!
بُهتت أنظارها عندما تذكرت أنها لم ترتدي ثوباً أبيض كـ جميع الفتيات، لتصمت و لم تُجيب، لتجده يردف بجدية:
- جهزي نفسك النهاردة مليان حالات طارئة..
أومأت بهدوءٍ لتذهب وراءه، مندهشة من حالتها، فهي أصبحت لا تطيق رؤيته حتى، وهي التي كانت تُهيم به!!!!!
• • • •
- يابت يا هانم، تعالي يابت چهزي الوكل، بنت أختي زمانها چاية يلا يابت!!!!!
صرخت "رقية" بصوتٍ عالٍ لينزل "باسل" على الدرج قائلاٌ بدهشة:
- مين اللي جاية يا أمي؟!!!
ألتفتت له "رقية" قائلة بفرحٍ:
- "آسيا" بنت خالتك يا حبيبي!!!!
أشمئزت صفحات وجهه متمتماً بخفوت:
- و دي جاية ليه!!!!
لم تسمعة"رُقية" لتُكمل الترتيبات بالسرايا، ليغير "باسل" وجهته عائداً مجدداً إلى غرفته متأففاً، دلف ليجدها نائمة، خصلاتها تُخفي وجهها، ذراعها مرتمياً على الأرضية ليبتسم "باسل" على حالتها، ليتجه إلى الفراش، أنحنى بجزعه نحوها ليزيل خصلاتها من على وجهها، لينحنى أكثر مقبلاً شفتيها المزمومة، ثم حاول إفاقتها بهدوءٍ مردفاً:
- رهف.. أنتِ من أهل الكهف ولا أيه يا بت؟!!!!
قطبت "رهف" حاجبيها وكأنها تسمعه لتقول غير واعية وهي لازالت مغمضة العينان:
- بسِلة سيبني نايمة بقا!!!!!
رفع حاجبيه ليلتقط أذنيها يقرصهما قائلاً بغيظ:
- عارفة لو قولتي بسِلة تاني هدبحك!!!!
أنتفضت "رهف" جالسة لتمسك بكفيه تزيحهما بغيظٍ قائلة :
- في حد يصحي حد كدا يعني!!!!!
↚
جمد وجهه لينهض يعطيها ظهره قائلاً ببرود زائف:
- انا اللي غلطان وكنت جاي أقولك قومي ألبسي عشان نُخرج!!!!
جحظت عيناها لتنهض مهرولة نحوه، ثم حاوطت خصره من الخلف قائلة بسعادة طفولية:
- أنا أسفة والله مكنتش أقصد، 5 دقايق وهلبس يا أحلى بسِلة في الدنيا..
هرولت نحو غرفة الملابس تاركة إياه مبتسماً يقول في نفسه:
- أهم حاجة أخليها متشوفش آسيا خالص!!!!!
• • • •
أرتدت "رهف" ثوبٍ أسود يصل لأسفل قدميها، مُحكم الضيق لتضع فوقه بوشاحٍ من الفرو، خرجت إلى "باسل" الذي وقف ينتظرها بالغرفة، لينبهر من الحورية التي خرجت له، ولكنه تذكر أن ليس هو فقط من سيراها بذلك الثوب ، ليهدر بها في غضبٍ شديد:
- أنتِ أيه القرف اللي لابساه دة!!!! أدخلي غيري بسُرعة!!!
صُدمت مما قال لتتراجع خطوتين برهبة قائلة:
- في أيه يا باسل أنا قولت هيعجبك!!!!
رفع حاجبيه ليتقدم منها على عجالٍ، ليجذب رسغها له بعنف قائلاً:
- أنتِ مجنونة يا رهف، أنتِ متجوزة شوال بطاطس عشان تبقي ماشية جنبي كدا و العيون كلها هتبقى عليكي، ده أنا أدفنك حية!!!!!!
رُغم صراخه بوجهها وقبضته التي تؤلمها بالفعل، ولكن حديثه جعل أبتسامة صغيرة تلوح على ثغرها، ليستغرب هو أبتسامتها، ولكنه صُدم عندما وجدها تندفع مرتمية بأحضانه، محاوطة عنقه بذراعيها العاريتان، تربت على ظهره وهي لاتسطيع السيطرة على بسمتها التي كادت أن تشق ثغرها، ليحاوط هو خصرها مبتسماً على زوجته المجنونة، أعادت "رهف" وجهها ولا زال جسدها محاصر من قِبله، لتطبع قبلة صغيرة على وجنتيه، مغمغمة بخفوتٍ:
- والله بحبك!!!!!
شعر بدلواً بارد أُلقي على رأسه، ليُبعدها عنه سريعاً قائلاً بعدم تصديق:
- قولتي أيه!!!!!
نظرت أرضاً بخجلٍ قائلة:
- مقولتش حاجة أساساً!!!!!
- وحياة أمك!!!!!
هتف بغضب ليجدها تنظر له بتأففٍ، ليضغط على ذراعها برفقٍ قائلاً برجاء:
- رهف قوليها مرة كمان!!!!!
تنهدت بخجلٍ لترفع أنظارها نحوه قائلة:
- بحبك يا باسل!!!!!!
شعر بقلبه يرقص فرِحاً، ليحاوط وجهها مقرباً شفتيها منه حتى كادا أن يتلامسان، ولكن فُتِح باب الغرفة بعنف لينظر "باسل" لِمَن فعل هذا حتى ينحر رقبته، لتنتفض "رهف" مبتعدة عنه ووجها أصبح مخضباً بإحمرارٍ غزى وجنتيها، و لكنها رفعت أنظارها لمن فعل هذا لتجدها فتاة تقريباً في نفس عُمرها، جسدها ممشوق صاحبة بشرة سمراء جذابة ولكن غاضبة، عيناها باللون الأخضر و لكنها أجزمت أن تلك لم تكن سوى عدسات لاصقة، خصلاتها قصيرة مموجة باللون الأود رفعت أنظارها لتنظر إلى زوجها، وجدت صدره يرتفع علواً وهبوطاً من فرط غضبه، مشدداً على أسنانه بغيظ قائلاً بغلٍ:
- أنتِ أتجننتي أزاي تدخلي الأوضة بالطريقة الزبالة دي و أنتِ عارفة أن دي أوضة واحد ومراته، و لا عيشتك برا نسِتك الأدب و الأخلاق!!!!!
نظرت له بتحدٍ لتقترب منهما تنظر إلى "رهف" من أعلاها حتى أخمص قدميها، قائلة بإستهزاء:
- هي دي بقا مراتك!!!!!!
أشتعلت أنظار "رهف" لتُبعد "باسل" قليلاً تقف أمامها قائلة بشراسة:
- مالها مراته يا حبيبتي!!!!!
نظرت لها بإحتقار قائلة بغيظٍ:
- ولا حاجة، أنا دايماً بشوف إن باسل ذوقه مش أد كدا، بس ع العموم مبروك يا حبيبتي!!!!!
أطلقت "رهف" ضحكة أنثوية جلجلت في الغرفة، لتهتف من بين ضحكاتها:
- ذوقه أيه؟!!! بجد مش قادرة دمك تقيل جداً ما شاء الله!!!!
ثم أردفت قائلة بإبتسامة:
- ع العموم أنا مش هرُد عليكي، عشان لو رديت هتزعلي مني جامد!!!!
أمسكت بذراع زوجها متشبثة به، قائلة بإبتسامة:
- ودلوقتي بقا ياريت تسيبيني مع جوزي شوية!!!!!
صكت على أسنانها بغلٍ واضح، لترميها بنظراتٍ جمر أفصحت عما يغلى بداخلها، لتتصاعد الدماء المحتقنة إلى وجهها، لتلتفت ذاهبة خارج الغرفة بأقدام تحفر الأرضية، لتتحول نظرات "رهف" من تحدٍ إلى غضبٍ شديد، نظر لها "باسل" بإعجاب قائلاً بعبث:
- سمعت كتير عن كيد النسا، بس أول مرة أشوفه بعيني!!!!!!
نظرت له بجمودٍ لتنفض يداها بعيداً عنه تهتف بحدة:
- مين البت دي يا باسل!!!!! و أزاي تدخل كدا هي مجنونة!!!!
أبتسم بهدوءٍ ليجلس على الفراش سانداً كفيه خلف ظهره قائلاً بإستمتاع:
- بنت خالتي، وبتعشقني!!!!!!
فرغت فاهها من وقاحته، لتتقدم منه بعصبيه، جذبت إحدى الوسادات لتبدأ بضربه على وجهه صارخة به:
- بتعشقك ها؟!!! بتعشقك يا باسل والله لهوريك!!!!!
ظلت تضربه وسط ضحكاته واضعاً ذراعه على وجهه ليتفادى الوسادة، وبدون مقدمات جذبها من خصرها ليُرمي بها على الفراش لتشهق هي بحدة مقيداً ذراعيها أعلى رأسها، لتحدق هي به بقنوط مردفة:
- باسل أبعد عني دلوقتي!!!!!
غمز لها قائلاً و هو يتفرسها بوقاحة:
- بالفستان دة مستحيل أبعد!!!!
صرخت به بغضبٍ جم محدجة به بلومٍ:
- سيرتها متجيش تاني، و أنا هعرفها مين رهف كويس!!!!!
قرَب أنفه من أرنبة أنفها يهمس بخفوتٍ وشفتيهما كادتا أن تتلامسان:
- شششش، هي أصلاً و لا فارقة معايا، صدقيني ماتجيش ضُفرك!!!!!
أبتلعت ريقها لتغمغم بتوترٍ تلبسّها:
- أيوا..
أبتسم بخبث ليلتقط قبلة من شفتيها مردداً بمكرٍ:
- أنتِ زي القمر!!!!
همهمت مغمضة عيناها:
- ممممم..!!!
طبع قبلة أخرى بجانب ثغرها قائلاً بعشقٍ:
- و ذكية!!!!
↚
ذابت في كلماته لتردد:
-ممممممم!!!!
ليهمس بجوار أذنها:
- و بحبك!!!!!!
• • • •
مرّت ثلاثة أيام، تحسنت حالة كلاهما، وحافظت "ملاذ" على صلاتها وهي تشعر بروحها أصبحت أنقى، تبدأ بداية جديدة مع ربُها، ولكن أتى ذلك اليوم..عندما كانت بطريقها إلى غرفتهم، لتسترق السمع على زوجها، وجدته يهتف بنبرة هادئة وصلت لها:
- شُحنة السلاح معادها كمان يومين، خلي بالك عايزين كل حاجة تعدي على خير..
جحظت عيناها ليقع قلبها أرضاً، أستندت بجسدها على الحائط لتمتلأ عيناها بالدموع، لا تستوعب أن زوجها تاجر أسلحة!!!!!!!
أرتفع الإدرنالين بجسدها، تشعر بدوارٍ قاسي يهاجمها لتستند على الحائط جوارها تضع كفها على فِيها، تترقرق حدقتيها بالدموع، ثم بدأت بالتراجع إلى الوراء، ولأول مرة تفقد إحساس الأمان جواره، فمن يفعل ذلك ببلده، يفعل أي شئ أخر، نفت برأسها بهيستيرية، لن تُكمل حياتها مع شخصٍ كهذا، همت بالذهاب وهي لازالت لم تصدق ما يحدث، لتتفاجأ به يخرج من الغرفة، ليصتدم بها تقف أمامه بعينان هلعتان، ضغط على أسنانه بقوة من شدة غضبه، و أصبح متيقناً أنها علمت كل شئ من نظراتها الخائفة، رفع يداه يحاول لمس كتفيها لتتراجع هي عشرات الخطوات للخلف، تُحرك رأسها بنفي هيستيري قائلة بعنفٍ:
- أبعد عني!!!! إياك تلمسني..إياك!!!!!!
مسح على وجهه بعنف ليردف بنبرة هادئة:
- ممكن تسمعيني الأول؟!!!
أبتسمت بإستهزاء لتنظر له بإحتقارٍ قائلة:
- سمعت..سمعت لما شبعت!!!!!
لتقترب منه ممسكة بتلابيب قميصه تهزه بعنفٍ ولكن لم يتحرك جسده إنشاً واحداً، لتهدر به وقد أنهمرت الدموع شلالات متسابقة من عيناها:
- ليه بتعمل كدا؟!!! ليه مصمم تكرهني فيك أكتر، قولي يا ظافر أيه اللي خلاك تعمل كدا!!!! طب ليه أنا حبيتك؟!!! عارف ليه؟!! عشان أنا غبية، حبيت واحد ميعرفش معنى الحب، واحد معندوش قلب، حبيت أكتر شخص أذاني وأذى بلدُه وبيأذي نفسه، أنت عارف أخرتك أيه؟!!!أخرتك وحشة أوي!!!!!
كان وجهها شديد القرب من وجهه، أنفاسها تخرج بشكلٍ عنيف لأنفاعلها، صدرها يعلو ويهبط بعنف، لازالت ممسكة بقميصه، تراقب ملامحه الجامدة، تلك البرودة التي لن تزول من وجهه، تلك العينان الذي لا روح بهما رُغم جمال لونهما، تركته مبتعدة عنه صارخة به بجنون:
-طلقني!!!! طلقني أنا مش عاوزة أعيش مع واحد زيك!!!!!!!
لم تشعر سوى بوجهها يرتد للجهة الأخرى من شدة الصفعة التي تلقتها، ليرتد جسدها للخلف و هي تشعر بتوازنها يهتز، ظلت واضعة كفها على وجنتها الملتهبة، تنظر جانبها للفراغ، تشعر و كأن تلك الصفعة لم تسقط على وجهها، بل سقطت على قلبها لتجعله صريعاً لا روح به!!!!!
وجدته يمسك بكتفيها لتلتفت له، وجدت عيناه تشُع ندماً، ليردف بنبرة مهتزة جُمعت بها ألمه بالكامل:
- ملاذ!!!! حبيبتي أنا أسف!!!! مكنش قصدي!!!!
نظرت له نظراتٍ خاوية لتبعد ذراعيه عنها، وبلحظةٍ كانت تُجمع كل ما أوتيت من قوةً لتدفع به بعيداً، ليرتد هو للخلف بتفاجأ، لتركض "ملاذ" سريعاً تخرج من الشقة بأكملها، تنزل على الدرج حافية و كأنها تسابق الرياح، ليركض ورائها "ظافر" صارخاً بها:
- مـــلاذ، مــلاذ استني!!!!!!!
ركضت "ملاذ" خارج البناية بأقدامها الحافية، ليقف "البواب" مذهولاً مما يحدث، ظلت تركض في الطرقات المظلمة ولم يستطيع هو اللحاق بها، فقد دلفت بين أزقة الطرقات حتى تجعله يفقدها، وبالفعل ركضت بعيداً عن المنزل وبعيداً تماماً عنه، تآوهت بألم و هي تنظر لكاحلها الذي غُرزت به قطع من الزجاج، تحملت على جسدها لتتوارى خلف حوائط إحدى الطرقات، تكتم أنفاسها بكفها حتى لا يسمعها، رُغم تيقنها أنه ليس بجوارها، نزلت بعيناها لترى ما ترتديه من منامية ثقيلة شتوية تصل لما بعد ركبتيها بقليل، أحتضنت نفسها تستند برأسها على الحائط خلفها بعينان أنهمرت منهما الدموع، شعرت بصوت أقدام و ضحكات خبيثة تأتي مقتربة منها، ألتصقت بالحائط خائفة أن يراها أحد، ولكنها وجدت ثلاثة شباب يقفون أمامها، بأجسادهم الهزيلة وعيناهم الحمراء من كثرة ما يتعاطونه من أشياء تُذهب بالعقل وجوههم مشوهة مليئة بالندبات، همت بالركض تنفد بروحها ولكن أمسكها أحدهم من خصرها لقربها منه لتفوح منه رائحه كريهة جعلتها تريد التقئ، ولكنها بمهارة رفعت ركبتها لتضربه أسفل معدته، أرتد الشاب مبتعداً عنها يتلوى من الألم، ليأتي الثاني لتسدد له لكمة جعلته يسقط أرضاً، ليأتي الأخير مكبلاً إياها من ذراعها يقف خلفها، فشلت "ملاذ" عن ضربه لتصرخ بعلو صوتها تتمنى لو أن يعود إليها "ظافر" ، ظلت تصرخ بكل ما أوتيت من قوة، لينهض ذلك الشاب ذو الندبة بجوار ثغره، ناظراً لها بحقدٍ شديد ليرفع كفه عالياً متأهباً لتلقينها درسٍ قاسٍ، ولكن وجد قبضة فولاذية سمع لها أرتطام عظامه ببعضٍ تقبض على رسغه بإحكامٍ، ليُكبل "ظافر" ذراعيه خلف ظهره ثم دفعه بقوة للأمام ليرتطم الشاب بالحائط ساقطاً مغشياً عليه، أمسك بـ "ملاذ" ليجعلها تتوارى خلف ظهره لتتشبث بقميصه بقوة، أخذ يكيل للشابان العديد من الضربات التي جعلهتم يقعا مغشياً عليهم ثم ألتفت لها بلهفة ليكوّب وجهها يُعد خصلاتها عن وجهها قائلاً بنبرة قلقة:
- عملولك حاجة ولاد الـ****** دول!!!!!
زاغت أنظارها لتتقلص صفحات وجهها بألم من قدميها المجروحة، أخذ جسدها يتراخى تدريجياً لتقع بين ذراعيه فاقدة للوعي..!!!
حملها "ظافر" سريعاً ليضعها بسيارته التي أخذها بعد أن علم أنها أبتعدت عنه، ثم أستقل هو مقعده أمام المقود ليقود بأقصى سرعة لديه،وصل أمام البناية ليحملها كالطفلة بين ذراعيه، صرخ بالبواب بنبرة حادة:
- أتصل بالدكتور شريف ييجي بسرعة يا زفت!!!!
أسرع البواب ينفذ ما أمره به قائلاً بتوترٍ:
- أمرك يا سعادة البيه!!!!!
دلف للمصعد ليُقرب أنامله من أزرار الطوابق ثم ضغط على الزر المنشود، بدأ المصعد بالصعود لينظر لها "ظافر"، وجنتها اليُمنى و التي طبعت عليها أصابعه الغليظة تاركاً أثراً شديد الإحمرار، خصلاتها المشعثة وطرف ثغرها النازف من قسوته، قرّبها إلى صدره لينثنى مقبلاً وجنتها الحمراء، يستند بذقنه على جبهتها يمنع عيناه التي كادت أن تذرف دمعة خائنة أبت النزول!!!!!
فتح المصعد بقدمه بفظاظة ليقف أمام الباب المغلق، حاوط جسدها بذراعٍ واحد وبالآخر دّس المفتاح بالباب لينفتح سريعاً، دلف للشقة ليغلق الباب بقدمه، ثم أتجه لغرفته ليضعها برفق شديد على الفراش، لاحظ قدميها الملوثتان والتي غرزت قطع الزجاج بكعوبها، بالإضافة الى كفيها النازفتان بدماء جافة، أنحنى ممسكاً بكفها ليقبله عدة قبلات، يحمد ربه أنه جاء بالوقت المناسب، مسح على خصلاتها لينظر لوجهها الأبيض، تحركت أنامله لتتلمس وجنتها الحمراء بلطفٍ، أخذ يلعن نفسه ويسبها بأقبح الشتائم غير مصدقاً أنه صفعها!!!، تنهد مغمضاً عيناه بألم لينثنى أكثر نحوها مقبلاً وجنتيها الساخنة، لتتململ "ملاذ" بضيق و كأنها شعرت بقبلته وترفضها!!!!!
سمع طرقات الباب ليدثر "ملاذ" بالغطاء الثقيل ثم وضع وشاح على رأسها ليحجب خصلاتها ليدلف للخارج سريعاً، فتح الباب ليجد صديقه الطبيب "شريف" يدلف قائلاً بقلق:
- حصلك حاجة ولا أيه يا ظافر انا جاي على ملا وشي!!!!!
هتف "ظافر" بوهن قائلاً:
- مش أنا يا شريف، مراتي!!!!
قطب الطبيب حاجبيه قائلاً بإهتمام:
- مالها؟!!
أخذه "ظافر" من ذراعه ليدلف إلى الغرفة، ليشير إلى "ملاذ" النائمة براحة، ألقى "شريف" نظرة عليها ليتجه نحوها، ثم أمسك برسغها ليتحسس نبضها ليجده أعتيادي، أشتعلت أنظار الأخير ليتجه نحوه قائلاً بإنفعال:
- متلمسهاش!!!!
قهقه "شريف" قائلاً بتعجب:
- وهشكف عليها أزاي يعني مثلاً؟!!!
أزاحه "ظافر" من أمامه متجهاً إلى كاحليها ليرفع عنهم الغطاء قائلاً بجمود:
- كل اللي هتعمله تيجي تشوف الجروح اللي في رجليها وتكتبلي كل حاجة لازمة عشان ألفهُملها وبعدين تروح ومستغنيين عن خدماتك!!!!
رفع حاجبيه ليتجه نحوه وهو يضرب كفاً بأخر، نظر إلى قدميها ليقطب حاجبيه بغرابة قائلاً:
- أيه اللي عمل فيها كدا؟!!
↚
هدر به "ظافر" بنبرة قاسية:
- شـريــف!!!! شوف شُغلك!!!!!
أومأ "شريف" بجدية ليخرج ورقة وقلم ثم دوّن بها الأدوية اللازمة، ليعطيها لـ "ظافر" قائلاً بنبرة عملية:
-ده علاج لرجليها، وحاول تطلع قطع الأزاز الصغيرة دي ولو معرفتش كلمني و أنا هقولك تعمل أيه، مناعتها ضعيفة ولازم تتغذى كويس و خليك جنبها وأهتم بيها عشان حالتها وياريت بلاش تمشي على رجلها يومين عشان الحالة متزيدش سوء..
أومأ "ظافر" ليلتقط الورقة ثم وصله إلى الباب مودعاً إياه، ليخرج هو الأخر من الشقة ليجلب الأدوية المطلوبة، جلبها "ظافر" سريعاً ثم صعد لها مجدداً، وجدها لازالت نائمة كما هي، أخذ يدواي جروح قدميها يُخرج قطع الزجاج ببطئ لتتآوه "ملاذ" من الألم ناهضة برُعب، ليهدئها "ظافر" قائلاً بحنو:
- أهدي يا حبيبتي خلاص أنا قرّبت..!!
ظلت "ملاذ" ساكنه بهدوء أدهشه، أنهى ما يفعله ليُلفها بشاشٍ أبيض، ثم تحرك جالساً جوارها، مما جعل عيناها تشتعل غضباً لتلقي بالغطاء جانباً متأهبة للنهوض وكأن قُربه منها يُلدغها كالحية، ليمنعها "ظافر" ممسكاً بذراعها قائلاً بهدوء:
- مش هتقدري تقفي على رجلك قوليلي عايزة أيه و أنا هجيبهولك!!!
نفضت ذراعها بحدة لتضع قدميها على الأرضية ثم كادت أن تقف صارخة به بإهتياج:
- ع أساس بيهمك راحتي أوي و أني أبقى كويسة آآآآآههه!!!!!!!!
تآوهت "ملاذ" عندما شعرت بنغزات في قدميها منذ أن وضعتها على الأرضية، لتسقط على قدميها ليحاوط هو خصرها هادراً بها بإنفعال:
- بطلي غباء قولتلك مش هتعرفي تقفي عليها أنتِ مبتفهميش!!!!!
حاولت دفعه بعيداً حتى تنهض من على قدميه ليشدد هو على خصرها يعود لهدوءه:
- ممكن أعرف قايمة رايحة فين؟!!!
قالت وهي تحاول جاهدة إزاحة ذراعيه عنها:
- أنا عايزة أمشي من هنا مش عايزة أعيش معاك أبداً وهتطلقني يا ظافر بمزاجك أو غصب عنك!!!!
لم تستطيع تحديد ملامح وجهه المشدود، لتنظر لعيناه المغمضة تتابع أصتطكاك أسنانه ببعض، أتخذتها فرصة لتبتعد جالسة على الفراش لتلصق جسدها بظهر الفراش، وضع "ظافر" رأسه الذي كاد أن ينفجر بين يداه، و إبتعادها عنه يتقافز إلى ذهنه جاعلاً الدماء تُغلي بجسده، ليلتفت لها ممسكاً بكتفيها بعنف يهُز جسدها بشراسة صارخاً بوجهها بعنف:
- أنتِ مش هتمشي من هنا و أي مكان هروحه هتبقي معايا فيه أنتِ بتاعتي أنا ومتحلميش أطلقك لأن ده مش هيحصل أبداً!!!!!
زاغت عيناها لترتعش شفتيها بهلعٍ وهي تنظر إلى عيناه الزيتونية التي تهتز بعنف، لينتفض جسدها عندما أقترب منها طابقاً بشفتيه على شفتيها بقسوة شديدة لأول مرة تتلبسه بتلك الطريقة، حاولت "ملاذ" دفعه بعيداً ولكنه كان يعتصر كتفيها بقوة حتى كادت عظامها أن تتحطم أسفل كفيه، أنجرفت الدموع من عيناها وهي تشعر بقسوته !!!! ضاقت أنفاسها وهي تضربه بوهن على صدره ليبتعد "ظافر" تاركها تتنفس بصوتٍ عال وكأنها تغرق، وضعت كفها على صدرها وهي تشعر بالهواء ينفذ رويداً من رئتيها، لتلتفت جوارها تبحث داخل الكومود على رذاذ الربو، وجدته لتضعه بفمها ثم ضغطت عليه ليهدأ صدرها، ظل يراقب أنفعالاتها و وجهها شديد الإحمرار وشفتيها، أخفت وجهها بكفيها لتبكي بشهقاتٍ مزقت قلبه، لينهض هو يدلف خارج الغرفة صافعاً الباب خلفه، أتجه إلى مكتبه ليضرب على المكتب بعنف، ضرب عليه أكثر من مرة ثم أطاح بكل شئ وُضع عليه أرضاً ليصدر أصوات جلجلت بالمنزل جعلت "ملاذ" تنتفض بهلع لتستلقي على الفراش مدثرة نفسها بخوف لا تريد سماع ما يحدث بالخارج!!!!!!!
• • • •
أندفعت "آسيا" ممسكة بالهاتفه على أذنها قائلة بصوتٍ خافت ولكنه غاضب:
- يا سليم بقولك أنا خايفة أعمل حاجة زي كدا لو باسل عرف هيدبحني!!!!
سمعت جوابه لتغمغم قائلة بحقد:
- أنا عارفة أن البت دي لازم تتربى بس مافيش غير الموضوع ده؟!!!
جاء صوت يعنفها من الطرف الأخر لتتراجع قائلة بقلقٍ:
- طب خلاص متزعقليش!!! أنا هتصرف!!!!
ثم أغلقت معه متأففة تحدث نفسها بتأنيب:
- أنا أيه بس اللي دخلني في الموضوع ده!!!!!
لم تنتبه "آسيا" لتلك الأذنين التي وُضعت على الباب تسترق السمع بحرص، لتتحرك الخادمة بعيداً عن الغرفة قائلة بإستفهام وهي ممسكة بصينية العصير:
- يا ترى بتتكلم على مين، كنت حاسة أنها شرانية و نابها أزرق!!!!
• • • •
أتجهت "أسيا" إلى غرفتهما بعد أن تأكدت أن "رهف" بالأسفل تساعد السيدة "رقية" ولا يوجد بالغرفة سواه، أتبعتها الخادمة بحذرٍ وبخطواتٍ خفيفة، وقفت "أسيا" أمام الباب ثم طرقت عليه برقة، لم تسمع جواباً لتدلف بحذر، سمعت صوت المياة تنهمر على الأرضية من داخل المرحاض، لتبتسم بخبث متجهة إلى هاتف "رهف" الموضوع على الفراش ثم أمسكت به ولسوء حظ بطلتنا لم يكُن مؤمَن بكلمة مرور، لتفتحه "أسيا" بسهولة ثم دونت رقم "سليم" التي تحفظه وسجلته بإسم فتاة والتي كانت "أسماء"، لتبعث له رسالة كان مضمونها "حبيبي وحشتني أوي" سُرعان ما أجابها "سليم" على أتفاق منهما قائلاً"أنتِ كمان يا حبيبتي وحشتيني أوي لازم أشوفك" لتجيب "أسيا" بأيدٍ مرتعشة عندما سمعت صوت المياه يتوقف من الداخل "حاضر يا حبيبي باسل شوية وهينزل شغله و هجيلك في شقتنا أصبر بس شوية" ثم تركت الهاتف لتندفع إلى الخارج تاركة الهاتف مفتوحاً، ليخرج "باسل" من المرحاض ثم أرتدى بنطال مُريح يعلوه كنزة تغطي ذراعيه ليشمرها عن ساعديه جاعلاً من عضلات ذراعه بارزة، ليلتفت للهاتف عندما أصدر رنيناً ينم عن وصول رسالة، ليُمسك به يقراً ما كُتب بحروف قذرة "مستنيكي يا حبيبتي لحسن أنا هموت عليكي"!!!!
شُخصت نظراته ليشعر ببطئ نبضات قلبه، تحول وجهه للون شديد الإحمرار، ليقبض بقوة على الهاتف حتى كاد أن يتحطم بكفه، شعر بضيق تنفسه ليركض خارج الغرفة بخطوات تحفر الأرض أسفله، يتخطى الدرج الكبير في ثلاث خطوات، ثم أتجه إلى المطبخ ليجدها تقف مبتسمة تسامر والدته، بينما عمته "سُمية" تقف مع "آسيا" ،تشنج وجهه ليمضى نحوها ثم أمسك بخصلاتها في قبضة يده ليجُرها خلفه وسط صراخها الذي دوّي بالقصر بأكمله، وصرخات والدته التي ركضت خلفهما تمسك بذراعه صارخة به بهلعٍ:
- أيه اللي حُصل يا ولدي چارر مرتك إكده ليه يا باسل!!!!!
تخطاها "باسل" ليشدد قبضته على خصلاتها يسحبها خلفه صاعداً للدرج هادراً بصوت جهوري عالٍ:
- محدش يدخل بيني وبين مــراتــي فاهمين!!!!!
بكت"رهف" بأقوى ما لديها وهي تشعر بخصلاتها تكاد أن تتمزق من شدة قبضته عليها، ليدلف بها للغرفة، ثم دفعها من يده لتسقط على الأرضية بعنف، أغلق "باسل" الباب موصداً إياه بالمفتاح، تراجعت "رهف" للخلف بذعر لتجده يتجه نحوها لينحنى لها ممسكاً بفكها بقسوة، و باليد الأخرى رفع هاتفها ليضعه أمام وجهها صارخاً بها:
- بتخونيني يا رهف؟!!!! بتستغفليني؟!!!!أيه؟!!! حنيتي لماضيكي الـ***؟!!!!!!
صُدمت "رهف" لتحدق بالرسائل وبالإسم، لترفع عيناها الباكية له:
- مش أنا اللي بعت الرسايل دي، والله مـ أعرف عنهم حاجة!!!!
↚
رفع كفه عالياً ليهوى بها على وجنتيها لترتطم رأسها بالأرضية من شدة صفعته، بكت "رهف" بإنهيار وهي تسمع صراخ والدته عليه من الخارج تطرق الباب بعنف شديد، جذبها مرة أخرى من خصلاتها لينهال عليها بالصفعات القوية يجأر به بنبرة مُرعبة:
- بتخونيني يا **** ده أنا لميتك من الشوارع و نضفتك!!!! مين دة رُدي عليا سليم مش كدا يا****!!!!!!
ضرب برأسها الأرضية عدة مرات حتى فقدت الوعي، فقدت وعيها بوجهٍ متورم شديد الإحمرار، خصلات مشعثة وقلب دُفِن تحت الثرى!!!!
نهض عنها يستند على الفراش بأنفاس مهتاجة، واضعاً كفه على الملاءه منحني بجزعه و الأخر وضع على قلبه الذي بدأ يؤلمه، يلهث بعنف ليلقي نظرة مزدرية عليها، أعتدل في وقفته ثم مضى نحو الباب ليفتحه، دلفت والدته بلهفة لتصفع وجنتبها بعنف عندما شاهدتها طريحة الأرضية ، لتتجه نحوه ممسكة بكنزته تهزه بعنف:
- عَملت أيه في البت رُد عليا أنا مخلفة حيوانات مش بني آدمين، رد يا أبن الهلالي عملت فيها أيه!!!! البت حامل ربنا ينتجم منك حسبي الله ونعمة الوكيل فيك!!!!!
توسعت عيناه عندما ألتقطت أذنيه ما قالته، لينتفض قلبه عليها ينظر نحوها، قائلاً بصدمة:
-حـــامـــل!!!!!!
لتتوحش أنظاره قائلة بنبرة خالية من الحياة:
- مش أبني!!!!!
ضربت "رقية" على صدرها صارخة به بحدة:
- أيه اللي أنت بتجوله دة أنت أتچنيت!!!!!
ركضت"رقية" إليها لتجلس بجانبها واضعة رأسها على قدميها، تحاول إفاقتها وهي تصفع وجنتيها -التي غزى الأحمرار منها-برفقٍ، ولكن لم تستجيب لتبكي "رُقية" على تلك المسكينة..
وقفت "آسيا" تراقب ما يحدث وهي مكتفة ذراعيها، مرتسمة على شفتيها أبتسامة حاقدة، جوارها "سُمية" التي ألتوى ثغرها بإبتسامة شامتة تتابع ما يحدث بأعين كارهة، وقف الخادمة بالخلف تذرف الدموع من عيناها، تتمنى لو أن أخبرته ولكن خوفها يحثها على الصمت وعدم التدخل!!!!!
صرخت "رُقية" بالخادمة بنبرة آمرة:
- أطلبي الضاكتور يابت بسُرعة!!!!
ركضت بالفعل تهاتف الطبيب، لتخرج "آسيا" من الغرفة معها "سُمية" دون التفوه بحرفٍ، ليخرج "باسل" لُفافة تبغه من جيبه ثم أشعلها ينفث دخانها و هو ينظر لها بقرفٍ، يردف بنبرة سوداوية:
- لسة مشافتش مني حاجة، ورحمة أبويا لهخليها تتمنى موتها ومتطلوش!!!!!
جحظت "رقية" بعيناها وهي ترمق أبنها لتقول بنبرة متحسرة:
- لا حول ولا وة إلا بالله، ليه يابني إكده دة أنتوا روحكوا كانت في بعض، دي رهف غلبانه ومكسورة الچناح وبتحبك والله!!!!!
هدر بها يصوتٍ عالٍ:
- أسكتي يا أمي أنتِ متعرفيش أي حاجة!!!
أتى الطبيب سريعاً ليحملها "باسل" من على الأرضية لا يُطيق لمسها، ليكشف عليها الطبيب قائلاً بذهول:
- المدام واضح أنها أتعرضت لضرب مبرح، و ربنا ستر والجنين وضعه مستقر إلى حدٍ ما، مناعتها ضعيفة جداً و أنا هكتبلكوا على أدوية وڤيتامينات تاخدها بإنتظام..
ذهب الطبيب بعد أن دوّن الأدوية، لتظل "رُقية" بجانبها تمسح على خصلاتها، و ظل "باسل" جالساً أمامهم يطالعها بنظراتٍ نارية، ينتظر أن تفيق حتى يُكمل ما بدأه، ولكن بقسوة أشد!!!!
فتحت عيناها المتورمة ببطئ، تكشِف عن خيوطٍ شديدة الأحمرار بعيناها من كثرة البكاء، نظرت إلى "رقية" التي طالعتها بحنان مقبلة جبينها، تذكرت "رهف" ما حدث لها لتعتدل جالسة، سقطت بنظراتها نحو معدتها، لتشهق بعنفٍ وهي تتمسك بها قائلة إلى "رقية":
- أبني!!!! أبني حصله حاجة؟!!!!
نفت "رقية" برأسها سريعاً قائلة:
- بعد الشر على حفيدي و عليكي يا ضنايا متخافيش!!!!
ذرفت الدموع وهي تنظر أمامها فوجدته أمامها بعيناه الجامدتان ووجهه المتشنج، أخفت وجهها مرتعبة بصدر "رقية" لتحتضنها "رقية" تمسح على ظهرها..أبتسم "باسل" بسُخرية يحدث نفسه، زوجته التي كانت تتوارى بصدره متشبثة به، باتت تختبئ بوالدته خائفة منه هو، نهض "باسل" مقترباً منها ليزداد بكاءها وأرتجاف جسدها تحتمي في أمه، ليحادثها قائلاً بهدوء يخبئ خلفه عواصف هائجة:
- أمي لو سمحتي سيبيني معاها شوية!!!!
تشبثت "رهف" بها أكثر لتنفي "رقية" قائلة بحدة ولم يطاوعها قلبها على تركها:
- مش هسيبها معاك يا وِلد الهلالي، البت مرعوبة حرام عليك إكده يابني!!!!
مسح على وجهه بعنف ليقول بجمودٍ:
- مش هعملها حاجة هتكلم معاها شوية يا أمي لو سمحتي!!!!!
نظرت "رقية" إلى "رهف" بأسف لتربت على كتفيها قائلاً بنبرة حنونة:
- متخافيش يابنيتي مش هيعملك حاچة ياضنايا!!!!
نفت "رهف" ممسكة بكفيها قائلة بتوسل وقد أُغرق وجهها من كثرة البكاء:
- لاء أبوس إيدك يا ماما متسيبنيش معاه عشان خاطري!!!!!
صرخ بها "باسل" بصوتٍ جهوري:
- أخرسي!!!! دي مش أمك، أنا أمي متتشرفش تجيب بنت **** زيك!!!!!!
توسعت عيناها لتتهدل كتفيها، تاركة "رقية" لتحاوط كتفيها تنظر أمامها بشرودٍ، لتلتفت له "رقية" هادرة به بعنف:
- أخرس أنتَ يا باسل!!!! رهف ست البنات!!!!!
هتف "باسل" بنبرة خاوية:
- لو سمحتي يا أمي سيبيني معاها شوية!!!!
أومأت "رقية" بقلة حيلة لتمسح على خصلاتها الطويلة قبل أن تذهب، ثم خرجت من الغرفة تحدث "سُمية" قائلة في حيرة:
- ربنا يعديها على خير!!!!!
زحفت "رهف" لنهاية الفراش تضم قدميها إلى صدرها، تنظر له بنظرات جعلت قلبه يرتجف خِلسة، خائف من أن يكون ظلمها، و أن زوجته عفيفة لم تدع سواه يمُسها!!!!!
ولكنه عاد لجمود صفحات وجهه ليجلس أمامها على الفراش قائلة بنبرة حادة:
- بتخونيني أنا!!!!، طبعاً.. م أنا كان لازم لما أتجوز أختار بنت ناس، مش بنت جاية من الشارع!!!!!!
وكأنه كوّر قبضته ليسدد لها عدة لكمات في قلبها أصابتها في مقتل، لتنهمر الدموع من عيناها أكثر و هي تشعر بلسانها شُلِ عن التحدث، رفعت كفيها لتضرب بها على صدره لتنهض واثبة أمامه تصرخ بهيستيرية:
- بس!!!! بس بقا كفاية أسكت مش عايزة أسمع صوتك!!!! أنت أزاي تتكلم معايا كدا أنت أتجننت!!!! أنت حتى مش عايز تسمعني بقولك أنا معرفش حاجة عن الرسايل الزبالة دي ومش عارفة مين اللي عمل كدا!!!
أبتسم بسُخرية يهتف بتهكم:
- فاكرة أني هصدقك!!!!!!
↚
أمسكت برأسها تضغط عليه بقوة صارخة به بإنفعال:
- طلقني أنا مستحيل أبقى على ذمتك دقيقة كمان!!!!!
وثب أمامها ليمسكها من ذراعيها غارساً أظافره بساعديها قائلاً بنبرة وحشية:
- أطلقك!!!!! عشان ترجعي لحبيب القلب مش كدا؟!!!!! أنا هعرفك مين باسل الهلالي حالاً!!!!
حرر أزرار قميصه واحداً تلو الأخر، وهي تقف مذهولة تتراجع إلى الخلف بخطواتٍ ثقيلة على قلبها، نزع قميصه بالكامل ليبقى عاري الصدر، ثم أخذ ينزع حزامه الجلدي لتصرخ به "رهف" وهي على مشارف البكاء:
- هتعمل أيه!!!!!
أمسك بحزامه ليلفه على كفه الغليظ، ثم أمسك بذراعها ليدفع جسدها نحو الفراش، يقيدها من كفيها بكفٍ واحد، لتبكي "رهف" بقوة وهي تشعر أنها ستُهلك بين يداه لا محال، قائلة بنبرات تمزق نياط القلب:
- باسل أبوس إيدك لاء!!!!، أنا حامل في أبنك هتخسرني يا باسل للأبد!!
رفّع حزامه الجلدي ليهوي به على الملاءة جوارها بالضبط لتنتفض "رهف" ثم أخذ جسدها في الأرتعاش تبكي بقسوة، ليلقي "باسل" بالحزام على الأرضية، ثم مال عليها ممسكاً كتفيها بعنف صارخاً:
- أبني!!!!!بطلي كدبك ده بقا
بكت "رهف" كما لم تبكي من قبل، بكاءها أصبح مصحوب بشهقات مُهلكة، مغمضة عيناها لا تستطيع النظر إلى وجهه، لينظر هو بدروه لملامحها، إلى تلك الكدمة جوار فمها، شفتيها الحمراء و المتورمة، وعيناها التي لا تكف عن البكاء، ليصفع الملاءة جوارها عدة صفعات ثم اعتدل في وقفته مبتعداً عنها..
أزداد بكائها لتطلق آهات متألمة، آهٍ تلي الأخرى تلفظها فِيها، وتتضاعف منطلقة من قلبها الذي أُعتصر بألم، شعر بنغزات متتالية في قلبه ليغمض عيناه لا يريد سماع صوت بكاءها، ليُمسك بقميصه يرتديه دون أن يغلق أزراره، ثم ألتقط هاتفه و مفاتيحه ليخرج تاركاً إياها تشهق ببكاء رنّ في أذنه!!!!!!
• • • •
دلفت "فريدة" من الباب لتجد "رقية" تركض نحوها قائلة بفزعٍ:
- ألحقيني يا بنتي رهف فوج وباسل هيجتلها!!!!!
صُدمت "فريدة" لتركض على الدرج غير مستوعبة ما قالته، فوجدت "باسل" يخرج من الغرفة صفحات وجهه شيطانيه، أقتربت "فريدة" من باب الغرفة لتضع يداها على فمها بذهول، ركضت نحوها لتجلس بجوارها على الفراش، ثم أمسكت برأسها ترفعها للخلف لكي تستنشق أكبر قدر من الأكسجين، مسحت على خصلاتها تردف بفزع:
- رهف حبيبتي أهدي متعمليش في نفسك كدا أهدي ياروحي ششش بس بس!!!!!
ضربت "رهف" على قلبها صارخة بصرخات هيستيرية جعلت "فريدة" تبكي على حالها، لتدلف "رقية" تحاول تهدئتها ولكن لم تستجيب لأي شخص، لتهاتف "رقية" أبنها، أنتظرت أن يرُد ليجده قد فتح المكالمة، صرخت به "رقية" قائلة:
- أنت عملت في البت إيه مش راضية تبطل عياط و نواح تعالى ألحجها يابني دي حامل أنت جايب جساوة الجلب دي منين!!!!!
أنتفضت "فريدة" بصدمة صارخة:
- أيه!!!! حامل!!!!!
أستمع "باسل" لبكاءها الممزوج بصراخ جعله يشعر بإنقباض قلبه، ولكن عندما أمسك بهاتفها الذي لازال بيده، يقرأ تلك الرسائل، ليصرخ بأمه بنبرة مُرعبة:
- أنا لو جيت هقتلها بإيدي، وخليها تبطل تمثيلها دة بقا!!!!!!
• • • •
أفاقت "ملاذ" من نومها بعينان متورمتان من شدة بكاءها، لتنهض من على الفراش بخطوات خفيفة مرتجفة، ثم فتحت باب الغرفة بحذر حتى لا يسمعها، أطلت برأسها على بهو الشقة فلم تجده، أتجهت نحو الباب الخارجي لتحاول فتحه، ولكنها وجدته موصد بالمفتاح، سمعت صوته الساخر خلفها قائلاٌ ببرود:
- متحاوليش!!!!مش هتعرفي تهربي مني!!!!
وقع قلبها أرضاً لتتقاذف الدمعات من عيناها بقوة تُغمضها بيأسٍ، لتلتفت له تطبق على عيناها بيأسٍ ترفض رؤيته، ثم فتحتهما بعد مدة لتجده يقف أمامها مربعاً ساعديه أمام صدره، لتقترب منه واضعه سبابتها على صدره، غارزة ظفرها بقميصه الأسود، قائلة بنبرة قوية رُغم عيناها التي أُغرقت بالدموع الساخنة:
-أنا همشي من هنا، بمزاجك أو غصب عنك همشي ومش هتشوف وشي تاني، و كُل واحد يروح في طريقه!!!!
أبتسم بسُخرية شديدة ليمسك أصبعها برفق، ثم قبض على كفها بأكمله وأمسك بكفه الأخر كفها المتحرر أيضاً، ثم أرجعهما وراء ظهرها ليلصقها بصدره قائلاً بنبرة مخيفة:
- طب حاولي كدا تخطي عتبة الشقة و أنا هـ!!!!!
قاطعته بصراخٍ باكٍ:
- هتعمل أيه يا ظافر، هتضربني تاني ولا هتبوسني بالعافية و أحتمال تجبرني على حاجات تانية مش كدا
أرخى قبضته عن ذراعيها ليقول بنبرة هادئة أستشعرت بها الحنو:
- أنا مكنتش أقصد أمد إيدي عليكي!!!!
ثم أكمل بتنهيدة:
- و أنتِ عارفة أني مستحيل أجبرك على حاجة زي دي!!!!!!
أرتدت مبتعدة عنه لتضربه على صدره مردفة بغضبٍ:
- أومال كنت بتبوسني بالعافية ليه!!!! رد عليا!!!!
أمسك بكتفيها يهزها بصراخٍ عال:
- عشان أعاقبك!!!! أعاقبك على اللي أنتِ قولتيه، عشان أثبتلك أنك ملكي وكل حاجة فيكي بتاعتي أنا ومش هسمحلك تجيبي سيرة الطلاق أبداً مرة تانيه لو قولتيها تاني هكرر اللي عملته مرة تانية!!!!!
عادت برأسها للوراء تطالعه، ملامحه المشدودة بقوة، عيناه القاسية والتي لم تعد ترى بها ذلك الدفئ الذي دائماً ما كان يغمرها، حتى صوته الذي أصبح أغلظ، لا ترى به ذلك الحنو الذي كان يطمئنها، لتردف بنبرة شبه باكية:
- أنتَ مين؟!!!!!
دُهِش من سؤالها لتُكمل بصوتٍ جعله يتمنى لو أن يقتل نفسه:
- مش أنت اللي أنا حبيته، مش أنت اللي أتجوزته و أنا عارفة أنه مش هيزعلني ومش هيخليني أنام معيطة كل يوم ومش هيطفيني وهيدفن روحي، مش أنت ظافر اللي كنت مطمنة معاه وبحس أن محدش هيقدر يأذيني و أنا في حضنك، طلعت أن أنت اللي بتأذيني، مش أنت اللي عينك كانت كلها حنان و حُب ليا، أنت مش ظافر، أنت تاجر سلاح بتقتل وبتنهب وبتضُر بلدك بأقذر الطرق، و بتضربني وبتحبسني هنا بالغصب، ليه وصل بينا الحال لكدا؟!!! طب أنا أذيتك في أيه عشان تأذيني بالطريقة دي!!! ليه يا ظافر؟!!!!
شعر "ظافر" بثُقلٍ على قلبه، لا يستوعب ما يحدث وما تقوله، أخذ يتساءل، هل هو تغير بالفعل!!!! هل أصبح شخصاً أخر تبغضه هي، كوّب وجهها ليبعد خصلاتها الملتصقة بجبهتها، ليميل مقبلاً وجنتها الممتلئة، يغمغم بأسفٍ:
- أنا أسف، والله مـ كان قصدي أضربك أنا أسف يا ملاذ، كلامك خلى دماغي تغلي، مكنتش شايف قدامي!!!!
نفت برأسها تفرك عيناها لتزيل عنهما الدموع قائلة بنبرة حزينة:
- أنا مش عايزاك تعتذر، أحنا خلاص مينفعش نعيش مع بعض، عشان خاطري يا ظافر خلي كل واحد يروح لحاله، أنا مينفعش أعيش مع تاجر سلاح، أنا بقيت قريبة أوي من ربنا قولي هرفع أيدي وأدعي أزاي ومستنياه يقبل دُعايا وأنا جوزي تاجر سلاح!!!! أنت عارف أخرتك أيه؟!!! هتموت يا ظافر وهخسرك!!!! وأنا مش هتحمل أخسرك مهما حصل!!!
دفنت وجهها بكفيها لا تتخيل أنها ستفقده يوماً ما، ليبعد كفيها عن وجهها ثم قبلهما برقة، جذبها لتجلس على الأريكة، ثم أستلقى هو على قدميها سانداً رأسه على قدمها ، ينظر للسقف بشرودٍ، لتمُّد أناملها تمسد على خصلاته الناعمة قائلة برقة:
- أحكيلي يا ظافر، أفتحلي قلبك و قولي أيه اللي وجعك أوي كدا، ليه دايماً بشوف النظرة دي في عنيك، أحكي عشان ترتاح!!!!!
↚
أغمض عيناه ليتنهد جاعلاً أكبر كمية من الهواء تدلف إلى رئتيه، ثم هتف:
- لما كنت صغير، كنت بسمع أبويا بيتكلم مع ناس وبيتفق معاهم على صفقاته، مش بس كان تاجر سلاح لاء، دة كمان كان تاجر أعضاء و مخدرات دة غير أنه كان بيتاجر في البنات في شقة دعارة هنا في القاهرة، كان راجل جبروت وقاسي، عُمره مـ خدنا في حُضنه وحسسنا أنه أب، بالعكس، كان دايماً يضربنا على أبسط حاجة، بس مازن أكتر واحد أضرب فينا، عارفة ليه؟!! لأن مازن كان متمرد جداً، لما كبرنا مكنش قابل باللي بيعمله، دايماً كان يقوله أنه عنده بنت واللي بيعمله هيتردله بعدين، وقتها كان بياخده ويقفل عليهم الأوضة، وكان ينزل فيه ضرب بالحزام و بالسَطور، ضرب ساب ندبات على ضهره لحد دلوقتي، عشان كدا أمي بتحبه أوي عشان هو شاف كتير من اللي أتحسب علينا أب ده، مازن موجود وعايش برا في باريس دلوقتي مش مختفي زي مـ قولنا، و أمي عارفة كدا و أنا اللي قولتلها، هي مكنتش هتسكت كل ده و أبنها بعيد عنها، المهم أن في مرة لما بقى عندي 20 سنة قعد معايا وقالي حاجتين قلبوا حياتي، عارفة قالي أيه؟!!
ثم أبتسم بسُخرية مكملاً:
- قالي إن أهم حاجة في الدنيا دي الفلوس، و أننا مخلوقين عشان نعمل فلوس مهما كانت الطريقة دي، قالي أني لازم أطلع زيه، لأنه شاف فيا القسوة بتاعته، واخدت نفس عينه و فيا من طباعه اللي بحاول أغيرها دلوقتي!!!!
سقطت الدموع من عيناها لتحاوط وجهه قائلة بحزن:
- طب و أيه الحاجة التانية؟!!!
- قالي أوعى في يوم تآمن لواحدة ست، الستات أتخلقوا عشان يخدمونا، كلهم خاينين وطماعين، وبيجروا بس ورا الفلوس!!!!، غرس فيا ده!!!! عُمره مـ حب أمي!!! كان بيحب قبلها واحدة، بس خانته مع صاحبه، كان كل يوم يضرب أمي قدام عيونا، كان بيعمل فيها حاجات بشعة و زبالة!!!! عارفة وقتها أنا وعدت نفسي أني عُمري م هعمل كدا مع مراتي أو مع أي واحدة، وقتها خدني أشتغل معاه في صفقاته ال****، كان بيعلمني تجارة السلاح بس، وفعلاً بقيت أحسن منه في وقت قصير، وقتها أمي قالتلي كلام عُمري م أنساه!!!، عيطت وقالتلي أني هبقى نسخة من أبويا، و أني هطلع أسوأ منه كمان!!!!، كل مرة تقولي بلاش تضيع نفسك، بلاش تبقى زي أبوك، كنت ببقى عايز أبعد فعلاً وأسيب تجارة السلاح بس مكنتش بقدر، لما كنتِ صغيرة وجيتي عشان تاخدي منه فلوس و هو حبسك في الأوضة اللي أتحبسنا فيها كلنا بداية مني حتى ملك كانت تقعد تعيط عشان يطلعها وهي صغيره و مكنش بيوافق، حتى أمي لما كانت تفتح بؤها كان يضربها ويحبسها هي كمان في أوضتهم!!!!!، أنا بس اللي كنت بخرج ملك لأن هو مكنش يقدر يرفضلي طلب، و لما أنتِ أتحبستي وقتها حسيت أن قلبي واجعني و أنا سامع صوتك، ولما طلعتك و أغمى عليكي قدام عيني قلبي وقع في أرضي، عارفة يا ملاذ قولت أيه وقتها في سري، قولت أن هيبجي اليوم اللي تبقي مراتي فيه ..لحد م أتجوزت مريم، أتجوزتها عشان أبويا و أبوها كان بينهم مصالح، وطبعاً أختارني أنا عشان مريم كانت بتحبني من زمان، بس انا عُمري مـ حبيتها، دورت عليكي كتير بس مكنتش بلاقيكي، ولما شوفتك في الشركة أول مرة كأن روحي رجعتلي، لما الزفت سالم دخل وكان هيضربك الدم غلي في نافوخي، كنت أكبر كداب لما قولتلك أني مضربتوش عشان سواد عيونك، و أني ضربته عشان مش بستحمل أشوف راجل يستقوى على بنت قدامي، أنا ضربته عشان أستجرأ و رفع أيده عليكي ولما أتهجم عليكي في البيت كنت عايز أقطعه حتت عشان أتجرأ وقرب منك، المهم هكملك أبويا تعب و أبو مريم شركاته فلِست، و أبويا عرف وقتها أن جاله سرطان في الدم، كان بينهش في جسمه!!!!! لما مات حسيت أن ضهري أتكسر، متستغربيش أنا فعلاً عُمري مـ حبيته، بس وجوده كان مقويني!!!! أنا مطلعتش تاجر سلاح عشان أنا عايز كدا، أنا بتاجر في السلاح عشان أنا متعود على ده، بس كنت خايف، مش خايف من الموت، خايف أني أقابله و أنا كدا!!!!!! ملاذ أنتِ الوحيدة اللي عشقتها، أنتِ اللي حسيت معاها أني ظافر القديم، مش تاجر السلاح اللي بيقتل بدم بارد!!! متسيبنيش يا ملاذ، أنتِ نقطة ضعفي!!!!!
لم تتوقف عن البكاء لتحتضن رأسه بقوة مقبلة جبينه قائلة ببكاءٍ:
- يآآآه يا ظافر كل ده شايله في قلبك!!!!
نظرت إلى وجهه لتحاوطه قائلة بنبرة لا تخرج إلا من عاشقة متيّمة:
- أنا عُمري في حياتي مـ هسيبك، أنا أصلاً مقدرش أبعد عنك وهكمل معاك حياتي كلها لحد م واحد فينا يدفن التاني!!!!!
جعلته ينهض ثم ضمت رأسه لأحضانها تمسح على خصلاته مقبلة إياها،ليعانق هو بدوره خصرها، دافناً رأسه بأحضانها، يشتم رائحتها التي تُسكره، بينما هي لا تكِف عن تمسيد خصلاته، ليردف قائلاً:
- ملاذ سامحيني أني ضربتك، و على اللي عملته معاكي أنا أسف...
غمغمت بـ:
-ششش أنا مسمحاك والله!!!!
غفى "ظافر" بعناقها، لتنظر لها نائم كالملاك بين يداها، لتقبل جبينه قائلة نظرات متحدية:
- صدقني مش هسيبك كدا، كل اللي أتكسر زمان فيك هصلحه!!!!!
• • • •
لملمت "ملك" ملابسها وما يخُصها، لتجر سحاب الحقيبة ثم وضعتها على الأرضية، لازالت لا تستوعب أنها ستذهب معه إلى بيته، ستراه يومياً بحالاته، ضاحكاً وحزيناً، غاضباً وسعيداً، عاشقاً ..فقط، لم تستوعب أن الحياة أبتسمت لها!!!!
أرتدت ملابسها ثم حملت حقيبتها، لتجده يدلف بهيبته المعهودة، ليقع قلبها أرضاً فورما تراه، ثم قالت بلا وعي:
- أنت أيه اللي جابك؟!!!
رفع حاجبه الأيسر ليقول بتهكم:
- والله أنتِ هبلة!!!!
ضربت على جبينها لتضع كفها على فمها قائلة:
- ايوا انت معاك حق في دي!!!!
قهقه على حركاتها الطفولية ليمسك كفها برقة قائلاً:
- طب يلا بقا عشان منتأخرش!!!!!
↚
نظرت إلى كفه الذي أختفي في كفه الغليظ، لترفع أنظارها له قائلة بنبضات سريعة ضربت قفصها الصدري:
- جواد هو اللي أنا فيه دة حقيقي صح؟!!!يعني أنت بجد ماسك إيدي وهروح أعيش معاك، أنا مش مصدقة!!!!
ألتفت لها ممسكاً بكتفيها يقول بإبتسامة:
- طب أخليكي تصدقي أزاي أنك مراتي؟!!
مدّت ذراعها له قائلة ببلاهة:
- أقرصني!!!!
أمتدت أنامله ليقرصها في ذراعها بعنف، لتسحب ذراعها متآوهة بعنف لتهتف بألم:
- أيه يا جواد دة!!!
أبتسم قائلاً ببراءة زائفة:
- مش أنتِ اللي قولتيلي أقرُصك!!!!
زمت شفتيها قائلة:
- قولتلك تُقرصني مش تورمني كدا!!!!
حمل حقيبتها ليجذبها من ذراعها قائلاً بنفاذ صبر:
- طب أمشي وبطلي رغي!!!!
سارت معه للخارج، فرأت "فتحية" أيضاً مستعدة إلى الرحيل، ليجعل "جواد" السائق يقيلها لمنزلها، ثم تحركا هو بسيارته، جلست بجواره لتقضم أظافرها بتوترٍ، ثم أخبرته على عجالة:
- جواد وقف العربية ع جنب بسررعة!!!!
قطب حاجبيه ليصف السيارة جانباً، ثم ألتفت لها قائلاً بجدية:
- في أيه؟!!!!
ألتفتت له لتردف هي الأخرى بجدية:
- عايزين نتفق على شوية أتفاقات كدا..!!!!
أسند ذراعه على المقود مستنداً بظهره على المقعد ثم قال بهدوء:
- قولي!!!!
تنهدت مردفة بـ:
- جواد عارف أيه أكتر حاجتين بكرههم؟!!! الكدب والخيانة!!! أنا هبدأ معاك حياة جديدة، عايزة أعرف كل حاجة فيك اللي الحاجات اللي بتحبها واللي بتكرهها، أنا بس بقولك كدا عشان أنا عارفة أنك بتاع بنات ما شاء الله وبتحب تنوّع!!!!
ثم مدّت جزعها العلوي لمقعده ليتراجع "جواد" بدهشة، لترفع سبابتها في وجهه قائلة بتحذير:
- لكن والله يا جواد لو فكرت تخوني هوريك سواد الليل، مش هيكون في بنات في حياتك غير انا و الست الوالدة و أختك لكن غير كدا هقتلك يا جواد!!!!
تراجعت "ملك" بخوف عندما أنقلبت الأدوار ليمد هو جزعه العلوي مشيراً سبابته بوجهها قائلاً بنبرة تحذيرية:
- أولاً صباعك ينزل من وشي بدل م أكسرهولك!!!!
أحتضنت أصبعها إلى صدرها ليُكمل هو ولازال يعتليها قائلاً:
- و أنت عارفة أيه أكتر تلات حاجات بكرههم، الخيانة و الكدب وزودي عليهم أن حد يعلي صوته عليا ولا يتكلم معايا بالنبرة دي!!! وبعدين هو أنا هتجوزك ليه و أنا هخونك، أتلمي بقا و أهدي هـا أهـدي!!!!!!
أومأت سريعاً قائلة بخوفٍ:
- خلاص يا باشا متزُقش!!!!
ثم أكملت وهي شاردة في ملامحه:
- أمشي بقا و أنت شبه امير اللي في الحب الأعمى كدا!!!!
رفع حاجبه الأيمن وهو لازال يستند بكفيه على باب
السيارة ليبتسم قائلاً بغرابة:
- مين دة؟!!!
لتنظر له "ملك" بهيامٍ مغمغمة:
- دة حد قمر كدا هبقى اوريلك صورُه!!!!!
أظلمت تعابير وجهه ليقول بتحذير:
- لسانك لو مدح في راجل غيري هتشوفي وش تاني خالص!!!!
تضايقت "ملك" من نبرته الآمرة معها في الحديث لتهتف بفتور:
- جواد أنت بتتكلم معايا كدا ليه!!!! أنا مش هسمحلك تتكلم معايا كدا!!!!!
عاد للخلف ليضع كفه الأيسر على المقود قائلاً ببرود :
- تسمحي ولا متسمحيش مش فارق معايا!!!!
أستندت على ظهر المقعد لتنظر من النافذه بحزن، ترقرقت الدموع بعيناها لتضع رأسها على النافذة تنظر لوجوه البشر، شعر "جواد" بقلبه يؤلمه ليُمسك بذراعها وهو يوزع أنظاره على الطريق وعليها، لتلتفت له "ملك" بحزن، جذبها "جواد" من ذراعيها ليضع رأسها على صدره ممسداً على ظهرها هامساً بحنو:
- متزعليش يا حبيبتي!!!!
أنفجرت "ملك" بالبكاء لتدفن أنفها في صدره متشبثة بقميصه الأسود قائلة بحزن:
- جواد متتكلمش معايا كدا تاني!!!!
أومأ مردفاً برفقٍ:
- حاضر..
أخذ كلها الصغير ليقبله بحنو ليردف بنبرة مازحة:
- وبعدين أنا متأكد أن أمير ولا حاجة جنبي و أني أحلى منه بكتير!!!!!
رفعت رأسها له لتحدق في ملامحه الوسيمة مغمغمة بـ شرودٍ في عيناه الخضراء:
- مممم...!!!!
نظر لها جزءاً من الثانية ليعود ناظراً أمامه قائلاً بخبث:
- ممممم احلى مش كدا؟!!!
أومأت متنهدة و هي تحتضن خصره:
- أيوا طبعاً!!!!!
أبتسم لينظر داخل عيناها ثم نظر للطريق ليعود ناظراً لها ليردف بوقاحة:
- أنتِ عارفة لو فضلتي تبُصيلي بعيونك الحلوة دي هنعمل حادثة وهنتدغدغ!!!
أبتسمت "ملك" لتضع أذنها على مكان قلبه...
قاد "جواد" السيارة مبتسماً، ثم وصل إلى قصره، ترجلت "ملك" لترتجف أطرافها راكضة نحو "جواد" متشبثة بذراعه:
- جواد أنا قلبي مقبوض و خايفة أدخل!!!!
ربت على ظهرها قائلاً بلُطف:
- مش عايزك تخافي و أنا معاكي!!!!!
أومأت بطفولية ليحمل حقيبتها بكفٍ، والأخرة قبض على كتفيها برفق، ثم تحركا تجاه القصر، و قبل أن يدس المفتاح بالباب وجد الباب يُفتح بلهفة، وجدت "ملك" سيدة بدينة بعض الشئ كحال الكثير من الأمهات المصريات، وجهها بشوش ذات عينان خضراوتان ورثها "جواد" عنها، وبشرة بيضاء ناصعة، تفاجأت "ملك" بها تجذبها لأحضانها قائلة بإبتسامة رُسمت على ثغرها:
- جواد حكالي عنك كتير و أخيراً جيتي يابنتي!!!!
↚
بادلتها "ملك" العناق قائلة بمزاح:
- متقلقيش يا طنط أنا لازقالكوا لحد ما تزهقوا مني!!!!
أبتسم "جواد" ليدلف مغلقاً الباب خلفه قائلاً بمزاح:
- خلاص يا أمي البنت هتموت في إيدك هاتيها شوية!!!!
ربتت "إيناس" على ظهرها قائلة:
- بس يا واد روح أنت وسيبها قاعدة معايا ملكش دعوة بينا!!!!
هتف بسُخرية:
- ماشي هطلع أنا منها..!!!
ثم أكمل متسائلاً:
- ياسمين فين؟!!!!
أرتبكت "إيناس" قائلة و هي تقترب منه قائلة:
- ياسمين .. ياسمين نايمة في أوضتها فوق يا حبيبي عشان تعبانه شوية..
قطب حاجبيه قائلاً بقلق:
- تعبانة مالها أنا كنت سايبها كويسة..!!!!
أبتلعت "إيناس" ريقها لتفرك أصابعها لا تعلم بماذا تجيبه، لتنقذ "ملك" الموقف قائلة وهي تربت على كتفه:
- يا جواد أكيد نايمة الوقت أصلاً متأخر، يلا عشان تطلع ترتاح في أوضتك شوية و بكرا هنشوفها..
ثم ألتفت إلى "إيناس" قائلة بإبتسامة:
- طنط أنا أوضتي فين؟!!!
جذبها "جواد" من رسغها قائلاً بغرابة:
- أوضة مين أنتِ هتنامي في أوضتي!!!!
قطبت حاجبيها قائلة:
- لاء طبعاً يا جواد ميصحش أنا و أنت ننام في أوضة واحدة!!!!
هتفت "إيناس" قائلة بدهشة:
- أنتِ مراته يا حبيبتي أيه المشكلة؟!!!
نظرت لهما لتقول بخفوت:
- عارفة بس آآآ...
قاطعها "جواد" قائلاً بنبرة آمرة:
- مافيش بس هتنامي في أوضتنا...
أقتربت "إيناس" منها لتربت على ظهرها قائلة بلُطف:
- حبيبتي لو مش عايزة تنامي في ٱوضته هخلي الخدامين ينضفوا أوضة ليكي محدش هيجبرك على حاجة!!!!
هتف "جواد" بغضب:
-أزاي يعني و أوضة جوزها موجودة!!!!!
نظرت له "إيناس" بحدة قائلة بتحذير:
- أولاً متزعقلهاش، ثانياً هي براحتها اللي هي عايزاه هيحصل!!!!
مسح على وجهه بعنف لتجيب "ملك" سريعاً وقد تضايقت من أسلوبه:
- خلاص يا طنط متشغيليش بالك أنا هنام في ٱوضته.
أومأت "إيناس" بإبتسامة:
- اللي يريحك يا حبيبتي، روح معاها يا جواد..
نفت "ملك" قائلة بإبتسامة حزينة:
- لاء يا طنط قوليلي بس هي فين و أنا هطلع..
- هتلاقيها فوق يا حبيبتي ع اليمين أخر أوضة..
أومأت "ملك" لتمسك حقيبتها ثم صعدت الدرج للغرفة، لتعاتبه والدته قائلة بلوم:
- ينفع يعني تتكلم بالأسلوب دة معاها دي البنت رقيقة جداً وشكلها بتحبك و مرضيتش تزعلك، ياريت الحجر يحس بقا!!!!!
تنهد ليمسح على خصلاته ليردف بنبرة تائهة:
- طب أعمل أيه يا أمي؟!!!
ربتت على كتفه قائلة بحنان:
- روح يا حبيبي صالحها وطيّب بخاطرها وبطّل همجيتك دي شوية!!!!
بالفعل صعد لها ليدلف للغرفة، بحث عنها بأنحاء الغرفة ولكن لم يجدها، سمع صوت المياه الهادرة بالمرحاض، ليغلق الباب برفق مبتسماً بخبث عندما وجد منامتها على الفراش، ليتوارى خلف الستار الثقيل ليجدها تغمغم بالمرحاض قائلة بغيظ:
- غبية يا ملك أديكي نسيتي البيچامة برا!!!! بس هو أكيد لسة تحت طبعاً م هو طايح في الكل و كل شوية يزعق فرحان بصوته أوي، ماشي يا جواد إما وريتك مبقاش أنا ملك!!!!!
حاوطت جسدها بمنشفة سوداء اللون عززت بشرتها البيضاء، لتنسدل خصلاتها الطويلة على ظهرها،ثم فتحت باب المرحاض لتشرأب بعنقها تبحث عنه ولكن لم تجده، تنهدت براحة لتخرج من المرحاض، همت بأخذ المنامية لتجد من يجذب ذراعها من الخلف لترتطم بصدره بقوة، أنتفضت "ملك" بإرتعاد لتقبض على المنشفة حتى لا تسقط، ثم حدقت بعيناه الجامدتان لتعلم أنه سمع كل شئ، أندفع الدماء إلى وجنتيها بخجلٍ و هو شبه محتضنها، ممسكاً خصرها بذراعٍ و الأخر وُضع في جيب بنطاله، أنثنى على وجهها لتبتعد هي بوجهها تطالعه بقلق، أغمض عيناه يشتَّم رائحة العود التي تنبع منها، دفن أنفه بعنقها و تلك الرائحة تدلف لخلاياه بأكملها تنعشها، أرتبكت "ملك" لتمد كفيها تحاول أن تبعده، ولكن باتت كأنها تحاول إزاحة جبل من موطنه، لتسمعه يغمغم بخفوت:
- بقا أنا فرحان بصوتي وطايح في الكل مش كدا!!!
نفت سريعاً قائلة بتوجس:
- لاء والله أنا مكنتش أقصد دة أنت حتى هادي جداً و صبور ومش بتزعق في حد!!!!!
عاد برأسه لينظر لها بنظرات جعلتها تكاد تبكي قائلة:
- بجد أنا أسفة يا جواد خلاص بقا!!!!!
نفى برأسه قائلاً:
- لازم أعاقبك على اللي قولتيه متحاوليش!!!!
أخرج يده من جيبه ثم وضعها على وجنتها الغضّة، قابضاً على خصرها أكثر، ثم أنثنى بثغره على شفتيها، لتغمض "ملك" عيناها وقلبها يكاد يتوقف عن النبض، لا تصدق أن قبلتها سيسرقها هو، منتهكاً عُذرية شفتيها بدون أستئذان، أطبق بشفتيه على شفتيها ليقبلها برقة جعلتها تذوب بين يداه لتحاوط هي عنقه، بدون وعي منها !!!
أبتعد عنها ممسداً على وجنتها، ثم على عيناها المنغلقة، ثم على شفتيها و كأنه يرسمها، ليقترب مستنداً بجبهته على جبهتها ليردف بصوتٍ متحشرج:
- وبعدين في عيونك دي بقا!!!!
أغمض عيناه ثم هتف بإبتسامة عاشق:
- بحبك!!!!!!
فتحت عيناها جاحظة إياهما فهو لأول مرة يخبرها هكذا مباشرةً، لتبعده ممسكة بالمنشفة لتأخذ المنامة من على الفراش قائلة بإرتباك:
- أنا داخلة أغير هدومي!!!!
↚
ثم دلفت سريعاً إلى غرفة الملابس لا تستطيع التحكم في ضربات قلبها، ثم وضعت كفها على فمها بعدم تصديق، لتقول بعد دقيقةبنبرة خافتة للغايةو بقلبٍ يكاد يطير من فرط الفرح:
- أنا اللي بعشق عيلتك كلهم!!!!!!
• • • •
بدّلت "ملك" ملابسها بـ منامة تتكون من بنطال باللون الأصفر، تعلوه كنزة قصيرة رُسم عليها إحدى الشخصيات الكارتونية المشهورة، ثم تركت خصلاتها، خرجت فوجدته هو الأخر أرتدى..عفواً بل نزع ملابسه تاركاً فقط بنطالاَ شتوياً، مستلقي على الفراش يُغطي عيناه بذراعه المفتول، لتُغمض "ملك" عيناها بكفيها صارخة به:
- جواد قوم ألبس تيشيرت!!!!!
نهض "جواد" جالساً لينظر لها بسُخرية:
- لابسة سبونج بوب!!! يارب صبرني عليها!!!!
ألتفتت مولية له ظهرها قائلة برجاءٍ:
- جواد قوم ألبس أي حاجة والنبي!!!!
نهض ببطئ ليقف خلفها، ثم قبض على خصرها من الخلف لتنتفض "ملك"، ليهمس هو بأذنيها قائلاً:
- انا مش بعرف أنام غير كدا!!!!
حاولت إبعاد ذراعيه الضخمة ليبتعد هو مستلقي مرة أخرى على الفراش ثم هتف:
- يلا أطفي النور و تعالي عشان أنا عايز أنام!!!!
توسعت عيناها لتلتفت له قائلة بهلع:
- لاء مش هطفي النور!!!!
قطب حاجبيه بغرابة متسائلاً:
- ليه؟!!!!
أرتبكت و لم تجيبه بتتحرك متجهة إلى الأريكة ثم رمت بجسدها عليها، لتظلم عيناه قائلاً بتحذير:
- تعالي هنا جنبي!!!!
نفت لا تستطيع توقف جسدها المرتجف، لتحتضن قدميها تقربهما من صدرها نائمة كالجنين، لينهض "جواد" بغضب متجهاً نحوها، ثم أنحنى بجزعه ليحملها هادراً بإنفعال:
- بعد كدا لما أقولك على حاجة تنفذيها ع طول سامعة!!!!
أرتعش جسدها أكثر من صراخه بها لينظر لها "جواد" بقلقٍ
- أنت جسمك بيترعش وساقع كدا ليه!!!!
وضعها على الفراش ليجد بالفعل جسدها بأكمله ينتفض بقوة، مال عليها محاوطاً وجهها بكفيه مردفاً بقلقٍ شديد:
- مالك يا حبيبتي أهدي مافيش حاجة ششش!!!!
أرتعش جسدها لتقول بنبرة باكية:
- متطفيش النور والنبي يا جواد بلاش تطفيه!!!!
أومأ برأسه و هو يمسح دمعاتها بإبهامه قائلاً بحنو:
- مش هطفيه يا روحي هعملك اللي أنتِ عايزاه أهدي!!!
أستلقى جوارها ليجذب رأسها إلى صدره مربتاً على خصلاتها ثم حاوط قدميها الأثنتان بقدمه، يحاول السيطرة على جسدها المرتجف، وشهقاتها التي تخرج من دون بكاء، ليُقبل جبينها بلطف مغمغاً لها بكلام جعلها تهدأ لتغفي في أحضانه كالطفلة!!
حافية على جسر عشقي التاسع عشر
غُرقت في حُزنها، الظلام يسحبها رويداً، وكأن الحياة إن أبتسمت لها تعود وتصفعها مائة صفعة، لتؤكد لها أنها ليست عادلة..قاسية، تسلُب منك ما يُسعدك!!!!
نفضت الغطاء عنها لتضع قدميها على الأرضية، أخذت نفساً عميقاً ربما جعلها تختنق أكثر، ثم وثبت بضعفٍ لتتجه ناحية المرحاض، دلفت ببطئ مستندة على الحائط، خانتها قدميها لتنهار على الأرضية الصلبة باكية بضراوة، كوّرت كفيها لتضرب بهما الأرضية بقوة، لتدلف "فريدة" بهلعٍ، ركضت نحوها لتجلس بجوارها تجذب رأسها لأحضانها، لتتشبث "رهف" بها بإنهيار هادرة بنبرة مهتزة وجسدٍ ينتفض:
- أنا تعبت يا فريدة، أنا ليه بيحصل فيا كدا!!! دة حتى مسمعنيش، مش أداني فُرصة أفهمه و أقوله أن مش أنا اللي تخون جوزها، و أخون مين باسل!!!! يارب خُدني بقا وريحني يارب!!!!!
مسحت "فريدة" على خصلاتها لتقبل جبينها قائلة برجاءٍ:
- أهدي يا حبيبتي أهدي متعمليش في نفسك كدة عشان أبنك حتى!!!!!
نظرت لها "رهف" ثم عاودت النظر إلى معدتها، لتحاوطها قائلة ببكاءٍ:
- حبيبي أنت متخافش وملكش دعوة بكل دة، أنا كويسة والله ومش هعيط أهو بس أنت خليك جنبي، أنا مليش حد غيرك!!!!!
ثم مسحت دموعها بعنف لتبتعد عن "فريدة"، ثم نهضت متجهة إلى الفراش، لتستلقي عليه وهي تنظر أمامها بشرود، لتجلس "فريدة" جوارها تمسد على خصلاتها، لينفتح الباب برفق، نظرت "رهف" لتجدها "رُقية" و بيدها "يزيد" الذي ركض إلى "فريدة" مرتمياً في أحضانها، لتجلس "رقية" أمامهم على الفراش تهتف بحنو:
- بجيتي أحسن ياحبيبتي؟!!!!
أردفت "رهف" بسُخرية وهي تنظر أمامها:
- أنا مش هبقى أحسن غير لما أخليه يندم على اللي عمله، و ندمه هيبقى أضعاف لما يعرف أني مظلومة و أني معملتش حاجة!!!!
تنهدت "رقية" قائلة بحسرة:
- والله يابتي دة شيطان ودخل بينكوا!!!!
قبلّت "فريدة" وجنتي أخيها فهي بالفعل قد أشتاقت له، لتهمس له بأذنه بكلمات جعلته يومأ موافقاً، لينهض على الفراش بركبتيه متجهاً إلى"رهف" ثم مال عليها يحتضنها ببراءة قائلة بنبرة طفولية:
- متزعليش يا طنط أنتِ جميلة أوي ومينفعش تبقي زعلانه، أجبلك سوكولاتة؟!!!
أبتسمت"رهف" لتنساب الدمعات من عيناها تحتضنه بقوة تقول بنبرة حزينة:
- ياريتني أرجع صغيرة زيك كدا يا يزيد، لما كانت أقل حاجة بتفرحني ومعنديش مشاكل، ياريتني مـ كبرت!!!!!
أحتضنها "يزيد" مربتاً على ظهرها ببراءة، لتقول "رقية" بشبه حماس:
- عايزة تأدبي باسل يا رهف و تدوخيه!!!!
ألتفتت لها "رهف" وجهة حواسها بالكامل لها تومأ سريعاً، لتنتبه "فريدة" أيضاً لحديثها، لتلتمع حدقتي "رقية" بمكرٍ...!!!!!
• • • •
تفرقت أهدابه لتكشف عن حدقتي أبدع خالقه بخَلقهما، مزيجٍ مُدهش بين الأخضر القاتم والمنير مُحددة من الخارج بدقة، وجد نفسه نائماً بين ذراعيها على الأريكة، هي ملتصقة بظهر الأريكة تفرد ذراعها الأيسر أسفل رأسه، و ذراعها الأيمن موضوعاً على خصلاته ليعلم أنها كانت تعبث بهما قبل نومها، ليُبعد رأسه عن ذراعها فوجده شديد الإحمرار من ثقل رأسه علَيه، أخذ نفساً عميقاً ليجذب هو رأسها بلُطف على ذراعه، ممسداً على خصلاتها من الخلف، وذراعه الأخر حاوط به خصرها، ليُغمض عيناه مستمتعاً بقُربها، فبدأت "ملاذ" بالتملمُل ليُدعي "ظافر" النوم، ليجدها نهضت مستندة بمرفقها على الأريكة، تطالع وجهه بشرودٍ هائمة به، ثم مدت أنامله تعبث بذقنه الخفيفة مغمغمة بإبتسامة مُتيّمة:
- حتى و أنت نايم زي القمر!!!!!
ألتوى طرف ثغره بإبتسامة عابثة ليهتف و هو مغمضاً عيناه:
- م أنا عارف!!!!
أنتفضت "ملاذ" بخضّة لتستند على صدره محاولة النهوض، فوجدته يقبض على خصرها ليلصقها به مجدداً قائلاً بخبث:
- على فين يا هانم!!!!
دفعت صدره برفق محاولة خلق مسافة قائلة بقنوطٍ:
- يعني كنت صاحي وبتضحك عليا!!!! مــاشـي أبعد بقا عشان عايزة أقوم!!!!
أبتسمت عيناه قبل شفتيه، ليجذب كفها الذي تدفعه به مقبلاً إياه بحنو، لتبتسم "ملاذ"مستندة بأذنها على قلبه، لُيمسد هو على خصلاتها الطويلة، قائلاً بنبرة ذات مغزى:
- بعد كدا أنا مستحيل أبعدك عني، هتفضلي في حُضني لحد مـ أموت!!!!!
حاوطت "ملاذ" خصره قائلة سريعاً:
- بعد الشر عليك متجيبش سيرة الموت تاني يا ظافر!!!!
قبّل خصلاتها برقة ليتنهد مبتسماً بعشقٍ، يربت على ظهرها، ليقترب بثغره من أذنها هامساً بها بمكرٍ:
- ملاذ!!!!
رفعت "ملاذ" رأسها منتبهة له، لتجده أمسك بعنقها من الخلف ليجتاح شفتيها يرتوي منها، حاوطت "ملاذ" عنقه تتجاوب معه بحياء يهيم يه!!!!
• • • •
نهضت "ملك" لتجد رأسها يتوسد صدره، محاوطاً جسدها بذراعيه المفتولين، رفعت رأسها له لتجده غارقاً بالنوم، بعضٍ من خصلاته ساقطة على وجهه بمشهدٍ جعلها تكتم أنفاسها من شدة وسامته، ولكن طاف في ذهنها ما حدث البارحة، لتنتفض مبتعدة عنه جالسة على الفراش، لتجده قد أظهر خضراوتيه يرمقها بغرابة قائلاً:
- في أيه يا ملك؟!!!
سقطت بأنظارها بخجلٍ، تغرس أسنانها بشفتيها السفلى لتنظر له وهي تفرك أصابعها بتوترٍ:
- جواد أنا أسفة على اللي حصل بس أنا...
جذبها من ذراعها ليعتليها سانداً بكفه على الفراش جوارها، ليضع سبابته على شفتيها مغمغماً:
- شششش..!!!!
أبتلعت ريقها لتنظر له داخل عيناه الخضراوتان، لتُرفرف بأهدابها ببراءة عندما مال بثغره مقبلاً طرف شفتيها، حاولت إبعاده قائلة بخفوت:
- جواد..!!!
أستند بشفتيه على عيناها المغمضة مقبلهما برقة، متمتماً بخبثٍ:
- يعني مردتيش عليا أمبارح وسبتيني و مشيتي..
أصتنعت "ملك" النسيان لتردف:
- أمتى ده؟!!!
ضحك "جواد" عائداً برأسه للخلف، ليعود و هو ينظر لها قائلاً:
- مبتعرفيش تكدبي يا ملك!!!
أرتبكت لتفرك أصابعها قائلة بتوترٍ:
- أنا بجد مش فاكرة أنك قلتلي حاجة!!!!!
أقترب منها أكثر ليهمس بفحيحٍ كالأفعى:
- طب أيه رأيك نكمل اللي وقفنا عنده أمبارح يمكن تفتكري!!!!!
شهقت "ملك" واضعة كفيها على فمها بصدمة لتردف سريعاً:
- لاء خلاص خلاص أفتكرت!!!!
قهقه "جواد" ليقول بنبرة تحذيرية مازحة:
- أيوا كدا أتعدلي!!!!
ثم تابع مضيقاً عيناه قائلاً بضيق:
- يعني مش هتقوليها؟!!!
↚
نفت "ملك" بإبتسامة أغاظته، ليتوعد لها قائلاً:
- ماشي يا ملك أنا هخليكي تقوليها وبمزاجك!!!!
نظرت له بعدم إرتياح لينهض من فوقها وأبتسامة خبيثة زُينت ثغره، ليتجه نحو المرحاض تاركها تفكر بما يخطط له، فور دخوله سمعت صوت طرقات شديدة على باب الغرفة، لتقطب حاجبيها بغرابة ثم نهضت ترتب خصلاتها سريعاً أمام المرآة، لتتجه نحو الباب ثم فتحته بإبتسامة بلهاء، وجدت"ياسمين" شقيقته ذات الجسد الممشوق والعينان السمراء الواسعة والبشرة البيضاء تضع كفيها على خصرها تطالعها بنظرات ساخرة، لتردف بحقدٍ متواري:
- ساعة عشان تفتحي، أبعدي من وشي عايزة أشوف جواد!!!!
نظرت لها "ملك" بصدمة لتتنهد متنحية جانباً فدلفت "ياسمين" تنظر لها بإشمئزاز قائلة وهي تجلس على الفراش:
- لاء بس براڤو عليكي بجد عرفتي توقعي أخويا!!!!
رفعت حاجبيها لتعقد ذراعيها أمام صدرها قائلة بدهشة:
- نعم!!!!
نهضت "ياسمين" تقف أمامها قائلة بنبرة لاذعة:
- أيه؟!! هتعملي نفسك عبيطة!!! إذا كانوا أهلك باعوكي من وأنتِ صغيرة لـ جواد يعني هُما أصلاً مش طايقينك، يبقى وقعتوه ولا لاء يا ست ملك!!!!
شعرت "ملك" بحديثها الذي يتقاذف بوجهها كالسموم القاتلة، لتعقد حاجبيها غضباً ثم رفعت سبابتها في وجهها قائلة بحدة شديدة:
- أنا مسمحلكيش تتكلمي بالأسلوب دة لا عليا ولا على أهلي، وأظن أنتِ عارفة كويس أن عيلة الهلالي عندهم اللي يكفيهم من قصور و أراضي احنا مش عارفين مكانها!!!! ولو متعرفيش أنا أعرفك كويس!!!! و أي كلمة هتقوليها في حقي أو حقهم هعرّفك مقامك كويس ومش هيحصل خير، فـ لما تتكلمي معايا تعرفي الكلام اللي بيخرج منك و توزنيه قبل مـ تحدفيه زي الدبش ولا أنتِ فاكراني هسكتلك لاء أنسي مش أنا!!!!!
رفعت "ياسمين" حاجبها الأيمن ليتقلص وجهها غضباً، ثم همت بالرد عليها ولكن لمحت "جواد" يخرج من الحمام لتجهش سريعاً في البكاء وهي تنظر أرضاً:
- أنا الحق عليا أني جاية أباركلك يا ملك تقومي تشخطي فيا كدا وعايزاني أطلع من أوضة أخويا!!!! ع العموم انا مش هزعجك تاني ياستي!!!!
كاد أن يصل فك المسكينة للأرضية من شدة خبث تلك الواقفة أمامها، لتلتفت إلى "جواد" الذي يقف عند الباب و ملامحه لا تُبشر بالخير إطلاقاً، ليزمجر بهم قائلاً بحدة:
- أيه اللي بيحصل هنا!!!!
ألتفتت له "ياسمين" قائلة والدموع تنهمر من عيناها:
- مافيش حاجة يا حبيبي، بعد إذنكوا!!!
ثم مضت نحو الباب بعينان خبيثتان تنبعان شراً يكفي لبلدة ويزداد، لتغلق الباب خلفها بقوة، بينما نظر لها "جواد" بعينان قاسيتان، ليتجه نحوها جاذباً ذراعيها بحدة نحو صدره قائلاً:
- أنتِ قولتلها أيه!!!!
حاولت إبعاد كفه الغليظ عن ذراعيها مغمضة عيناها بألم تهتف بنظرات شبه متوسلة:
- جواد أنت بتوجعني!!!!!
لانت قبضته على ذراعها ليتركه شديد الإحمرار و أصابعه تترك أثراً عليه، مسح على وجهه بعنف لينظر لها بعينان موقودة بنيران مشتعلة:
- رُدي عليا حالاً أيه اللي أنتِ عملتيه دة؟!!!
صرخت به بحدة:
- هي اللي كانت قليلة الأدب معايا وعايرتني أن أهلي جوزوني ليك و أنا صغيرة و أنهم مش بيحبوني!!!!!
ثم تابعت بعينان مدمعتان قائلة بنبرة أخذت بالخفوت رويداً:
- وأنا مش عايزة حد يقول عليا ولا على أهلي كدا يا جواد!!!!
أجهشت في البكاء تحاوط وجهها بكفيها، سرعان ما أقترب "جواد" منها ليحاوط كتفيها، جاعلاً من جسده الضخم يخفي جسدها وهو يضع وجهها على صدره ثم ربت على خصلاتها مقبلاً إياهما، يغمغم في حنوٍ شديد:
- ششش أهدي ياحبيبتي خلاص متعيطيش أنا أسف!!!!
ثم أبعدها عنه ليمد أنامله على وجهها يُزيل دمعاتها، قائلاً برقة:
- كفاية عياط بقا!!!!
أومأت وهي تمسح دموعها بظهر كفيها، ليبتسم هو مقبلاً عيناها ثم أمسك بكتفيها ليُجلسها على الفراش، جلس كالقرفصاء أمامها ممسكاً بكفيها قائلاً بهدوء:
- خليكي هنا مكانك و أنا ثواني وراجعلك!!!
أومأت قائلة بإنصياعٍ:
- حاضر..
أبتسم بتكلفٍ لينهض صافعاً الباب خلفه، ثم أتجه إلى غرفة شقيقته، أمسك بمقبض الباب ليديره مقتحماً الغرفة عليها دون أستئذان، وجدها تجلس على الفراش ممسكة بالهاتف وهي تضحك بسعادة، لتنتفض عندما وجدت أخيها يقف واضعاً كفيه بجيبه، وثبت وهي تفرك أصابعها قائلة بتوترٍ:
- في حاجة يا جواد؟!!!
أقترب منها ليرفع سبابته في وجهها قائلاً بحدة شديدة:
- ورحمة أبوكي يا ياسيمن لو لمستي شعرة منها ولا قولتلها كلمة تضايقها هعتبر أنك مش أختي وهتصرف معاكي تصرف مش هيعجبك فاهمة!!!!!
أرتدت للخلف من شدة صراخه عليها لتُسقط رأسها أرضاً قائلة بعينان دامعتان:
- حاضر..!!!!
قبض على ذراعها بقسوة ليجذبها خلفه متجهان إلى غرفته، قابلتهما والدته التي قالت بذهول:
- في أيه يابني؟!!!
نظر "جواد" لشقيقته قائلاً بحدة:
- الهانم تبقي تقولك يا أمي!!!!!
ثم ذهبوا تاركينها تقف بحيرة، فتح "جواد" باب غرفتهم ثم أمسك بذراع شقيقته ليدفعها بقسوة، نظرت لهم "ملك" بدهشة لتنهض قائلة بقلقٍ:
- في أيه يا جواد؟!!!
نظر إلى "ياسمين" التي تطالعها بحقدٍ دفين، ليزمجر بعنف قائلاً:
- أعتذري!!!!
ألتفتت له "ياسمين" بصدمة، همت بالحديث معترضة عما يقوله مِن تبعثر لكرامتها أمامها، ولكن عيناه القاتمة والتي توجه لها نظرات تحذيرية، لتلتفت إلى "ملك" التي قالت سريعاً:
- لاء أنا مش عايزاها تعتذر أنا مسامحاها خلاص!!!!
ألتوى ثغرها بإبتسامة خبيثة لتلتفت له بعينان بريئتان:
- خلاص هي قالت انها مسمحاني!!!!
- هتعتذري يا ياسمين، لو هي سامحتك أنا لسة مش مسامحك!!!!
تأففت بضيق لتنظر لها قائلة بقنوطٍ:
- أسفة!!!!
ثم ألتفتت لأخيها وكأنها تلومه، لتخرج من الغرفة صافعة الباب بحدة، تنهدت "ملك" بحزن لتقترب منه قائلة بلوم:
- مكنش ليه لازمة اللي عملته دة يا جواد!!!
نظر جانباً يُخفي عيناه عنها قائلاً بجمود:
- هي غلطانة، والغلطان بيعتذر!!!!
أمسكت بذقنه لتجعل وجهه يلتفت لها قائلة بحنو:
- ممكن متخبيش عينك عني!!!! أنا فاهماك أكتر من نفسك!!!!
ظلت تحرك أناملها على وجهه، ثم حاوطته برقة لتميل بثغرها على وجنتيه، تطبع قبلة صغيرة جعلته يرفع حاجبيه إندهاشاً، ليتناوب هو دورها ممسكاً بوجهها ليُلثم ثغرها بلُطفٍ جعلها تذوب رغماً عنها محاوطة عنقه تبادله قبلته بشغفٍ، ليحملها "جواد" بخفة، دفنت وجهها بعنقه متشبثة بقيمصه، قلبها يخفق بعنفٍ، ليضعها على الفراش برقة شديدة، ثم اشرف عليها واضعاً كفيه بجانب رأسها، ينظر إلى وجهها بتمعن متفرساً كل إنشاً بها، لينثنى بثغره نحو عنقها ليطبع عليه قبلاتٍ جعلتها متمسكة بقميصه أكثر مغمضة عيناه، تقول بإرتجافٍ ونبرة خافتة:
- جـواد..!!!!
بدى لم يسمعها، يقبل كل إنشاً بوجهها و عنقها، أمسكت بوجهه بإيدٍ مرتعشة لتجعله ينظر لها قائلة برجاءٍ:
- جواد والنبي بلاش، لما نعمل الفرح الأول!!!!
مسح على خصلاته بضيقٍ ليتنهد ينظر جانباً، نهض عنها بأنفاسٍ لاهثة بعض الشئ، ثم ركل الأرض بقدميه ليخرج من الغرفة بأكملها صافعاً الباب خلفه!!!!
زمت "ملك" شفتيها لتمسك بذهنها تعتصره بحدة، تعلم أن له الكثير من الحقوق عليها وهي لا تريد منعه عنها، ولكنها خائفة، لا بل مرتعبة منه، هي تعلم أنه لن يؤذيها بأي شكلٍ قط، تعلم أنه حنون معها منذ صغرها، ولكن هي فقط تحتاج أن يهدئها، أن يخبرها أن تطمئن، لتنهض جالسة على الفراش، ثم توسعت عيناها عندما تذكرت أن الملائكة ستلعنها لأنها لا تطيعه لتُخفي فمها بكفها من شدة الصدمة، ألتقطت أذنيهاصوت سيارته، لتركض تجاه النافذه تزيح ستائرها سريعاً، لتجد سيارته بالفعل تتحرك مسابقة للرياح، تاركة ورائه غائمة من الدخان الكثيف، لتنهمر العبرات من حدقتيها قائلة بندمٍ:
- أنا غبية..غبية!!!!
ثم ركضت خارج الغرفة تتخطى الدرج بخطواتٍ شبه مهرولة ولم تنتبه لتلك المنامة التي ترتديها، توجهت إلى والدته بالمطبخ قائلة بأنفاسٍ لاهثة وكأنها طوق النجاة لها:
- طنط!!!!!
ألتفتت لها "إيناس" بغرابة قائلة بقلقٍ:
- مالك يا حبيبتي أنتِ كويسة!!!!
أنسابت دموعها من عيناها قائلة ببكاءٍ:
- جـواد!!!!
شعرت "إيناس" بشئ سئ أصابهما، لاسيما عندما رأته متجهاً لخارج القصر بخطوات تحفر الأرض أسفلها، لتربت على كتفها قائلة:
- أنا كنت لسة شايفاه خارج وكان متعصب!!!
زادت جملتها من بكاءها أكثر لتحتضنها "إيناس" وهي لا تعلم ماذا تفعل فهي لا تريد التدخل في شئونهما، ولكنها تنهدت تهتف بعقلانية :
- حبيبتي أسمعيني، أياً كانت المشكلة اللي ما بينكم أنا متأكدة أنك ذكية وهتحليها لوحدك، أنا عارفة أن جواد صعب.. بس والله مافيش أحن منه خصوصاً أنه بيحبك أوي من زمان و أنا بشوف دة في عينه، أي ست عاقلة بتحتوي جوزها وبتفهمه، مافيش مشكلة وملهاش حل ياملك، و أنا عشان أمه بقولك حاولي متعنديش معاه بالعكس سايسيه و أقنعيه باللي أنتِ عايزاه بعقل، جواد يا بنتي من أول م أبوه مات من 5 سنين و هو أتشقلب، بقى حد تاني غير أبني اللي أعرفه، بقا عنيد ومش.بيسمع الكلام وعصبي جداً حتى لو حاجات تافهه، بس لما كان بيشوفك كنت بحس أنه بيرجع جواد القديم، فاكرة لما جيتي هنا و أنتِ صغيرة شوية، كنت بشوف في عينيه حنان تقريباً بيظهر معاكي أنتِ بس، أنا بس عايزة أقولك أنه زي الطفل، بحُضن تراضيه و تاخدي عينه ويشيلك فوق راسه كمان!!!! فاهماني يابنتي؟!!
أومأت "ملك" سريعاً وهي تكفكف دموعها، و بإبتسامة شقت ثغرها هتفت:
- أنا متشكرة أوي، أنتِ بجد ريحتيني أوي يا ماما!!!!
↚
أبتسمت "إيناس" بحنو عندما وجدتها تنعتها بوالدتها، لتربت على كتفيها قائلة بودٍ:
- يا قلب أمك أنتِ!!!!
لتتابع تغمزها بخبثٍ محبب قائلة:
-يلا أستني لما يرجع وأتصالحوا و ألبسيله حاجة كدا حلوة دة جوزك يا عبيطة
أومأت "ملك" بخجلٍ لتقبلها من وجنتيها ثم ركضت لغرفتها بحماسٍ!!!!
• • • •
ترجل من السيارة بخطواتٍ سريعة، ليقف أمام بناية شاهقة الأرتفاع، لتنزوى شفتيه بإبتسامة ساخرة، دلف للناطحة ليستقل المصعد يضغط على الطابق المنشود، أنفتح المصعد تلقائياً ليتحرك "باسل" منتصباً أمام الباب، عيناه سوداوية تتقافز بهما الشياطين، ليكور قبضتيه يضرب على الباب بعنف شديد، أخذت ضرباته تزداد عنفاً حتى فُتح الباب قائلاً صاحبه بصرامة:
- مين اللي بيخبط بالطريقة دي...!!!!!!
شُل لسانه عن الحديث عندما وجد "باسل" أمامه، ليتراجع هلعاً و نظراته له كالجحيم بذاته، ليرفع كفيه مشيراً له بالهدوء و هو يهتف:
- بــاســل متتهورش و أهدى!!!!!
ظل واقفاً على عتبة الباب ليُشمر عن ساعديه بإبتسامة مستفزة و هو ينظر لأكمام قميصه، ثم عاود النظر له وقد تحول وجهه تماماً للجمود ثم و بدون مقدمات مد ساقه بأكمله ليدفعه بقسوة شديدة جعلته يرتطم على الأرضية صارخاً بألم ضاري و هو يضع يده على ظهره، ليدلف "باسل" يغلق الباب خلفه موصداً إياه بالمفتاح، ثم مال عليه ليمسكه من تلابيبه حتى يجعله يقف أمامه ليرفع كفه مرة أخرى منهال عليه بلكمات جعلته يبصق دماً مرتمياً على الأرضية، ثم أخذ بضربه في وجهه بقدمه صارخاً بنبرة هوجاء:
- اللي يلعب مع حد من عيلة الهلالي يستاهل اللي يجراله يابن ال**** يا *****
تمتم "سليم" و هو يتآوه ألماً ممسكاً بصدغه:
- هبلغ عنك يابن الهلالي!!!!أنت فاكر أن البلد مافيهاش قانون!!!!
قبض على خصلاته ليضرب برأسه الأرضية مرة أخرى هادراً بقسوة:
- أنا القانون هنا يا روح أمك!!!!!!!
ثم جلس أمامه على ركبتيه ممسكاً بعنقه يجأر بعينان مشتعلتان:
- قسماً بالله لو مـ حكيت الحقيقة دلوقتي هقتلك يا سليم!!!!!
وضع"سليم" كفيه على كفه يحاول إزاحته عن عنقه قائلاً برجاء:
- هقول هقول بس أبوس إيدك سيبني!!!!
أبعد "باسل" كفيه عن عنقه ليهتف بسُخرية:
- قول يا حيلة أمك!!!!!
تآوه "سليم" من فرط الألم ليفرك عنقه الأحمر، يحاول الجلوس على الأرضية القاسية تلك، لينظر له بخوفٍ قائلاً بتردد:
- هحيلك.. هحكيلك على كل حاجة!!!!!
تنهد "سليم" قائلاً بخبثٍ خفي:
- لما قابلتك أنت ورهف لما كنتوا خارجين من المطعم، بعدها على طول أتفاجأت بيها بتكلمني كل يوم و بتجُر معايا ناعم، وقالتلي كمان أنها عُمرها مـ حبتك و أنها أتجوزتك عشان فلوسك اللي هتخليها عايشة في نعيم، و أنا بتعشقني أنا و أنا ضعفت قدامها، و فعلاً خليتها تيجي هنا مرة واحدة بعد زنها أنها عايزة تشوفني لما تبقى أنت في الشغل و آآآآآه!!!!!
لكمه "باسل" في وجهه ليقبض على خصلاته بقسوة شديدة قائلاً بغلظة:
- عارف لو عرفت أنك كنت بتكدب في كلمة واحدة هعمل فيك أيه!!!!!
شعر "سليم" بخطورة ما هو مقدم على فعله فكاد أن يتراجع ويخبره بالحقيقة بأكملها ولكنه يعلم إن علِم ما فعلوه هو و "آسيا" لن يكتفي بقتله بل سيفعل أشياء تُشيب الرأس!!!! ليُِهتف بضعفٍ زائف:
- صدقني اللي بقولك عليه دة اللي حصل ومش بكدب في كلمة!!!، و أنا ضعفت قدامها و آآآ!!!!
أخذ "باسل" يسبه بأقبح الشتائم و هو يلكمه بوجهه حتى سقط "سليم" مغشياً عليه!!!!
لينهض "باسل" و كفيه أمتلئت بالدماء يُلقي به نظرات متقززة، ليخرج من الشقة و من العقار بأكمله، ثم أستقل سيارته بدماءٍ ملتهبة، عينان حمراوتان توحي بما يعانيه من شعيرات كادت أن تنفجر بعيناه، وجسد متشنج من فرط غضبه، أستند برأسه يرتطم وجهه بالمقود عدة مرات حتى شعر برأسه يفتكها الصداع، ليلكم المقود بقسوة لاهثاً بشراسة، أخرج هاتفه من بنطاله ثم ضغط على شاشته بأصابع قاسية، وضعه على أذنه منتظر الرد، و عندما أجابه الطرف الأخر هدر به بعنف:
- هات الرجالة و تعالى على العنون اللي هكتبهولك في رسالة تجيب ال*** اللي فشقة رقم 9 و تحطوه في المخزن، وتروقوه سامعني!!!
ثم أغلق معه ليبعث رساله له يخبره بها العنوان، ليضغط على شفتبه بعنف قائلاً بنبرة جحيمية:
- هقتلك يا رهف!!!!
• • • •
جلست متذمرة تضع كفها أسفل ذقنها تنظر له بوجومٍ و هي تراه تكاد عيناه تخرج من محلها على التلفاز يشاهد إحدى المباريات الهامة، تجلس جواره من أكثر من نصف ساعة تحاول لفت أنتباهه بشتى الطرق ولكنه لا يفعل شئ سوى أن يتمتم بـ "أستني يا ملاذ"، إلى ماذا ستنتظر، عقدت ساعديها أمام صدرها مغمغة برجاءٍ:
- ظافر!!!!
لم يتكبد عناء الألتفات لها و هو يردف:
- نعم يا حبيبتي؟!!
كادت أن تُجن وهي تزمجر بعنف لتلتقط جهاز التحكم ثم ضغطت على إحدى أزراره لتصبح الشاشة سوداء كعيناه التي أظلمت تماماً، ليلتفت لها صارخاٌ:
- ملاذ هاتي الريموت!!!!
لوحت بجهاز التحكم أمام وجهه قائلة بمرحٍ:
- تعالى خُده!!!!
ثم نهضت راكضة بعيداً عنه تُخرج لسانها له بإستفزاز، لينهض هو محذراً:
- أنتِ عارفة أنا لو جيتلك هعمل أيه؟!!!
أرتدت "ملاذ" للخلف عندما بدأ بالإقتراب منها لتهتف بنبرة مرتجفة:
- هتعمل أيه!!!
لمحت الخبث بعيناها لتتدارك نفسها ثم أخذت تركض مبتعدة عنه لتقفز فوق الأريكة ترفع يدها الممسكه بجهاز التحكم عالياً قائلة بحماسٍ:
- يلا خُده!!!!
ركض "ظافر" لها لتنتقل من أريكة لأخرى، وفي ثوانٍ، وجدت نفسها محلقة في الهواء، فقد حملها "ظافر" من ركبتيها لتدلى رأسها خلف ظهره و خصلاتها تسقط على عيناها، أخذت "ملاذ" تلكمه بظهره قائلة بضحكات عالية:
- نزلني يـا ظـافـر!!!!!
قهقه عالياً بضحكاته الرجولية ليهتف متجهاً لغرفتهم:
- مش قولتلك مسيرك يا ملوخية تيجي تحت المخرطة!!! و أنا هفرمك النهاردة!!!!
ضحكت "ملاذ" عالياً لتهتف بمرحٍ:
- طب نزلني و نتفاهم يا عم المفرمة!!!!
دلف للغرفة ليلقي بها على الفراش بقوة ولم ينتبه لظهرها الذي لازال مكدوماً، لتتآوه "ملاذ" بقوة ممسكة بظهرها، جزعت ملامحه ليميل عليها يصفع جبهته بكفه هاتفاً بسرعة:
- حبيبتي.. أنا غبي نسيت والله!!!!
حاولت كتم ضحكاتها فـ بالحقيقة ظهرها لا يؤلمها لتلك الدرجة التي تُظهرها له، ولكنها أمسكت بظهره قائلة بغنجٍ:
- ضهري يا ظافر!!!!
هتف "ظافر" بلهفة حانية و هو يميل عليها يمسد على وجنتيها بأنامله:
- يا روح ظافر!!!!
أبتسمت "ملاذ" لترفع ذراعيها تحاوط عنقه قائلة وهي تزم شفتيها:
- لاء أنا زعلانه منك!!!!
↚
أستند إحدى ركبتيه على الفراش لتظل ساقه الأخرى على الأرضية، ليمد أنامله يُزيح خصلة ساقطة على وجهها ليضعها خلف أذنها، ثم مال ليهمس أمام شفتيها:
- طب و الفراولة بتاعتي أرضيها أزاي!!!!
نظرت داخل عيناه وهي تحاول تحديد لونهما لتقول بلا وعي:
- أنت عينك حلوة أزاي كدا!!!!!
نظر لها بدهشة ليقهقه عالياً يعود برأسه للخلف، لتبتسم هي على ضحكاته لتمتد أناملها تعبث بذقنه ليقبض هو على أصابعها يقبلهما بشوقٍ، متنقلاً من أصابعها لشفتيها و لوجهها بأكمله، يسحبها معه في عالم لا يوجد به سواهما، يغدقها بحنانٍ لم تعلمه سوى على يده!!!!
• • • •
- رهــف..رهــف!!!!
صدح صوته في بهو القصر ليقع قلب والدته أرضاً وهي ترى كفيه اللذان لُطخوا بالدماء لتضرب صدرها قائلة بشهقاتٍ جازعة:
- أيه يابني الدم دة!!!!
تركها "باسل" ليصعد الدرج بخطواتٍ سريعه، لتتركه "رقية" يصعد مبتسمة بمكرٍ، سمعت صوت صراخه بعد قليل يهدر بعنفٍ:
- هــي فــيــن!!!!! راحـت فـيـن!!!!!
تصنعت والدته عدم المعرفة و هي تقول بدهشة:
- هي فين أزاي مش في چناحكوا يابني؟!!!
ضغط على ذهنه بقسوة صارخاً و هو يبدو كم فقد صوابه:
- لاء .. يعني أيه!!!! هربت!!!!!
تركها ليخرج للحراس الذين يقفوا بأجسادهم الضخمة عند بوابة القصر، ليصرخ بهم قائلاً:
- في حد دخل أو خرج من هنا؟!!!
نفوا "الحراس يقولوا بتأكيد:
- لاء يابيه!!!!
أمسك أحدهم من قميصه ينهره بعنف:
- أومال المدام بتاعتي فين رُد!!!!!
هلعت أنظاره و هو يرى قميصه الأبيض تخضب من دماء كفيه ليردف بتوجسٍ:
- صدقني يا سعادة البيت مش عارف بس والله محدش خرج من القصر خالص!!!!
لكمه "باسل" ليقع أرضاً مغشياً عليه، ثم تركه ليدلف للقصر صارخاً:
- يعني أيه محدش شافها أختفت!!!! الخدامين مشافوهاش و أنتِ يا أمي وفريدة أزاي محدش عارف هي فين هتكون الأرض أنشقت وبلعتها يعني!!!!
أجابته "رقية" قائلة وهي تربت على كتفيه:
- أهدى بس يابني و هنلاجيها أكيد هتروح فين أهدى بس!!!!
لم يشعر "باسل" سوى و هو يطيح بكل ما يقابله لينقلب القصر رأساً على عقب، فلم تتحمل "رقية" لتحتضنه قائلة ببكاء:
- بس ياحبيبي أهدى أبوس يدك!!
هتف بجنون هيستيري و هو ينزع جسده من أحضانها:
- فين!!! راحت فين!!!!!
أخرج هاتفه من بنطاله ليهاتف أحد رجاله صارخاً بهم:
- مراتي تقلبولي الدنيا عليها!!!! وانا جايلكوا!!!!
• • • •
دسّت المفتاح في الباب بأنامل مرتجفة، لتدفع الباب برفق مطالعة تلك الشقة الراقية التي كانت أفخم مما تخيلت، لتضع قدميها بداخلها ثم أغلقت الباب خلفها، وجدت السكون يحوطها من كل جانبٍ، مسحت عليها بأنظارها لتجدها بالفعل نظيفة ويبدو أن "رقية جعلت من يتكلف بتلك المهمة، سحبت حقيبتها خلفها ثم أغلقت الباب بالمفتاح، لتبتسم بسُخرية لما آلت إليه حالتها، فمن كان يُمثل أماناً ليس له مثيل لها..أصبحت تهرب منه خشيةً من أن يصيبها هي و أبنها بمكروهٍ، ظلت تتأمل الشقة بحدقتي مهزوزة، لتجلس على أقرب أريكة قابلتها، تضم ركبتيها لصدرها تطالع ما حولها بخوفٍ، فهي في إحدى البيوت الغريبة، في مكانٍ لا تعلم عنه شئ، أنقلب كل شئ في ثوانٍ معدودة، أبتسمت ساخرة لتردف و قد أنسابت الدموع من عيناها:
- ليه يا باسل!!! ليه تعمل فيا أنا و أبنك كدا، ليه تشك فيا وتصدق أني ممكن أعمل كدا، ليه مكنتش واثق فيا لـيـه!!! دة أنت حتى مسمعتنيش، ليه بعد مـ كنت الأمان ليا بقيت بخاف من قُربك، دة أنا كنت بتحامى في حُضنك و أنا عارفة أنك عُمرك م هتفكر تأذيني، بس كنت غبية وأنت طلعت الأذى كله بالنسبالي!!! بس ملحوقة يا باسل، أنا هعرفك مين رهف كويس!!!!!
قالت جملتها الأخيرة وهي تسمح دموعها بعنفٍ شديد، لتمسك بهاتفها والتي أخرجت منه شريحتها القديمة ووضعت أخرى لم تُسجل بإسمها، ثم هاتفت بواب البناية والتي أخذت رقمه من "رقية" التي أوصته بجلب كل شئ تريده، ثم أخبرته بأن يجلب لها أطعمة بجميع أنواعها ومستلزمات أخرى للشقة، و بالفعل جلب لها البواب ما تطلبه، لتبدأ "رهف" في طهي الطعام ثم جلست تأكل بمفردها وهي تشعر بالطعام يسقط كالعلقم في جوفها!!!!
• • • •
مرت ثلاثة أشهر كمرور شاحنة على جسده، يكاد يجن لا يعلم أين ذهبت، رُغم ما حدث ولكن هو خائف أن يكون أصابها مكروه، أن تكون في الطرقات مُشردة، روحه تكاد تصعد للسماء من كثرة الألم الذي يعانيه، لم يترك مشفى أو فندق أو مطارات لربما غادرت البلاد أو حتى قسم للشرطة إلا وبحث فيه، جعل قوى خاصة من الشرطة تبحث عنها ولكن لا فائدة، لا ينام لياليه وهو يعلم أنها ربما تكون في خطر، وكيف يُريح رأسه وهي بعيدة عنه لا يعلم أي شئ عنها، وما يمزقه أضعافٍ وجود طفلهُ في أحشائها، ليته أستمع لها، فـ ربما هي لم تخونه، ولكن قد فات الآوان لندمٍ لم يعُد يفيد!!!!
تألمت "رقية" لحال أبنها، تمنت لو أن تستطيع أن تخبره بمكانها لكي تُريحه، تتواصل يومياً مع "رهف" سراً تخبرها بسوء حاله و ألمه، كم يقحم نفسه في العمل و في التدريب بغرفته يمارس تمارين عدة جعلت جسده أكثر ضخامة، تخبرها بغضبه الدائم وعصبيته الهوجاء على أي شئ، تترجاها أن تعود، و رُغم نبرات "رهف" التي تألمت لحالته، ولكنها ليست متأهبة للعودة قبل أن يعلم كل شئ، لا تعلم كيف سيحدث ذلك ولكن بالتأكيد لن ينتصر الشر أبداً!!
بينما "ملاذ" و "ظافر" حالتهما تزاد أُلفة و ودٍ، ولكن عندما قصّت لها "رقية" ما حدث تألم قلبها لحال "رهف" لتأخذ رقمها منها لكي تحادثها، وبالفعل حادثتها وأتفقت معها "ملاذ" أن تذهب لها يومياً، لم تتركها يوماً تذهب جالسة معها دائماً بالإضافة إخبارها لـ "ظافر" بما حدث مشددة عليه أن لا يخبر "باسل" أبداً، جنّ "ظافر" عندما علم بما أقترفه أخيه من خطأ مع زوجته، و عندما ذهب له ليعاتبه وجده بحالة لأول مرة يراه هكذا، وكأنه فقد حياته، نبرته لا يشوبها مرح و هو الذي كان دائماً يمزح معهم!!!
بينما "فريدة" كانت تتطور في عملها يوماً تلو الأخر، تصعد درج النجاح ركضاً، رُغم نظرات "إياد" والتي لم تريحها البتة، ولكنها صممت على التغيير، وبالفعل أصبحت "فريدة" أخرى، أزدادت جمالاً فوق جمالها، أصبحت ذات شخصية قوية لا تقبل الهزيمة و الأستسلام، أصبحت أكثر أهتماماً بها، تعمل وتعمل وتعمل حتى تتناسى ما عانته بحياتها.. أو تتناساه!!!
• • • •
جلس على مكتبه بالقصر كالعادة لا يستطيع لملمة شتاته، جسده بأكمله يهتز غضباً ليشعل لُفافة تبغه التي أدمنها مؤخراً، يراجع أوراقه بذهن شارد، ليجد من يطرق عليه الباب بخفوت، تشنجنت ملامحه صارخاً:
- أنا قولت مش عايز أشوف حد!!!!!
دلفت الخادمة بخطوات مرتعشة، لتقف أمامه تفرك أصابعها بتوترٍ:
- بس يابيه الموضوع اللي أنا عايزاك فيه مينفعش يتأچل!!!!
ضرب "باسل" المكتب بقسوة لينهض مزمجراً:
- و أنا قولت مش عايز أسمع حاجة!!! أطلعي برا حالاً!!!
رفعت الخادمة أنظاره تطالعه بشفقة، لتهتف بخوفٍ شديد:
- حتى لو الموضوع يخُص المدام رهف!!!!!
أنتفض "باسل" بصدمة ليبتعد عن خلف مكتبه مهرولاً لها يهدر بذهول:
- رهــف!!!!!!
أومأت الخادمة سريعاً ثم ألتفتت تغلق الباب ببطئ، ثم أجهشت بالبكاء بإنهيار قائلة:
- والله يا بيه أنا خوفت أجول أرچوك سامحني!!!!
قبض "باسل" على كتفيها لينهرها بقسوة قائلاً:
- أنطقي في أيه!!!!!
- المدام مظلومة يا بيه معملتش حاچة!!!!!
هتفت ببكاءٍ شديد لتتوسع عيناه وهو يستمع لما تقُصه عليه من صدمات كانت كالصفعات على وجهه، ليرتد للخلف ممسكاً برأسه بقوة يُميل بجزعه العلوي للأمام يزأر كالأسد، ليلكم الحائط بعنف حتى نزف كفه، ثم خرج من الغرفة يهدر بصوتٍ جعل القصر يهتز من شدته:
- آســــيــــا!!!!!!!!!!
أنتفضت "آسيا" داخل غرفتها بعينان جاحظتان برعبٍ، لتخرج من الغرفة وهي تحاول إظهار قوتها لتقول من أعلى الدرج و هي تنظر له بالأسفل:
- في أيه يا باسل بتزعق كدا ليه!!!!!!
نظر لها "باسل" بنظرات نارية موقودة، ليصعد لها الدرج ركضاً، ثم وثب أمامها ليرفع كفه عالياً لاطماً وجهها بصفعة جعلتها تسقط أرضاً على الفور واضعة كفها على وجنتها بصدمة، أنحنى لها "باسل" ليجذب خصلاتها القصيرة في يده ثم سحبها للدرج كالحيوانات، تجمع القصر بأكمله بصدمة لتصرخ به "رقية" قائلة بعنف:
- في أيه يا باسل أنت أتچنيت!!!!!!
ظل يجذبها خلفه وسط صرخاتها وجسدها بأكمله يرتطم بدرجات السلم، وخصلاتها التي كادت أن تُقتلع من جذورها، ليشدد عليهما أكثر ليجعلها تنهض ثم دفعها على الأرضية أمامه، تدخلت العمة و "رقية" يحتضنوها صارخين به ولكنه لم يبالي بهم، بل أنهال عليها بصفعات مهلكة!!!، يردد بهيستيرية:
- عملت فيكي أيه عشان تعملي معاها كدا!!! م ترُدي يا ***** يا ****
↚
حاولت والدته إيقافه صارخه به:
- يابني قولي عملت أيه!!!!!!
بصق "باسل" في وجهها يرمقها بإشمئزاز، ليلتفت لوالدته صارخاً و هو يشير على جسدها الذي أصبح كالجثة الهامدة:
- بنت ال***** هي اللي أتفقت مع سليم خطيب مراتي القديم ومسكت موبايلها وبعتت رسايل على أساس أنها رهف، بس و رحمة أبويا م أنا سايبك!!!!
شهقت "رقية" بصدمة واضعة كفها على فمها، وكان نفس الحال مع "فريدة" التي سقطت على الدرج متمسكة بالدرابزين بصدمة شديدة متجهة نحوهم، و كذلك "سُمية" التي عقدت حاحبيها بدهشة، لجذب "باسل" خصلاتها مرة أخرى ثم أتجه بها إلى بوابة القصر ليدفعها على الارضية خارجه، أرتطم جسدها بالأسفلت بقسوة ليصرخ بها "باسل":
- أحمدي ربنا أني مقتلتكيش!!!! مش عايز أشوف وشك هنا ولا في أي مكان أنا فيه!!!!
أستند برأسه على ظهر الأريكة خلفه مطبقاً بشدة على عيناه، ضربات قلبه تتسارع و تتسارع، جسده ينتفض بين الحين والأخر يشعر بأنه في أي لحظة سيسقط صريعاً جثة هامدة ولن يعلم أحد عنه، تصاعدت أنامله الرخوية لتُحرر أزرار قميصه ببطئ و هو لازال يغمض عيناه، لتظهر عضلات صدره ومعدته الصلبة والتي أزدادت ضخامة على ضخامتها، مسح وجهه بعنفه يزيح عنه حبات العرق التي تكونت على جبهته، أبتسم بسُخرية يكشف عن حدقتيه السمراء، لا يصدق أن وبعد أن كانت تتهافت النساء عليه، تُلقين بنفسهن أسفل قدميه لـ ِنيل رضائه، تأتي هي لتبعثره بتلك الطريقة، تجعله بتلك الحالة الأن وهي بعيده عنه، فما آل إليه حاله يُثير الشفقة، ولكنه أشتاق لها، لضحكاتها و عبوسها، أشتاق لتمردها و لِينها، عيناها الجميتان وخصلاتها التي تجعله يحترق للعبث بهما، رائحتها التي تجعله مخموراً، أشتاق لها للحد الذي لا حد له، عُقد حاجبيه عندما شعر بوغز في قلبه، ليضع كفه عليه يشعر به و كأنه هو الأخر يصرخ أشتياقاً لها، تسارعت أنفاسه لبعضٍ من الدقائق لشدة ذلك الألم، ولكنه هدأ بعد قليل عند زوال تلك النغزات رويداً، يعلم أن نهايته باتت قريبة، ولكنه يريد أن ينعم بما تبقّى من حياته جوارها، يريد أن يُلقى حتفه و هو بأحضانها، رُغم أن الطبيب المختص بحالته أخبره أنه لازال أمامه وقت لكي يُجري عملية جراحية لينتهي من ذلك العذاب، ولكنه يرفض أي شئ يُبقيه على قيد الحياة، فلماذا سـ يحيى، تلك الحياة لا تستحق المعافرة لنحيا بها، أغمض عيناه متذكراً ما فعله من إنجازات في تلك الثلاثة أشهر، فقد اصبح اسمه يلمع في سوق رجال الأعمال، وشركته التي أصبحت في قائمة أكبر الشركات في فرنسا وفي وقت قصير، فهو كان بالفعل يخطط لذلك الشئ منذ أن رأى "فريدة"، لم يعُد ذلك الشاب الغير مسؤل، بل أصبح رجلاً يُعتمد عليه في كل شئ، تبدل حاله تماماً في تلك الثلاثة أشهر، لا ينقصه سوى رؤيتها، بعد الكثير من الشرود ألتقط هاتفه ثم عبث بأزراره، ليضعه على أذنه، ثم بعد ثوانٍ هتف في لهفة أعترته:
- مُنير عملت زي مـ قولتلك أمبارح؟!!!
هتف "مُنير" -المتكلف بمراقبتها- على الطرف الأخر بتأكيد قائلاً بنبرة قوية:
- أكيد يا باشا راقبت المدام زي مـ قولتلي و طول الـ 3 شهور مكانتش بتشُك في حاجة لأني كنت ببعت كل كام يوم واحد مختلف يراقبها، و زي مـ قولت لحضرتك مش بتنزل من البيت غير للمستشفى اللي بتروحلها..
أنحنى بجزعه للأمام ليتنسد بمرفقيه على ركبته، قائلاً بعينان مضيئتان و نبرة مترقبة:
- طيب صوّرتها صح؟!!!
أردف "ُمنير" سريعاً:
- أيوا يا بيه هبعتلك الصورة حالاً!!!
وبالفعل أغلق "مازن" معه ثم أمسك بالهاتف يشعر بالدماء تتدفق في أوردته سريعاً، قلبه يصرخ أشتياقاً لها، و بعد ثوانٍ وجد صورةٍ لها تُنير هاتفه، لتنبعث من عيناه نظرة حانية، عيناه تسير على كل إنش بها، ليتلمس شاشة الهاتف وكأنها حقيقة أمامه، أبتسم و هو يرى تلك الهالة الواثقة المحيطة بها، و عيناها المغطاة بنظارة شمسية، سيرها الواثق و خصلاتها المعقودة كـ ذيل الحصان متطايرة خلفها، نظر جواره يُبعد انظاره عنها، يشعر بجسده يهتز إشتياقاً لها، ليعاود النظر لها بحنوٍ شديد، يريد الدخول بالهاتف ليُحطم ضلوعها في عناقٍ قد تصرخ له ألماً، قبض على الهاتف بشدة لينهض عازماً على العودة لها، لن يتركها بعيدة عنه مجدداً!!!!
• • • •
جلست "ملك" على الفراش تهاتف والدتها، تطمئنها على حالها وكم هي سعيدة معه،ولكن عندما أخبرتها "رُقية" بالرياح التي عصفت بحياة كلا من "رهف" و "باسل" تضايقت بشدة، لتغلق معها وهي تفكر بما سيحدث معهما، ولكنها أبتسمت شاردة قبل تلك الثلاثة أشهر!!!
وقفت أمام المرآة جاحظة العينان، هي تخجل رؤية نفسها بتلك الملابس التي لا تستر شيئاً، فماذا إن ظهرت أمامه هكذا، أرتدت "ملك" قميصاً للنوم باللون الأسود يصل لما قبل ركبتيها، من الامام و الظهر أيضاً، كـ جلدٍ ثاني يلتصق بها بشكلٍ مستفز تركت خصلاتها منسدلة بنعومة على ظهرها ليُخفيه، تراجعت "ملك" سريعاً قائلة:
- لاء مستحيل أطلع قدامه بالمنظر دة بلاش قلة أدب بقا، أنا هغيّر و ألبس بيچامة سبونج بوب تاني و إن كان عاجبه بقا!!!!
ألتفتت لكي تدلف لغرفة الملابس، ولكنها وجدت الباب يُفتح بهدوءٍ ليتخشب جسدها بعينان متوسعتان هالعتان، تعطيه ظهرها و هي تشعر بنظراته تخترقها!!!
أرتفعا حاجبيه معاً و هو ينظر لتلك الحورية التي هبطت على غرفته، ليراها و هي تلتفت رويداً لتقف أمامه سالبه عقله عنوةً، هبطت و أرتفعت أنظاره عليها بتفرسٍ غير مصدقاً أنها "ملك" والتي تركها بإحدى مناماتها التي رُسمت عليها شخصية كرتونية، عيناها التي سقطت أرضاً و هي تُفرك أناملها معاً، لتهبط معها خصلاتها الحريرة تحُجب عن عيناه ذراعيها، ليلتوي ثغره بإبتسامة كانت حانية، لتبرّق عيناه بعشقٍ أحتل كيانه، ليُعيد العبوس على وجهه عندما رفعت أنظارها له و مرارة رفضه من قِبلها لازالت عالقة بجوفه، ليشيح بأنظاره عنها مغمضاً عيناه يحاول عدم النظر لعيناها التي تُضعفه، أخذت "ملك" مئزر القميص لتضعه على جسدها لكي يستره، نظرت له بغرابة عندما لاحظت تضايقه، لتقترب منه بهدوءٍ و خوف، ثم وثبت قبالته، لتُميل برأسها جانباً تراقب وجهه المتقلص و عيناه المغمضتان، ثم هتفت في نبرة حذِرة:
- جواد؟!!
كم تلذذ بخروج أسمه من بين شفتيها بصوتها الرقيق، هل تقصد أن تلفظ أسمه بتلك النبرة لتجعله يجِن!!! كوّر قبضتيه بعنف حتى أبيضت أوردته، يحاول منع نفسه عنها ولملمة شتاته، ولكن أناملها الناعمة التي سارت على وجنتيه جعلته يفتح عيناه ناظراً لها وهي تقول بحنو حزين:
- طب أنتَ ليه مش عايز تبُصلي؟! أنت لسة زعلان مني!!
لم يُجيبها و هو مركزاً بأنظاره خلفها حتى لا يصطدم بعيناها، شعر بأناملها تهبط عن وجنتيه رويداً لتُنكس برأسها للأسفل متنهدة بحزن، لينظر هو لها يراقبها بعينان كالصقر، ولكنها لانت قليلاً عندما وجد عيناها تذرف دمعاتٍ سارت على وجنتيها بـ تهافُت، لينظر جانباً يلعن كل شئ يعكر صفوها، رؤيتها تبكي تجعله يريد تخبئتها بأحضانه، كادت"ملك" أن تذهب لداخل غرفة الملابس و لكنها وجدت ذراعه قابضاً على ذراعها ليُعيدها محلها أمامه، فقلبه أبداً لم يطاوعه تركها تذهب حزينة، ليمد كفيه لخصلاتها يبعدهما عن وجهها ثم حاوطه ليجعلها تنظر له بعيناها اللتان أغرورقتا بالدموع، ليردف بحنوٍ:
- ممكن أفهم بتعيطي ليه؟!!!
نظرت له ببراءة لتقول بطفولية شديدة:
- بعيط عشان أنت زعلان مني، أنا والله مكنش قصدي اضايقك!!!
أبتسم "جواد" قائلاً بخبثٍ:
- يعني أنتِ لابسة كدا عشان تصالحيني؟!!!
هتفت بتلقائية وهي تنفي برأسها:
- لاء أنا كنت داخله أغيرّه بس أنت دخلت!!!!
ضحك "جواد" ليقول بمكرٍ:
- طب أيه رأيك أنك لو غيرتيه أنا هزعل منك أكتر!!!!
عقدت حاجبيها معاً لتنظر له قائلة و هي تضيق بعيناها:
- أنت بتستغل الموقف؟!!!
أومأ بإبتسامة لتومأ هي بقلة حيلة قائلة:
- خلاص مش هغيّره..
ثم رفعت نظراتها له مجدداً لتزفر تنهيدة عميقة، لمعت عيناها بشدة لترفع كفيها ثم وضعتهما على منكبيه، تحركت أصابع قدميها والمطلية بلون أحمر لتضعهما فوق حذائه، ثم وقفت على أقدامه ليحاوط هو خصرها بذراعيه المفتولين كي لا تسقط يطالعها بغرابة، ليجدها تقف على أطراف أصابعها تشرأب برأسها لكي تصل له، ثم وضعت وجهها قبالة وجهه لتقترب أكثر، أقتربت بثغرها جوار أذنه هامسة برقة:
- بحبك!!!!!!!!
يشدد "جواد" على خصرها أكثر يُقرب جسده منها، بعينان صادمتان ونبرة مهتزة بعض الشئ هتف:
-قولتي أيه!!!!!
حانت أبتسامة على صفحات وجهها لتصمت مطالعه عيناه عن كُثب، لم تشعر به سوى و هو يقتنص شفتيها بعنفٍ!!!!!
• • • •
وقفت على الفراش وصوت الموسيقى تصدح في الشقة، تتمايل بخصرها بإحترافية شديدة، مطلقة خصلاتها للعنان ترتدي ما يُشابه بذلة للرقص، لترفع ذراعيها تقفز على الفراش عدة مرات بجنون تستغل وجوده بالعمل، تحمد ربها أنه أخبرها بعودته متأخراً لوجود الكثير من الاعمال المتراكمة عليه، ظلت "ملاذ" ترقُص ما يقارب ثلاثة سويعات دون توقف، فلم تسمع باب الشقة الذي أنفتح، ليُصدم "ظافر" صوت الموسيقى التي تكاد تصم أذنيه، ليتجه لغرفتهم ثم فتح الباب بهدوء شديد، كانت "ملاذ" مغمضة عيناها فـ لم تنتبه له، ليقف "ظافر" مستنداً برأسه على إطار الباب مكتفاً ساعديه يطالعها بإبتسامة لأفعالها الجنونية، تُحرك خصرها يميناً ويساراً ترقص على أغنية مشهورة لـ "أصالة" *بنت أكابر*، أطلق ضحكة رجولية عالية عندما فتحت عيناه تطالعه بذعرٍ شديد، واضعة كفها على ثغرها بصدمة، ليتجه هو إلى مُشغل الموسيقى ثم ضغط على زر الإيقاف، تصاعدت حُمرات الخجل إلى وجنتبها و هي تراه يقف واضعاً كلتا كفيه في جيب بنطاله الأسود، بإبتسامة عابثة مرتسمة على ثغره، لتُغمض عيناها تلعن غبائها، أقترب من الفراش ثم مد كفه لها قائلاً بإبتسامة:
- أنزلي يا هبلة تعالي!!!
وضعت كفها في كفه الضخم ثم سقطت واقفة قبالته بخجلٍ، لتمسك بخصلة سقطت على وجهها واضعة إياها خلف أذنها، رفعت عيناها تنظر له قائلة بإرتباك:
- أنت مش قولت أنك هتتأخر جيت بدري يعني!!!
حاوط خصرها ليعقد كفيه معاً خلف ظهرها ثم هتف بخبثٍ:
- الساعة دلوقتي 12 و أنتِ طبعاً مش واخدة بالك!!!
جحظت عيناها لتضع كفيها على ذراعيه تحاول إبعادهما عن خصرها، قائلة برجاءٍ:
- طب سيبني يا ظافر!!!
اقترب بوجهه منها ثم نظر لها بعيناه الزيتونية قائلاً بمكرٍ:
- قوليلي سبب واحد دلوقتي يخليني أسيبك!!!!!
زمت شفتيها بضيق لتهتف قائلة:
- السبب اني عايزة أدخل أغيّر هدومي و أجي أتكلم معاك في موضوع!!!
نظر لها و بؤبؤ عيناه يتسع ليهتف:
- أي موضوع يتأجل النهاردة يا ملاذ!!!
إزدادت نبرتها حدة وجدية معاً قائلة:
- إلا دة!!!!
تأفف "ظافر" بقنوط ليبتعد عنها متمتماً:
- تمام يا ملاذ!!!
تركته لتدلف لغرفة الملابس لكي تُبدل ملابسها، ليجلس "ظافر" على الفراش يُدخن لُفافة تبغه بشرودٍ، لتخرج "ملاذ" بـ مناميتها الشتوية، ضحك "ظافر" قائلاً:
- كان ممكن تتكلمي معايا في الموضوع بـ بدلة الرقص عادي!!!!
ضيّقت عيناها لتضرب كفاً بأخر بقلة حيلة، ثم تحركت لتجلس جواره على الفراش قائلة بنبرة جدية:
- ظافر أنا سيبتك 3 شهور عشان ترتب نفسك وتسيب تجارة السلاح عشان عارفة انك مش هتقدر تسيبها بين يوم وليلة، بس أنت لازم تطلع نفسك من اللي أنت فيه دة وبسرعة لو سمحت!!!!
مال بجزعه للأمام ليعقد كفيه معاً ينظر أمامه ليهتف بجدية:
- مش دلوقتي!!!
نهضت تقف أمامه هادرة بنفاذ صبر وهي تشير بيديها:
- هو أيه اللي مش دلوقتي أومال أمتى انا بقولك سيبتك 3 شهور بحالهم عشان تبقى جاهز وتسيب القرف دة، ظافر بُصلي و أنا بكلمك!!!!
أشاح بوجهه جانباً يحاول التحكم بأعصابه مغمضاً عيناه، لتجلس على ركبتيها أمامه ممسكة بكفيه وهي تقول برجاءٍ:
- عشان خاطري يا ظافر أنا خايفة عليك والله، حاسة أنك ممكن تضيع مني في أي لحظة!!!
نظر لها ليربت على كفيها قائلاً بنبرة بها الكثير من القسوة والجبروت معاً:
- عايزك تعرفي أن محدش يقدر يعمل معايا حاجة!!!
أنهمرت الدموع من عيناها لتقول بنبرة باكية:
- يا ظافر أنا تعبت و أنا حاسة أنك مش في أمان كل مرة بتطلع من البيت و ممكن تعمل عملية من دول و حد يعمل فيك حاجة ومترجعليش تاني!!!!
قبض على كتفيها ليجعلها تنهض ثم وقف هو أيضاً امامها، ليجذبها لأحضانه مقبلاً رأسها بلطف قائلاً بحنو:
- أهدي يا حبيبتي متعيطيش، صدقيني أنا طول الـ 3 شهور دول معملتش ولا عملية ولا صفقة سلاح!!!
حاوطت خصره أكثر لتدفن أنفها بصدره تشتم رائحته الرجولية قائلة ببراءة:
- قول والله كدا!!!!
أبتسم على طفولتها ليربت على خصلاتها هاتفاً بتأكيد:
- والله!!!
صعدت بأنظارها له وهي لازالت بأحضانه قائلة:
- يعني خلاص مش هتعمل صفقات من دي تاني أبداً صح!!!
تنهد لينظر لها قائلاً بجدية:
- لاء، أنا أصلاً لما روحت الشركة النهاردة أتفقت مع جواد على كل حاجة وكمان يومين مافيش شغل في السلاح تاني!!!!
أبتسامة سعيدة حلت على شفتيها لتصفق بسعادة طفولية، ليحتضنها هو مربتاً على ظهرها بضحكاتهم المجلجلة في المنزل، ليهتف "ظافر" قائلاً بعد دقائق:
- حبيبتي لمي هدومك وهدومي عشان هنروح القصر!!!
نظرت له بغرابة قائلة:
- عند ماما رُقية!!!!
- لاء قصرنا أنا وأنتِ!!!
هتف بجدية لتنظر له بصدمة قائلة:
- بس ليه!!! أنا بحب الشقة دي و عايزة أقعد فيها!!!
سارت انامله على وجهها ليقول بنظرات عاشقة:
- حبيبتي أنتِ مقامك قصر، مش شقة..أنتِ ملكة!!!!
ذابت أنظارها لترفع ذراعيها محاوطة عنقه، واضعة رأسها على كتفيه قائلة بو:
- ربنا يخليك ليا يا ظافر!!!
• • • •
دلف لغرفتهم ليجد الأنوار مفتوحة ولكنها مستلقية على الفراش غارقة في سُبات عميق، نزع عن جسده سترته السوداء، ثُم حرر أزرار قميصه ليُلقي به أرضاً بإرهاق، ألقى بجسده على الفراش جوارها لينظر لوجهها المُقابل لوجهه، شفتيها أناملها الصغيرة الموضوع على الوسادة جوارها، و ما ترتديه من منامة ثقيلة، لينظر للأنوار المضيئة، بإنزعاج، فهو لازال لم يعتاد أن ينام والغرفة مضيئة بهذا الشكل، ولكن عندما كان يرى ذعرها عندما يغلقهم كان يُطيح بـ راحته أرضاً ثم يُنيرهم لها مجدداً، حاول معرفة السبب منها ولكنها لم تقول له أي شئ، لينهض عازماً على أن تواجه مخاوفها، و أنه بجانبها لن يترك الظلام يبتلعها، أطفئ الأنوار ليعود هو مستلقياً بجوارها، لاحظ تململها ليرفع حاجبيه بشدة فيبدو أنها ترتعب من الظلام أكثر مما يجب، أمتد ذراعه أسفل رأسها ليأخذها بأحضانه بحذرٍ، لينتفض جسدها برُعب تُزيحه من صدره بعيداً صارخة بإهتياج وبلا وعي:
- لاء لاء النور.. ولع النور!!!!!
أحتضن جسدها بقوة مشدداً عليه كي لا يمكنها التحرك إنشاً مبتعداً عنه، يمسح على خصلاتها بلُطف قائلاً بنبرة هادئة:
- هششش أهدي يا حبيبتي، مافيش حاجة هتجرالك و أنا معاكي، لازم تواجههي الحاجة اللي بتخافي منها وتقفي قدامها، مينفعش يبقى عندك نقطة ضعف!!!!
لم تؤثر بها كلماته لتتشبث بعنقه بقوة تُخبئ وجهها بصدره مطبقة على عيناها بشدة تهتف في رعب:
- لو بتحبني يا جواد أفتح النور عشان خاطري يا جواد أنا خايفة!!!!!
دفن وجهها بصدره أكثر يهتف بحزمٍ رغم تألمه لتوسلاتها التي كادت أن تُضعفه:
- أنا عشان بحبك مش عايزك تبقي خايفة من حاجة، أنتِ بتثقي فيا صح!!!!
أومأت سريعاً وهي لازالت تبكي بأحضانه، لينثنى مقبلاً مقدمة رأسها قائلاً بحنو:
- يبقى لازم تعرفي أن محدش هيأذيكي و أنا معاكي ولا حد يقدر ييجي جنبك أصلاً وأنتِ في حُضني، كل اللي في دماغك دة من عقلك الباطن ومش حقيقي، لازم تواجههي مخاوفك!!!!
حاوطت خصره بأذرعٍ مرتجفة، تستمع إلى حديثه وهي تحاول إدخال الطمأنينة إلى قلبها، فتحت عبناها ببطئ لتطالع نقطة ما في الفراغ، فوجدت أبيها يقف جاحظاً بعيناه المخيفة لها والتي تحولت لجمراتٍ كالنار ينظر لها بنظرات أرعبتها، لتصرخ "ملك" صرخات جعلت من بالقصر ينتفض هلعاً، لتضربه على صدره بعنف صارخة:
- أبعد عني بقا!!!!!
لتقفز "ياسمين" هلعاً من فراشها، و "إيناس" التي صعدت لهما بجزعٍ لتطرق على الباب ثم دلفت وفتحت الأنوار، لترى "ملك" في حالة إنهيار تام و "جواد" يحاول تهدئتها، لتركض لها "إيناس" قائلة بإرتعاد:
- في أيه يا حبيبتي!!!!!
أبتعدت "ملك" عن أحضانه لترتمي في أحضان "إيناس" التي تلقتها بصدرٍ رحب مربتة على خصلاتها برفق قائلة:
- أهدي ياقلبي خلاص مافيش حاجة!!!
نظرت إلى "جواد" الغاضب لتهتف بغرابة:
- في أيه يابني أيه اللي حصل!!!!!
رمقها "جواد" بقنوط لينزع الغطاء بعيداً عنه ثم نهض من الفراش يحفر الأرض أسفل قدميه، ليخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه مما جعل جسدها ينتفض أكثر تحتضن "إيناس" التي مسحت على خصلاتها بحنان أموي قائلة:
- أهدي بس يا ضنايا متعمليش في نفسك كدة، جواد ضايقك طيب ضربك؟!! قوليلي عمل معاكي حاجة ضايقتك ريحي قلبي يابنتي!!!!!
بكت "ملك" بقوة متشبثة بعباءتها، تهتف بحزن وسط أنتفاضات جسدها:
- أنا بخاف من الضلمة.. و.. هو مصمم يطفي النور وينيمني فيها!!!!
ربتت على ظهرها لتهدهدها قائلة بعقلانية:
- يا حبيبتي هو أكيد مش قاصده هو بس بيقنعك أنك مينفعش تخافي من حاجة بس يمكن هو كان قاسي معاكي شوية أبني و أنا عارفاه!!!!
نفت هي برأسها بقوة، فهو لم يكُن قاسياً معها أبداً بل على العكس كان يُعاملها برفقٍ شديد، أنبها ضميرها لما فعلت معه وما قالته له، لتبتعد عن "إيناس" قائلة بخفوت:
- هو فين يا ماما!!!!
تنهدت "إيناس" بحيرة لحالتهما، لتقول بهدوءٍ:
- هتلاقيه في أوضة التدريب بتاعته هو لما بيتعصب بيروح يتدرب فيها، هتلاقيه آخر أوضة في الممر!!!
أومأت "ملك" بطفولية لتنزع الغطاء عنها ثم دلفت خارج الغرفة، لتضرب "إيناس" كفاً بأخر مبتسمة وهي تقول:
- والله مجانين!!!!
أتجهت "ملك" بأقدامٍ حافية تسير في الممر بهوادة، لتقترب من الغرفة الأخيرة، سمعت صوت أنفاسٍ عالية مهتاجة، زفرات تعلو و تهبط وصوت لكماتٍ عالية، لتفتح الباب قليلاً فوجدته يضرب كيس الملاكمة بعنفٍ، يلكمه ويلكمه و حبات العرق تتساقط على عضلات صدره بقوة، تزامناً مع تساقط دمعاتها التي تلهب وجنتيها، لتفتح الباب على آخره ثم دلفت، لم يرمُش له جفناً و هو لازال على حالته المزرية، أقتربت "ملك" من كيس الملاكمة قاصدة تقلص المسافات بينهما، ولكن كاد كيس الملاكمة أن يرتطم بوجهها ليسرع "جواد" بالإمساك به و من ثم هي أرتدت بخوف، نظرت له بندمٍ لتتجه له مجدداً ثم ثم نظرت إلى ذراعيه الممسك بكيس الملاكمة لتنحني لأسفل ثم دلفت لبين ذراعيه تبقي في مواجهته و هو يحاصرها بذراعيه القابضين على كيس الملاكمة، وبدون مقدمات ألقت بنفسها في أحضانه محاوطة خصره بقوة وهي تقول بحزن:
- جواد أنا أسفة!!!!
لم يتكبد عناء النظر لها و هو لازال ينظر لكيس الملاكمة ولم يعيرها أنتباه، لتشدد "ملك" على عناقة، فلم تتحمل لتجهش بالبكاءٍ عندما لاحظت بروده، لتدفن "ملك" أنفها بصدره قائلة بنبرات مهتزة:
-لما كنت صغيرة وكنت بعمل حاجة غلط حتى لو كانت تافهه، كان بابا واللي حرام يتقال عليه أب، كان بيحبسني في أوضة في البدروم، الاوضة دي كان معروفة أنها باردة أوي وفيها فيران منهم اللي أتجمد من كُتر البرودة اللي فيها، كانت ضلمة أوي أوي لدرجة أنك تبقى مفتح كأنك مغمض بالظبط، لما ماما كانت تحاول تطلعني وتزعق معاه كان بيحبسها في أوضتهم و بينزل فيها ضرب، حتى باسل ومازن مكانش بيخليهم يقربولي أو يطلعوني من الأوضة، وبابا دايماً كان يحاول يشتت أنتباه ظافر عشان ميعرفش أني في الأوضة دي، لأن هو الوحيد اللي يقدر يطلعوني منها عشان بابا مكنش بيرفضله طلب، ولما كان بيعرف أني في الأوضة دي بيزعق معاه وبيطلعني، ولما كان يشيلني ويوديني أوضتي جسمي بيبقى متلج وشفايفي زرقا من البرودة، ماما كانت تفضل سهرانه جنبي طول الليل رغم جسمها المهدود من كُتر الضرب، لحد م جالي فوبيا من الضلمة، في الأول لما كنت بدخل الأوضة كنت بفضل أصرخ و أصرخ عشان ظافر يطلعني، قلبي كان هيقف من الخوف وانا سامعة صوت الفيران جنبي و البرد اللي في الأوضة والضلمة!!!!
أنزل ذراعيه من على كيس الملاكمة بعينان تتوسع شيئاً فشيئاً، يكاد يجن مما كانت تُعانيه حبيبته. ليحاوط خصرها بذراعٍ، وبالأخر أمسك بعنقها من الخلف ليضمها له مغمضاً عيناه، وشهقاتها تنفطر لها قلبه!!!!
تابعت "ملك" مشددة على أحتضانه وكأنها تستمد القوة منه لتهتف بشهقات باكية:
- عشان كدا لما كنت بتيجي وأنا صغيرة كنت بجري عليك و أترمي في حضنك و أعيط، مكنتش عارفة ليه بعمل كدا أو حتى لما بتسألني مالك مكنتش عارفة أقولك أيه، بس أنت أماني يا جواد حُضنك كان بينسيني أي حاجة وحشة عملها معايا، مكنتش قادرة أقولك على اللي بيحصل عشان عارفة أنك مكنتش هتسيبه، ولحد لما كبرت وأنا لسة بخاف من الضلمة أو أني أبقى لوحدي، أنا بكرهُه يا جواد ولما مات بالكانسر كان كله بيواسيني ويطبطب عليا ومش بيصدقوا لما كنت أقولهم أني كويسة، لما طفيت النور وحضنتني والله مكنتش هعمل حاجة ولا هعيط وكنت هنام في حضنك عشان أنا لما ببقى معاك بنسى أي حاجة، بس أنا شوفته يا جواد، شوفت عيونيه الخضرا واللي كانت منورة في الضلمة و هو بيبرقلي، نفس البصة اللي كان بيبُصها لما بيدخلني الأوضة، لما قولتلك أبعد عني مكنش قصدي أنت والله، أنا كنت بقوله هو اللي يبعد مش أنت!!!!!
أجهشت في بكاءٍ مرير ليحتضنها "جواد" بقوة لتفر دمعة من عيناه أزالها ببطئ، يمسح على خصلاتها الطويلة وهو يُخفي جسدها الضئيل بجسده الضخم، يهدئها بكلماتٍ حنونة جعلت رأسها ترتخي على صدره، أنحنى بجزعه ليضع ذراع خلف ركبتيها والأخر على ظهرها، ليحملها بخفو كالريشة بين ذراعيه، لتستند هي برأسها على كتفه، تحاوط عنقه بذرايعيها، أتجه بها إلى غرفتهما التي غادرتها "إيناس"، ثم دفع الباب بقدميه ليغلقه، ترك الأنوار مفتوحة لتتمسك هي بعنقه ثم هتفت:
- أطفي النور!!!!!
نظر لها بلُطف ليقول:
- لاء ياحبيبتي خليه!!!
نفت سريعاً قائلة وهي تمسح دمعاتها:
- لاء أطفيه يا جواد وأنا معاك مش بخاف من حاجة!!!
أنثنى بثغره مقبلاً جبهتها قبلة مطولة أغمض بها عيناه، ثم حملها بذراعٍ واحد بسهولة و أغلق الأنوار، ليتجه إلى الفراش، جلس وهي بأحضانه ليجعلها تجلس على قدميه، ثم أمسك بذراعيها وحاوط بهما عنقه لتستند برأسها على كتفه العاري، لتهتف بخجلٍ:
- جواد خليني أنام على السرير عادي!!!
أردف بحزمٍ:
- من هنا ورايح مش هتنامي غير في حُضني كدا!!!!
نظرت لعيناه الخضراوتان قائلة:
- أنا بس مش عايزة أبقى تقيلة عليك!!!
أبتسم بسُخرية قائلاً:
- تقيلة مين بس دة أنت عاملة زي الطفلة، والله أنا لو واخد بنت أختي اللي لسة مجاتش في حُضني كانت هتبقى تقيلة عنك!!!!
أستندت برأسها على عنقه، ثم طبعت قبلة على كتفه ليبتسم هو بعشقٍ، و أنامله تصعد و تهبط على ظهرها، في لمساتٍ جعلتها تغرق في النوم، ليبقى هو فاتحاً جفنيه لم يزُره النوم، ليتمتم بنبرة قاسية مُرعبة:
- المرض رحمُه مني!!!!!
• • • •
- بقالكوا 3 شهور مش عارفين تلاقوا مراتي، الأرض أنشقت وبلعتها يعني!!!!
هتف "باسل" و هو يضرب بكفيه على مكتب الضابط أمامه، ليزفر الأخر بضيق قائلاً بعقلانية:
- يا بيه أهدى لو سمحت و أقعد نتكلم!!!
زمجر "باسل" ليجأر به بقسوة:
- أهدى!!!! أهدى و أنا مش عارف مراتي و أبني اللي في بطنها فين، أكتر من 3 شهور مش عارف حتى إذا كانت عايشة ولا حصل فيها حاجة، مش عارف بتاكل وتشرب منين و أنا هنا متكتف مش عارف أعمل حاجة و لا أنتوا عارفين تلاقوها، متقوليش أهدى عشان مهدِش القسم دة على دماغكوا!!!!
نفذ صبر الضابط لينهض هادراً به بعنف شديد:
- بقولك أهدى يا باسل بيه عشان نتفاهم مراتك أنا بدور عليها بنفسي من 3 شهور و قوى بحالها بتحاول تلاقيها مش موجودة في أي حتة أحنا مش ناقصين غير أننا نخبط على البيوت ندور عليها!!!!
مال "باسل" بجزعه للأمام واضعاً كفيه على المكتب ليكُن في مواجهته، يهتف بنبرة مخيفة:
- لو وصلت أننا نفتش البيوت عليها، نعمل كدا!!! مش دة شغلكوا!!!
ضرب الضابط كفيه معاً بقلة حيلة، ثم جلس على مقعده ليُضيق عيناه قائلاً:
- يا فندم المدام بخير أكيد أهدى بس أحنا مش ساكتين بندور عليها في كل حتة بس مش لاقيينها صدقني، مافيش حل غير أنها ممكن لا قدر الله حصلها حاجة و جثتها مش موجودة!!!!!
جحظت عيناه مشتعلة بنيران تأكل أحشائه لينتصب واقفاً ثم ألتفت له، ليقبض على تلابيبه بقوة حتى ينهض، ثم نهره بعنفٍ قائلة بنبرة أرعبة المسكين:
- جثة مين يا روح أمك!!!!
ثم دفعه بعيداً ليسقط الأخير على مقعده مجدداً، ألقى "باسل" نظرات مشمئزة عليه ثم خرج من المكتب و من قسم الشرطة بأكمله، متجهاً نحو سيارته، ثم أستقلها ليلكم المقود بعنف ينفث عن غضبه به!!!!
• • • •
لوت "رقية" شفتيها بسُخرية ممسكة بالهاتف على أذنها من صراخ شقيقتها عليها لِما فعله ولدُها بأبنتها، لتنفلت الأخرى أعصابها تهتف بحدة:
- مش بنيتك هي اللي وجَعت بين ولَدي و مرَته يا حُسنية!!!!و لا هي ماشية بالمثل بتاع ضربني وبكا وسبجني و أشتكى، دي خربت على أبني و هو بيدوّر على رهف زي المچنون، من الأخر إكده بنتك غلطت غلط واعر، ربيها الأول أنتِ و أبوها يا حُسنية وبعدين أتحدتي (أتكلمي) معايا!!!!!!
ثم أغلقت الهاتف بوجهها بضيق، تجلس على الأريكة لا تعلم أتخبره بمكان زوجته أم تتركه يتعذب قليلاً لكي يعلم قيمتها، ولكنها أم بالنهاية يتمزق قلبها لرؤيته معذباً هكذا!!!
ضغطت على أزرار الهاتف بقلة خبرة ثم حاولت الإتصال بـ "رهف" التي لم تُجيبها، عادت الكرة عدة مرات تحاول الوصول لها ولكن لا جدوى ليعتصر قلبها قلقاً خوفاً من أن يكُن مكروهاً أصابها وهي بمفردها في تلك الشقة، أسرعت تهاتف "ملاذ" التي أجابت سريعاً:
- خير يا ماما في حاجة!!!
وثبت "رقية" قائلة برجاء:
- ملاذ يا بنتي سايج عليكي النبي برن على رهف مش بترُد و خايفة يكون حصل فيها حاچة!!!
أنقبض قلبها لتنهض ثم تحركت في الشقة بخطوات سريعة قائلة:
- طب أهدي يا ماما أنا هنزل أروحلها دلوقتي وهي أكيد كويسة إن شاء الله مافيش حاجة!!!!
• • • •
أسرعت "ملاذ" بمغادرة المنزل دون أخبار "ظافر" الذي ذهب لعمله، ثم جذبت هاتفها ومفاتيح سيارتها، أستقلتها لتقودها سريعاً بذهن مشتت، أمسكت بالهاتف ثم هاتفت "ظافر" لتضعه على أذنها، ولكنها وجدت الهاتف مُغلق، لتصُك على أسانها ثم ألقت به على المقعد جوارها هاتفة بقنوط:
- قافل موبايلك ليه يا ظافر!!! ياربي!!!
وقفت بسيارتها أمام البناية لتترجل سريعاً، تجتاز البواب الذي رحّب بها فهي كانت تأتي كثيراً لها طيلة تلك الأشهر العصيبة، صعدت "ملاذ" بالمصعد ثم وثبت أمام الباب، لتطرق بعنف قائلة بنبرة شبه راجية:
- رهف.. رهف أفتحي بسرعة متقلقنيش عليكي!!!!
ظلت تطرق عدة دمرات ولا مجيب، ليسقط قلبها قلقاً على صديقتها، لتُنادي على البواب بصوت حاد، فصعد لها البواب سريعاً، فأخبرته "ملاذ" بأن يحطم الباب، وبالفعل ظل البواب ذو الجسد الهزيل بعض الشئ يرتطم بجسده بالباب عدة مرات حتى كُسر، لتركض "ملاذ" بأقصى ما لديها، بحثت بعيناها عليها ولكن لم تجدها لتتجه إلى المرحاض، وجدت الباب شبه مغلق لتفتحه بيداها بهدوء، أرتدت للخلف بعنف تُصدر شهقة كادت أن تصم أذنيها وهي ترى "رهف" كالجثة الهامدة على أرضية المرحاض حولها بقعة من الدماء تُلطخ ملابسها!!!!!!
• • • •
جلست "ملاذ" على مقعد باردٍ من مقاعد المشفى، والحوائط حولها تُطبق على أنفاسها، لا تستطيع التوقف عن البكاء وكيف تفعل و صديقتها تصارع الموت بالداخل، هي لا تستطيع الصمود وحدها أمام كل هذا، نظرت للممر لتجد "ظافر" متجهاً نحوها، نهضت "ملاذ" ثم ركضت تجاهه لترتمي بأحضانه تتشبث به بقوة دافنة وجهه بتجويف عنقه ، حاوطها "ظافر" من خصرها مربتاً على خصلاتها قائلاً بهدوء:
- أهدي يا حبيبتي إن شاء الله هتبقى كويسة،أنا أسف أن موبايلي كان مقفول بس لما بعتيلي رسالة وشوفتها جيت ع طول..!!
بكت "ملاذ" أكثر وهي تقول برعب:
- أنا خايفة عليها اوي ياظافر، وخايفة على البيبي اللي في بطنها لو مات هي مش هتستحمل أنا عارفة!!!
أبعد وجهها عن أحضانه ليكوبه ينظر لها بدفء، ثم زال دموعها برقة قائلاً بلُطف:
- صدقيني هي والبيبي هيبقوا كويسين، أنتِ ناسية أنها في المستشفى بتاعتنا يعني هما هيعملوا اللي عليهم و زيادة!!!!
وضعت كفيها على كفيه وهي تومأ براحة، فهو فقط من يستطيع إحتوائها وأطمئنانها، هو يمثل الأمان لها بكل ما للكلمة من معنى!!!
أخذها من كتفيها ليجلسا، ثم وضع رأسها على صدره يمسد على خصلاتها قائلاً بصوت هادئ:
- قوليلي بقا أيه اللي حصل من الأول!!!!
هتفت "ملاذ" بعينان أنهمرت منهما الدموع:
- ماما كلمتني وقالتلي أنها بترن على رهف كتير بس مش بترد، وانها قلقانة عليها أوي، أنا روحت نزلت وخدت العربية وروحتلها ورنيت عليك موبايلك كان مقفول، لما قعدت أخبط وهي مفتحتش البواب كسر الباب، دخلت يا ظافر لقيتها واقعة في الحمام تقريباً غرقانه في دمها، البواب كلم الأسعاف وجينا على المستشفى هنا!!!!
تنهد "ظافر" ثم قبّل خصلاتها، يهتف بشرود:
- أنا لازم أقول لباسل!!!!
أنتفضت "ملاذ" كمن لدغتها عقربة، لتهتف برفضٍ قاطع:
- لاء!!!!
أحتدت عيناه ليقول بصرامة:
- ملاذ مراته و أبنه في خطر لازم يبقى عارف ومعاهم أنتِ متعرفيش حالة باسل عاملة أزاي و هو بيلف حوالين نفسه علشان يلاقيها، أنا هكلمه وهخليه ييجي!!!!
-يا ظافر أرجوك أحنا منقدرش ناخد قرار زي دة من غير م هي تبقى عارفة و موافقة، أنت متعرفش هي عانت أزاي بسببه طول الـ 3 شهور دول، لو سمحت يا ظافر بلاش..!!
مسح وجهه بعنف ليهتف قائلاً بحدة أخافتها:
- يا ملاذ يقولك باسل أخويا وأنا مينفعش أسيبه في الحالة دي!!!، ييجي يشوفها وبعدين يعملوا اللي هُما عايزينه!!!
تضايقت "ملاذ" من صراخه عليها، لتبتعد عن احضانه لتجلس على مقعد بعيداً عنه تماماً، زالت دمعات عيناها ثم نظرت للجهة الأخرى بحزن، ليزفر "ظافر" بضيق وبات يختنق من دلالها الزائد، ولأول مرة لم يحتضنها و يواسيها، لينهض "ظافر" مخرجاً هاتفه من جيب بنطاله، ثم مضى لخارج المشفى تاركاً "ملاذ" تنظُر في أثره بحزن!!!
وقف "ظافر" بالخارج يتنهد بقوة محاولاً إدخال الهواء برئتيه، ثم ضعط على شاشة هاتفه ووضعه على أذنه، ليسمع صوت "باسل" يهتف بنبرة لا حياة بها:
- أيوا يا ظافر..
لانت نبرة صوته ليهتف بلُطف:
- باسل تعالى ضروري لمستشفى الهلالي!!!
أنتفض "باسل" من فوق أريكته هاتفاً بقلق:
- في أيه حد عندك حصله حاجة!!!!
تنهد "ظافر" بإشفاق، ليرمي بقنبلته في وجهه:
- رهــــف!!!!!
شُخصت أبصاره بعيناه السمراء، لتتراخى يداه رويداً فوقع الهاتف مرتطماً بالأرضية، وقع قلبه أرضاً ليستند على مكتبه بالشركة، جذب بذلته ثم ركض بأقصى سرعة لديه خارج المشفى، تاركاً أعين الموظفون ينظرون له بدهشة، ليهرول "باسل" نحو سيارته، ثم قفز لها ليستقلها و هو يكاد يسابق الرياح في سرعته، كان سوف يفتعل الكثير من الحوادث ولكنه تفادها بمهارة سائق خبير، عيناه تضُج بالدماء لما يُآسيه من نوم أفتقد معناه، راحة لم يعرف لها طريق منذ أن ذهبت بعيداً، قلبٍ أنفطر عما حدث لها، هو أهانها جعلها بعيناها كفتاة ليل، خائنه لا تستحق الغفران أو الرحمة، هو دمرها ويستحق أي شئ تفعله به، ولكنه لا يستحق أن تتركه وتذهب بلا عودة، لايستحق ذلك الألم الذي يعصف بقلبها الذي لا يستطيع تركها، لا يُريد تقبل أنها ممكناً أن تتركه وحيداً، أتى في عقله الكثير من السينوريهات حول أنها لربما تشردت و وجدها "ظافر" ثم ذهب بها للمشفى، أو لربما تعرضت لأشياء أقسى بكثير!!!!!
وصل "باسل" بذهن يكاد ينفجر، ليجد "ظافر" يقف على عتبة المشفى، ركض له يقبض على كتفيه قائلاً برجاء:
- هي فين!!!!!
أشار "ظافر" للداخل قائلاً بشفقة:
- جوا .. أوضة 210 الدور التالت!!!!!
تركه "باسل" ثم ركض بأقصى سرعة للداخل مسقلاً المصعد، ليضغط على الطابق الثالث فينفتح المصعد، ركض في الممر ليجد "ملاذ" جالسة تبكي بحُرقة، أتجه لها بذهول ليقبض على كتفيها بعنف منحنياً لها:
- هي فين ياملاذ!!! مراتي فين!!!!
بكت "ملاذ" أكثر تُخفي وجهها داخل كفيها، لتهرب الدماء من وجهه، لانت نبرته ليهمس بخفوت:
- متعيطيش.. هي هتبقى كويسة أكيد أنا عارف!!! هي لازم تقوم عشان تاخد حقها مني، لازم تُردلي الألم أضعاف على اللي عملته فيها، هي مش هتسيبني أنا متأكد!!!!
تركها "باسل" ليلتفت للغرفة المقابلة، فوجد الزجاج موضوع فوقه ستار تمنعه من رؤيتها، لينظر لذلك المصباح الأحمر والذي يُشير بوجود عمليه جراحية داخل الغرفة، أندفع نحو الباب ليطرق عليه بقوة شديدة، يصرخ بصوتٍ أهتزت له المشفى:
- أفــتــحــوا!!!! رهــف!!!!
أندفعت نحوه "ملاذ" تمسك ذراعه قائلة برجاءٍ:
- باسل أهدى والنبي كدا خطر عليها!!!!
دفعها"باسل" بقوة صارخاً:
- أبعدي عني!!!!
كادت "ملاذ" أن تسقط بعد ان اختل توازنها، ليأتي "ظافر" على هذا المشهد، أشتعلت حدقتيه لهيباً ليتجه نحو أخيه الذي فاتت زمام الأمور منه، ثم أمسك كتفيه يُحكم قبضته عليه يصرخ به:
- أهدى بقا أنت مش في وعيك!!!
ألتفت له "باسل" ليدفعه بعيداً مزمجراً بضراوة:
- متقوليش أهدى!!! أنت مخسرتش مراتك متعرفش يعني أيه تكون هي بتموت و أنت متكتف مش عارف تعمل حاجة، متحرمتش منها أو من أبنك اللي لسة مطلعش للدنيا 3 شهور متعرفش عنهم حاجة ولا تعرف هما فبن وبياكلوا ولا لاء وبيتعمل فيهم أيه!!!! أنت متعرفش يعني أيه قلبك يبقى هيتقطع لما عرفت أنك ظالمها وأنها أتبهدلت بسببك و أنها دلوقتي في الأوضة دي وبردو بسببك، متقوليش أهدى و أنت معشتش اللي أنا عيشته فاهم!!!!!
تجمدت ملامح وجهه، لتتحول عيناه من زبتونية مشرقة إلى منطفئة باردة، ليبتسم بهدوءٍ أبتسامة أوحت بالألم الذي يُعانيه من داخله:
- معاك حق!!!!!
ذهب "ظافر" بعيداً عنهم، ليمسح "باسل" وجهه بشراسة يسُب نفسه، ثم نظر إلى "ملاذ" ليهتف بلُطف:
- ملاذ روحي وراه لو سمحتي، وقوليله أنا أسف مكانش قصدي أقوله كدا!!!!
أومأت "ملاذ" بإبتسامة متكلفة، ثم ركضت خلف "ظافر" الذي أتجه إلى أحد المقاعد بالطابق الثاني، اتجهت "ملاذ" نحوه لتجده يجلس مستقيماً عائداً برأسه للخلف يسندها على المقعد مغمضاً عيناه، جلست "ملاذ" بجانبه لتنظر له مستندة بذراعها على ظهر مقعدها، تنظر لملامحه التي جذبتها منذ أن رأته، لتميل نحوه مستندة بأنفها على وجنته اليُسرى، تُغمض عيناها بعشقٍ، تستنشق رائحته التي تُعيد الحياة لها، رفعت كفها لتحاوط وجنته اليُمنى، ثم طبعت قبلة صغيرة على وجنته ليلتوي ثغره بإبتسامة أبتسمت هي أيضاً لأجلها، ومن ثم أقتربت أكثر لتُقبل طرف ثغره، أتعت أبتسامته ليفتح عيناها، ففتحت هي الأخرى عيناها ببطئ، تنظر لعيناه شديدة الجمال، ليلتفت لها "ظافر" ينظر لها، ثم مال مقبلاً عيناها التي أغمضتها، ثم سقط بشفتيه أكثر مقبلاً وجنتها الممتلئة، وطرف ثغرها، ثم توصل إلى مبتغاه، ليقبل شفتيها عدة قبلات رقيقة كادت أن تُذيبها، لتهتف بين قبلاته بنبرة خافتة متلعثمة:
- ظافر أحنا في المستشفى!!!!
لم يُبالي "ظافر" بما تقوله فالطابق فارغ لا يوجد به سواهما، ليُمسك بتجويف عنقها يُطبق بشفتيه على شفتيها، محاوطاً خصرها بتملك، ليبتعد عنها بعد دقائق يهتف بمزاح ونبرة لاهثة:
- هو أنا ممكن أكلِك صح!!!!
ضحكت "ملاذ" بصوتٍ خفيض لتحاوط عنقه بذراعيها، تُقبل وجنته قائلة بنبرة حزينة:
- متزعلش منه ياحبيبي، رغم أني مضايقة من اللي عمله في رهف بس هو بيحبها وصعب عليه اللي بيحصل!!!!
تقافز إلى ذهنه ما رمى به أخيه من كلماتٍ كالسهام المسمومة، ليحاوط خصرها بقوة قائلاً بهدوء:
- أنا مش زعلان منه!!! أنا زعلان عليه!!!!
حاوطت عنقه أكثر مشددة عليه، تهتف يقلبٍ مُنقبض و عينان زائغتان:
- ظافر هو أنا لو موت أو حصلي حاجة وحشة زي ما باسل قال هتعمل أيه!!!!
أشتعلت عيناه غضباً ليُبعدها عنه صارخاً بحدة:
- قولتلك قبل كدا بلاش تجيبي سيرة الموت على لسانك وباسل دة متخلف مش عارف بيقول أيه!!!!!
أرتعبت من صراخه عليه لتتحرك شفتيها قائلة بنبرة حزينة:
- كُلنا هنموت يا ظافر، أنا بس بسأل!!!!
ضرب "ظاف" الحائط جوارها هاتفاً بعنف شديد:
- متسأليش، ورحمة أبويا يا ملاذ لو قولتي حاجة زي دي مرة تانية متعرفيش أنا هعمل أيه!!!!
نظرت له بحدقتيّ برقت بدموع أبت السقوط لتهتف ببراءة:
- متزعقليش كدا!!!!!
لانت نظرات عيناه عندما شاهد عيناها الجميلتان أغرورقتا بالدموع، ليحاوط وجهها بكفيه ثم مال طابعاً قبلات على وجنتيها اليُمنى و اليُسرى قائلاً بحنو:
- حاضر!!!
زمت شفتيها بقنوط لتبتعد عنه محاوطة ذراعيها لصدرها، تقول بحزن:
- لاء أنا زعلانه منك!!!!
أبتسم على برائتها ليحاوط خصرها من الخلف بذراعيه مستنداً برأسه على كتفها، قائلاً بصوتٍ رجولي:
- لاء متزعليش..!!!
نفت برأسها وهي تؤكد على حزنها، ليُقبل هو عنقها عدة قبلات قائلاً بخبث:
- على فكرة أنا لسة محاسبتكيش على اللي عملتيه!!!
ألتفتت له قائلة بغرابة:
- عملت أيه؟!!
كتف ساعديه بقوة قائلاً مضيقاً عيناه بتحذير:
أولاً سيادتك نزلتي لوحدك ومن غير م تستأذنيني حتى لو الفون كان مقفول كنتي ترني على فون الشركة، تاني حاجة أنك خليتي باسل يمسكك من دراعك و دي فيها موتك و موته، تالت حاجة أنك روحتي سيادتك ومسكتيه من دراعك يعني هببتيها أكتر، تالت حاجة بقا أنك نزلتي بشعرك وسيبتيه مفرود و أنتِ عارفة أن موتي وسِمي تنزلي وشعرك مفرود!!!!
جحظت بعيناها لتلتفت له قائلة بصدمة:
- يعني أنت قلبتها عليا دلوقتي وبقيت أنا اللي غلطانه!!!! وبعدين أنا كنت بواسي باسل و كمان انا معرفش رقم الشركة عندك عشان أتصل بيك، دة غير أن من حقي أنزل وشعري مفرود ع فكرة دة شعري أنا!!!
قالت وهي تضع كفيها على خصرها، لينظر لها "ظافر" مُضيقاً عيناه ثم مال بجزعه عليها يضع كفيه على المقعد جوارها يهتف بحدة:
- وأنتِ مالك بيه أصلاً تواسيه ليه، أنتِ تواسيني أنا، و تحطي إيدك عليا أنا، وتسيبيني أنا اللي ألمسك وشعرك دة تسيبيه مفرود ليا أنا بس يا هانم فاهمة!!!!
تراجعت للخلف لتتوسع عيناها من مهاجمته لها، لتومئ برأسها سريعاً قائلة بدون تفكير:
- حاضر والله فاهمة!!!!
كتم أبتسامته ليُميل على ثغرها ثم طبع عليه قبلة سريعة مبتعداً عنها، يقول بإبتسامة متشفية:
- ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا!!!!!
• • • •
هاتف "ظافر" والدته و "فريدة" التي كانت بالمشفى بالأساس، و شقيقته "ملك" و زوجها لكي يأتوا!!!
أقتربت "فريدة" من "ملاذ" لتحتضنها بإشتياقٍ:
- وحشتيني أوي يا ملاذ..!!!
بادلتها "ملاذ" العناق بودٍ قائلة:
- والله أنتِ أكتر ياحبيبتي، بس أيه يا بنتي الحلاوة دي!!!
↚
أبتسمت "فريدة" بتهكمٍ، فهي بالفعل أزدادت جمالاً، ولكن قلبها أُصيب بالشيخوخة!!!
لتهتف لكي تُغير مجرى الحديث قائلة:
- ليه مش قولتوا من الأول أن رهف هنا أنا من بدري و أنا في المستشفى، هي لسة في العمليات صح!!!
ألتفتت لتنظر لغرفة العمليات الجراحية، لتجد "باسل" يقف مكتفاً ذراعيه، مستنداً برأسه على الحائط وجهه تجمعت على صفحاته معالم الإرهاق بأكملها، لتتوسع عيناها عائدة بنظرها إلى "ملاذ" تُشير له قائلة بخفوت:
- هو أزاي ييجي هنا!!!!
أشارت لها بالصمت لتمتم بنبرة لم تسمعها سوى "فريدة:
- ظافر أتصل بيه عشان ييجي رغم أني قولتله لما رهف تفوق الأول، بس هو صمم ياستي!!!!
أومأت "فريدة" تشفق على حالة "رهف" قائلة بقلق:
- ربنا يُستر!!!
تابعت "ملاذ" متسائلة بإهتمام:
-متعرفيش حاجة عن مازن يا فريدة؟!!!
خفق قلبها بعنف لمجرد ذِكر أسمه، لتنظر بجوارها قائلة بجمودٍ:
- لاء، ومش عايزة أعرف!!!!!
تنهدت "ملاذ" بأسى على حال رفيفتها، لتربت على كتفيها قائلة بتأكيد:
- أنتِ بتحبيه يا فريدة بس بتعاندي!!!!!
نظرت لها "فريدة" بحدة لتهتف بنبرة خافتة ولكن غاضبة:
- أنا مش بحبه يا ملاذ!!!أنا مش هحب واحد أذاني و لسة بيأذيني، مش هحب واحد حياتي معاه كانت كلها هم وقرف، اكيد مش هحب واحد سابني ومشي ومعتبر أن جوازنا غلطة!!!! أنا مش عايزاه يرجع، أنا يادوب لسة بحاول أرممم قلبي اللي أتكسر بسببه، لو رجع هنطلق ومش هستنى دقيقة واحدة!!!!
أستمعت لها "ملاذ" بقلبٍ منفطر عليها، فقد أخبرها "ظافر" منذ عدة أيام أن "مازن" أُصيب بمرض القلب الوعائي مع تشديدٌ صارم عليها ألا تخبر "فريدة" أو والدته أو "ملك"، لتنظر لها "ملاذ" بحزن ولم تعقب!!!
أقتربت "ملك" من والدتها لترتمي بأحضانها ببكاءٍ:
- وحشتيني أوي يا ماما، رهف مالها أيه اللي حصل!!!!
أحتضنت "رُقية" أبنتها بشوقٍ، فهي كانت تُخبرها بكُل ما حدث بين "رهف" و "باسل"، لتقُص لها "رُقية" ما حدث، تخبرها بقلقها الشديد لمجئ "باسل" المفاجئ، والذي سيقلب الدنيا ولن يُقعدها إن علِم بأنهما جميعاً كانا يعلما أين زوجته، لتهتف "ملك" بتساؤل:
- طيب فين عمتو سُمية يا ماما!!!
هتفت "رُقية" وهي تقلب شفتيها بإقتضاب:
- لمت هدماتها ورِجعت يابنيتي، حاولت أخليها تجعد شوية بس هي موافجتش!!!
أومأت "ملك" براحة متمتمة بخفوت:
- أحسن بردو!!!!
خرج الطبيب يُزيل حبات العرق المتكونة على جبينه، ثم أزاح كمامة وجهه، لينتفض الجميع متجهين له في مقدمتهم "باسل" الذي هتف بقلقٍ أهتزت له خلايا جسده بأكملة:
- في أيه يا دكتور مراتي كويسة!!!
أومأ الطبيب بأسف ليهتف قائلاً:
- المدام كويسة أحنا قدرنا نوقف النزيف، بس للأسف الجنين مات!!! البقاء لله!!!!!!
شهق الجميع بصدمة ليخفضوا رؤوسهم بحزن، لاسيما "رُقية" التي هتفت بأسى شديد:
- لا حول ولا قوة إلا بالله!!!
حدق "باسل" في الفراغ، لتلتمع عيناه بدموع أبت السقوط، ثم نظر للطبيب يهتف بصوتٍ متحشرج ظهر به بحة متألمة:
- طب وهي.. هي كويسة مش كدا!!!!
أومأ الطبيب قائلاً بتأكيد:
- أيوا كويسة هي نايمة دلوقتي عشان حُقنة المخدر اللي خدتها و طبعاً لازملها راحة تامة عشان تقدر تتقبل الوضع، وياريت شخص واحد بس هو اللي يدخلها عشان تبقى مرتاحة، عن إذنكوا!!!!
ذهب الطبيب لتتقدم "رُقية" مربتة على كتفيه وهي تقول لكي تحثه على الدلوف:
- أدخلها أنت يابني، مهما كان اللي بيناتكوا هي أكيد محتچاك دلوقتي أكتر من اي وقت!!!!
بالفعل تحركت أقدامه نحو الباب، ليُدير المقبض ثم فتحه بهدوء، أغلق الباب خلفه ثم ألتفت لها، لينقبض قلبه عما رأى جسدها هامداً مستلقياً على الفراش لا حياة فيه، موصلاً بالكثير من السلوك بالإضافة إلى الكانيولا التي غرزت بيدها، مضى نحوها أكثر مشتاقاً لها، جذب مقعد ليضعه بجانب الفراش، ثم جلس عليه وعيناه ثابته على وجهها الشاحب، وشفتيها البيضاء، قلبه يتآكل ندماً على ما فعله بها، لتمتد أنامله لكفها ثم حاوطه بكِلتا كفيه، يقربه من ثغره ليطبع عليه عدة قبلات آسفة، خارت قواه لتُغدر به دموعه التي أخذت بالأنهمار على وجنتيه وعلى كفها، مستنداً بمقدمة رأسه على كفيه الممسكين بها، ليردف "باسل" وسط بكاءه:
- من و أنا صغير لما كنت بشوف أبويا بيضرب أمي، كنت واخد وعد على نفسي أني لما أكبر و أتجوز مستحيل أضرب مراتي، مستحيل أزعلها أو أهينها في يوم، مش هخليها تحس بالإحساس اللي كانت أمي بتحسه.. أحساس الذُل و الإهانه، عشان كدا أنا عُمري مـ فكرت أمد إيدي عليكي قبل اللي حصل دة، لما شوفت الرسايل، حسيت كأن روحي خرجت من جسمي، حسيت أن الدم كله أتجمد لدرجة أن جسمي بقا ساقع، قلبي كان واجعني أوي يا رهف، أحساس صعب عليا، عقلي وقف ومفكرتش أن ممكن تكوني مظلومة مع أني والله واثق فيكي أوي، بس الشيطان كان بيوسوسني وبيقولي أنها يمكن رجعت تحب سليم تاني، و أنا بضربك كنت بضرب نفسي، كنت بتوجع أضعاف الوجع اللي سببتهولك، كنت بتمنى إيدي تتشل و أنا بضربك، صدقيني أنتِ عُمرك مـ هونتي عليا، لما مشيتي كنت عامل زي المجنون، حسيت لأول مرة أني خسرت أهم و أغلى شخص في حياتي!!!!!
رفع أنظاره ليراها أهدابها تُرفرف ليعلم أنها مستيقظة ،لينهض ماسحاً على خصلاتها بحنو و هو يقول:
- قومي بقا باحبيبتي، أنا مش متعود عليكي ضعيفة، قومي أضربيني زي مـ ضربتك و خُدي حقك مني، قومي زعقي بس طمنيني عليكي، قوليلي كنتي فين كل المدة دي، طب قوليلي حد أذاكي و أنا بعيد عنك، قومي يارهف عشان خاطري!!!!!!
فتحت عيناها ببطئ، لتنظر إلى وجهه المُرهق، وعيناه الباكية، أنامله المرتعشة على خصلاتها، سقطت أنامله تتفحص وجهها وكأنه يتأكد إن كانت قابعة أمامه بالفعل أم أنها أحد أحلامه، سارت أنامله على عيناها ووجنتبها، شفتيها و ذقنها ليُميل مقبلاً جبهتها عدة قبلات وقلبه يكاد يطير فرحاً، لتمتلئ عيناها دموعاً عندما تذكرت ما أخبرته للطبيب..
عودة بالزمن إلى الوراء قبل ساعة..
تفرقت أهدابها بعيناها العسليتان، تشعر بشئ يجثى على صدرها، تنظر لكل شئ حولها من طبيبٌ يرمقها بإهتمام، و ممرضة تُتابع مسار تلك الأسلاك الموصلة بجسدها، لترتعش شفتيها بتوجسٍ قائلة بضعفٍ:
- أنا فين!!!!
نظر لها ذلك الطبيب الوسيم بلُطفٍ و هو يقول:
- أنتِ في المستشفى، كل الموضوع نزيف طبيعي لأنك في الشهر التالت والحمدلله وقفناه!!!
نظرت له بوهنٍ لتتحسس معدتها قائلة بدموعٍ لم تستطيع الاحتجاز داخل مقلتيها:
- أبني!!!!!
هدأها الطبيب رافعاً لها يده عندما شاهد دموعها:
- أهدي بس يا مدام الجنين كويس جداً وصحته تمام!!!
أومأت "رهف" وهي تزيل دمعاتها قائلة بإرتياح:
- الحمدلله..
أبتسم الطبيب ليهتف قائلاً بوجهٍ بشوش:
- واضح أن زوج حضرتك بيحبك جداً، حقيقي كان صعبان عليا حالته وحشة أوي برا، أنا طلع أقوله أنك بقيتي كويسة!!!!
جحظت عيناها لتهتف بصدمة شديدة:
- أيه!!!! أنت قولت جوزي!!!!
أومأ الطبيب بغرابة ليسترسل مشيراً للخارج:
- أيوا يا مدام زوج حضرتك وعيلتك كلهم برا ومستنيين يطمنوا عليكي!!!!
شهقت بصعوق لتقول وقد بدأ جسدها في الأنتفاض:
- حضرتك متأكد يا دكتور أن جوزي واقف برا!!!!
رفع الطبيب كتفيه قائلاً:
- الممرضة لما سألته إذا كان هو جوزك و لا لاء قالها أنه جوزك!!!
ثم ألتفت إلى تلك الفتاة الواقفة ينظر لها قائلاً:
- مش كدا؟!!
أومأت الممرضة بتأكيد على حديثه، لتنظر "رهف" أمامها بشرود ممسكة برأسها بحدة، لتلتفت له بعيناها البريئتان قائلة برجاء:
- هو أنا ممكن أطلب من حضرتك طلب؟!!!
لانت عيناه عندما رأى عيناها الجميلتان ليهتف بلا وعي:
- طبعاً!!!!
- أنا مش عابزة حد يعرف أني لسة حامل!!!! أرجوك حضرتك هتخدمني أوي أنا عابزة جوزي بالذات يكون عارف أن أبني مات و أني سقطت!!!!
نظر لها الطبيب بدهشة ليرمقها بتوترٍ:
- بس آآآآ..!!!
قاطعته "رهف" وهي تضم كفيها إلى صدرها تردف برجاء شديد:
- أرجوك لو سمحت أعتبرني زي أختك أنا جوزي لو عرف أني لسة حامل هيضربني لحد م أسقّط و أنا عايزة أبني، أرجوك أنت كدا هتنقذ حياة طفل ملهوش ذنب في كل دة!!!!
أومأ الطبيب بأقتناع لتبتسم له "رهف" بشُكرٍ، لتنظر لمعدتها شبه المنتفخة قليلاً لتقول بقلقٍ:
- بس هو ممكن يلاحظ أن بطني يعني كبيرة شوية يا دكتور!!!!
نفى الطبيب سريعاً قائلاً يطمئنها:
- لاء متقلقيش البطن في الشهر التالت مش بتبقى كبيرة فـ حضرتك ممكن تداريها باللبس، لكن هو ممكن يعرف في حالة واحدة.. آآآ يعني آآ!!!
قاطعته "رهف" متفهمة لتردف بسُخرية:
- فهمتك يا دكتور..
ثم تابعت قائلة بودٍ:
- متشكرة أوي ليك، حضرتك ممكن تخرج تقولهم و كمان ياريت تقولهم أني نايمة..!!!!!
نظرت "رهف" إلى "باسل" الذي يرمقها بنظرات حانية، ليهتف بصوتٍ متحشرج أجش:
- أخيراً يا رهف رجعتي تاني، أنا كُنت بموت و أنتِ بعيدة عني!!!!
أستشعرت "رهف" الحنو بصوته، لتزداد دموعها أنهماراً، تُريد أن تُمتع عيناها برؤيته، فهي ستكون أخر مرة تراه بها!!!!
أسرع بمسح دموعها ليحاوط وجنتيها و هو يُميل عليها برأسه قائلاً بقلقٍ و رجاء معاً:
- لاء لاء متعيطيش أبداً مش عايز أشوف دموعك دي، أوعدك أني مش هخليكي تعيطي من هنا و رايح مهما حصل هعوضك عن كل حاجة!!!
نظرت لكفيه الدافئان على وجنتيها لتُغمض عيناها بألمٍ، تمنت لو بإستطاعتها أن تُلقي بجسدها في أحضانه وبين ذراعيه، تخبره كم أشتاقت له، كم تألمت عندما أبتعدت عنه، تخبره أن حياتها كالجحيم و هو بعيد عنها، تخبره عن بكائها طيلة الليالي على وسادتها تتمنى لتلك الأنامل الحنونة أن تمسح دموعها، لكي تخبره أنها كانت خائفة أن ترحل عن تلك الدنيا دون أن تراه لأخر مرة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لازالت تتذكر صفعاته التي هبطت على وجنتيها كجمرٍ أودى بقلبها، لازالت تتذكر كلماته القاسية والتي كانت كالقنابل ألقاها بوجهها، حتى نظراته القاسية التي حُفرت بذهنها ولا تريد الخروج!!! كل شئ تتذكره بتفاصيلٍ دقيقة، لترفع أنظاره لها لا تجد سوى معاني الحب والعشق بأكملها متجسدة داخل مقلتيه، لتتجمد ملامحها رويداً، ثم وضعت كفيها على كفه لتُزيحه بحدة!!!!!
شددت على كفه الدافئ تستشعر دفئه الذي حُرمت منه لأيام وشهورٍ عديدة، مغمضة عيناها بألمٍ حاولت ألا تُظهره على محياها، فتحت عيناها ببطئ تطالع نظراته العطوفة لها، ليقسو وجهها تنفض ذراعه بعيداً وكأنه سيلوثها، تُلقي عليه نظرات قاسية تنبع من عيناها البريئتان لأول مرة، لتضغط على أسنانها بعنف تنظر له بنظرات لو كانت تقتل لسقط صريعاً، نظرات عتاب قاسي على قلبه، أشتدت صدمته عندما صرخت به بصوتٍ رنان:
- أنت أزاي تسمح لنفسك تيجي هنا!!! جايب البجاحة دي كلها منين!!!!
حاول التحكم بأعصابه مُراعياً حالتها الهيستيرية، لتتجمد ملامحه قليلاً ثم جلس جوارها ليمُد كفيه فـ كاد أن يحاوط وجهها المُرهق، لتعود صافعه كفيه بعنفٍ مزمجرة بقسوة:
- أبعد إيدك عني!!!!
أبعد كفيه ينظر جانباً مغمضاً عيناه، قلبه مُلتاع غضباً منها وندماً على ما أوصلهم لتلك الحالة، نظرت له بترقبٍ، متوقعة منه أن يصرخ بها لمعاملتها الجافة معه رُغم أنها لم تجعله يرى قسوتها بعد، ولكنها تفاجأت بملامحٍ مشدودة، وكفين تكورتا و كأنه يمنع نفسه من الرد عليها، لتبتسم تشفياً وهي تزداد في قسوتها قائلة بنبرة مُحتدة:
- أطلع برا مش عايزة أشوف وشك هنا تاني!!!!
نهض "باسل" لينثنى عليها واضعاً كفيه بجوار رأسها المتسلقية على الفراش، لترتد "رهف" للخلف بذعرٍ تنظر لحدقتيه التي أصبحت أكثر سوداوية، وفكه الذي ينبض بإنفعالٍ زائد، أمسكت بالملاءة تضمها لصدرن بخوف بخوف حاولت موارته، لتنظر جوارها بنقطةٍ ما مغمضة عيناها لكي لا تنظر له، ليأخذ هو نفساً يحاول لملمة شتاته عندما لمح الخوف بعيناها المشابهة لحبات البندق، ليقتنص هو الفرصة وظل محدقاً بوجهها الذي بدى عليه الإرهاق، ولكنها لازالت جوهرته التي سيفعل أي شئ ليستردها!!
زفر بهدوءٍ لينثنى طابعاً قبلة على وجنتيها الظاهرة أمامه، لتفتح هي عيناها بتفاجأ جاحظة به بإستياء، يتغاضى هو عن نظراتها يزفر بهدوءٍ، قائلاً بنبرة ليّنة:
- أنا مش هرد عليكي عشان مِراعي حالتك كويس، بس لما تتكلمي مع جوزك تتكلمي بأحترام أكتر من كدا، مش هحاسبك على اللي قولتيه ده وهسيبك تهدي شوية بس بعدها هتيجي معايا القصر، عايز أعرف كل حاجة حصلت في الشهور دي!!!!
أنتفضت "رهف" و كُل خلية بجسدها متأهبة للإنقضاض عليه، لتضرب بقبضتيها المتكورة على الملاءة تهتف بعنف ضاري:
- في أحلامك أني أجي معاك في حتة و لا أعيش معاك تحت سقف واحد!!!!
نظر لها بشراسةٍ ليقبض على كتفيها بهدوء ولكن خرج صوته حاداً قاطعاً:
- أنتِ اللي في أحلامك لو فاكرة أني ممكن أسيبك بعد مـ لقيتك، أنا دوخت عشان أعرف ألاقيكي يا رهف و إياكي تفكري ثانية واحدة أني هخليكي تمشي!!!!
شعرت بغصة في حلقها، تقاوم بصعوبة البكاء أمامه و إظهار ضعفها له، قلبها يؤلمها أضعاف جسدها، شعر "باسل" بأنها تريد البوح بما يؤرقها وبما تحمله له من ضغينة، وبالفعل صاحت "رهف" به بصوتٍ أسمتع له من بالخارج:
- أنت عايز مني أيه مش كفاية اللي عملته فيا، أنت كسرتني!! دبحتني يا باسل!!! كل اللي أنا فيه دة بسببك، أبني مات بسببك، حياتي أتدمرت لمجرد أنك مش واثق فيا، أنا جوايا كلام كتير أوي مش قادرة و مش عارفة أقولهولك!!! بس أقولك حاجة، كفاية أني فقدت الأمان معاك!!!!
تباطأت نبضات قلبه و كأنه على وشك الموت، ليبتعد عنها واثباً يحاول التماسك بقدر الإمكان، كلماتها كانت كـ اللكمات في منتصف قلبه، ليُلقي لها نظرة جامدة تُضاد ما يُجيش بصدره، ثم ألتفت يُعطيها ظهره مغمضاً عيناه و يتيقن بأنه سيتعب للغاية لكي يستردها، سار بأقدام تكاد أن تترك أثراً بالأرضية من شدة غضبه، ليتلاشى من أمامها كالزئبق صافعاً الباب خلفه!!!!
فور خروجه من الغرفة تساقطت الدمعات من عيناها كزخات مطرٍ هادر!!!
• • • •
خرج من الغرفة بـ وتيرة أنفاسٍ عالية، ليجد العائلة قد تجمهرت حوله لكي يطمئنون عليها، نظر لهم نظراتٍ عابرة ثم تركهم و أتجه إلى الطبيب الذي كان يقف مع ممرضته على بُعدٍ يحدثها، أنتصب أمامه ليكور كفيه ثم وضعهما خلف ظهره قائلة بنبرة قوية:
- مراتي هتخرج أمتى؟!!
تنحنح الطبيب بتوترٍ ليُثبت نظارته الطبية على وجهه بسبابته، ثم هتف بنبرة مهتزة:
- المدام هتحتاج للراحة والهدوء، فـ هي هتفضل هنا يومين كمان عشان أبقى مطمن عليها..آآ قصدي نبقى مطمنين عليها يعني!!!!
رفع "باسل" أحد حاجبيه لتزداد حدقتيه قتامة، ونظر جانباً يبتسم بتهكمٍ ليقترب منه، ثم مدّ أنامله يرتّب تلابيب مئزره الطبي،ليفاجأه و هو يشدد عليهما بقسوة مقرباً وجه الأخير الذي انتفض جسده رُعباً، قرّب وجهه منه لُيشدد على كل حرفٍ يخرج من فمه:
- إياك تغلط معايا، عشان أنا الغلطة عندي بموتة!!!!!
أومأ الطبيب بتوجسٍ جلى بعيناه، لتنظر لهما الممرضة برُعب تراقب ما يحدث، نفضه "باسل" بعيداً ثم سار هو خارج المشفى، بخطواتٍ واثقة، مظهره ثابت، لا يوحي بالعواصف التي تُقام داخله!!!!
أستقل سيارته ثم أبتعد لنقطة بعيدة جداً، وقف أمام مظهرٍ يخطف الأنفاس، جبالٍ عالية أمامه، يستطيع رؤية السيارات التي تسير بسرعات جنونية، و المرء يسيرون بهدوءٍ تام، جلس هو على إحدى الصخور، ظل ينفث عبق الكثير من لُفافات التبغ، يُضيق بعيناه و كلماتها تتردد بأذنه، يعلم أنها تتألم، هو يعلم كل المعارك بداخلها، يعلم عنها ما لا تُدركه هي عن نفسها، كل شئ ستقوله قبل أن يُلفظ من شفتيها، كل شئ ستفعله قبل أن تقوم به، يعلم أدق تفاصيلها، كل إنشٍ بها يحفظه عن ظهر قلب، فو رما رآها كان يود لو أن يأخذها بعناقٍ لم ترى بقوته وحنانه معاً من قبل، كان يستطيع فعلها ولكنه لا يريد إرغامها على شئ، يريد إجبارها على العودة معه ولكن بالوقت ذاته لا يريد أن تكرهه أكثر، فما فعله بها أكبر خطأ أقترفه بحياته، قضى أكثر من ثلاثة ساعات ينظر للاشئ، لينهض و هو يزفر بقوة، ثم أستقل مقعده لينطلق بسيارته!!!
• • • •
ترجلت قدميه من فوق متن الطائرة، ممسكاً بـ بذلته على كتفه بكفٍ واحد والآخر نزع عن حدقتيه نظارة سوداء لتظهر عيناه السمراء ذات البريق المميز، سار في مطار القاهرة ليتجه إلى حقائبة ثم حملها، كان سائقه الخاص ينتظره بإبتسامة هادئة تعلو شفتيه، ليركض نحوه حاملاً عنه الحقائب، أتجه "مازن" إلى السيارة مستقلاً في الأريكة الخلفية، أغمض عيناه ليعود برأسه للخلف، شعر أن روحه قد عادت له وهو يعلم أن ساعات قليلة و سيذهب لها، سيراها وأخيراً بعد تلك الأشهر التي مرات عليه كـ سنوات عديدة، نظر إلى سائقه الذي نظر له منتظراً إخباره بوجهته، ليهتف "مازن" بهدوءٍ رزين:
- أطلع على شقتي اللي في الزمالك!!!!
• • • •
فتح باب شقته بهدوءٍ تام، ثم ألتفت ليفتح الأنوار، كانت شقة يطغو عليها اللون الرُصاصي و الأحمر القاتم للغاية، أثاثها حديث يصرخ بالفخامة، نظيفة كما لو أنه زارها البارحة، فهو قد أوصى البواب أن يجلب مَن يُنظفها، أسند حقائبه على الحائط ليدلف نازعاً عنه حذائه، ثم جلس على الأريكة يُطالع جميع زوايا منزله بدقة، حرر أزرار قميصه الأبيض ثم نزعه عنه، أخرج هاتفه من جيب بنطاله الُكحلي القاتم، ثم هاتف صديقه المسئول عن تولى أمور شركته في غيابه، ليهتف بجمود عندما آتاه رده:
- يوسف أنا نزلت مصر دلوقتي، عايزك تاخد بالك وتحُط عينك في وسط راسك وصفقة روسيا خليها ماشية زي مـ هي، انا 5 أيام بالكتير وهبقى عندك!!!
هتف المدعو "يوسف" بصوته الرجولي قائلاً بجدية:
- متقلقش يا مازن خُد راحتك وانا هاخد بالي من كل حاجة!!!!!!
- تمام..!!
أغلق معه "مازن" لينهض ماسحاً على خصلاته، أنحنى يبحث عن أدويته في تلك الحقيبة الصغيرة المجاورة لحقيبته الضخمة، ليمسك بعبوة بها حبوب بيضاء، ثم أبتلع واحدة منها، رمى بالعبوة المغلقة بعيداً، بات يسأم من حاله، أتجه إلى المرحاض ليصفع بابه بعنف، وقف أمام مرآة الحمام العريضة، مسح وجهه بكفيه، مستنداً بذراعيه على حوض الأغتسال، يطالع ملامحه الوسيمة وعيناه التي تبرق بـ بريق لا يفهمه إلا من عَشِق، عيناه والتي لطالما كانت قاسية لا روح فيها، أصبحت تضُج بالحياة وبفضلُها، كم هو متشوق لرؤيتها ومعانقتها وليتوقف الزمن عند تلك النُقطة لا يريد شيئاً آخر، فقط يُريد الوقوف أمامها والنظر إلى كُل إنشاً بها، هو الذي لم يكل عن معرفة أخبارها يومياً، هو الذي عشق كل شيئاً صغيراً بها، ولكنه سيصبر حتى تُحبه هي الأخرى، فـ هو فعل بها الكثير من الأشياء التي لن تغفرها بسهولة فور رؤيته!!!
• • • •
دلفت العائلة بأكملها للغرفة لتمسح "رهف" دمعاتها سريعاً مبتسمة لهم، أت جهت لها "رقية" تحتضنها بحنو أموي قائلة:
- ليكي وحشة ياضنايا!!!
عانقتها "رهف" بشوق، لتنفجر في بكاءٍ يقطع نياط القلب، حزنوا جميعاً عليها، ليدلف "ظافر" خارج الغرفة لكي يترك لهم مساحة من الحرية، أحتضنتها "ملاذ" على الجانب الآخر و "فريدة" التي أمسكت بكفيها، و أيضاً "ملك" التي تربت عليها بحزن، فركت "رهف" عيناها لتعتدل جالسة، ثم هتفت وهي تراقب تعابير وجوههم:
- أنا لسة حامل يا مام و أنا اللي قولت للدكتور يخبي عليكوا ويقولكوا أن الجنين مات!!!!!!
أعتلت الصدمة وجوههم، لتجحظ عينان "رقية" بشدة وهي تقول تشعر وكأنها لكمت بوجهها بقوة:
- ليه تعملي أكده يابنتي، ليه تكذبي على چوزك و علينا، هو لو عرف آآآ!!!!
قاطعتها "رهف" ممسكة كفيها ثم هتفت:
- أنا هقوله يا ماما والله بس بعد مـ نطلق، هو لو عرف دلوقتي مش هيطلقني عشان خاطري أنتوا كلكوا ساعدتوني في الأول، متتخلوش عني دلوقتي!!!!!
تنهدت "رقية" بقلة حيلة، لتردف "ملاذ" و هي تزم شفتيها بيأسٍ:
- يعني مصممة على الطلاق يا رهف!!!!!
نظرت لها "رهف" سريعاً ثم هتفت بصوتٍ مُهتز:
- أيوا يا ملاذ!!!!!
أسرعت "ملك" قائلة محاولة إقناعها بشتى الطرق:
- سامحيه يارهف صدقيني باسل بيحبك و كلنا بنغلط أحنا بشر بنغلط عشان نرجع لربنا و نتوب، أديله فرصة تانية يا حبيبتي!!!!
قبضت على ذهنها تُفركه بقوة، لتهتف بغضبٍ:
- أنتِ بتقولي كدا عشان هو أخوكي يا ملك، باسل مكنش مجرد جوزي، دة كان أبويا وأخويا وصاحبي و حبيبي وكل حاجة ليا يا ملك، مكنتش أتخيل حتى انه يعمل فيا كدا!!!، دة حتى مسمعنيش، مدانيش فرصه أفهمه، بس عارفة، أخوكي أداني درس عُمري مـ هنساه، عرّفني يعني أيه أن الطعنة تجيلك من أقرب حد ليك، و أني مينفعش أثق في حد زيادة عن اللزوم حتى لو كان جوزي، بس أنا مسامحاه رغم كل دة مش زعلانه منه والله، لأن كان في بينا ذكريات كتير أوي حلوة مش هقدر أنساها، لكن هو هنساه و هربي أبني اللي جاي!!!!
صمتت "ملك" و صمتوا جميعاً، فهي مُحقة بـ كل شئ قالته، نظرت لها "فريدة" بشرودٍ، فهي أكثر شخصٍ يستطيع فهمها، فقد عانت "فريدة" ما يُشابه بمعاناة رفيقتها، خرجت من الغرفة لشعورها بالإختناق، لتجلس على المقعد بمفردها، أخرجت هاتفها من حقيبتها لتضغط على شاشته، ثم وضعته على أذنها لتأتي صوت مُربية "يزيد" بالقصر، فهتفت "فريدة" بلهفة:
- أزيك يا دادة، و يزيد عامل أيه!!!!!
أتى صوت المربية على الطرف الآخر مبتسمة:
- أنا و يزيد بخير ياست هانم، هو أكل و نام أهو يا حبة عيني!!!
هتفت "فريدة" بلُطف:
- أنا بجد مش عارفة أقولك أيه يا دادة أنا أهملت فيه شوية عشان شغلي بس أنا بفكر أخد أجازة يومين كدا و أقعد معاه!!!
- لاء ياست هانم لا تعب ولا حاچة يزيد هادي و مش بيتعبني واصل، خليكي أنتِ في شغلك يا هانم و هو في عيني والله!!!!
تنهدت "فريدة" قائلة:
- إن شاء الله!!!!
أغلقت معها لتجلس مكتفة ذراعيها أمام صدرها، تنظر للفراغ بشرودٍ، لتشعر بمن أقترب ليجلس جوارها بالضبط، أنتفضت "فريدة" بهلعٍ لتنظر إلى "أياد" الذي أبتسم لها بعذوبة ثم هتف قائلاً بلُطف:
- طمنيني يارهف قريبتك دي لسة تعبانه !!!
نظرت له "فريدة" مبتسمة بتكلف وهي تقول بخفوت:
- لاء بقت كويسة الحمدلله!!!!
أومأ "أياد" لينظر لها متأملاً ملامحها الرقيقة، لتتورد وجنتيها بخجلٍ وضيق معاً عندما وجدت أنظاره مثبتة عليها، أبتعدت عنه قليلاً وقد بدأ نظراته تُرهبها، ليُفاجأها بسؤال لم تتوقعه:
- هو أزاي مازن يسافر ويسيبك!!!!!
ألتفتت له "فريدة" بصدمة قائلة بنبرة متثاقلة:
- أنت عرفت أزاي!!!!!
أبتسم بسُخرية على سذاجتها، ليردف ببرودٍ:
- عيلة الهلالي أخبارهم بتنزل على النت أول بأول يا فريدة، يعني سهل أعرف كل حاجة خصوصاً أني دكتور في المستشفى دي، و الغريبة أن مرات مازن الهلالي ممرضة هنا!!!!
نظرت له بضيق لتنتصب واقفة، ثم هتفت بحدة شديدة:
- عن إذنك!!!!
تركها تدلف للغرفة، ليحدق بأثرها و ثغره يلتوي بإبتسامة خبيثة، قائلاً بمكر:
- أهربي يافريدة، هييجي اليوم و مش هسيبك غير و أنتِ ملكي أنا.. و أبقي وريني هتهربي أزاي!!!!!
• • • •
ذهب "ظافر" إلى شركته ليتابع أعماله مع "جواد" الذي سأل بلهفةٍ على زوجته، طمأنه "ظافر" عليها ثم جلس على مقعده ذو الجلد الوثير، ليهتف بصلابة:
- عاملين أيه مع بعض؟!!
أومأ "جواد" و هو ينظر للأوراق أمامه:
- كويسين الحمدلله!!!!
نهض "ظافر" ليجلس على المقعد أمامه، ثم عقد كفيها معاً ليثنى بجزعه العلوي، ينظر له بشرراتٍ تطاير من عيناه، ثم هتف قائلاً:
- أقسم بالله يا جواد لو زعلتها هتشوف مني وش تاني خالص، مش معني أني مشغول ومبسألش كتير عليها يعني أني سايبهالك كدا تعمل فيها اللي أنت عاوزه، أنا عارف أنك عصبي بس لو عصبيتك دي طلعت عليها هتخسرها و هتخسرني!!!!
ترك "جواد" الأوراق جانباً ليوّجه له نظراتٍ باردة، ثم هتف مشدداً على حروف كلماته:
- أنا مش هرد عليك يا ظافر، بس تهديداتك دي متفرقش معايا ملك مراتي ومش هأذيها أبداً عشان هي حبيبتي، مش عشان كلامك دة، أنا مبتهددش ياصاحبي!!!!
حلت على وجهه أبتسامة منتصرة زينت ثغره، فصديقه أثبت له وبجداره أنه يستحق شقيقته الوحيدة، ليعود مستنداً بظهره على المقعد بإرتياح قائلاً بجدية:
- عايزين نخلص من تجارة السلاح في أقرب وقت!!!!
دُهش "جواد" من تغير حال صديقة مائة وثمانون درجة في دقيقتين، فهو توقع أن يغضب أو يزمجر لحديثه معه لذلك تأهب لمعركة حديثية بينهما، ولكنه تفاجأ ببروده الشديد، ليضرب كفاً بأخر ثم أخذ يفرك ذهنه بتشتت قائلاً:
- عارف، أديني يومين وكله هيخلص يا ظافر، لأن أنا كمان مش حابب ملك تعرف أن جوزها و أخوها تُجار سلاح!!!!!
أومأ "ظافر" مؤكداً صدق حديثه، لينظر للأوراق بيده يتفرسها بهدوءٍ بارد!!!
• • • •
خطى خطواتٍ رزينة في ممر المشفى الفارغ، ليتجه لغرفتها، ثم أمسك بالمقبض ليُديره ببطئ، وجدها نائمة على الفراش مُغمضة عيناها غارقة في سُبات عميق، والجميع حولها متجمهرون، دلف ببطئٍ ثم أغلق الباب خلفه بحذر، لينظر لوالدته قائلاً بلُطف:
- أمي أنتِ تعبتي النهاردة أنا هبعت السواق يوديكوا القصر ومعاكي ملك وملاذ وفريدة!!!!
ربتت "رقية" على كتفه لتقول بحنو:
- و الله يابني أنا مش رايدة أتركها لحالها بس أنا عارفة أنك هتراعيها زِين، ولو أحتچت حاچة كلمني!!!!
أومأ "باسل" بإبتسامة صفراء، لتعترض "ملاذ" قائلة:
- أنا بقول أكلم ظافر يروحنا أنا و ملك و أكيد جواد هيبقى معاه!!!!
نظر لها "باسل" قائلاً بهدوءٍ رزين:
- لاء أنا هكلم ظافر وجواد ييجوا على القصر و بكرة اعملوا اللي أنتوا عايزينه!!!!
• • • •
بعث "باسل" السائق لكي يقلهما للقصر بالصعيد، ثم أمر ذلك الطبيب بأن يضع فراش جوارها له، وبالفعل دلف لغرفتها ليجد فراش أبيض صغير ملتصق بفراشها، أغلق الباب بهدوءٍ ليمضي نحوها بتأنٍ، مال نحوها ليمسح على خصلاتها المفترشة جوارها وهو ينظر لشفتيها أبتسم و هو يحمد ربه أنها أخذت منوم من قِبل الممرضة قبل قليل لتسنح له الفرصة في مراقبتها دون ضيق أو تذمر منها، وضع ذراعاً أسفل رأسها والأخر قرب به جسدها منه، ليمسد على ظهرها و هو يدفن وجهها بعنقه، ينعم بقربها و هو يعلم أن تلك اللحظات لن تتكرر مرة أخرى، يسرق معها دقائق جعلته يعود للحياة مجدداً لينثنى مقبلاً كل إنش بوجها بقبلاتٍ رقيقة خفيفة، و يداه تعبث بخصلاتها، ثم قرّب ثغره من شفتيها لينهل منهما في قبلةً بث بها أشتياقه و عشقه لها، سعادته بأنها بقربه بعد أن تعذب ليجدها وبنفس الوقت خوفه من ان تتلاشى من بين ذراعيه، بعد أن سهر الليالي ممسكاً بصورتها، كان يود فقط لمحها لدقيقه ليعانقها، وحلمه تحقق وهي الأن جواره حتى و إن كان بدون وعياً منها، قطع قبلته لشعوره بتململها، لتتشبث بحركة لا إرادية بقميصه مُقربة شفتيها من صدغه، ليُغمض هو عيناه، وشفتيها الناعمه ملتصقة بصدغه بطريقه جعلت قلبه يخفق بعنفٍ، لينظر لها بطرف عيناه فوجدها لازالت نائمة تتمتم بعدة أشياء ليست مفهومة، أبتسم هو ليضع قبلة على خصلاتها الناعمة، حاوط وجهها بكفٍ واحد ليلصف أنفه بأنفها، مستمتعاً بكُل نفس يخرج منها ويدلف لرئتيه، متغلغلاً في خلاياه بأكملها!!!!
• • • •
خرّج "مازن" من المرحاض محاوط جزعه العلوي بمنشفة سوداء، وقطرات المياه تتساقط على جسده هادرةً، بالإضافة إلى خصلاته البُنية الساقطة على وجهه والتي تقطر أيضاً بالمياة، أرتدى بنطال باللون الرصاصي تعلوه كنزة سوداء بحمالات عريضة، ثم أتجه إلى فراشه ليغلق الأنوار، ألقى بجسده فوق الفراش الوثير مغمضاً عيناه، يتمنى أن يزورها في أحلامه، فالواقع لم يجمعها به!!!!!
• • • •
دلفت "ملاذ" لجناحهما لتُلقي بحقيبتها أرضاً بإرهاق، ثم نزعت الحذاء عن قدميها لتفركهما بألم، أتجهت إلى المرحاض لتغتسل، مضت بعض الدقائق لتخرج هي محاوطة جسدها بمنشفة ثقيلة، وقفت أمام المزينة لتجفف خصلاتها بمنشفة صغيرة دلفت لغرفة الملابس لتنزع عنها المنشفة و أرتدت بنطال خفيف واسع، مع كنزة خفيفة ذات حمالات رفيعة للغاية أظهر كامل ذراعيها باللون الوردي، كادت أن تتجه إلى الفراش ولكن وجدت "فريدة" تقتحم الغرفة لتنتفض "ملاذ" بدهشة وهي تجدها أقتربت منها لتقبض على ذراعها ثم جذبتها خلفها ليخرجا من الغرفة، لازالت"ملاذ" لا تستوعب ما يحدث لتردف بصدمة:
- في أيه يا فريدة ساحباني وراكي كدا ليه!!!
ألتفتت لها "فريدة" قائلة:
- ماما رُقية قررت أننا هنّام معاها النهاردة أنا و أنتِ و ملك وقالتلي أجيبك!!!
قطبت حاجبيها بغرابة قائلة:
- أشمعنا يعني؟!!!
رفعت كتفيها بعدم أهتمام قائلة:
- والله مش عارفة بس هي قالت كدا!!!
أومأت "ملاذ" لتذهب معها، دلفا للغرفة ليجدوا "رقية" تجلس نصف جلسة على الفراش و "ملك" بأحضانها تمسد على خصلاتها، بينما الأخرى مستكينة تماماً بأحضان والدتها التي أشتاقت لها تُخبرها عن حياتها الوردية مع زوجها، و "يزيد" جالس على الأرضية يلعب بألعابٍ كثيرة متناثرة حوله، لتعود بأنظارها إلى "ملك" ووالدتها بشرود، هي منذ زمن حُرمت من ذلك العناق، حُرمت من الحنان المغدق على "ملك"، أبتسمت بسُخرية فقبل موتهما أيضاً لم تشعر بحنانهم سوى إلى "براءة"، اضطرب قلبها قلقاً فهي منذ الرسالة التي أحتوت على كلمات كانت كالسهام المسمومة أصابتها في مقتل لم تعلم عنها شيئاً، أتجهت "فريدة" نحوهما لتلقي بجسدها على الفراش بجانبهم تحتضن "رقية" أيضاً التي تقبلتها بصدرٍ رحب، وقفت "ملاذ" على أستحياء خائفة من الأقتراب، لتحثها "رقية" قائلة بإبتسامة حنونة:
- تعالي يا ضنايا في حُضني!!!
حمحمت "ملاذ" بتوتر لتهتف وهي تفرك أصابعها قائلة:
- أصل أنا يا ماما كنت هستنى ظافر هو باسل كلمه و قالي أنه كمان شوية وهييجي فـ أنا لازم أروح الجناح دلوقتي!!!
عقدت "رقية" حاجبيها بضيق زائف قائلة:
- إكده يا ملاذ، أنتِ و ظافر شبعانين من بعض لكن أنا يبنتي بجالي زمن مش عشوفك، بس أنا مش هچبرك يا بنتي على حاچة اللي أنتِ رايداه!!!
قالت جملتها الأخيرة بحزن حقيقي لم تصتنعه، لتندفع "ملاذ" متقدمة بخطوة نحوها قائلة سريعاً تبرر ما تفوهت به:
- مش قصدي والله!!!!
نهرتها "ملك" و "فريدة" يقولن:
- تعالي بقا يا ملاذ
هتفت "فريدة" سريعاً قائلة:
- و ياستي لما ظافر ييجي روحيله على طول!!!!
أومأت "ملاذ" بخجل لتتقدم منهما، أفسحت "ملك" لها لتجلس بمحلها، لتحاوطها "رقية" بحنو مبتسمة على براءتها، فقد قصّ لها "ظافر" من قبل عن الحادثة التي أصابت والديها، أرادت "رقية" أن تعوض حنان والدتها ولو بمقدار ذرة، لتستند "ملاذ" برأسها على صدرها تستشعر دفئها، بينما "فريدة" و "ملك" لعبتا مع "يزيد" الذي أخذ يصفق بإستمتاع!!!
كادت "ملاذ"أن تذرف دمعة هاربة لم تلاحظها "رقية" ولكنها مسحتها سريعاً، لتتسأل "رقية" تنظر إلى "ملك":
-ملك حبيبتي جوزك عامل أيه؟!!
أبتسمت لها "ملك" قائلة:
- زي الفل ياماما متقلقيش!!!!
تابعت "رقية" قائلة بجدية:
- وناويين تعملوا فرحكوا مِتى؟!!!عايزة أفرح بيكي يابنتي!!!!
نظرت لها "ملك" بدهشة فقد نست تماماً أمر زفافهما، لتتورد وجنتيها قائلة:
- هكلمه في الموضوع دة إن شاء الله يا ماما قريب!!!!
أومأت "رقية" قائلة بتساؤل:
- هو مش هييچي ولا أيه!!!
أجابت "ملك" قائلة بهدوءٍ:
- هو قالي هييجي مع ظافر كمان شوية!!!!
فور إنتهاء جملتها وجدت "ظافر" يقتحم الغرفة بعنف، لينتفض جسدها برعبٍ من دخوله المفاجئ، رأت أشتعال حدقتيه و هو ينظر لما ترتديه، لتطبق هي على شفتيها تلعن حالها فهي لم تنتبه أبداً بما ترتديه عندما خرجت من الغرفة مع "فريدة" بينما نظروا "ملك" و "فريدة" لبعضهم البعض بدهشة، لتبتسم "رقية" بعطفٍ قائلة:
- تعالى ياحبيبي أجعد معانا!!!
↚
أتجه نحوها ليجذب ذراعها نحوه بعنف لترتطم بصدره، نظر لها نظرات جامدة أرعبتها، ليعود ناظراً إلى والدته قائلاً بفتور:
- بعد إذنك يا أمي!!!!
أومأت له "رقية" بقلق، ليقبض على ساعدها بشراسة ثم سحبها معه لخارج الغرفة، ليتركها و هو ينزع سترته عنه فظهرت عضلاته أسفل قميصه الأسود، وضعها على كتفها بقسوة ثم جذبها خلفه مرة أخرى، وصلا لجناحهما ليفتح الباب ثم دفعها للداخل بضراوة، كادت أن تسقط لولا تشبثها بالمقعد، صفع "ظافر" الباب بحدة شديدة أرتجف لها قلبها، لتسقط على الفراش عندما وجدته يقترب منها بخطوات سريعة مداهمة، فسقطت سترته جوارها، أنثنى نحوها ليمسك بكتفيها غارزاً أظافر بعضدها الغض، لتتآوه هي ألماً تتلوي بين ذراعيه، صرخ بها هو بقسوة ظهرت بادية على عيناه:
- أنتِ غبية مبتفهميش، أزاي تطلعي بمنظرك دة برا الجناح أفرضي جواد اللي كان معايا دخل هو الأوضة مكاني!!!!!، و أزاي أصلاً تقعدي قدام البنات كدا و أمي!!!! ورحمة أبويا يا ملاذ لو مسمعتيش كلامي هتشوفي وش عُمرك مـ شوفتيه!!!!!
صُدمت من صراخه بها بهذه الطريقه، نظرت لقبضته على ذراعيها لتجده قد تلوّن بالأحمر الممزوج بزُرقة طفيفة، حاولت أمتصاص غضبه لتضع كفيها على صدره ثم هتفت بهدوء:
- ظافر أهدى و أنا هفهمك!!!!!
أشتعلت الدماء بجسده أكثر لبرودها لينهرها و هو يُحرك كتفيها بقسوة قائلاً بصراخٍ عالي بوجهها:
- أهدى!!! طالعالي بلبس مسخرة زي دة و أنتِ عارفة أن في زفت رجالة وخدم هنا أنا مبطيقش حد يُبصلك مُجرد بصة الدم بيغلي في عروقي!!!!
أبتلعت غصة بحلقها لتبعد كفيها من على صدره، ليتركها هو الأخر و ينفضها من يده، تاركاً أصابعه طابعة على عضديها، و أظافر تاركة حُفراً كادت أن تتلون بالدماء، زفر بإختناق ليُحرر أزرار قميصه ثم نزعه سريعاً ليُلقي به على الأرضية، جحظت عيناها رعباً ظناٌ أنه سيتهور، لتبتعد عنه تزحف لأخر الفراش، طالعها هو بضيق ثم تركها ليدلف إلى الشرفة الواسعة للغاية، وقف في منتصفها مستنداً بكف على الشرفة والأخر ممسكاً بلُفافة تبغ بنية اللون يُنفث دخانها و عيناه تضيق شيئاً فشيئاً تزداد حدةً، نظرت له "ملاذ" بإنزعاج، لتنهض من على الفراش ثم جذبت غطاءً سميك و وسادة ووضعتهما على الأريكة، لتتركهم متجهة نحوه بعد أن حاوطت كتفيها بوشاحٍ رقيق، وقفت خلفه لتعقد ذراعيها أمام صدرها تقاوم بصعوبة ذلك الألم الذي خدّر عضديها، لتخرج نبرتها حادة قائلة:
- أنا مطلعتش كدا بمزاجي أنا لبست اللبس دة وكنت هنام ولقيت فريدة دخلت عليا وطلعتني برا الجناح عشان ماما "رقية" عايزاني اقعد معاها و مخدتش بالي من لبسي، أسمع بقا يا ظافر أنا مقبلش أن حد يتحكم فيا ولا أصلاً يتكلم معايا بأسلوبك دة لأن انا مغلطتش عشان تعاملني كدا حاولت أمتص غضبك و أفهمك اللي حصل بس أنت لا كنت سامعني ولا شايفني أصلاً، و ياريت مرة تانية قبل مـ تحكم على حد أبقى أسأل الأول وأفهم، لأن دي أخر مرة هخليك تكلمني كدا بطريقتك دي أو تستقوى عليا بدراعك!!!!
تركته و ذهبت بل عفواً هربت من أمامه و هي تجزم أن بداخله براكين لن تنطفئ، حمدت ربها أنه كان يُدير لها ظهره لكي لا ترى عيناه الزيتونية والتي تصبح أكثر قتامة عند غضبه، لتستلقى على الأريكة سريعاً ثم خبئت جسدها متشبثة به بقوة، أغمضت عيناها عندما شعرت بخطواته تقترب ليدلف للغرفة ثم أغلق الشرفة صافعاً أبوابها لتنتفض هي مكانها ولكن حاولت قدر المستطاع لملمة شتاتها، أطبقت على عيناها بشدة عندما هتف بلهجة باردة أدهشتها:
- قومي نامي على السرير!!!!
ظنت أنه سيُفرغ غضبه بها لما تفوهت به، ولكنه دائماً يُفاجئها!!!، لم تعيره أنتباه و هي لازالت على حالها، لتشهق بعنف عندما وجدت جسدها بين ذراعيه المفتولين لتتشبث بعنقه خوفاً أن تسقط أرضاً قائلة بحدة:
- نزلني!!!!!
أتجه إلى الفراش لتركل هي الهواء بقدميها تصرخ به بغضب:
- مش عايزة أنام جنبك هو بالعافية!!!!
ألقى بجسدها على الفراش بقسوة لتشهق هي بألم شديد ممسكة بظهرها، لتنظر له بغلٍ عندما هتف ببرود:
- بالعافية ياملاذ!!!!!
أستلقى جوارها لتزيح الغطاء عنها ثم همت بالنهوض ليقبض على خصرها بشراسة ثم أنزلها لمستواه محاوطاً خصرها بقوة، ليُكبل قدميها بقدميه لكي لا تحاول النهوض، كادت "ملاذ" أن تبكي بإنهيار لتضرب صدره بعنف قائلة:
- أبعد عني بقا أنا مش هنام جنبك!!!!
لانت عيناه ليحاوط خصرها أكثر وكفه الآخر حاوط وجنتها ليُميل مقبلاً صدغها قائلاً برفق:
- طيب أهدي، مهما حصل بينا يا ملاذ مش هتنامي غير في حضني حتى لو كُنا زعلانين من بعض!!!!
صرخت به تضرب بكفيها صدره بتحدٍ قائلة وهي تنظر له بغضب:
- لاء هنام بعيد عنك يا ظافر و مش هنام في حضنك أبداً!!!!
زفر بعنف ليقبض على مؤخرة عنقها بقسوة هادراً بعينان تشتعلان:
- أنا عارف هتسكتي أزاي!!!!
ثم أنقض على شفتيها بقسوة جعلتها تبتلع ما كان ستقوله داخل جوفه، لينتقل لوجهها بأكمله، وكفيها التي وضعت على صدره تحاول إبعاده ولكن برفق و كأنها لا تريده أن يبتعد، أنتقل من شفتيها إلى عنقها يطبع عدة قبلات عليه، ليبتعد هو بصعوبة ولكنه أبتسم بمكرٍ ممزوج بنظرات عاشق و هو يرى عيناها المغمضتان وشفتيها والتي ترتجف و ليفترب منها مرة ثانية على خصرها بلُطف ليطبع عدة قبلات خفيفة على شفتيها، حاولت "ملاذ" التماسك أمامه لتضع كفيها على صدره العاري مما زاد الأمر سوءاً عندما هتفت بأسمه برقة شديدة جعلته يهمس أمام شفتيها:
- أنتِ بتعملي فيا أيه!!!!!
• • • •
أجتازت "ملك" الدرج لتقف في بهو القصر تبحث عنه، ألتفتت يميناً و يساراً بقلق لتجد من يطبق على خصرها من الخلف فأنتفضت فزعاً، هدئها"جواد" منفجراً بضحكاتٍ رجولية، لينثنى مقبلاً شامة صغيرة على جانب عنقها، فأبتسمت هي برقة محاوطة ذراعيه،قبضت أنامله على خصرها أكثر ثم لفّها له، حاوطت "ملك" عنقه بذراعيها لينظر هو لها مبتسماً بإبتسامة أذابت قلبها، لتتصاعد أناملها الرقيقة تتفحص وجهه، بدايةً من عيناه الخضراء مروراً بأنفه الحاد و ذقنه التي أعطته مظهر أكثر جاذبية!!
أعتلت ثغره إبتسامة مغمضاً عيناه مستشعراً لمساتها الرقيقة، ليمسك أصابعها بكفه الغليظ، ثم قربها من ثغره ليطبع عليهما قبلة لطيفة تحولت سريعاً لعدة قبلات على أناملها لتضحك هي بنعومة، ولكنها سريعاً ما عقدت حاجبيها قائلة وبطنها تتقلص من شدة الجوع:
- أنا جعانة!!!!
رفع حاجبيه لينظر لها بصدمة، ثم سرعان ما أنفجر بالضحك ليترك أناملها محاوطاً وجهها، ثم هتف و هو يقرص وجنتيها قائلاً بإبتسامة مازحة:
- أنتِ همِك على بطنك دايماً كدا يا هادمة الملذات واللذات!!!!
نفخت وجنتيها بضيق زائف لتُزيح كفيه قائلة بقنوط:
- أيوا مش هتأكلني يعني!!!!
كتّف ذراعيه أمام صدره ليهتف قائلاً و هو يميل عليها بخبث:
- والله المفروض أنتِ اللي تأكليني عشان أنا هفتان!!!!
ضربت على جبينها بتذكر قائلة وهي تومأ برأسها تأكيداً على حديثه:
- أنت معاك حق!! تعالى نعمل الأكل بقا!!!!
عادت رأسه للوراء من شدة ضحكاته ليعود ينظر لها بمكرٍ:
- لاء ياحبيبتي أنا مش هاكل النواشف دي!!!!
نظرت له بدهشة لتقطب حاجبيها بتساؤل قائلة:
- أزاي يعني أومال هتاكل أيه!!!!
قرص وجنتيها ليميل مقبلاً حافة ثغرها يهتف بإبتسامة شيطيانية:
- هاكلِك أنتِ يا ياقمر!!!!!!
جحظت عيناها بشدة لتضربه على صدره هادرة بإنزعاج:
- والله أنت قليل الأدب!!!!
أطلق ضحكة رجولية بحتة و هو يهتف عاقداً ذراعيه:
- هو أنا مقولتلكيش قبل الجواز أني متربتش أصلاً؟!!!!
كتمت أبتسامتها لتُضيق عيناها قائلة وهي تضرب صدرها بحزن زائف:
- و أنا اللي كنت فاكرة أنك محترم ياحسرة عليا أتخدعت فيك ومطلعتش وِلد ولود!!!!!!!
لم يستطيع السيطرة على ضحكاته ليجحظ بعيناه عند آخر جملتها ثم أمسك بكنزتها يُقربها منه قائلاً بصدمة:
- وِلد ولود!!!!!!
أومأت بعينان كالجرو تنظر له ببراءة، ليتركها ضارباً كفه بالأخر، يهتف بدهشة:
- أنا حاسس أني متجوز عيلة صغيرة!!!!
رفعت حاجبيها لتقبض على تلابيب قميصه قائلة بقنوط:
- عيلة صغيرة!!! أنا عيلة صغيرة يا جواد!!!!
حاوط خصرها ليهمس بخفوت:
- أنتِ مافيش أعيل منك يا حبيبتي!!!
تركت قميصه لتحاول إزاحة ذراعيه قائلة بضيق:
- ماشي يا جواد!!!!
شعرت بجسدها محلق في الهواء لتحاوط خصره سريعاً و هي تراه يتجه نحو المطبخ، لتردف قائلة:
- طيب نزلني عشان أعملك الأكل!!!
توقف لينظر لها يهتف بجدية:
- أنا اللي هعمله!!!!
صُدمت مما قاله لتجحظ عيناها تُشير إليه بسبابتها قائلة:
- بجد أنت هتعمل الأكل!!!!
أومأ ببساطة ليدلفا داخل الطبخ الذي كان فارغاً تماماً من الخدم فالجميع خلد لفراشه نظراً للوقت الذي شارف على منتصف الليل أجلسه كالطفلة على رخام باللون الزهري ثم وضع كفيه جانبها قائلاً بحزم صارم:
- أقعدي هنا و إياكي تقومي ولا تمدي إيدك في حاجة فاهمه!!!
أومأت بحماس كفولي لتبتسم بشدة تضم كفيها معاً لصدرها، أبتسم هو ثم مدّ سبابته ليصفع أرنبة أنفها بخفة، أنحنى لها قليلاً ليطبع قبلة على وجنتيها قائلاً بنظرات حانية:
- بحبك!!!
تحرّك في أرجاء المطبخ الواسع يطهى قطع من اللحم جوار معكرونة بالصوص الأبيض، لتتربع هي بقدميها تضع كفيها أسفل ذقنها تراقبه بعشقٍ خالصاً، تشكلّت على ثغرها نصف أبتسامة لا تستطيع منع نظراتها عنه، بقميصه الأسود مشمراً عن ذراعيه حتى لا يُعيقه، أنامله التي تتلاعب بالسكين بإحترافية دُهشت هي منها، خِفته وهو ينتقل من مكان لأخر، و نظراته التي يُلقيها عليها بين الحين والأخر مبتسماً لتزداد أبتسامتها أتساعاً، أستيقظت من شرودها لتنهض حتى تساعده في عمل السلطة، وبدون قصدِ منها همت رأسها بالإرتطام في ضلفة مفتوحة على آخرها، ليهرع هو نحوها واضعاً كفه على مقدمة رأسها قبل أن ترتطم بالضلفة ليجذبها من خصرها يحاوطه بقلقٍ ثم هتف بنظرات متوجسة و هو يتفحص جبينها بأنامله قائلاً:
- حصلك حاجة؟!!!!
نظرت "ملك" للقلق الذي أحتل عيناه، لتنفي برأسها سريعاً مبتسمة لينظر لها بحدة قائلاً بعتاب صارم:
- بتضحكي على أيه يا ملك أنتِ أتهبلتي!!!، قولتلك متقوميش من مكانك و راسك كانت هتورّم دلوقتي!!!!
أرتمت في أحضانه بدون مقدمات محاوطة خصره بقوة لتدفن وجهها في صدره، ورائحة عطره تتغلغل في روحها، ليبادلها هو العناق بآخر أكثر شدة محاوطاً خصرها بذراعٍ والأخر ربت على خصلاتها بحنان، مقبلاً جبينها الذي أستقر أسفل ذقنه برقة، لتبتسم هي بعذوبة، ثم نزعت نفسها من بين أحضانه لتشير له بالأقتراب و السقوط لمستواها، ففعل هو بغرابة لتحاوط وجهه مُقبلة وجنتيه بقوة فضحك هو على أفعالها الطفولية، ليبدّل هو الأدوار يطبع قبلة تعمد أن تكُن عنيفة على وجنتيها يُريد قضم تلك الفراولتان القابعتان بخديها الأحمر، منتقلاٌ إلى شفتيها ، و كفه يضم جسدها له أكثر بينما هي تكاد أن تذوب من رقة قبلاته، بادلته هي بعد قليل بحياء ثم فتحت عيناها لتقع نظراتها على الطعام الذي تصاعد منه أدخنه كثيفة، شهقت بعنف لتدفعه من صدره صارخة وهي تضع كفيها على فمها هادرة:
- الأكل!!!!!
توسعت عيناه ليلتفت ثم أسرع يغلق المُشعل ليمسك بالغطاء الساخن غير عابئاً بأنامله الملتهبة يزيحه و هو يرى المعكرونه قد تحولت للون الاسود، أغمض عيناه يسُب حاله فقد نُثر تعبه على هبائاً، ليلتفت إلى "ملك" التي أطبقت على عيناها رافعة كفيها على ثغرها، توزع أنظارها على الطعام و عليه، ليصرخ بها "جواد" بشدة:
- أنتِ السبب!!!!!
نظرت له بصدمة لتصرخ هي الأخرى:
- وانا مالي بقا!!!! أنت اللي آآآ..!!!
قطعت حديثها لتتساقط أنظارها خجلاً، فأبتسم هو بمكر ثم اقترب منها قائلاً و هو يغمز بعيناه اليُمنى:
- أنا اللي أيه يا ملك!!!!
زمت شفتيها بضيق لتضربه على صدره بخفة، ثم نظرت له بحزن لتبرق عيناها بالدموع، ليسرع هو محاوطاً وجهها يهتف بقلق حقيقي:
- بتعيطي ليه طيب دلوقتي!!!!
أمسكت بمعدتها لتبلل شفتيها قائلة بحزنٍ شديد:
- أنا أصلي كنت جعانه أوي!!!!
غرز أسنانه بشفتيه بعنف ليُقرب كفيه من وجهها وكأنه على وشك ضربها، أبتعدت هي تضحك بقوة، ليلتفت للطعام ثم قال بقلة حيلة:
- شكلنا هنقضيها دليڤري!!!!!
• • • •
أجتمع الجميع على طاولة الطعام باليوم التالي عدا "باسل" الذي قضى نهاره جوار "رهف"، جلس "ظافر" في مقدمة الطاولة تجاوره "ملاذ" على الجهة اليسرى ووالدته على اليُمنى جوار "ملك" و زوجها الذين أخذوا يتبادلوا الحديث بخفوت والأبتسامة لا تُخفى من فوق ثغرها ، بينما "فريدة" و أخيها جوار "ملاذ" تُطعمه بإهتمام وهي تُغدغه ليمتلئ القصر بضحكات الصغير، نظرت "ملاذ" إلى "ظافر" لتجده جامد المِحيا، حدقتيه باردة و هو ينظر إلى وعائه، لتقطب حاحبيها بضيق فمن من المفترض أن يحزن من الآخر، نظرت إلى ما ترتديه لتتذكر عندما شدد عليها أن ترتدى تنورة واسعة مليئة بالألوان المبهجة والراقية معاً، تعلوها حِلة جلدية سوداء اللون، و هي تعقص خصلاتها على هيئة ذيل حُصان، متحججاً بوجود "جواد" في القصر، زمت شفتيها من غيرته التي باتت تجثى على صدرها، بل لم يكتفي بتلك الملابس أراد أيضاً أن تضع وشاح على خصلاتها، هُنا أنفجرت هي به صارخة بسأمٍ:
- حجاب أيه يا ظافر الخطوة دي لما أخُدها لازم أبقى مقتنعة جداً بيها مش هتفرضه عليا كمان!!!
تذكرت ردّه الجامد هاتفاً:
- لاء هفرضها عليكي يا ملاذ أنا كُنت سايبك كل دة براحتك لكن الظاهر أني دلعتك زيادة و من هنا ورايح هتسمعي كلامي من غير حرف واحد!!!!
صُدمت من طريقته القاسية في الحديث معها، لتضع خصلة ساقطة على وجهها خلف أذنها وهي تتحدث بإنفعال:
- كفاية بقا يا ظافر أنا عملت عشانك حاجات كتير وضحيت كتير عشان أرضيك لكن لحد هنا وخلاص أنا مش هعمل حاجة بعد كدة غير لما أكون مقتنعة بيها!!!!
نظر لها نظرات أخرستها، ليقترب منها فوقفت هي ثابته ترفع أنفها بشموخٍ لا تهتز لها سوى حدقتيها، نظرت لسبابته التي رُفعت بوجهها ليهتف بنبرة جعلت جسدها يرتعش من شدة الخوف:
- أنا هعرّفك أزاي تعلي صوتك وتتكلمي معايا كدا!!!
ثم أطاح بالمزهرية أرضاً ليخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه، رفعت "ملاذ" أنظارها له لتجده لازال على حاله، نهضت عن الطاولة واثبة وهي تردف بهدوءٍ:
- الحمدلله شبعت!!!!
كادت أن تذهب لولا كفه الذي وُضع بقسوة على كفها الموضوع فوق الطاولة، ثم شدد عليه بأنامله بعنف قائلاً بنبرة جامدة و هو ينظر أمامه:
- متعلمتيش قبل كدا أنك متقوميش من على السُفرة إلا لما جوزك يخلص أكله!!!!!
ترقرقت الدموع بعيناها لتجلس مجدداً ببطئ وكفها لازال مُقيد بكفه، لينظر لها "ظافر" بجمود، ولكن عندما وجدها تُخفي دمعاتها العالقة بعيناها شعر كما لو أن قلبه أُعتصر بقسوة، ليترك كفها ثم نهض يلتفت ملتقطاً بذلته من خلف المقعد و مفاتيح سيارته الموضوعة على الطاولة ثم نظر إلى "جواد" قائلاً بهدوءٍ:
- جواد يلا عشان ورانا شغل كتير!!!!
ثم تركه يمضي نحو باب القصر بخطوات تركت صدى بالقصر من شدة الهدوء، لينهض "جواد" مُقبلاً جبين زوجته التي ثُبتت عيناها على "ملاذ" تنظر لها بعطف، ذهب "جواد" خلفه مستأذناً من الجميع، لتنظر "فريدة" إلى "ملاذ" بشفقة، ثم مدت كفها لتُربت على كتفيها بحنان فنظرت لها "ملاذ" بإبتسامة تُخفي خلفها الكثير، نظرت لها "رقية" أيضاً قائلة وهي تحاول نزعها من ذلك الجو المشحون:
- ملاذ أطلعي ياحبيبتي و اجعدي مع ملك وفريدة!!!
أومأت "ملاذ" لتترك الطاولة متجهة إلى غرفتها بخطوات أشبه بالركض، دلفت للغرفة لترتمي على الفراش لتجهش بالبكاء تُكتم شهقاتها بالوسادة، ورائحته العالقة بالفراش تكاد تخنقها، لتجد الباب يُفتح ببطئ ثم دلفا كلاً من "فريدة" و "ملك" للغرفة، لتظل "ملاذ" على حالتها ولم تتحرك، أقتربت منها "فريدة لتجلس جوارها تُربت على كتفيها قائلة بحنو:
- أهدي ياحبيبتي متعمليش في نفسك كدا!!!
هتفت "ملك" و هي تجلس بالقرب منها على الجانب الآخر قائلة بعطف:
- هو أكيد كان مضايق شوية من اللي حصل لباسل ورهف ومكنش قصده!!!
ثم هتفت بمرح وهي تقرص وجنتيها التي أمتلئت بالدموع:
- وبعدين اراهنك انه هييجي يصالحك بليل ويعتذرلك على اللي قاله، والله ظافر مافيش أحن منه!!!
أومأت "فريدة" بتأكيد وهي تمسح على خصلاتها قائلة:
- ملك عندها حق قومي بقا وفرفشي كدا عشان عايزين نروح للبت رهف مش عايزين نسيبها كدا لوحدها!!!!
نهضت "ملاذ" جالسة على الفراش لتكفكف دمعاتها بأناملها، لتضم ساقيها إلى صدرها مستندة بذقنها على ركبتيها، أفترشت خصلاتها جوارها لتترقرق عيناها بالدموع مجدداً، لتبرق عيناها ثم أنتفضت من فوق الفراش هادرة بلا وعي:
- انا هروحله!!!!
نهضت معها "ملك" صارخة بحماس:
- ايوا كدا يلا روحيله!!!
نظرت لهم "فريدة" بصدمة لتنفجر في الضحك ضاربة كفيها ببعضهما ثم هتفت وسط ضحكاتها:
- والله أنتوا مجانين!!!
أتجهت "ملاذ" إلى خزانتها ثم فتحتها سريعاً لتلتفت لهم قائلة بحيرة:
- ألبس أيه؟!!!
• • • •
فتحت حدقتيها ببطئٍ شديد، فشعرت بجسدها مُكبل بأكمله، لتشُخص عيناها وهي ترى كفها متشبث بقميصه الأسود، جزعها العلوي يكاد يدلف لقفصه الصدري من شدة أحتضانه لها، أرتفعت بأنظارها بحذرٍ فوجدته مغمض العينان و انفاسه تخرج بهدوءٍ منتظم، نظرت لذراعه الذي يحاوط خصرها بإحتواء، لتغمض عيناها تُخبر نفسُها بأنها ستنعم قربة لثوانٍ فقط ثم ستدفعه بعيداً عنها، ولكن طالت الثواني والدقائق هي ضامة ذراعيها تدفن أنفها بصدره أكثر، تشتم رائحته التي حُرمت منها، ثم وعت على نفسها بعد وقتٍ ليس بقليل، لتستجمع قواها ثم دفعته من صدره بقسوة، أنتفض "باسل" بهلعٍ مصدوماً، ليمسك كتفيها قائلاً و هو يتفحصها بقلق:
- في أيه حصلك حاجة!!!!!
تلوت بين ذراعيه تحاول نزع ذراعيها من بين كفيه و هي تضربه على صدره عدة ضربات:
- أبعد عني!!!!
جَمِدت ملامح وجهه ليبتعد عنها بالفعل، ثم نهض و هو يفرك عيناه يُزيل عنها بوادر النعاس، لينظر لها بعينان باردتان قائلاً بفتور:
- أعملي حسابك هتطلعي من المستشفى وهتيجي معايا القصر!!!!
نظرت له بهلع لتصرخ به قائلة:
- مستحيل!!!!!
ألقى لها نظرة تهكمية و هو يبتسم ساخراً وكأنه يؤكد لها حتمية الذهاب معه إلى أي مكان يقبع به، ليقترب منها بخطوات بطيئة واضعاً كفيه في جيبة، نظرت هي له بتوجس، وضع كفيه جوار رأسها ليميل برأسها نحوها لايفصلهما سوى إنشات، دست هي رأسها بقوة في الوسادة خلفها تُغمض عيناه بتوترٍ، و انفاسه تصفع وجهها بقوة،ليبتسم هو قائلاً بنبرة جدية متأملاً ملامحها:
- أي مكان هبقى فيه هتبقي أنتِ معايا وفي حضني، بمزاجك أو غصب عنك!!!!
ثم أنثنى نحوها ببطئٍ مُثبتاً أنظاره على شفتيها، ليُقبل شفتيها برقه جحظت "رهف" بعيناها لتضع يدها على صدره محاولة إبعاده عنها ليصعد بنظراته لها ثم مسح بأنامله على مقدمة رأسها هبوطاً بوجنتيها، لتستقر أنامله على شفتيها ، تلمسها بإبهامة يردف بهمسٍ جعل القشعريرة تسرى في جسدها:
- كُل مرة هتبعديني هقرّب أكتر، أنتِ بتاعتي وملكي يارهف، ولازم تقبلي دة!!!!
قاومت "رهف" ملء عيناها بالدموع، ليبتسم هو بحنو مقبلاً حفونها المغمضة، ثم تركها متجهاً إلى الخارج، لتجهش هي بالبكاء تحاوط وجهها بكفيها!!!!
• • • •
ترجلت "ملاذ" من سيارتها والسعادة تشع من وجهها، ممسكة بـ باقة من الورود ذات اللون الأبيض والأحمر، أبتسمت عيناها و هي ترى شركته التي لم تدلف لها منذ زمن، و بدلاً من النظرات الكارهه التي كانت ترمقه بها باتت نظراته تنطق عشقاً له، لتسير بحذائها ذو الكعب العالي، تدلف للشركة بشموخٍ ليسارعوا الحُراس بالإبتسام لها قائلين بإحترام بالغ:
- أتفضلي يا ملاذ هانم!!!!
أكملت سيرها وسط أنظار المتواجدين الذين رمقوها بإعجابٍ، فهم كانوا بالفعل يتمنون رؤية "ملاذ الشافعي" على الحقيقة، وقفت أمام المصعد تنتظر نزوله لها، لترى شخصٍ، يبدو بالثلاثينات يقف جوارها واضعاً كفيه في جيب بنطاله بهيبة، ألتفتت له بغرابة لتقف أمام المصعد الأخر حتى تصعد، فُتح الباب ولكن قبل دلوفها سمعته يهتف بجمودٍ:
- نورتي يا ملاذ!!!!
ألتفتت له بدهشة لتشير إلى نفسها قائلة بغرابة:
- أنت تعرفني!!!!
أبتسم بألم لتشع عيناه ببريقٍ عاشق تعلمه، ليهتف قائلاً ببساطة:
- أطلعي يا ملاذ، أطلعي لجوزك!!!!
صُدمت "ملاذ" من حديثه، لتتركه و هي تفكر إن كانت رأته من قبل، لتدلف للمصعد، ففوجئت به قبل غلقه يدلف له هو الأخر بهدوء، أنتفضت برعب منه لتبتعد لآخر المصعد ونظراته لم تريحها أبداً، ضغط على الطابق الخاص بـ "ظافر" ثم على الطابق الذي يريده، أراد إقالتها هي قبله لكي يتمتع بأكبر قدر من التأمل بها بطرف عيناه الزرقاء، ليبتسم ساخراً و هو يرى توجسها
فهي تظن أنه سيؤذيها، لا تعلم أن قلبه يسقط صريعاً إن أصابها خدش، فُتح الباب لطابق "ظافر" لتهرول هي تخرح من المصعد سريعاً، فتركت رائحتها خلفها ليستنشقها هو كما لو أن روحه عادت له، ليُخرج كفيه من جيب بنطاله عندما تأكد من غلق باب المصعد، ثم وضعهم على وجهه يمسح فوقه بعنف مستنداً على الجدار جواره، يهتف و هو يضرب على الحائط عدة مرات هادراً:
- أطلعي من دماغي بقا!!!!
• • • •
سارت "ملاذ" في ممر الشركة، لتشرُق ملامحها عندما وجدت مكتبه أمامها تحاول تناسي ذلك الرجل لتلتفت إلى سكرتيرته ذات الوجه الذي أمتلأ بمستحضرات تجميل صارخة، وجسد متناسق كـ "ملاذ"، خصلاتها بنية بلونٍ جذاب، تجمدت ملامحها عندما وجدت تلك السكتيرة بهيئة لا توحي سوى بأنها تريد إغراء مديرها، لتخرج كلماتها باردة وهي تقول:
- ظافر موجود!!!!
نظرت لها الفتاة بضيق فهي رأتها مراتٍ عديدة في الصور ولكن على الحقيقة هي أجمل بكثير، لتهتف بفتورٍ:
- موجود ياملاذ هانم بس هو طلب مني أني مدخلش عليه أي حد!!!!!
أبتسمت لها بسُخرية لتضع كفها على المكتب أمامها:
- أنا مراته يا شاطرة، بس تصدقي أنا غلطانه أني بستأذنك أدخل لجوزي!!!!
اشتعلت حدقتي الأخيرة لتمضي "ملاذ" نحو الباب وخطواتها تكاد تحفر الأرض أسفلها، ثم فتحت الباب بعنف، فوجدته ينظر لأوراقه بإهتمام لتلمح شراراً من عيناه فهو لا يتخيل أن يقتحم أحد المكتب عليه بتلك الطريقة رفع أنظاره ينوي تلقينه درسٍ قاسي ولكن علت نظراته الدهشة لينهض يهتف بعدم تصديق:
- ملاذ!!!!
أبتسمت له "ملاذ" بحب، لتظهر خلفها سكرتيرته التي هتفت بأدبٍ تدافع عن نفسها:
- صدقني حضرتك أنا قولت للمدام مينفعش تدخل بس هي آآآ!!!!
قاطعها "ظافر" بحدة شديدة قائلاً:
- المدام تدخل وقت مـ تحب و لو عرفت مرة تانية أنك حاولتي تمنعيها تقدمي أستقالتك و مشوفش وشك هنا في الشركة!!!!
نظرت له "ملاذ" وهي تكاد تركض لكي تضمه لها، لتلتفت تنظر إلى السكرتيرة بتهكمٍ فسقطت الأخيرة بنظراتها أرضاً و هي تومأ ثم خرجت تغلق الباب خلفها بهدوء، ألتفتت "ملاذ" له لتجده يتوجه نحوها ممسكاً بكتفيها بكفٍ والأخر حاوط وجهها بقلق هاتفاً:
- في أيه يا ملاذ حد حصلُه حاجة!!!!
نفت "ملاذ" برأسها و الأبتسامة لازالت مرتسمة على وجهها، ثم رفعت باقة الورد له قائلة بطفولية:
- اتفضل!!!!
نظر "ظافر" للورود بدهشة ليلتقطها منها ثم هتف بإبتسامة ساخرة:
- جيبالي ورد!!!!
زمت شفتيها بقنوط لترتمي بأحضانه ثم هتفت مقطبة حاحبيها:
- طب أعمل أيه عشان متزعلش مني؟!!!
وضع الورود على الأريكة الخاصة به ليُبعدها عنه يحاوط وجنتيها وأنامله تعبث بهما ثم قرّب وجهه منها قائلاً:
- كفاية أنك جيتي!!! مش هتصدقي مجيتك هنا فرحتني أزاي!!!
حاوط خصره بذراعي دون أحتضانه قائلة بسعادة:
- بجد!!!!
أومأ هو لها مقبلاً طرف شفتيها، ليقبض على كفها برفق متجهين نحو الأريكة ليجلسا عليها، ثم حاوط كفيها بكفيه لتتحول معالم وجهه إلى الجدية قائلاً:
- بُصي يا ملاذ، أنا مش هغصبك على الحجاب أنا عايزك تفهمي كلامي كويس، أنتِ مراتي و مسئولة مني ياحبيبتي، يعني مش هتتحاسبي لوحدك أنا هتحاسب عليكي، الحجاب مش هيقلل منك ولا حاجة بالعكس دة هيزيدك رقة، أنتِ ملكي أنا ياملاذ مش من حق أي حد يشوف لا شعرك ولا حتى يشوفك باللبس الضيق اللي متعودة تلبسيه و أنا عارف انك دلوقتي بدأتي تتغيري و مش بتلبسيه، بس أنا مرضاش أبداً أن حد يبُصلك بحس أن في نار جوايا وبيبقى هاين عليها اطلع عينه في إيدي، عايزك تفهمي أن أنا مش بتحكم فيكي أنا بصونك لكن والله أنا لو أطول أخليكي تتنقبي هعمل كدا عشان محدش يشوف القمر دة غيري!!، زي مـ أنا بحاول أغير من نفسي أنتِ كمان لازم تعملي دة صح ياحبيبتي؟!!!
نظرت له "ملاذ" بدهشة ترفع حاجبيها معاً، فحديثه تغلغل داخلها مداعباً كل خلية بها، لا تصدق أهو يمارس لها تنويم مغناطيسياً لتنصاع له و بإرادته، أبتسمت بشدة لتضع كفها اسفل ذقنها شاردة به، لتهتف قائلة وهي تُقبل وجنته قائلة:
- كل مرة بتثبتلي أني أتجوزت راجل بكل معنى الكلمة!!!!
لاحظت أبتسامته الهادءه لتهتف متابعة:
- عشان كدا أنا هعمل اللي أنت عايزة وأنا مقتنعة بيه!!!!
لم يستطيع السيطرة على فرحته ليُقرب منكبيها من جسده يحتضنها بشوقٍ، مقبلاً خصلاتها ليهتف بسعادة جلجلت بصوته:
- من النهاردة هتلاقي عندك كل أنواع الحجاب اللي في مصر و كل ألوانه، ومعاهم لبس واسع و شيك هيجيلك لحد عندك!!!!
• • • •
نزلت "فريدة" الدرج بخطوات متأنية، تحمل "يزيد" بأحضانها تُقبل وجنتيه بسعادة، ليحاوط هو عنقها يُقبلها هو الأخر ببراءة، ثم هتف بطفولية قائلاً:
- هناكل أيه يا ديدا؟!!!
- اللي أنت تحبه يا روح ديدا!!!!
هتفت "فريدة" متجهة به نحو طاولة الطعام، لتجلسه على مقعده ثم جلست كالقرفصاء أمامه ترمقه بإبتسامة وهي تراه يضع سبابته على ذقنه يُفكر بما يُريد أن يأكل، ليهتف قائلاً بحماس:
- أنا عايز بيتزا!!!!
نظرت له "فريدة" بدهشة ثم هتفت مقبلة كفه الصغير:
- انت صغير ياحبيبي على البيتزا، أجيبلك corn flex؟!!
أومأ "يزيد" يُصفق بسعادة، لتنهض هي متجهة نحو المطبخ قائلة:
- خليك مكانك يا يزيد و أوعى تتحرك و أنا ثواني وجيالك!!!!
دلفت للمطبخ لتحضر طعامه، ثم أمسكت بالصينية داخلها وعاء صغير يُمثل إحدى الأشكال الكارتونية، ثم أتجهت للخارج، لتتسمر قدميها بالأرض وهي تشعر بدلواً من الماء البارد أُلقي على رأسها، لتتوسع بؤبؤ عيناها شيئاً فشيئاً وهي ترى أخيها يصرخ بحماس برئ و هو يركض لذلك الجسد المنتصب بهيبة:
- مــــازن!!!!!!!!
جسدها لم يعد يقوى على حملها، لتقع الصينية منها أرضاً فأفترش الحليب مسكوباً على الأرضية!!!!
توقفت الحروف على أعتاب ثغرها، لتسير قشعريرة عصفت بجسدها بأكمله، زاغت أنظارها وهي تنظر له بصدمة تجلت على ملامحها، تنظر إليه وكأنها تتشبع برؤيته لتحفظ تلك الذكرى داخل عيناها، شعرت بأنها بحلمٌ تعلم أنه سيقلب حياتها رأساً على عقب، أرتدت خطوة واحدة تنفي تجسّده أمام عيناه بهيبته و وسامته التي تذيبها، تنفي وجود ذلك الشوق والحنان بعيناه ألتفتت لتجد أخيها يركض له بإندفاع صارخاً بإسمه لينحنى هو له يستقبله في أحضانه بإبتسامه هادئة، ثم حدق بها لتظل هي تنظر له بعيناها الواسعتان فحدث بينهما تواصل بصري قال ما لم يستطيع اللسان قوله، لقد تغير وهي تعترف بذلك، أصبح أكثر هيبة، أكثر جدية، و أكثر وسامة، عند تلك النقطة تمنت لو أن تذهب لتلكم وجهه الوسيم، تخبره أنها كم تكره نفسها لأنها شعرت بمشاعر تختبرها لأول مرة معه، تخبره أنه لا يجب أن يعود ويدمر حياتها بعد أن جاهدت في بنائها مجدداً، تخبره كم تكره رؤيته.. وكم أشتاقت له!!!!
عندما دلف من الباب و هو يجدها تخرج من المطبخ تتهادى في سيرها ممسكة بصينية، وجهها الذي أزداد جمالاً لم يظهره تلك الصورة، خصلاتها التي أزدادت طولاً ساقطة على وجهها بنعومة، شفتيها التي أظهرت عن اسنانها المتلألئة، زالت الأبتسامة التي تشكلت على ثغرها عندما رفعت أنظارها له لهتاف أخيها، فسقطت أنظاره على الوعاء الذي أنسكب أرضاً، ليعود بأنظاره الجامدة على ملامحها المصدومة وكأنها للتور تعرضت لصدمة كهربية، لانت ملامحه عندما شعر بإرتجاف جسدها الذي لا يُخفي عليه، تنهد بخفة وهو يتمنى لو أن يذهب لها ليحتصنها بقسوة ممتزجة بحنان لم تراه مسبقاً، يخبرها أنه نادم، آسف، يخبرها أن لا يوجد شخص على الكرة الأرضية أغبى منه لأن لم يستغل كل ثانية ليبقى بجوارها، ينعم بقربها قبل أن تنقبض روحه، نظر إلى الصغير الذي هرول نحوه ليجلس على ركبتيه حتى يكون في مستواه، ثم فتح ذراعيه له ليرتمي "يزيد" في أحضانه محاوطاً عنقه، ثم قبله على وجنته التي نبت بها ذقنه، قائلاً ببراءة:
- وحشتني أوي ياعمو مازن!!!!!
أبتسم له "مازن" ثم قبّل وجنتيه بحنو ليهتف بصوته الرجولي الذي جعل جسدها بأكمله يرتجف و هي لازالت تنظر لهم:
- أنت أكتر يا يزيد!!!!
هتف "يزيد" بعفوية مندفعاً و هو يصفق بكفيه:
- أخيراً رجعت وفريدة مش هتعيط تاني!!!!
نظر له "مازن" بصدمة لينظر إلى "فريدة" التي ألقت لأخيها نظرة حانقه ثم سقطت بأنظارها لقدميها عندما وجدته محدقاً به، ليبتسم هو بشوقٍ لا يصدق أنها كانت تبكي عندما أبتعد عنها، نهض سريعاً عندما رأى والدته تركض نحوه غير مصدقة بأن فلذة كبدها يقف أمامها، ألقت بجسدها البدين في أحضانه محاوطة خصرها لتبكي بقهرٍ، حاوطها "مازن" مربتاً على ظهرها، ليبعدها عنه، ثم مسح دمعاتها قائلاً بحنان بالغ:
- أهدي يا أمي، ليه العياط دلوقتي بس!!!
أمسكت بكفه لتقبله بإشتياق لتحاوط وجهه تقبله ببكاءٍ شديد وسط ضحكاته على أستقبال والدته له، لتهتف "رقية" قائلة بلومٍ:
- ليه ياضنايا الغيبة دي كُليتها، حرام عليك يابني تعمل فينا أكده أنا كنت بطمن عليك كل يوم من ظافر وباسل بس هُما مجالوليش أنك چاي ياحبيبي، ليه إكده يامازن تحرمني منك المدة دي، موحشتكش ياحبيبي، مراتك موحشتكش!!!!!
عند تلك النقطة رفعت أنظارها لهم بحنق شديد، لتلتفت حتى تذهب لغرفتها بخطواتٍ حانقة، ولكن أوقفتها في أرضها جملته التي هتف بها بنبرة حنونة علمت أنها ذات مغزى:
- طبعاً وحشتوني أوي!!!!!
لا تعلم أيقصد شئ بإستخدامه صيغة "واو الجماعة"، لا يمكن أن يقصدها بتلك الكلمة، تابعت سيرها بخطوات قوية لا تبالي بكلماته، غافله عن نظراته التي ظلت تتابعها حتى أختفت عن مرمى عيناه، ليعود بأنظاره لوالدته ثم أخذ بتقبيل كفها الدافئ ليهتف بود:
- أنا في الفترة دي أتعلمت كتير أوي يا أمي، عايزك تسامحيني على أي حاجة وحشة عملتها معاكوا، أنا خايف ييجي وقت وميقاش نافع فيه ندم!!!!
شعرت "رقية" بقلبها ينقبض على صغيرها، لتحاوط وجنتيه قائلة بعينان دامعتان:
- في أيه ياضنايا، مالك ياحبيبي!!!!
نظر لها بنظرات مطمأنة حتى لا يثير شكها، ثم قال و هو يربت على كفيها:
- مافيش حاجة ياحبيبتي، أهم حاجة تسامحيني!!!!
ربتت "رقية" على خصلاته قائلة بحنو:
- مسمحاك يابني، وراضية عنك ليوم الدين!!!!!
أبتسم لها لتتابع هي قائلة بنبرة حانية:
- أطلع يابني لمراتك عشان ترتاح من السفر هبابة، ربنا ييسر الاحوال بيناتكوا ويخليكم لبعض!!!!
أومأ "مازن" بإبتسامة فقلبه يرفرف فرحاً لأنه سيصعد لها، ليجد من يتشبث ببنطاله، ألتفت إلى "يزيد" الذي هتف بحماس:
- خدني معاك ياعمو مازن!!!!
سارعت "رقية" بالقول لتمسك بيد الصغير بلطف قائلة:
- تعالى يايزيد ناكل الأول وبعدين تعمل اللي تريده!!!
أومأ "يزيد" بإبتسامة راضية ليذهب معها، ثم أمسك بحقيبته الصغيرة فهو لا يريد أن يبقى هنا كثيراً، ليتجه إلى الدرج ثم صعده ركضاً، ليتجه إلى غرفتهما، ففتح الباب سريعاً ولكن وجد أنوارها مطفأة شديدة الظلام، ليلتفت ثم فتح الأنوار فوجدها نظيفة مرتبة توحي بأن لا أحد يجلس بها، ليلغلق باب الغرفة متيقناً بأنها ذهبت لغرفة أخرى، سار بالممر لينظر لغرفة نبع من أسفل بابها نور أبيض، ليبتسم بعذوبة ثم أتجه نحوها، أمسك بنقبض الباب ليُديره بهدوءٍ حذر، ثم فتحه على مهلٍ ليجدها تقف في منتصف الغرفة تعطيه ظهرها، مكتفة ذراعيها أمام صدرها، طالع خصلاتها المنسابة على ظهرها ليغلق الباب بخفوت ثم وضع حقيبته أرضاً، ليذهب تجاهها بخطواتٍ وئيدة، تصاعدت أنامله ليضعها على كتفيها مردفاً بهدوءٍ:
- فريدة!!!!!
أنتفض جسدها كمن لدغها عقرب لتلتفت له منفضة ذراعيه بحدة هادرة بصوتٍ عالٍ:
- أبعد عني!!!! أيه اللي رجّعك؟!!! أيه اللي جابك رد عليا، جاي تدمر حياتي تاني مش مكفيك اللي حصل فيا مش كدا!!! بس لاء يامازن اللي سيبتها فريدة القديمة، وفريدة القديمة ماتت و أتدفنت، دلوقتي قدامك فريدة تانية خالص مش هتسمحلك تدوسلها ع طرف، أرجع مكان مـ كنت لأن محدش عايزك!!!!!
تغاضى عن شعور النغزة بقلبه، ليعود ممسكاً بكتفيها لكي يروضها ولكنها اخذت في ضرب صدره بقوة، على قلبه مباشرةً، تصرخ به بجنون أن يبتعد عنها، حاوط كتفيها بذراعيه ليقربها من صدره بحنو ماسحاً على خصلاتها، تلوّت "فريدة" بين ذراعيه ولكن أستكان جسدها عندما سقط بثغره جوار أذنها ليهمس بنبرة حانية، نغمة جديدة على مسامعها لم تسمعها منه من قبل:
- أنا أسف، أسف على كل حاجة عملتها فيكي قبل كدا، أنا عارف أنك مش هتسامحيني بسهولة، بس أنا هفضل أعافر معاكي لحد مـ تسامحيني يافريدة، مش هسيبك أبداً مهما حصل!!!!
أبتلعت ريقها تحت تأثير كلماته التي تغلغلت لقلبها لتمسد عليه برقه، أغمضت عيناها مستمتعة بقربه ورائحة عطره التي تنعشها، تمنت لو أن تبكي بأحضانه بقوة، تخبره كم يملك قلب قاسي أستطاع الأبتعاد عنها، أرادت أن تخبره أنها لم تكن تعلم مقدار عشقها له الذي تخطى حواجز الحب، ولكن كبريائها بمنعها عن فعل أياً من ذلك، ستصبح قاسية لتلقنه درساً لن ينساه، ستريه أنها لن تنسى ما فعله، بها، ظلت بأحضانه ثوانٍ و ذراعيه يحاوطا كتفيها مغمضاً عيناه و هو يعلم انها ستتلاشى من بين يداه في ثواني، و بالفعل أبتعدت عنه تُزيح ذراعيه ثم وقفت أمامه مبتسمة بسُخرية، لتعقد ذراعيها قائلة بتهكمٍ تجلى في نبرتها:
- جاي تقول الكلام دة بعد أيه؟!! الأوان فات خلاص!!!
نفى بقوة يزيح كلامها بعيداً عن رأسه، ليقترب منها الخطوات التي أبتعدتها هي عنها ثم حاوط وجهها قائلاً بلهفة:
- لاء يا فريدة الأوان مفاتش، هصلح كل غلط عملته معاكي أو مع أي حد، هنعيش حياتنا سوا وهنبدأ صفحة جديدة مع بعض، صدقيني هشيل كل حزنك دة و هبدله بطريقتي!!!
أبعدت كفيه عن وجهها هادرة بعنف:
- أنت أيه بقولك مش هعيش معاك مش طيقاك مش هقدر أبص حتى في وشك أفهم أنا بجد كرهتك يا مازن!!!!
طالعها بنظرات لهيبية، ليبتعد عنها خطوتان ثم ألتفت ليغادر الغرفة، صافعاً الباب بقوة حتى كاد أن ينخلع من مكانه لتنتفض هي على أثره، سارت نحو الفراش وهي تشعر بحصونها تنهار، قوتها التي تُزيفها أمامه تتناثر أرضاً، فهي قد قاومت رغبتها في معانقته بشتى الطرق، كلماتها التي ألقت بها في وجهه آلمتها هي قبل أن تؤلمه، أستندت بكفيها على الفراش لتنهمر الدموع من عيناها بهدوء، أغمضت عيناها لتتصاعد شهقات خفيفة من جوفها أنتفض لها جسدها، أستلقت على الفراش لتحتضن الوسادة تدفن بها وجهها!!!
• • • •
بعد أن خرج من غرفتها وهو يشعر بتلك النغزة تعود له مجدداً، وقف أعلى الدرج ممسكاً بـ الدرابزين واضعاً يده على قلبه، ليفاجأ بصراخ مرح أتى من الأسفل، نظر لشقيقته المجنونة التي صعدت مهرولة له، ثم أرتمت في أحضانه بقوة ليحاوطها "مازن" بإبتسامة خفيفة، هتفت "ملك" بعدم تصديق وجوده معهم:
- أنا بجد مش قادرة أصدق أنك جيت أخيراً يا مازن، ليه تبعد كل دة حرام عليك ماما و أنا وفريدة!!!
لم يُجيبها لينثنى مقبلاً خصلاتها، لتهتف "ملك" سريعاً وهي تبعد وجهها عنه تاركة ذراعيها تحاوط خصره، لتهتف بدهشة:
- هي شافتك صح؟!!!
أومأ "مازن" بصمت، لتعقد حاجبيها قائلة بمزاح:
- هو أنت راجع من فرنسا أخرس ولا أيه؟!!!
أبتسم لها ليهتف قائلاً بهدوء:
- لاء عندي لسان و هيشتمك دلوقتي!!!!
وقفت على أطراف قدميها لتمسك بوجهه ثم قبلته بقوة على وجنتيه وسط ضحكاته من شقيقته المجنونة، سمعوا صوتٍ حاد ساخر أتى من أسفل الدرج:
- حمدلله ع السلامة يا مازن!!!
جحظت "ملك" بعيناها لتبتعد عن أخيها قم ألتفتت لزوجها، لتسمع صوت "مازن" من خلفها قائلاً بنبرة غير مكترثة:
- الله يسلمك يا جواد!!!!
ثم تابع قائلاً:
- مبروك!!!
أومأ "جواد" بصمت ليصعد لهم ثم أمسك بذراع "ملك" ليهتف بتهكمٍ إلى "مازن":
- معلش هاخد أختك عشان عايزها في كلمتين!!!!
أشار له "مازن" بكفه لكي يأخذها ليذهبا كلاً منهم، كاد "مازن" أن يذهب أيضاً مروراً بالدرج ولكنه تذكر نسيان مفاتيح سيارته و هاتفه في الحقيبة الصغيرة القابعة في غرفتها، عاد إلى الغرفة ثم وقف أمامها حتى كاد أن يدلف ولكنه أسترق السمع لهمهمات باكية رقيقة، لانت تعابير وجهه ليفتح الباب بحذر شديد فتحة صغيرة تكفي ليراقبها منها، وبالفعل وجدها مستلقية على الفراش تحتضن الوسادة، تبكي بخفوت مع أنتفاضة جسدها المصاحبة لشهقاتها، تمنى لو أن يصفع الباب بعرض الحائط ليدلف لها ثم يحاوطها بذراعيه ويجعلها تبكي للغد كيفما شاءت، لو فقط تستكين على صدره وتترك له فرصة حتى يعوضها عن حماقاته السابقة، ولكنه يعلمها جيداً لن ترضخ له بهذه السهولة، لم يريد أن يدلف لها حتى لا تظهر ضعيفه أمامه في نظرها، ليغلق الباب ببطئ ثم أتجه لوالدته بعد أن سأل الخادمة عليها أتجه إلى غرفة "يزيد" ثم دلف لها فوجد والدته تجلس وعلى قدميها الصغير الذي ذهب في سُبات عميق، أشارت له والدته بالدخول بكفها ثم ربتت على الفراش جوارها، ليجلس هو بجانبها ثم هتف بهدوءٍ:
- أمي لو سمحتي ممكن تقومي تروحي لفريدة في أوضتها، أقعدي معاها شوية وقوللها لو وجودي هيخليها بالحالة دي أنا همشي!!!!
نظرت له والدته بعتاب لتقول:
- تمشي تروح فين يا مازن دي البنية دايبة فيك وبتعشجك أنت معذور لما مكنتش موچود كنت بحس أنها چسم بيتحرك بس روحها وجلبها وعجلَها كانوا معاك، دة أنت لما چيت عينيها لمعت زي النچوم، أنا هجعد معاها وهلين جلبها نحيتك شوية وبعدين أنت تروح لمرتك وتاخدها في حضنك حتى لو غصب عنها، ماشي يا مازن؟!!!
أغمض عيناه مستنداً برأسها داخل كفيه لتربت هي على كتفه، نهضت حاملة "يزيد" ثم أراحت جسده الصغير في محلها جوار "مازن" لتسير مبتعده عنهم تدلف خارج الغرفة، نظر "مازن" إلى "يزيد" يتأمل ملامحه المشابهة لها كثيراً، بدايةً من الخصلات البنية مروراً بالأنف و الشفاة الصغيرة، نهص ليفتح النافذة ثم عقد ذراعيه معاً ينظر من خلالها بشرود..
• • • •
دلفت "رقية" لغرفتها دون طرق الباب، لتخط بخطواتها نحوها ترمقها بعطفٍ لشهقات بكائها التي تمزق القلب، جلست جوارها على طرف الفراش لتمسد على خصلاتها و هي تراها لازالت على حالها، لتهتف قائلة بشفقة:
- سامحيه يابنيتي، دة ربنا بيسامح مش هتسامحيه أنتِ ياحبيبتي، صدجيني يافريدة الدنيا جصيرة اوي مش مستاهلة العذاب دة كِلياته "كله"، مازن مش وحش للدرچة دي، مازن بيحبك والله أبني و حافظاه لمعة عينيه ولهفته عليكي بيجولوا أنه بيحبك، أستهدي بالله وسامحيه يابنتي!!!
رفعت "فريدة" رأسها لتنظر لها والدموع تملأ حدقتيها بوجهٍ أحمر وشفتين ورديتين ترتجف بقوة، لتردف قائلة بحُرقة:
- مازن أتأخر أوي ياطنط، جه بعد مـ أنا كرهته خلاص ومبقتش قادرة اسامحه على اللي عمله معايا زمان، صدقيني الوقت فات اوي ومش هيرجع تاني!!!!
تنهدت "رقية" من عِناد تلك الفتاة، لتربت على كتفيها وهي لا تريد الضغط عليها أكثر ثم قالت:
- براحتك يابنتي، بس أنا بجولك اهو دلوكتي هتندموا على الأيام اللي بتفوت دي!!!!!
↚
ثم تركتها وذهبت بقلة حيلة لتعود لمازن الذي وقف يُنفث دخان سجائره، ألتفت لها سريعاً يهتف بلهفة:
- قالتلك أيه يا أمي!!!!
أطلقت زفيراً حانقاً على حالهم، لتقول بإيجاز:
- دماغها صعيدية كِيف "زي" دماغنا!!!!!
بعد أن أُنيرت عيناه بشعله عاشقة، عادت مُنطفئة مجدداً ليُلقي بلُفافة تبغه من النافذة بعنف، ثم أطاح بالمزهرية أرضاً لينتفض جسد الصغير بعد أن كان غارق بالنوم، صرخ "مازن" بحدة بوجه والدته:
- هي أيه بقا مش هتبطل عِنادها دة أعتذرتلها و قولتلها نبدأ صفحة جديدة مع بعض بردو مافيش فايدة فيها!!!!
أقتربت منه "رقية" على عجل تحاول تهدأته، لتنظر إلى "يزيد" الذي بدأ بالبكاء، ركضت نحوه لتجذبه لأحضانها مربته على ظهره تهدهده، نظر لهم "مازن" بقنوط ثم مسح على وجهه بعنف، ليذهب خارج الغرفة صافعاً الباب خلفه!!!!
• • • •
دفعها لجناحهما بضيق ليغلق الباب، ثم يهدر بعصبية ملوحاً بكفه:
- نازلة فيه بوس و أحضان و أنا أتفلق صح!!!!
نظرت له "ملك" بعدم تصديق قائلة بذهول:
- أنت بتغير عليا من أخويا يا جواد!!!!
أتجه لها ليقبص على كتفيها قائلاً بقنوط:
- مغيرش ليه سيادتك مش هو راجل!!!!
توسعت عيناها بصدمة قائلة بعدم تصديق:
- أيوا بس دة اخويا!!!!
- ملك هُما كلمتين أنا بس اللي تحضنيه وتبوسيه غير كدا مش هيحصل خير!!!!
هتف بتحذير لتلك الواقفة أمامه لا تصدق ما يقوله، لتبتعد عنه بضيق قائلة:
- انت أكيد بتهزر قولي أنك بتهزر معايا!!!! هو في حد عاقل يغير من اخو مراته!!!!
صرخ بها بعنف:
- انا مجنون ياستي و المجنون دة ممكن يعمل حاجات متخطرش على بالك لو دايقتيه!!!!!
ثم تابع بحدة شديدة رافعاً أصبعه بوجهها:
- أنا ماسك نفسي بالعافية ومش عايز أتهور عليكي و اخليكي تشوفي وشي تاني!!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع من صراخه عليها، لتجلس على الفراش ضامة ركبتيها لصدرها قائلة بشهقات متتالية:
- أنت فكرتني بـ بابا بما كان بيصرخ فيا كدا!!!!!
صُدم "جواد" من حديثها ليمسح على وجهه بضيق، ليذهب لها جالساً امامها، أمتدت أنامله لترفع وجهها له يُزيل دموعها برفق، ثم جذب جسدها الصغير لأحضانه مقبلاً خصلاتها مربتاً على ظهرها صعوداً وهبوطاً، أغمض عيناه بندمٍ عندما شعر بجسدها المرتجف بين ذراعيه، ليهتف و هو يرفع ذقنها له:
- ملك.. أهدي يا حبيبتي خلاص مافيش حاجة، أنا أسف يا عُمري!!!!
حاولت الإبتعاد من بين ذراعيه ولكنه شدد على جسدها بأحضانهن مقدمة رأسها يتمتم:
- أهدي بقا عشان خاطري!!!!
نظرت له بعيناها الامعة بالدموع، فـ لم يتسطيع مقاومة جمالهما ليميل مقبلاً شفتيها بحنان شديد، سارت شفتيه على كل إنش بوجهها طابعاً قبلات كالورود على بشرتها!!!!
• • • •
أتجه لغرفتها بعد أن دفع جميع مصروفات المشفى ليأخذها معه، فتح الباب بقوة ليتسمر جسده عندما وجد الفراش فارغ، خطى داخل الغرفة ليذهب تجاه المرحاض و هو يكذِب جميع توقعاته، فتحه ببطيء ليجده فارغ أيضاً، جن جنونه ليشدد على خصلاته بقوة، ثم أتجه خارجاً ليصرخ بصوتٍ عالٍ و هو واثباً في الممر:
- رهــــف !!!!!!!
التفتت الأنظار حوله بدهشة ليركض له الطبيب قائلاً بضيق:
- يا فندم أيه اللي حضرتك بتعمله دة!!!!!
ألتفت له "باسل" ليقبض على تلابيبه بقسوة ثم قربه منه بعنف هادراً به بصوت هَز أرجاء المشفى:
- مراتي فين!!!!
قطب الطبيب حاجببه بغرابة ليُبعد كفيه بنزق ثم هتف:
- في أوضتها أكيد!!!!!!
جذبه مرة ثانية ليجعله يدلف للغرفة مرغماً، طالع الطبيب الغرفة الفارغة بدهشة ليلتفت له قائلاً بصدمة:
- هي فين!!!!!
لم يستطيع "باسل" التحكم في أنفاعلاته ليلكمه فوقع الأخير أرضاً، جلس على الأرضية بمستواه ليقبض على عنقه بكلتا كفيه مزمجراً بنظراتٍ مشتعلة:
- ورحمة أبويا مراتي لو مظهرتش دلوقتي هطربق المستشفى على دماغكوا!!!!!!
تحول وجهه للون الأزرق و هو يحاول التخلص من قبضته، لتأتي الممرضة مع الكثير من الأطباء اللذين تجمهروا حولهم ثم أبعدوا "باسل" عنه، ليصرخ بهم بجنون، ثم تركهم ليتجه للمدير، دفع الباب بقدمه بفظاظة لينتفض المدير من مقعده ثم نظر له برعب فمن القليل عندما يزوره أحفاد صاحب المشفى، لذا هتف بقلقٍ:
- باسل بيه!!! أتفضل يا باشا!!!!
مضى نحوه بخطوات حُفرت بالأرضية، ليضرب على المكتب أمامه بعينان مشتعلتان، ثم حدج به بقسوة، لبتخرج نبرته قوية أثارت رعبه:
- ورحمة أبويا أنت راجل ****!!!!!!!
جحظ "مهاب" بعيناه من سبته النابية، ليحمحم متمتماً بإحراج:
- ليه بس كدا يا باسل بيه!!!!
تقلصت تعابير وجه الأخير بإشمئزاز ليجذبه من قميصه نحوه لا يفصلهما سوى المكتب، قائلاً بتوعد شديد:
- يعني أنا مراتي تمشي من المستشفى وانتوا هنا نايمين على ودانكوا، فين الأمن والحراسة!!!!!
صُدم "مهاب" ليهتف بدهشة:
- أزاي بس!!!! أنا متابع حالتها كويس وهي كانت كويسة؟!!
- عارف يا مهاب أنا لو مالقيتهاش هعمل فيك أيه؟!!!!
هتف "باسل" و هو يُضيق عيناه بتوعد، ليردف الأخير بنبرة مهتزة:
- أكيد هنلاقيها يا باشا متقلقش!!!!
نفضه عن كفيه ليلتفت نحو الباب بعد أن ألقى نظرة جامدة عليه، ثم دلف خارج غرفة المكتب صافعاً الباب بشدة أنتفض لها جسد الأخير الذي أستند بكفيه على المكتب مغمضاً عيناه بضيق حانق!!!
• • ••
دلف لغرفتها بخطواتٍ بطيئة، ليُشعل أنوار الغرفة، ثم أقترب منها بهدوءٍ ليجلس على الفراش جوارها واضعاً ذراعه حول رأسها المستند على الوسادة، لازالت تنام بنفس الوضعية مطبقة بكفيها أسفل وجنتيها، وضع رأسها على صدره أسفل ذقنه، سقط بأنظاره يتأمل وجهها، لاحت أبتسامة على ثغره ليمد أنامله يُبعد خصلة متمردة ساقطة على وجهها، ليبدأ بمداعبة وجنتها بحنو، ثم قرّب ثغره لحدقتيها المغمضة بخمول ليقبلهما برقة، لا يصدق أنه بات بهذا القرب حتى بدا أنهما يتشاركان أنفاسهما معاً، حاوط خصرها بحذر مقبلاً مقدمة رأسها ليحتضنها بهدوء حتى لا تفيق، و لأول مرة يتفرس وجهها بتلك الطريقه و بذلك الهدوء، ضم رأسها لصدره ليستند بذقنه على رأسها مبتسماً بخفوت، ثم أغمض عيناه و أخيراً ينام بـ راحة بعد ذلك الإرهاق الذي عاناه بعيداً عنها!!!!
•• • •
بحث عنها في الطُرق بأكملها، لم يترك زقاق إلا وبحث عنها به، كما أنه ذهب لوالدتها لربما أختبأت معها رُغم يقينه أن هذا أخر مكان قد تذهب إليه فـ لو أرادت الذهاب لهُناك لذهبت منذ ثلاثة أشهر، ذهب لها بحجة أنه كان قريباً منها وجاء ليطمأن عليها، و عندما حادثته بودٍ و أمتنان تسأل عن أحوال أبنتها علِم أنها لم تأتي لها، تنهد يشعر بغصة في حلقه و هو يستند برأسه على المقود، يلهث و صدره يعلو ويهبط من فرط غضبه، فـ لو كانت أمامه الأن أقسم على أن يُذيقها من كأس العذاب الذي تجرع هو منه كثيراً، عاد برأسه لمقعده مغمضاً عيناه بإرهاق شديد، ليعود للقصر بتثاقل، فتحت الخادمة الباب له ليجد والدته تركص له بفرحٍ شديد:
- أخوك چه يا باسل!!!!
أومأ "باسل" ينظر لها بعينان واهنتان قائلاً :
- عارف يا أمي!!!!
نظرت له "رقية" بإستفسار، و لكنها عادت تشهق و هي تضرب جبينها، لتهتف بقلق حقيقي:
- كِيف نسيت، أنا كنت هكلمك أطمن على رهف سيبتها و چيت ليه يابني!!!!
جلس "باسل" على أقرب مقعد وجده، ليحني ظهره واضعاً رأسه بين كفيه، يقول بنبرة تألمت لها "رقية":
- رهف هربت!!!!!!
جحظت عيناها برعب لتردد بعدم أستيعاب:
- هربت!!!!!
صمتت قليلاً تستوعب، لتتابع مرددة بإندفاع:
- أكيد راحت هناك!!!!!
رفع رأسه لها بحدة لينهض منتصباً أمامها، ثم هتف بحدة شديدة:
- هناك فين!!!!!!!!!
ندمت "رقية" على تسرعها بالحديث، لتفرك كفيها بتوتر شديد، فزمجر هو بعصبية مفرطة:
- ردي عليا يا أمي رهف فين!!!!!!!
نظرت له والدته لتقول محاولة تهدأته:
- أهدى بس يابني!!!
فقد "باسل" أعصابه ليصرخ مُطيحاً بالمقعد بقدمه، ثم هتف بحدة شديدة:
- فـــيـــن رهــف!!!!!!!!!
هتفت بترددٍ:
- في الشقة اللي في المعادي!!!!!!
جحظ بعيناه بصدمة، ليُكور قبضتيه بقسوة غارزاً اظافره بها، يهتف بنبرة جحيمية:
- يعني هي طول المدة دي قاعدة هناك!!!!!! وأنتِ كنتي عارفة وخبيتي عليا!!!!!
تنهدت "رقية" بحزن على فلذة كبدها، فأقتربت لكي تربت على كتفيه، ليبتعد هو خطوتين للخلف، فعادت "رقية" على وضعها وقد تساقطت الدمعات من عيناها، لم يتأثر "باسل" بل هتف بثبات:
- مين تاني كان عارف؟!!!
أزدردت ريقها برهبة من أن يعلم حقيقة الوضع، فأحتارت تكذب عليه أم تخبره بالحقيقة، ولكن حسمت أمرها لتردف:
- ظافر اخوك ومراته.. و فريدة!!!!!!!
شعر بأن الطعنات تأتيه من كل جانب، لترتسم أبتسامة ساخرة على ثغره، سُرعان ما تحولت لضحكات متتالية صدحت بالقصر بأكمله، أنحنى للأمام من شدة ضحكاته، لتنظر له "رقية" بذهول لتسرع بالإقتراب منه تترجاه بحنو:
- أهدى سايج عليك النبي!!!!!!
رفع أنظاره له ولم تزال تلك الأبتسامة من فوق فمه، ليقول بعينان مشتعلتان و نبرة متهكمة:
- يعني أنا طلعت مغفل في الأخر!!!!! كله حواليا شايفني و أنا بتدمر ٣ شهور قُدامكوا و معملتوش حاجة، حتى أنتِ يا أمي بتشوفيني كل يوم وأنا تعبان و روحي بتطلع من جسمي و هي بعيدة عني معرفش هي فين و مقولتليش!!!!!
بكت "رقية" ندماً، وضع "باسل" كفيه في جيب بنطاله ليُلقي عليها نظرة آلمتها، ليخطو بخطواته ناحية غرفتهم، صافعاً بابها بقوة، تاركاً "رقية" تجلس أرضاً باكية وهي باتت متيقنة أنها خسرته!!!!!
• • • •
لملم ملابسه في حقيبة كبيرة الحجم، ليجذبها خلفه ثم سقط بها على الدرج، ليطالع والدته التي جلست تبكي على الأرضية الباردة فـ لان قلبه عليها، وضع الحقيبة جانباً ثم ذهب لها ليحاوط كتفيها و هو يُنهضها من على الأرضية، قائلاً بنبرة هادئة:
- قومي يا أمي!!!!
أرتمت "رقية" بأحضانه باكية بقوة، تتشبث في قميصه مترجية إياه بنبرة متوسلة:
- متسيبنيش يابني أنا أسفة على كل حاچة حصلت، أنا مصدجت أني لميتكوا تاني في حضني!!!!
أبعدها عنه بلطف دون أن يبادلها عناقها، ليبتسم بثبات وداخله يحترق قائلاً:
- صدقيني مبقاش ينفع، كنتي زمان تقوليلي قلبي أسود و مبنساش، و أنا مش هعرف أنسى اللي حصل!!!!!
نفت برأسها بقوة لتمسك ذراعه قائلة برجاء:
- متعملش إكده فيا!!!!!!
أبعد كفها عن ذراعه ليربت على وجنتيها بإبتسامة خاوية، قائلاً بلُطف:
- خدي بالك من نفسك، هشوف ظافر و مراته ييجوا يقعدوا معاكي هنا عشان متبقيش لوحدك!!!!
شهقت "رقية" ببكاء و هي تراه يتركها ذاهباً نحو الباب بعد أن أخذ حقيبته معه!!!!
• • • •
وقف أمام باب المنزل، يُمرر أنامله في خصلاته بحنق، ليطرق عليه بحدة عدة مرات لفترة ليست بقليلة، بدأ صبره ينفذ منه ليصفع الباب بباطن راحته هادراً بقوة:
- أفتحي يا رهف أنا عارف أنك جوا!!!!!!
كانت "رهف" نائمة على فراشها بالغرفة تحتضن جسدها بغطاءٍ سميك، لتسمع طرقات قوية على الباب، أنتفضت تشهق برعب لتلقي الغطاء بعيداً ثم سارت على أطراف أصابعها ناحية الباب، نظرت من ذلك الثقب الذي يجعلها تنظر لمن بالخارج، جحظت عيناها حتى كادتا أن تخرج من محلها، لترتد عدة خطوات للخلف واضعة كفها على فمها بعدم تصديق، فهي لم تكن تتوقع مجيئة هنا أبداً، عندما صرخ بها أن تفتح سارت قشعريرة مؤلمة في جسدها، أقتربت من الباب لتنظر له عبر الثقب مرة أخرى فوجدته ممسك بحقيبة ضخمة بكفٍ والأخر وُضع على الباب، يُميل برأسه للأمام زافراً بوهن أستطاعت تمييزه بسهولة، لتمتلئ حدقتيها بالدموع تطبق على شفتيها بقوة، لتتمتم بنبرة خافته لكن أُذناه ألتقطتها:
- عايز أيه يا باسل!!!!
رفع أنظاره للباب بلهفة ليضع كفه عليه قائلاً بنبرة حنونة:
- أفتحي يا حبيبتي نتكلم!!!!
أجهشت بالبكاء بقوة، فهي لم تعد تحتمل تلك الضغوطات عليها، ليصرخ بها صافعاً الباب بحدة وصوت بكائها أصعب من أن يتحمله:
- أنتِ فاكرة أن الباب دة هيمنعني عنك!!!! قسماً بالله لو مفتحتيه هكسره وهدخل بردو!!!!!!
مسحت على وجهها لتجذب خصلاتها بقوة، ثم هتفت بنبرة متألمة واهنة:
- أنت عايز مني ايه كفاية لحد كدة طلقني بقا وسيبني أشوف حياتي مع حد ميشُكش فيا وميحسسنيش اني رخيصة في نظره، حد مش بيستقوى بدراعه قبل مـ يفهم بعقله، يا أخي دة أنا كرهت نفسي بسببك، كرهت حُبي ليك اللي بيضعفني بالشكل دة!!!!
ضرب الباب بقدمه بفظاظة صارخاً بها غير مراعياً للوقت المتأخر:
- أنتِ مراتي وملكي أنا متنطقيش أسم راجل على لسانك غيري فاهمه!!!!!
أبتسمت ساخرة لتعقد ذراعيها معاً قائلة بتهكمٍ:
- لسة زي مـ أنت متغيرتش بتتعامل معايا كأني حتة أباچورة في أوضتك تكسرها براحتك وتصلحها تاني براحتك، و أنا عمري مـ هرجعلك و أنت كدا!!!!
زفر تنهيدة قانطة لتلين نبرته قائلاً بهدوء:
- طيب أفتحي الباب و نتكلم مع بعض و انا هعملك اللي انتِ عايزاه!!!!
هتفت بعند:
- مش هفتح الباب يا باسل واللي عندك أعمله!!!!!!
ضغط على شفتيه السفلى بقسوة ليبتعد عن الباب مشمراً ذراعيه بقميصه الاسود قائلاً بتأهب:
- أستعنى ع الشقى بالله!!!!
ثم تابع بحدة:
- أبعدي يا بت من قدام الباب!!!!
توسعت عيناها بدهشة لتبتعد برهبة قائلة:
- هتعمل أيه!!!!!
ركض نحو الباب ليدفع الباب بثقل جسده، أعاد الكرة مرة أخرى وسط شهقة "رهف"، أرتطم الباب الثقيل بالأرضية بقسوة لتنتفض الأخيرة بعيداً لا تصدق ما فعله، دلف "باسل" بإبتسامة مفتخراً بنفسه، ثم جذب الحقيبة للداخل، نظرت "رهف" له بغيظ لتتجه نحوه مشيرة بسبابتها في وجهه:
- أوعى تفتكر أني هقعد معاك تحت سقف واحد!!!!
جذبها من خصرها ليرتطم جسدها بصدره، ثم مال عليها بثغره لينقض على شفتيها يقبلها بشغف أنامله تعبث بخصلاتها المنسدلة على ظهرها، صُدمت "رهف" من فعلته لتضع كفيها على صدره حتى تُبعده، ولكن خانها جسدها الذي أستجاب له سريعاً، تشبثت بقميصه تريد الإبتعاد ولا تريد بنفس الوقت، فقبلاته كانت حنونة لدرجة أذابتها، حاوط وجهها ليفصل قبلتها مغمضاً عيناه، مستنداً بأنفه على أنفها ليبتسم مقبلاً عيناها يتمتم بتنهيدة شوق:
- تعبتيني معاكي يا رهف!!!!!!
أغمضت عيناها لا تريد النظر لعيناه، لتتصاعد حُمرة محببة لوجنتيها عندما طبع قبلة على عنقها ليبتعد عنها ثم ألتقط هاتفه من جيبه قائلاً بهدوء:
- هتصل على نجار ييجي يصلح الباب دة!!!!
أفاقت من غيبوبتها لتلتفت له، ناظرة له بحقد، ثم دلفت للمطبخ لتأتي بدلو ممتلئ بماء شديد البرودة، نظر لها "باسل" بغرابة قائلاً:
- هتمسحي دلوقتي؟!!!
نظرت له بإستخفاف لترفع الدلو عالياً تجاهه، ثم قذفته به بقوة لينسكب الدلو بأكمله فوقه، تحولت عيناه لأخرى شديدة الأحمرار من فرط غضبه، لتهتف "رهف" بشماته:
- عشان تبقى تبوسني بالعافية!!!!!!
أرتفعت أنظاره الحمراء لها، وخصلاته المبللة الساقطة على وجه، لتركض هي من أمامه تتجنب تهوره، دلفت لغرفتها ثم أوصدت بابها جيداً و هي تضع كفها على قلبها برعب!!!!!
• • • •
كشفّت عن عيناها البندقية ببطئ، لتجد من يُطبق على خصرها بـ كُل ما أوتي من قوة، توقفت عن أخذ أنفاسها لثانتين، فمن دون أن ترفع رأسها لتراه قد أخبرتها رائحته التي داعبت حواسها، رأسها موضوع عند قلبه بالظبط، وذراعيه لا تترك لها الفرصة لكي تبتعد، قطبت حاجبيها بإنزعاج لتقبض على ذراعه تحاول جاهدةً إزاحته بعيداً، و لكن باءت جميع محاولاتها بالفشل الذريع، زفرت حانقة لترفع رأسها له فوجدته نائم كالملاك لا يشعر بشئ، أزدادت حنقاً لتغرس أناملها بكتفه تدفعه قائلة بقنوط:
- أبعد عني يا أستاذ أنت!!!!!
ظلت تحاول إيفاقته من غيبوبته تلك، ليفتح الأخير عيناه بنعاس قائلاً بضيق:
- أتهدي يا فريدة و نامي!!!!
توسعت عيناها لما تفوه به ولذراعيه الذان شُددا أكثر على خصرها، ناهيك عن رأسه التي دُفنت بعنقها بإستمتاع، لتنفجر به محاولة إبعادة عنها:
- سيبني أقوم بقا أنت أزاي تتجرأ وتنام جنبي!!!!!
طبع قبلة على عنقها ثم هتف بنبرة شديدة النعاس:
- نامي بس وبعدين نبقى نتكلم!!!!
حاوطت وجهه محاولة إبعاده عنها ولكنه لم يستجيب، لتردف بتأفف:
- انا بجد مش عارفة ازاي تدخل اوضتي و تنام هنا !!!!
رفع أنظاره لها بخبث قائلاً:
- أنتِ نسيتي ولا أيه، مش انتِ اللي قولتيلي متسيبنبش يا مازن وخليك جنبي يا مازن و نام هنا يا حبيبي، و أنا ضعفت بصراحة مقدرتش!!!!!
شهقت بصدمه لتتمتم بعدم تصديق:
- أنت كداب!!!!
نظر لها بعتاب ليعتدل ثم أسند كفيه جوار رأسها قائلاً و هو يقرب رأسه منها:
- في واحدة تقول لجوزها كداب !!!!
توترت أكثر من قربه لتهتف بتردد:
- عشان انت بتكدب بجد و انا مستحيل اقول كدا اصلاً!!!
- أنا بردو أتصدمت لما قولتيلي كدا!!!
هتف ببراءة زائفة لتطالعه هي بحيرة، وجدته يقترب منها رويداً حتى كاد ثغره أن يلتمس ثغرها، لتدفعه هي من صدره بعيداً فسقط فوق الفراش لتسرع هي بالنهوض من أمامه واثبة على الأرضية، تقول بحزم وهي تشير نحو الباب:
- اطلع برا لو سمحت!!!!!
غضب "مازن" من فعلتها لينهض و هو يشعر بلهيب يحترق داخله و لن يُطفيه سواها، أنقض عليها ممسكاً بكتفيها هادراً بصوتٍ عالياً:
- أنت عايزة أيه يا فريدة!!!! عاقبتيني بما فيه الكفاية خلاص بقا انا جاي بتأسفلك وبقولك نبدأ صفحة جديدة وبردو مافيش فايدة فيكي، بحاول أصلح أي قرف عملته زمان حتى و أتغيرت و بردو انتِ لسة مصممة تعاقبيني، عاقبتيني بـ بُعادك عني و ربنا عاقبني على اللي عملته فيكي، كفاية كدا بقا!!!!!!
صُدمت "فريدة" من هجومه عليها بتلك الطريقة، و حديثه الذي لمس قلبها، ولكن عندما هتف بأن الله عاقبه ايضاً جعل قلبها يرتجف و هي تشعر بشئ سئ حدث معه، لتهتف تتغاضى عن بقية حديثه قائلة:
- قصدك أيه أن ربنا عاقبك!!!!!
تركها ليلتفت يُعطيها ظهره مغمضاً عيناه يسُب نفسه لحماقته، فلم يجد حلاً سوى الهروب من أمامها، ليلتفت ثم وضع كفه على مقبض الباب لكي يديره، ولكنها وقفت أمامه تمنعه من التحرك قائلة بحدة:
- تقصد أيه يا مازن بكلام دة!!!!!
- أبعدي يا فريدة من قدامي!!!!!
هتف بجمود ليُزيحها من كتفيها بلطف ثم خرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه، لتضغط هي على أسنانها بغضب، ثم أردفت بحسم:
- متأكدة انك مخبي عني حاجة!!!! وهعرفها قريب اوي يا مازن!!!!!
دلفت للمرحاض لتبدل ثيابها بـ تنورة واسعة تعلوها كنزة خفيفة و بزة تُحميها من برودة الشتاء، ثم تركت خصلاتها منسدلة على ظهرها بنعومة، تجاوزت الدرج لتدلف لغرفة "يزيد" فوجدته غارقاً بالنوم، تأكدت من تدثيره بالغطاء جيداً ثم ذهبت للحديقة، فوجدته جالس على أحد المقاعد المُريحة عائداً برأسه للخلف مغمضاً عيناه، تحركت على أطراف أصابعها قبل أن يلمحها، ولكنها سمعت صوته الجهوري خلفها يهتف بغصب:
- بتتسحبي زي الحرامية كدا على فين!!!!!!
أغمضت عيناها تحاول التحكم بأعصابها، لتلتفت له ببرود عاقدة ذراعيها معاً، تقول ببرود:
- حاجة متخصكش!!!!!
أشتعلت عيناه تصدر جمراً كافي بأن يحرق بلدة بأكملها، ليتوجه نحوها بخطوات تطوي الأرضية أسفل قدميه، وقفت أمامها ليجذب ذراعها نحوه يجعلها ترتطم بصدره الصلب، ثم مال نحوها قائلاً بتحذير:
- أعدلي لسانك و أنتِ بتتكلمي معايا!!!!!
أبعدت وجهها عنه لتزيح ذراعه ببساطة قائلة بنبرة أغاظته:
- لساني معدول على فكرة!!!!!
مسح على وجهه بعنف ليجذبها من خصرها مجدداً له، ثم نظر لخصلاتها التي داعبتها الهواء، ليتحول وجهه للون الأحمر من شدة غضبه قائلاً:
- سيادتك كُنتي ناوية تنزلي بشعرك مفرود كدا ومن غير مـ تقوليلي اصلاً انك نازلة كأنك متجوزة سوسن!!!!!
تأففت بنزق لتهتف برسمية:
- أولاً شعري و أنا حرة فيه أفرده ألمه أولع فيه أكهربه و أمشي في الشارع زي المجانين حتى دي حاجة ترجعلي أنا، ثانياً انا رايحة الشغل و كنت هقولك بس انت اللي استعجلت، ثالثاً بقا أنت ملكش الحق تتحكم في حياتي ومش لازم قبل مـ أنزل أخُد إذن حضرتك!!!!
أصتكت أسنانه غضباً يحاول جاهداً أن لا يفقد أعصابه عليها، ولكن كعادته أنفلتت أعصابه ليهدر بإنفعال:
- ايوا تاخدي إذن حضرتي عشان حضرتي جوزك يا فريدة، شعرك دة مش ملكك على فكرة انتِ كل حاجة فيكي بتاعتي يعني ملكيش حق تعملي فيه اللي انتِ عايزاه زي مـ بتقولي و أنا الوحيد اللي يحقلي أشوف شعرك مفرود مش حد تاني، و بعدين لما سيادتك رايحة الشغل مستنية لما توصلي عشان تقوليلي!!!!
ضاقت عيناها وهي تطالعه، لترفع سبابتها في وجهه قائلة بجمود:
- مازن وطي صوتك!!!!
أمسك بأصبعها بقوة في كفه لتتآوه هي بألمٍ، فأوقفهما صوتٍ أنثوي أتى من خلف "فريدة" :
- أستهدوا بالله مش كدا!!!!
هتفت "ملاذ" التي سعدت بشدة لمجئ "مازن" فـ و أخيراً لن ترى صديقتها حزينة مجدداً، ترك الأخير أصبع المسكية يتوعد لها بنظرة مخيفة، ليطالع "ملاذ" التي أقتربت منهم قائلة بودٍ:
- حمدلله على السلامة يا مازن!!!! ظافر قالي أنك جيت امبارح!!!!
- الله يسلمك، هو ظافر فين؟!!!
هتف بتساؤل، ليأتي "ظافر" من خلف "ملاذ" عاقداً ذراعيه معاً، حانت أبتسامة زينت ثغره و هو يتفرسه، و أخيراً رأى رجُل أمامه بجسده الضخم و ملابسه الرجولية بدلاً من الشبابية التي كان يرتديها معظم الوقت، أقترب "ظافر" من أخيه الذي عانقه بإشتياق حاول أن يُخفيه، ضرب "ظافر" على ظهره بحركةٍ تُعبر عن أشتياقه، ليهتف بهدوءٍ:
- أتغيرت يا مازن!!!!!
أبتسم "مازن" مفتخراً، ليبتعد عنه قائلاً بسُخرية:
- محدش بيفضل على حاله!!!!!
أومأ "ظافر" مؤكداً على صدق حديثه، ليردف "مازن" متسائلاً:
- كنتوا فين أمبارح؟!!!
- بعد الشركة روّحنا البيت!!!
أردف "ظافر" ببساطة، ليومأ "مازن" ثم هدر و هو ينظر لـ "فريدة":
- طيب انا هوصلها وبعدين راجع عشان في حاجات كتير لازم نتكلم فيها!!!!!
• • • •
بالفعل أخذها "مازن" من ذراعها بلطف لكي لا يقسو عليها، حاولت هي إبعاده قائلة بضيق من صراخه عليها منذ قليل و أصبعها الذي لازال يؤلمها:
- سيبني يا مازن أمشي أنا!!!!!
فتح باب السيارة لها ليجعلها تستقلها برفق ثم أستقل هو مقعده، لتقبض على أصبعها الرفيع تزم شفتيها بحزن، قائلة بنبرة تشوبها الألم:
- بردو مش هتتغير و مش هتبطل معاملتك الهمجية دي!!!
ألتفت لها فـ لانت صفحات وجهه عندما نظر لها، ليلتقط كفها مقبلاً أصبعها وباطن راحتها قائلاً بحنو:
- متزعليش مني..!!!
ثم تابع و هو ممسك بكفها الصغير قائلاً بنبرة رخيمة:
- طيب مش أنتِ اللي عصبتيني؟ يعني تعصبيني وتزعلي بعد كدا؟!!
نفت برأسها قائلة بعناد:
- أنت بتتعصب لوحدك!!!!
أبتسم قائلاً بمزاح:
- انا مجنون و انتِ ست العاقلين صح؟!!!
اومأت و هي تنظر أمامها ترفع كتفيها بطفولية، لتصدح صوت ضحكته الرجولية قائلاً:
- دة أنتِ أعيل من يزيد اخوكي!!!!!
نظرت له مشيرة لنفسها بذهول:
- أنا يا مازن!!!!
أبتسم بلطف ليُقبل كفها برقة قائلاً:
- لما بتقولي أسمي بعد كل الغياب دة بحس أني عايز أخدك في حضني و مطلعكيش منه أبداً!!!!!
أنفجر الدماء بوجهها لتلتفت بوجهها تنظر من النافذة بخجلٍ، ليتحرك هو بالسيارة عازماً على أن لا يتركها إلا و هو جثة هامدة!!!!!
وصل بعد قليل أمام المشفى فكادت أن تترجل من السيارة دون حديث، ليوقفها هو ممسكاً بكفها، قائلاً و هو يشير إلى خصلاتها بهدوء:
- لمي شعرك يا فريدة!!!!
- بردو؟!!
تمتمت بعتاب، ليبتسم بلطف قائلاً:
- حبيبتي أنا مش عايز حد يشوف شعرك مفرود غيري، لميه لو سمحتي!!!!
خفق قلبها عندما نطق بـ "حبيبتي"، لتنظر لعيناه اللامعة، فتنهدت بإبتسلام لتخرج "مطاطة" صغيرة من حقيبتها عقدت بها خصلاتها، كان يطالع أصغر حركاتها متيماً، ليجذبها من ذراعها مقبلاً وجنتيها الغضة، فنظرت له "فريدة" بتفاجأ لتطبق على شفتيها ثم صمتت، همت بالترجل ليجذبها هو له مجدداً قائلاً بتحذير:
- خدي بالك من نفسك!!!!!! سامعاني يا فريدة!!!!!
لا تعلم لِما شعرت بشئ سئ في مجيئه لها، فتمنت لو أن تخبره أنها خائفة ذلك اليوم خصيصاً و لاتريد الإبتعاد عنه، إزدردت ريقها لتخرج نبرتها مهزوزة رغماً عنها:
- حاضر!!!!
عندما أستشعر خوفها هتف بجمود:
- في حد بيدايقك في المستشفى؟، فريدة لو في حاجة قوليلي المستشفى دي بتاعتنا يعني أنا أقدر أمشي اللي أنتِ عايزاه مش موجود!!! في أي حد أتعرضلك بأي طريقة!!!!
تذكرت "إياد" بنظراته التي أصبحت لا تريحها الأونة الأخيرة، ولكنها تعلم أن لو علِم "مازن" سيُدمر المشفى فوق رأسه، نظرت له بتردد ثم قالت:
- لاء طبعاً مافيش حد!!!!
نظر لها بشكٍ ثم أومأ قائلاً بنبرة قوية:
- عايزك تبقي متأكدة أني معاكي حتى لو مش جنبك في نفس المكان، و أن أي حد هيحاول أو يفكر بس مجرد تفكير يعملك حاجة همحيه من على وش الدنيا، صدقيني يا فريدة أنا مستعد أعمل أي حاجة بس مافيش شعرة منك تتأذي!!!! أنا عارف أنك قوية وهتاخدي بالك من نفسك كويس بس بردو لو حصل معاكي أي حاجة حتى لو صغيرة كلميني!!!!!
كم عشقت شعور الأمان الذي أفتقدته طيلة حياتها، تمنت لو أن ترتمي بأحضانه لتخبره أنها ممتنة لحديثه هذا، و ان كلماته تلك زرعت بها شعورٍ قوي كان مهتزاً منذ دقيقتان، الكلمات تستطيع أن تفعل الكثير، نظرت له لتبتسم و هي تحرك رأسها بالإيجاب، ثم ترجلت من السيارة تخطو خطواتها داخل المشفى بثقة، فراقبها هو من بعيد، ليُمسك بهاتفه ثم ضغط على أسم "منير"، ليضعه على أذنه قائلاً بعد ثواني:
- مُنير، عايزك تيجي عند المستشفى بنفسك و لو حكمت تدخل كمان و تراقبها من بعيد، و لو حسيت أن أي حد دايقها كلمني فوراً!!!!
• • • •
- مالك بس يا أمي؟!! أيه اللي حصل؟!!!
اردف "ظافر" و هو يمسد على ذراع والدته تجلس جوارها "ملاذ"، لتهتف "رقية" ببكاءٍ شديد:
- أخوك يا ظافر، باسل أخوك خلاص معدش هيرچع إهنه تاني، هو خلاص كرهني!!!!!
تفاجأ "ظافر" لما تقوله، ليهتف بتساؤل:
- أيه اللي خلاكي تقولي كدا!!!!
- باسل عرف كل حاچة، عرف اننا كنا مخبيين عليه مكان رهف، مشي و مش هيعاود تاني!!!!!
قالت "رقية" بحزن شديد و هي تضرب على صدرها، لتشهق "ملاذ" بعنف واضعة كفيها على ثغرها، ليومأ "ظافر" و هو ينظر بعيداً، يعلم أن أخيه لن يمررها مرور الكرام، عاود النظر لوالدته ليقول مطمئناً إياها:
- طب أهدي و انا هحل كل حاجة، أهدي بس!!!!!
• • • •
أسترقت "رهف" السمع بعد كثير من الوقت صوت رجلٍ آخر يتحدث مع "باسل" فعلمت أنه النجار من صوت الجلبة التي يفعلها بالباب، قضمت أظافرها تحترق فضولاً لتخرج لهم، و لكنها تعلم إن خرجت سيذبحها "باسل" و يمزقها أشلاء أولاً لِما ترتديه من قميص بيتي خفيف للغاية، و ثانياً لِما فعلته به، أبتسمت بشدة عندما تذكرت مظهره الغاضب، ذهبت نحو غرفة تبديل الملابس لترتدي منامة تتكون من بنطال وكنزة ثقيلة، ثم رفعت خصلاتها كعكة فوضوية جعلتها بمظهر جذاب طفولي، عندما هدأ الصوت بالخارج تيقنت من ذهاب الرجل، و لكنها فضلّت أن تظل بغرفتها، جلست على الفراش ممسكة بهاتفها تلعب بإحدى الألعاب الإلكترونية، و لكن انتفض جسدها عندما سمعت صوت سعاله العنيف يأتي من الخارج، كان يسعل بطريقة أخافتها، لم تتردد لتخرج من الغرفة فوجدت الباب قد صُلح، ألتفتت لتجده مستلقي على الأريكة العريضة بعد أن بدّل ملابسه المبللة واضعاً أحد ذراعيه على عيناه لا يكف عن السعال، ركضت نحو المطبخ لتأتي له بكوب من الماء ثم اتجهت نحوه لتجلس جواره، أسندت رأسه على رسغها ثم جعلته يرتشف منها قائلة بقلقٍ:
- فيك أيه بس!!!!
أراح رأسه على الوسادة بإرهاق بعد أن شرِب، وضعت كفها على مقدمة رأسه و على وجهه بأكمله فوجدت حرارته مرتفعة للغاية، شهقت هي بصدمة لتمسح على خصلاته قائلة:
- دة أنت حرارتك عالية أوي يا باسل!!!!!
نظر لها بعيناه المرهقة ليردف بلطفٍ:
- انا كويس متقلقيش!!!!!
برقت عيناها بالدموع لتحاوط وجهه بكفيها قائلة بندمٍ:
- كل دة بسببي أنا غرقتك بـ ميا متلجة و الجو اصلاً برد، أنا بجد أسفة يا باسل مش عارفة أقولك أيه!!!!!
↚
أبتسم بحنو قائلاً و هو يربت على كفها:
- صدقيني انا كويس الحرارة شوية وهتنزل!!!!!
نفت برأسها لتهتف قائلة وهي، تركض للمطبخ:
- لاء انا لازم هعملك كمادات!!!!!
بالفعل بعد قليل أتت بوعاء مليئ بمياة بها قطع من الثلج، بجوار قطعة صغيرة من القماش وضعتها على الطاولة ثم جلس بجانبه تماماً في مواجهته، أمسكت ب القماشة ثم أغرقتها في الطبق لتعصرها جيداً و وضعتها على جبينه، أغمض هو عيناه بإرهاق ليتراخى جسده، طالعته "رهف" بخوفٍ بالغ عليه لتحاوط وجنته بكفها بأسفٍ، ليقبل هو كفها الصغير يطمئنها بنظراته، عاودت الكرة مرة أخرى مع المنشفة فوضعتها على جبهته، لتقول وهي تتلمس وجهه براحتها، ليقول هو ببراءة زائفة:
- كدا مش هتعرفي لو الحرارة نزلت ولا لاء، شوفي بشفايفك!!!!!!
وكزته في كتفه قائلة بنفاذ صبر:
- حتى و أنت تعبان قليل الأدب!!!!!
صدحت ضحكلته الرجولية في أرجاء المنزل، لتميل عليه بوجنتيها تتلمس وجنتيه، فوجدت بالفعل وجهه دافئ، تنهدت براحة ثم نهضت قائلة:
- قوم نام في الأوضة اللي جنب أوضتي!!!!!
قبض على كفها برفق قائلاً بإرهاق برز في صوته:
- مش قادر أقوم يا رهف، تعالي نامي جنبي هنا و أنا هبقى كويس!!!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج لتتمتم برفضٍ تام:
- لاء طبعاً!!!!!
ازاح كفه بعيداً عن كفها، ليومأ بملامح خالية ونبرة حزينة:
- براحتك!!!!!
ألمها قلبها له لتتنهد قائلة بضيق:
- خلاص .. هنام جنبك!!!!!
التفت لها مبتسماً بسعادة ليفتح ذراعيه لها، أرادت "رهف" أن تلقي بنفسها داخل أحضانه ولكنها عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة بغرورٍ:
- هنام جنبك بس هتنام بأحترامك يا باسل!!!!! في حدود مش هنتعداها!!!!
زفر بضيق ليهتف بنزق:
- طب تعالي و خلصيني!!!!!
اشارت لذراعيه قائلة:
- أبعد دراعك عشان أنام!!!!
أبعد ذراعيه عنها بالفعل لتستلقي هي جواره بتردد، ثم أعطته ظهرها لتسحب الغطاء عليهما، حاولت مقاومة رائحته وشعورها بأنها أصبحت جواره، لتطبق بكفيها أسفل جانب رأسها، لم تستطيع النوم وهي جواره، أنفاسه قريبة من عنقها تحرق بشرتها، قطبت حاجبيها بإنزعاج لتسرع قائلة بتوتر:
- مـ تبعد شوية يا باسل!!!!!
أنفجر بالضحك لينثنى هامساً بأذنها بخبث:
- مش عارفة تنامي صح!!!!!
همت بالنهوض ليقبض على خصرها قائلاً بمزاح و هو لا يستطيع السيطرة على ضحكاته:
- طب خلاص أهدي و أنا هبعد!!!
نظرت له بطرف عيناها بإمتعاض لتبعد ذراعه عنها تراقبه و هو يبتعد عنها، زفرت براحة لتضم هي كفيها أمام وجهها و سرعان ما غاصت بنومٍ عميق، أستغل هو تلك الفرصة الذهبية فأقترب منها محاوطاً خصرها يُلصق ظهرها بصدره، رفع رأسه ليُقبل جانب عنقها، ممتناً للمرض الذي جعله يحظي بها!!!!
شعرت "رهف" بأنفاسه على عنقها، شفتيه التي لامست جانب عنقها مستنداً عليه بذقنه، و ذراعه المفتول يحاوط خصرها النحيل، تفاجأت بفعلته لتبعد ذراعه ببطئ حتى لا تفيقه، ثم زحفت برأسها بحذر من أسفل ذقنه لتحاوط وجهه جاعلة إياه يستند على الأريكة، جلست جواره لتلتمس بشرته برقة لكي تتأكد من زوال حرارته، و بالفعل وجدته أفضل بكثير عن أمس، وضعت كفها أسفل ذقنها بإبتسامة عابثة وهي تتفرس ملامحه الجذابة، بدايةً من أهدابه الكثيفة التي حاوطت جفنيه، نزولاً بأنفه الشامخ، وصولاً بشفتيه المرتسمة بإبداع خالق، نهضت بعد قليل حتى لا يفيق و يراها تحدق به هكذا، أنبت نفسها بشدة على تساهلها معه، لتقرر أنها ستصبح أقسى و أعنف معه، سيرى أسوأ معاملة قد تعامله أمرأة بها، أنثنت عليه ثم وكزته في كتفه قائلة بأمتعاض:
- بـــاسل!!!!!!
أنتفض "باسل" بخضة قائلاً:
- في أيه!!!!
- قوم عشان تمشي يلا!!!!
أردفت بجمود بعد أن أعتدلت في وقفتها، ففعل هو المثل بعد أن جلس على الأريكة قائلاً بنبرة هادئة ولكن مخيفة:
- امشي!!!! اسمعي بقا يا رهف أنا مش همشي من هنا غير و أنتِ معايا، غير كدا أنا قاعد!!!!
أردف و هو يضع قدمه على الأخرى بغرور يراقب أشتعال ملامحها ببرود، فمالت هي نحوه مستندة بكفيها على ظهر الأريكة جوار رأسه حتى باتت لا يفصل بين وجههما إنش، أنزوت شفتيه بإبتسامة ماكرة لقربها منه، فهدرت "رهف" بنفاذ صبر:
- لاء يا باسل هتمشي و من غيري، و عايزة ورقتي توصلي في خلال يومين!!!!
حدق بها بتحدٍ، يوزع نظراته بين عيناها وشفتيها، ليهتف بجمود:
- ولما أطلقك هتقعدي فين!!!!
نظرت له بغرابة لترفع كتفيها قائلة:
- هِنا طبعاً!!!!!
رفع حاجبيه قائلاً بخبث:
- في شقتي؟!!!!
أعتدلت في وقفتها ترمقه بنظرات مصدومة، تردد بدهشة بالغة:
- شقتك!!!!!، دي شقة ماما رقية و هي قالتلي أقعد فيها!!!!!
نفى برأسه ببساطة، ثم نهض ليتجاوزها يُعطيها ظهره قائلاً بنبرة جامدة:
- دي شقتي أنا يا رهف، و كنت سايب مفتاحها مع أمي عشان لو اي حاجة حصلت، تقدري بقا تقوليلي لما أطلقك هتقعدي فين!!! وطبعاً مش هتروحي لأمك عشان جوزها و أنا اصلاً مش هسمحلك تعتبي بيتهم من غيري، يبقى هتروحي فين؟!!!
أغرورقت عيناها بالدموع لترتد خطوة للخلف غير مصدقة، قائلة بنبرة آلمته:
- أنت بتعايرني عشان ماليش مكان أروحله!!!!!
ألتفت لها سريعاً ليقترب منها قائلاً بحدة:
- أنا مقولتش كدا!!!!!!
أبتعدت هي عنه عدة خطوات للخلف، تحرك رأسها نفياً بهيستيرية، وضعت كفيها على أذنها مطبقة جفنيها بقوة صارخة به:
- أنا بكرهك!!!! بكرهك!!!!!!
صُدم "باسل" من الحالة التي تلبستها فجأة، ليقترب منها فحاول إمساك كتفيها ولكنها نفضت ذراعيه بعنف بعيداً عنها، ليعود محاوطاً جسدها لصدره مردداً بحنو:
- انا مكانش قصدي والله اللي فهمتيه!!!! أهدي يا حبيبتي!!!!
أخذت تضربه بصدره بقوة وهي تصدر شهقات نتجت عن بكائها، حاول "باسل" إحتوائها بذراعيه يمسد على خصلاتها و هو يهدهدها بكلمات حانية، ولكنها لم تستجيب فظلت تدفعه بعيداً عنها حتى تملصت من ذراعيه متجهة لغرفتها لتصفع الباب بعنف ثم أوصدته، سرعان ما أنهارت أرضاً تُخفي وجهها بكفيها وشهقات بكائها تصل له بالخارج، سمعت طرقات قوية على الباب تليها صراخه عليها بأن تفتح وتكف عن أفعالها الطفولية، صرخت هي به بقسوة:
- أبــعــد عــنــي!!!!!!!!
ضرب الباب بكفه بعنف صارخاً:
- أفتحي بقولك الزفت دة!!!!!
أنفجرت ببكاء يمزق نياط القلب، ليمسح وجهه بعنف ثم وضع كفه على الباب ليردف بنبرة حانية:
- طيب متعيطيش لو سمحتي!!!!
إزداد صوت بكائها ونشيجها أكثر، ليتابع بنبرة لطيفة:
- أنا مكنش قاصدي أعايرك يا حبيبتي، أنا أصلاً لآخر نفس فيا هتفضلي مراتي ومش هسيبك لو حصل أيه!!!!
نهضت لتفتح الباب بعنف فوقفت قبالته صارخة بقسوة:
- و أنا بقا هطلق منك ومش هتشوف وشي تاني أبداً!!!!!
دفعها من كتفيها بلطف ليدلف للغرفة، ثم حاوط وجنتيها ليمسح دمعاتها برفق قائلاً بنبرة لطيفة:
- طيب ممكن تهدي؟!!!
أرتعشت شفتيها من شدة البكاء لتحدق بعيناه الدافئة، لتهتف برجاء:
- سيبني يا باسل، عشان خاطري كفاية لحد كدا، انا والله مش هعرف اسامحك على اللي عملته!!! الطلاق هو الحل لينا احنا الاتنين!!!!
تحولت عيناه الدافئة إلى أخر جامدة، و ملامحه اللطيفة لثانية خالية من الحياة، ليبعد كفيه عنها قائلاً بنبرة باردة:
- دة أخر كلام عندك؟!!!
أومأت هي ببطئ، ليضغط على أرنبة أنفه يُحرك رأسه إيجاباً، هاتفاً بنبرة خاوية:
- و أنا مش هغصبك على حاجة، هطلقك يا رهف!!!!!
سقط قلبها أرضاً لجملته الأخيرة، فشعرت بالدماء تهرب من جسدها هرباً وهي تراقب صفحات وجهه، شعرت بقشعريرة عصفت بجسدها من تخيلها أنها ستبتعد عنه للأبد، لتزدرد ريقها لشدة جفافه، فشعرت بغصة في حلقها و كأنها تحارب البكاء بصعوبة، ليتها تُخبره ألا يفعل، تخبره أن وجوده كوجود الأكسجين برئتيها لا تستطيع الإستغناء عنه، ولكن يبقى كبريائهما حاجزاً بينهما، تعالت ضربات قلبها عندما هتف بهدوءٍ:
- بس مش دلوقتي، أصبري أسبوع أكون جهزت أوراقي عشان أسافر، وبعدين هطلقك ومش هتشوفيني تاني أبداً!!!!
إرتخاء غريب في عضلات جسدها وكأنها على وشك فقدان الوعي لتومأ له بشرود، دلف "باسل" خارج الغرفة صافعاٌ الباب خلفه، ثم بعد دقيقة سمعت صفعة باب الشقة، أستندت على الحائط جوارها لتضع رأسها عليها مغمضة عيناها بقوة، لتنهمر الدموع على وجنتيها بألم.
• • • •
جلس "مازن" في شقته بالزمالك واضعاً أوراق شركته على قدميه يقلب فيهما بكثب، نظر لساعته ليجد الساعة قد تعدت الثالثة عصراً و هو يعلم أن عملها ينتهي الواحدة ظهراً، لينتفض ملقياً بأوراقه أرضاً ثم أمسك بهاتفه ليغمض عيناه بعنف عندما وجده صامت و "منير" الذي هاتفه عشرات المرات!!! ضغط على أسنانه بقسوة ثم عبث بالهاتف ليضغط على أسمها بإبهامه، وضع الهاتف على أذنه وكل خلية بجسده تتأهب للصراخ عليها، ولكن صدمه التسجيل الصوتي يخبره بأنه مغلق، هاتف "منير" الذي فورما سمع صوته هتف بلهفة:
- مازن بيه أخيراً بتصل بحضرتك من بدري المدام كل دة لسة مخرجتش و المفروض الشيفت بتاعها خلص من زمان، تحب أدخل أسأل عليها؟!!
لم يجيب سوى بكلمة واحدى أباحت عن النيران المتأججة بقلبه:
- أنا جاي!!!!!!
أغلق معه ليبدل ملابسه بأول قميص وبنطال وقعت عيناه عليهما، ثم أمسك بمفتاح سيارته وهاتفه ليصفع باب الشقة ثم تجاوز الدرج ركضاً، قفز مستقلاً سيارته ليتحرك بسرعة مائتان وقلبه يُخبره بأنها ليست بخير، لهث بعنف فقلبه عاد يؤلمه مجدداً وقد نسي أن يأخذ دوائه..!!!
• • • •
وقف أمام المشفى ليركض له "منير" هاتفاً بقلق:
- مازن بيه أنا حاسس أن في حاجة غلط!!!!
ترجل من السيارة ليدفعه من كتفيه ثم ركض لمدخل المشفى ليقف أمام موظفة الإستقبال متمتماً يحاول إلتقاط أنفاسه:
- فريدة الهلالي فين!!!!
نظرت له الفتاة بتوتر لتلتقط الهاتف الأرضي ثم أجرت مكالمة سريعة، لتعود له قائلة بحرج:
- هي في مكتب دكتور إياد يافندم، الدور الأخير آخر اوضة على الشمال!!!!!
صُدم "مازن" من حديثها لتشتعل عيناه تُقذف جمراً، ليركض في الممر يصعد بالمصعد..
• • • •
قبل نصف ساعة، وقفت فتاة تبلغ من العمر واحد وعشرون عاماً، ذات خصلاتٍ بنية طويلة و عينان بنفس اللون، تجلس على مقعد المشفى البارد لا تتوقف عن شهقات البكاء التي تخرج عنوة من فمها، تنحني بجزعها العلوي للأمام واضعة يدها على قلبها تطمئنه بأنه سيكون بخير، وستدلف لتحتضنه بأقوى ما لديها، رفعت رأسها سريعاً لتقف على قدميها عندما خرجت "فريدة" من غرفة الطوارئ جوار "إياد" الذي أزاح كمامته يمسح حبات العرق التي تكونت على جبينه، لينظر إلى الفتاة قائلاً بجمود دُهشت "فريدة" له:
- أزاي تسكتوا والمريض قلبه متدهور بالطريقة دي، للأسف القلب عنده مقدرش يستحمل.. البقاء لله!!!!!
لم تستوعب الذي قاله لتجحظ عيناها واضعة كفيها على فمها برعب، أنهارت أرضاً و أنهارت معها دموعها كالشلالات، لتقترب "فريدة" منها بعطف ثم ربتت على خصلاتها بشفقة قائلة:
- أهدي يا حبيبتي!!!!
أرتمت الصغيرة في أحضانها تهتف بقهر:
- والله مكنش معايا فلوس اعمله العملية صدقيني، ماما ماتت و هو كمان مات انا مش عارفة اعمل أيه!!!!!
نظر لهم بتأفف ليفقد أعصابه عليها قائلاً بنزق:
- أحنا مستشفى هنا مش جمعية خيرية أنزلي ادفعي مصاريف المستشفى و خدي ابوكي و امشي!!!!
لم تستطيع المدعوة بـ "ليلى" أن ترد عليه لسوء حالتها، او لربما لم تسمعه من الأساس، لترفع "فريدة" أنظارها له بصدمة، تقلصت ملامحها بإشمئزاز قائلة بحدة:
- أنت مين سمحلك تتكلم معاها بالطريقة دي، وبعدين المستشفى دي مش بتاعتك عشان تعمل كدا!!!
نظر لها بضيق ليشير بها بأصبعه و هو يتحرك تجاه غرفته:
- تعالي ورايا!!!!
نظرت "فريدة" للفتاة ذات الملامح البريئة لتقول و هي تحاول التهوين عليها:
- سيبك منه دة مريض نفسي أصلاً، انتِ عندك كام سنة؟!
أجابت "ليلى" بصوتها العذب:
!!!21 -
أومأت لتتابع بتساؤل:
- طيب هتعملي أيه؟!
مسحت دمعاتها قائلة:
- هكلم عمي ييجي!!!
أومأت "فريدة" ثم قالت:
-تمام أنا هروح اشوفه عايز أيه وهجيلك تاني، أومأت هب بإنصياع لتجلس على المقعد، ذهبت "فريدة" لمكتبه في الطابق الأخير بعيداً عن "ليلى" لتفتح الباب دون أستئذان ولم تغلقه، وقفت أمامه بملامح باردة تقول:
- خير؟!!!
نهض "إياد" بملامح شيطانية، ثم تقدم منها بخطوات بطيئة، شعرت "فريدة" بعدم الأرتياح من نظراته لترتد للخلف برهبة، ولكنه كان الأسرع ليجذبها من خصرها وبحركة سريعة لفها للجهة الأخرى ليغلق الباب بقدمه، صُدمت هي مما فعله لتضربه على صدره بكل ما أوتيت من قوة صارخة:
- أنت بتعمل أيه يا حيوان أنت أتجننت!!!!!!
كمم فمها بكفه الغليظ يبتسم بخبث و هو يطالعها برغبة، ليسقط ببصره يتفرسها بنظرات جعلتها تشعر أنها عارية أمامه، أنفجرت مقلتيها بالدموع وهي تحاول إزاحة كفه عن فمها ولكنه سرعان ما دفعها على الأريكة لينزع سترته السوداء عنه، صرخت "فريدة" في أمل أن ينقذها أحد، أشرف عليها "إياد" لينظر لها برغبة قائلاً بجنون:
- أخيراً يا فريدة، كنت مستني اللحظة دي من زمان أوي يا حبيبتي، أنا عارف انك بتحبيني و أنك مغصوبة على اللي اسمه مازن دة، انا كنت بحس كدا من نظراتك ليا زمان، صدقيني يا فريدة مش هتلاقي حد يحبك أدي، جوزك مسافر ومش هيعرف حاجة و آآآآه!!!!!
لم تتركه "فريدة" يكمل حديثه لتجذبه من تلابيبه ثم دفعت بركبتها في معدته، فتكور الأخير أرضاً بألم شديد، نهضت "فريدة" لتعبر من فوقه و هي تحاول الوصول للباب لكي تستنجد بأحد، و لكنه أمسك بقدمها فتعثرت لتسقط مرتطمة بالأرضية ليزحف هو لها ممسكاً برأسها ليضربها بالأرضية صارخاً:
- يا بنت ال***!!!!!!
تآوهت بألمٍ فشعرت به يطبع قبلات على وجهها كانت كالنيران على بشرتها، حاولت إبعاد وجهه القذر عنها تتوسله ببكاء شديد!!!
أرتجف قلبه عندما خرج من المصعد و أستمع لصوتها، ركض للممر الفارغ تماماً ليتجه للغرفة التي ينبع من الصوت، دفع الباب بقدمه بقوة لينفتح، توسعت عيناه لينقض عليه يرفعه من فوقها، ثم كور قبضته ليسدد له لكمه جعلته يرتد للخلف مرتمياً على الأرضية، لم يكتفي "مازن" ليضربه بقدمه في معدته حتى فقد الوعي و الدماء تدفق من فمه بقوة، لهث من شدة الإرهاق الذي فعله ليرفع أنظاره لها، نهضت "فريدة" بمقلتي مصدومتان، طالعت "مازن" بحُرقة ظهرت في عيناها، وبدون شعورٍ منها ركضت نحوه لترتمي في أحضانه متشبثة بعنقه بأقوى ما لديها ليرتد جسده خطوة للخلف فحملها من خصرها محاوطاً جسدها بقوة حتى أصبحت قدميها لا تلامس الأرض، دفنت وجهها بعنقه لتبكي كما لو أنها لم تبكي من قبل، مسد على خصلاتها مغمضاً عيناه ليقبل جانب عنقها المغطى بخصلاتها وقلبه يأن من بكائها و من المجهود الذي بذله، تشبثت بقميصه من الخلف حتى كادت أن تمزقه بـ أظافرها، ليهتف "مازن" بعد صمت طويل قائلاً بحنان:
- ششش أهدي.. خلاص مافيش حاجة أنا جنبك، محدش هيعملك حاجة و أنا معاكي!!!!
حاوطت عنقه بذراعيها أكثر لا تريد تركه، ليضع ذراعه أسفل ركبتيها ثم حملها بخفة، أستكانت رأسها على كتفه مغمضة عيناها، نظر هو لها ليقبل جبينها، ثم خطى خارج الغرفة و هو يتوعد شراً لذلك الملقي أرضاً بالداخل، خرج من باب سري يعلمه حتى لا تلتفت الأنظار حوله، ليجد "منير" يستقبله وسرعان ما أعتلت الصدمة وجهه و هو ينظر لـ "فريدة" ليسرع بقوله:
- أيه اللي حصل يا مازن بيه، الهانم مالها!!!!
هتف "مازن" بعنف و هو يقترب منه وعيناه تلمع بوميض مخيف:
- أطلع الدور الرابع أخر اوضة في الممر، و هات ابن ****** و أطلع على المخزن، بليل يا منير يبقى هناك!!!!!
أومأ له "منير" سريعاً ثم تقدم ليفتح له باب السيارة الأمامي، ليضع هو "فريدة" على المقعد جواره، ثم جلس بمقعده أمام المقود ليسابق الرياح في سرعته، متحهاً نحو شقته، ،وزع نظراته بينها وبين الطريق ليجدها ساكنة تنظر أمامها بملامح جامدة و الدموع تسقط من عيناها، تألم قلبه لحالها ليمد أنامله قابضاً على كفها و هو يقول:
- فريدة؟!!!
كفها شديد البرود بين كفه الدافئ، ليرفع إلى فمه و هو ينظر للطريق ثم طبع قبلة عليه، ليهدر هو بشرارٍ نبع من صوته:
- و عزة جلالة الله ما هسيبه!!!!!
• • • •
دلف لمكتب أخيه بخطواتٍ ثابته، ليجده قابع فوق كرسيه ينظر للأوراق بيده بأهتمام، ليرفع أنظاره له بدهشة، تحولت لتفهم و هو ينهض متقدماً منه، ولكنه لم يشعر سوى بلكمه جعلت وجهه يلتفت للجهة الأخرى ليضغط على أسنانه بقوة و فكه ينبض بحدة، أقترب "باسل" منه ممسكاً بتلابيبه ليهتف بحدة:
- الضربة دي عشان كنت عارف مكانها و مقولتليش!!!!!
نظر له "ظافر" ببرود شديد، ليبتعد عنه "باسل" و هو يشعر بألم شديد أستوطنه، ليخرج من المكتب صافعاً بابه بحدة، ألتفت "ظافر" ليثبت كفيه على مكتبه منحنياً يجزعه العلوي يحاول السيطرة على غضبه و عدم الذهاب له لتحطيم وجهه من كثرة الضرب، فيعود و يقول أنه حقه، فلو كان هو من أختفت زوجته بعيداً عنه شهور عديدة و أخيه يعلم مكانها، كان فعل أكثر بكثير!!!!!
• • • •
جلست "رهف" على الأريكة أمام التلفاز تشاهد أحد الأفلام الكارتونية بإبستمتاع، تحاول أن تنسى عدم وجوده و ما قاله لها، نظرت للباب الذي فُتح فجأة بالمفتاح الذي أخذه منها بالصباح، لتعود ناظرة لشاشة التلفاز ببرود زائف، سمعت بعد قليل صوت باب الغرفة المجاورة لغرفتها يصفع بعنف لتنتفض هي مكانها برعب، نهضت متجهة نحو المطبخ لتبدأ بطهي الطعام ببرود، تضع جوارها هاتفها الذي أنبعث منه صوت إحدى المطربات، لتدندن هي معها تحاول أن ترفع صوتها لكي تثير غيظه، و بالفعل وجدته بعد قليل يخرج من الغرفة متجهاً له ليصيح بغضب:
- أقفلي الزفت دة مش عارف أنام!!!!
أعطته ظهرها وظلت تدندن مع الموسيقى دون أن تبالي به، خطى "باسل" نحوها بإنفعال ثم أمسك بالهاتف ليوقف الموسيقى، لم تكترث "رهف" بل ظلت على حالها تغنو بصوتها الذي لا يصلح للغناء أبداً و كأن الموسيقى لازالت مفتوحة، وقف جوارها ثم أغمض عيناه بعصبية ليقبض على أحد الأكواب الزجاجية بقسوة صارخاً:
- رهــــف!!!
نظرت له ببرود لتبتعد عنه متجهة إلى حوض غسيل الأوانئ بصمت شديد، فألقى هو بالكوب أرضاً ليسقط متناثراً لأشلاء فأنتفضت هي برعب ملتفتة له، سرعان ما أتجه نحوها جاذباً ذراعها له بقسوة يصرخ بوجهها حتى أشتدت عروقه:
- إياكي بعد كدا و أنا بكلمك تسيبيني و تمشي!!!!!
نظرت له بتوجس لتومأ له سريعاً فغضبه تقسم أنه سيلتهم الأخضر و اليابس، لينفض هو ذراعها قائلاً بنظرات باردة:
- أعتذري حالاً!!!!!
أشتعلت عيناها غضباً لتقول بهدوء:
- لاء!!!!!
ألقى عليها نظرات جعلتها تقول سريعاً لكي يذهب من أمامها:
- أسفة!!!!!
ألتفت مبتعداً عنها ليذهب نحو غرفته ليرتطم الباب بإطاره بقوة، لتضرب هي قدميها بالارض متمتمه بخفوت:
- غبي و رخم و رزل و مغرور و مناخيره في السما، انا مش عارفة بحبه ليه!!!!!
أكملت طهي الطعام ثم بعد نصف ساعة وضعته على طاولة الطعام، لتتجه له ثم فتحت الباب بحذر لتجده يتحدث في الهاتف عن أمور العمل، عقدت ذراعيها معاً امام صدرها تنتظر لكي ينهي محادثته، ظلت على وضعها دقيقتان لتزفر بضجر فألتفت هو لها بجمود يشير بأصبعه لكي تنتظر، و بالفعل أنهى مكالمته ليجلس على الأريكة قائلاً بنبرة خالية من المشاعر:
- عايزة أيه؟!!!
أردفت هي بنبرة مماثلة:
- الأكل جاهز!!!!
- مش جعان.!!
قال و هو يعبث بهاتفه لتنظر له بصدمة قائلة:
- مش جعان أزاي أنت مكلتش من أمبارح!!!!
رفع أنظاره لها يقول بهدوء:
- كلي أنتِ!!!
تنهدت بحزن أخفته فهي تكره الجلوس على طاولة الطعام بمفردها، فهذا يجعلها تتذكر تلك الأيام التي كانت وحيدة بها لا يوجد سوى "ملاذ" جوارها، ألتفتت للباب لتخرج من الغرفة دون أن تعلق ثم ذهبت لغرفة الطعام و لم تشعر بدموعها التي سقطت على وجنتيها بخيبة أمل جلست بمقعد جانبي أمام طبقها، أمسكت بالملعقة تعبث بمحتوياته وهي أيضاً لا تشعر بشهية للطعام، نظرت لطبقه في المقعد الأمامي لتتنهد بألم، ولكن توسعت عيناها عندما وجدته يجلس على مقعده ليبدأ بتناول طعامه بصمت، حانت على ثغرها أبتسامة جانبية ثم بدأت هي أيضاً تلوك الطعام في فمها، فنظرت لعابيره الهادئة تستشف إن أعجبه أم لا، ولكنها كالعادة وجدت غموضاً تام وكأنها تفك شفرة، لتزفر بضيق وهي تتساءل:
- عجبك!!!!!
أومأ هو ببساطة لتبتسم ببراءة، لتمسك بملعقتها ثم بدأت الأكل بشراهة، طالعها بطرف عيناه ليبتسم هو بنظرات عاشقة لم تلاحظها، رغم أنه بالفعل لا يريد أن يأكل ولكن مظهرها الحزين و هي تخرج من غرفته جعلته يذهب ورائها على الفور دون تردد، الجلوس أمامها و رؤيته وهي تأكل جعله هو أيضاً ينهي طعامه، ولكنه ظل جالساً حتى لا يتركها بمفردها، و لكنه سريعاً ما هتف بإندفاع:
- كنتي كل الأيام دي بتاكلي لوحدك!!!!
رفتت حدقتيها له بصدمة، ثم سقطت بها على طبقها و هي تومأ ببطئ، ليغمض عيناه يلعن حاله في نفسه، فهو السبب الرئيسي لكل شئ عانته في تلك الشقة بمفردها، لم يستطيع "باسل" مقاومة عيناها التي برقت بالدموع و هي تنظر لطبقها ليجذب مقعدها قريباً منها فتفاجأت هي بحركته، حاوط ذراعيها ليجذب ملعقتها ثم ملئها بالطعام ليقربها من فمها يهتف بنبرة حاول أن يجعلها عادية ولكنه خرجت بحنان بالغ:
- من هنا ورايح أنا اللي هأكلك، عشان أنتِ خاسة الفترة دي!!!!
نظرت له بغرابة لتقول بتردد:
- لاء أنا هاكل لوحدي!!!
نظر لها بتحذير ثم قال :
- أفتحي بؤك بسرعة!!!!
برقت عيناها بسعادة خفية لتفتح فمها فدس هو الطعام به ببطئ، ثم عاود الكرة عدة مرات لتهتف هي ممسكة بمعدتها عندما قرّب الملعقة من ثغرها:
- لاء يا باسل خلاص و النبي مش قادرة!!!!!
نظر لها بحدة ليردف و هو يشير لوعائها:
- هتخلصي الطبق دة كله ومش عايز أعتراض!!!!
جملته جعلتها تشعر بأنها جالسة أمام أبيها وليس زوجها، وضعت كفيها أسفل وجنتيها قائلة بطفولية:
- خلاص يا بابا بجد شبعت!!!!!
أبتسم بعذوبة لها ليردف بحنو:
- هانت يا قلب بابا فاضل معلقتين وخلاص!!!!
نظرت له بصدمة عندما هتف بـ تلك الجملة التي جعلتها تود لو أن تعانقه بقوة و لا تخرج من أحضانه، ولكنها سرعان ما فتحت فمها مجدداً لتمضغ الطعام وهي تنظر له بإبتسامة، عندما أنهت طبقها أبتسم لها قائلاً و كأن من أمامه طفلة لم تتعدى الخمس سنوات:
- شاطرة!!!
داعب النعس جفونها لتومأ له ببطئ ، فقهقه هو على مظهرها لينهض حاملاً إياها بين ذراعيه متجهاً لغرفته هو، أستند بركبته على الفراش ثم وضعها على الفراش برقة ليدثرها جيداً بالغطاء، انحنى عليها مطبقاً بشفتيه فوق شفتيها المزمومة، أغلق الأنوار ليخرج من الغرفة ثم جلس أمام الحاسوب ليتابع أعماله من خلاله!!!!
• • • •
خرجت "ملاذ" من غرفة "رقية"بعد أن نامت من كثرة الإرهاق، ذهبت لجناحهما بخطوات مرهقة لتفتح الباب ببطئ، وجدت "ظافر" مستلقي على الفراش واضعاً ذراعه على عيناه، تقدمت منه بعد أن أغلقت الباب بحذر، أستلقت على الفراش بجانبه لتضع رأسها على ذراعه محاوطة خصره بقوة، قبّلت وجنته اليمنى لتعود واضعة رأسها على صدره، عندما شعرت بسكون جسده أردفت برقة:
- ظافر.. أنت كويس؟!!
لم تستمع لرد منه، لتنظر له مبعدة ذراعه عن عيناه قائلة بقلق:
- في أيه؟!!!
فتح عيناه شديدة الأحمرار لتشهق هي برعب، جلست أمامه لتحاوط وجنتيه قائلة بتوجس:
- في أيه يا حبيبي!!!!!
أبعد كفيها عن وجهه ليردف بجمود:
- ملاذ سيبيني لوحدي شوية!!!
قطبت حاجبيها بغرابة من طلبه لتهتف برفق:
- لاء طبعاً مش هسيبك، أحكيلي أيه اللي حصل؟!!!
صرخ بها بإنفعال:
- ملاذ بقولك سيبيني لوحدي!!!!!
أنتفض جسدها لصراخه، لتنظر له بحزن ثم فركت أصابعها قائلة تزم شفتيها:
- صرخ و أتعصب و أعمل اللي أنت عايزه بس بردو مش هسيبك لوحدك و أنت كدا!!!!
تأفف هو بحنق، ليلتفت معطيها ظهره مغمضاً عيناه، شعر بها هي الأخر تستلقي في آخر الفراش لتضع الغطاء عليها وعليه لينفضه بقدميه بحدة، نظرت له "ملاذ" بأسى لتتنهد بألم، ثم أستلقت على الفراش لتغمض عيناها تعطيه ظهرها هي الأخرى، لم تنتبه لعيناها التي ذرفت الدموع و لا لأنينها الخافت، لتشعر به يسحبها من خصرها يلُفها له ليحتضنها بذراعيه المفتولين، حاولت "ملاذ" الإبتعاد عنه ولكنه لم يعطيها فرصه ليضع قدمه على قدميها يُثبت جسدها بين يداه يهتف برفق:
- أهدي.. أنا أسف، متزعليش مني!!!!
أبعدت وجهها عن صدره لتهدر بعصبية:
- ظافر أبعد عني دلوقتي حالاً!!!!!
حاوط وجنتيها بكفه قائلاً بهدوء:
- طيب أهدي.
رفعت أنظارها له بغضب قائلة:
- مش ههدى أبعد عني!!!!!
تنهد هو بضيق ليُقربها منه مستنداً بجبينه على جبينها، مردفاً بصوتٍ مجهد:
- ملاذ أنا مضغوط اليومين دول.. أستحمليني!!!!
أغمضت عيناها هي الأخرى لتغمغم بعصبية:
- أمتى هتفهم أني مراتك و أن من حقي عليك تقولي أيه اللي مدايقك ونفكر مع بعض، بس لاء هتفضل تكتم في نفسك كدا وتعاملني كأني غريبة!!!!
لفّ وجهه جانباً قائلاً بقنوط:
- عارف انك حقك تعرفي، بس في حاجات مينفعش أقولهالك!!!!
أزداد غضبها أكثر و لكنها حاولت التماسك، لتحاوط وجهه ثم أعادته لها قائلة برفق:
- أنا مش بخبي حاجة عليك، بس أنت بتخبي!!
أعتدل في جلسته ليضع رأسه بين كفيه، ليُفجر صدمة في وجهها:
- مازن عنده القلب!!!!!!!!
أنتفضت "ملاذ" في جلستها برعب، واضعة كلتا كفيها على فمها بصعوق، لتهمهم بصدمة:
- مش معقول!!!!! هو قالك؟!! و عرفت أمتى!!!!
- أيوا قالي بعد مـ سافر فرنسا بكام يوم، لأنه عارف كويس أنه لو قالي قبل كدا مكنتش هخليه يسافر، وباسل كمان عارف..
- طيب يعني هو حالته متأخرة أوي، ينفع يعمل عملية ولا لاء؟!!
- أنا هكلمه في الموضوع دة..
ليلتفت لها محذراً بنظرات مرعبة:
- ملاذ إياكي تقولي لفريدة و لا لأمي ولا لملك!!!!!
توترت تعابير وجهها لتقول:
- يعني فريدة متعرفش؟!!!
ألتفت لها قائلاً:
- لاء طبعاً متعرفش و هو مش عايز يعرفها!!!! ملاذ أنا بحذرك تقوللها ولا تقولي لأي مخلوق!!!!
أومأت "ملاذ" لتطبق شفتيها بحزن على صديقتها و "مازن"، رفعت أنظارها له لتجد ألماً و حيرة لأول مرة تراهم بمقلتيه، رفعت ذراعيها لتحاوط عنقه وهي تجذب رأسه ليستند على كتفيها، فبادلها هو عناقها محاوطاً خصرها واضعاً مقدمة رأسه على طرف منكبيها، مغمضاً عيناه بإستكانة عندما شعر بأناملها تعبث بخصلاته مربتة على ظهره برقة..
• • • •
صفّ سيارته بموقف السيارات الخاص به ليسرع بالترجل من السيارة ملتفتاً لبابها، فتحه سريعةً ثم أدخل جزعه العلوي وحملها برقة ليصفع باب السيارة بغضبٍ أُفرِغ به، صعد البناية لينفتح له المصعد، ظل حاملها بدلاً من أن يجعلها تقف على قدميها.. وكأنه خائف من أنهيارها بدونه، نظر لها ليجدها واضعة رأسها على صدره مغمضة عيناها، أنثنى هو نحوها ليُقبل جبينها قبلةٍ طويلة يخبرها بها أنه معها لن يتركها..!!!
أنفتح المصعد له ليفتح باب الشقة سانداً جسدها بذراعٍ واحد، أغلق الباب خلفه ليدلفا ماضياً بخطوات حادة نحو الأريكة ثم جعلها تجلس عليها بإعتدال، لينحني عليها ممسك بكفيها و رؤيته لنظراتها فارغة تنظر أمامها أقلقته، رفع ذقنها له ليحدق بعيناها الجميلتان بنظراته الدافئة، طال تواصلهما البصري ولكن عندما وجد مقلتيها يمتلئان بالدموع تدريجياً سرعان ما جلس جوارها ليجذبها لأحضانه فبثت هي عن مكنون قلبها بشهقاتٍ باكية مزقت قلبه أشلاءٍ، حاوط كتفيها بذراعيه بقوة ليرفع كفها مقبلاً باطنه و هو يمسد على خصلاتها، ظلت على حالها لم تهدأ، ليتفاجأ بها تدفعه من صدره بقوة لتنهض على قدميها واثبة أمامه، تقول بصراخ عالٍ:
- أنت السبب في كل دة!!!! أنت اللي اديتله الفرصة يعمل معايا كدا!!!!
نهض هو أمامها بصدمة شديدة تجلت على ملامحه، ليردف محاولاً أن يتحكم بأعصابه:
- أزاي يعني!!!!!
تقدمت منه لتضربه بصدره صارخة بحدة:
- لو مكنتش سيبتني لوحدي وسافرت مكنش أتجرأ يعمل كدا لكن هو عمل كدا عشان عارف ان مش ورايا راجل يسألني رايحة فين وجاية منين وشغلي فين وبخلصه أمتى، هو عمل كدا عشان مطمن أن جوزي راميني هنا ومسافر برا وعايش حياته، هو بذات نفسه سألني ليه انت سيبتني ومشيت تفتكر كنت هقوله ايه؟!!!
هقوله ان جوزي اناني مش بيهمه غير نفسه وبس ميفرقش معاه اي حاجة تانيه وانه قبل م يمشي قالي جمله لسة بترن في ودني لحد دلوقتي.. فاكر يا مازن قولتلي أيه؟!! قولتلي انك بتتمنى الزمن يرجع عشان متعيدش الغلطة دي وتتجوزني!!!! لو كنت جنبي ومعايا مكنش حد هيقدر يعمل فيا أي حاجة، كل قرف أنا عيشته كان بسببك، عرفت بقا بقولك ليه انت السبب في دة كله!!!!!
لم تظهر تعبيرات على وجهه، كان بارداً لم تهتز شعرةً له، عيناه جامدة تطالع حدقتيها التي تهتز بعدم إتزان، يراقب زفيرها العالٍ بجمود، ظل هكذا دقائق، ولكنه لم يستطيع التحكم بغضبه ليقبض على كتفيها بقسوة يهزّه بعنف ناهراً، والجمرات المشتعلة إن كان لها أثر فيزيائي لباتت هي فتات من الرماد:
- مين اللي قالك أني رميتك ومكنتش عارف عنك حاجة مين!!!! كل خطوة بتخطيها جوا أو برا البيت كنت عارف عنها كل حاجة، أنا سايب واحد مخصوص من رجالتي يراقبك عشان يعرف أنتِ فين و إذا كان حد أذاكي ولا لاء، كل حاجة عنك كنت عارفها، كنت بطمن عليكي كل دقيقه، عارف كنتي بتاكلي أيه وبتشربي أيه و اهلي بيعاملوكي كويس ولا لاء واذا كنتي فرحانة ولا بتعيطي، تبقي عبيطة لو كنتي فاكرة أني هقدر أستحمل 3 شهور من غير مـ أعرف عنك حاجة ولا حتى اشوفك في الصور، أنتِ متعرفيش اللي حصلي وانتِ بعيدة عني، وجابة دلوقتي تقوليلي أن مافيش وراكي راجل و اني اناني!!!!
لم تستطيع "فريدة" التفوه بحرفٍ فاغرة شفتيها بصعوق، تنكمش بجسدها بين ذراعيه، أرتعش جسدها لنظراته الحارقة لتزدرد ريقها، نفضها هو من بين ذراعيه ليلتفت يعطيها ظهره، مغمضاً عيناه ضاغطاً على أسنانه بشدة، رفعت أنظارها لمنكبيه فهي لازالت غير مستوعبة كلماته، أخذت حقيبتها لتقرر الذهاب، فهي دوماً عندما لا تعلم ماذا ستقول، تهرب بعيداً، لتهتف متجهة نحو الباب:
- أنا ماشية!!!!
توحشت نظراته ليلتفت متجهاً لها ثم أمسك بها من ذراعيها بقوة قائلاً:
- فاكرة نفسك رايحة فين!!! مش هتتحركي من هنا غير و انا معاكي!!!!
تهدلت كتفيها قائلة بصوتٍ راجي على حافة البكاء:
- سيبني امشي يا مازن لو سمحت!!!!
- قولت لاء، انتِ هتفضلي معايا هنا!!!!
قال بصوتٍ حاد لا يقبل النقاش و هو لا زال مشدداً على ذراعها، فبكت هي بحُرقة، شعر "مازن" بنغزات حقيقية بقلبه، كما لوأن قلبه يعتصر من شدة الألم الذي يُعانيه، فقد مر الكثير من الوقت ولم يأخذ دوائه، أرتخت يداه على ذراعها كما أرتخى جسده تدريجياً، ليلتفت للأريكة جالساً عليها يحاول أن لا يظهر لها ألمه، واضعاً كفيه على وجهه منحنياً بجزعة العلوي، فظنت "فريدة" أنها دعوة منه لذهابها، لتفتح الباب سريعاً ثم صفعته خلفها، تجاوزت الدرج لكي لا تضطر لإنتظار المصعد فيغير هو رأيه و يذهب ورائها!!!!
• • • •
أتجهت "فريدة" فور دخولها للقصر إلى "رقية" بعد أن علمت بمرضها، جلست معها قليلاً من الوقت حتى طلبت منها أن تذهب و أنها تكون بخير، وبعد رجاءاً منها نهضت هي ماضية نحو جناح "ملاذ"، طرقت الباب لتفتح لها "ملاذ" التي كانت شبه نائمة، فركت عيناها بنعاس لتشير لها لكي تدلف، بالفعل ذهبت "فريدة" مرتمية على الفراش ولم تستطيع مقاومة دمعاتها التي أنهمرت على وجنتيها، دهشت "ملاذ" لتجلس جوارها مربتة على كتفيها بريبة قائلة:
- في أيه يا فريدة؟!!!
فركت "فريدة" كفيها وهي تنظر لهما لتعتلي ملامحها الألم، صمتت قليلاً ثم هتفت بنبرة ضائعة:
- أنا تعبت يا ملاذ، خلاص طاقتي خلصت مش قادرة أتحمل!!!! انا حاولت اسامحه معرفتش، و ف نفس الوقت مش قادرة أبعد عنه، مش قادرة أصلاً اتخيل حياتي و هو مش فيها، كل مرة بقوله فيها أبعد بيطلع مني ألف صوت يقوله خليك، مش قادرة أسيبه و أمشي، مش قادرة أعمل كدا!!!!
صُدمت "ملاذ" من حديثها لتهتف بإندفاع:
- لاء أوعي تسيبيه!!!!
نهضت "فريدة" لتسير ذهاباً و إياباً قائلة بيكاء:
- للأسف هو دة الحل الوحيد!!!
نهضت "ملاذ" لتقول سريعاً بنبرة هوجاء:
- بلاش دلوقتي يا فريدة!!!!!
ألتفتت لها "فريدة" لتنظر لها بشك، ثم تقدمت منها قائلة بحدة:
- يعني ايه بلاش دلوقتي!!!! أشمعنا دلوقتي؟!! انتِ مخبية عليا حاجة يا ملاذ!!!!!
أدركت "ملاذ" الخطأ التي وقعت به، لتسرع مبررة قولها:
- انا قصدي يعني ان هو اتغير وبقا كويس وكل دة عشانك.. وانتِ بتحبيه أساساً يعني صعب تبعدي عنه!!!
لم تقتنع "فريدة" بما تقوله، فهي منذ أن أتى "مازن" وهي تشعر بشئ سئ يحمله على عاتقه، فجلست "فريدة" على الفراش لتنظر إلى "ملاذ" برجاءٍ حار:
- ملاذ انا قلبي مش مرتاح حاسة انه مش كويس، عشان خاطري يا ملاذ لو انتِ تعرفي حاجة قوليلي و أنا مش هقول لحد والله!!!!
صُدمت "ملاذ" مما قالته، لتجلس جوارها وهي تنظر أمامها بثبات تحاول ألا تظهر لها توترها لتردف:
- مافيش حاجة من دي!!!!
أمسكت "فريدة" بكفيها بتوسل نابع من قلبها قائلة:
- ملاذ أرجوكي دة جوزي قوليلي أيه اللي حصله، ترضي لو جوزك بعد الشر في حاجة و انا عارفة ومش عايزة اقولك؟!!!
تألم قلبها لرؤية صديقتها بهذا الحال، شعرت بقبضة تعتصر قلبها فلم تشعر بنفسها سوى وهي تقول بنبرة مهتزة:
- مازن.. عنده القلب!!!!!!!!!
حبست أنفاسها داخل رئتيها، فأرتخت كل خلية بجسدها، شعرت بقبضة تعتصر قلبها بدون رحمة، نهضت لتبرق عيناها بدموعٍ فياضة وهي تشعر بالأرض تدور بها، كل شئ حولها أصبح أسود اللون، قدميها الرخويتان خانتها فكادت أن تسقط أرضاً لولا "ملاذ" التي حاوطتها بذراعيها تنظر لعيناها اللتان لازالت مفتوحتان قائلة برجاء:
- أهدي يا فريدة عشان خاطري، ظافر قالي أنه يقدر يعمل عملية ويبقى كويس متخافيش!!!!
أستندت "فريدة" على يدها ثم لملمت شتاتها لتثّبت قدميها على الأرضية معلنة أن لا وقت للضعف، أخذت حقيبتها من فوق الفراش ثم أبعدت "ملاذ" ببطئ لتخرج من الغرفة بخطوات مترنحة تائهة، كل درجة تتجاوزها من الدرج مقتربة إلى الطابق السفلى تطبق على صدرها، و دون أن تلتفت لنداء الخادمة القلقة على حالها المريع، فتحت باب القصر ثم خرجت منه لتهرول في خطواتها نحو السيارة والذي يقف السائق جوارها، أستقلت المقعد الخلفي ثم أخبرته بوجهتها ليتحرك هو بأقصى سرعة لديه أمراً منها!!!!
•• • •
ترجلت من السيارة لتركض نحو البناية التي يقطن بها، لمحها البواب فأسرع لها قائلاً بلهفة:
- حضرتك زوجة مازن بيه مش كدا؟!!
كادت أن تتركه وتذهب لولا ذكر أسمه، لتلتفت له وهي تومأ سريعاً، فأخبرها هو و الأسى فوق محياه:
- مازن بيه لقيناه مغمي عليه في شقته لما كسرنا الباب انا والجيران، و هما الله يباركلهم ودوه مستشفى الهلالي!!!!!
صرخت "فريدة" بصدمة شديدة:
- أيـــه!!!!!!
كادت "فريدة" أن تفقد الوعي من تلك الصدمات التي تسقط منهمرة على رأسها، فور أن أخبرها البواب بتلك الفاجعة ركضت نحو السائق تترجاه بشهقات متتالية أن يذهب للمشفى، فأنصاع هو لها ليجلس بمقعده ينتابه القلق على "مازن"، قبعت هي خلفه لا تستطيع التحكم بصدرها الذي يعلو ويهبط بإنهيارٍ، وقفت السيارة أمام المشفى لتترجل هي ثم ركضت بقوة بحالتها المزرية وعيناها الحمراء وشفتيها التي ترتجف رعباً، وصلت لموظفة الأسقبال التي سرعان ما هتفت بقلق:
- فريدة!!!! الحمدلله انك جيتي مازن بيه لسة جايبينه من شوية وحالته خطر!!!!
وضعت كفها على فمها لتمتم بخفوت وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع:
- فين!! هو فين!!!!!
هتفت الموظفة بشفقة:
- في العناية يا حبيبتي!!!!
ركضت "فريدة" في ممر المشفى وقدميها تحملها عنوةً، ترتجف وكأنها في مهب رياح تعصف بجسدها، صعدت على الدرج مهرولة لتقف أمام الغرفة ذات الزجاج المرئي، وضعت كلتا كفيها على الزجاج تنظر لجسده المستلقي على الفراش، شفتيه البيضاء و عيناه المغمضة، وضعت يدها على قلبها و هي لا تستطيع الحفاظ على توازن أنفاسها التي تدلف لرئتيها، علَت شهقاتها حتى أصبحت تصدح في أرجاء المشفى، هي لا تستطيع تخيل حياتها بدونه، حياتها تصبح جحيماً إن لم يكُن بها، كلما تتذكر ذلك الكلام القاسي التي وجهته له تشعر بنغزاتٍ في قلبها، كان في أشد أحتياجه لها وهي من دفعته بعيداً تاركة إياه بمفرده يعاني بصمت، أغمضت عيناها تتذكر عندما أخبرها أن خالقه أخذ حقها منه، رفعت رأسها لأعلى ضامة كفيها إلى صدرها تقول ببكاء مختنق:
- يارب.. يارب أنا ماليش غيره، ماليش حد في الدنيا دي غيره والله، سامحه يارب على أي حاجة وحشة عملها ورجعهولي، أنا قلبي واجعني اوي، لو سابني هموت وراه، انا مش هقدر استحمل اعيش و هو مش معايا!!!!
أخذت في البكاء وعيناها لا تغفل عنه ، قلبها يعتصر بقوة وكأنه يُعبر عن ألمه بتلك الطريقة، عيناها مغمورة بدمعاتِ شوشت رؤيتها له، لتعود وتزيلها بعنف، ألتفتت تبحث عن حقيبتها لتجدها ملقاة أرضاً فركضت نحوها ثم أخذت هاتفها، هاتفت "ملاذ" تخبرها لضرورة مجيئهم، لتعود تقف أمام الغرفة بعينان تورمتا من شدة البكاء، فلمحت أحد الأطباء الذي تعلمه جيداً يخرج من الغرفة لتركض نحوه تتشبث بذراعه فهو دائماً ما كان يعاملها كأبنته، لتهتف بحُرقة:
- ماله يا دكتور، جوزي في أيه!!!
ربت الطبيب على يدها بشفقة قائلاً:
- مازن بيه حالته متأخرة يا بنتي، العملية لازم تتعمل في أقرب وقت!!!!
بُهتت لحديثه ولكنها عادت تقول:
- طب أعمل العملية أرجوك في أسرع وقت!!!!
أومأ الطبيب قائلاً بهدوء:
- هنعملها طبعاً بس هنستنى لما يفوق.. أحنا هنسيطر على الوضع دلوقتي لحد مـ يفوق!!!
هتفت "فريدة" بتوسل:
- طب عشان خاطري يا دكتور عايزة ادخل أساعدكوا لو سمحت!!!
نظر لها الطبيبق بشفقة ليقول:
- مينفعش يابنتي أنتِ مش شايفة حالتك، مش هتقدري تمسكي نفسك ومتقلقيش مازن بيه حياته تهمنا جداً وهنعمل اللي علينا وزيادة!!!
أومأت هي لتعود وتنظر له واضعة كفيها على الزجاج مستندة برأسها عليه، تركها الطبيب وعاد للداخل، راقبت "فريدة" شحوب وجهه الذي أرعبها، تمنت لو أن تحطم ذلك الفاصل الزجاجي بينهما وتدلف ترتمي في أحضانه ولا تتركه أبداً!!!!
• • • •
أرتجفت أوصال "ملاذ" عندما أنهت مكالمتها مع "فريدة"، هاتفت "ظافر" ثم وضعت الهاتف على أذنها، سمعت صوته يقول بهدوءٍ:
- ايوا يا ملاذ!!!!
أنتفض قلبها رعباً، ولم تشعر بنفسها سوى و هي تشهق بكاءاً لينتفض هو من فوق كرسيه قائلاً بلهفة:
- في أيه!!!! أيه اللي حصل!!!!!
غمغمت "ملاذ" بصوتٍ مهتز:
- مازن!!!!
هربت الدماء من وجهه ليلتقط بذلته قائلاً بترقب:
- ماله؟!!!
- في المستشفى!!!!!!
• • • •
ذهبت عائلة الهلالي بأكملها إلى المشفى، ألتفتت "فريدة" لهم فوجدت"ملك" و "رقية" تركضا نحوها، قبضت "رقية" على ذراعيها قائلة ببكاء وجسدٍ ينتفض:
- ماله مازن يا فريدة!!!
أكتنفت الحيرة معالم وجهها، فهي لا تريد أن تُخبرها لكي لا تقلق، وبذات الوقت يجب أن تعلم، أنقذها "ظافر" الذي هتف بنبرة مظلمة و هو ينظر لها بحدة:
- مازن كويس يا أمي متقلقيش، هو بس تعِب شوية!!!
ألتفتت له والدته تقول بصرامة:
- فاكرني هبلة إياك، تعِب يجوم يدخل العناية؟!!!
مسح "ظافر" وجهه بعنف ثم أسترسل بجمود:
- تحبي اجيبلك الدكتور يقولك بنفسه؟!!!
جلست "رقية" على المقعد والدمعات تهدر من عيناها مردفة بحزن:
- كان جلبي حاسسني أنه فيه حاچة!!!!
أقتربت منها "ملك" لتجلس جوارها تربت عليها وبكائها أيضاً يعلو في الطابق، ألتفت "ظافر" لينظر إليها وهي تقف بعيداً عنهم تنظر له بندمٍ، أقترب منها بخطواتٍ وئيدة و عيناه تقدح شراراً، أرتعبت من نظراته لتعود خطوتان للخلف، وفي أقل من الثانية كان وصل لها ليجذبها من ذراعها بقسوة ساحباً إياها خلفه، سارا معاً في ممر المشفى و خطواته أضعاف خطواتها، حاولت إبعاد كفه الغليظ عن ذراعها وهي تقول برجاءٍ:
- ظافر أسمعني!!!!!
لم تشعر سوى بظهرها يرتطم بالحائط خلفها لتغمض عيناها تتأهب لصراخه بوجهها، وبالفعل وجدت ملامحه تصبح أكثر قسوة وجمود، ألتفت بوجهه ليتأكد أن لا أحد من عائلته ينتبه لهما، ليعود ملتفتاً لها مضيقاً عيناه يرمقها بنظرات كالصقر، ناهيك عن أظافره التي أتخذت محلها في ذراعيها تنغرز بهما بقسوة تنبع من داخله لتطبق شفتيها للداخل تمنع تآوهاتها المكتومة بجوفها، أغمضت عيناها لا تريد رؤية ملامحه القاسية، فهي لا تريد أن تحفر ذكرى ملامحه وهي بتلك الحالة، لطالما أعتادت منه على نظراته الدفيئة ولمساته الحنونة، ولكن من يقف أمامها الأن لا يُمكن أن يكون من أحبته، عندما رآها تطبق جفنيها بقوة أزدادت تعابير وجهه قسوةً، قبض على فكها يهتف بنبرة جعلت أوصالها ترتعد أرتعاداً:
- بُصيلي و أنا بكلمك!!!!!
ظلت مغمضة عيناها تحرك رأسها سلباً، إزداد ضغطه على فكها بقوة مزمجراً:
- أفتحي عنيكي يا ملاذ!!!!!
فتحت حدقتيها المملوئتين بالعبرات، نظر حوله فوجدهم على حالهم مشغولون بمواساة "فريدة" و والدته، عاد ينظر لها يقول بصوتٍ غليظ:
- الغلطة غلطتي أني آمنتك على سر زي دة، كان لازم أعرف أنك متستاهليش أقولك على أي حاجة تخصني ولا تخص عيلتي!!!
صُدمت من كلماته التي غُرزت كالخنجر السام في صدرها، لتنظر لعيناه الزيتونية ولسانها عُقد لا تستطيع التحدث، فهيبته يقف أمامها رجالٍ ونساء يرتعدون خوفاً، عيناه الحادة تجعل من لا يهاب شئ ينتفض رعباً، أبتلعت غصة بحلقها، إزدردت ريقها ثانيةً تنظفه لتقول بنبرة خاوية:
- قبل مـ تتكلم أسمعني الأول، دة جوزها وكان لازم تعرف، ومسيرها كانت هتعرف لما ييجي ع المستشفى والدكاترة يقولولها حالته!!!!
نظر لها بصرامة شديدة، نظرة أخرستها، ثم رفع سبابته في وجهها يجأر بقسوة:
- أخر مرة هأمنك على سر يخصني!!!!!
ألتفت ليذهب مبتعداً عنها، تاركاً عيناها تهدر بالدموع لتجلس على أقرب مقعد بعيداً عن مرمى عيناهم، أستندت برأسها على الحائط مغمضة عيناها بوهنٍ..
أقتربت "ملك" من "جواد" لتقف أمامه وجسدها ينتفض من البكاء، سرعان ما أخذها بين ذراعيه مقبلاً جبينها يردف برفق:
- هيبقى كويس والله، مازن مش بيستسلم بسهولة، وبعدين ظافر قال أنه مافيهوش حاجة!!!
حاوطت خصرها لترفع رأسها له بعيناها الغائرتان بالدموع قائلة:
- أنا خايفة عليه أوي!!!!
مال بثغره مقبلاً عيناها ليردف بحنو:
- متخافيش طول مـ أنا جنبك!!!!
أبتسمت بعذوبة لتحتضنه بقوة تستمد قوتها منه، أبتعدت عنه بعد عناق دام دقائق لتجلس على المقعد جوار "فريدة" التي ربتت على كتفيها بعطف..
• • • •
نهض "باسل" سريعاً بعد أن أخبره "ظافر" بوجود أخيه بالمشفى، ليتجه لغرفته ثم أنار الأضواء، و فتح الخزانة ليأخذ قميص لم يدقق به وبنطال لم يعلم لونه حتى، أرتداهما على عجلة ثم كاد أن يخرج من الغرفة لولا صوت "رهف" الناعس:
- في أيه؟!!
ألتفت لها "باسل" ثم أتجه نحوها ليميل على الفراش قائلاً و هو يحاوط وجنتها اليمنى:
- حبيبتي نامي أنتِ مافيش حاجة!!!
بعثرتها دفئ كفه على ملمس بشرتها، ولكنها عادت تقول بصوت متوتر وهي تلاحظ نظراته التائهة:
- طيب هو في حاجة؟!!!
أجابها "باسل" بصوتٍ هادئ رُغم النيران المشتعلة داخله:
- مازن تعب ودخل المستشفى!!!!
صُدمت "رهف" مما قاله، لتُبعد الغطاء عنها قائلة سريعاً:
- طب أستنى أنا هاجي معاك..!!
نفى سريعاً و هو يُردف:
- لاء خليكي انا مش هتأخر!!!
نهضت "رهف" تقف أمامه لتقول برجاء:
- عشان خاطري حتى أبقى جنب فريدة وماما رقية وملك..!!
صمت قليلاً ثم أومأ لها قائلاً بعجلة:
- طيب بسرعة و انا هستناكي في العربية تحت..!!
• • • •
وصلا للمشفى ليتقدم "باسل" من "ظافر" الواقف بثباتٍ ليس بحديث عليه، بيننا ذهبت "رهف" نحو "فريدة" لتجلس معها، أردف "باسل" يقول بخفوت:
- عرفوا؟!!
- فريدة بس!!!
هتف بجدية، ليومأ الأخير مكتفاً ذراعيه، ذهب ليجلس على أحد المقاعد مستنداً برأسه على ظهر المقعد، يشعر بأنه ضال لا يعلم طريقه، زفر مختنقاً ليشعر بحركة جواره، وجد "رقية" تقترب منه بخجلٍ، أعتدل في جلسته لينظر لها بترقب، جلست والدته جواره ثم ضمت كفيه براحتيها المجعدة تقول برجاء:
- سامحني يابني، انا عارفة اني غلطت غلط واعر لما خبيت عليك مكان مرتك، بس صدجني دة كان لمصلحتكوا، انا مش هعيش جد اللي عيشته يا ضنايا، عايزة اغادركوا وجلبي مرتاح يا باسل!!!
أنتفض باسل من محله من حديثها عن الموت أمامه، ليضمها لصدره قائلاً بحنو:
- ألف بعد الشر عليكي يا ست الكل أحنا منقدرش نعيش من غيرك متقوليش كدا، وبعدين صدقيني أنا مش زعلان منك أبداً، ربنا يخليكي لينا
ضمته لها وهي تبكي بحرقة على أبنائها، فهم عانوا الكثير منذ نعومة أظافرهم!!!
• • • •
لم تحتمل "فريدة" الضغط على أعصابها، فالأجواء حولها كئيبة، لا تسمع سوى صوت بكاء، ولا ترى سوى أعيُن ممتلئة بالعبرات، شُحب وجهها، زاغت أنظارها و أرتخت ذراعيها من فوق الزجاج ولم تشعر سوى بإرتطامها بالأرضية بقوة، وصرخات قلِقة حولها!!!!
وُضعت "فريدة" في غرفة بالمشفى بالقرب منه، بعد أن أخبرهم الطبيب بأنها فقدت الوعي لشدة الضغط عليها، و أمر أن تبقي وحدها لكي تهدأ..!!!
فتحت عيناها ببطئٍ لتقابل أنظارها بجدران بيضاء جعلت الضيق يدلف لقلبها، و سرعان ما أنتفضت بجسدها فوق الفراش و علت أنفاسها بشدة عندما وجدت "مازن" ليس بقربها، وضعت أقدامها على الأرضية الباردة ثم فتحت الباب لتجد كلاً من "رهف" و "ملاذ" بجانب "ملك" يمنعوها من الخروج، حاولت "فريدة" مقاومتهمن حتى تستطيع الوصول له تردد جملة واحدة "أبعدوا عني" ، ولكن لم تسطتيع، أرتدت خطوة للخلف جاحظة المقلتين، لتغمغم بصوتٍ خافت:
- أنتوا مش عايزني أروحله عشان هو حصله حاجة صح؟!!!
نفت "ملاذ" وكادت أن تتكلم، ولكن وجدت صوت "رقية" يصدح:
- مازن .. مازن فاج (فاق)!!!
شُلت أطرافها لوهلة، بل عجزت خلايا جسدها عن الإستجابة، شعرت وكأن قلبها توقف عن النبض، لتعود مندفعة نحو غرفته هرولةً، دلفت هي الأولى لغرفته لتجد عيناه مفتوحتان ينظر نحوها، ركضت نحوه بقوة لتدفع بجزعها العلوي نحو صدره تحتضنه وهي تحاوط عنقه بقوة، حاوطها هو بذراعٍ يُخفي ألم قلبه، فوجدها تنفجر في بكاء عنيف لتبتعد عنه محاوطة وجنتيه بكفيها قائلة بكلمات مبعثرة تظهر بها نشيج بكاء:
- حبيبي .. أنت كويس دلوقتي؟!!!
جذبها "مازن" لأحضانه بقوة ليربت على ظهرها مقبلاً جبينها ولم يتحدث، فهو بالتأكيد سيكون بخير أن كانت هي بأحضانه وإن كانت فترة مؤقتة، أبتعدت عنه "فريدة" لتمسد على خصلاته قائلة بحزن شديد:
- أنا أسفة أنا السبب أنا اللي سيبتك ومشيت ومخدتش بالي أنك تعبان، لو كنت جنبك مكنش حصل دة كله!!!!
أمسك بكفها ليُطبع قبلة عميقة عليه، ليلتفت ينظر إلى والدته التي أقتربت منهما لتقول بحنو أموي:
- أنت بخير يا ضنايا؟!!
هتف "مازن" بصوتِ مبحوح:
- متقلقيش يا أمي أنا كويس!!!!
أتجهت له "ملك" ببكاءٍ كالطفلة:
- كدا تقلقنا عليك؟!!
أبتسم بها بحنان ليفتح ذراعه الأخر لها لتسرع هي بإحتضانه ثم أنهارت باكية، ربت على ظهرها يقول برفق:
- أهدي يا ملك أنا لسة ماموتش!!!
نظرت له "فريدة" بغضب لتتساقط دمعاتها هادرة كالأمطار، أبتعدت عنه "ملك" بعد أن طبعت قبلة على وجنته وسط أنظار "جواد" التي كانت كالنيران ستأكل الأخضر واليابس، رفع رأسه لوالدته التي أقتربت منه أيضاً تحتضن رأسه برفق، قبّل كفها ليلتفت إلى "ظافر" الذي هتف بهدوء:
- ها يا حاجة أطمنتي عليه خلاص؟!!!
أردف "باسل" هو الأخر بمزاح:
- تعالي بقا يا أمي عشان منبقاش عازول بين الراجل ومراته!!!!
أومأت "رقية" ليخرجوا جميعاً من الغرفة بعد أن أغلق "باسل" الستار فوق الزجاج، أبتعدت عنه "فريدة" لتعتدل في وقتها ثم مسحت دمعاتها لتنظر له بعيناها الحمراء لتردف:
- أنا مش عايزة أضغط صدرك عشان أنت لسة تعبان!!!
زحف هو ببطئ لآخر الفراش لتبقى مساحة ليست صغيرة لها، ثم ربت على الفراش قائلاً بلُطف:
- تعالي هنا..
توسعت عيناها لتنظر حولها قائلة بتوتر:
- ليه؟!! مازن أحنا في المستشفى!!!!
أطلق "مازن" ضحكة رجولية جعلته يسعل بشدة، ف أنتفضت هي تهرع لتسكب له ماء من الأبريق الموضوه فوق الكومود، جلست جواره ثم عدّلت وضعيت رأسه لتجعله يرتشف منها، نظر هو لها بعد أن توقف عن السعال قائلاً بخبث:
- حبيبتي أحنا هنّام بس مش هنعمل حاجة لا سمح الله انتِ اللي دماغك شمال، بس لو كدا أنا معنديش مانع!!!!
ضيّقت عيناها لتضرب كفاً بآخر بقلة حيلة، أستلقت جواره وجهها مقابل وجهه، وضع هو ذراع أسفل رأسها والأخر تولى مهمة تقلص المسافة بينهما، حدق بوجهها بنظرات حانية، وفور رؤية "فريدة" عيناه أجهشت في بكاء شديد ليبتسم هو محاوطاً رأسها إلى صدره قائلاً بمزاح:
- بعد كدا هناديكي فريدة أم دمعة!!!!!
توقفت عن البكاء لتبتسم وسط بكائها وهي ترفع عيناها له، ثم طبعت شفتيها على ذقنه لتردف بنبرة حزينه:
- م أنت متعرفش أيه اللي حصلي أول م ملاذ قالتلي أن عندك القلب ولا كمان لما البواب قالي أنك تعبت وجابوك على هنا، والله يا مازن حسيت أن الأرض بتدور بيا وأن حياتي وقفت خلاص!!!
لم يكن يتابع حديثها اذي لم يسمع بالأساس، بل كانت عيناه تتركز فوق شفتيها ، وبدون وعيٍ منه سقط بشفتيه لشفتيها المرتجفة، ليُقبلها بمزيج من الشوق والرغبة، فـ هو قد فعل الكثير من أجل تلك اللحظة، لكي تكن معه برغبتها دون إرغامها على شئ، أستسلمت "فريدة" لرقة لمساته دون أن تحاول إبعاده، فصل هو القبلة وأخذ ينظر لعيناها البريئتان ووجنتيها التي تضخ بالحرارة مما جعلها حمراء، أبتسم بخفة ليطبع قبلة على وجنتيها اليمنى، ثم أنتقل إلى اليُسرى بروية، أرتفعت أنامله لصفحات وجهها الناعم يتلمس وجنتيها بنظرات عاشقة، اغمضت عيناها متنهدة برقة لتظهر أسنانه المتلألأة في أبتسامة خفيفة متمتماً بصوت أجش:
- لا والله!!!!
فتحت عيناها بفزع لتدخل في نوبة ضحك خافتة ثم حاوطت عنقه بذراعيها بينما يستند هو بكلتا كفيه على الفراش جوار خصرها، لتغمغم هي بغنج قائلة:
- يرضيك الدكتور ييجي ويشوفنا كدا وياخدنا ع القسم دي!!!!!
ضحك ملء شدقيه ليردف:
- انتِ مصيبة!!! محدش يقكر يدخل هنا غير بإذني، وبعدين هو أيه اللي هيجيبه دلوقتي!!!
رفعت كتفيها قائلة ببساطة:
- عشان تعمل العملية مثلاً!!!!
تخشبت صفحات وجهه ليبتعد بوجهه عنها بحنق، فنظرت هي له بتساؤل قائلة:
- في أيه؟!!
أعتدلت في جلستها مثلما فعل هو المِثل، تغيرت ملامح وجهه كلياً لينظر لها ثم نظر لها بجفاء، قائلاً بجمود شديد:
- مش هعمل عمليات!!!!
أعتلت الصدمة وجهها، لم تستوعب حتى ما تفوه به من حماقة، نهضت واثبة وبالكاد تستطيع قدميها حملها لتتمتم بصعوق:
- نعم؟!! أنت قولت أيه؟!!!!
- زي مـ سمعتي!!!!!
هتف بنبرة خالية من الحياة لينهض من فوق الفراش و عيناه لا تبشر خيراً، أخذ قميصه ثم أرتداه بحذرٍ، ألتفتت له "فريدة" غير مصدقة أفعاله، ولكن عندما رأت ذلك الجمود بعيناه قادتها قدميها له فوقفت أمامه ثم قبضت على قميصه مقربة إياه وهي تقول بحدة:
- أنت أيه اللي بتقوله ده، يعني أيه مش هتعمل العملية!!!!
أبعد كفيها عن قميصه ليتركها مبتعداً، أشتعلت عيناها غضباً لتلتفت له صارخة:
- أستنى!!!!
أتجهت نحوه لتردف بغضب حقيقي:
- لو سمحت لما ابقى بكلمك تُقف وتسمعني!!!!
رفع أحد حاجبيه لها بسُخرية، ليُكتف ذراعيه يتذكر عندما كان يصرخ بها غضباً عندما تتركه وتذهب و هو يتحدث معها، نظر لها وهي تقترب منه لتقول بصوتٍ عالٍ
- ليه بتعمل معايا كدا!!! مش كفاية خبيت عليا أنك تعبان وكمان مش عايز تعمل العملية!!! أنت أيه يا أخي معندكش دم!!!!
توحشت ملامحه ليقبض على رسغها ليجذبها نحوه بقسوة قائلاً بنبرة مخيفة:
- لما تتكلمي معايا صوتك يوطى ولسانك يتعدل بدل مـ أقطعهولك!!!
حاولت إبعاد ذراعها عن قبضته الأشبه بالفولاذ ولكن لم تستطيع، نظرت له بنظرات خذلان ستظل في ذاكرته طيلة حياته، ولأنه لا يريد أن يضعف أمام عيناها أبتعد عنها ليُوليها ظهره، نظرت "فريدة" لذراعها الذي أصبح شديد الاحمرار، أتجهت نحو الفراش لتجلس عليه، تعالت أنفاسها تقاوم رغبة في البكاء، لتمتم بصوتٍ خافت:
- أنت عُمرك مـ حبتني!!!
ألتفت لها "مازن" بدهشة، ليعود مرتدياً قناع البرود على وجهه، لتُكمل وهي تنظر له:
- طول عمرك بتهرب من مسؤلياتك، أنت أساساً مهمل ومعندكش أحساس بحد، دايماً كنت بقولك أنك أناني مش بيهمك غير نفسك ميفرقش معاك أي حاجة تانية حتى أنا مش فارقة معاك، عايز تسيبني وتمشي بعد كل دة؟!! أنا عملت معاك أيه عشان تعاقبني بالمنظر دة!!!!
وسط حديثها الباكي نهضت تقترب منه وصوتها يعلو شيئاً فـ شيئاً، قطع هو المسافة بينهما ليقترب منها يحاول تهدأتها واضعاً كفيه على وجنتيها لتنفض هي ذراعه بعيداً عنها صارخة:
- أبعد عني متلمسنيش، أنا تعبت وزهقت خلاص، قرفت من كل حاجة، أنا أبويا سابني وماما قبله سابتني ومشيت.. حتى أنت كمان عايز تمشي، للدرجة دي أنا وحشة و محدش عايز يبقى معايا؟!! حتى الشخص الوحيد اللي حبيته في الدنيا دي أكتشفت أن أنا اصلاً مش فارقة معاه!!!!
جذبها لأحضانه سريعاً مربتاً على خصلاتها ليقول:
- فريدة أنتِ أغلى وأحسن حاجة حصلتلي في حياتي، أنا مش فارق معايا حد غيرك، بس تقدري تقوليلي أنا عملت أيه حلو في حياتي عشان أفضل عايش؟!! طول عمري كنت الأبن اللي ملهوش لازمة في العيلة، أبويا عمره مـ حبني و أمي كانت شايفاني حِمل عليها من المصايب اللي كنت بعملها، حتى لما أتجوزتك عاملتك معاملة محدش يستحملها ورغم كدا حبتيني، مكنش ينفع تحبيني اوي كدا، عشان لما أموت تتعودي على غيابي ومتتعبيش!!!!!
أبتعدت عنه بصدمة، لتشهق باكية وهي تقول وسط أنتفاضة جسدها:
- أنت بتقول أيه!!!! أنا حقيقي مش قادرة أفهم كلامك، مش ذنبي أني حبيتك زيادة عن اللزوم، و عشان كدا مينفعش تسيبني يا مازن، أنت لو حصلك حاجة والله العظيم هعمل في نفسي حاجة ويزيد بقا يعيش لوحده، يا مازن، أنا ماليش غيرك في الدنيا دي كلهم بِعدوا عني، لما كنت بعيد عني كنت حاسة أني يتيمة حقيقي، عارف أنا بابا لما سابني مزعلتش كدا، بس أنت لما سيبتني كأنك خدت روحي ومشيت، أنا ويزيد هنبقى لوحدنا في الدنيا مالناش حد، أنت عارف الاف الناس بيموتوا بالمرض دة عشان مش بيبقوا قادرين يدفعوا تكاليف العملية، لكن أنت معاك فلوس ومش عايز تنقذ نفسك!!!! ليه بتعمل معايا كدا؟!!!
↚
أنثنى عليها يُقبل جبينها ممسداً على خصلاتها برفق لتحاوط هي خصره تغمغم في بكاء:
- متسبنيش لوحدي يامازن ، انا مش عايزة أرجع يتيمة تاني بالله عليك!!!!
أغمض عيناه و هو لازال يعانقها، بكائها الخافت يمزق قلبه، أبعد ذقنه عن خصلاتها ليرفع وجهها لها بكفه الأيمن مربتاً على إحدى وجنتيها و هو يمسح دمعاتها قائلاً برفق:
- أهدي و أنا هعملك اللي أنتِ عايزاه!!!
مسحت دمعاتها من مقلتيها وأهدابها لتقول بشفاه مرتجفة ونبرة أهتزت لهفةٍ:
- أنا مش عايزة حاجة غير انك تعمل العملية وتبقى كويس!!!!
أبتسم يومأ برأسه لتجحظ عيناها بصدمة، ودون مقدمات رفعت ذراعيها تحاوط عنقه بسعادة شديدة، لم تعُد قدميها تلمس الأرضية أسفلها ليحاوط هو خصرها حتى لا تسقط يضحك بقوة على أفعالها الطفولية، ولكن فجأة أنكمشت مللمحه ألماً لتتبدل الأبتسامة بوجوم مُربك، أسند قدميها على الأرضية و هو يشعر بالدماء تنسحب من جسده رويداً، أستند على الفراش واضعاً كفه على قلبه، أثنت رأسها نحوه تصع ذراعها على كتفه وبنبرة قلقة هتفت:
- حبيبي.. أنت كويس، حاسس بأيه!!!!
أسندته ليجلس على الفراش برفق وفي ذات الوقت دلفت الممرضة بعد أن طرقت الباب لتخبرهم بضرورة إجراء العملية الجراحية، وعندما رأت حالته أبعدت "فريدة" عنه بلطف لكي يستطيع التنفس بحرية، طلبت من الطبيب المجئ لتتجمهر العائلة خوفاً عليه..
اخبرهم الطبيب بنبرة حادة يشوبها التوتر:
- مازن بيه لازم يعمل العملية حالاً حالته بتسوء في كل ثانية بتعدي!!!!
صُعق الجميع لتهتف "رقية" بدهشة:
- عملية أيه يا وِلد!!!!
أغمض "ظافر" عيناه يلعن حماقة زوجته، ليلتفت إليها يطالعها بنظرات تشُع نيران، لينظر الطبيب إلى "رقية" قائلاً بنبرة مستفهمة:
- حضرتك متعرفيش أنه عنده القلب؟!!!
لطمت "رقية" على صدرها بصدمة لتتساقط العبرات من عيناها زخات، ركضت نحوه لتجلس جواره تجذب رأسه إلى أحضانها تمسد على خصلاته الناعمة، ربت بدوره على ظهرها يُطمئنها بشتى الكلمات، بينما أرتدت "ملك" للخلف جوار زوجها، عيناها جاحظة ولسانها رُبط، سرعان ما أخذها "جواد" بين ذراعيه لتنظر هي له ثم أعادت النظر لأخيها الذي فتح ذراعه الأيمن بإبتسامة حنونة، تركت "ملك" زوجها لتركض ناحيته ثم جلست جواره، أحاطها هو بذراعه مقبلاً خصلاتها يهدهدها بصوته الدافئ، نظرت لهم "فريدة" بحزن لينظر هو لها بنظراتٍ ذات مغزى، وكأنه يُخبرها أن لا داعي للقلق، أبتسمت له وسط دمعاتها ثم جلست بالقرب منهم، لتهتف "رقية" ببكاء:
- ليه مجولتليش يا ضنايا، ليه تحرج "تحرق"جلب أمك عليك!!!!
نظر لهم الطبيب بعطف ليردف برفق:
- متقلقيش يا رقية هانم هيعمل العمليه وهيرجع لطبيعته، أنا بس بستأذنكم تتفضلوا لأن التأخير في إجراء العمليه هيرجع عليه هو بالسوء!!!
وبالفعل وُضع "مازن" على الفراش المتنقل ودلف لغرفة العناية، جلسوا جميعاً على المقاعد و قلوبهم تخفق رعباً، عدا "ملاذ" التي ظلت واثبة بعيداً عن "ظافر"، فهي تعلم أنه يتحكم بأعصابه بصعوبة، يبقى ثابتاً ظاهرياً وداخله ينهار، لم يمنعها خوفها أن تقترب منه، نظرت لذراعيه اللذان عُقدا أمام صدره، رأسه الثابته وعيناه ترتكز في نقطةٍ ما لا تهتز، جلست جواره و أوصالها ترتعد، نظر هو لها بطرف عيناه بنظرة لم تلاحظها، عاد محدجاً أمامه لتلتفت هي له بإندفاع قائلة بعينان لامعتان بالعبرات وبصوت خافت لا يسمعه سواهما:
- انا عارفة اني غلطانة ف اللي عملته، بس تعالى كدا نفكر لو مكنتش فريدة عرفت مني كانت هتعرف من مدير المستشفى لما يكلمك ويقول انه في المستشفى، كنت هتيجي لوحدك يا ظافر و طنط رقية مكنتش هتبقى عارفة ولا مراته اللي ليها حق انها تعرف جوزها ماله فكر شوية..!!!!!
قاطعها بقبضة قوية للغاية على رسغها غارزاً أظافره بها، نظر لها بعينان لو كان لها أثر فيزيائي لكانت سقطت جثة هامدة في الحال، لتبادله نظرات مصدومة وهي تنظر لكفه الغليظ، حاولت سحب ذراعها ليتركها هو و قد تقلصت ملامحه شزراً، نهضت هي سريعاً لتنهمر الدمعات من عيناها، سارت في الممر بعجاله ثم وقفت أمام المصعد، ألقت نظرة أخيره عليه فوجدته ينظر نحوها بتحذير، لم تبالي به لتدلف المصعد ثم ضغطت على الطابق الأرضي، وصلت إلى الطابق لتترجل ثم ذهبت لتجلس على أحد المقاعد المتراصة بنظام، أسندت ذقنها على كفها تزفر بإختناق، نظرت جوارها لتجد فتى صغير يتراوح عمره ما بين الأربع أو الخمس سنوات، كان ينظر نحوها مبتسماً ببراءة، نظرت حولها لعلها تجد أبيه أو أمه ولكن الكل منشغلاً معاً فبدى أنه لا ينتمي لأياً منهم، أقتربت منه لترفع أناملها تمسد على خصلاته قائلة برفق:
- فين بابا وماما ياحبيبي؟!!
أبتسم لها ببراءة قائلاً:
- بابي جاي دلوقتي..!!!
أومأت هي بإرتياح لتحاوط كتفه الصغير بذراعها قائلة بحماسٍ:
- وانت أسمك ايه بقا؟!!!
ردد هو بتلقائية:
- أسمي عمر، وبابي أسمه ريان الجندي!!!!!
وقع الأسم على أذنها كالصاعقة، لتنتفض واقفة تقول بهلعٍ:
- ريان الجندي!!!!
أومأ الطفل بإستغراب لصدمتها، لتقع عيناه على أبيه الذي أتجه نحوهم فنهض راكضاً نحوه فرِحاً:
- بـــابــي
سقط قلبها صريعاً أسفل أقدامها، لم تود الألتفات ولكن صوته الأجش الذي هتف بصدمة هو الأخر:
- ملاذ!!!!!!
ألتفتت له بعينان برقتا بالدموع، لتتحول ملامحه إلى ساخرة و هو يقول:
- أيه؟!!! أفتكرتيني؟!!! أومال أزاي مفتكرتينيش لما كنتي معايا في الأسانسير!!!!
أرتخت أطرافها تبلُداً لترتعش شفتيها ألماً، كادت أن تتحدث لولا أسمها الذي صدح بالمشفى جعل من بها يلتفتوا حولهم بغرابة، تمنت لو إن تبتلعها الأرضية أسفلها عدا أن تلتفت له، ولكن صوت خطواته الغاضبة والتي باتت تحفظها جعلتها تلتفت في وجه المدفع، لم تشعر سوى بأنه يسحبها خلفه بقسوة بالغة، حاولت أن تهدأه ولكنه كان كالإعصار الذي سيودي بكل شيئ يقف في طريقة، أخذها إلى أحد غرف المشفى الفارغة ليدفعها بعنف ثم رفع سبابته في وجها وبنبرة أصتك بها على أسنانه:
- كنتي بتعملي أيه مع ريان برا، ردي!!!!!!!
صرخ في أخر جملته لتنهض هي ببرودٍ قائلة:
- كان بيسألني مازن في أنهي دور عشان يطلع ويبقى معاك.. مش هو بيشتغل معاك ومن واجبه ييجي يشوف أخوك!!!!
نظر لها والنيران تندلع من عيناه، رُغم الشك الي أعتلى ملامحه ولكنه قال بنبرة تحذيرية:
- حسابنا في البيت!!!!
خرج من الغرفة فوجده جالس على المقعد وعيناه شاردة أمامه، ذهب نحوه يحاول أن يرسم أبتسامة صفراء على ثغره، ليقف أمامه فأنتصب هو واقفاً و هو يقول بنبرة هادئة:
- أتمنى ميكونش حصل سوء تفاهم يا ظافر بيه!!!!
نفى هو قائلاً و هو يمد كفه له:
- متشكر يا ريان انك جيت!!!
صافحه "ريان" بإبتسامة متكلفه، و هو يقول:
- دة واجبي يا باشا، طمني مازن بيه كويس؟!!!
- مازن في العمليات، أدعيله.
- ربنا يشفيه ويقوم بالسلامة...
رفع الصغير رأسه ليتمسك ببنطال "ظافر" و هو يقول بسخط طفولي:
- أنت بتزعق مع طنط ليه يا عمو!!!
سقط "ظافر" لمستواه ليهتف و هو يعبث بخصلاته:
- عشان أنا شرير!!!!
قلب الصغير شفتيه للداخل و هو يقول:
- ايوا..!!!
ابتسم له "ظافر" ليشير على أحد الغرف قائلاً:
- روح الأوضة دي هتلاقي طنط هناك، صالحها وهاتها وتعالى..!!!
أومأ الصغير بسعادة ليركض نحو الغرفة المنشودة..
• • • •
جلست "ملاذ" واضعة كفها على قلبها لا تستطيع التحكم بضرباته، سمعت صوت طرقات على الباب تليها دخول "عمر"، زالت "ملاذ" دمعاتها لتبتسم له، ركض هو نحوها قائلاً و هو يمسك كفها بكلتا راحتيه الصغيرتان:
- يلا يا طنط قومي ومتعيطيش، عمو قالي أصالحك وتيجي معايا..!!!
حملته "ملاذ" لتجعله يجلس جوارها، أمسكت بكفيه لتغمغم بتأنٍ:
- حاضر هاجي معاك، بس قولي الأول مامي فين مشوفتهاش يعني!!!
رفع الصغير كتفيه قائلاً:
- مامي في البيت..
أغمضت "ملاذ" عيناها تحمد خالقها فهي لم تمت كما ظنت، إذاً انه لن يعبث خلفها ويسرد لزوجها شئ تعلق بالماضي..
• • • •
جلست "ملك" على المقعد زوجها على يمينها ووالدتها على يسارها، حاولت جاهدة أن تخفف عنها وتخبرها أن سيصبح بخير ولكن لم تستطيع كلماتها ان تخمد النيران المندلعة داخلها، فألق برأسها على "جواد" الذي أخذ يهمس في أذنها أنه جوارها، وأخيها أيضاً سيكُن بخير..
بعد ساعتين..
جلس "باسل" على أحد الامقاعد يحنى جزعه العلوي للأمام، شعر بمن يجلس جواره ليرفع رأسه فوجدها تبتسم له وعيناها تفيض شفقةٍ على حاله، أبتسم بإبتسامة لم تصل لعيناه فقط حتى يطمئنها، ثم عاد بظهره للخلف يسند رأسه على الحائط خلفهر ، نظرت لكفه لتمد أناملها المرتعشة لكي تتلمسه، ترددت كثيراً ولكنها قبضت على كفه بكلتا كفيها معاً، فتح عيناه بصدمة وهو ينظر لراحتيها بنظرات غير مصدقة توسعت عيناه وهو ينظر لها بصدمة، بادلته بإبتسامة رقيقة مطمئنة، تخبره بعيناها أن كل شئ سيصيح بخير، و سريعاً ما أخذ كفيها بين كفيه ليُقبلهما برقة ينظر لها بنظرات مُغرمة، نظرت لكفيه الذان أبتلعتا كفيها و ذقنه المستند عليهما، ترك يداها ليحاوط وجنتيها يقرب وجهها له، طبع قبلة طويلة مشتاقة على جبينها ثم أسند رأسها على كتفه مربتاً على ظهرها بحنان بالغ..
ذهب "عمر" مع أبيه بعد أن ودعهم يدعو إلى "مازن" أن تعود حالته لطبيعتها، اتجه "ظافر" إلى "باسل" الذي نهض قائلاً بإرهاق:
- في حاجة يا ظافر؟!!
- باسل خُد مراتك وأمي و الباقي وروحهم و أرتاح في البيت أنت كمان وأنا هفضل هنا!!
هتف "ظافر" بنبرة آمرة كعادته، ليتمتم "باسل" بضيق و هو ينظر للعائلة:
- مش هيوافقوا يا ظافر، أنت عارف امي عنيدة ازاي ومش هتتحرك غير لما تطمن عليه!!!!
- مسمعتش الدكتور وهو بيقول ان العملية هتاخد وقت؟!
هتف "ظافر" بإنفعال، فثُبتت تعابير وجه الأخير قائلاً:
- عارف، بس محدش فيهم هيوافق يمشي، وانا بقول نستنى لحد مـ يفوق!!!
مر ساعة، أثنتان، إلى أن وصلت لأربع ساعات يجلسون على جمرٍ مشتعل قلوبهم تخفق بحدة، ظلت "فريدة" على حالها تدعو لله أن ينهض زوجها بسلام، بينما رقية تضرع لخالقها على سجادة الصلاة أن يصبح فلذة كبدها بخير، لمح "ظافر" الطبيب يخرج ليركض نحوه قائلاً:
- مازن كويس..!!!
ركضت أفراد العائلة له ليمسح الطبيب حبات العرق من فوق جبينه و الحزن يعلو صفحات وجهه!!!!!
ألتفت الجميع حول الطبيب الذي أخذ ينظر لهم بنظرات لا تبشر بالخير، نظف حلقه ثم تمتم بصوتٍ هادء:
- العملية نجحت الحمدلله، بس آآآ..!!!!!!
سارت قشعريرة بجسدها عندما وجدته يصمت ناكساً رأسه للأسفل لتردف بصوتٍ مهزوز:
- بس أيه يا دكتور، مازن ماله؟!!!
نفذ صبره لينقض "ظافر" قابضاً على تلابيبه صارخاً بعنف :
- مـ تنطق!!!!
أرتعب الطبيب ليضع كفيه على "ظافر" يحاول إبعاده قائلاً بصوت خائف:
- مازن بيه دخل في غيبوبة، ومش عارفين ممكن يفوق منها امتى!!!!!!
ترك "ظافر" الطبيب وصوت البكاء المفاجئ من خلفه إنهمر على أذنيه، ركضت "فريدة" نحو النافذة الزجاجية فوجدته مستلقي هادئ ليس مثلما أعتادت عليه، أنهمرت في البكاء لتهرول نحو باب الغرفة فمنعها "ظافر" الذي أسرع قائلاً:
- فريدة أهدي مينفعش تدخلي!!!!
ألتقطتها "ملاذ" بين ذراعيها لتقبل خصلاتها قائلة بعطف:
- أهدي يا حبيبتي!!!!!
وضعت "رقية" يدها على قلبها تستند على أبنتها تطلق تآوهات متألمة، ركض "باسل" نحوها يقبض على خصرها واضعاً رأسها على قلبه، بينما صرخ "ظافر" في الطبيب يضرب بكفه الأيسر على الحائط:
- ورحمة أبويا أطربق المستشفى دي على دماغكوا لو حصله حاجة، هنسفكوا من على وش الأرض فاهم!!!!!
• • • •
دلف "ريان" لشقته حاملاً صغيره، وقفت زوجته في أستقباله أقل ما يُقال عنها بارعة الجمال، ذات أعين سوداء و بشرة بيضاء صافية، جوار خصلاتها التي تصل لرقبتها بلونها الأسود، أبتسمت لصغيرها الذي ما إن أنزله أبيه حتى ركض في أحضان والدته، فتحت ذراعيها له لتقبل وجنته و هي تقول بصوتٍ رقيق:
- يلا يا حبيبي عشان تتعشى وتنام..
أومأ الصغير برضى ثم ركض لغرفته، أعتدلت "هنا" في وقفتها لتقترب منه قائلة بحنو:
- ريان أيه اللي حصل معاك؟!!!
كان ينظر لها ببرود، نزع بذلته ليلقي بها على المقعد، ثم ذهب تجاه الغرفة دون أن يعيرها اي أهتمام، مرّ من أمامها لتبرق هي عيناها بالدموع، أنتفض جسدها لصوت الباب الذي أُغلق بقسوة، لتنظر خلفها متنهدة بألمٍ، سارت خطوات وئيدة لتقف أمام الباب، طرقت على الباب ثم دلفت ببطئ، وجدته يقف في شُرفة غرفته تحوطه هاله من دخان لُفافة التبغ القابعة بين أصبعيه السبابة و الإبهام، عيناه شاردة كما هي دائماً، فركت أصابعها بتوتر ثم أقربت منه ووقفت جواره في الشرفة تحاوط كتفيها لشدة البرودة، رفعت عيناها له ومالعادى بدى أنه حتى لم يشعر بوجودها، فلم تشعر بنفسها وصوت بكاءها يعلو في سكون الليل، ألتفت لها "ريان" مقطباً حاجبيه يهتف برفق:
- بتعيطي ليه؟!!!
نظرت له وجسدها ينتفض أثر شهقاتها، أسرع يحاوط كتفيها بذراعيه ليربت على ظهرها يستشعر جسدها المرتجف، أعتلت الدهشة ملامحه فتمتم بغرابة ووجهه قبالة وجهها:
- ليه دة كله يا هنا..!!!
نظرت له لتسأله بصوتٍ غلب عليه الحزن:
- ريان أنت مش بتحبني صح!!!!
رفع حاجبيه بصدمة، ف طيلة فترة زواجهم لم تسأله هذا السؤال قط، لأنها حتماً تعلم إجابته، ف "ريان الجندي" لم يُقدم قلبه على طبق من ذهب سوى لـ واحدة، لم ولن يعشق سواها، لم يخفق قلبه سوى لها، لم تلمع عيناه سوى لرؤيتها، ليكسو الجليد قلبه بعد أن تركته، وكأنه يقسم بأن لا توجد فتاه تتربع على عرشه سوى "ملاذ"، عندما تزوج بـ "هنا"لم يختارها لأنه أحبها، أو لأنه شعر بشعورٍ مختلف عندما رآها، هو تزوجها فقط لينتقم لكبريائه الذي دُعس عليه، وليرضي غروره بفتاة وقعت بعشقهُ مثلما وقع هو بعشق ملاذُه، سَخر من تقلبات الزمن ف "هنا" تذكره بنفسهُ عندما عشِق وليته لم يفعل، كان يتنازل لأقصى درجة مثلما تفعل هي معه الأن، ظلت "هنا" تطالعه بعيناها الكاحلتان تترجاه بتواصل بصري أن يكذب ويخبرها أنه يحُبها مثلما تفعل هي، تمنت لو أن بداخله القليل.. فقط القليل من المشاعر لها وهي سترضى بها، أنتظرت كثيراً حتى يتحدث، عيناها مُثبتة على عيناه التي نظرت في مكان بعيداً عن حدقتيها، ذراعيه أبتعدا عن خصرها ف صفعها هواء الشتاء على وجنتيها وكانه يُفيقها من أحلامها الوردية، سقطت عبراتها زحفاً على وجنتيها عندما أبتعد عنها تاركاً إياها تقف في منتصف الشرفة بحدقتي لامعتان بالعبرات الساخنة، ألتفتت بأنظارها لداخل الغرفة عندما سمعت باب المرحاض يُصفع مِن قِبله، وضعت كفها على قلبها تواسيه لتعلو شهقاتٍ حاولت أن تكتمها داخل جوفها بكفها الأخر، وسرعان ما دلفت خارج الغرفة حتى لا تتبعثر كرامتها أكثر عندما يسمع أنينها المتألم، توجهت لغرفة صغيرها وقبل أن تفتح الباب تأكدت من مسح دمعاتها و إزالة أي أثر يُظهر حزنها، فتحت باب الغرفة لتجد المُربية جالسة معه تُداعبه ويلعبا بالألعاب خاصته، ولكن ما إن راى الصغير والدته ركض نحوها لتحمله "هنا" بأحضانها تُقبل كل إنش بوجهه، نظرت لها المُربية _ذات العُمر الذي يُناهز اوائل الأربعينات _ بعطف شديد لتردف بتهذيب:
- عُمر غيرتله هدومة و حضرتله العشا، تؤمريني بحاجة تانية يا ست هانم؟!!!
نظرت لها "هنا" بإمتنان قائلة بإبتسامة خفيفة:
- انا بجد مش عارفة من غيرك كنت هعمل أيه، بس لو تبطلي هانم دي وتقوليلي هنا بس هنبسط اوي..
نظرت المربية أرضاً بخجل قائلة:
- يا هانم الناس مقامات، وبعدين انا اللي مش عارفة من غير طيبة حضرتك وريان باشا وكرمكم معايا كنت هعمل أيه، ربنا يعلم أنك بتفكريني بـ بنتي الله يرحمها كانت في نفس طيبة قلبك وبياضه كدا..
أنهت جملتها وهي تنظر لها تتأمل ملامحها بعينان دامعتان لتسرع "هنا"نحوها بعد أن جعلت "عمر" يقف أرضاً ثم وقفت بجانبها تمُد أناملها الرقيقة لتمسح دموعها من فوق وجنتيها المجعدة تردف بلهفة:
- وحياتي عندك متعيطيش، وبعدين هو أنا أطول يبقى عندي أم بالحنية دي!!!
شهقت الأخرى قائلة وهي تربت على كتفيها:
- دة انتِ تطولي ونص يابنتي ربنا يُجبر بخاطرك زي مـ بتجبري بخاطري كدا!!!
أحتضنتها "هنا" لكي تشعر بحنان الأم الذي فقدته، ف أحتضنتها الأخيرة بصدر رحب تمسد على خصلاتها بحنان، أبتعدا الأثنتان بعد وقتِ لتستأذن المُربية تذهب لشقتها القابعة أسفل شقتهم بعد أن أستأجرها لها "ريان"..
حملت "هنا" ولُدها ليستلقا على الفراش، فأستغرب الصغير يسأل ببراءة:
- هتنامي معايا يا مامي!!!!
أومأت "هنا" وهي تدثره بالغطاء المرتسم عليه أحد الأشخاص الكرتونية ثم وضعت رأسها على الوسادة لتفتح ذراعيها بمرحٍ قائلة :
- تعالى في حُضن مامي..!!
أرتمى "عمر" في أحضانها بسعادة غامرة فحاوطت جسده بأكمله بذراعيها، قبلت خصلاته تتمتم بحماس:
- بفكر أخُد مكان دادة نادية وانام جنبك بُكرة كمان!!!
صفق الصغير سريعاً بكفيه الصغيرتان ليشرأب بعنقه ثم طبع قبله على وجنتها فـ أمتلئت الغرفة بضحكاتهم السعيدة، وبعد قليل من الوقت غفى الصغير بأحضان والدته أما هي فلم يزور النوم جفنيها، فهي عندما لا تكُن جواره لا تستطيع النوم، أبتسمت ساخرة عندما ذكرها عقلها اليوم وهي تحتضن طفلها لمحت شبح غيرة بمقلتيه، ولكنها عادت تنفي أفكارها التى من صنع خيالها، تخبر قلبها الساذج أن الغيرة تُساوي حب، والحب لا يُساوي "ريان"، ظلت على حالها لا تستطيع النوم سوى بعد ثلاث ساعات وأخبراً أغمضت عيناها بنعاسٍ
• • • •
فتح الباب ببطىء حذِر ثم دلف ليغلقه خلفه، إبتسم بخفة عندما شاهد منظرهما الذي داعب حواس الأبوة داخله، وقف أمام الفراش جوار صغيره ثم أنثنى عليه ليمسح على خصلاته يليها قبلة فوق جبينه، لمست شفتيه جبهتها أيضاً لقربها من صغيره، أبتسم بحنان لينثنى عليها أكثر ليُلثم شفتيها المزمومتان بقبلة رقيقة للغاية جعلتها تُرفرف سعادةً وهي تظن أنها بإحدى أحلامها الوردية، أبعد "ريان" خصلة متمردة سقطت على وجهها يتأمله بروّية، ثم بعد وقتٍ ليس بقصير نهض وهو يدثرهم جيداً، أغلق الأنوار إلا من نور خافت حتى لا يرتعب "عمر" ثم أغلق الباب برفق خلفه..!!!!
• • • •
غفت "ملك" بأحضان زوجها كذلك "رقية" التي تمنع غلق عيناها بصعوبة، أتجه "ظافر" لها ليجلس جوارها ثم هتف بلين:
- قومي يا أمي باسل هيروحكوا ترتاحوا شوية!!!
نفت "رقية" بشدة قائلة لحزن:
- انا مش عتحرك من مُطرحي غير لما أخوك يبجى زين!!!
هتف "ظافر" بصرامة وأعصابه على وشك الإنفجار:
- يا أمي وجودكوا هنا مش هيفيدوه بحاجة، روحوا أرتاحوا و أول م الصبح يطلع باسل هيجيبك، بلاش عِند لو سمحتي!!!!
نظرت له والدته بخيبة أمل لتتنهد بحُرقة قائلة:
- بتعلي حِسك عليا يا ظافر؟ الله يسامحك يابني..خلاص أنا همشي زي مـ انت رايد والصبح هاچي...
شعر "ظافر" وكأن هناك كف ضخم أعتصر قلبه حتى نزف لآخر قطرة به، فسرعان ما أمسك بكف أمه ثم قبله عدة قبلات متتالية، ليُقبل رأسها أيضاً قائلاً بحنان بالغ:
- دة أنا صوتي يتقطع قبل م يعلى عليكي ياست الكل!!!
تابع قائلاً بهدوء:
- انا بس شايفكوا تعبتوا ف لازم تروحوا ترتاحوا وأي جديد انا هقولك على طول، وقولي لفريدة تروح معاكوا حتى عشان تشوف يزيد..
أومأت "رقية" ثم مسحت خصلاته برقة لتنهض ف أسرع "باسل" بالنهوض ليسبقهم لسيارته ممسك بكف "رهف" يرفض تركه، حاول "جواد" إفاقة "ملك" ولكنها كانت في سُبات عميق، فحملها بين ذراعيه وقبل ذهابة أكد على "ظافر" قائلاً بحسم:
- اول م الشمس تطلع هبقى هنا وتروح أنت وترتاح..
أوما "ظافر" ليذهب الأخير من أمامه، وبالفعل أقنعت الأم "فريدة" أن تذهب معهما بعد كثير من المجادلات، بينما "ملاذ" جالسة تنظر له بعطف فهي الوحيدة من تستطيع تمييز نظراته، والأن هي ترى شقاء وهمٍ لم تراه بعيونه من قبل، و قبل ذهاب "رقية" قالت إلى "ملاذ" بلطف:
- يلا يابتي تعالي معانا!!!
نهضت "ملاذ" قائلة برفضٍ تام:
- لاء يا ماما انا هفضل مع ظافر..!!!
رفع عيناه الباردة لها ليردف قائلاً بجفاء:
- أنا مش عايز حد معايا، روحي معاهم!!!!
رغم قسوة نبرته وكلماته، ولكنها أصرت أن تبقى معه مهما كلفها ذلك، بعد ذهابهما جلست "ملاذ" على المقعد تتأمله و هو واثباً أمام غرفة "مازن" يواليها ظهره، زفرت ببطئ تُربش أهدابها في محاولة بائسة لمقاومة النعاس الذي أكتنفها، ضمت ركبتبها إلى صدرها لتضع رأسها عليهما، لينتفض جسدها لصوته البارد عكس ما أعتادته من دفئ:
- هحجزلك أوضة هنا تنامي فيها، مينفعش نومتك دي..!!!
رفعت رأسها بدهشة فـ كيف رآها و هو يواليها ظهره، نظرت للزجاج فوجدت صورتها منعكسة، تراخت ملامحه تردف بصوتٍ نبع منه حنو شديد:
- لاء أنا مش هنام وأسيبك، أنا أصلاً مش نعسانة..!!!
ظل كما هو على حاله دون أن يرُد عليها، فـ بُهِت وجهها الذي أسندته على الحائط خلفها، وسُرعان ما أستسلمت للنوم دون قصد منها، ألتفت لها "ظافر" بإبتسامة ساخرة ليُقلد صوتها بخفوت:
- أنا أصلاً مش نعسانة!!!!
ذهب نحوها ليجلس متأملاً وجهها المزين بالحجاب، اندثرت ذراعه من أسفلها ثم حاوط كتفيها ليسند رأسها على كتفه، أقترب منها بثغره ليطبع قبلة صغيرة على عيناها..~
• • • •
دلفا الجميع للقصر ليذهب "جواد" إلى جناحهما حاملاً زوجته الغافية، كما فعلا "باسل" و "رهف"، بينما جلست " رقية" مع "فريدة" تحتضنتها في بهو القصر وهي تقرأ القرآن بصوتٍ رخيم..
وضعها على الفراش برفق ثم دلف للمرحاض ليُبدل ملابسه بأخرى أكثر راحةً مردتياً بنطال ثقيل باللون الأسود تعلوه كنزة سوداء ذات حمالات عريضة تلتصق بصدره،
أقترب من "ملك" ثم نزع الحجاب برفق حتى لا يزعجها في نومها، أطلق خصلاتها للعنان ليذهب للشرفة لكي يُدخن سجائره، مسح على وجهه بإرهاق فـ هو لن ينسى ذلك اليوم العصيب طيلة حياته!!!، ظل هكذا ما يُقارب الساعة، أسترق السمع لتآوهات خافتة تليها همهمات بصوتٍ باكي، إلتفت إلى "ملك" سريعاً ليجد رأسها تتحرك نفياً ووجهها غارق بالدمعات، ألقى بالسيجار ليركض نحوها منثنياً بجزعه العلوي عليها يمسح دمعاتها و هو ييقول بصوتٍ عال:
- ملك فوقي يا حبيبتي، مــاــك!!!!!
أنتفضت "ملك" لتفتح عيناها تشهق سريعاً كالغارقة، تشبثت بكنزته بقوة وهي تنظر حولها برعب:
- فين مازن، مازن فين يا جواد!!!!
تابعت بتوسل وعينان تشعان رجاء:
- عشان خاطري وديني عنده يا جواد!!!!
ضم رأسها لصدره لتحاوط هي خصره بكل ما أوتيت من قوة، جلس جوارها ثم حملها كالطفل بين ذراعيه المفتولين ليجلسها على قدمه، حاوطت عنقه بذراعيها تبكي بخفوت، ليبعد هو وجهها عن صدره ثم حاوطه بكفه والأخر حاوط به خصرها، قبّل جبينها برقه ثم مسح دمعاتها بأنامله لتنظر هي له برجاء قائلة:
- عايزة أروح لمازن!!!
هتف بحنان و هو يضُمها له أكثر:
- حاضر.. هتروحيله والله، بس دلوقتي أرتاحي ونامي ياحبيبتي ممكن؟!!
حاوطت عنقه بقوة قائلة بإرتعاب:
- خليك جنبي ياجواد متسيبنيش!!!!!
قرّب جسدها منه يمسد على ظهرها يردف بحنو:
- مستحيل أقدر أسيبك!!!!
• • • •
جلس "باسل" على أقرب أريكة وجدها منحنياً بجزعه العلوي يسند رأسه على كفيه، أشفقت عليه "رهف" لتجلس جواره تردف برقة:
- كل حاجة هتبقى كويسة إن شاء الله!!!
رفع رأسه لها ليبتسم بتكلفٍ يومأ برأسه لها، ثم نظر أمامه مضيقاً عيناه كالصقر، لتسترسل هي بلطف:
- أنا هنزل أجهزلك العشا..
همت بالنهوض لتجده يقبض على كفها و هو يقول بهدوء:
- مليش نفس يارهف..!!!!
نظرت له بحزن ثم ربتت على كفه قائلة:
- لازم تاكل يا باسل أنت مكلتش حاجة من أمبارح!!
- صدقيني والله مش قادر اكل، لو جعت هقولك ياحبيبتي!!!!!
هتف بملامح متقلصه، لتومأ هي بإستسلام، تركها ونهض ليدلف للغرفة ثم ألقى بجسده على الفراش مغمضاً عيناه، دلفت "رهف" وراءه ثم أخذت غطاء من الخزانه، أغلقت الأنوار ثم أتجهت للأريكة لتستلقى عليها، لم يمر دقيقة لتجد نفسها معلقه في الهواء، شهقت برعب لتتشبث بـ "باسل" قائلة بحدة:
- نزلني با باسل أنت أتجننت؟!!!!
هدر "باسل" بعنف و هو لازال يحملها:
- أخرسي يارهف!!!
ألقى بها على الفراش لتتآوه "رهف" بألم تحاوط معدتها بخوف، رفع سبابته في وجهها بحدة قائلاً:
- أعملي حسابك لو نمتي على الكنبة تاني هجيبك كل مرة بالطريقة دي، فـاهـمـة!!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع وهي تشعر بنغزات حادة في بطنها تتمنى أن لا يصيب جنينها مكروهاً، نظرت لها بحقد لتصرخ به قائلة:
- أنت غبي والله!!!!
رفع حاجبيه بدهشة لينثنى عليها قائلاً بنبرة تحذيرية:
- مسمعتش قولتي أيه؟!!!
نظرت له بحزن ثم أبعدت ذراعيها عن بطنها حتى لا يشك بالأمر، أستلقت على الفراش تواليه ظهرها مغمضة عيناها بأسى، فـ متى سيعلم الحقيقة وكيف ستكون ردة فعله!!!
أستلقى الأخير جوارها ثم مدّ ذراعه ليضم جسدها له حتى ألتصق ظهرها بصدره، حاولت "رهف" إبعاد ذراعه ولكن لم تستطيع، أسند "باسل" رأسه على كفه ليُلثم عنقها بقبلة رقيقة جعلتها ترتعش، أبتسم وهو يرى تأثيره عليها، عاد يطبع عدة قبلات متتالية على نبض عُنقها لتلتفت له "رهف" تردف بنبرة ضعيفة:
- باسل لو سمحت..!!!!
- شششش!!!!
قاطعها و هو يضع سبابته على شفتيها يتلمسها بأنامله، أغمضت "رهف" عيناها وداخلها صوت يُريده أن يبتعد، و ألف صوت يتمنى لو أن يقترب أكثر، خفق قلبها بعنف عندما عانق شفتيها بشفتيه في قبلة دامت لدقائق، حاولت "رهف" إبعاده ولكن لم تستطيع لإرتخاء كل خلية بجسدها وسط لمساته الحنونة للغاية، وضعت كفيها على صدره مغمضة عيناها ليمسك هو باطن راحتها يقبلها بعشق، نظرت "رهف" لبطنها التي أنتفخت قليلاً، لتجحظ عيناها رعباً، فهو هكذا بالتأكيد سيكتشف كل شئ، نظرت له برجاء قائلة بتوسل:
- باسل عشان خاطري بلاش!!!
توقف لينظر لها بغموض لتبتعد هي تغلق أزرار قميصها العلوية، أبتعد عنها لينهض ثم دلف للمرحاض صافعاً الباب خلفه بقسوة!!!!
نظرت "رهف" في أثره لتنهض نصف جالسة تتمتم بخفوت تمنع بكائها:
- لازم أقوله، حرام كل دة يفضل فاكر أن أبنه مات!!!!
بعد قليل خرج "باسل" بوجهٍ متجهم، لتنهض "رهف" ثم أمسكت ذراعيه قائلة:
- باسل أنا عايزة أقولك حاجة مهمة!!!
أبعد ذراعه عنها ثم أتجه نحو الفراش يردف ببرود:
- مش عايز أسمع حاجة!!!!
لمعت عيناها بالعبرات لتذهب جالسة جواره على الفراش قائلة بحزن:
- طيب أسمع حتى أنا هقولك أيه!!!!
ألتفت لها بوجهٍ جامد قائلاً:
-لاء!!!!!
أومأت بخيبة أمل ثم أغلقت الأنوار لتنام في آخر الفراش لا تستطيع السيطرة على شهقاتها الخافتة، فهي تعلم أن برفضها له ضغطت على وتر حساس ألا وهو كرامته، و "باسل" لا يقبل بتاتاً أن يمِسْ أحد كرامته!!!، ألتفتت له فوجدته نائم على ظهره واضعاً ذراعيه على عيناه مثلما أعتاد، فركت أصابعها بتوتر حزين لا تعلم ماذا تفعل حتى لا تتركه ينام حزيناً، جاءت على خاطرها فكرة جنونية ولكن ستفعلها، نهضت من على الفراش برفق و هي تنظر له بمكر، نظرت للمزينة لتميل ثم ضربت الخشب بكفها لتعود ممسكة قدميها صارخة بألم، أنتفض "باسل" بتوجس ليثب راكضاً نحوها يحاوط خصرها قائلاً بقلق شديد:
- في أيه مالها رجلك؟!!!!
نظرت لها بحزن زائف وهي تحاوط عنقه بذراع والأخر لازال ممسك بقدميها:
- أتخبطت في التسريحة..!!!!
حملها "باسل" مقطباً حاجبيه وهو يقول بلوم :
- مش تاخدي بالك وانتِ ماشية؟!!!
أبتسمت بخبث متشبثة بعنقه لتعود تزم شفتيها قائلة:
- أصل أنا كنت بعيط وعيني غشلقت ومشوفتش حاجة فـ أتخبطت..!!!
نظر لها بصدمة ليتوقف عن التحرك قائلاً:
- غشلقت؟!!!!
أومأت ببراءة ليبتسم وهو يضعها على الفراش برفق ثم جلس أمامها، أمسك بقدميها يتفحصها بلهفة، نظرت له "رهف" بعشق و أبتسامة تزين ثغرها، رفع "باسل" نظراته لها قائلاً بإستغراب:
- انتِ اتهبلتي يارهف؟!! بتضحكي على أيه!!!
أطلقت ضحكة مستمتعة ليضرب هو كفاً بآخر بقلة حيلة، ثم أمسك قدمها مجدداً يقول:
- رجلك مافيهاش حاجة..!!!!
وضعت كفها على قدمها المصابة قائلة بغنجٍ:
- بس بتوجعني أوي يا باسل..
ضيق عيناه بشك، لينهض قائلاً:
- هكلم دكتورة تيجي تشوفها..!!!
أنتفضت "رهف" قائلة بإندفاع:
- لاء مش لازم..!!!!
ضم ذراعيه أمام صدره ينظر لها بنظرات ذات مغزى، لتفتح هي ذراعيها على آخرها قائلة بإبتسامة:
- خدني في حضنك بقا با بسلة!!!!
ظهرت أسنانه اللؤلؤية مبتسماً بشدة على تصرفاتها الطفولية، جلس جوارها ثم ضمها لأحضانه لتحاوط هي خصره بقوة تبتسم أبتسامة خفية وأخيراً حققت مرادها..!!!
• • ••
↚
يسير في الشقة ذهاباً وإياباً بأعصاب تالفة، يزمجر بعنف و هو يضغط على هاتفها بقسوة صارخاً:
- يعني أيه تنزل من غير م تقولي؟!!! وكمان ناسية موبايلها هنا..!!!!
أنزوى الصغير وراء المقعد خوفاً من صراخ أبيه، بينما هتفت الدادة "نادية" بقلق:
- يارب استر عليها ورجعها بالسلامة..!!!
ذهبت الدادة لتحتضن الصغير لتطمأنه وسط صراخ أبيه، ليقطع ذلك الجو المذبذب دخول "هنا" بعد أن أغلقت الباب بلهفة، ألتفت "ريان" لها لينكمش وجهه قسوةٍ، ضغط على أسنانه بحدة ليهتف و هو لازال ينظر لها بنظرات سوداوية:
- خدي عمر وادخلي أوضته يا مدام نادية!!!!!
وبالفعل انصاعت له تفعل ما يؤمره بها، بينما نظرت له الأخيرة بدهشة فـ لأول مرة تراه بهذه الحالة، لطالما أعتادت منه البرود ولم تراه أبداً بتلك الهيئة طيلة حياتها، أقترب هو منها يُضيق عيناه قائلاً بهدوء يسبق العاصفة:
- كنتي فين؟!!!!
إزدردت ريقها و هي تنظر له بتوجسٍ، فعيناه الحادة تثير بها شتى أنواع الخوف، وقبل أن تتحدث صرخ بها بعنف و هو يلقي بهاتفها الذي كان في يده أرضاً:
- أيــه أتـخـرسـتـي!!!!!!
أرتدت خطوة للخلف بصدمة ليقبض هو على ذراعها يُقربها من صدره مزمجراً:
- هتفضلي لحد أمتى عديمة المسؤلية كدا، نازلة وسايبة ابنك في اوضته لوحدة بيعيط ومن غير أصلاً مـ تقوليلي وكمان مخدتيش موبايلك معاكي!
حاولت "هنا" إمتصاص غصبه كما تفعل دائماً، لتضع كفها على كتفه و هي تقول برفق:
- ريان إهدى.. ممكن تهدى عشان نعرف نتكلم..؟!!
أبعد ذراعها عنه بحدة قائلاً:
- مش هتنيل أهدى!!!!
أخذت نفس عميق ثم أبتعدت عنه لتمد كفيها بالكيس البلاستيكي التي كانت تحمله وهي تقول بجمود:
- لما قومت من النوم كنت سخنة ومصدعة جداً، نزلت اقرب صيدلية وجيبت مسكنات وڤيتامينات، وبعدين قابلت صاحبتي فـ قعدنا نتكلم مع بعض شوية، ومسيبتش عمر لوحدة زي مـ بتقول قولت للدادة تطلع وتقعد معاه ومقولتلهاش أني تعبانة عشان متقلقش وانت كمان متقلقش..!!!!!
صُدِم من حديثها لينظر للكيس البلاستيكي والمدوّن فوقه أحد أسامي الصيدليات، ليُبعد عيناه عن عيناها بحركةٍ يفعلها عندما لا يعلم ماذا سيقولؤ أبتسمت "هنا" بألم لتهم بالذهاب من أمامه لولا كفه الذي أمسك ذراعها بلطف يمنعها من الذهاب، تلمس جبينها بـ باطن راحته فوجدها بالفعل كما لو أنها تحترق، أندهشت "هنا" لإهتمامه بها، شعرت بقلبها يقرع كالطبول عندما أستشعرت دفئ كفه على وجهها، تأملت عيناه الرمادية وهي تجاهد في إخفاء إبتسامتها ولكن داخلها يتطاير فرحاً، تنهد "ريان" ثم هتف برفق يناقض تماماً حالته السابقة:
- حاسة بأيه؟!!!
حركت أهدابها دهشةً لتبتسم بإتساع و هي تقول بحماس تضم كفيها لصدرها:
- فرحانة أوي..!!!!!
قطب حاجبيه بغرابة قائلاً:
- فرحانة وانتِ تعبانة؟!!!
ليكمل قائلاً بجدية زائفة:
- حاسس أني عندي طفلين مش طفل واحد، دة حتى عمر اللي مكملش 5 سنين عقله أكبر منك..!!!
ضيقت عيناها غضباً تزُم شفتيها بحزن قائلة:
- بقا كدا يا ريان، يعني بتتريق عليا وانت شايفني تعبانة وسخنة ومصدعة..؟!!!
عقد ذراعيه أمام صدره ليومأ برأسه يحُثها على الإكمال فهو أعتاد على تقلُبها المريب، وبالفعل تابعت هي تشير له بحدة خفيفة:
- وبعدين على فكرة انا طبيعية جداً، انت اللي هادي وجامد زيادة عن اللزوم، بجد بحس انك لوح تلج..!!! النهاردة بس أول مرة أشوفك متعصب اوي كدا، ريان هو انت بجد خوفت عليا؟؟!!!!
أندهش من سؤالها المفاجئ فهذا لم يكن ضمن حديثها اليومي، ولكن بالفعل لِم قلق من عدم وجودها وهو لا يكِن لها أيّة مشاعر من الحب، لِم شعر بالخوف عندما بحث عنها بالمنزل ولم يجدها، شعر بفراغ داخله، مجرد تخيله أنها ستذهب بلا عودة يشعره بالإختناق، يشعر كما لو أن حياته باتت دون معنى، و رُغم البراكين التي تُقام داخله لم يظهرها على ملامحه التي جمدت فجأة ليردف بجفاء:
- أنا مبخافش من حاجة غير من اللي خلقني ياهنا، إحساس الخوف أنا عُمري مـ جربته ولا يمكن بني آدم يخليني أخاف، يمكن قلقت عليكي، لأن لو حصلك حاجة أبني هيعيش يتيم الأم، يعني قلقي كان على أبني مش أكتر..!!!!!
هل تعلمون ذلك الشعور عندما ينفطر قلبك نصفين، هل مررتم بهذا الإحساس، عندما تتأهب كل خلية بجسدك على أن تسمع فقط كلِمة تنعشك للحياة مجدداً، وتتفاجئ بقسوة تلك الحياة، وصفعة تلي الأخرى تسقط على وجهك دون رحمة، هذا ما شعرته "هنا" بالضبط، أرتفعت حرارتها أكثر وإزداد ألم رأسها وقلبها، وكأن جسدها يصرخ طالباً للحياة التي لن يجدها، نظرت "هنا" أرضاً تخفي دموعها عن مرمى عيناه، ثم رفعت عيناها مجدداً لتبتسم له أبتسامة جعلته يشعر بأن قلبه يعتصر ألماً، وكلماتها التي كانت كـ ألم الملح فوق الجرح:
- شكراً أنك عرفتني قيمتي عندك!!!!!!
سارت "هنا" من أمامه وقدميها بالكاد تحملها، دلفت للمرحاض الذي في بهو الشقة ثم أغلقت الباب بحدة، أستندت عليه بظهرها لتضع كفيها على فمها تكتم بكائها بعنف حتى أشتعل وجهها إحمراراً وضاقت أنفاسها، أبعدت كفها ثم مضت نحو الصنبور لتفتح المياه، أخذت تنثرها على وجهها لعلها تفيق من دوامة أحلامها..، وتحيا بذلك الواقع المؤلم!!!!
• • • •
فتحت عيناها لتتحرك أهدابها تحاول أستيعاب أين هي، ولكنها سرعان ما أدركت جلوسها في أحضانه، ألتفتت له لتجده جالس كما هو، و عيناه الحمراء أخبرتها أنه لم ينام، زمت شفتيها تشفق عليه وهي تتأمل ملامحه المجهدة، أمسكت بذراعه المحاوط كتفيها لتقبض على كفه بحنانٍ قائلة برفق:
- ظافر..!!!
ألتفت لها "ظافر" بشرود، وكأنه أصبح جسد دون روح، أبعدت ذراعه عنها لتفتح ذراعيها بدورها قائلة:
- تعالى..!!!
دامت نظراته لها ثانية.. ثانيتان.. وفي الثالثة تفاجأت به يلقى برأسه على كتفها لتحاوط هي منكبيه بصعوبة لـ عرضهما، لم تتخيل أنه سيجعلها تحتضنه بتلك السهولة، "ظافر" و إن أنهار الجميع حوله يبقى هو ثابتاً يقف على أرض صلبة بشموخ، لا يتزحزح بل ويمد الأخرين بالقوة، ولكنه كالبشر يضعف ويسقط احياناً، مسدت على خصلاته ممسكة بكفيه بقوة، سقطت بعيناها له لتجده مغمض العينان بإستسلام تام، نظرت أمامه لتجد "مازن" كما هو، مطت شفتيها بحزن ثم ظلت على حالها تعبث بخصلاته حتى أسترخى هو تماماً!!!!
• • • •
- خُدي بالك منها ومن عمر، انا لازم اروح الشركة وهحاول متأخرش، أدويتها تاخدها في مواعيدها، ولو حصل أي حاجة كلميني ع طول يا مدام نادية!!!
أومأت الأخيرة وداخلها يتطاير فرحاً، فـ و أخيراً أظهر رب عملها إهتمامه بزوجته، تركها هو ليخرج من المنزل سريعاً، بينما دلفت "نادية" لغرفتهم والأبتسامة تعلو وجهها، ولكن تخشبت قدميها على الأرض عنما وجدت وجهها الأحمر الباكي والممتلئ بالدمعات، جوارها "عمر" نائم على الفراش بعمق، هرولت لها "نادية" بلهفة لتضمها لصدرها قائلة بحزن:
- يا حبيبتي يابنتي!!!! ليه يابنتي العياط دة كله، محدش يستاهل صدقيني..!!!
أنفجرت "هنا" في البكاء قائلة بنبرة ينفطر القلب لها:
- أنا تعبت منه خلاص، كل مرة بقول يمكن يتغير، يمكن يحبني زي مـ انا بحبه، أو حتى يكدب عليا ويقولي انه بيحبني، مافيش فايدة ، دة حتى لما نزلت من غير م أقوله مخافش عليا، خاف على عمر لأن لو حصلي حاجة هيتربى من غير أم، تخيلي يا دادة للدرجة دي انا مش فارقة معاه!!!
نفت "نادية" قائاة بلهفة وهي تمسح على ظهرها:
- يا بنتي متصدقيش، دة لسة دلوقتي قبل ما ينزل بيقولي خدي بالك منها وأديكي أدويتك في مواعيدها، يبقى أزاي بقا مش خايف عليكي؟!!
أبتعدت عنها قائلة سريعاً بحزن شديد:
- مش عشاني .. عشان عمر، عشان اخد بالي منه، طول مـ انا تعبانة مش هعرف أهتم بـ عمر..!!!!
زمت الأخرى شفتيها لا تعلم بماذا تجيبها، ولكنها عادت تقول وهي تربت على وجنتيها اليُمنى:
- والله يا هنا دة أنتِ ست البنات، أي حد يتمنى يبقى مكان ريان بيه، هو بس مش حاسس بالنعمة اللي في إيده، بس أنا متأكدة هييجي يوم وهيعرف قيمتك، بس أنتِ لحد مـ ييجي اليوم دة متستسلميش وخليكي معاه دايماً، وأنا متأكدة أنه هيعشقك كمان!!!!
أبتسمت "هنا" بسخرية وهي تشعر بنغزٍ في قلبها قائلة:
- بقالي سنين بحاول أخليه يحبني، سنين بتمنى كلمة حلوة منه، سنين واقفة معاه وفي ضهره، بس خلاص يا دادة، انا خلاص تعبت، كفاية كدا عليا، لو عمر مكنش معايا كنت أطلقت.. بس أنا عايزة عمر يتربى مع أمه و أبوه.. ودة اللي هيحصل، بس انا مش هرجع مع ريان زي زمان، هحاول أكرهُه بكل الطرق..!!!!
نظرت لها "نادية" بعطف لتقترب "هنا" منها أكثر محتضنة كفيها قائلة سريعاً:
- داداة ممكن لو ضعفت أو حسيت أني مش قادرة أنساه ومش قادرة أكرُهه تفوقيني؟! حتى لو هتضربيني بالقلم عشان أفوق، بس متسبنيش في الدوامة دي، فكريني بكل حاجة وحشة عملها معايا، اللي أنا مش فاكرة حاجة منها دلوقتي!!!!
• • • •
وقفت "فريدة" على قدميها أمام غرفته لازالت تطالعه بعينان دامعتان، تتوسله بصمت أن ينهض ويتلقاها بين ذراعيه كعادته، تريد فقط لو أن تنظر لعيناه الكاحلتان مجدداً، ظلت سويعات تبكي بخفوت، فقط شهقات تجعل جسدها يرتجف بقسوة و دمعات تحفر طريقها على وجنتيها، نفت "فريدة" برأسها وهي ترتد للخلف مرددة بهيستيرية:
- لاء أنا عايزة أدخل، عايزة أتكلم معاه، أنا هدخل!!!
ألتفتت للعائلة لتذهب إلى "ظافر" تترجاه:
- ظافر هُما بيسمعوا كلامك هنا، قولهم يدخلوني، دقيقتين وهطلع بس عايزة أتكلم معاه، ظافر وحياة ملاذ عندك تدخلني!!!، أنا أول مرة أطلب منه طلب.. عايزة أدخله عشان خاطري، مازن أصلاً بيحبني وهيفوق لما يلاقيني تعبانه من غيره كدا، مش هيقدر يسيبني كدا عشان بيحبني، أنا متأكدة أنه هيحس بيا وهيفوق ع طول!!!!
أشفق "ظافر" على حالها ليومأ لها بهدوء ثم ذهب يبحث عن الطبيب المختص بحالة أخيه، رغم إيماءته البسيطة إلا إنها كانت كـ قطرة مياة أنعشت الحياة بها بعد لُهاثٍ، ألتفتت إلى مازن لتبتسم وسط دمعاتها وهي لا تصدق أن ستدلف له، ربتت "ملاذ" على كتفيها تساندها، فلو كان زوجها بتلك الحالة لا تسطيع تخيل ما ستفعله، ألتفتت "فريدة" فوجدت "ظافر" يأتي نحوها، أقتربت منه هي ليهتف قائلاً:
- أدخلي بس حاولي متتأخريش!!!!
و في ثانية واحدة كانت داخل الغرفة، جالسة على مقعد أمامه، أمتد كفيها المرتعشان إلى كفه، أمسكت به بلطف لتضع أسفل ذقنها، أنهمرت الدموع من عيناها و هي تردف بخفوت رقيق:
- ليه بتعذبني معاك، ليه عايز تأذيني وتعذبني في بُعدك؟!!، مازن أنا قولتلك أني مليش حد في الدنيا دي غيرك، قولتلك أن لو حصلك حاجة والله هموت وراك، ورغم كدا دخلت في غيبوبة، رغم كل دة بردو بتهرب، مازن قوم عشان خاطري، قوم وخدني في حضنك و طبطب عليها وقولي متعيطيش، أنا مش عارفة أنام من أمبارح مش قادرة أنام، حاسة أن روحي بتتسحب مني وانا شايفاك كدا، قلبي واجعني جداً كأن في سكينة غارزة فيه!!!!
رفعت رأسها لتُزيل دمعاتها سريعاً وهي تشير له بسبابتها قائلة بحزن:
- خلي بالك يامازن لما تقوم أنا هحاسبك على كل اللي أنا فيه دة عشان كل دة بسببك، قوم يلا عشان عايزة أتخانق معاك..!!!
حاوطت كفه مرة أخرى برفق قائلة:
- أنا عارفة أنك بتحبني أوي ومش هتسيبني وتمشي، مش ههون عليك صح؟، مش هتسيبني لوحدي في الدنيا وتمشي مش هتعمل فيا كدا أنا عارفة!!!!
أقتربت منه أكثر لتستند برأسها على ذراعه بإرهاق ممسكه بكفه، وبالفعل داعب النعاس جفونها كما توقعت، فالنوم لن يزورها إلا وهي بقربه، أغمضت عيناها ولازالت الدمعات عالقة على وجنتيها لا تتحرك، شعرت بأناملٍ تحفظها عن ظهر قلب تمسد على وجنتيها ماسحة دموعها، أبتسمت "فريدة" تظن أنها بحلمٍ رائع تتمنى لو أن يقف الزمن بها عند تلك النقطة!!!، ولكنها تفاجأت بصوته الدافئ مغمغماً بخفوت:
- فريدة..!!!!!!
أنتفضت "فريدة" من فوق المقعد واضعة كفيها على فمها بصدمة، ألتفت لها "مازن" برأسه وعلى ثغره أبتسامة صغيرة، يفتح ذراعه لها و هو يشير لها بالأقتراب منه، لم تعي "فريدة" ما حدث بتلك الثواني، لترتمي بأحضانه جالسة على الفراش تحاوط عنقه بذراعيها تنفجر من البكاء، ليعانقها هو بأحد ذراعيه مقبلاً خصلاتها، أبعدت رأسها عنه ليبعد هو خصلاتها عن وجهها يتأمله وسط حديثها الباكي:
- أنا مش مصدقة والله حاسة أني بحلم، خُوفت أوي عليك يا مازن، و خوفت تسيبني!!!
أومأ لها و هو يعيد خصلاتها خلف أذنيها ثم أمسك بكفها يُقبله برفق قائلاً:
- لآخر نفس فيا هفضل جنبك، عُمري مـ هسيبك أبداً!!!!!
عانقته بقوة لتدلف العائلة بعد أن رآوه في النافذة الزجاجية، لتنهمر الضحِكات السعيدة، وكأن روحهم رُدت لهم!!!!!
• • • •
تمددت على الأريكة بإرهاق، تحاوط جسدها بغطاء ثقيل، تشعر بدوار وهذا ضمن أعراض الدواء الذي أخذته، نظرت لساعة الحائط لتبتسم بسُخرية فهو دائماً ما يأتي بعد منتصف الليل، وكأنه يهرُب منها، ألتلك الدرجة هي لا تُطاق؟، أنسابت دمعاتها متنهدة بحرقة ولكنها عادت تزيلهم بعنف ترفض ذلك الضعف الذي يتلبسها، ضمت ركبتيها لصدرها عندما سمعت باب الشقة يُصفق بحذر، أغمضت عيناها تتصنع النوم خوفاً من مواجهة عيناه الرمادية، دلف "ريان" للغرفة ثم أغلق الباب خلفه، قطب حاجبيه عندما وجدها نائمة على الأريكة، ليمضي نحوها ثم جلس جوارها، مَدّ باطن كفه ليتلمس جبينها نزولاً بوجنتيها فوجد حرارتها زالت قليلاً، حمد ربه في سره لينتقل كفه يعبث بخصلاتها القصيرة مبتسماً، أقترب بثغره لأذنيها هامساً بهدوء:
- عارف أنك صاحية، مش بتعرفي تمثلي..!!!!
فتحت عيناها اللامعتان بالدموع ليبعد هو ثغره عن أذنها ثم وضع وجهه قبالة وجهها، نظر لعيناها الداكنة ليرى أنعكاس صورته بها لشدة بريقها، حمحم بتوتر ثم هتف بهدوء جامد:
- قومي نامي في السرير، أنتِ عارفة أني مبحبش الحركة دي!!!!
شعرت بأوداجها تنتفخ لتنهض نصف مستلقية قائلة بنبرة حادة متمردة:
- مش فارق معايا بتحب الحركة دي ولا لاء، ومن هنا ورايح هنام على الكنبة أو مع عمر، والسرير دة مش هلمسه يا ريان!!!!
قبض على رسغها قائلاً بجمود شديد وملامح متشنحة:
- أولاً متعليش صوتك وانتِ بتتكلمي معايا، ثانياً مبحبش الدلع دة فـ قومي نامي في السرير من سُكات!!!!!
نفضت يده عن ذراعها لتنظى لرسغها الذي صُبغ بلون أحمر داكن أثر قبضته، أرتفعت بنظراتها له قائلة بقسوة:
- وانا قولت مش هنام جنبك .. مش بالعافية!!!!!
نهض "ريان" يحاول التحكم بأعصابه لكي لا يتهور ويفعل شئ يندم عليه لاحقاً، كوّر قبضتيه غارزاً أظافره بها فـ نظرت لهما "هنا" بخوف ظناً منه أنه سيضربها، نظرت لعيناه المغمضتان بشدة لتردف بنبرة أهتزت رغماً عنها:
- حتى لو هتضربني مش هنام غير على الكنبة!!!!
فتح عيناه بدهشة لينظر لها وهي تضم قدميها إلى صدرها تستند بذقنها على ركبتيها وهي تنظر بعيداً عنه، شعر بنغزات متتالية بقلبه ليتنهد بعنق ثم مال نحوها مستنداً بكفه على ظهر الأريكة خلفها وجهه لا يبتعد سوى إنشات عن وجهها، نظرت له ببراءة ليهتف هو يقول بهدوء ممتزج بلُطفٍ خفي:
- أنا عمري مديت إيدي عليكي قبل كدة؟!!
حركت رأسها نفياً بطفولية ليسترسل هو متابعاً:
- أومال ليه بتقولي كدا؟!!
نظرت لأصابع يدها لا تعلم بماذا ستجيبه، ليقول هو ولازال قريباً منها:
- هسيبك تنامي النهاردة على الكنبة، النهاردة بس!!!!
ظلت على حالها تفرك أناملها توتراً، تأمل خصلاتها القصيرة والتي يعشقها، لتسقط خصلة متمردة على وجهها فأسرع هو بإعادتها خلف أذنها قائلاً بصوتٍ دافئ أذاب المسكينة:
- خدتي أدويتك كلها؟!!!
أومأت دون أن ترد تتهرب من عيناه، ليرفع ذقنها له مثبتاً أنظاره على شفتيها قائلاً بإبتسامة:
- كلها؟!!
إزدادت نبضات قلبها بسرعة رهيبة، لتزدرد ريقها و هي تراه يقترب بشفتيه نحو شفتيها، و وسط قلبها المرفرف، وجسدها المستكين، وعيناها العاشقة، أنتفض العقل كما لو أصيب بصاعقة كهربية يُخبرها أن تُبعده سريعاً، يُذكرها بقسوة الكلمات التي ألقاها بوجهها صباحاً، وقبل أن تلمس شفتيه لشفاهها أبعدته من صدره و صدرها يعلو ويهبط، استغرب هو فعلتها فلأول مرة تُبعده عنها، دائماً هي من تمنت قربه، بل ودائماً كانت مستسلمة بين يداه، أعتدل في وقفته لتستلقى على الأريكة تُدير ظهرها له، تحتضن جسدها كالطفل الصغير، شعر "ريان" بالصدمة من المشاعر التي تختلجه، لينفي برأسه يرفض التصديق، ثم بدّل ملابسة بالغرفة المخصصة لذلك، ألقى بحسده على الفراش يحمد ربه أنها ليست بجواره الأن، ف يُقسم أنه كان سيفعل أشياء لا تصدر سوى من عاشق، وهو بالطبع ليس كذلك!!! أو هذا ما يحاول إقناع نفسه به!!!!
دلفت للغرفة فوجدته نائم على الفراش بإستكانة، أقتربت منه بخطوات سريعة وثغر مزين بإبتسامة سعيدة لعودة حياتهما طبيعية، أنثنت عليه ثم تلمست جبينه بباطن راحتها فوجدته دافئاً، وقبل أن تزيل يدها من على بشرته، كان هو يضم كفها بقبضته ليطبع قبلة في باطن راحتها، نظر لها وهو يجذبها نحوه لتجلس جواره مبتسماً بهدوء قائلاً:
- أنا بقيت كويس والله، كل خمس دقايق تيجي تشوفي حرارتي وبردو بتلاقيها طبيعية..
قرّبت وجهها من وجهه قائلة بحنو:
- الدكتور قال أن بعد مـ تاخد الدوا اللي أديتهولك دة حرارتك هتعلى و هيجيلك صداع، فـ طبيعي أجي أطمن عليك كل شوية..!!! مازن أنا مش مصدقة أننا رجعنا لشقتنا أخيراً، بجد مبسوطة انك جنبي وبقيت كويس..!!!
أعتدل في جلسته ليجذبها لأحضانه جاعلاً من رأسها فوق صدره ناحية قلبه مباشرةً، ثم قبل خصلاتها بحنان بالغ، حاوطت خصره بشدة مغمضة عيناها بسعادة، لا تصدق أنها و أخيراً جواره، في أحضانه، يضمها بين ذراعيه، سقط بثغره يهمس بأذنها:
- لولا مرَضي مكنتيش سامحتيني..صح؟!!!
أبعدت وجهها عن صدره ولكن لازالت متشبثة بخصره، تردف قائلة بمزاح:
- عايزة أقولك أني سامحتك من أول م رجعت من فرنسا، بس كنت حابة أسويك على نار هادية عشان تتعلم أن زعلي مش سهل..!!!
حدق بها بدهشة ليضحك بهدوء، ليلصق جبينه بجبينها مغمضاً عيناه، يتنهد بعمق قائلاً:
- أتعلمت يا فريدة، عُمري مـ هزعلك أبداً..!!!!
برقت أسنانها البيضاء في ضحكة شقيّة، ثم حاوطت عنقه تضمه لها بشوق شديد، ضمها بذراعٍ والأخر أزاح خصلاتها ليجمعهما على جانب عنقها، فظهر عنقها الأبيض لينثنى يقبله عدة قبلات متفرقة، أطلقت الأخيرة ضحكة رقيقة لتبتعد عنه قائلة وهي تحُك رقبتها قائلة بضحكات شديدة:
- مــازن بـغير!!!!!!
أنفجر "مازن" في ضحكات رجولية على حركاتها الطفولية والتي حقاً يعشقها، يعشق أصغر تفاصيلها مثلاً تلك الشامات على رقبتها، تلك التي تعلو شفتيها الصغيرة، عيناها البندقية وخصلاتها بنفس اللون، أنفها الصغير، يعشق ضحكاتها وعبوسها، حزنها و سعادتها، مُتيّم بـ جنون أفعالها، وقفزها من فوق الأرض عند سعادتها الشديدة، يعشق نظرات الدهشة التي ترمقه بها الأن لشروده بها وعيناه المبتسمة وهو يراقبها من خصلاتها الطويلة إلى أخمص قدميها، أقتربت منه لتفرقع بأصابعها أمام وجهه لكي تلفت أنتباه، نظر لها لترمقه هي بشك مقطبة حاجبيها زامة شفتيها:
- سرحان في مين؟!! أوعى يا مازن وأنا مش موجودة تكون ممرضة غرغرت بيك ولا حاجة، والله هقتلها وهقتلك وهقتل نفسي عشان محدش يقولي عملتي كدا ليه!!!!
لم يستطيع السيطرة على ضحكاته ليضع يده على قلبه وهو يميل للأمام يضحك بهيستيرية لتشاركه هي، و فجأة سعل بقوة لتنتفض "فريدة" تسكب به ماء في الكوب، وقفت جواره لتسند رأسه ثم جعلته يرتشف منها، أبتسم بعد أن أنهى الكوب ليجلسها أمامه، أخذ رأسها بين كفيه ليطبع قبلة عميقة على شفتيها، بث بها معاني العشق بأكملها والذي لم يعلمه سوى بعد أن قابلها!!!!
• • • •
جلست "هنا" أمام شاشة التلفاز ممسكة بصحن مملوء بالفشار، عيناها ثابتة على الفيلم أمامها، أبتسمت بقوة عندما عانق البطل البطلة وهما يضحكا بسعادة، لتتحول أبتسامتها إلى عبوس خفيف قائلة ببراءة كالأطفال:
- بس دة في الأفلام بس، لكن في الحقيقة كل الرجالة زومبي!!!!
سمعت صوته يأتي من خلفها ساخراً:
- يعني أنا زومبي؟!!!!
جحظت عيناها بقوة لتمضغ الفشار الذي كان بفمها تحاول أبتلاعه بصعوبة ثم ألتفتت له، فوجدته واقفاً يضع كفيه في جيبه يطالعها بنظرات مستهزئة، نظرت له ببراءة وكأنها لم تقُل شئ، ليذهب هو بإتجاهها ثم جلس جوارها، مدّ يده ليأخذ العديد من حبات الفشار يحشرهما بفمه، نظر للفيلم ليردف بوجهٍ متجهم ونظرات متقززة:
- دة عيِّل مايص أصلاً أنما أحنا رجالة أوي!!!
جحظت بعيناها وهي تنظر ببلاهه، ليس لحديثه فقط بل لجلوسه جوارها يشاركها طعامها والفيلم الذي تشاهده، أعادت كلماته في رأسها لتضع كفيها في منتصف خصرها قائلة:
- لا والله؟!! وبعدين مين دة اللي مايص دة قمر وكيوت ورومانسي، مش أنت بارد و مش عندك قلب!!!
نظرت للشاشة بهيام واضعة كفها أسفل ذقنها ولم تلاحظ نظراته التي أظلمت فجأة، وعيناه التي تحولت لإحمرار شديد وكأنه مصاص دماء سيتجرع من دمائها الأن، ألتفتت له عندما لاحظت نظراته، وفور رؤيتها له زحفت للخلف على الأريكة قائلة بتوجس:
- أنت هتتحول ولا أيه يا ريان!!!!
جذبها من ذراعها له لترتطم بصدره مزمجراً، لتخرج نبرته غير قابلة للمزاح مطلقاً:
- إياكي توصفي جنس راجل ولا تمدحي فيه قدامي، أول و أخر مرة تعملي كدا فاهمة..!!!
تعالت نبضات قلبها بخوف لتمتلئ عيناها بالدموع، فهزها هو بقسوة صارخاً بوجهها:
- فــاهــمــة؟!!!!
أومأت سريعاً تحاول سحب رسغها من كفه، ليُبعدها هو ينهض تاركاً إياها تعاني مرارة قسوته وعشقها له!!!!
ضمت ركبتيها لصدرها تدفن وجهها بهما، لتشعر بكفٍ صغير يوضع على خصلاتها وصوت رقيق طفولي يقول:
- متسعليش (متزعليش) يا مامي...
رفعت أنظاره لصغيرها لتضمه لأحضانه تمسح دموعها قائلة بإبتسامة مرحة زائفة:
- مين اللي قالك أني زعلانه يا عمر؟!! أنا مش زعلانه ياحبيبي أنا بس نعسانة شوية..!!!
أبتعد عنها قائلاً ببراءة:
- مامي أنتِ قولتي قبل كدا أن اللي بيكذب بييوح (بيروح) الناي (النار)..!!! ليه بتكذبي دلوقتي، أنا سوفت (شوفت) بابي و هو بيزعقلك، و أنا سعلان (زعلان) منه..!!!
أبتسمت "هنا" على براءته لتحاوك وجهه بكفيها قائلة بحنو:
- حبيبي صدقني أنا وبابا مش بنزعق هو كان بيهزر معايا.. طب تعالى معايا و أنا هوريك..!!!
حملته بين ذراعيه لتتجه لغرفتهما، وجدته ينثر عطره الذي تعشقه على عنقه بعد أن أرتدى حِلة رسمية للذهاب للشركة، أقتربت منه ترسم أبتسامة على شفتيها قائلة بنبرة حاولت أن تجعلها طبيعية:
- ريان.. عمر بيقول أننا متخانقين قوله أنك كنت بتهزر معايا عشان مش مصدقني..!!!
أبتسم "ريان" لصغيره ليأخذه منها قائلاً بحنان و هو يمسد على خصلاته الناعمة:
- حبيبي أنا وماما بنهزر مع بعض بس أنت صغير مش هتفهم هزارنا .
كتف "عمر" ذراعيه أمام صدره قائلاً بعبوس:
- بس أنا سوفتها بتعيط...!!!!
أسرعت "هنا" قائلة بإبتسامة ملئت ثغرها:
- دة أنا كنت بعيط من الفرحة عشان أنا بحب بابي أوي أوي، كل مرة بيأكدلي حُبي ليه..!!!!
نظر لها "ريان" بدهشة تليها أبتسامة فهو قد أستشعر صدقها في الجملة الأخيرة، عندما تكذب"هنا" يظهر ذلك جلياً في عيناها، و هو يرى الأن عينان عاشقة خجولة، ألتفت الصغير لأبيه قائلاً بشك:
- و أنت يا بابي بتحب مامي؟!!!!
جحظت عيناه بصدمة للفخ الذي أوقعه طفله به، فهو الأن مضطراً أن يعترف لها علناً أنه يُحبها، إزدرد ريقه و هو ينظر لملامحها الباهتة تسقط عيناها للأسفل، ليسرع هو قائلاً و هو يجذبها من خصرها له وبذراعه الأخر يحمل صغيره، حاوط وجهها بكفٍ واحد قائلاً بإبتسامة:
- بموت فيها!!!!
سقط قلبها صريعاً لجملة تتكون من كلمتين، رفعت عيناها له بصدمة شديدة ليظهر شحوب قوي على وجهها، شعرت بتقلص معدتها من شدة التوتر و هي تنظر لعيناه مباشرةً تتمنى لو كانت تحلم لا تفيق بتاتاً!!!!، بينما أبتسم الصغير ليحتضن عنق أبيه بذراعه الصغير و عنق أمه يقربهما منه، ارتطمت المسكينة تلقائياً بصدره و هي لا زالت فاغرة شفتيها، يكاد يقسم لولا "عمر" لكان أنقض على ثغرها يقبلها بعنف ، حاوط كتفيها بذراعه مبتسماً لحالتها تلك بينما "عمر" يبتسم بغبطة شديدة!!!
• • • •
- أنت لسة زعلان مني؟!!
هتفت "ملاذ" بنبرة حزينة إلى "ظافر" الذي كان يرتدي ملابسه ليذهب لشركته، لم يُجيبها ليتجاوزها يقف أمام المزينة يلف رابطة العنق حول رقبته، تألمت "ملاذ" ولكنها فضلّت الصمت، سارت إلى خارج الغرفة لكي لا تزعجه ولكنها إلتفتت له عندما رأته يحاول ربط الرابطة، حتى أزعجته ليلقيها على المزينة مستنداً بكفيه عليها ينظر لأنعكاس صورته بالمرآة التي أمامه، أقتربت "ملاذ" منه لتلتقط رابطة العنق، لفّته لها من منكبيه لتقف أمامه ثم لفتها بإحترافيه، رفعت أنظارها له فوجدته ينظر خلفها يتجنب عيناها، اشرأبت "ملاذ" لتقف على أطراف أصابع قدميها ثم طبعت قبلة طويلة على وجنته، محاوطة وجهه بكفيها، و بسرعة البرق كانت تختفي من أمامه تركض خارج الغرفة، فضرب هو كفاً بكف يتخلى عن هدوءه قائلاً:
- متجوز طفلة ومجنونة، والله أنا أتخميت في الجوازة دي و أضحك عليا!!!!
خرج من الغرفة بعد أن أخذ هاتفه ومفاتيح إحدى سياراته، سار بوقار في القصر فوجدها تقف على الأريكة تتحدث إلى "رهف" بجدية و هي تذهب وتسير على الأريكة، كتم "ظافر" ضحكاته ليتحه نحوها يتسمع لحديثها وهي تضحك قائلة:
- ماشي يا مجنونة ربنا يهديكي..!!!!
نظر لها بتهكم قائلاً:
- يهديها هي بردو..!!!
فزعت "ملاذ" لوقوفه أمامها لتضع كفها على قلبها قائلة برعب:
- والله خضتني يا ظافر ربنا يسامحك!!!
ضحكت "رهف" على الطرف الأخر لتغلق معها بعد أن ودعتها، أستندت "ملاذ" على كتفيه لتسقط واضعة قدميها على الأرضية، حاوطها "ظافر" من خصرها لكي لا تسقط، فأبتسمت له قائلة بحماس:
- ظافر عايزة أتكلم معاك في موضوع مهمم اوي!!!
نظر لها بإستغراب قائلاً:
- موضوع أيه؟!!!
هتفت بعقلانية:
- لما ترجع طيب عشان متتأخرش!!!
أومأ بهدوء ثم كاد أن يذهب من أمامها و لكن أوقفته قائلة بحزن:
- مش ناسي حاجة؟!!
لم يفهم مقصدها لينفي برأسه، فحركت رأسها إيجابياً بعينان برقت بالدموع، لم يتحمل "ظافر" رؤية دموعها ليكوب وحهها بكلتا كفيه ثم طبع قبلة رقيقة على جبهتها مبتسماً بمكر:
- كل دة عشان بوسة، دة أنا على كدا عندي أستعداد أبوسك ليل نهار بس مشوفش الدموع دي..!!!!
ضحكت من قلبها لتومأ له بإيجاب، ليُقربها منه أكثر قائلاً بخبث:
- بس أنا بقا متمشيش معايا بوسة الأخوات دي!!!!
لم يُعطيها فرصة لكي تتحدث بل سارع بالهجوم على شفتيها يتجرع منها العشق كؤوساً، ثم أبتعد عنها ليذهب دالفاً خارج القصر، تاركه تبتسم بشرود..!!!
• • • •
سار نحو المطبخ حيث تقف هي تُطهي الطعام، أخرج تنهيداً مستمتعاً بالرائحة المنبعثة من حساء الفراخ، لتلتفت له مبتسمة، أتجه نحوها ليقف أمامها قائلة بإستفسار جدي زائف:
- ياترى هروح أعمل غسيل معدة أمتى؟!!!
ضيقت عيناها لتعقد ذراعيها عابسة بوجهها، تردف بحزن مصطتنع:
- بقى كدا؟!!!
لتتحول مائة وثمانون درجة عندما مدت كفها تضربه جوار قلبه قائلة بنبرة عنيفة:
- دمك خفيف يا بسلة..!!!!
وضع كفه على قلبه يصتنع الألم قائلاً بإقتضاب:
- دة انتِ إيدك أنشف من إيدي..!!
ذهبت من أمامه لترفع جسدها جالسة على رخام المطبخ قائلة وهي تشير إلى الطعام على النيران:
- وريني شطارتك بقا!!!!
عدّل ياقة قميصه قائلاً بتفاخر:
- عيب عليكي، دة انا طباخ قديم!!!
↚
قلبت شفتيها تسخر منه لتشير بكفها إلى الطعام قائلة:
- أتفضل ياخويا..!!!
نظر إلى النيران العالية ليهداً منها قليلاً ثم ذهب تجاهها واضعاً كفيه على الرخام جوارها، يردف بجدية:
- قوليلي حاجة واحدة بس شاطرة فيها!!!!
نظرت له بحزن حقيقي قائلة بخفوت:
- قصدك اني فاشلة؟!!!
اومأ لها بجدية تامة ظهرت على وجهه، لم تمر سوى ثوانٍ لينفجر هو ضحكاً على وجهها الطفولي العابس، زمت شفتيها حزناً على سخريته منها لتقفز بجسدها على الأرض ثم همت بالذهاب من أمامه، فأوققها هو بدهشة ممسكاً بخصرها:
- لاء أكيد مزعلتيش يارهف!!! أنا كنت بهزر!!!
رفعت نظراتها له قائلة وهي ترفع كتفيها وبنبرة خاوية هتفت:
- عادي مزعلتش!!!!!
أبتسم على حماقتها فهو كان يمزح، ليضم رأسها لصدره قائلاً بإبتسامة مربتاً على خصلاتها:
- طب خلاص متزعليش، انا كنت بهزر محدش يقدر يقول على مراتي فاشلة!!!!
أبتسمت بشقاوة ليقهقه هو على برائتها، أكملت طهي الطعام ليدلف هو لغرفتهم، جلس على الفراش يعبث بهاتفه ليلتفت إلى هاتفها الذي صدح صوته بالغرفة، ألتقطه من فوق الكمود ليصرخ بصوتٍ عالٍ لكي تأتي "رهف" وترد، ولكن عندما لم يجد رد منها علِم انها لم تسمعه، نظر للرقم الذي يراه لأول مرة على هاتفها، فأنتابه الفضول ليعرف من، ضغط على زر الإيجاب ليضعه على أذنه قائلاً:
- الو؟!!
أتآه صوت أنثوي على الطرف الأخر يهتف بـ :
- مدام رهف موجودة؟!!
قطب حاجبيه بغرابة قائلاً:
- أنا جوزها.. في حاجة..!!!
تنحنحت الفتاة بحرج لتردف قائلة:
- كنت بتصل عليها عشان أفكرها أن عندها ميعاد النهاردة مع الدكتورة عشان تطمن على الجنين و تعرف نوعه كمان!!!!
أرتجف كفه الممسك بالهاتف، لينتابه شعور كما لو أُلقى عليه ماء بارد في الشتاء، ردد بنبرة لازالت لم تستوعب:
- جنين!!!!!!
• • • •
جلست جواره تضع قماشة مبللة بماء بارد على جبينه والدمعات تسقط كالشلال من عيناه و هي تتلمس وجهه الذي كما لو أن نيران تنبعث منه، أنثنت عليه لتلصق وجنتها اليمنى بجبينه بعد أن أبعدت القماشة ليفتح هو عيناه الناعسة ممسكاً بقبضتها يحتضنها بكفه قائلاً بصوتٍ مبحوح:
- فريدة والله أنا كويس، حبيبتي دة طبيعي عشان الدوا اللي خدته، شوية وهتنزل الحرارة، كفاية عياط ممكن..!!!!
أنتفض جسدها مع كل كلمة تخرج من فمها لشدة بكائها عندما قالت:
- الحرارة مش هتنزل لوحدها يا مازن، ومش هبطل عياط غير لما تبقى كويس..
امسك بخصرها سريعاً ليقرب جسدها منه دافناً وجهها بعنقه يردف برفق مبتسماً:
- لو مبطلتيش عياط دلوقتي هفضل مكتفك كدا ومش هتخرجي من حُضني أبداً!!!!
حاوطت خصره واضعة رأسها على صدرها قائلة بنبرة مهزوزة حزناً:
- خلاص يبقى هفضل أعيط.!!!!
قبّل خصلاتها لترفع هي رأسها بعيداً عن صدره وهي لازالت متشبثة به عدا كفها الذي وضع القماشة على جبينه مجدداً، ثم عادت تسند رأسها على صدره مغمضة عيناها ولازال ثغرها يُخرج شهقات خفيفة هدأت قليلاً عندما مسح على خصلاتها هبوطاً بظهرها، تشعر أنه أبيها الذي لم تنعم بحنانه قط، أبنته التي تخاف فقدان سندها في تلك الحياة القاسية، بعد قليل من الوقت شعرت بإنتظام أنفاسه لتزيح القماشة فوجدت حرارته أنخفضت قليلاً، بتلك اللحظة فقط قررت أن تأخذ قسط من الراحة لتنام بين أحضانه!!!!
• • • •
سقط قلبها أرضاً عندما سمعت صراخ "باسل" لتلتفت له برعب وقلبها يخفق بسرعة، وجدته يذهب تجاهها ليقبض على ذراعها يهتف بسُخرية شديدة ونبرة أرتعدت لها:
- طب كنتي قولتيلي أن عندك ميعاد مع الدكتور النهاردة، كنت جيت معاكي عشان أشوف أبني اللي قولتيلي أنه مات..!!!!!
أمتلئت عيناها بالدموع لتضع كفها على يده الممسكة بها تحاول أن تهدأه قائلة بخفوت:
- باسل أسمعني أنا آآآ...!!!
قاطعها عندما أبعد ذراعها بقسوة ليضع سبابته أمام شفتيه صارخاً بقسوة:
- أخرسي.. مش عايز أسمعلك نفس!!!!!
شهقت ببكاء شديد ليجذبها من ذراعها لخارج المطبخ ثم دفعها على الأريكة بعنف صارخاً:
- وانا اللي فاكر كل دة أن أبني مات بسببي أنا، بحاول أضحك عشان أنسيكي الموضوع بس أنا كان جوايا بيتقطع لما حتة مني ماتت، أبني اللي بتمناه من الدنيا خبتيه عليا، وليه؟!!! عشان سيادتك أنانية عايزة أبني يتربى من غير أبوه!!!!
ضمت جسدها إلى آخر الأريكة واضعة كفيها على أذنيها لشدة صراخه بها، نظرت لها بعيناها الغارقة بالدموع مغمغمة بأسف:
- كنت هقولك والله، بس خوفت من ردة فعلك..!!!!
شدد على ذهنه مزمجراً بقسوة ليطيح بمزهرية كبيرة على الأرض يهتف بصوتٍ صدح بالشقة:
- بــس أسكتي وإلا ورحمة أبويا هندمك على اللحظة اللي عرفتيني فيها!!!!
نظرت له بغضب لتنهض واثبة على قدميها تصرخ بوجهه:
- كنت عايزني اعمل أيه؟!!!! أقولك أني لسة حامل عشان متطلقنيش، أنا متأكدة أنك لو كنت عرفت مستحيل تطلقني، وانا مش قادرة أعيش معاك مش قادرة أسامحك!!!! أنت السبب في كل حاجة بتحصلي وجاي دلوقتي بتزعق!!!!
أنتفض مقترباً منها ممسكاً بذراعها صارخاً بنبرة مرعبة:
- بقولك أخــرســي!!!!!!
أدمعت عيناها من قوة قبضته على ذراعها لتنظر له بحسرة، قائلة بخفوت:
- أحنا بنأذي في بعض، تعالى نطلق يا باسل وكل واحد يشوف حياته!!!!
أبتسامة صغيرة لا تنم عن مرح زينت ثغره تليها ضحكات عالية ساخرة بقسوة حتى أدمعت عيناه، أرتعبت من تلك الحالة الذي بدى عليه، وبالحظات تحول للنقيض تماماً لتتوحش قسمات وجهه و هو يقول بنبرة مخيفة:
- أطلقك؟!!! أنتِ بتحلمي!!! هتفضلي هنا تحت رحمتي لحد أنا م أسمح أنك تمشي بعد مـ أزهق منك ومن كدبك وخداعك، وبعد مـ أخد أبني اللي مش هتشوفي ضُفره!!!!!
شهقت بعنف واضعة كفها على فمها تُكتم صدمتها، لتنهار باكية ممسكة بذراعه قائلة بترجي تحاول إثارة عطفه:
- لاء ياباسل والنبي، انا عارفة انك مش هتعمل كدا، باسل اللي حبيته ميعملش كدا، مش هتبعد أم عن أبنها أكيد!!!!
أبتسم بإستهزاء ليُبعد كفها يردف بسأم:
- أنتِ جايبة بجاحتك دي منين، ليكي عين تتكلمي أساساً!!!
نفت برأسها مبتعدة عنه صارخة بحُرقة حتى برزت عروقها:
- ياريتني مـ قابلتك و أتجوزتك، أنت أسوأ حاجة حصلتلي في حياتي!!! أنا بكرهك أوي و عُمري مـ هعيش معاك بعد كل اللي حصل!!!
أقترب منها عدة خطوات لتبتعد هي ضعفهم حتى إصتدمت بالحائط بقسوة، ليمسك هو كلا كفيها يرفعهما فوق رأسه ضاغطاً على عروقها بحدة لتغمض عيناها من شدة الألم، فـ أسترسل هو بنبرة خافتة ولكنها جعلت معدتها تنقبض لشدة الخوف:
↚
- صوتك ميعلاش أحسنلك، عشان أقسم بالله انا في حالة مش هعرف أتحكم في نفسي وممكن أقتلك دلوقتي!!!!
خفق قلبها بعنف لتصمت تماماً تستمع لحديثه الناطق بالحقد:
- يعني مشيتي وسيبتي البيت بعد اللي حصل و سيبتيني ألِف في المستشفيات والاقسام والفنادق بدور عليكي، خليتي أمي واخويا اللي عمرهم م كذبوا عليا يسيبوني دايخ عشان الأقيكي وانا مش عارف اذا كنتي عايشة أساساً ولا ميتة، ولما لاقيتك كنتي في المستشفى وعرفتوني أن أبني مات وان انا السبب في كل دة طبعاً، جيت وراكي هنا عشان مسيبكيش و أعوضك عن اللي حصل، أستحملت أي كلمة قولتيها كأني مسمعتهاش و أقول لنفسي سيبها يا باسل تقول وتعمل اللي هي عايزاه اللي عملته فيها مش قُليل، أبنها مات في بطنها و هي زعلانه عليه ومش قادرة تسامحك، كل يوم تقومي بحالة مرة طلقني يا باسل وامشي من هنا مش قادرة أسامحك، ومرة تنامي في حضني و انتِ مبسوطة، كل دة أنا مكانش عندي مشكلة فيه، كنت بحاول أعوضك بالطريقة دي، حتى لما طلبتي الطلاق وقولتلك هطلقك يا رهف بس أصبري أسبوع مكنتش هطلقك، عُمري م كنت هبعدِك عني، كنت بس بقولك كدا عشان اعمل كل اللي اقدر عليه في الاسبوع دة وأقرب منك تاني، حتى أمبارح مزعلتش منك بعد الموقف اللي حصل دة، كنت بقول في سِري حقها، وحقها تعمل أكتر من كدا، ولما صالحتك وقتها مش عشان رجلك، عشان عرفت بعدها أنها مش وجعاكي ولا حاجة، بس أنا طلعت غبي، طلعتيني غبي قدام نفسي يا رهف مبروك، انا قولت مش عايزاني أقربلك عشان لسة زعلانه، أنما طلعتي مش عايزة كذبتك تتكشف!!! بس أهي أتشكفت، و أول م تولدي أبني هاخده وامشي وهحرمك منه زي م حرمتيني أني أعرف حملِك دة!!!!
وسط كلماته، عيناه الدامعة ونبرته التي بَحت في آخر كلماته تنم عن ألمِ ليس له مثيل، أصابعه التي طُبعت على رسغيها و حواجبه قاطبة، كل ذلك جعلها تتمنى لو أن تضم رأسه لها لربما تُهدأ من وضعه قليلاً، ولكنها تعلم أن نيرانه لن تخمد، شهقت ببكاء شديد نادمة عما فعلته به، ليتركها هو ثم أبتعد عنها يخرج من الباب ليغلقه بعنف أنتفض جسدها له، أنهارت أرضاً لتكور كفيها ثم أخذت تضربهم بالأرض حتى جرحتهما ، نهضت كالثملة تسير بصعوبة على الأرض، لتلتقط المزهرية ثم ألقتها أرضاً بجنون تستوعب أنها تخسر زوجها، أمسكت بأخرى لتفعل المثل حتى أصبحت حالة البيت لا يُرثى لها، شدت شعرها بعنف ثم وقعت أرضاً ليرتطما كفيها بقطع الزجاج ف أحدثا جرح غائراً بهما، مما جعل جسدها يتخدر من كثرة الألم، لترتطم رأسها بالأرضية فاقدة الوعي!!!!
• • ••
دلف "ريان" للمنزل في وقت متأخر من الليل مُجهداً، لينزع سترته ثم كاد أن يلقي بها على الأريكة بوهنٍ، ليتراجع بعد أن لاحظ وجودها على الأريكة نائمة بعمق، سار نحوها لينثنى عليها يُبعِد خصلاتها عن وجهها برفق، ثم وضع أحد ذراعيه أسفل كتفيها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بهدوء ذاهباً بها نحو غرفتهم ، وضعها على الفراش برفق ثم بدّل ملابسه في المرحاض ليخرج ملقياً بجسده جوارها دثرها جيداً ثم ظل نائماً على ظهره واضعاً ذراعه على عيناه، فـ أستفاقت هي فاتحة عيناها تنظر حولها بعدم أستيعاب:
- ريان .. أيه دة أنا فين، أنا نمت أزاي كدا.. ثواني هقوم أحضرلك العشا...
ألتفت لها ضاحكاً ثم ألتقطها بين أحضانه قائلاً بهدوء مبتسماً:
- حتى وأنتِ نايمة محنونة، نامي يا هنا ربنا يهديك ويصبرني عليكي!!!!
أستكانت في أحضانه تعانق خصره، ولكنها عادت تنتفض تفرُك عيناها حتى لا تنام قائلة ببوادر نعاس:
- لاء هقوم أعملك الأكل!!!!!
ضحِك بشدة و هو يأخذها في أحضانه ثم حاوط وجهها بأحد كفيه قائلاً بإبتسامة وهو ينظر لجفنيها اللذان يُغلقا بين الفنية والأخرى:
- هنا نامي أنا مش جعان، نامي تمام؟!!
أومأت بخفة ثم غُرقت في النوم لتظهر أسنانه لشدة ضحكه، ثم مال بثغره يُقبل فمها المزموم بحنان ليذهب هو أيضاً في نومٍ عميق!!!
• • • •
عاد "ظافر" للقصر ليجده مظلم تماماً، صعد الدرج لجناحه ليجده الوحيد الذي تنبعث الأنوار منه، دلف ببطئ حذِر فوجدها تنام على معدتها فوق الفراش خصلاتها الناعم معقوصة بأحد الأقلام، أمامها أوراق بيضاء كبيرة يسير القلم عليها بتناغم، لم تلاحظ وجوده رغم أنه أغلق الباب بطريقة ملفتة، ولكنها كانت منغمسة في عالمها لا تريد من أحد أن يوقظها، سُرعان ما أخرج "ظافر" هاتفه ليلتقط لها صورة و أبتسامة حانية ترتسم على شفتيه، أقترب منها ثم جلس جوارها لتنتفض فزعة تجلس على ركبتيها واضعة كفها على قلبها تردف بعدم استيعاب:
- والله حرام عليك يا ظافر، دة انت بتخُضني قبل وبعد الأكل ولا كأنه دوا..!!!!
أخذ الرسمة ليطالعها بإنبهار شديد مما جعلها تبتسم بشغف شديد تضم كفيها لصدرها قائلة وهي تميل برأسها نحوه:
- حلوة؟!!!
نظر لها بدهشة مبتسماً:
- أنتِ بتعرفي ترسمي يا ملاذ!!!
حلت خصلاتها بعد أن أبعدت القلم عنهم تعود بخصلاتها للخلف في حركة مفتخره وهي تقول بغرور:
- عيب عليك والله!!!!
قهقه بشدة عائداً برأسه للخلف لتنظر له بنظرات جانبية وهي لازالت ترفع أنفها للأمام بشموخ، لم يستطيع أن يتحكم في نفسه ليقترب منها مقبلاً أنفها وشفتيها يُلثمها برقة ثم أبتعد ينظر في عيناها و أهدابها التي تتحرك بطفولية، ثم حمحمت بخجل لتنظر للرسمة بسعادة فخوة بنفسها، ولكنها رفعت عيناها ثانيةً صارخة بحماس وهي تقفز من فوق الفراش:
- أستنى هوريك حاجة!!!!
ضحك "ظافر" بشدة على أفعالها ثم جلس بإعتدال يُراقب محاولاتها المستميتة في الوصول لأخر رف في الخزانة تقف على أطراف أصابعها، لينهض هو قائلاً بجدية:
- عايزة أيه وانا أجيبهولك!!!
أشارت لأعلى قائلة سريعاً:
- في آخر رف هتلاقي بوكس لونه أحمر كدا هاتُه!!!!
وبالفعل أخذه "ظافر" بدون عناء ليُعطيه لها لتأخذه هي ثم قفزت على الفراش لتجلس عليه مشيرة له بالجلوس أمامه فـ فعل، فتحت الصندوق لتخرج صورة بها طفلة صغيرة بضفيرتين مبتسمة بشدة وكأنها في أسعد لحظات حياتها، و فور وقوع عيناه على الصورة سقط قلبه أرضاً ضحية للعشق لتنهار عليه ذكرياتهما معاً وهما أطفال، عندما حملها بين ذراعيه يُحميها من شر أبيه، عندما أخذها لغرفته لتستلقى على الفراش والدموع عالقة بأهدابها، لربما كانت هذا الصورة قبل الحادث بقليل، عاد ينظر لها وهي تضحك نفس تلك الضحكة، ليبتسم هو بحنان عندما أعطته صورة أخرى تنظر للكاميرا بتلك النظرة البريئة و التي تجعله يود لو يأكلُها، لتبتسيدم "ملاذ" وهي ترى عيناه اللامعة تُقسم للمرة المليون أنها تعشق هذا الرجل، ستظل تعشقه لآخر نفسٍ تلفظُه، فنظر هو لها وكأنه يسمع ما تقول ثم وضع الصور بداخل الصندوق ليلتقطها بين أحضانه مقبلاً خصلاته، فسمع نبرتها الحزينة وهي تغمغم:
- ظافر أنت مش زعلان مني عشان اللي عملتُه صح؟!!!
قطب حاجبيه قائلاً:
- عملتي أيه بالظبط؟!!
ظلت في أحضانه ولكنها عادت برأسها له قائلة بحرج:
- أول حاجة عشان كنت فكراك مش كويس وكنت عايزة أخد حقي منك، وتاني حاجة يعني عشان قولت لفريدة وكدا!!!
- لاء خلاص مش زعلان..!!!!
هتف بإبتسامة ثم أنقض على شفتيها كما لو كان أسد وجد فريسته بعد أن ظل جائع لأيام!!!!
• • • •
↚
أبتعدا جفنيها عن بعضهما بسكون، فوجدت نفسها كما هي مستلقية على الأرض و الزجاج غارزاً في باطن كفيها، بكت من ألم قلبها وليس لألم جسدها، لم تقوى على النهوض، أو ربما كانت تعاقب نفسها بتلك الطريقة، بعد قليل وُجدت باب الشقة يُفتح، ليدلف "باسل" الذي أرتعب من منظرها وسقوطها على الأرض بينما بقع الدماء تحوط كفيها، وعيناها تفتح ثانية وتُغلق الأخرى، ناهيك عن الشقة التي كما لو حدث بها زلزال، ركض نحوها ليحملها راكضاً خارج الشقة ثم تجاوز الدرج في ثواني قليلة ليتجه نحو سيارته ثم وضعها جواره، أستقل محله ليسابق الرياح في سرعته، ينظر لها بين الحين والآخر فيجدها نائمة لا حول لها ولا قوة!!!!
• • • •
صرخ بالأطباء و هو يحملها بين ذراعيه ليأتوا له طاقم من الأطباء ذوي الخبرة العالية، وضعها على الفراش المتنقل ليأخذوها فوراً يفحصوها، بينما جلس هو على المقعد ونبضات قلبه تتسارع، معدته تؤلمه من التوتر وحبات العرق ملتصقة بجبينه، بعد قليل خرج له الطبيب قائلاً يُطمئنه:
- متقلقش يا باسل بيه مافيش حاجة واضح أن المدام أتعرضت لصدمة ودة اللي سببلها الإغماء، بس الإزاز اللي كان في إيدها للأسف ساب جرح عميق شوية في إيد واحدة أما الإيد التانية حالتها تمام الحمدلله،أحنا هنلف إيديها الأتنين و إن شاء الله مع الكريمات اللي هكتبهالها و المراهم هتبقى تمام..
لا يعلم لما شعر بأن قلبه آلمه بعنف، و هو يندم على أنه ضغط عليها بتلك الطريقة التي جعلتها بهذه الحاله، ليردف للطبيب بنبرة جامدة..زائفة:
- طيب وهتفُك الشاش دة أمتى؟!
- المفروض تيجي الأسبوع الجاي نشوف الجرح!!!
أومأ "باسل" ليتجاوزه يدلف لها دون إستئذانه، و فور دخوله للغرفه أُعتصِر قلبه بقسوة عندنا وجد كلتا يداها ملفوفتيه وعيناها تنظر أمامها، أقترب منها ببرود قائلاً بنبرة خاوية:
- بقيتي كويسة؟!!!
أومأت و هي تنظر له بحزن، لتزيح الغطاء بقدميها ثم وضعت قدميها على الأرض وكادت أن تقف حتى تتأهب للذهاب، ولكنها في ثوانٍ معدودة وجدته يحملها بوجهٍ جامد، لتسند هي رأسها على كتفه و الدمعات تنهمر من عيناها كالشلالات، خرج من المشفى ثم وضعها في مقعدها ثم أغلق الباب بعنف لتنتفض هي باكية بحُرقة، أستقل السيارة جوارها ليسير بها بسرعة و صوت بكائها القوي يُحفر في ذاكرته، طوال سيرهم في الطريق لم تتوقف عن البكاء و هو لم يعيرها إهتمام!!!!
• • • •
وصلا للمنزل لتخجل "رهف" من الأشياء المحطمة، لتلتفت له قائلة بعفوية:
- انا هنضف الشقة وانت نام..!!!!
ألتفت لها قائلاً بنبرة تحذيرية:
- متلمسيش حاجة فيها، أنا هجيب حد من القصر ينضفها!!!!
نظرت له بحزن، ألتلك الدرجة لا يريدها أن تعبث بشئ بشقته، ولكنها وجدته يردف بسخرية:
- ولا تكوني هتنضفي برجلك مثلاً!!!
نظرت لكفيها لتعلم سبب ما قاله، شعرت بسعادة خفية أنه لازال خائف عليها، ولكنها عادت تزفر بإختناق و هي تتمنى لو أنها ترى كابوساً وستفيق منه، كاد أن يذهب لغرفتهم لتردف هي قائلة بنبرة مختنقة من كثرة البكاء:
- أنا هنام في أوضتي عشان متضايقش!!!!
لم تسمع سوى صوت الباب يُصفع بقوة، أبتلعت تلك الغصة في حلقها بقسوة لتدلف لغرفتها مرتمية على الفراش بحزن شديد..!!!!
• • • •
شعرت بكفوف صغيرة تتلمس وجهها توقظها من نومها ليداعب أذنها صوتٍ طفولي يقول بعجلة ونبرة خائفة:
- مامي، مامي قومي بقا!!!!
فتحت عيناها تنظر لصغيرها لتنهض مغمغمة بنبرة ناعسة:
- في أيه يا عمر؟!!!
قال عمر بذعرٍ و هو يشير للخارج:
- في حد في أوضتي يا ماما!!!!
جحظت بعيناها برعب لتلتفت لكي توقظ زوجها صارخة بإرتعاد:
- ريـــان، ريـان قـوم!!!!!
أنتفض "ريان" على صراخها قائلاً بحدة:
- في أيه يا هنا حد يصحي حد بالشكل دة، أنتِ أتجننتي؟!!!
حملت "هنا" صغيرها قائلة بوجهٍ شاحب:
- عمر بيقول أن في حد فـ أوضته!!!!
قطب حاجبيه يحدة فمن يجرؤ على الدخول لمنتصف بيته!!! لينهض سريعاً ثم أخذ مسدسه من خزانته، ليشير لهم مزمجراً بنبرة تحذيرية:
- إياكوا تتحركوا من هنا!!!!
أنفعلت "هنا" قائلة بصوتٍ عالي وهي تتقدم منه حاملة "عمر":
- لاء طبعاً أنا جاية معاك!!!!
صرخ بها "ريان" بنبرة أرعبتها:
- هـــنـــا!!!!!
تسمرت في محلها ليتابع هو السير واضعاً المسدس بين كفيه يتأهب ليصيب أي شخص يتعرض لعائلته، فتح غرفة أبنه لتدور عيناه بحذر بين أرجاء الغرفة، فوجد ظلٍ يتحرك تجاه الشرفه، صرخ "ريان" بقوة ليشتت أنتباهه راكضاً نحو الشرفة ولكن للأسف قفز من الدور الأول ولم يستطيع اللحاق به، رفع المسدس في السماء ليضرب طلقات متتالبة حتى يخاف الأخير الذي كانت سرعته فائقة، ألتفت عندما سمع "هنا" خلفه تبكي بخوف محتضنة ولدُها الذي أخفى أنفه بعنقها، وضع السلاح جانباً ليمضي نحوهها، حاوطهما بذراعيه يقبل جبين طفله، لتردف هي بنبرة مهتزة:
- مين دة يا ريان، وعايز أيه مننا؟!!!
مسح على خصلاتها قائلاً بحنان:
- أهدي مافيش حاجة، هجيبه.. لو تحت الأرض هجيبه متقلقيش!!!
حاوطت خصره ليعانق "عمر" أبيه الذي أخذه ليجلسه على فراشه قائلاً:
- عمر حبيبي أحكيلي اللي حصل!!!!
- أنا كنت نايم يا بابي وبعدين حسيت بحد بيتحيك "بيتحرك" في الأوضة، ولما قومت وبصيت لقيت حد في البلكونة بيحاول ينُط، ف جيت وقولت لمامي!!!!
أومأ "ريان" و هو يحاول أن يهدأ من روعه، ليحمله بحضنه ثم أخذها من كفها متجهين لغرفتهم، لينام "عمر" في الوسط محتضناً والدته من عنقها..!! بينما هو لم ينام!!!!
• • • •
تتسود صدره ترتدي أحد قمصانه البيضاء، لتسمع صوته يقول بنبرة غريبة:
- ملاذ!!!!
↚
رفعت نظراتها له بدهشة ليردف قائلاً بشرود:
- أنتِ تعرفي ريان مش كدا!!!!!
أرتعش جسدها كما لو كان هواء بارد عصفها، لتزدرد ريقها جالسة على الفراش أمامه قائلة بتوتر:
- هعرفه منين أصلاً، أنا شرحتلك كل حاجة في المستشفى!!!!
أعتدل في جلسته أمامها ليقبض على رسغها قائلاً بنبرة سوداوية:
- قولتلك قبل كدا مبحبش الكدب، إياكي تكدبي عليا وقوليلي دلوقتي أنتِ تعرفيه منين!!!!
قطبت حاجبيها بألم قائلة وهي تحاول نزع كفه بعيداٌ عنها:
- ظافر!!! إيدي هتتكسر!!!!
- أنطقي!!!!
صرخ في وجهها بقسوة لتقول هي سريعاً:
- هقولك والله بس سيب إيدي!!!
ترك ذراعها لتنظر هي له بندم قائلة بتردد:
- ريان ، ريان كان بيحبني من زمان وكان عايز يتجوزني!!
أغلق باب الشقة خلفه ليطالع الظلام الكاحل بالشقة، سار بخطواتٍ واهنة نحو غرفتهم، حاملاً ثقلٍ على عاتقيه لا يزيحهما سواها، ولأنها لم تخرج من غرفتهم ما يُقارب اليومان ولا يراها تقريباً سوى مرتان باليوم أصبح مشوشاً وكأنه تائه لا يعلم طريقه، جلس على الأريكة بذلك الظلام الموّحش واضعاً رأسه بين كفيه منحنياً للأمام، لا تفعل شئ سوى أنها تخرج من غرفتهم وتُعد الطعام لهم ثم تدلف مرة أخرى معتكفة على الفراش، ولا يفهم سبب ما يحدث، عندما ينام جوارها يسمع أحياناً همهمات بكائها معتقدة أنه غفى ولن يسمعها، لا تعلم أنه لا ينام بالأساس وهي بتلك الحالة، ولأنه "ريان" متبلد القلب لا يسألها عما يضايقها، لا يتحدث معها معتقداً أنها ستعود لطبيعتها قريباً، فهو يعلم طبيعة النساء الحزن والكآبة تغلب عليهم دائماً، ولكن اليوم عندما لم تأكل شئ أزداد قلقه عليها، حتى "عمر" لم تتحدث معه سوى القليل، وعند تلك النقطة نفذ صبره حقاً، لينهض ملقياً ببذلته بعنف على الأرضية، أقتحم الغرفة ليجدها مظلمة كالعادة، أشعل الأنوار ليجدها كما هي نائمة على الفراش لا يظهر منها شئ، أقترب منها ولم تُخفي عليه رعشة جسدها، ليزداد غضبة أضعافاً، فهي تظنه أبله لا يعلم أنها مستيقظة، أمسك بطرف الغطاء ليجذبه ملقياً به على للأرض و هو يصرخ بصوتٍ جهوري زلزل الجدران:
- قومي وكلميني!!!!
نظر لجسدها الضئيل والمتكور كالجنين، أهدابها التي ترتجف بخوفٍ وجفونها المسبلة تتحرك بتوتر لم تستطيع السيطرة عليه، ليزمجر بعنف ثم أمسك رسغها ليجعلها تنهض يبصق كلماته في وجهها بحدة:
- عمّال بقول سببها براحتها يمكن زعلانه من حاجة ومش عايزة تقول، دلع بنات و هيروح، بشوفك بالعافية ولما برجع من الشغل بتعملي نفسك نايمة عشان متتكلميش معايا، وبعد م تحِسي أني نمت بتعيطي وفاكراني مش هسمعك، أنتِ عايزة أيه يا هنا؟! بلاش تهربي زي الأطفال وقوليلي عايزة أيه!!!!
أمتلئت عيناها بالدموع عندما صرخ بوجهها في آخر جملته و قسوة كلماته تجسدت على هيئة خنجر غُرز بمنتصف قلبها، و عند كل كلمة تخرج من ثغره كان يهز جسدها بعنف ضاغطاً بقسوة على كتفيها، صدرت شهقات خافته منها تُنذر ببكاء حارق ستبكيه الأن، وهي التي كانت تعتقد أنه سيكون رئيفاً بها و سيسألها بهدوء عما يؤرقها، ولكن ليس زوجها من يفعل هذا أبداً، بالطبع لن يتخلى عن غروره ويسألها عما يُحزنها، أرتخى جسدها رويداً وهي تبكي بحرقة ورأسها متدلية تنظر للأرض التي لم تضح رؤيتها بسبب عيناها المبللة بالدموع، بينما أرخى هو قبضتيه عن كتفيها و بكائها جعله يتمنى لو أن يأخذ حزنها بأكمله ويضعه بقلبه هو، هو يعلم أنها لن تقول ما يُضايقها، فـ "هنا" لا تستطيع أن تعبر عما بداخلها أبداً، عيناها تفيض بالحنان والحب ولكنها لا تعترف، و هو الأن يرى حزناً ليس له مثيل داخل حدقتيها، أغمض عيناه يحاول تهدأة نفسه حتى لا يتهور، يقنع نفسه بأنها لن تقول شئ بصراخه عليه، بجب أن يتمهل ويتعامل معها كـ صغيره "عمر" عندما يحزن، حاوط كتفيها برقة ليضمها له ملصقاها به يربت على خصلاتها قائلاً بصوتٍ هادئ يعاكس ما حدث قبل دقيقتين، لتستند هي برأسها على صدره مغمضة عيناها وقد بدأت شهقاتها بالإنخفاض تدريجياً للمساته الحانية، لتسمعه يهمس بصوتٍ مُحمل بالقلق:
- قوليلي أيه اللي مزعلك طيب وانا هحل الموضوع!!!!
أبتعدت عنه لتفرك عيناها قائلة بصوتٍ خافت:
- مافيش حاجة أنا كويسة..!!!
تجاهل ما قالته ليقترب منها قائلاً بهدوء:
- عملتي حاجة غلط وخايفة تقوليلي عليها؟!!!
نفت برأسها ببراءة، ليقول مخمناً:
- خايفة من الحرامي اللي دخل؟!!، متقلقيش انا ببحث ف الموضوع وهجيبه!!!!
نفت أيضاً قائلة بهدوء:
- مش عشان كدا!!!
حاوط وجهها يرفعه له لعله يفهم من عيناها سبب حزنهاولكن عندما لم يرى شئ سوى الدموع هتف بنبرة مُرهقة:
- أومال في أيه..؟!!!
أسترسلت بصوتٍ مبحوح أثر البكاء وهي تنظر لعيناه:
- أنت يا ريان مش بيفرق معاك أصلاً إذا كنت أنا زعلانه ولا لاء، بدليل أن بقالي يومين قاعدة في الأوضة ومفكرتش تيجي تقولي مالِك، ولسة فاكر النهاردة تسألني وكمان جاي تزعق!!!، أنا بجد تعبت منك ومبقتش عايزة أتعامل معاك أصلاً، لأني كل مـ بشوفك قلبي بيوجعني أكتر، وأنا قلبي أكتفى من الوجع خلاص!!!!
صُدم لحديثها ليُبعد يداه عنها وقد عاد لحالة البرود كما كان سابقاً، ليومأ لها قائلاً:
- للدرجة دي أنا بوجعك؟، طب ومستحملة ليه يا هنا، أيه اللي يجبرك تتحملي تعيشي معايا!!!
صرخت به بقوة محركة يداها في الهواء:
- عشان أنا غبية وبحبك، عشان مش هقدر أعيش من غيرك، رغم كل اللي بتعمله معايا وبردو مش عارفة أكرهك، أرتحت؟!!!!!
جمدت تعابير وجهه تماماً، لا يعلم تحديداً بما يشعر، قلبه يلعن نفسه لأنه لا يستطيع أن يبادلها مشاعرها، و بنفس الوقت فرِحاً بإعترافها، فهو يعلم أنها تعشقه عشقاً، يعلم أنها ستفعل أي شئ في سبيل إرضاءه، ولكنها تعترف له علانيةً أنها تعشقه، مما جعل أبتسامة لا يعلم سببها تظهر على ثغره، لتستشيط هي غضباً تلعن غباءها لتبعده من كتفه تستلقى على الفراش تخفي جسدها ووجها بالغطاء ففعل هو بالمثل لا يستطيع إزاحة أبتسامته عن وجهه، ليجذبها نحوه واضعاً ذراعه أسفل كتفيها ثم مد كفه يحاول إزاحة الغطاء عن وجهها لكي تستطيع التنفس ولكنها كانت ممسكة به بشدة، لتصدح ضحكاته الرجولية بالغرفة قائلاً:
- يا هبلة هتتخنقي!!!!
أستطاع أخيراً إبعاده عن وجهها ليتأمله مبعداً خصلاتها عن وجهها مقرباً وجهه من وجهها حتى أصبح لا يبعدهما سوى بعض الإنشات القليلة، تصاعدت الحُمرة لوجهها عندما ألصق شفتيه بثغرها في قبلة بطيئة، تعالت نبضات قلبها عندما أبتعد عنها لتغمص عيناها تغمغم بخفوت شديد:
- ريان..
دفن أنفه بعنقها يستنسق عبير رائحتها يهمهم، يطبع عدة قبلات عليه جعلتها ممسكة بياقة قميصه تعلن أستسلامها له للمرة الألف..!!!!
• • ••
وقفت أمام باب غرفته لا تعلم أتدلف أم تتراجع، ولكن ما تعلمه أنها ستجعله يسامحها بأي طريقة، وبالفعل دلفت ببطئ لتجد الغرفة مظلمة، لتلمحه نائم على الأريكة واضعاً ذراعه على عيناه كالعادة، فتحت الأنوار لتقترب منه ببطئٍ حذِر، كم أشتاقت له و لصوته، أشتاقت لمزاحه معها، لضحكاته، ثمانية وأربعون ساعة و وعشرة دقائق لم يُخاطبها بكلمة واحدة، و ليشهد الله أنه لم ينظر لها حتى، آهات قلبها المكتومة أمامه تُخرجها في وسادتها ليلاً، ولكن كفى، ستخرج مكنونات قلبها وتُعري روحها أمامه عله يلين قليلاً لتبعد ذراعيه بكفيها ثم وضعتها على معدته، أمتدت أناملها تسير على وجنتيه برقة مما جعله يهمهم مستمتعاً بلمساتها، ضحكت في خفوت عندما شعرت بتأثيرها عليه، لتنثنى عليه بوجهها هامسة بدلال :
- باسل..
لم يعي "باسل" وجودها جواره وأعتقد أنه ينعم بحلمٍ جميل لن يتحقق بالواقع، ولكن تلك الدغدغات التي تسير على وجهه يشعر بها وليست بحلمٍ أبداً، فتح عيناه بذعرٍ لينتفض مزيحاً ذراعها ينهض واثباً يصرخ بها بحدة:
- أيه اللي جابك هنا؟!!!!
نهضت "رهف" قائلة بتوتر :
- كنت جاية أطمن عليك بس والله!!!!
↚
توحشت عيناه ليقترب منها ممسكاً بكتفيها بعنف مردفاً:
- أحسنلك متظهريش قدامي، متحتكيش بيا أصلاً عشان صدقيني هتندمي!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع التي لهبت وجنتيها، نظرت داخل عيناه لربما تجد أي لمحة عشق ولكن لم تجد سوى قسوة لن تستطيع محوها، غمغمت في همسٍ:
- باسل متعملش كدا!!!
ضغط أكثر على كتفيها قائلاً بقسوة:
- أنا لسة معملتش حاجة!!!!
أستكمل بنبرة متوعدة:
- هدوقك من نفس الكاس، وهحرمك من أبنك العمر كله!!!!
كورت كفيها لتضربه في صدره بحدة صارخة بعنف أم مهددة بحرمان صغيرها منها، لتبرز عروقها من شدة الغضب:
- وأنا مش هسمحلك تعمل كدا، دة أبني ومحدش هياخده مني!!!!
أنفلتت أعصابه ليجذب خصلاتها بعنف لا يأبي لصراخها، جذبها معه خارج الغرفة ثم تركها أمام الباب مزمجراً بصوتٍ كاد يهُز الجدران:
- مش عايز أشوف وشك أبداً، شهور حملك هستحملهم بالطول وبالعرض وبعدها هاخد أبني و أسافر، مش هسمح لأم أنانية زيك تربي أبني الوحيد!!!!
عجز لسانها عن النطق، وكأنه رُبط بمكابلٍ من حديد، لتعود بعد دقائق تجأر بحدة ضاربة الباب الذي صفع بوجهها بكلتا كفيها، ليخرج من جوفها صوتٍ قوي ولكن مهزوز:
- مش هسمحلك تعمل كدا، مش هتاخد أبني مني يا باسل غير على جثتي!!!!
• • • •
قفزت "فريدة" على الفراش تنكز جسده قائلة بملل ستبكي منه:
- يا مازن قوم بقا حرام عليك كل دة نوم، انا قاعدة برا لوحدي!!!
فرك الأخير عيناه لينهص نصف جالسة وهو يضع كفيه على مقلتيه يُبعد الضوء المزعج،قائلاً بصوتٍ مستحشرج:
- الساعة كام؟!!!
- 5 الفجر!!!!
قالت وهي تنظر له ببراءة لتتوسع عيناه بصدمة، ليجذبها من كنزتها قائلاً بغلٍ:
- و مصحياني خمسة الفجر أبيع لبن و لا ايه!!!!
حاولت إبعاد أنامله الغليظة قائلة بتأفف:
- يا مازن سيبني، انا مش عارفة انام والله و عايزاك تقوم تسهر معايا!!! يزيد جاي بكرة مع طنط رقية وهو اللي كان دايماً بيسهر معايا!!!
ترك كنزتها ليحاوط كتفيها جاذبها نحوه ليجعلها تستلقى جواره ملصقاها بجسده وذقنه أعلى رأسها مغمضاً عيناه بنعاس حقيقي:
- نامي ونسهر بكرة مع يزيد!!!!
تلوت بجسدها تحاول الأبتعاد عنه ولكنه كان مقيداً لها بإحكام، تأففت بقنوط لترفع أنظارها.متأمله وجهه المرتخي، ليبتسم مقبلاً جبينها هو لازال مغمضاً عيناه، يربت على خصلاتها قائلاً بنعاس:
- ربنا يهديكي ياحبيبتي..!!!
نظرت له بغيظ لتزم شفتيها بطفولية ثم دفنت وجهها في صدره مغمضة عيناها، مستسلمة لكفه الذي يسير على خصلاتها بتناغمٍ، ولم تشعر بنفسها سوى غفُوها في أحضانه، بين ذراعيه، و أذنها تسترق السمع لنبضات قلبه..!!!
• • ••
جالسة على الأريكة تضم ركبتيها لصدرها، لم يزورها النوم وهو بعيداً عنها، فمنذ أن أخبرته بالحقيقة ذهب ولم يعود، وهي تعلم أنه عند قمة غضبه.. يبتعد، لأبعد نقطة لكي لا يؤذي أحد بطوفان مقته، أدمعت عيناها وهي تتخيل ماذا يفعل الأن بمفردُه وحيداً، و هل ستخمد نيران قلبه عندما يعود، أم ستزداد إشتعالاً وتحرِق الأخضر واليابس!!!!
"ظافر" ليس كأي رجل قابلته هي في حياتها، هو يختلف كُلياً، يختلف لدرجة أنها أصبحت لا تتوقع ردة فعله تجاه أي موقف يُقابله، وذلك ما يُقلقها، لتعود بذاكرتها عندما أجابته على كامل أسئلته..
أشتعلت النيران بعيناه وهو يتلقى إجابتها التي كانت كالجمر يجثو على صدره، ليجعله يصرخ ألماً دون صوت!!!
أخذ نفساً عميق وحاول أن يكُن مُتحضراً حتى لا يندم عما سيفعله، ولكن التحضر لا يندمج مع "ظافر" ذو الشخصية المندفعة والهوجاء، لينهض من على الفراش ثم أشعل لُفافة تبغه ينفث بها غضبه، قائلاً وكفيه يرتعشا من شدة الغضب المُبطِن:
- كمِلي!!!!!!
رُغم أنه لم يقُل سوى كلمة واحدة، ولكنها كانت كافية لتجعل جسدها يرتجف رعباً، نهضت من على الفراس واثبة أمامه مرتدية قميصه الأبيض، لتردف وصدرها يعلو ويهبط توتراً:
- هو كان بيحبني جداً، وأتقدملي، و أنا وافقت، مش عارفة ليه وافقت وقتها بس لما شوفت في عيونه أنه بيحبني بالطريقة دي وافقت، كان ساعتها على أد حاله مكنش معاه فلوس كتير، وانا بردو كنت صغيرة وكنت بنت عادية، الكلام دة لما كان عندي 18 سنة، ولما كبرت شوية وبقيت مصممة أزياء كبيرة إلى حدٍ ما بالنسبة لسني الصغير، بقيت بتكبر عليه وبعامله بطريقة وحشة جداً عشان يمشي وسيبني، بس هو كان مستحملني، لحد مـ أنا اللي قولتله اننا لازم نسيب بعض، وسافرت باريس وسيبته، وعرفت بعد كدا أنه عمل حادثة بعد سفري بساعات، ساعتها ضميري وجعني أوي وكنت بفكر ارجعله عشان عارفة أنه بيحبني، بس مرجعتش وكنت بقول أنه هينساني أكيد، وبعدها بحوالي شهرين عرفت أنه أتجوز، وكنت عارفة أنه بيحاول ينساني بواحدة تانية، عدت سنين كتير لغاية لما قابلته هو وأبنه ف عملية مازن، حسيت أني أد أيه كنت زبالة زمان يا ظافر، وكنت أنانية جداً، مش بفكر غير في نفسي، والله دة اللي حصل ومش بكدب عليك في حاجة!!!
أنهت حديثها جالسة على الفراش تبكي بحُرقة، لا تريد أن تنظر لمِحياه تُخفي وجهها بكفيها!!!
ملامحه غير المقروءة، و فكه النابض و كأن كل خلية بجسده تصرخ أعتراضاً عما تتفوه به، ضغط على السيجار بيده ولم يشعر بألمٍ، ف ألم روحه أضعاف، تمنى لو أن يذهب ويحطم وجه ذلك الـ "ريان"، صارخاً به كيف يُفكر بحبيبته، كيف كان سيتزوجها وكانت ستصبح ملكه هو!!، فقد أعصابه عندما وصل تفكيره لهُنا، ليجأر بحدة ثم ضرب بقدمه الكومود ليسقط أرضاً ويسقط ما كان عليه، أخفت رأسها بفزعٍ وهي تبكي ظناً منه أن سيتطاول بيده عليها، ولكنها سمعت الباب يُغلق حتى أقسمت أنه كاد أن ينشطر نصفين!!!!
عادت "ملاذ" من ذكرياتها على باب الجناح الذي فُتح ببطئٍ، أنتفضت واقفة تطالع هيئته، بدايةً من خصلاته المشعثة وعيناه المرهقة، و بذلته التي تدلت من كتفه بفعل يده، أغرورقت عيناها بالدموع قائلة بنبرة تُفطر القلب:
- ظافر، أنت كويس!!!
لم يُجيبها ليدلف لغرفتهم بصمت ثم دلف للمرحاض بعد أن أخذ بنطال لينام به، لتجلس هي مجدداً على الأريكة دافنة وجهها في ظهرها ذو القماش الجلدي تضم قدميها لصدرها، أنتظرت كثيراً حتى خرج ثم ألقى جسده على الفراش ليسود الصمت عدا أنين بكائها الخافت، تقلّب "ظافر" في الفراش يعلم أنه لن ينام إن كانت تبكي، و لن تنسدل جفونه إن لم تكُن بين ذراعيه، نهضت وكأنها قرأت ما يُفكر به، لتنام جواره ثم حاوطت خصره من الخلف، ليغمض عيناه بشدة يحاول عدم الألتفات لها وضمها، ولكن إزداد الأمر صعوبة عندما همست بصوتٍ باكي:
- قولتلي قبل كدا مهما حصل بينا منامش غير و أنا في حضنك!!!
ظل مغمضاً عيناه يطلب من ربه الثبات، فتلك النبرة مع بكاءها و ذراعيها المحاوطان جزعه ستفقده عقله لا محال، تنهدت هي بحزن لتُغمض عيناها فنامت فوراً، و عندما تأكد من إنتظام أنفاسها ألتفت بحذرٍ، ليضمها لصدره يلعن الحب بداخله، فـ قوة الحب تتغلب على الكبرياء والغرور دائماً، و هو دليلٌ حي لذلك، مسح بأنامله الدمعات العالقة على وجنتيها ليقبلهما، لتندفع هي دون وعي داخل أحضانه ضامة ذراعيها أمام صدره، و عند تلك اللحظة فقط غفت غابات الزيتون، و أسدل الليل الحالك ستائره، بعد أن شهِد على أجمل قصص الحب بأنواعها!!!!
• • • •
أستفاقت "ملاذ" لتجد نفسها وحيدة في الفراش، نظرت جوارها ولكن لم تجده، نهضت نصف جالسة لتنظر لساعة الحائط فوجدتها تشير للعاشرة، بالتأكيد هو في شركته الأن، طُرق باب الجناح فجأة لتنهض ثم أتجهت نحوه، أدارت المقبض لتفتحه فوجدت "رقية" تقول في مرِحها المعتاد:
- صباح الخير يا بنتي!!!
أبتسمت "ملاذ" ببهوت قائلة:
- صباح النور يا ماما، هو ظافر راح الشركة صح؟
أومأت "رقية" قائلة بجدية:
- صُح، نزل الصبح و كان مستعچل حتى جولتله يفطر بس مارضاش..
تنهدت "ملاذ" و هي تفرك أصابعها بعيون قلقه، لتستكمل "رقية" قائلة:
- يلا يابنتي چهزي حالك عشان نفطر سوا، چواد و ملك جاعدين معانا تحت بس هيمشوا على طول!!!
- ماشي هلبس حاجة بس وهاجي!!!!
نزلت "رقية" للأسفل بعد أن أستعجلتها، لترتدي "ملاذ" إسدال للصلاة عندما علمت بوجود "جواد"، ثم نزِلت للأسفل معهم، جلست على مقعدها جوار "يزيد" ثم أخذت تُطعمه كالعادة منذ ذهاب "فريدة" حتى لا يحزن، ولكنها لم تأكل بل ظلت تعبث بالملعقة شاردة لتنظر لها "ملك" قائلة بقلق:
- مش بتاكلي ليه يا ملاذ، وشكلك تعبان في حاجة حصلت؟!!!!
رفعت "ملاذ" أنظارها لها لتبتسم قائلة:
- مافيش حاجة يا لوكا أنا بس حاسة أني تعبانة شوية!!!
أومأت الأخيرة بعدم أقتناع، لينهض "جواد" بعد أن أخذ بذلته قائلاً لـ "ملك" بجدية:
- يلا يا ملك عشان أروّحك البيت عندنا وبعدين هروح الشركة..
نظرت له بدهشة، لتردف بعدها بثواني برجاء:
- لاء أنا عايزة أقعد مع ماما والنبي يا جواد!!! أنا حتى لسة مشوفتش مازن وكنت عايزة أروحله عشان وُحشني
مسح على وجهه بكفيه بغصب، لتعترض والدتها التي قالت سريعاً حتى لا تشتعل الأمور بينهم:
- كفاياكي دلع عاد يا ملك، جومي روّحي مع جوزك، زمان حماتك مستنياكي وانتِ من ساعة عملية مازن مروحتوش عنديها، وأنا هروح أزوره و معايا الوكل زي كل يوم، و يوم تاني هنروح كلنا نجضي اليوم عندهم!!!
أومأت "ملك" بحزن وهي تعلم أن أمها محقة بما تقول، لتنهض بعد ان ودّعتهم، لتذهب معه خارج القصر، وداخلها لا يريد الذهاب، فرغم والدته التي لم تُسئ لها بكلمة يوماً، ولكن كره"ياسمين" الغير مبرر لها ما يقلقها، جلست جواره بسيارته لتشعل مُشغل الموسيقى على أغنية لفيروز تعشقها، أخذت تدندن معها بينما هو مبتسماً علي جنونها، وصلا لقصره بعد وقتٍ طويل لتُفتح بوابة القصر ليصتطفها جانباً، ثم ترجل من السيارة نازعاً نظارته الشمسية، جلست هي بخوفٍ لا تريد النزول، ليلتفت لها بغرابة قائلاً بوقاحة:
- هعزم على سيادتك ولا أيه؟!!!
إزدردت ريقها لتترجل ببطئٍ ثم أمسكت ذراعه قائلة وهي تنظر للصقر من الخارج:
- جواد أنت ليه جبت القصر دة؟!! شبه اللي بيطلعوا في أفلام الرعب والله، أنت أيوا مرعب وأنا ساعات بخاف منك بس ذوقك بيرعبني!!!!!
صدحت ضحكاته الرجولية ليخرج من جيبه مفتاح القصر ثم دسه به، دلفا ليجدوا "ياسمين" جالسة أمام التلفاز، لتنتفص سريعاً راكضة نحو أخيها تتشبث بعنقه قائلة بإشتياق حقيقي:
- وحشتني أوي يا جواد، كنت فين كل دة حرام عليك!!!
ربت على ظهرها بحنان بكفٍ والأخر ظل ممسكاً بـ "ملك" التي حاولت الأبتعاد لترك مساحة من الحرية لهم، ولكنه لم يتركها..
- أنتِ كمان يا ياسمين وحشتيني أكتر، بس أنتِ عارفة اللي حصل مع مازن أخو ملك عشان كدا كنت بطمن عليكوا بالفون بس..
أبتعدت عنه "ياسمين" لترمق "ملك" بإزدراء لم يُلاحظه "جواد"، لتقول سريعاً وهي تركض للداخل:
- هروح أنده ماما!!!
ألتفت "جواد" ممسكاً بكتفيّ "ملك" قائلاً بحنان:
- حبيبتي أنا هسلم على أمي و همشي عشان عندي شغل كتير، لو أي حاجة حصلت كلميني ومتخافيش، أنا مش هتأخر هرجع على طول وأنتِ اقعدي مع أمي أو نامي زي م تحِبي، تمام؟!!
أومأت "ملك" بإبتسامة تحاول طمئنته:
- حاضر يا حبيبي، متقلقش عليا!!!
ضمها لصدره مقبلاً رأسهأ قائلاً بمزاح:
- أيوا أنا عارف أني متجوز راجل!!!
ضربته على صدره توبخه متذمرة، قائلة بحزن زائف:
- يعني أنا راجل ف نظرك يا جواد؟!!
أبعدها عنه قائلاً بإبتسامة عاشقة:
- أسكتي يا هبلة، دة أنتِ ست البنات!!!
ضحكت "ملك بشقاوة لتأتي "إيناس" والدته التي أرتمت في أحضانه تضمه لها بشوق، تردف بعتابٍ شديد:
- حرام عليك يا جواد والله تسيبنا كل دة من غير حتى مـ أشوفك و أطمن عليك!!!
أبتسم "جواد" قائلاً:
- في أيه يا جماعة دول هما يومين تلاته، هو أنا كنت في العراق، وبعدين يا أمي كلنا كنا خايفين على مازن ومكنش ينفع أسيب ملك لوحدها..
أبتعدت عنها لتنظر لـ "ملك" التي أبتسمت لها، ولكنها تلقتها في أحضانها قائلة وهي تربت على ظهرها:
- حبيبتي يابنتي والله أنتِ كمان وحشتيني زي جواد بالظبط..
هتفت بسعادة وهي تبادلها عناقها:
- والله حضرتك أكتر!!!
أبعدتها عنها قائلة بقلقٍ:
- أخوكي بقى كويس صح؟!!!
اومأت "ملك"سريعاً تحمد ربُها، لينظر "جواد" في ساعته قائلاً بجدية:
- أنا اتأخرت اوي، أمي أنا مش هتأخر معلش خلي بالك من ملك..
- في عنيا يا ضنايا...
قالت "إيناس" ليذهب "جواد" بعد أن ودًعهم، فجلسا ثلاثتهم ونظرات "ياسمين" الحاقده تنغُزها، فقررت "ملك" الصعود لغرفتها لكي لا تحتك بها، لتستأذن "إيناس" تقول لها بكلامٍ لبِق:
- معلش ياماما أنا هطلع بس أخد شاور و أغير هدومي وهنزل أقعد مع حضرتك..
اومأت الأخيرة قائلة:
- أكيد يا حبيبتي أطلعي!!!
وفي ثوانِ كانت "ملك" بجناحهم، لتدلف للحمام لكي تستحم.. وبعد دقائق خرجت منه تلُف جسدها بمنشفة طويلة، جففت خصلاتها ثم جلست تُمشطها، لترتدي منامة مريحة ثم أطلقت خصلاتها للعنان، لتنزل لهم فوجدت "إيناس بالمطبخ "وياسمين" جالسة أمام التلفاز، حمحمت بإحراج لتجلس جوارها فهذا هو الوقت لفض الخلاف بينهما لم تعيرها "ياسمين " إهتمام ممسكة بجهاز التحكم، أخذت "ملك" نفساً عميقاً ثم قالت برفق:
- ممكن أعرف أنتِ بتكرهيني أوي كدا ليه!!!
لم تنظر لها وكأنها لم تتحدث أبداً، لتكمل قائلة بحزن:
- من وأحنا صغيرين وأنتِ مش بتحبيني، لما كنت باجي هنا و أنا طفلة كنتي بتضربيني وتروحي تعيطي لجواد وتقوليله أن أنا اللي ضربتك، وساعات جواد كان بيزعقلي مع أن مليش ذنب في حاجة، بس وقتها كنا أطفال مش فاهمين حاجة، بس ليه دلوقتي بتعامليني كدا؟!!!
أنتفضت "ياسمين" كمن لدغتها أفعى ملتفتة لها تلقي بجهاز التحكم أرضاً تقول بغل:
- عايزة تعرفي بكرهك ليه؟!!!، عشان دايماً جواد بيفضلك عني وبيعاملك أحسن، من وأحنا أطفال وأنا بحس أنه بيحبك أكتر مني، ولما كبرنا و أتجوزتوا كرهتك أكتر، أنتِ كابوس بالنسبالي مش عارفة أخلص منه!!!!
قطبت حاجبيها بألمٍ لتردف بصوتٍ خافت:
- للدرجة دي!!!!
نهضت واثبة بحقدٍ صارخة بها:
- و أكتر يا ملك، لو لسة عندك دم ياريت تمشي من حياتنا، أطلعي من حياة أخويا وسيبينا في حالنا بقا!!!
برقت عيناها بالدموع لتنهض واقفة أمامها قائلة بصوتٍ مهزوز:
- صدقيني يا ياسمين جواد بيحبك جداً، و أنا أصلاً مستحيل هفرق بينكوا لأنك أخته، هو ممكن كان بيهتم بيا وأنا صغيرة أكتر منك شوية عشان أنا كان دايماً بابا بيزعقلي وساعات كتير بيضربني، فهو كان حنين عليا زي مـ كان ظافر وباسل ومازن بيعملوا معايا، بس أنتِ باباكي الله يرحمه كان بيحبكوا جداً ومش بيعمل فيكوا حاجة وحشة كان بيدلعك جداً، عشان كدا هو كان بيهتم بيا زيادة بس والله هو في الحقيقة بيحبك أنتِ جداً!!!
ضمت ذراعيها لصدرها مقتربة منها عدة خطوات، لتقول بنظرات متقززة:
- بلاش تمثلي دور الطيبة البريئة دة عليا، عشان أنا عارفاكي كويس، و بردو هتبعدي عن أخويا يا ملك، هخليه يكرهك وميطقش يبُص في وشك!!!!
جائت "إيناس" على صوتهم لتستمع لجملة أبنتها مما جعلها تضرب صدرها صارخة:
- يالهوي!!! أيه يا ياسمين اللي بتقوليه دة، وصوتك عالي ليه؟!!! تعالي يا ملك يابنتي أقعدي معايا في المطبخ!!!
أنهمرت الدموع على وجنتيها لتذهب معها تصارع رغبة شديدة في البكاء، دلفا للمطبخ لتجلسها "إيناس" على المقعد مربتة على خصلاتها قائلة بأسفٍ:
- متزعليش منها يا حبيبتي والله ياسمين طيبة هي بس بتحب أخوها بزيادة شوية، وملكيش دعوة بكلامها محدش هيقدر يعملك حاجة وأنا معاكي!!!
بكت بقوة لحنان كلماتها مردفة بصوتٍ مبحوح:
- لو وجودي مضايقها أوي كدا هقنع جواد أني أقعد عند ماما لحد مـ تهدى، أنا مبحبش حد يبقى كارهني مش بعرف أستحمل!!!! وصدقيني أنا مش زعلانه منها هي بردو عندها حق، وأنا هحاول أحسن علاقتها بجواد و أخليه يهتم بيها أكتر من كدا!!!
ضمتها "إيناس" بقوة قائلة متعجبة من مدى طيبة تلك الفتاة:
- ربنا يكرمك يابنتي ويديكي على أد نيتك، متتعبيش نفسك يا حبيبتي ومتفكريش في الحاجات الوحشة دي، أطلعي نامي شوية وأرتاحي!!!
حركت رأسة موافقة على كلماتها فهي بالفعل تحتاج للراحة، أستأذنت منها ثم خرجت لبهو القصر فوجدتها خالية من "ياسمين"، صعدت الدرج ناحية الجناح لتدلف مغلقة الباب، دلفت للغرفة لتستلقى على الفراش بتعب، أخذت تراجع كلمات "ياسمين" متذكرة ما حدث عندما كانت صغيرة، فهي بالفعل كانت تحظي بإهتمامٍ كبير من "جواد"، فـ في أحد الأيام عندما جاء لهم "جواد محملاً بكيس كبير من الحلويات فور أن أخبره "ظافر" أنها تجلس بغرفتها حزينة ترفص أن تأكل أو تشرب شئ، ولا يومجد من يُقنعها سواه، صعد لها ليدلف للغرفة فوجدها بالفعل نائمة على فراش تضُم عروستها لها، دموعها كحبات اللؤلؤ متناثرة على وجنتيها، جلس جوارها ليربت على خصلاتها الناعمة قائلاً بحنان:
- ملك، ملوكة، قومي يلا جايبلك حلويات كتير..
نهضت الصغيرة تفرك عيناها، ليمد أنامله يُزيل دمعاتها ولكنه لاحظ إحدى وجنتيها شديدة الإحمرار، فسقط قلبه أرضاً قائلاً بقلقٍ :
- خدِك أحمر كدة ليه!!!!
تلمس وجنتيها لتنتفض الصغيرة صارخة بألمٍ ثم أجهشت بالبكاء، واضعة كفها الصغير للغاية على وجنتها الملتهبة، ثم تفاجأ بها تلقي بنفسها بين أحضانه قائلة ببكاءٍ:
- جواد هو أنا طفلة وحسة (وحشة) ومس بسمع الكلام؟!!
قطب حاجبيه ليحاوط جسدها الصغير قائلاً:
- مين قال كدا يا حبيبتي، ومين اللي ضربك!! قوليلي!!!
- بابي ضربني وظافر زعقله جامد!!!
قالت ببراءة وهب تبتعد عنه، لتتجمد ملامحه يسُب ذلك الرجل في نفسه، ثم مسح على وجهه يتمنى لو أن كان أمامه الأن وكان سيحطم وجهه من شدة الضرب الذي سيتلقاه منه، نظر للصغيرها ليضع كفه على وجنتها الحمراء وقلبه يتمزق عليها، فبحق الخالق أب رجل عديم القلب هو ليصفع طفله لم يتجاوز عُمرها العشر سنوات!!! كيف طاوعه قلبه ليمُد يداه علي ص
غيرته، مسح على خصلاتها بحنان يُغدقها به، قائلاً برفق:
- متزعليش يا ملك، لو بتحبيني كفاية عياط...
اومأت هي بطفولية، ليردف مقبلاً كفها الصغير:
- قوليلي دلوقتي على أي حاجة وأنا هعملهالك؟!!
أخذت تُفكر واصعة أصبعها في شفتيها تنظر للسقف، ثم قالت سريعاً بفرحةٍ:
- خليك قاعد معانا النهاردة..!!!
- دة أنا هقعد معاكي أنتِ وظافر ونجيب فيلم حلو وناكل فشار وشوكولاته كمان!!!!
- هيييي!!!!!
صرخت الطفلة بحماس تحاوط عنقه بذراعيها الصغيرتان ليضحك هو ثم بدأ بدغتغتها في معدتها لتصدح صوت ضحكاتها بالقصر بأكمله مما جعل من به يندهشون لتأثير "جواد" عليها!!!!
ابتسمت "ملك" عِند تلك الذكرى لتنتفض من فوق الفراش باحثة عن هاتفها، بعد أن وجدته ضغطت عل أسمه لتضعه على أذنها، أجابها أخيراً بصوته الذي يزعزع شتاتها ويبعث الطمأنينة في قلبها، يقول بنبرة قلِقة:
- حاجة حصلت يا ملك؟!!
نفت سريعاً قائلة:
- لاء مافيش حاجة، أنا كنت بكلمك بس عشان آآآ...
هتف مستغرباً:
- عشان أيه؟!!!
- عشان أقولك أني بحبك أوي يا جواد!!!!
هتفت بنبرة شبه باكية وهي تجلس على الفراش، و هب تعلم أنه مبتسماً الأن، وما أكد لها نبرته السعيدة و هو يقول:
- و أنا بموت فيكي يا قلب جواد!!!!
بكت "ملك" بقوة ليضحك هو عليها قائلاً:
- بتعيطي ليه دلوقتي بذمتك!!!!
شهقت بصوتٍ متقطع وجسدها ينتفض كل ثانية لشدة بكائها مما جعله ينتفض من فوق مكتبه قائلاً بحنان:
- طب أهدي يا حبيبتي كفاية عياط، أجيلك طيب؟!!
هتفت وهي تمسح دموعها قائلة بصوتٍ متقطع:
- لاء .. خليك، أنا بس أفتكرت حاجة كدا هي اللي خليتني أكلمك، أنت أحن واحد شُفته في حياتي، ربنا يخليك ليا!!!
أبتسم "جواد" ليردف بلُطفٍ ونبرة فريدة:
- وأنتِ أطيب و أرق واحدة شوفتها، بس متعيطيش لحسن والله هرمي اللي في إيدي وأجيلك ويلعن أبو الشغل في الأرض!!!!
ضحكت "ملك" قائلة سريعاً:
- لاء خلاص مش هعيط أهو، بُص أنا هنام دلوقتي ولما تيجي تصحيني ماشي؟!!
- تمام، أيوا صحيح ياسمين مقالتلكيش حاجة ضايقتك؟!!
أسرعت قائلة بتوتر:
- لاء أنا أصلاً خدت شاور و قولت لماما إيناس
إني هنام شوية!!!
ردد بعدم أقتناع:
- ماشي يا حبيبتي، نامي وأنا مش هتأخر..
- حاضر!!!
غمغمت لتغلق معه، ثم أستلقت على الفراش تنام براحة شديدة!!!
• • • •
- يعني أيه نسافر يا مازن، أنا مش عايزة أمشي من هنا!!!
قالت "فريدة" بحزن ليردف هو محاولاً إقناعها برفق:
- ياحبيبتي هو أحنا هنقعد عمرنا كُله هناك، أنا شغلي كله هناك يا فريدة وفي حاجات متعطلة كتير ولازم أروح أظبط الدنيا!!!
زمت شفتيها قائلة:
- طب ويزيد؟!!!
- هييجي معانا طبعاً دة وحشني جداً الواد دة!!!
أسترسل و هو يضمها له لتومأ هي قائلة:
- ماشي يا مازن بس نرجع ع طول!!!
قبّل جبينها ثم مسح على خصلاته، ليسمعا طرقات الباب فنهضت "فريدة" لكي تفتح قائلة بحماس:
- دي أكيد ماما رقية!!!
اومأ لينهض يتبعها، فتحت الباب ليصرخ "يزيد" الصغير وهو يرتمي في أحضان شقيقته:
- ديــدا!!!
تعالت ضحكاتهما و هي تضمه لها بإشتياق شديد مقبلة كل أنحاء وجهه مما جعل "مازن" ينظر لهم بغيره ولكنه لم يظهر لهم، لتندفع "رقية" نحوه تحتضنه بقلق:
- حبيبي يابني، أتوحشتك جوي يا مازن!!!
أبتسم "مازن" قائلاً وهو يضمها:
- وحشتك أيه بس يا حاجة هو أنتِ بتسيبيني يوم من غير مـ تيجي تطمني عليا!!!
- حتى لو بردو بتوحشني!!
أردفت وهي تبتعد عنه ليمد "يزيد" ذراعيه نحو "مازن":
- وحستني أوي يا عمو مازن!!!
حمله "مازن" يعبث بخصلاته قائلاً بحنان:
- أنت كمان يا يزيد وحشتني أوي!!!
أخذت "رقية" "فريدة" بعيداً مستغلة إنشغال ولُدها بالصغير، لتردف قائلة بحزم:
- فريدة خُدي بالك يابتي من وكله و غذيه كويس عشان ترچعله صحته وعافيته!!!
أومأت "فريدة" قائلة:
- متقلقيش يا ماما..
عرض "مازن" على والدته أن تجلس وتقضي اليوم معهم ولكنها أخبرته بوجود "ملاذ" بمفردها في القصر وأنها لا تستطيع تركها، وبعد أن ودعتهم ذاهبة، أخذت "فريدة" الصغيره تحمله بين ذراعيه قائلة بسعادة:
- أيه رأيك نتفرج على كارتون؟!!!
اومأ الصغير مصفقاً بحماس لينظر لهم "مازن" بإنزعاج متمتماً بخفوت:
- الأستاذ يزيد جه وهياخد كل أهتمامها، ماشي يا فريدة!!!
• • • •
جلست "هنا" مع "عمر" الذي أهملته في الفترة الأخيرة، تداعبه و تلعب مع بألعابه الطفولية، مما جعله يكاد يقفز فرحاً لعودة أمه لطبيعتها، بينما هي شردت للحظة مبتسمة وهي تتذكر البارحة، فـ هو لأول مرة يُعاملها بتلك الطريقة الحنونة، تعترف أنه بالطبع لم يكُن قاسي معها سابقاً، ولكنه دائماً ما كان بارد معها، لكن تلك المرة كان مختلفاً، كان معها عقلاً وجسداً، حتى ظنت أنه بالفعل يبادلها حُبها، ولكنها عادت مبتسمة بسُخرية فما تُفكر به لن يحدث، جُمدت أطرافها عندما ظنت أنه تعاطف معها لأعترافها بحُبها له بتلك السذاجة، لربما أشفق عليها لذلك كان يعاملها بذلك اللُطف، أغرورقت عيناها بالدموع ليهُزها "عمر" قائلاً بحُزن بدى على محياه:
- مامي؟!! بتعيطي ليه؟!!!
لم تجيبه لتجهش في بكاء قوي واضعة كفها على قلبها، مما جعل الصغير يلتاع قلبه ليحتضنها مربتاً على ظهرها بيداه الصغيرة، دلف "ريان" للغرفة بعد أن سمع بكائها عندما مرّ بالصدفة ذاهباً للشركة، فسقط قلبه أسفل قدميه عندما وجدها تُخفي وجهها بكفيها تبكي، أتجه نحوها ليجلس أمامها كالقرفصاء قائلاً بملامح قلِقة للغاية:
- بتعيطي ليه يا هنا!!!
أبتعد "عمر" عنها لينظر لأبيه بغضب قائلاً بحدة و هو لازال يربت على خصلاتها بحنان طفولي:
- أنتَ اللي سعلتها (زعلتها) يا بابي، مامي أصلاً بتعيط دايماً بسببك، و أنا مس (مش) بحبك خالص!!!!
صُدم "ريان" مما يقوله ولدُه الصغير، أهو لتلك الدرجة يُعذبها، لاحظ ذلك الطفل ذو الخمس سنوات ذلك و هو من كان لا يُبالي!!، أبعد "هنا" كفيها عن وجهها تنهَر طفلها بحدة:
- عمر متتكلمش مع بابي بالطريقة دي!!!
أجاب "عمر" متمرداً:
- بس هو مس بيحبك، وبيخليكي تعيطي دايماً يا مامي، أنا زعلان منه ومس هكلمه أبداً!!!!
قال و هو يكتف ذراعيه أمام صدره ليردف "ريان" بحنان قائلاً:
- عمر.. حبيبي ممكن تقعد برا تتفرج ع الكارتون وأنا هتكلم مع ماما شوية؟!!
أندفع الصغير محاوطاً عنق والدته قائلاً:
- لاء لو سيبتك معاها هتخليها تعيط!!!!
جذبه نحوه مقبلاً وجنتيه قائلاً بلُطف:
- لاء أوعدك مش هخليها تعيط أبداً!!!
أستغرق عدة ثواني يُفكر ثم حسم أمره قائلاً بغرور:
- موافق!!!
أبتسم الأخير و هو يراقب خروجه من الباب، ألتفت لها ثم أمسك كتفيها برقة ليجعلها تنهض قبالته، ترك كتفيها ليحاوط وجهها قائلاً بنبرة لطيفة:
- ممكن أعرف القمر دة بيعيط ليه؟!!!
نظرت له ببلاهة فاغرة شفتيها بصدمة شديدة، فركت أذنها علها تسمع جيداً فربما عقلها ما هيئ لها ما يقوله، لتردف قائلة بعدم أستيعاب:
- أنت قولت أيه؟!!!
ضحك "ريان" بقوة ليمسك بطرف ذقنها قائلاً بنبرة أقسمت أنها لأول مرة تسمعها منه:
- بذمتك العيون الحلوة دي تعيط؟!! وبعدين لحسن يكون كلام المفعوص اللي برا دة حقيقي وأنك بتعيطي بسببي!!!
خفق قلبها بعُنف حتى كادت أن تسقط مغشياً عليها، أرتجفت شفتيها لأنظاره المثبته عليها، لييمسح على خصلاتها ينادي عليها عندما إزداد صمتها بنبرة كادت أن تذيبها:
- هنا!!!!
رمشت بعيناها عدة مرات لتغمض عيناها مغمغمة برجاء:
- أسكت ياريان عشان هقع من طولي دلوقتي!!!!
وصلت ضحكاته للصغير بالخارج ليضمها له قائلاً و هو لازال مبتسماً:
- والله مجنونة!!!!
أبتعدت عنه تتلمس جبينه لتتأكد من حرارته قائلة بدهشة:
- طب م أنت مش سخن أهو، أومال مالك مش طبيعي؟!! مش ريان القديم اللي كانت حياته كلها زعيق!!!
قرّب خصرها منه بكلتا ذراعيه المفتولين يُردف أمام شفتيها:
- عندك حق، بفكر أرجع لشخصيتي القديمة!!!
- لاء أثبت على كدا عشان خاطري!!!
قالت مرتمية في أحضانه التي لطالما كانت ملجأ لها، ليضمها له مقبلاً عنقها يردف بإستفهام:
- بردو معرفتش كُنتي بتعيطي ليه!!!!!
- مش لازم تِعرف، أنتَ أحضُني كدا وأنا هبقى كويسة!!!
قالت وهي تشدد على خصره ليزداد هو من ضمه لها، يمسح على ظهره علواً وهبوطاً، شعرت "هنا" في تلك اللحظة أنها أسعد مخلوقة على وجه الأرض، بل ستُحلق في السماء فرحةً الأن، بينما كان يشعر هو أنه من بحاجة لذلك العناق ليست هي، فهي دائماً ما تذكرُه بنفسه بالماضي، كان يُعطي ببذخ، بدون مقابل وبدون أن ينتظر شئ من الطرف الآخر، وماذا كانت النتيجة، تحطم قلبه أسفل أقدام حبيبته، لتتركه غير عابئة بحياته التي ستدمر بفراقها له، ولكنه لن يفعل مع "هنا"، لن يسمح لأحد بمسّها بأذى، لهذا عندما أعترفت له بحبها البارحة، لم يكن بإمكانه سوى أن يُعطيها الحنان الذي حُرم منه من قبل، ولكنه لن يُحرمها منه، فـ هو لدية زوجة رائعة تفعل ما يسعده دائماً فماذا يريد أكثر من ذلك؟!!!
تنهد بقوة عابثاً في خصلاتها بحنان، ثم أبعدها عنه قائلاً بإبتسامة:
- مش عايزك تعيطي أبداً مرة تانية، و لو حسيتي أنك زعلانه ومضايقة قوليلي فوراً، بس أوعي مرة تانبة تحبسي نفسك أو تعيطي بعيد عني، فاهمة؟!!
أومأت سريعاً بإبتسامة شقت صغرها، ليُقبل جبينها قائلاً برقة:
- أنا هروح الشركة دلوقتي، بس مش هتأخر هرجع على طول!!!
- ماشي!!!
قالت وهي تضم كفيها لصدرها ليخرجا من الغرفة أمام "عمر" الذي وقف أمامهم مكتفاً ذراعيه قائلاً و هو ينظر لهم بشك، ثم أردف و هو يرمق أبيه بإتهام:
- صالحت مامي يا بابي!!!
أندفع "ريان" نحوه ليحمله قائلاً بنزق:
- صالحتها يا خويا، وبعدين أيه مامي وبابي دي مـ تسترجل كدا شوية!!!
شهقت "هنا" لتهرول نحوهم قائلة:
- ريان متوبظليش أخلاق الواد!!!
أخذ يهمس في أذن صغيره قائلاً بجدية وكأنها يتحدث مع شخصٍ بالغ:
- بُص أسمع كلامي أنا سيبك من امك!!! أنت تقول أمي و أبويا!!!
أومأ الصغير ظناً منه أنه يقول ما يتوجب عليه فعله حقاً، لتسمع "هنا" همهماته، وسريعاً ما وضعت كفيها على فمها تردف وهي تكاد تبكي:
- يا نهار أسود عليا!!!!
• • • •
جلست "ملاذ" وحيدة بالقصر سوى من العاملين به تنتظر "رقية" لتعود، فـ أمسكت بهاتفها مترددة عما ستقدم من فعله، نعم.. ستحادث "براءة" بعد تلك المدة ستحادثها، رغم تحذيرات "ظافر" لها ألا تتواصل أبداً معها، ولكنها شقيقتها بالنهاية، لا تملك سوى أن تحبها وإن كانت لا تبادلها هي، رنّ جرس الهاتف في أذنها ليخفق قلبها بعنف شديد، فُتِح الخط لتنتفض "ملاذ" واقفة على قدميها، تنتظر رداً منها، ليأتي صوتها باكياً مترجياً:
- ملاذ؟!!!
قطبت حاجبيها بهلعٍ عندما سمعت بحة البكاء في صوتها، لتردف بقلقٍ شديد:
- أنتِ بتعيطي يا براءة؟!! مالِك في حاجة حصلت؟!!!
أرتعش صوتها على الجهة الأخرى وهي تشهق متوسلة:
- سامحيني والنبي يا ملاذ، أنا أسفة والله على كل حاجة عملتها فيكي!!!!
أنقبض قلبها لتشعر بشعورٍ لم تعرِفُه من قبل، جلست على الأريكة خلفها لتردف بحنو:
- أنا مسامحاكي على كل حاجة والله بس قوليلي فيكي أيه!!!
لم تصدق الأخيرة ما قالته لتردف بذهول:
- مسامحاني بجد؟!! لما كلمت ظافر قالي متصلش بيكي أبداً وان عمرك مـ هتسامحيني!!!!
صُدمت "ملاذ" مما هتفت به للتو، لتسترسل رافعة حاجبيها:
- هو ظافر كلمك أمتى؟! مقاليش أنه كلمك أصلاً!!!!
صمتت "براءة" ثواني، لتردف بعدها بحزن:
- أنا أسفة أني أتكلمت معاه، بس والله لما كنت بتصل بيكي كان هو بيبقى جنب الفون و بيرُد، هي كانت مرة واحدة وقالي اني مكلمكيش مرة تانية لأنك مش عايزة ترُدي عليا!!!!
غرزت اسنانها بشفتيها بغيظ لتنظر أمامها بغلٍ، قائلة بهدوء عكس ما يختلج صدرها:
- طيب يا حبيبتي، أنا هجيلك بكرة أطمن عليكي وأعرف أخبارك، سلميلي ع دادة فتحية!!!!
أنهت المكالمة معها لتضع الهاتف جانباً تُفرك رأسها تكاد أن تجن، أخذت هاتفها مجدداً ثم ضغطت على الأتصال برقمٍ مجهول، وضعته على أذنها ليصل لها صوت رجل، أردفت بنبرة جدية و حاسمة:
- محمد أنا راجعة الشركة اللي أهملتها دي، وكل حاجة هترجع زي مـ كانت!!!
• • • •
جلس "مازن" يُراقبهما بغيظ، يحسد ذلك الفتى على علاقته بحبيبته، فهو جالساً على قدميها يشاهدان أحد الرسوم المتحركة بينما هو ينظر لهم بغلٍ، ليقترب منهما ملصتقا بها قائلاً يحاول لفت أنتباهها:
- فريدة أنا نازل؟!!!
أومأت برأسها موافقة وكأنها لم تسمعه مشيرة على التلفاز للصغير، ليتأفف ثم نهض ملقياً أحد الوسادات في الأرض، يذهب نحو غرفته ثم أغلق الباب بقوة، ليجلس على الفراش واضعاً الحاسوب على قدمه يحاول أن ينشغل به، و بالفعل جلس ما يقارب الساعة يدير أشغاله عبره، نظر للساعة ليضيق عيناه كالصقر بغضب حقيقي، فهي لم تكُن تتركة طيلة هذه المدة بل لم تكن تتركه وحيداً من الأساس!!!
حك رقبته وقد فاض الغضب به، لينهض واقفاً وراء الباب ثم وضع يده على قلبه يسعل بقوة وهو يعلم أن تلك هي الطريقة الوحيدة التي ستجعلها تركض له!!!
وبالفعل بعد ثواني كانت تهرول نحو الغرفة تاركة "يزيد" النائم، لتدلف فوجدته جالساً على الفراش يسعل بقوة، سكبت المياه له ثم ربتت على كتفه لتجعله يرتشف من الكوب ثم وضعته جانباً لتلتفت له منثنية نحوه قائلة بهلعٍ:
- أنت كويس؟!!
أومأ يبتسم داخلياً، ليقول بنبرة ذات مغزى:
- فين يزيد؟!!!
قالت وهي تجلس جواره:
- نام عشان تعبان..
أومأ بمكرٍ ثم جذب رسغها نحوه قائلاً بخبث:
- مصلحة!!!
أطلقت ضحكة عالية لتقترب منه قائلة بلؤم:
- لا والله؟!!
طُرق باب الشقة بعنفوان، لتنتفض "فريدة" قائلة وهي تقطب حاجبيها:
- مين بيخبط بالطريقة دي يامازن؟!!!
أبعدها "مازن" لينهض عائداً بخصلاته للوراء في حركة عفوية مسترسلاً:
- خليكي أنا هشوف!!!
خرج لبهو الشقة ليفتح الباب، فوجد آخر شخص يتوفع وجوده الأن يدلف بهوجاء قائلاً:
- هي فين، فريدة فين!!!!
خرجت "فريدة" من الغرفة بخطوات بطيئة وصوته زعزع كيانها، لتنهمر الدموع من عيناها وهي تتجه لهم تتحدث بصدمة:
- بابا؟!!!!!
ألتفت أبيها لها لتُظلم معالم وجهه، كاد أن يقترب منها و عيناه لا تبشر بالخير، ولكن وقف "مازن" أمامه يهدر بصوتٍ عالي:
- أنت فاكر نفسك رايح فين!!!! متتحركش خطوة زيادة عشان هتندم!!!!
↚
أبتعد برهبة ليعود موجهاً أنظاره النارية نحو أبنته، وكأن الرحمة نُزعت من قلبه، ولكن رُغم ذلك أقتربت منه "فريدة" قائلة وجسدها بأكمله يرتجف شوقاً:
- وحشتني أوي يا بابا!!!!
ألتفت لها "مازن" بذهول لما تفوهت به للتو، ولكنه فضّل الصمت، لتربتك معالم الآخير مشيحاً بوجهه جانباً، ليُفاجأ بـ "يزيد" نائم على الأريكة مما جعله يبتسم بخبث ليركض داخل البيت في لمح البصر حاملاً "يزيد" بين ذراعيه، ركض "مازن" خلفه مزمجراً ليقع قلب "فريدة" من شدة الخوف على أخيها هرولت نحوه تتوسل أبيها وهب تحاول نزع "يزيد" منه:
- بابا سيب يزيد أنت بتعمل أيه!!! عشان خاطري يا بابا سيبه حرام عليك دة نايم!!
صرخ "مازن" به بصوته الجهوري:
- سيبه و إلا و رب الكعبة هنسى أنك أبوها وراجل كبير وهقِل منك!!!!
- مش هسيبه دة أبني، عايزينه يبقى هتدوني فلوسه!!!!!
جحظت عيناها ولم تستطيع التفوه بحرفٍ يُعبر عن ذهولها من أبٍ كهذا لا يستحق لقبُه، لتندفع نحوه ممسكة بتلابيبه صارخة بقوة:
- أنت أيه!!! دة اللي عملك أب ظلمك، بِعتني قبل كدا وقبضت تمني، وسامحتك في الآخر زي الهبلة، بس الطفل الصغير دة ذنبه أيه؟!!! بتساومنا بيه ليه!!!! أنا بكرهك!!! سيبنا في حالنا بقا عايز مننا أيه!!!!!
أقترب منها "مازن" ليجذبها بين ذراعيه يُدفن رأسها بصدره الصلب، فتشبثت هي بكنزته تردف برجاءٍ:
- مازن خليه يمشي مش عايزة أشوفوه!!!!عشان خاطري!!!!
قالت وهي ترفع رأسها له ليقبل جبينها مثبتاً انظاره له بتوعدٍ لأنه جعلها بتلك الحالة!!!
فوضع هو "يزيد" الذي أخذ يتقلب بإنزعاج وكأن أحضانه كالنيران جانباً، ثم ألتفت لهم لينكس رأسه يسير تجاه الشقة، ألقى نظرة أخيره على أبنته وكأنها الوداع، ليغلق الباب خلفه، وفور فِعلته أنهارت هي أرضاً و هي لازالت بأحضانه، رئتيها ترفض دخول الهواء مما جعلها تشهق بعنف تحتضنه بقوة تقول في بكاء شديد:
- مازن متسيبنيش أنا ماليش غيرك دلوقتي!!!!
ضمها له بحنان قائلاً و هو يُزيل دمعاتها:
- دة أنا أسيب الدنيا كلها و مسيبكيش!!!!
تشبثت بملابسه لترفع رأسها له و أنامله الدافئة تمر على وجنتيها، وكفٍ آخر صغير مر على خصلاتها قائلاً بصوت ناعس:
- بتعيطي ليه يا ديدا؟!!!
ألتفتت لصغيرها لتضمه لأحضانها مقبلة كامل وجهه بحنان ولا تصدق أنها كانت ستفقده، لتمسح على خصلاته قائلة برفق:
- حبيبي أنت محسيتش بأي حاجة؟!
نفى الصغير لها ليضمهما "مازن" بين ذراعيه يحاول تغيير مجرى الحديث قائلاً:
- عايز بقا أوديكوا مكان هتحبوه أوي!!!!
لم تجيبه لتتركهم دالفة غرفتها.
• • • •
وقفت في المطبخ تُعِد الطعام بصعوبة ليديها الملفوفتان بالشاش، فهي على تلك الحالة منذ يومان تحاول ولكنها تفشل في عمل أي شئ، لينتهي بها الحال تطلب من الخارج، ولكن هو يأكل في الشركة بعيداً عنها، تنهدت بحزن ثم أمسكت السكين والطماطم، ولكن لم تستطيع قطعها أبداً، حاولت مراراً وتكراراً حتى شعرت بنغزات قاتلة بهما، و أخذا ينبضا بعنف مما جعلها تشهق بألمٍ شديد لتخرج لبهو الشقة جالسة على الأريكة، نظرت للشاش الذي تلطخ لونه بالأحمر، أدمعت عيناها بقلة حيلة ثم بكت لشدة الألم، تاركة قطرات الدماء تسقط على الأرضية، جلست هكذا لدقائق وشهقات بكائها تصل له بالداخل، فخرج من غرفته وقلبه ينتفض لمعرفة ما الذي يحدث معها، أندفعت الدماء في أوردته عندما رآها بتلك الحالة ليتجه نحوها جالساً أمامها ليمسك كفيها قائلاً بنبرة ظهر بها القلق جلياً و إن حاول إخفاءه:
- أيه اللي حصل؟!!!
نظرت له بعيناه الدامعتان قائلة كالطفلة التي أذنبت:
- كنت بحاول أقطع الخضار بالسكينة ومعرفتش، حاولت كذا مرة لحد م الجرح أتفتح، بس بيوجعني أوي يا باسل!!!!
نهض ليجعلها تنهض ممسكاً كتفيها، ثم قال برفق:
- طيب تعالي نروح المستشفى!!!
أخذها بالفعل بالسيارة لأقرب مشفى في قسم الطوارئ، ثم فحصتها الطبيبة لتُغير لُفافة الشاش لها ليجلس هو جوارها يراقب تعبيرات وجهها المتألمة، ثم أخبرته الطبيبة بضرورة تعقيم الجرح يومياً و شرحت له كيف يحدث ذلك..
سارا في الممر لتستوقفه "رهف" قائلة بتردد وهي تنظر لكفيها:
- ممكن أطلب منك طلب!!!
ألتفت لها بجمودٍ ليومأ لها، لتردف بتردد:
- عايزة أعرف نوع البيبي، و الدكتورة هنا في المستشفى، لو مش عايز تيجي أمشي أنت و أنا هبقى أجي في تاكسي!!!!
رفع كلتا حاجبيه بسُخرية قائلاً بنظرات كالصقر:
- لا والله؟!! يعني عايزاني أتحرم من أني أعرف نوع أبني زي مـ حرمتيني من أني أعرف أصلاً أنه في بطنك؟!!
نكست رأسها بندم ثم همهمت :
- مش قصدي والله..!!
مرّ جوارها عائداً لداخل المشفى يقول ببرود:
- يلا!!!!
سارت جواره لتذهب لغرفة الطبيبة التي تُتابع معها، ثم دلفت ملقية السلام عليها، لتجلس فوراً على المقعد الجلدي مستلقية، ليقف جوارها يتطلع للشاشة الصغيره بأعين فضحت شوقه لرؤية نُطفته، وبالفعل بعد أن دهنت الطبيبة بيديها على بطنها ب جل لزِج، لينتفض جسده عندما ظهرت قطعة صغيرة على الشاشة، وكان شعور "رهف" نفس الشئ، لتردف الطبيبة قائلة بإبتسامة:
- مبروك يا حبيبتي الجنين بنت.. شايفاها؟!!!
أومأت "رهف" بلهفة مبتسمة بشدة، لتنظر إلى "باسل" فبادلها إبتسامة فرِحة أيضاً، لتنهض بعد أن عدّلت ملابسها لتردف الطبيبة:
- صحتها كويسة بس لازم تاكلي كويس وهكتبلك شوية ڤيتامينات تاخديهم..
خرجا من عند الطبيبة بعد أن شكرتها والفرحة لا تسِعها، لتلتفت له قائلة بسعادة:
- أنا فرحت أوي إنها بنت يا باسل!!!
لم يريد تعكير مزاجها ليردف بإبتسامة غُصب على رسمها فوق ثغره:
- وأنا كمان..!!!
أكملا ممر المشفى ليركبا السيارة ثم أنطلقا بها..!!
دلفت"رهف" لغرفتها لتجلس على الأريكة، ثم نظرت إلى كفيها وملابسها التي يجب أن تبدلها بقلة حيلة، يا لقساوة شعور العجز، وبنفس الوقت لا تريد أن تطلب المساعدة منه، فـ كرامتها تؤلمها منذ فِعلته بالصباح، نهضت رافعة كفيها أمام معدتها ثم خرجت من الغرفة لتجلس على الأريكة بـ بهو الشقة، أمام التلفاز الذي يعرض أحد المسلسلات التركية، جلست أكثر من ساعة حتى شعرت بالضجر، ف سمعت صوت باب غرفته يُفتح ثم خرج عاري الصدر مرتدياً بنطال قطني ثقيل، لتلتفت له مقطبة حاجبيها فـ وقف أمامها قائلاً بهدوء:
- هتاكلي أيه؟!!!
لمِعت عيناها وهي تنظر له ببراءة قائلة:
- أنا بصراحة جعانة أوي، فـ اي حاجة هتعملها هاكلها..!!!
أومأ ثم هم بالذهاب تجاه المطبخ ولكنه ألتفت لها قائلاً بإستغراب:
- مش هتغيري هدومك؟!!
أسبلت عيناها بحُزن لترفع كفيها الملفوفتان له، مما جعله يبتسم نصف أبتسامة لتلك النظرة الطفولية التي ترمقه بها، ليقترب منها ثم أمسكها من كتفيها برفق وجذبها وراءه تجاه غرفتها، ليخرج منامة لها ثم ألتفت لها ليمسك بطرف كنزتها وكاد أن يرفعها لفوق ولكنها أزحات ذراعه بمرفقها شاهقة بصدمة لتعود للخلف قائله بهلع:
- أنت هتعمل أيه..!!!
جذبها له مجدداً من ذراعها قائلاً بهدوء:
- هغيرلك هدومك!!!!
نظرت له بدهشة قائلة وهي تنفي برأسها منكمشة على جسدها:
- لاء مش عايزة..!!!!
بدى وكأنه لم يستمع لها ليرفع كنزتها ينزعها عبر رأسها بلُطف، أرتجفت وكأن أصابعه التي تلمسها بدون قصد منه صعقات كهربية، ليلتقط الجزء العلوي من المنامة ثم ألبسها إياها ليغلق أزرارها دون النظر لعيناها، فـ هو بقوته وجبروته وقسوته ضعيفاً أمام تلك العينان، بينما هي كادت أن تموت خجلاً رُغم أنه زوجها ولكن لازالت وجنتيها يتخضبا بالإحمرار عندما يقترب منها، رفعت أنظارها له لتراقب عيناه السمراء والتي أصبحت باردة الفترة الأخيرة كرد فعل طبيعي عما فعلته، أرتد جسدها للخلف عندما حاول تكملة لباسها لتهدر قائلة بخجل شديد:
- بــاســل لاء!!!!!
زمجر بحدة ليمسك رسغها مما جعلها ترتطم بصدره، فقال بعنف حادٍ:
- بطلي عبط بقا، أنا جوزك!!!!
أغرورقت عيناها بالدموع ثم نظرت له بـ عبوس طفلة مسترسلة:
- أنا مطلبتش منك حاجة أصلاً، سيبني و أنا هتصرف!!!
- مش لازم تطلبي دي حاجة المفروض أعملها من غير مـ تطلبيها..
قال و هو يكتف ذراعيه، ليتابع قائلاً بجدية ممسكاً بمرفق ذراعها قائلاً بتهكُم:
- وبعدين تتصرفي ازاي بإيدك المتشرحة دي!!
صمتت وعجزت عن الجواب ليُكمل هو ما كان يفعله ليجعلها ترتدي لباسا أكثر راحةً، بينما هي في موقف يُرثى له، بعد أن أنتهى أخذها من يدها ليجلسها أمام المزينة ثم أخذ يمشط خصلاتها بلُطفٍ شديد، حدقت بصورته المنعكسة في المرآة بعشقٍ عجز لسانها عن البوح به، وأندفعت عيناها تصرخ به، أنتهى ثم قال:
- هروح أعمل الأكل..!!!
أومأت سريعاً و أبتسامتها لا تستطيع إخفائها، ليخرج من الغرفة، فوضعت هي كفها الملفوف على بطنها المنتفخ قائلة بسعادة مفرطة:
- شوفتي بابي بيحبنا أزاي يا حبيبتي، ومش هيتخلى عننا أبداً..
ثم نهضت لتخرج جالسة على الأريكة براحة تنعم برائحته التي علقت بها، لتنهض فجأة مستغلة وجوده بالمطبخ لتدلف لغرفته، مبتسمة بفرحٍ شديد عندما أقتحمت رائحته الرجولية أنفها، فعبق غرفته يأتيها دائماً محملاً بتلك الرائحة التي تدغدغ أنفها، لتقف امام المزينة ممسكة بزجاجة عطره السوداء، أخذت تنثر منها على ملابسها ثم ألتمست ساعاته الباهظة، أنتفض جسدها عندما سمعت صوته يأتي من خلفها قائلاً بنبرة حادة كـ طرف السكين:
- بتعملي أيـه!!!!!
حاولت أن تجمع شتاتها لتلتفت له بشموخٍ قائلة:
- كنت بدور على حاجة ضايعة بس ملقيتهاش!!!
سارت تجاه الباب قائلة بتهكمٍ:
- متقلقش كنت خارجة..!!!
لم يُعقب على حديثها بل وقف ثابتاً في مكانه لم يتحرك، محدقاً في فراغها وقلبه ينفطر نصفين، شعورٍ قاسي أختلجه، ليتنهد بعمق رافعاً رأسه إلى السقف، ثم ألتفت ليخرج من الغرفة ذاهباً نحو السفرة التي وُضع عليها الطعام الشهي، مما جعلها تجلس فوقها في الحال لتميل بجزعها العلوي ثم أخذت تأكل بشراهة كبيرة، ليراقبها هو بنظرات ثاقبة، فرفعت رأسها له قائلة بتساؤل:
- انا هاكل لوحدي ولا أيه..؟!!
أعتدل في وقفته قائلاً و هو يلتفت يعود لغرفته:
- انا مش جعان..!!!
قطبت حاجبيها لتوقفه بصوتها قائلة بنبرة حزينة:
- بس أنا مش بحب اكل لوحدي، وانت سايبني بقالك كتير وبتاكل برا..
ألتفت لها قائلاً بسُخرية:
- أتعودي تاكلي لوحدك بعد كدا، لأن انا مش طايق يجمعنا مكان واحد، ولا حتى أبُصلك!!!!
نغزات متتالية في قلبها، تسمع أنينه من بين القفص الصدري، آهاته وتنهداته الحزينة تخرج من بين حنايا صدرها، لتنهض ببطئ ثم أتجهت نحو غرفتها صافعة الباب خلفها بقسوة، بينما وقف هو مغمضاً عيناه و هو يشعر بنفس الألم وربما أضعاف فعندما تتألم هي يزداد ألم قلبه ووجدانه، جلس على الأريكة نادماً على قسوة كلماته معها، فـ يالغبائها إن صدقت حرف مما قاله للتو، فـ هو يريد لو أن يجلس أمامها ويراقب تفاصيل وجهها وكأنه يراها لأول مرة، يريد أن يضمها له بكل ما أوتي من قوة ليُشبع شوقه وقلبه، يريد لو يحطم عِظامها بين يداه لربما يرتوى من بحور عشقهما، ذلك العشق الملعون الذي حُكِم عليه، فـ هو قد حُِكم عليه أن يعشقها، يتيم بها عشقاً، يعشق عيوبها قبل ميزاتها، يعشق تلك النظرة التي تنظر بها له عندما تريد منه شئ، تنهد بثقلٍ على قلبه ثم أقترب من غرفته ليسمع بكائها التي تحاول دفنه بالوسادة، وشهقاتها المكتومة، تمنى لو أن يدلف و يضمها لصدره بقوة لم ولن تعِهدها، يربت على خصلاته ويعتذر عما قاله ولكنه لن يفعل، فقلبهه لازال يؤلمه، لازال لم ينسى ما فعلته، وهذا هو العائق بينهم، ليغادر يدلف لغرفته، تاركاً قلبه وعقله بحوزتها!!!
• • • •
جلست "ملاذ" في غرفتها بعد أن روَت لـ "رقية" ما حدث و ما قاله "ظافر" لشقيقتها فأخطأته "رقية" بالطبع، فهو ليس من حقه أن يفعل هذا حتى وإن كانت على خلاف مع أختها، أنتظرته "ملاذ" كثيراً حتى أتى وأخيراً دلف للجناح، نهضت سريعاً ليدلف لغرفتهم ثم نزع سترته ليبدأ في حل أزرار قميصه و عيناه تنظر للخواء بإرهاق، فـ أقتربت منه قائلة بجمودٍ:
- عايزة أتكلم معاك!!!!
نظر لها ليردف قائلاً بتبلُد:
- أنا تعبان وعايز انام!!!!
ضربت الأرض بقدميها قائلة بحدة:
- وانا بقولك عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم!!!!
إسودت عيناه ليهدر بعنف ممسكاً ذراعها بقسوة:
- إياكي تتكلمي معايا بالطريقة دي مرة تانية فاهمة!!!!
حاولت إبعاد ذراعها عنه قائلة بتمردٍ:
- أبعد عني، أنت ازاي متقوليش أن براءة حاولت تكلمني!!! ليه مقولتليش و أنا اللي كنت بتمنى أسمع صوتها!!!
تركها ليتجه نحو المرحاض تاركاً قميصه مفتوح ليُظهر صدره ، ولكن لم تعطيه الفرصه لتنقض عليه ممسكة بتلابيبه صارخة:
- متسيبنيش وتمشي ورُد عليا!!!!!
قبص على ذراعيها بقسوة شديدة ليهُزها بعنف يزأر كالأسد أمام فريسته:
- عايزة تعرفي ليه مقولتلكيش؟!!! عشان أنتِ غبية وهبلة وهتروحي تقابليها طبعاً، وانا مش هسمحلك تعملي كدا، بطلي بقا ضعفك قدامها دة، دي واحد **** عايزة تستغلك و عُمرهاـ مـحبتِك أنتِ مبتفهميش!!!!
أرتجف جسدها وهو يصرخ بها هكذا وملامحه أصبحت كابوسٍ أسود، اظافره الغارزة بذراعيها وعيناه البارزة بجحوظٍ أرعبها، شفتيه التي ترتجف لشدة الإنفعال و إهتزازات جسده الغاضب أخافتها، فحاولت الإبتعاد عنه ليتركها هو بعنف ماسحاً على وجهه يحاول تهدأة أعصابه، ليعود ينظر لها وهي تفرك أصابعها ببعضهما جالسة على طرف الفراش تنظر أمامها كالتائهه ، التي فقدت أبيها و أمها وسط الإزدحام، لتردف بنبرة تمزق القلب:
- مش عارفة أكرهها، رغم كل اللي عملته فيا مش قادرة أكرهها يا ظافر، كُرهها ليا بيخليني كارهة نفسي، هو أنا أخت وحشة أوي كدا عشان تكرهني بالطريقة دي؟!!
لتتابع وشهقاتها تتوالى:
- ويوم لما اخيراً تبقى كويسة معايا وعايزة تتكلم متقوليش وتقولها اني مش عايزة اكلمها!!!
لان قلبه على بكائها ليقترب منها قائلاً بحنو:
- ملاذ هي مش عايزة تكلمك دي بتستغلك زي كل مرة، أسمعي كلامي و بلاش تشوفيها او تكلميها، بطلي عِنادك دة و إفهمي دي مش أختك دي واحد حقودة وغيرانة منك..!!!
نفت برأسها بقوة وهي تنهض واثبة قبالته قائلة بصراخ:
- أنت كداب أسكت!!!!
تحولت ملامحه للغضب سريعاً ليبتعد عنها مغمضاً عيناه يحاول التحكم بأعصابه، ولم تكتفي "ملاذ" من إغضابه، فهرولت نحوه لتقف أمامه صارخة بوجهه بدون وعي:
- هقابلها يا ظافر و هعمل اللي أنا عايزاه مش هبقى تحت طوعك مرة تانية والشغل هنزله حتى لو غصب عنك!!!!
كانت جملتها الأخيرة كالقشة التي قسمت ظهر البعير، إشتدت عيناه إحمراراً ليجذب خصلاتها المتحررة للأسفل في يده حتى كاد يمزقه لتصرخ بألمٍ شديد، وصوته زلزل أذنها بل رُجّ في اركان الغرفة:
- بلاش تخليني أوريكي وِشي التاني عشان حقيقي هتتمني الموت وقتها، و مش هخليكي تقدري تنطقي أسمها قدامي مش تروحي تقابليها، وشغلك مش هتشوفيه، هحرمك تطلعي برا الجِناح دة وهقفل عليكي ومش هسيبك حتى تطلعي البلكونة، أنتِ شكلك لسة متعرفنيش لما بغضب، الشيطان نفسه ميجيش حاجة جنبي!!!!!
بكائها وصوته الجهوري جعل من بالقصر يصعد لهم طارقين الباب بعنف وفي مقدمتهم "رقية" التي صرخت به ليفتح، ليُلقيها أرضاً من بين يديه مما جعل جسدها يرتطم بالارضية بقسوة، أتجه نحو الباب بعد أن أخذ سترته ليفتح الباب، فوجد "رقية" تنظر له بغضب، وقبل أن تهم بالكلام تحدث هو بعنف لأول مرة يتلبسه و هو يغلق الباب عليها بالمفتاح:
- محدش يدخلها ولا حتى يتكلم معاها من ورا الباب!!!!
قطبت "رقية" حاجبيها قائلة بصوتٍ عالي:
- وآه أيه اللي أنت بتجوله دِه أنتَ أتجنيت يا ولدي!!!!
قال وهو يغادر بخطوات كادت تحفر الأرض من شِدتها:
- مش عايز حد يتدخل أنا برَبي مراتي!!!!
تنهدت "رقية" تتابع تحرُكه من أمامها، وخروجه من القصر، ثم ألتفتت نحو الباب لتطرق عليه قائلة بحنان:
- ملاذ يابتي، متخافيش يا ضنايا هحاول أفتحلك الباب..
لم تسمع سوى صوت بكائها العالي، لتبتعد تضرب كفاً بآخر و قلة الحيلة تتغلغل بها!!!
بينما ظلت "ملاذ" ممدة على الأرض واضعة كفها جوار وجهها على السجاد، تبكي بقهر شديد و روحها تكاد تخرج منها، شهقات متتالية تصدح في الغرفة، أنفاسها تدخل رئتيها إكراهاً، عيناها مغمضة بقوة وجسدها ينتفض أنتفاضاً، تحسست خصلاتها ولكنها شعرت بألمِ مُريع ما إن وُضعت أصابعها على فروة رأسها، تآوهت بقوة لتضم ركبتيها لصدرها تبكي بحُرقة وقلبها متوقداً بنيران لن تخمد، حتى أرهقها البكاء لساعاتٍ طويلة فـ غفت رغماً عنها، والدموع تسيل من عيناها رويداً..!!
• • • •
دلف "مازن" لغرفتهم بعد أن نام "يزيد"، فوجدها جالسة على الأريكة ضامة ركبتيها لصدرها، مستندة برأسها على المسند، فـ أقترب منها بهدوء ليجلس أمامها، أستند مثلها على مسند الأريكة وبدلاً أن تنظر له كانت تنظر خلفه في شرود تام، ظلا هكذا لدقائق معدودة، يتأمل هو حُزنها بينما هي تتذكر ما فعله أبيها، وفجأة تهدلت دموعها من عيناها ببطئ لتمسحهم بأصابعها، تنهد "مازن" و هو يشعر بقلبه يؤلمه و هو يرى تلك البلورتان تُدمعا، مدّ كفيه يضعهما على وجنتيها محاوطاً وجهها ليجذبه نحو صدره جاعلاً جسدها بأكمله في أحضانه، أخذ يربت على خصلاتها هامساً في أذنها برفق:
- لو هتعيطي، متعيطيش غير و أنتِ في حُضني!!!!
تشبثت بقميصه لتبكي بالفعل كما لم تبكي من قبل، تدفن أنفها في رقبته تغمغم وسط بكاءها:
- أنا تعبت أوي يا مازن، خلاص مبقتش قادرة أستحمل!!!
ضمها اكثر له قائلاً بنبرة قوية:
- والله هاخدك أنتِ ويزيد ونسافر فرنسا ونبعد عن كل القرف اللي هنا!!!!
رفعت أنظارها له قائلة برجاء:
- ياريت يا مازن أنا عايزة أبعِد اوي!!!
مال بثغره يُقبل جبينها قائلاً بحنان:
- هخليكي أسعد واحدة في الدنيا، و الدموع دي عمري مـ هشوفها في عيونك تاني!!!
قال وهو يمسح دموعها، لتبتسم هي ثم أعتدلت تُقبل وجنتيه لتحاوط عنقه بذراعيها تسند رأسها على كتفه، فحاوط هو خصرها يقول بسُخرية زائفه:
- يعني أنا بقولك كلام حلو من الصبح وأنتِ تقومي بايساني على خدي بس كدا، البوسة دة يا حبيبتي تديها ليزيد مش ليا، أنا جوزك ها!!!
أبتعدت عنه قائلة وهي تضم ذراعيها لصدرها:
- عايزة أيه أنت دلوقتي يعني؟!!!
- تعالي أقولك !!!!
قال وهو يجذب ذراعها له بوقاحه، فشهقت هي بخجل لتبعد ذراعها عنه تنهض من فوق الأريكة صارخة به:
- مازن أنت قليل الأدب!!!
نهض قبالتها يضحك بخبث قائلاً وهو يجذب خصرها له بذراعيه المفتولين:
- دة أنا أهلي مربونيش أساساً!!!!
حاولت إبعاد ذراعيه، ولكنه كان كالفولاذ لا يتحرك، فقالت هي سريعاً:
- يا مازن يزيد برا!!!
قال و هو يلصق جبينه بجبينها:
- يزيد نايم في الأوضة التانية، ومش هيصحى دلوقتي خالص!!!
ثم تابع بصوتٍ أجش وهو ينظر داخل عيناها:
- على فكرة أنتِ معندكيش دم، عشان انا سايبك ومسافر شهور و عامل عملية القلب يعني الزعل غلط عليا، خليكي مؤدبة بقا!!! ولا أقولك خليكي قليلة الأدب!!!
أطلقت ضحكات عالية ليبادلها هو نفس الضحكات، لترمي بأنفاسها في أحضانه تعانقه بقوة وسط ضحكاتهم..
• • • •
أندفعت "هنا" تُخفي عيناها بالوسادة في يدها عندما جاء مشهداً مرعباً في التلفاز، فالساعة تعدت الواحدة بعد منتصف الليل وهذا الوقت الذي تشاهد فيه هذا النوع من الأفلام، وكالعادة جلس "ريان" في مكتبهُ يُراجع بعض الأوراق الهامة، و "عمر" في غرفته نائم بعدما لعِب كثيراً مع الدادة فأصابه الإرهاق، وضعت "هنا" كفها أسفل ذقنها تنظر للتلفاز بتركيز، ولكن فجأة أنقطعت الكهرباء ليسود ظلام دامس بالشقة بأكملها، صرخت "هنا" برعب شديد، لتنهض تحاول الوصول إلى غرفة "ريان" وهي تنادي أسمه، فأتى الأخير سريعاً ثم حاوط كتفيها قائلة برفق:
- أنا هنا متخافيش، خليكي دقيقة هجيب الكشاف و أجيب عمر هنا عشان ميتخضش!!!!
أومأت ببطئ ليذهب هو من أمامها ثم أنار الكشاف ليدلف إلى غرفة "عمر" فوجده مستغرق بالنوم، حمله على ذراعيه وأخذ سلاحه، ثم خرج إلى "هنا"، ولكنه لم يجدها بنفس المكان الذي تركها به، فأنقبض قلبه، قام بالنداء عليها، ليسمع همهمات خفيفة آتية من خلفه، ألتفت موجهاً الكشاف نحو المكان الذي ينبع الصوت منه، فوجد ما لن ينساه، شخصاً يقيدها من الخلف واضعاً مسدساً على رأسها وجهه مُقنعاً بقناع اسود، وكفه الآخر موضوع على فمها ليكتم صوتها، بكى الصغير و هو يقول:
- مامي!!!!
هتف هذا المجهول بصوتٍ حاد وسط الظلام:
- لو قربت خطوة واحدة هفجر دماغها!!!!
أرتجف قلبه خوفاً عليها ولأول مرة يصارع ذلك الشعور، ولكن التفكير في تلك اللحظة كانت صعباً عليه ليبتعد واضعاً "عمر" على الأريكة، أعتدل في وقفته ليمسك مسدسه سريعاً يوجهه نحو وجه ذلك المقيت، ف أرتد الاخير للخلف ساحباً "هنا" معه يصرخ بحدة شديدة:
- أرمي المسدس في الأرض و إلا هتترحم عليها!!!!
نظر "ريان" إلى "هنا" يبعث لها بنظراتٍ مطمئنة حتى لا تخاف، أستغل ذلك الضوء الخفيف الذي ينبعث من الكشاف، ثم أنثنى وهو ينظر له واضعاً المسدس على الأرضية، ف اسرع الأخير بقوله:
- هاته هنا برجلك!!!!
نظر له بسُخرية شديدة، وبحركة سريعة كان يضرب الكشاف بقدمه مما جعل الظلام يسود المكان، فأسرع بأخذ المسدس راكضاً نحوه، فتشتت الأخير عندما أصبح المكان مظلم، لتأتيه لكمة قوية كادت تطيح بأسنانه و جسد "هنا" ينفلت من بين يداه، ركضت "هنا" بعيداً عنهم تاركة زوجها يُبرحه ضرباً، ركضت نحو "عمر" الذي أصبح يبكي مفزوعاً من صوت الضوضاء حوله، ثم حملته وهي تهدهده بحنو، دموعها تسقط من عيناها بقوة و قلبها يرتجف خوفاً، ليصرخ بهما "ريان" و هو واضع جسده على ذلك المجهول يكتف ذراعيه بكلتا يداه:
- خدي عمر وأدخلي جوا حالاً!!!!
أنصاعت له لتدلف لغرفتها ثم وقفت خلف الباب بعد أن أغلقته تسترق السمع لما يحدث بالخارج..
أبعد "ريان" القناع عن وجهه فظهرت ملامحه المُريبة، ليكور كفه ثم لكُمه بعنف كاد أن يطيح بأسنانه، ثم صرخ به بألفاظ نابية:
- بتدخل بيت ريان الجندي و تهددني بـ مراتي يا ***** دة أنا هطلع *****، مين باعتك يالا!!! رد يا حيلة أمك!!
حاول يلتقط أنفاسه ولكن "ريان" لم يُعطيه فرصه بل سدد له ضربه أخرى بوجهه جعلت وجهه محجّباً بدماءٍ مُريعة المظهر، ليردف وسط أنفاسه قائلاً:
- أبوس إيدك أرحمني وأنا هقول كل حاجة يابيه..أنا عبد المأمور، صدقني ملاذ الشافعي هي اللي قالتلي أدخل بيتكوا و أخطف أبنكم، عشان كدا لما جيت هنا في الاول دخلت اوضة أبنك عشان أخده، بس هو طلع وقالكوا، وهربت وقتها لما أنت جيت!!!
جُحظت عيناه بقوة، لتنتفض كل خلية بجسده عندما ذُكر أسمها رافضة ما يقوله ذلك الأبله، لينهض من فوقه غير مصدقاً حرفاً، وصدمته تزداد أضعاف عندما أكمل الأخير:
- قالت أن كان فيه بينكوا تار (ثأر) قديم لما روحت أتجوزت بعد مـ سيبتوا بعض، و أن هي بتاخد حقها!!!
نظر له بعدم تصديق، لينحني عليه مزمجراً بقسوة شديدة:
- أنت كداب و ابن ****، ملاذ متعملش كدا أبداً!!!!
اسرع الأخير بقوله وهو يضع كفه أمام وجهه ليحمي نفسه من بطش هذا البربري:
- والله يا باشا اللي بقولهولك دة اللي حصل أنا مليش ذنب في حاجة، متقتلنيش يا بيه بالله عليك أنا عندي عيلين بصرف عليهم، هيتيتموا من غيري أبوس إيدك!!
أمسك تلابيب قميصه ليجعله ينهض، ثم أوقفه قائلاً وهو يهزه بعنف:
- و أنت مفكرتش في دة ليه لما كنت جاي تخطف أبني، و انت فاكر إني هرحمك، دة أنا هخليك تشوف أسود أيام حياتك لما أسيبك، عارف ليه هسيبك تمشي؟ عشان توصلها أنها غبية، و أن حقي هاخده منها، وهدمرلها حياتها زي مـ هي عايزة تدمرهالي!!!!
↚
دفعه بعيداً ثم هتف بنزق:
- أطلع بــرا، و خليك فاكر إني مش هرحمك، فـ لو شوفتني في حتة امشي من الشارع التاني، عشان لو شوفت وشك العِكر دة مرة تانية هطلع عين أهلك!!!
أومأ الأخير ثم خرج من الباب سريعاً، ليتجه "ريان" إلى الكهرباء ثم أشعل الأنوار، فـ ذلك الحقير قد قطع الكهرباء عنهم حتى يُنهي فعلته الدنيئة!!!!
و قبل أن يتجه إلى غرفتهم حتى يطمئن على "هنا" وطفله، وجدها تخرج من الغرفة وعلى وجهها غضب ناري، لتقف أمامه قائلة:
- ملاذ مين يا ريان!!!!
رفع أحد حاجبيه ثم هتف ببرود:
- أنتِ كنتي بتتصنتي علينا؟!!!
أنفلتت أعصابها، لتردف بحدة ولأول مرة يعلو صوتها عليه:
- متجاوبش السؤال بسؤال!!! رد عليا مين ملاذ دي؟!!!
تنهد وهو يحاول تلطيف الأجواء ممسكاً بكتفيها:
- طيب اهدي وانا هقولك!!!
أبعدت كفيه قائلة وهي تصرخ بجنون وبدأت الدموع تسقط إنهماراً منها:
- أنا هادية مش بشد في شعري، رد عليا بقا!!!!
أغمص عيناه يحاول التحكم بأعصابه، فـ لأول مرة يعلو صوت إمرأة أو حتى رجل عليه، ليردف قائلاً بنفاذ صبر:
-وطي صوتك وأنتِ بتكلميني!!!
إزداد غضبها أكثر لتقول بنبرة أعلى:
- مش هوَطي صوتي يا ريان، وهتقولي دلوقتي حالاً مين ملاذ يـ إما والله هسيبلك البيت وهمشي!!!
انتفض جسدها لترتد للوراء عندما هدر بصوتٍ جهوري:
- قــولــت وطـي صـوتـك!!!!
أنهمرت الدموع من عيناها لتبتعد عنه، ثم ركضت إلى غرفتهم لتجلس على الفراش ضامة ركبتيها لصدرها لتجهش بالبكاء، فهي قد سمعت كل شئ دار بينهما، لم تكُن تعرف أنه كان لديه حبيبة سابقاً، وهي التي ظنت أن قلبه كالحجر لا يعشق، بكت أكثر عندما علمت من كلامهم أنه فور أنفصاله عنها جاء و تزوجها!!!!
فُتح الباب ليدلف "ريان" يقترب من الفراش، لينظر لها وهي مستلقيه عليه تدفن وجهها في الوسادة تُعطيه ظهرها، ليجلس جوارها ثم أنثنى مقبلاً خصلاتها قائلاً بهدوء، ونبرة خاوية:
- متزعليش مني!!!!
أنتفضت من جواره لتجلس بأخر الفراش، تردف وهي تنظر بعيداً عنه:
- سيبني لوحدي لوسمحت!!!!
تنهد "ريان" ليردف بجدية وصوتٍ يُضاهي برود الثلج:
- انتِ عايزة أيه يا هنا..!!!!
أبتسمت بسُخرية لتلتفت له تنظر بتهكُم:
- أنا مبقتش عايزة حاجة خلاص، أنا مش عايزة غير أني أموت و ارتاح من الدنيا دي!!!!
قطب حاجبيه قائلاً بصوتٍ جلّ به بالعصبية:
- بعد الشر عليكي متجيبيش سيرة الموت تاني!!!!
نهضت لتقف أمامه تردف بحدة:
- أنا ميتة من زمان يا ريان، كل مرة بتعاملني فيها بطريقة ميتحملهاش بني آدم وانا أتحملتها كنت ميتة، كل مرة بتقولي فيها كلام زي السم و أنا بستحمل كنت ميتة، كل يوم كنت بنام معيطة بسببك كنت ميتة يا ريان، لما سمعته وهو بيقول أنك كنت بتحب واحدة ولما سابتك أتجوزتني عشان تنتقم لرجولتك كنت ميتة!!!!
وقف قبالتها ثم أمسكها من ذراعيها يهزّها بعنف هادراً:
- أنا لما أتجوزتك مكانش عشان أنتقم لرجولتي زي مـ بتقولي، ولما هي سابتني أنا دوست على قلبي وكملت، مش ريان الجندي اللي يفضل متمسك بحد سابه من زمان!!!
نفت برأسها صارخة بعنف وهي تحاول إبعاد ذراعيه:
- لاء يا ريان، أنت لسة بتحبها متكدبش على نفسك، لسة قلبك معاها، بس مش هستحمل يحصل لأبني حاجة بسبب غراميات سيادتك القديمة!!!
ترك ذراعيها ليلتفت مبتعداً عنها متجهاً نحو الشُرفة، فذهبت هي وراءه وهي تضع كِلتا كفيها على رأسها:
- طلعتني غبية قدام نفسي، أنا فعلاً غبية عشان أتجوزتك، ياريتني مـ عرفتك ولا شوفتك حتى، أنا اللي عملت كدا في نفسي، أنا اللي عاندت بابا اللي مكانش موافق على جوازنا و أتجوزتك، كنت فاكراك بتحبني، طلعت هبلة وساذجة!!!!
ألتفت لها مكتفاً ذراعيه يطالعها بنظرات كالصقر بعيناه الزرقاوتان، بينما جلست هي على فراشهما وكلماتها تخرُج مُهتزة لبكائها:
- بابا الله يرحمه كان عندُه حق لما قالي بلاش ريان، أنا عارفه كويس وعارف أنه هيتعبك، قالي ريان بارد و عَملي جداً، هو كان عارفك كويس عشان كنت بتشتغل معاه في الشركة، بس أنا سديت وداني عن كُل دة، كنت بقول أنا هغيرُه، هخليه يحبني، كنت مغفلة يا ريان، قولت أن الحب بيغير أي إنسان، مكنتش أعرف أن عُمرك مـ هتحبني!!!!
أغمض عيناه يحاول التصدى لألم كل كلمة تخرج من فيِهها، و لكنه لم يستطيع التصدي لدموعها، يضعف أمام عيناها الباكية تلك ولا يستطيع القاومة، ليسير نحوهها ثم جلس أمامها كالقرفصاء ممسكاً بكفيها يردف بـ لين:
- طيب ممكن تهدي؟!، أهدي و أنا هفهمك كُل حاجة!!!
بكت أكثر منكسة برأسها للأسفل لا تستطيع النظر في عيناه، لينهض جالساً جوارها ثم جذبها لأحضانه مربتاً على رأسها، لتقول و صوت بكاءها يخترق قلبه:
- أنا كل ذنبي إني حبيتك!!!
شدد أكثر في ضمه لها يوِد لو أن يدخلها في ضلوعه، ليحاوط إحدى وجنتيها يرفع وجهها الباكي لها، لانت صفحات وجهه عندما طالع عيناها الباكية، ليزيل دموعها بأصبعه، ثم مال على عيناها يطبع قلبه عليها، حاولت "هنا" مقاومته والأبتعاد عنه ولكن دون جدوى، فهو كان متمسكاً بها لأقصى درجة، لا يريد أن يُخرجها من بين ذراعيه، ليردف بعد أن تنهد مطولاً، قائلاً:
- أنا فعلاً كنت بحبها جداً، فوق مـ تتخيلي، زي مـ انتِ بتحبيني كدا، لما سافرت وقتها أنا وقعت، حسيت أني مكسور!! عملت حادثة ودخلت المستشفى، بعدين لما أتجوزتك كنت عشان محتاج حد في حياتي يعوضني عنها، يمكن دة أكتر قرار صح خدته في حياتي، بس صدقيني مش عشان أنساها بيكي، بس كنت عايز اي حد يعوضني عنها، لكن والله دلوقتي أنا نسيتها، وكرهتها جداً، ومش هسمحلها تأذي شعرة منك أو من يزيد!!!! واللي هي عملته هحاسبها عليه كويس!!!
أبتعدت عنه ثم نظرت له بحسرة مدققة في عيناه:
- أنت لسة مانسيتهاش يا ريان، لما بتكدب بيبان في عيونك!!!!
- حتى لو مكنتش ناسيها أمبارح، النهاردة أنا كِرهتها!!!
قال و هو ينظر بعيداً عن "هنا" التي أخذت نفساً عميقاً، وكأنه آخر نفس ستلتطقته في حياتها، ثم نهضت مبتعدة عنه تخرج من الغرفة بأكملها، تاركة إياه ينظر في أثرها، ليمسح على وجهه بغضبٍ، وقلبه يخاف من فُقدانها!!!
• • • •
دلفت غرفة الصغير لتوصد الباب بالمفتاح، ثم أخذته في أحضانها، لتتنهد بحُرقة عندما تذكرت يوم زفافهما، ذلك اليوم الذي لن تنساهر بكل شئ جميل وسئ حدث به!!
وسَط غبطة "هنا" و بروده اللامتناهي، طفوليتها وهي تقفز هنا وهناك في الزفاف تُرحب بهذا وترقص مع هذه، بينما هو كان متأنق في بذلته السوداء و ذقنه المنمقة، عيناه الزرقاوتان أمتزجت مع خصلاته البنية ذات اللون الفاتح ليُشكلا منه شخصاً يفوق الوسامة بدرجاتٍ، حاول الإبتسام مع أصدقاءه الذين فرِحوا من قلبهم له، ولكن السعادة ترفض أن تتشكل على محياه، فقط البرود الشديد هو المرتسم على صفحات وجهه، فـ هذا اليوم لا يُشكل فارقاً معه أبداً، بل يعتبره من اسوأ الأيام بحياته، لا يعلم كيف سيتأقلم بدونها، و هذا ما يكرَهه، فالتفكير بها بعد أن تركته يجعله يخذل أمام نفسه، تزوج بتلك التي جواره فقط ليثبت أمام قلبه أن الحياة لم تتوقف عليها، بل ستسير على نحوٍ أفضل، أو هذا ما كان يحاول إقناع نفسه بها!!!
نظر لها وهي جالسة جواره بعينان ضيّقتان، خصلاتها القصيرة و ثوبها ناصع البياض، حركاتها البريئة وكأنه متزوج من طفلة ليست فتاة بالغة، وكأنها شعرت بنظراته لها لتلتفت له بضحكتها الآخاذة، تردف بصوتٍ عالي حتى سمعها وسط هذا الضجيج:
- أنا فـرحـانـة أوي!!!!!
لا يعلم لِمَ بادلها الأبتسامة، فضحكتها جعلته يضحك تلقائياً، ليومأ لها دون حديث ومن ثم أبعد أنظاره عنها، جائت صديقتها ثم أمسكت ذراعها لكي تنهضها قائلة بحماس:
- في عروسة تقعد قعدتك دي، يلا قومي نرقُص ومتبقيش بايخة!!!
همت بالنهوض معها ولكن أمسكتها يداً من فولاذ، لتلتفت له فوجدته مقطباً حاجبيه مشدداً على ذراعيها، ليهدر بحدة:
- مافيش رقص، أنتِ مش قاعدة مع سوزي!!!
زمت شفتيها بغضب طفولي، لتردف قائلة وهي تنظر لصديقتها:
- بس دة فرَحي وأنا عايزة أرقُص!!!
هتف بجمود:
- لاء!!!
حمحمت صديقتها بإحراج لتردف وهي تذهب من أمامهم:
- طيب يا جماعة عن إذنكوا أنا بقا..
ألتفتت تردف بحزن:
- رقصة واحدة بس يا ريان!!!!
أشتعلت عيناه كالجمر ليقول بحدة:
- مش هتقومي من جنبي يا هنا!!!
- اوففف...
تأففت وهي تلصُق ظهرها بظهر الأريكة المزينة برُقي، ثم نظرت أمامها بعبوس، فأتت والدته التي هتفت بفرحةٍ:
- مالك يا حبيبتي قاعدة كدا ليه، قومي يلا عشان ترقُصي!!!
أنفلتت أعصابه ليزمجر في والدته بفتور:
- مافيش رقص يا أمي، وياريت نلِم الليلة دي عشان عايز أمشي!!!!
نظرت له "هنا" بطرف عيناها بغضب، ثم قالت لوالدته التي ضربت كفاً على آخر:
- طنط ممكن تنادي بابا عايزة أشوفه..!!!
- عنيا يا حبيبتي!!!
هتفت والدته بحنان لتذهب من أمامهم، ليجلس هو كما هو جامداً لا يؤثر به شئ، جاء والدها ليُلقي عليه نظرة غاضبة، ليُبادله بنظراتٍ باردة وكأنه يخبره أنه أنتصر عليه عندما عاندته أبنته و تزوجت به، ليتجه الأب نحو أبنته، فـ نهضت "هنا" لترتمي في أحضانه قائلة بحُزن:
- هتوحشني أوي يا بابا!!!، بس والله أول مـ أرجع من لندن هجيلك على طول!!!
ضمها بقوة له وكأنه آخر عناق لهما، ليردف متنهداً بتأثُر:
- ربنا يعلم الشهر اللي هتقضيه في لندن دة هيعدي عليا إزاي، متعودتش تغيبي عني يوم مش شهر يا هنا!!!!
أبتعدت "هنا" عنه لتنظر له ببراءة قائلة:
- خلاص ريان يروح لوحده بقا وأنا هفضل معاك!!!!
أبتسم بحنان لينظر لأبنته التي سرعان ما كبِرت و أرتدت ثوبها الأبيض متألقة به، ليُربت على خصلاتها قائلاً بلُطف:
- مينفعش يا حبيبتي تسيبي جوزك يروح لوحده، بس لو حصل أي حاجة تكلميني فوراً وأنا هبعت طيارة مخصوص تجيبك!!!
- حاضر!!
قالت بهدوء يليه دمعات أغرقت عيناها وهي تردف:
- كان نفسي ماما تبقى معايا في اليوم دة!!!
قطب حاجبيه بدهشة ليقول وقد ظهرت بحة حُزن في صوته:
- أول مرة تقولي كدا يا هنا، لما سامية "الأم" ماتت كنتِ يادوب 3 سنين، وطول عمرك بتقوليلي أنت كفاية عليا!!!
- مش قصدي يابابا والله متزعلش مني، بس أي بنت يوم فرحها بتبقى عايزة مامتها جنبها، بس أنت دايماً كنت الأب والأم ليا، أنا بحبك أوي يا بابا..!!!
أنهت كلامها لتحاوط عنقه كالطفلة الصغيرة، والدموع تسقط من عيناها وهي لا تتخيل عدم وجوده جوارها طيلة ثلاثون يوماً!!!!
لم يستمع "ريان" لحديثهم للضجة التي حوله، فأنهى سيجارته من فرط الإنفعال الذي لم يُلاحظه أحد، و هو يتمنى هروبه من تلك البلاد سريعاً وذهابه بعيداً عن كُل شئ هُنا، حدّق في "هنا" التي كانت تبكي ووالدها يحاول تهدئتها، ليزفر بإختناق شديد!!!
• • • •
أستقلا سيارة العروسين المُزينة بـ بهجة، والذي أختار "ريان" أن يقودها بنفسه، و أخيراً ليسير إلى طريق مطار القاهرة، بينما هي جالسة جواره تحاول بشتى الطرق تُخفي دموعها عنه، ولكن لا تعلم أنه متنبهاً لكل حركة صغيرة تفعلها حتى و إن لم ينظُر لها، ولكنه فضّل الصمت عن سؤال ما اللذي يُبكيها، فتلك الإجابة يعلمها هو جيداً، يعلم أنها لا تريد أن تترك أبيها أبداً، ألتفت لها لأول مرة منذ ركوبهما السيارة، فوجدها تحاوط كتفيها المغطيان بقماش الثوب الذي يصل لرسغيها-والذي أعترض هو أن يُظهر ذراعيها الغض- و الهواء البارد يلفح وجنتيها، فأسرع برفع الزجاج عبر زرٍ ضغط عليه في باب السيارة، ليُضغط على آخر جعل التكييف يبُث هواء دافئ، دار كل هذا دون همسة تُذكر، فـ ما أجمل حديث الصمت بينهما، ولطول الطريق غفت "هنا"على زجاج السيارة، ولكن تعثُرات الطريق جعلت رأسها ترتطم بالزجاج مرة تلو الأخري لتفتح عيناها بإنزعاج وهي تضغط على موضع الألم برأسها، ليصدح صوته الهادء الذي يزلزل كيانها، يُردف وهو ينظر للطريق أمامه:
-نامي على كتفي!!!!
ألتفتت له بدهشة لتراقب تعبيرات وجهه الجامدة، لم تستوعب ما يقوله فجذبها هو بذراعه ثم حاوط كتفيها ليضع رأسها تستكين على كتفه، و كأن هذا أول عناق بينهما، لأول مرة تستشعر وجودها بين ذراعيه، ليخفق قلبها بقوة حتى أقسمت أنه ربما يسمع دقاته الأن، رغم بروده الذي دائماً ما يُظهره لها بدون سبب، ولكن دفئ أحضانه جعلتها تتمنى لو كان موطنها هُنا، و هي لا تريد أن تتغرب!!!
أستكانت شيئاً فـ شيئاً لتغمض عيناها ثم ذهبت في نوم عميق، نومٍ مُريح لم تحظى به منذ فترة!!!
• • • •
ظلت كما هي لم تتحرك، تضُم قدميها لصدرها مغمضة عيناها التي أرهقتها البكاء، خصلاتها منسدلة على الأرضية و وجنتيها مبللتان بالدمعات الساخنة، معدتها تصدُر أصواتاً من جوعها، جسدها الذي يرتجف دائماً عندما تكُن حزينة، شعرت بضيق تنفُسها لتنهص سريعاً تبحث عن رذاذ الربو خاصتها، بدأت تسعل بقوة فبحث في جميع الأدراج و وجدته أخيراً وضعته داخل فمها ثم ضغطت عليه ليهدأ إهتياج تنفُسها سريعاً، جلست عل الفراش ولازال صدرها يعلو ويهبط، أتجهت نحو الطبخ الملحق بالجناح والذي كان فارغ من الطعام على حظها، فهم لا يضعوا به كثيراً من المعلبات لأنهم يأكلون بالأسفل معاً، أستلقت على الفراش لتُغمض عيناها مجدداً، تذكرت أول مرة قابلت "ظافر"وهم أطفال، أبتسمت بسُخرية فهو يفعل الأن ما فعله أبيه بها بالماضي، قُطعت ذكرياتها عندما سمعت طرقات الباب، ليصدح صوت "رقية" تقول بشفقة:
- ملاذ يا بنتي، أنا چيبت مفتاح إحتياطي، تعالي يا ضنايا و أجعدي معايا!!!
نهضت "ملاذ" فوجدت بالفعل الباب يُفتح، لتتجه نحو "رقية" التي فتحت ذراعيها لها بخطوات واهنة، أنفجرت في البكاء عندما أحتضنتها "رقية" بحنان تُربت على ظهرها و هي تحاول تهدأتها، ولكن كانت "ملاذ" كـ طفلة أكتفت من صفعات أبيها، فلجأت لأحضان أمها!!!
أخذتها "رقية" من يدها لغرفتها ثم جعلتها تنام بأحضانها تقرأ عليها آيات من الذِكر الحكيم، حتى هدأت "ملاذ" وغفت!!!!
• • • •
تمدد على الفراش ينظر للسقف بشرود، عيناه الخضرواتان يبرقان بألمٍ لم يعتاد على عهدُه، فـ حتى الألم يتوجس خيفةً من القُرب منه، و لكن الأن قلبه ينزف و يتقلص بشدة و هو يتخيل أنها كما هي مثلما تركها مفترشة على الأرضية تبكي بقهرٍ، هو يكره الشجار معها، بل وينفُر أن يتطاول عليها بالأيدي، فتلك أبداً ليست شخصيته، علّمته أمه منذ صغره أن القوة على الضعيف ضعفٍ بحد ذاته!، و أن النساء خُلقت لكي نُربت عليهم كما أوصانا الرسول في حديثه الشريف"رفقاً بالقوارير"..
تنهد ليجلس نصف جلسة على فراش الشقة التي يمتلكها بالمعادي، والتي يبتعد بها عن ضوضاء الحياة ومشكلاتها، نظر إلى هاتفه بتردد يتلبسه لأول مرة، ولكنه قرر أخيراً بالإتصال بوالدته لكي يُطمئن عليها، فـ هو يعلم وجود نُسخ أخرى لمفاتيح غُرف القصر، وأن والدته ستستخدم المفتاح الخاص بجناحه، لذلك هو واثق بأن "ملاذ" جوارها الأن، وضع الهاتفه على أذنه ليُرن الجرس، وفجأة أتى صوت والدته والذي أستشف الحسرة به:
- ملاذ نامت يا ظافر، نام أنت كمان و متجلجش (متقلقش) يابني، ربنا يصلح الأحوال بقا..!!
تنهد ليفرك عيناه قائلاً بندم:
- يعني هي كويسة؟!!
- كويسة كيف؟ دي نايمة ودِمعتها على خدها، نامت بالعافية بعد بُكاها اللي جطع (قطع) جلبي!!!
شعر بقلبه يتكور حُزناً عليه، ليردف بهدوء أخفى به ألم قلبه:
- طيب لو سمحتي يا أمي خُدي بالك منها، أنا قدامي شوية حاجات كدا في الشغل هخلصها، و هكمل إجراءات شرا القصر بتاعنا وبعدين هاجي..!!
- طيب يابني، إنت في شجة المعادي صُح؟!!
- أيوا.
قال بإبجاز، ثم ودّعها قبل أن ينهي المكالمة، لينزع عنه قميصه ليلقي به أرضاً، أشعل لُفافة تبغ بُنية اللون، ثم أخذ يُحرق كل إنش بها، يحترق هو الأن، وكأن الدخان الذي يُشكل غيمة حوله، نابع منه وليس من التبغ، تعلَق في ذاكرته و هو يجذبها من خصلاتها ويُلقي بها أرضاً، لينتفض ناهضاً بلوعةً شديدة، ليضع السيجار في المطفأة الزجاجية، ليُلقي بجسده على الفراش وهو يعلم أن النوم سيكون أفضل له الأن..
• • • •
وقفت السيارة في مطار القاهرة، ف ألتفت لينظر لها بسكون، يتأمل وجهها و تفاصيلة التي تجذبه، أغمض عيناه ليعود برأسه للخلف، تنهد بضيق و كأن أحدٍ ما يقبض على عنقه حتى كاد أن يلفُظ أنفاسه الأخيرة، عاد مرة أخرى لها ثم أفاقها وهو يربت على وجنتيها هامساً:
- هنا..، قومي وصلنا المطار..
فتحت "هنا" عيناها لتنظر حولها قائلة بصوتٍ متحشرج:
- وصلنا؟!!
أوما لها ثم غادر السيارة ليحمل الحقائب، بينما ترجلت هي، وسرعان ما أنكمش جسدها من الصقيع، و بدون أن تنتبه شعرت بـ سُترة أمتلئت برائحته وضعت على كتفيها، ألتفتت له بدهشة ليقول وهو ينظر أمامه:
- ألبسي الچاكيت عشان متبرديش!!!
أومأت دون أن تجادله حتى، لتصم السُترة لجسدها بشدة تستنشق رائحته الرجولية البحتة، أنهوا الإجراءات بأكملها ليصعدوا للطائرة، جست "هنا" جوار النافذة، ولكن منذ صعودها للطائرة شعرت بخوف ليس له حدود، فلاحظ "ريان" حالة التوتر التي تلبستها، ولكنه لم يريد أن يسألها عن شئ، على صوت المضيفة بضرورة ربط الأحزمة لأن الطائرة ستقلع، رّبط "ريان" حزام الأمان جيداً، ليلتفت لها فوجدها تحاول جاهدة ولكن كفيها المرتعشان لم تُسعفاها، أعدل في جلسته بهدوء ثم مدّ أنامله لخصرها النحيا ليوصل الحزام ببعضه، خفق قلبها بشدة لا تعلم لأنها تخاف من الطائرات، أم لقربه منها، رفعت أنظارها له فوجدته ينظر لها هو الأخر، بعيناه الزرقاوتان اللامعتان، أبتلعت رمقها برهبة، فلأول مرة يتبادلا النظرات بهذا القرب، دائماً ما كان يتجنب النظر لها، حتى ظنت في بعض الأحيان أنه يكرُهها ولا يطيق النظر لها، ولكن هو معذور، فـ لربما هو يعلم أن النظر لعيناه، يجعلك ضالاً لا تعرف طريقاً لتسلكه!!!!
أبتعد عنها لينظر أمامه بجمود، لتعتدل هي في جلسها وهي تقسم أن قلبها سيتوقف الأن من شدة دقاته، همت الطائرة بالإرتفاع، فـ أنتفض جسدها بشدة لينظر لها بقلق قائلاً:
- أنتِ كويسة؟!!
تسارعت أنفاها وهي تقول بخفوت:
- انا بخاف من الطيارة أوي يا ريان، لما كنت بركبها كان بابا بيبقى معايا دايماً و كنت بمسك فيه، بس هو مش معايا دلوقتي..!!
أمتلئت عيناها بالدموع، فـ لانت ملامحه فـ هو بات يعلم تأثير دموعها عليه، أمسك كفها بكفه الضخم، ليربت عليه، قائلاً بنبرة حنونة جداً:
- أنا معاكي، أعتبريني باباكي وأمسكي فيا ومتخافيش!!!
نظرت له بصدمة وعينان جاحظتان، فـ تلك المرة الأولى التي ترى فيها الجانب الحنون منه، فنظرت له بتوتر قائلة:
- يعني أنت مش هتتعصب لو مسكت فيك جامد!!!
هتف بهدوء مؤكداً و هو فقط يتمنى لو أن تكف عيناها عن البكاء أمامه:
- لاء طبعاً..!!!
وبالفعل صعدت الطائرة محلقة في السماء، فـ أمسكت "هنا" ب كفه مشددة عليه بقوة لم تعِها، غارزة أظافرها بـ لحم كفه، لم يرمُش له جفناً بل جلس شامخاً الظهر ينظر أمامه، تاركاً لها ذراعه تُخرج به خوفها بكُل الطرق!!!!
(ريان خُد قلبي🙁❤!)
فتحت عيناها التي كانت مغمضة إياها، وهدأت أنفاسها، لتنظر حولها بإرتعاب، ثم ألتفتت له فوجدته جالساً كما هو، نظرت ليدها لتشهق بتفاجأ أجمع نظرات الناس حولها، أبعدت أظافرها عن كفه لتمسك به تتفحصه، لينظر هو لها قائلاً بلُطف:
- أهدي مافيش حاجة!!!
نفت برأسها قائلة ببكاء والدموع شوشت عيناها:
- أنا أسفة يا ريان والله مكنش قصدي بجد أنا عُمري مـ مسكت في حد بالقوة دي، حتى بابا مكنتش بغرز ضوافري في إيده بالشكل دة، أنا والله مش قصدي أناآآآ..!!
قاطعها قائلاً بهدوء:
- صدقيني مافيش حاجة، وبعدين أنا محستش بحاجة أصلاً!!!
أسبلت عيناها بحُزن ثم ربتت على كفه قائلة بحنو:
- لاء أكيد إيدك بتوحعك وأنت مش عايز تقولي!!!
أبتسم، ليرفع أنامله وهو يمسح دموعها، قائلاً برفق:
- والله مش بتوحعني، ممكن متعيطيش بقا وتنامي شوية عشان لسة بدري لغاية مـ نوصل؟!
أستشعرت دفء كفيه لتنظر له بندم، ثم لمحت مُضيفة الطيران، تسير جوارهما، فقالت لها سريعاً:
- لو سمحتي عندك صندوق أسعافات اولية؟!!
أومأت المضيفة وهي مُثبتة أنظارها على كتلة الرجولة والوسامة الجالسة، ثم أبعدت نظراتها عنه بصعوبة لتسير لكي تجلب لها ما طلبته، بينما "هنا" أستشاطت غضباً لنظراتها الجريئة نحوه، فقالت بصوتٍ خافت تخدث نفسها:
- مُضيفة قليلة الأدب، بس هي عندها حق هو قمر أوي بصراحة!!!!
قطب الأخير حاجبيه يهمس مثلها قائلاً:
- بتقولي أيه؟!!
نظرت له بعبوس لتردف بإيجاز:
- ولا حاجة!!!
جائت المُضيفة بلهفة، لتنحني عليه تنظر لكفه قائلة بقلق:
- مِدّ إيدك يا فندم أحُطلك عـ الجرح بلاستر طبي..!!!
نظر لها بإستغراب قائلاً ببرود:
- مافيش داعي!!!
أنتفضت "هنا" قائلة بعصبية:
- لو مش واخدة بالك من فستان الفرح والدبلة اللي في إيده أن انا مراته، و بعدين محدش طلب منك مُساعدة، هاتي البوكس و أتفضلي على شُغلك!!!!
شعرت المُضيفة بالخجل، لتُعطبها الصندوق ثم سارت للداخل قائلة بإحراج:
- أنا مُتأسفة يا هانم!!!!
جلست "هنا" بغضب ثم نظرت إليه، فوجدت على ملامحه الدهشة، تغاضت عن نظراته ثم أمسكت باللاصق الطبي لتضعه على الجرح برفق، لتنظر له قائلة بحُزن:
- كدا الجروح هتلتئم إن شاء الله..
لم يُجاوبها سوى بالصمت فأراحت هي رأسها على المقعد، ثم أغمضت عيناها، وسرعان ما أنغمست في نومٍ عميق..
• • • •
عاد "جواد" للقصر فوجده مُظلم تماماً، ليصعد لجِناحه بخطوات سريعة على الدرج، ثم أدار مقبض الباب فوجدها نائمة متدثرة أسفل الغطاء لبرودة الجو، ألقى بـ سُترته ثم إتجه نحوها ليستلقى جوارها، أسند ذقنه على ذراعها وحاوط خصرها، ثم مال برأسه لها فوجدها مستغرقة في النوم، أبتسم على شكل فمها المزموم كما أعتادت منذ أن كانت صغيره، عبث بخصلاتها الناعمة بلُطف، ثم همس في أذنها بخفوت:
- ملك!!!
لم تصدر منها إستجابة، ليتابع حديثه بنفس النبرة الخافتة:
- و أنا اللي قُلت هاجي ألاقيها مستنياني نقعد مع بعض!!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج لتهمهم بلا وعي:
- أنا جعانة!!!!
قهقه "جواد" بصوته الرجولي ليقول وهو يهزّها برفق لكي تنهض:
- حتى وأنتِ نايمة بتحلمي بالأكل!!!
فتحت "ملك" عيناها لتفركهما وهي تطالع الغرفة حولها، لتشهق منتفضة و هي تنظر له بتوجس:
- أنا فــيــن!!!
رفع حاجبيه بدهشة، ثم ألتوى ثغره بإبتسامة خبيثة، ليقول بمكرٍ:
- أنتِ في قصري، وفي جناحي، على سريري!!!!
أخفت فمها بكلتا كفيها، لتنظر له جاحظة عيناها، ولكن سرعان، ما تذكرت أنها زوجته، لتقترب منه بحذر قائلة بصوتٍ خافت:
- أنا مراتك صح؟!!
- بيقولوا!!!
أردف بسُخرية، ثم جذبها لأحضانه يربت على رأسها يقول بتهكم:
- دة أنا مُبتلي!!!
(😂😂😂)
أبتسمت بشقاوة ثم حاوطت خصره قائلة و هي تدفن رأسها في صدره:
- جواد أنت اتأخرت في الشغل النهاردة!!!
- عارف والله بس كان في حاجات متعطلة في الشركة وكان لازم اخلصها!!!
زمت شفتيها بحُزن قائلة وهي تشدد على خصره:
- طب خليك قاعد معايا ومتروحش بكرة!!!
أعاد خصلاتها المتمردة على وحهها خلف أذنها، ليردف بحنو قائلاً:
- و أنا موافق!!!
أبتسمت بشدة لتصقف بيدها، ثم أبتعدت عنه لتسترسل بإهتمام:
- كَلت حاجة؟!!
أومأ قائلاً وهو يستلقى ضاماً إياها لصدره:
- أيوا يا حبيبتي كَلت في الشركة!!
أراحت رأسها على صدره مغمضة عيناها، ليقول بهدوء:
- ياسمين زعَلتك يا ملك صح؟!!
توسعت عيناها من أن يكون علِم بما قالته شقيقته، لتعتدل في جلستها مستندة بمرفقيها على الفراش قائلة وهي تنفي برأسها:
- لاء..!!!
هتف بحدة رغماً عنه:
- متكدبيش، أنا عارف أنها ضايقتك بالكلام!!!
أنكست رأسها بحزن، ثم هتفت بصدق:
- بس أنا مش زعلانه منها والله، هي بتحبك أوي ومش عايزة حد غيرها ياخد إهتمامك، فـ ياريت يا جواد تحاول تبقى جنبها وتحسسها أنك بتحبها جداً وبتهتم بيها!!!
نهض عن الفراش بعد أن تأكد صدق حدسه، ليحُك أنفه قائلاً بصوتٍ عالي:
- مش هتكبر أبداً هتفضل دماغها صغيره، هي أختي و أنتِ مراتي يعني أنا بحبكوا أنتوا الأتنين، لازمته أيه بقا اللي هي بتعمله دة!!!
نهضت لتقف أمامه قائلى برجاء:
- طب أهدى يا حبيبي متعصبش نفسك، هي كمان معاها حق، يعني انا لو شايفة اخويا بيهتم أوي بمراته ومش بيسأل فيا هضايق طبعاً، متلومهاش يا جواد، عمو اللي كان بيدلعها الله يرحمه، حاول أنتَ تعوضها!!!
جلس على الفراش ليُدخن سيجارته يهُز قدمه بعصبية، فجلست جواره، ثم تعلّقت بذراعه لتسند رأسها على كتفه، تنظر للفراغ بشرود، لتتذكر حديث "ياسمين" أنها ستحاول أن تفرقهما بشتى الطرق، رفعت رأسها له، لتُردف بتوجس:
- جواد هو أنت ممكن تبطل تحبني في يوم من الأيام؟!!
نظر لها بإستغراب، ليحاوط كتفيها قائلاً بلُطف:
- أكيد لاء، هفضل أحبك لأخر نفس فيا!!!
أغمضت عيناها ثم أستندت برأسها على كتفيه، وهي باتت خائفة من القادم!!!
دلف للقصر في وقت متأخر جداً من الليل، فوجده بأكمله مُوحش وظلام، صعد على الدرج بعد أن أنار درجاته بهاتفه، ثم وصل لجناحهما، وقلبه ينتفض شوقاً لرؤيتها، متلهفاً لسماع صوتها الذي أشتاق له، نظر لباب الجناح بتردد، ثم دلف سريعاً، بحث بعيناه عنها ولكن لم يجدها، فـ دلف غرفتهم بعد أن تيقن أنها نائمة، وبالفعل دلف للغرفة فوجدها مظلمة أيضاً، أشعل الأنوار، فسارت عيناه بأرجاء الغرفة سريعاً ليجدها مستلقية على الفراش بجسدها الضئيل، متدثرة بالغطاء لبرودة الطقس، برقت عيناه بوميض مُتّيم، ثم أقترب منها بحذر، ليطالعها بحنان شديد، أنثنى نحوها ليمسد على خصلاتها ليمسح بعيناه على وجهها الأحمر بطريقة غريبة، ولكنه لم ينتبه لذلك، فقط كان يتأملها فهو لم يراها منذ أسبوع، لم يستطيع سماع صوتها، يطمئن عليها خلسة من والدته دون عِلمها، تنهد بثقلٍ، فكاد أن يتعدل بوقفته، ولكن أستوقفه إحمرار وجهها، وحبات العرق التي تجمعت على جبينها، قطب حاجبيه بتوجس، ليضع كفه على جبينها يستشف درجة حرارتها، فوجدها مشتعلة كالنيران، جلس جوارها ثم ربت على خصلاتها قائلة بنبرة تجلى القلق بها:
- ملاذ!!!
همهمت بدون وعي بكلمات خافتة للغاية، ف أحتار هو ماذا سيفعل معها، لينهض ثم أتجه نحو المرحاض، ثم فتح صنبور المياة لتهدر على حوض الأستحمام، أنتظر دقائق حتى أمتلئ بأكمله، لـ يغلق الصنبور وعاد لها، ابعد الغطاء عنها بطول ذراعيه، ثم أنثنى عليها ليمُد ذراعه المفتول أسفل ظهرها، والأخر اسفل ركبتيها، حملها بخفه، لتستكين رأسها على صدره تلقائياً، فـ سار بها تجاه المرحاض، ثم بحذر وضعها في حوض الأستحمام، أنتفض جسدها لتشهق كالغارقة، لتمسك بتلابيب قميصه بعفوية، وكأنه طوق النجاة فهدأ من روعها ممسكاً بكفيها جالساً على حافة المغطس، يقول بهدوء وصوتٍ دافئ:
- أهدي يا حبيبتي أنا جنبك!!!
فتحت عيناها عندما وصل صوته لأذنيها لتتأهب كل
خلية بجسدها للأنقضاض عليه، لم تهتم لمرضها أو جسدها الضعيف، لتبعد ذراعيها عنه ثم همت بالنهوض، ولكنه أمسكها من كتفيها، مشدداً قيدُه عليها، مسترسلاً:
- رايحة في فين؟!! أنتِ سخنة ولازم تقعدي شوية في البانيو!!!
أشتعلت عيناها غضباً، لتضرب ذراعيه الممسكين بها، ثم صرخت به بجنون لتفقد السيطرة على حالها:
- ملكش دعوة بيا!!! أتعب أموت حاجة متخُصكش!!!!
تنهد بصبر ثم تركها تخرج مارةً من جواره، وقبل أن تخرج من المرحاض وقف ليجذب منشفة معه يخرج ورائها،خرجت للغرفة وظلت واقفة تائهة لا تعلم ماذا ستفعل بملابسها التي تقطر مياه، فـ أنقذها هو عندما حاوط جسدها من الخلف بمنشفة كبيرة، ليضم ظهرها إلى صدره بحجة أنه يحميها من البرودة التي باافعل عصفت بها، تأففت "ملاذ" بضجر ثم حاولت الخروج من بين أحضانه و لكن ذراعيه كانا كالأكبال حولها، ليحررها أخيراً فـ ألتفتت له تنظر له بغضبٍ ناري، ثم ألقت المنشفة على الأرض، لتتجه نحو الخزانة، ثم أخرجت منامة ثقيلة تناسب ذلك الطقس البارد، ليجلس هو على الأريكة واضعاً كفه أسفل ذقنه يتأمل حركاتها، فـ دلفت هي لغرفة الملابس، ثم خرجت بعد دقائق، لتتصادم عيناه بعيناها، وعندما رأت الوله يقفز منهما، أستشاطت غضباً أكثر، لتدنو نحوه قائلة بنبرة مُحتقرة، مشيرة بيدها نحو الباب:
- أطلع برا!!!
أغمض عيناه يحاول أن لا يفقد أعصابه، ثم نهض واقفاً على قدميه بشموخ، ليتجه لها قائلاً بهدوء:
- ممكن تسمعيني؟!
أرتدت خطوتان للخلف لتبقى بعيدة عنه، ثم هدرت بحدة:
- مش عايزة أسمعك ولا طايقة أسمع صوتك، أطلع برا لو سمحت وسيبني، يا إما والله هسيبلك الجناح كله و أروح أترمي في أي زفتة أوضة تانية..!!!
فور إنهائها لحديثها، جذبها من خصرها، فتفاجأت بفعلته، لتضع كفيها على صدره بتلقائية، تحاول خلق مسافة بينهم ولكن لا مجال لهذا، فـ ذراعيه كانا مُثبتانها بقوة كما من دقائق لينظر لها بعيناه الخضرواتان الدافئتان، فبادلته هي بنظرات مشتعله، وضع كفه على وجهها متلمساً إياه ليجد الحرارة لاتزال كما هي، لم تطيق "ملاذ" لمسته، حاولت دفعه بعيداً عنها بأقوى ما لديها ولكنه لم يرتد خطوة بعيداً عنها، لتتلوى هي بين يداه، فـ شدد هو أكثر على جسدها قائلاً بنبرة حاسمة:
- إسمعيني و بعدين هسيبك!!!
وكأنها لم تسمعه لتزداد مقاومتها له تردف بصوتٍ مكتوم:
- سيبني بقا!!!
لكن كلما إزدادت مقاومتها كلما قرّبها هو منه أكثر، فـ تعالت أنفاسها من فرط المجهود الذي بذلته ولم تجني ثماره، لترفع عيناها الواسعة له بغضب، فـ أبتسم لها ليضمها لصدره بحنان مقبلاً خصلاتها، يقول بنبرة تجسدت بها معاني الندم:
- أنا أسف، ورحمة أبويا مش همد إيدي عليكي تاني، أنا عارف أني غلطان بس أنا اتعصبت ومكنتش أقصد اللي عملته، حتى لو سامحتيني أنا مش هسامح نفسي، بس أنتِ عارفة أن براءة أختك من ساعة مـ شوفتها أول مرة وأنا عارف أنها بتكرهك ومستغرب إزاي أنتِ مش شايفة ده!!!رغم كدا هخليكي تعملي اللي أنتِ عايزاه، عايزة تشوفيها؟ أنا بنفسي هوديكي ليها، عايزة أي حاجة هعملهالك!!! بس أنتِ تعبانة دلوقتي يا ملاذ، تعالي أقعدي على السرير وأنا هعملك حاجة سخنة تشربيها!!!
كانت كلماته في غاية اللطف، نبرته هادئة، حتى ذراعيه اللذان يُقيداها، لم يقسو بهم على جسدها، أغمضت "ملاذ" عيناها، لتنهمر عيناها بالدموع، ثم طالعته بكراهية، و أردفت في نبرة مغلولة:
- خلصت؟ أنا عايزة أطلق!!!! وكل واحد فينا يروح لحاله!!!!
لوهله لم يستوعب مـ قالته، لتعتلى الصدمة ملامحه، فـ كلمة الطلاق كان لها أثر قوي على قلبه، لتتراخى ذراعيه عنها من هول المفاجأة، فـ أنتهزت الفرصة لتبعد ذراعيه ثم أتجهت نحو المرحاض، صافعة الباب خلفها، ليجلس هو على الأريكة، ثم وضع أصبعيه على عيناه يفركهما وقد بدأ الصداع يهجم كالأسد على عقله، ليشوشه أكثر!!!
• • • •
أستندت على باب المرحاض، ثم أطلقت العنان لدموعها لتنهمر من حدقتيها، تكتم شهقاتها بكفها، فـ تصبب العرق من وجهها أكثر، تراخى جسدها حتى شعرت بالإعياء، فخرجت لتتعلق أنظاره بها، نهض عندما وجدها تضع كفها على رأسها، يعتريها الدوار، فـ ذهب نحوها "ظافر" سريعاً، ثم أمسك بها حتى لا تسقط، رفع ذقنها له قائلاً بهدوء و أنفاسه تضرب بشرتها:
↚
- حاسة بـ أيه؟!!
أستندت على ذراعه تلقائياً، ثم أغمضت عيناها قائلة بوهنٍ:
- الأرض بتلف بيا!!!
أومأ متفهماً، ثم جذبها جواره ليجلسها على الفراش، تفحص حرارتها مجدداً ليجدها في إزدياد، فـ نهض مسرعاً ليتجه نحو مطبخ الجناح
ثم أخرج من المثلج مكعبات من الثلج، ليضعهما في طبق، وسكب عليهم ماء بارد، أخذ منشفة صغيرة باللون الأبيض، ثم أتجه نحوها، ليجلس جوارها، وضع الطبق على الكومود ثم دفعها بلطف من كتفيها ليجعلها تستلقى، فـ أستسلمت له ولم تقوى على مجادلته، ألتفت نحو الطبق ثم وضع المنشفة به، ليعتصرها جيداً، ثم وضعها على جبينها، أغمضت "ملاذ" عيناها بتعب، لتغمغم قائلة:
- أنا مش عايزة منك حاجة، لو سمحت سيبني و أطلع برا!!!
تجمدت تعابير وجهه ليقول بهدوء:
- لما تفوقي نتكلم!!!
وضعت أناملها على المنشفة الصغيرة الموضوع على مقدمة رأسها، ثم همت بإزاحتها ليثبتها هو قائلة بنبرة حادة:
- مـلاذ!!! قولتلك لما تفوقي نتكلم!!!
أعادت ذراعها جوارها لتغمض عيناها رويداً، ليرتخي جسدها بفعل المرض، ولأنه "ظافر" مُستغل المواقف، أقترب منها ليروي شوقه منها، فـ الظمأ تمكن منه، وجعله كـ أرضٍ مُتصحرة لا حياة فيها، أنامله الغليظة سارت على بشرتها، لم تعي "ملاذ" ما يفعل، فأبتسم هو ثم أقترب بثغره لشفتيها، ليقبلهما بشوقٍ لم يكُن أهوجاً، بل كانت قبلته لطيفة لدرجة أنها لم تزعج نومها، أبعد ثغره عنها، ليهمس أمام شفتيها بحنان:
- ياريت إيدي كانت أتقطعت قبل مـ تتمد عليكي!!!
نظر لعيناها المغمضتان، ليقبل جفونها برقة، ثم عاد يغمغم بلُطف:
- أزاي عايزاني أبعد عنك، دة أنا لما بعدت أسبوع بس كنت في جحيم !!!
أبتعد عنها ليسيطر على رغباته في ضمها لصدره، ثم أمسك كفها بين كفيه ليُقبله قائلاً وقد تحولت ملامحه إلى السخرية:
- عايزاني أطلقها، دة لو السما أنطبقت على الأرض هتفضلي مراتي!!!
• • ••
جلست على الفراش، تنظر أمامها بشرودٍ، فهي منذ كلماته التي تغلغلت لعروقها كالسم المميت وهي جالسة بمفردها، لا تخرج سوى لتناول بعض اللقيمات في المطبخ دون أن تشاركه طعامه، و عندما تراه تشيح بوجهها للجانب الأخر وتهرب لغرفتها، أسبلت بعيناها لمعدتها المنتفخة، فأنسدلت معها خصلاتها الطويلة، تنهدت بحزن، لتسمع طرقات الباب الهادئة، رفعت رأسها نحو الباب الذي كان في قبالتها، فـ رأته يدلف بهدوء، أشاحت أنظارها بعيداً عنه، فألقى هو نظرة مشتاقه لها، متفحصاً إياها بإهتمام جلي، وثاق كفيها الذي لم يُحل بعد، عيناها التي تنظر بعيداً عنه، و خصلاتها البندقية الناعمة التي تسقط على وجهها، أغلق الباب خلفه، ثم تقدم نحوها ليجلس جوارها، فنظرت له بدهشة، تحولت لأستخفاف عندما هتف بهدوء:
- أنا عامل أكل برا، مش هتقومي تاكلي ولا هاكل لوحدي؟!!
ألتوى جانب ثغرها بسُخرية شديدة، لتردف ببرودٍ:
- لاء، أتعود تاكل لوحدك، عشان أنا مش طايقة يجمعنا مكان واحد، ولا حتى قادرة أبُصلك!!!!
أبتسم بألمٍ، فهي تُرد له الصفعة صفعتان، و لكنه شعَر بإحساسها الأن، فهو أيضاً يشعر بكلماتها تسقط عليه كالسكين الحاد تمزق أشلائه، ولذلك قال برفق وهو يوجه جسده لها:
- أنا مكنش قصدي أقولك كدا، كنت متعصب ومحستش بنفسي، أنا أسف!!!!
نظرت أمامها بغضبٍ، فـ حاوط كتفيها بذراعه ثم مسد على معدتها، ليردف بعقلانية:
- على الأقل كُلي حاجة عشان بنتي، هي ملهاش دعوة بمشاكلنا يا رهف!!!
وكأن لمسته على معدتها كانت كالصاعق الكهربائي، وذراعه كان يجثم على قلبها، لتبعده ناهضة من على الفراش، ثم جلست على الأريكة، لتسند رأسها على مسندها، مغمضة عيناها بألم، راقبها هو بأسفٍ، فنهض لكي يخرج من الغرفة حتى لا يزعجها، و لكن أوقفه صدور شهقات باكية منها، و إنهمار الدموع من عيناها، لم يتحمل قلبه بكائها، ليتجه نحوها جالساً أمامها يحاوط وجهها مقبلاً خصلاتها بحنو بالغ، قائلاً برجاء:
- كفاية عياط يا رهف، والله العظيم أنا أسف مكُنتش أقصد!!!
أنفجرت في البكاء ليضمها لصدره واضعاً رأسها على موضع قلبه، يمسح على خصلاتها ليُهدئها، مردفاً بصوته العذب:
- قوليلي طيب عايزة أيه؟!! أي حاجة عايزاها هعملهالك دلوقتي!!!
رفعت عيناها الحمرواتان الباكيتان له، لتردف برجاء:
- أنا مش عايزة أعيش معاك، سيبني يا باسل أَمشي، و أوعدك مش هتشوف وشي تاني!!!
صُدم مما قالته، ليرفع ذقنها له، قائلاً بهدوء شديد يخالف البراكين المشتعلة به:
- إلا الطلب دة!! هعملك أي حاجة إلا إنكوا تبعدوا عني!!!!
أزاحت كفه بعيداً قائلة بحدة وهي تنهض من على الأريكة مشيرة بيديها:
- و أنا مش عايزة غير الطلب دة!!! كفاية نتعب في بعض بقا!!!
نهض أمامها يردف بهدوء:
- أنتِ ناسية إنك حامل في بنتي؟!!
قطبت حاجبيها لتقترب منه، تنظر له بسُخرية قائلة:
- مش كنت بتقول إني مش حامل منك؟! وإني واحدة خاينة وزبالة؟!! و لا نسيت أنت قولت وعملت أيه!!!
قاطعها بنبرة عالية مغمضاً عيناه:
- رهــف!!!!
لم تُبالي بعلو صوته، بل أخذت تُزيد في الضغط على موضع ألمه بدون رحمة، قائلة بنبرة متهكمة:
- لو أنت نسيت أفكرك؟ عشان أنا عُمري مـ هنسى أنك أتهمتني في شرَفي من غير حتى مـ تسمعني!!!
أبتعد عنها ليوليها ظهره، رافضاً الأستماع إلى كلماتها التي تُصيبه في مقتل، ولكن صوتها الحزين أخترق أذنه وهي تقول:
- و أنا اللي كنت بقول أن باسل واثق فيا أكتر من نفسه، و عُمره مـ هيصدق حاجة وحشة عني، كنت فاكرة أني أتجوزت الشخص الصح، مكنتش أعرف أن جوازي منك كان أكبر غلطة!!!
شعر "باسل" بإختناق حقيقي، ليضع كفه على صدره مغمضاً عيناه بألم شديد، أغرورقت عيناه بالعِبرات، ليغلق جفونه بعنف، ليستمع لها وهي تسترسل تقضي على ما تبقى من قلبه:
- سيبني أمشي يا باسل، و أوعدك لما أولد إن شاء الله هتشوف البنت وقت مـ تعوز ومش همنعها عنك أبداً، بس سيبني أكمل اللي باقي من حياتي و أنا مش خايفة أنك ترجع تشُك فيا، أو تستخدم دراعك من غير مـ تسمعني!!
أستند على الحائط جواره، حاول أن يلتقط أنفاسه ولكن الأكسجين يأبى الدخول لرئتيه، أهتاجت أنفاسه، فلاحظت هي الحالة المريبة التي سيطرت عليه، لتقترب منه واضعة كفها على كتفه تردف بقلق:
- أنت كويس؟!!
سعل "باسل" بقوة، ليميل برأسه للأمام وهو يحاول تهدئة نفسه، فوقفت أمامه لتنحنى برأسها له واضعه كفها على كتفه تهتف بتوجس:
- في أيه؟!!
أعتدل في وقفته، يحاول تنظيم أنفاسه بشهيق وزفير مستمران، ولكن الألم لا يزال ينغص قلبه بدون رحمة، بعد دقيقتان عادت أنفاسه لطبيعتها، رفع نظراته الجافة لها، ثم تحرك من مكانه ولكن قبل أن يخرج من الغرفة كانت تردف سريعاً:
- قولت أيه في موضوع اآآ
↚
قاطعها بنبرة صارمة، ولم يلتفت ليواجها:
- هوديكي عند أمي و ملاذ تريحي دماغك عندهم يومين تلاتة وانا هفضل هنا، و موضوع الطلاق دة تشيليه من دماغك خالص!!!
فرغت فِاها بصدمه، لتراقبه وهو يذهب لغرفته صافعاً الباب خلفه، جلست على الأريكة بحذر متنهدة بضيق، ولم تشعر بنفسها سوى وهي تستلقى على الأريكة لتغفو بـ إرهاق..
• • ••
وصلا العروسين إلى فندق راقي في مدينة باريس، أكد "ريان" على حجزهما لجِناح زُين خصيصاً لهما، لتدلف "هنا" للجناح بإنبهار، يخطف الأبصار بفخامته و رُقي أثاثه، الورود منثورة على الأرضية باللون الأحمر و الأبيض، ألتفتت لـ "ريان" تقول بسعادة غامرة:
- بجد الجناح حلو أوي يا ريان، أنا متوقعتش يكون بالجمال دة!!!
لم يرمُش له جفن، ليطالعها بهدوء شديد يُناقض حماسها، واضعاً كفيه في جيب بنطاله، لم تنتبه لنظراته الغريبة لها، ولا لبروده وصمته المُخيف، لترفع ثوبها الأبيض عن قدميها ثم سارت للداخل فتعمقت في الجناح مُطالعة كل زاوية به، دلفت لغرفتهم والتي كانت على الزاوية تتفحص كل ركن بها، فوقع عيناها على الفراش المُزين برقة، و وسط إندماجها في كل هذا، أنتفض جسدها بشدة عندما سمعت صوت باب الجناح يغلق بعنف!!!!
لتركض خارج الغرفة، فرأت المكان بأكمله فارغ، أسرعت لتفتح الباب ف نظرت للممر ولكنها وجدته خالي من أي شخص، تركت الباب مفتوحاً ثم ركضت رافعة ثوبها الذي يعيق حركتها، لتقف أمام المصعد فوجدت السهم يُشير إلى الطوابق السفلية تنازلياً، أمتلئت عيناها بالدموع لتبعد خصلاتها الناعمة عن جبينها، عادت للجناح لتدلف له، ثم صفعت الباب بغضب، أتجهت نحو الهاتف الأرضي، لتضغط على رقم الطابق الأسفل والذي يخص موظف الأستقبال، وضعت السماعة على أذنها لتنظف حلقها تمنع ظهور عبراتها بجوفها، ثم أردفت قائلة باللغة الفرنسية:
- معذِرةً، هل رأيت زوجي الأن يخرج من الفندق؟!!
أردف موظف الأستقبال بتهذيب:
- هل تقصدين السيد ريان الجندي يا سيدتي؟!!
- نعم!!
هتفت سريعاً، فرّد هو قائلاً:
- نعم سيدتي لقد ذهب الأن من أمامي خارج الفندق!!!
وضعت السماعة في موضعها بالهاتف الأرضي، لتنهار أرضاً تحاوط وجهها بكِلتا كفيها، لتبكي بحُرقة شديدة، لم تتوقع منه أن يتركها في بلدة لا تعرف عنها شئ، و في يوم زفافهما، في جناحٍ من المفترض أن يقضيا به أسعد أوقاتهم، ولكنها ستقضي به الأن أتعس أوقاتها!!!
• • • •
سار في ضواحي باريس كالتائه، وقد نزع عنه سترته ليبقى بقميصه الأبيض الملتصق بجسده المُعضل، معلقاً بذلته على كتفه!!
تنهد بضيق، فالهواء الذي يلفح جسده لم يكُن كافياً لبث الراحة به، ف هو تعمّد عدم التجول بسيارته حتى يستنشق عبء الأجواء هنا لربما تخمد نيرانه، أتجه نحو أحد المقاهي المشهورة بـ بلد العُشاق، ليجلس على مقعد جلدي، ليعود برأسه للخلف مغمضاً عيناه، يُفكر بفعلته الدنيئة معها وتركها وحيدة في يوم زفافها، ولكن لم يكُن له خيار آخر، فهو لا يريد أستغلال مشاعرها تحت مُسمى الحب وهو يعلم أنه لا يكِن لها شئ، لا يريدها أن لهذا هرِب و سيهرب، قلبه تعلّق بفتاة واحدة و للأسف لا يستطيع نسيانها!!
شعر بوخزةٍ في قلبه للألم الذي سيسببه لتلك المسكينة، ولكنه يقسم أن آلامه أضعاف مُضاعفة، جاء النادل يسأله عما يُريد أن يشرب، فطلب كوب من الشاي بنبرة خاوية، بعد دقائق جاء الشاي فأرتشفه "ريان" بهدوء وهو ينظر لوجوه الناس حوله، ظل جالساً كثير من الوقت يقرر ضاق صدره لينهض يُقرر العودة لها، ليواجهها وما أقساها مواجهة!!!!
• • • •
مرّ الكثير من الوقت، ساعة تليها الأخرى حتى أصبحت الساعة الثالثة فجراً، فـ لم تستطيع أن تتحمل الصداع الذي يُفتك برأسها، ولا البكاء الذي جعل عيناها تتورم، حاولت النهوض عن الأرضية الباردة ولكن لم تستطيع لتيبُس قدميها، أطلقت تآوهٍ متألم و هي تحاول النهوض متشبثة في المقعد جوارها، و بالفعل وقفت على قدميها بعد معاناة، ولم تُكمل الثواني إلا وهي مُنهارة أرضاً مغشياً عليها، فـ أرتطم وجهها بالسيراميك البارد، و عند تلك اللحظة دلف "ريان" للجناح، فوجدها مفترشة على الأرض، وجهها شاحب و جسدها يرتجف من شدة البرد، صرخ بعلو صوته مصدوماً:
- هـــنـــا!!!!!
ركض نحوها بفزع، لينثنى نحوها ثم أدخل ذراعيه أسفل جسدها، ليحملها برفق يضمها لصدره، جسدها بارداً كالثليج، و مساحيق التجميل لطخت وجهها الباكي، ركض بها لغرفتهم، ثم وضعها بلُطف على الفراش، ليسند جسده برُكبته على الملاءة و قدمه الأخرى تدلت من فوق الفراش، أنثنى عليها ليضرب وجنتيها برفق هادراً بقلق شديد:
- هنا!!! هنا رُدي عليا!!! هـنـا!!!
باءت محاولاته بالفشل الذريع ولم يستطيع إفاقتها، فـ نهض من جوارها يلتفت حوله كالتائه يبحث عما يجعلها تفيق، لم يجد سوى زجاجة عطره الموجودة في حقيبته، فركض ليأتي بها، ثم نثر بها على يده، ليتجه نحوها، مال عليها ليضع كفه ناحية أنفها مباشرةً، و قد بدأ شعور الندم يتغلغل إلى داخله، تقلصت ملامحها وهي تشتم الرائحة التي تحفظها عن ظهر قلب، فتحت عيناها ببطئ مقطبة حاجبيها، لترى ملامحه الوسيمة في مواجهتها، لانت تعابير وجهه المتشنجة، ليزفر بإرتياح، ثم مسح على خصلاتها يُبعدها عن مقدمة رأسها، قائلاً:
- وقّعتي قلبي!!!
لم تعي "هنا" ما حدث، لتعود متذكرة تركه لها، فدفعت كتفه بعنف ناهضة من على الفراش، صارخة بإهتياج وهي تدور حول نفسها تبحث عن حقيبتها:
- أنا عايزة أمشي من هنا!!!، فين موبايلي أكلم بابا و أقوله ييجي ياخدني!!!
لم يتحرك "ريان" إنشاً واحداً حتى بعد دفعها له والتي لم تؤثر به، لينهض قائلاً بجمود قائلاً:
- متعليش صوتك!!
لمعت عيناها بالدموع ثم نظرت لها بنظراتٍ جعلته يشعر بوخزٍ في قلبه، وكأنها تعاتبه بنظراتها، فأبعد عيناه الفيروزتان عنه، لتبتعد هي جالسة على الأريكة، ثم ضمت كفيها معاً، لتفركها قائلة وهي على مشارف البكاء:
- أنا عايزة بابي!!!!
نبرتها الباكية جعلته يلتفت لها، فـ لأول مرة يراها تبكي، ولا يعلم لِما تألم قلبه، فـ أتجه نحوها، يحاول عدم إظهار تأثره بعيناها الدامعة، فخرجت نبرتُه جافة، خالية من معالم الحياة:
- مش عايز شُغل عيال يا هنا!!، أنا كان ورايا حاجة مهمة خلصتها وجيت!!!
رفعت أنظارها الباكية له، فـ إزدرد ريقه ثم أبعد أنظاره عنها، لتردف قائلة:
- كنت قولتلي، أنا مكنتش هقولك حاجة، بس أنت سيبتني ساعات مرمية هنا وأنا أصلاً معرفش حاجة في باريس، و في فندق معرفش حد فيه!!!
جلس على الأريكة و ضميره يؤنبه، فنظر لها بجمود أخفى بها نظرات الإعتذار التي كادت أن تقفز من عيناه، فـ أنزعجت من هيئته الباردة وكأنها لم تقُل شئ!!!
تركته لتتجه إلى حقيبتها لتخرج منها منامية ذات أكمام، ثم دلفت للمرحاض، ولم تلاحظ نظراته التي كانت تتبع خطواتها، صفعت باب المرحاض بقوة، ليُغمض عيناه يحاول ألا يفقد هدوءه، جلس دقائق شارداً فوجدها تخرج من المرحاض، وجهها أحمر و خصلاتها غير مرتبة، ولازالت بـ ثوب عرسها، قطب حاجبيه بغرابة ولكن لم يُبالي، نظر إلى هاتفه الذي أخرجه من الحقيبة منشغلاً بها، ولكن كان ينظر لها بطرف عيناه، فوجدها تجلس على حافة الفراش واضعة كفها أسفل ذقنها زامة شفتيها بحُزن، حاول تجاهلها والنظر في هاتفه، ولكن أنتصر أهتمامه بها ليردف قائلاً بصوته الرجولي ذو البحة المميزة:
- مغيرتيش الفستان ليه؟!!!
نظرت له بطرف عيناها بإزدراء ولم تجيبه، رفّع حاجبيه بدهشة، فـ لأول مرة تتجاهله فتاة وهي خصيصاً، أحتل الغضب محياه لينظر لهاتفه بعينان نارية، سمع تأففاتها المتعددة ولكن لم يُعايرها أهتمام، فـ نهضت واقفة أمامه تقول بخجل:
- الفستان دة برُباط من ورا مش سوستة، و أنا مش عارفة أفتحه!!!
رفع عيناه الماكرة لها، فجذبه شكلها الطفولي وهي تفرك أصابعها، ليلقي بهاتفه ثم نهض قبالتها، و من دون كلِمة لفّها ليكُن ظهرها في مقابلته، ملّس على خصلاتها المشعثة ليُعيد ترتيبهم ثم وضعه على إحدي كتفيها، فظهر لها ظهرها الأبيض و أربطة الثوب بالفعل تُقيد الثوب بـ مبالغة، فـ مد أنامله ليُحرر أول عُقده، ثم تليها العقدة الأخرى، و أصابعه تلتمس بشرتها الناعمة للغاية بدون قصدٍ منه، فسارت قشعريرة في جسدها لتتخضب وجنتيها بإحمرارٍ خجول، خفق قلبها بعنف لقربه منها، وبطئة في حل العُقد، بينما هو فكان يُصارع لكي لا يلمس بشرتها التي جذبته، كاد أن يصل إلى نهايات الأربطة لتلتفت هي سريعاً ممسكة بالثوب من الخلف قائلة بحياء:
- خلاص أنا هكمل!!!
أومأ بهدوء يحاول الحفاظ على رباطة جأشه التي أنهارت مع رباط الثوب!~
أسرعت داخل المرحاض ثم أغلقت الباب لتضع كفها على قلبها تردف و أنفاسها في تسارع:
- أهدي يا هنا مافيش حاجة، يا نهار أسود انا قلبي هيُقف، ليه يعني أصلاً وجوده جنبه مش بيأثر فيا عادي، و أنا اللي عبيطة عشان خليتُه يُفك الفستان، عادي يعني كان ممكن أتصرف، أكيد هيقول عليا مدلوقة عليه دلوقتي!!!!
تأففت بضيق ثم نزعت الثوب و أغتسلت سريعاً، و من ثم أرتدت مناميتها لتقف أمام المرآة تنظف وجهها من بواقي مساحيق التجميل، ثم خرجت بخصلاتها المبللة حول وجهها فجعلتها كاللوحة، نظرت له فوجدته هو أيضاً بدّل ثيابه إلى بنطال ثقيل و كنزة سوداء، يتحدث عبر الهاتف بـ شبه غضب، رفعت أنفها بتعالي ثم جلست على المقعد أمام المزينة، فوقعت عيناه عليها وهي تمشط خصلاتها الطويلة ذات اللون البني، ليتابع حديثه بالهاتف قائلاً بنبرة هادئة عن ذي قبل:
- خلاص يا أحمد بكرة نتكلم ونشوف الموضوع دة!!!!
↚
أغلق الهاتف ثم أستلقى على فراشه مغمضاً عيناه، فنظرت له بضيق قائلة منتصبة أمام الفراش:
- أنا هطلع أنام برا!!! مش عايزة أنام هنا!!!
هتف وهو لازال مغمض عيناه:
- براحتك!!!
ضربت الأرض بقدميها وهي التي كانت تتوقع رداً آخر، همت بالذهاب ولكنه هتف قائلاً وهو ينظر لها بفيروزيتيه:
- بس برا برد على فكرة، و البطانية الاحتياطي اللي هنا مش هتدفيكي، فـ لمصلحتك نامي هنا!!
نظرت له بإستخفاف ثم عقدت ذراعيها قائلة بعِناد:.
- ملكش دعوة أتعب ولا لاء!!!
لم يُجيبها بل أغمض عيناه متجاهلاً حديثها، فسمع الباب يغلق بعنف، فرك عيناه بنعاس، ولكنه قاوم ينتظر نومها بالخارج حتى يخرج لها ويحملها إلى هُنا!!!
وبالفعل ظل ما يُقارب الساعة يقاوم بوادر النوم على جفنيه، لينهض متجهاً للخارج، فوجدها مستلقية على الأريكة نائمة بعُمق دون غطاء وجسدها يرتجف من شدة البرود، تجهم وجهه هامساً بعصبية:
- قولتلها تاخد بطانية وبردو مافيش فايدة دماغها ناشفة!!!
أنثنى عليها مطالعاً وجهها عن كثب، عيناها المغمضة ذات الأهداب الطويلة، أنفها الصغير و فمها المزموم أيضاً، تنهد قائلاً بصدق:
- لو كنت شوفتك قبلها، متأكد أن كانت حاجات كتير هتتغير!!
همهمت دون وعي، فـ أبتسم ليحملها بخفة، فـ أسندت وجهها على صدره، لتنسدل خصلاتها فوق وجهها، أتجه نحو غرفتهم، ثم وقف أمام الفراش، ليضعها عليه بحذر حتى لا تصحو، ثم أستلقى جوارها مغمضاً عيناه، وكانت بينهم مسافة معقولة، ولكن "هنا" لم تجعلها تدوم طويلاً، فـ حاوطت خصره مسندة رأسها على صدره دون وعي، تفاجأ، "ريان" مما فعلته، ولكنه حاوط كتفيها بذراعه المفتول، و هو يقاوم ضحكاته على ردة فعلها عندما تفيق وتراهم في تلك الوضعية، ليغفو هو بنعاس شديد!!!
• • • •
سارت ، ملك" تجاه غرفة "ياسمين" لكي تتحدث معها، وقفت أمام الباب وكادت أن تطرق ولكنها سمعتها تقول بتغنج:
- يا أحمد أنت مستعجل على أيه!! ، يابني بقولك بليل مش دلوقتي عشان جواد لسة في البيت، طيب أول مـ يمشي هنتكلم ڤيديو!!!!
جحظت عيناها بشدة، لتضع كفها على فمها تكتم شهقاتها، ثم أبتعدت عن الغرفة هامسة بصدمة حقيقية:
- يا نهار أسود!!! ليه كدا يا ياسمين!!!
ألتفتت عائدة لجناحهم، لتدلف شاردة تنظر للفراغ، فرآها "جواد" في أنعكاس المرآة، ليلتفت لها قائلاً بهدوء وهو ينظر لحالتها المُريبة:
- في أيه يا ملك!!!
- هـــاه!!!
ألتفتت له بدون وعي، لترتبك نظراتها قائلة بتوتر:
- م..مافيش حاجة أنا بس حاسة إني دايخة!!!
توجه لها وعلامات القلق بادية على وجهه يردف قائلاً:
- نروح للدكتور؟!!
نفت سريعاً قائلة بإبتسامة حاولت أن تجعلها هادئة:
- مش للدرجة دي أنا هنزل أقعد مع ماما إيناس شوية وهبقى كويسة!!!
أومأ بهدوء، ثم قال و هو يبتعد ناظراً للأمام بعينان كالصقر:
- أنا فكرت في كلامك يا ملك، ولاقيت إني فعلاً كنت بعيد عن يا ياسمين في أكتر وقت هي كانت محتجالي فيه، عشان كدا هحاول أقرب منها الفترة الجاية!!!!
صُدمت "ملك" من حديثه، وكادت أن تدمع عيناها تأثراً، فـ هو هُنا يؤنب ضميره عن معاملته الجافة مع شقيقته، بينما هي تتحدث مع آخر وتخبره أنها تنتظر خروج أخيها لكي تأخذ راحتها في الحديث معه!! أقشعر بدنها من مجرد تخيُلها ما سيفعله "جواد" معهم، لتنتفض كل خلية بجسدها عندما هتف وهو يتجه لغرفته:
- أنا هروح أشوفها قبل مـ أنزل!!!
لم تستوعب ما قاله، فخرج هو من الغرفة، حثتها قدميها على الركض وراءه لتمنعه من الولوج لغرفة أخته، وبالفعل ركضت وراءه لتمسك ذراعه، ثم بحركة مفاجأة أرتمت في أحضانه قائلة بنبرة مُرهقة:
- حاسة إني دايخة أوي يا جواد مش عارفة مالي!!!
ألتقتطها "جواد" ليحملها بين ذراعيه ثم أتجه لغؤفتها قائلاً بتوجس:
- فيكي أيه يا ملك!!!
حاوطت عنقه قائلة بوهن مصتنع، ونظرات زائغة:
- مش عارفة!!
وضعها على الفراش، ثم مسح على خصلاتها هامساً بحنان:
- طيب أنا هكنسل الشغل النهاردة وهقعد معاكي!!!
توسعت عيناها، لتسرع قائلة:
- لاء يا حبيبي متعطلش نفسك أنا هبقى كويسة والله!!
قال بعناد وهو ينزع عنه سترته ذات القماشة الثمينة:
- لاء يغور الشغل في ستين داهية!!!
زمت شفتيها بحزن، ثم نظرت أمامها بخيبة أمل، فأتاه إتصال جذب إنتباها، لتلتفت له فرأته يقول بنبرة هادئة:
- ماشي يا ظافر أنا جاي!!!
تأفف بضيق بعد أن اغلق معه قائلاً بمزاح:
- أخوكي دة هيجنني!!!
- يعني هتمشي؟!!
قالت بإبتتسامة، لينظر لها بشك قائلاً بمزاح:
- دة أنتِ كرهتيني أوي!!!
ندمت "ملك" على تسرعها بالحديث والذي فسره هو بأنها أصبحت تكرهُه، وقفت على قدميها على الفراش قائلة وهي تحاوط عنقه:
- أخص عليك يا جواد!!! أنا أكرهك؟!! أنا بس مش عايزاك تعطل نفسك عشاني!!!
أبتسم محاوطاً خصرها، ليُقبل ثغرها قبلة سريعة، قائلاً:
- عارف يا حبيبتي أنا بهزر!!!
ودّعها ثم ذهب لتجلس هي على الفراش تفكر بالكارثة التي ستحدث قريباً!!!
• • • •
شعرت بشئٍ صلب كالحائط أسفل راحة كفها، فـ فتحت عيناها بنعاس لتنظر إلى يدها التي أُسندت على صدره، وذراعه المحاوط لكتفيها، أنتفض جسدها لتبتعد زاحفة لآخر الفراش ضامة الغطاء إلى صدرها، تنظر له بخوفٍ، ثم تحسست جسدها لتتأكد من أنها ترتدي ملابسها، لتزفر بإرتياح، قطبت حاجبيها لتنظر حولها قائلة بحيرة:
- أنا مش كنت نايمة برا، أيه اللي جابني هنا بس!!!
ثم حولت عيناها له، لتنكزه في كتفه قائلة بضيق:
- أنت يا أستاذ!!! قوم!!!!
فتح عيناها الزرقاوتان، ثم حدّق بها قائلاً بصوت المتحشرج:
- في أيه!!!!
أبعدت الغطاء ثم ثنت قدميها أسفلها لتميل نحوه بخصلاتها الطويلة، قائلة بعصبية بريئة وهي تضم ذراعيها لصدرها:
- جيبتني هنا ليه!!!
كانت تزُم شفتيها مقطبة جبينها بطريقة جعلتها تُشبه الأطفال، فـ حاول هو ألا يلتفت لمظهرها الذي يُثيره، ليقول بجدية:
- أنتِ اللي جيتي أنا مجبتكيش!!!
توسعت عيناها بتفاجأ، ثم عادت للوراء مشيرة على نفسها مردفة:
- أنا!!!
لم يجيبها ولكن تعابير وجهه كانت جامدة مما جعلها تصدق أنها بالفعل عادت للسير وهي نائمة، لتضرب فخذيها قائلة بضيق:
- أنا كنت فاكرة أني بطلت العادة دي!!!
أخفى أبتسامته، ليعود لجمود عيناه، ثم أردف قائلاً بدهشة زائفة:
- أنتِ فعلاً مش فاكرة انك جيتي هنا ونمتي في حضني!!!
شهقت بصدمة، لتجحظ عيناها بصدمة، ثم رفعت أصبعها في وجهه قائلة بضيق:
- أنت كداب يا ريان، أنا مستحيل اعمل كدا!!!
أمسك بأصبعها بلطف ثم أبعده عن وجهه، ليبعد خصلاته الناعمة عن وجهه قائلاً بإبتسامة:
- لاء مش كداب، دة اللي حصل!!!
أطبقت على شفتيها بحرج، ثم هتفت بتوتر قائلة وهي تهم بالنهوض مبتعدة عنه:
- أنا هطلع برا!!!
أمسك ذراعها يمنعها من النهوض، ثم هتف بـ لين:
- زعلتي؟!!
صمتت ولم تجيبه، فـ نهض نصف جلسة، ثم أمسك بكفيها، ليقول بصدق:
- أولاً أنا مكنتش أقصد اللي عملته أمبارح، وغلطت إني مقولتلكيش، ثانياً اللي عملتيه امبارح دة عادي يعني إنك تنامي في حُضني أنا جوزك!!!
رفعت أنظارها الطفولية له، ثم تحول وجهها للون الأحمر، ولم تعلق عما قاله، فـ شردت بـ فيروزتيه، ولم تنتبه على حديثه معها، و لكن عندما طال شرودها طرق بأصابعه أمام وجهها، قائلاً بغرابة:
- سرحانة في أيه؟!!
رمشت بعيناها عدة مرات بتوتر شديد، ثم أخذت نفساً عميق وهي تقول بهدوء:
- مافيش، أنا هقوم أطلب حاجة ناكلها!!!
نهضت ثم خرجت من الغرفة، فـ نهض هو ليدلف للمرحاض حتى يستحم!!!
• • • •
شعرت بمن يهُز ذراعيها، فـ أفاقت من حالة الشرود المتواصلة التي تلبستها، لتنظر للدادة التي قالت بإهتمام ممزوج بالشفقة عليها:
- مالك يا هنا يابنتي، بقالي ساعة قاعدة معاكي وانتِ سرحانة في ملكوت تاني، حتى ريان بيه باين عليه مش كويس، خير يابنتي!!!
نظرت لها دون تعابير على وجهها، فـ عيناها كانت خاوية، و وجهها شاحب، و لم تردف سوى بـ:
- أنا عايزة أمشي من هنا!!!
جحظت حدقتي الأخيرة بصدمة، فـ لم تتفوه "هنا" بتلك الكلمات منذ أن عملت لديهم، لتقول بقلق جلي وهي تربت على كتفيها:
- ليه يا بنتي أيه اللي حصل!!!
أبعدت عيناها عنها، ثم نظرت للأمام، مرددة وكأنها لم تسمعها، و بدون وعي:
- انا لازم أمشي!!!
ضربت "الدادة" كفها بالأخر، لتقول بحزن:
- طيب أهدي يا حبيبتي، و أتكلمي مع ريان بيه و
أتفاهموا مع بعض، لأن دي مسائل عائلية متخصنيش، و ربنا ميجبش حاجة وحشة!!!
لم تسمعها "هنا" لتنهض كالآلة، متجهة نحو خزانتها ثم أخرجت حقيبة سفرها الضخمة، لتلقي بها على الفراش، ثم أخذت تضع الملابس بها بعشوائية، و تزيل دموعها التي أنهمرت على وجنتيها!!
فـ أنتفضت الدادة من فوق الفراش، لتقترب منها قائلة برجاء:
- أستهدي بالله يا هنا وفكري، هتروحي فين يابنتي دة أنتِ مقطوعة من شجرة و ملكيش حد!!!!
لم تبالي بحديثها لتضع كماً أكبر من الملابس، ثم قالت بنبرة جامدة:
- لميلي هدوم عمر يا دادة، عشان هييجي معايا!!!
عرِفت الأخيرة أنها لن تصل معها لشئ، وأن الوحيد من يستطيع إيقافها هو "ريان"!، فـ أبتعدت عنها لتتجه نحو الغرفة الخاصة بالرياضة، لتطرق عليها عدة مرات بعجلة، فتح "ريان" وهو يجفف وجهه بالمنشفة مزيحاً قطرات العرق التي تتهافت فوق جسده، ليردف بصدرٍ يعلو ويهبط من فرط المجهود الذي بذله:
- في حاجة؟!!
أسرعت تقول وهي تشير نحو غرفتهم:
- هنا هانم بتلم هدومها يابني وهتمشي، وطلبت مني ألم هدوم عمر بس أنا قولت أقولك الأول!!!
أنا هاخد عمر و أنزل البيت وانتوا أتفاهموا ومتشيلوش همُه!!!
سقط قلبه أرضاً حتى و إن لم يظهر عليه ذلك، حتى و إن لم يظهر الخوف في عيناه، حنى وإن لم يُعبر جسده عن القشعريرة التي سارت به من مجرد تخيُلُه أنها ستتركه وترحل، أجتازها ليتجه نحو غرفتهم، وبالفعل أخذت الدادة عُمر ورحلت حيث شقتها بالأسفل، فتح " ريان" الباب بعنف ليبحث عنها، فوجدها بالفعل تجمع أشياءها، أتجه نحوها قائلاً بصوتٍ عالي يناقض هدوءه التام:
- أنتِ فاكرة نفسك تقدري تمشي و تاخدي أبني معاكي!!! تبقي بتحلمي يا هنا!!! أنا هنا اللي اقول مين يمشي ومين يقعد واللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيط!!!
قال جملته الأخير و هو يضرب ضلفة الخزانة براحة يده بقوة، أرتجفت من صراخه عليه و إنفعاله، لترتد للخلف لكي تحافظ على مسافة آمنة بينهما، ولكن لم يمنعه ذلك من مدّ ذراعيه والقبض على ذراعيها ليغرز أظافره بهما صارخاً بنبرة جنونية:
- أنتِ مكبرة الموضوع ليه، قولتلك دي واحدة كانت في الماضي، أيه لازمته الدراما دي كلها؟!! مـ تعقلي بقا وبطلي جنانك دة!!!
نظرت له بعينان دامعتان، لا تعلم لِم لمحت رجاء أن لا تتركه في نظراته لأقل من الثانية، ليعود الغضب يقفز من عيناه، ظنت أنها ربما تتخيل، لتردف بصوتٍ على مشارف البكاء:
- لما تسيبني يوم فرَحنا وتمشي عشان مش طايقني تبقى مش ماضي، لما تعاملني معاملة زي الزفت وكأنك مغصوب عليا تبقى مش ماضي، عُمرك مـ قولتلي أنك بتحبني أو حتى لمحتلي، خمس سنين عايشة مع واحد عامل زي الإنسان الآلي، كل كلامه و أفعاله باردين، مافهيومش روح، حتى لما بتقرب مني بتبقى بارد، كأنك بتأدي واجب و خلاص!!!
كان حديثها معه هادئ، لم تصرُخ، ولم تنفعل، رغم أنها بين براثنه و أظافره تكاد تمزق ذراعيها، ولكن لم تشعر بآلام جسدها، فـ آلام روحها طاغية، فـ خفف هو يداه من على ذراعيها، ليتركها تماماً ينظر لها بنظرات خاوية، لا روح بها، فـ أبتسمت بسُخرية، لتشير لعيناه قائلة:
- مش بقولك!!! النظرة الباردة اللي في عينيك دي مش هتتغير!!!
أبعد نظراته عنها، فـ ألتفتت للحقيبة لتعود واضعة الملابس بها، فـ أستشاط غضباً أكثر، ليمسك بالملابس يُلقي بها أرضاً يهدر بصوته الجهوري:
- مش هتمشي من هنا!!!!
-همشي يا ريان، حتى لو ههرب من هنا خالص!!!
قالت ببرود شديد وهي تضع ملابسها داخل الحقيبة، فـ أستفزه برودها معه، ليحاصرها بذراعيه ضارباً الخزانة خلفها بعنف، قرّب وجهه من وجهها، ولم يبعدهما سوى بعض الإنشات، أنفجرت حُمرة الخجل في وجهها، و تحولت نظراته لأخرى أكثر ظلاماً، و هو يُقرب ثغره من شفتيها، فـ حاولت الإبتعاد و لكنه أمسك بذراعيها، لـ يديرهما خلف ظهرها، فـ جعلها مقيدة بين ذراعيه، و في مواجهة جسده الضخم، و أهم من كل هذا، عيناه الساحرة ولمساته الدافئة، أطبق بشفتيه على شفتيها، فـ أستسلمت بين يداه لـ دقائق، و لكنها عندما شعرت بناقوس الخطر يدُق، ضربته في صدره بكفيها الصغيرتان لكي يبتعد، و أبتعد بالفعل عنها لكي لا يُرغمها على شئ، ولكنه لازال يحاصرها، فـ تسارعت أنفاسها، وهي تنظر له بشئ من الغضب، و هو يطالعها بعينان دافئتان عكس طبيعتهما، يقول بصوتٍ ونبرة حنونة:
- مش هتمشي يا هنا، لو مش طايقة وجودي قوليلي و أنا اللي همشي و هرجع لما تهدي، دة بيتك..متتحركيش من هنا!!!
صُدمت من تحوله الكلي هذا، و لكنها لم تبدي ردة فعل على وجهها رغم تأثرها بنبرته، مدّ أنامله ليمسح على إحدى وجنتيها، قائلاً بصوتٍ خافت:
- صدقيني موضوع ملاذ دة أتقفل، ومش هنجيب سيرته تاني، و اوعدك مش هزعلك أبداً!!!!
أبتلعت ريقها و هي تدرك أستحواذه عليها، حاولت الصمود أمام حركاته اللطيفة، ولكنها بالتأكيد لم تصمد عندما لثم شفتيها في قبلة رقيقة، فـ أنهدمت حصونها بالكامل، و تحول النقاش المحتد بينهم إلى نقاشٍ من نوع أخر، و صراخه بها تحول لنبرة حنونة دافئة، و تصميمها على المغادرة، أصبح عدم قدرة على الإبتعاد!!!!
• • • •
ظل "ظافر" جالس جوارها بعد أن وضع كامل أشغال الشركة على عاتق "جواد"، يراقب حرارتها التي بدأت بالنزول قليلاً، فـ تنهد بإرتياح، ثم حاوط إحدى وجنتيها يربت عليها بإبهامه، متأملاً ملامحها الجميلة، و عيناها المغمضة، و التي بدأت تُفتح رويداً، فـ تأهب هو معتدلاً في جلسته، أنفتحت عيناها لتنظر له بإستغراب، تعود بذاكرتها للخلف فـ تذكرت ما حدث، لتنتفض مبتعدة عنه، قائلة بنبرة إتهام وهي تشير نحوه:
- أنت حطتلي حاجة في العصير صح؟!!! عملت فيا أيه يا ظافر!!!
ألتوى ثغره بإبتسامة ماكرة، ثم أقترب منها ليجذبها من خصره، فـ شهقت بصدمة، ليهمس و هو يغمز لها بوقاحة:
- دة أنا عملت عمايل!!!
توسعت عيناها لتعود بجسدها للخلف مسندة كفيها على الفراش خلفها، فـ أنتهز الفرصة، ليُميل عليها قائلاً بخُبث:
- أحكيلك؟!!
ضربته في صدره بإحدى كفيها ثم هتفت بضيق:
- إبعد يا ظافر دلوقتي!!!
أبتعد عنها ولكن لم تختفي أبتسامة، ليسند ظهره على الفراش جالساً بكُل أريحية، فـ نهضت هي واقفة على الفراش، ثم رفعت سبابتها تهدده بنبرة مشتعلة من الغيظ:
- أنت أنتهازي و أستغليت إني كنت تعبانة، و أنا أصلاً متغاظة منك بما فيه الكفاية، فـ أطلع برا دلوقتي لو سمحت!!!
لها كل الحق فيما تقوله وما ستقوله، و هو أبداً لن يُعلق على حديثها، سيُصلح أخطاءه معها بحكمة وتريث، لهذا نهض ثم مدّ كفه لها قائلاً بهدوء:
- طب أنزلي نتكلم!!!
- لاء مش عايزة أتكلم معاك!!!
قالت وهي تُربع ذراعيها أمام صدرها تنظر للجهة الأخرى بغضب، فـ جذبها من ذراعها للأسفل حتى كادت أن تسقط أرضاً و لكنه شدد عليها، ليجعلها تقف أمامه ثم أستطرد بإبتسامة:
- كدا نعرف نتكلم!!!
قطبت حاجبيها بضيق، لتنفجر في وجهه بصوتٍ أقرب للصراخ، ونبرة عبرّت بها عن مكنون صدرها:
- مش هتكلم يا ظافر!!! مش هسمعك أبداً زي مـ أنت دايماً مش بتسمعني، جرب بقا أحساس ان يبقى في كلام جواك و أنت مش قادر تطلعه، أنت فاكر ان بكلمتين منك هسامحك، أنسى!!! اللي عملته معايا أنا مش هسامحك عليه، مهما عملت هفضل شايلة منك ومش هقدر أنسى أنك منعتني عن أختي و بعدين ضربتني وحبستني هنا في الأوضة زي الكلاب، و في الاخر بتقول لطنط رقية انا بربي مراتي!!! لاء أنا متربية في بيتنا كويس اوي ومش محتاجة تربيني، سيبتني مرمية هنا في القصر متعرفش عني حاجة، وفاكرني هبقا مستنياك عشان أترمي في حُضنك وأقولك سامحتك يا ظافر تبقى بتحلم!!!
كان هادئاً، ليس غاضباً منها، بل من نفسه لأنه أوصلها لتلك الحالة، وتركها تخرج كل ما يؤرقها دون أن يتفوه بحرف، رُغم أن كلماته تنُغز بصدره، و دمعاتها المنهمرة تحرق روحه هو، و عندما شعر أنها لم تكتفي أقترب منها ليضع كفيه على ذراعيها، قائلاً بنبرة هادئة وحنونة بنفس الوقت:
- كمِلي، أنا عايز أسمعك!!!
نفضت ذراعيه لتبتعد خطوتين مشيرة بيديها بإنفعال:
- متفتكرش أن كل حاجة هنا هتمشي بأمرك، وبإشارة من صباعك اللي عايزه هيحصل، وان كل حاجة هتحصل زي مـ أنت مخططلها!!!، أنت بتوهم نفسك وفاكر أن كله هنا تحت رحمتك، أنا مش عارفة أنا بحبك على أيه، مغرور و شايف نفسك و متكبر و عصبي و بارد ورخم ومبتحس باللي حواليك وفاكر أن كل حاجة بتتحكم فيها!!! مافيش فيك ميزة واحدة!!!
أبتسم لها بهدوء ثم أقترب منها ليحاوط وجهها بكفيه، هامساً بخفوت:
- و أنا مش شايف فيكي عيب واحد!!!!
رمقته بضيق بعيناها الجميلتان، ثم هتفت بإصرار:
- بردو مش هتضحك عليا بكلمتين!!!
حافظ على أبتسامته الخفيفة التي زينت ثغره، ثم أسترسل برفق:
- وأنا مش بضحك عليكي بكلمتين، وعارف كويس إني غلطان، عشان كدا سايبك تقولي اللي أنتِ عايزاه ومعاكي حق، بس مش هرتاح غير لما تسامحيني، فـ أجهزي عشان أوديكي لـ براءة تقعدي معاها شوية!!!
كانت تنظر بعيداً عنه في أول حديثته تجتنب النظر لعيناه، ولكنها ألتفتت له بصدمة عند آخر كلامه، بنبرة عالية من شدة الحماس:
- بجد؟!!!!
أومأ لها ممسكاً بكفها، ليرفعه لفمه، ثم طبع في راحتها قبلة كالزهرة، لتسير قشعريرة غريبة بجسدها، ولكنه أردف، بشئ جعل قلبها ينقبض، وكانها تشعر بشئ سئ للغاية سيحدث:
- بس خليكي فاكرة أني قولتلك بلاش، و إني منعتها تكلمك عشان عارف نواياها، بس أنا مش فارق معايا حد غيرك، و عايزك مبسوطة دايماً، و أنا أصلاً وراكي و فـ ضهرك في أي خطوة هتاخديها، ومش هسمح لحد يأذيكي حتى لو بكلمة!!!
كلماته جعلتها تشعر أنه يقف كحائل بين أي شخص يحاول أذيتها، مما جعلها تكاد تطير من الفرح و إن لم تُظهرله ذلك، ولكنها لم تمنع نظرة الأمتنان التي رمقته بها، و الذي أستقبلها هو بأخرى مطمئنة إياها، ثم تركها يخرج من الغرفة لينتظرها بالسيارة، فـ قابل "رقية" التي تفاجأت برؤيته، لتصرخ بشوق:
- ظافر!!!
ربت على ظهرها بعد أن عانقته، لتردف بلوم:
- إكده نهون عليك تسببنا الفترة دي كِلاتها، چيت إمتى؟!!
قال بأسفٍ حقيقي:
- معلش يا أمي بس أنا كنت متلغبط ومحتاج اقعد لوحدي، أنا جيت أمبارح بليل متأخر فـ محبتش أزعجك!!!
أبتعدت عنه، لتسأله بإهتمام:
- أتصافيتوا انت وملاذ؟!!!
قال بهدوء:
- لسة منشفة دماغها!!!
- معلش يابني أنت بردو اللي عملته مش جُليل "قليل"، خليك وراها لحد مـ تسامحك!!!
أومأ وعيناه تبرق بتحدي، مردفاً بإصرار:
- أكيد!!!
أخبرها عن وجهتهما، وأنه لا يستريح لأختها أبداً، ولكنه سيفعل من أجلها، فـ أيدتُه والدته، ليعلم آخر هذا الطريق ويقطع الشك باليقين، فـ خرج "ظافر" من القصر، ليجلس في سيارته ينتظرها، فاتت دقائق لتخرج بطلتها البهية، مرتدية بذلة باللون الأبيض، تعلوها حجاب باللون الوردي، فـ ابتسم تلقائياً لها، لتركض نحوه مستقلة جواره، ثم هتفت بحماس لملاقاة أختها:
- يلا!!!!
نظر لها لثواني، متأملاً وجهها الضحوك، وهو يتمنى بقاء تلك الضحكة الجميلة على وجهها للأبد، ليشعل محرك السيارة، منطلقاً بها!!!
• • • •
وقف السيارة أمام بناية فاخرة، فـ ترجلت "ملاذ"، ولم تنتظره لتركض داخل البناية، فـ أوقفها "البواب" يهلل بإبتسامة بشوشة:
- ملاذ هانم!!! ليكي وحشة يا هانم، دة البرج نور!!!
بادلته إبتسامة صافية تقول:
- شكراً يا عم محمود!!!
لم تطيل الحديث معه لتركص داخل مدخل البنابة الرخامي، فـ وجدت "ظافر" خلفها يقول بصوتٍ هادء ولكن حاد:
- أنتِ ماشية توزعي أبتسامات على الناس؟!!!
ألتفتت له ثم صفقت بيديها بحماسٍ:
- أصل انا فرحانة اوي!!!
تنهد بقلة حيلة على زوجته المجنونة، ثم ضغط على زر المصعد خلفها، كاد "ظافر" أن يستقل المصعد لتوقفه بضيق:
- أنت طالع معايا؟!!
أومأ مؤكداً بسُخرية، وكأنه سيتركها بمفردها مع تلك التي تدعى شقيقتها:
- أكيد يعني!!!
أوقفته من ذراعه قائلة برجاء:
- ظافر أنا عايزة أتكلم معاها لوحدنا، معلش أستناني في العربية!!!
أظلمت تعابير وجهه لينقبض فكه، ثم أردف بنبرة مُخيفة إلى حدٍ كبير، أمتزجت مع صوته الغليظ فـ فشكلا رُعب على "ملاذ":
- وأنا مستحيل أسيبك لوحدك معاها، يـ أما هطلع معاكي أو نمشي!!!
قطبت حاجبيها بحزن، ثم هتفت وهي تحاول إقناعه:
- يا ظافر أنت مش فاهمني، هي هتتكسف تتكلم قدامك في حاجة، معلش يا ظافر أنا والله مش هتأخر عندها، عشان خاطري!!!
حدق بها لوهله، يُفكر بما سيفعله أمام عيناها المتوسلة والتي ترغمك على موافقتها على أي شئ!!، زفر بضيق ثم قال و هو يذهب من أمامها:
- أطلعي ياملاذ!!!!
ركضت خلفه لتقف أمامه، ثم أمسكت كفه قائلة بحنان:
- متزعلش مني، أنا والله مش هتأخر!!!
أومأ دون النظر لها، ثم تركها ليقبع بسيارته، وأستقلت هي المصعد، الذي صعد للطابق الحادي عشر، كانت "ملاذ" تأخذ بحوزتها رذاذ الربو لضيق تنفسها في الأماكن الضيقة، وصلت أخيراً أمام الشقة، شعور غريب يختلجها، قلبها ينبض بسرعة شديدة وكأن شيئاً سئ سيحدث، ولكنها تغاضت عن شعورها، لتطرق على الباب عدة مرات بأيدي مرتجفة، فـ سمعت صوت الدادة "فتحية"، ليبتهج وجهها و هي تضم كفيها لصدرها، فتحت "فتحية" الباب، لتشهق غير مصدقة ما تراه، لترتمي "ملاذ" بأحضانها، تقول بنبرة تجل البكاء بها واضحاً:
- دادة فتحية!! وحشتيني أوي!!!
ضمتها الأخيرة بحنان شديد، تحاوطها بذراعيها، قائلة بإبتسامة فرِحة:
- حبيبتي يابنتي، وحشتيني اوي يا ملاذ!!! ماشاء الله يا حبيبتي الحجاب منور وشك!! كدا الغيبة دي كلها ولا حتى تكلميني ع الموبايل!!!
أبتعدت عنها "ملاذ" قائلة بأسف:
- أنا عارفة أني غلطانة بس والله مش هبعد عنكوا تاني أبداً، براءة جوا؟!!!
نظرت لها "فتحية" بإشفاق، ثم هتفت بحزن وهي تربت على كتفيها:
- مـ بلاش يابنتي، أنتِ عارفة براءة كل مرة بتقولك كلام يسم البدن!!!!
هتفت "ملاذ" سريعاً، والأبتسامة تزين شفتيها، تمسح الدموع العالقة بأهدابها:
- لاء يا دادة هي أصلاً كلمتني و أعتذرت على كل حاجة عملتها، و انا أساساً مش فاكرة ولا عايزة أفتكرلها حاجة وحشة عملتها معايا!!!
لتتابع بلوم زائف:
- هفضل واقفة ع الباب كدا يا دادة!!!
جذبتها "فتحبة" للداخل بود، ثم قالت:
- دة بيتك يا ملاذ مش محتاجة تستأذني!!!
بحثت "ملاذ" بعيناها على "براءة" فهتفت "فتحية تعلم ما يدور بخلدها:
- براءة جوا في أوضتها، أدخليلها يا بنتي!!!
أتجهت إلى غرفتها، لتقف أمامها بحيرة، وأخذت تفكر لو كان "ظافر" جوارها الأن كان سيشُد من أزرها، و يشجعها، فـ هي دائماً ما تستمد القوة منه، ولكنها حسمت أمرها على الدخول، فـ تركتها "فتحية دون أن تزعج حديثهم، دلفت "ملاذ"، فوجدتها جالسة على مقعدها المتحرك كالعادة واضعة جهاز الكمبيوتر المحمول على قدميها، أتسعت عينان "ملاذ" بشوق لأختها الصغيرة، و أمتلئت بالدموع، فهي لا تتخيل أن وأخيراً سيعودا شقيقتان حقيقيتان دون كره وحقد بينهما، رفعت "براءة" عيناها، لتتلاقى بعينان أختها، فـ جمدت أطرافها، وشعرت بتخدر في جسدها لوقوف "ملاذ" أمامها، أنحنت "ملاذ" نحوها لتضمها بقوة تشهق ببكاءٍ عالي وهي تقول:
- براءة!!!!
رُبط لسانها ولم تستطيع ان تتحدث من كم الحنان التي تضمها به أختها، فـ رُغم أنها كانت ولازالت تدمر حياتها، إلا أنها لم تكرهها أبداً، لأول مرة لا تعلم "براءة" ماذا عليها أن تفعل، تضمها أيضاً وتشبع روحها القاسية من حنان أختها، أم تدفعها بعيداً عنها للمرة المائة، و تبقى في مهب الرياح من جديد، بكت "ملاذ" في أحضانها كالطفل الصغير، لتقول بنبرة تمزق القلوب، و تُلين الحجارة:
- متزعليش مني يا براءة، لو عملت معاكي حاجة وحشة قبل كدا سامحيني عليها!!!
جحظت عينان الأخرى غير مصدقة ما تتفوه به "ملاذ"، فـ هي من المفترض أنها من تتحدث هكذا، بل و تتوسل لها لكي تسامحها عما أذنبته بحقها، و هي التي لا تتذكر أن "ملاذ" أذتها بكلمة، بل دائماً مـ كانت ترُد الإساءة بإحسان!!!
وهذا ما جعلها تغضب وتثور أكثر، فـ ملاذ" الأفضل بكل شئ، و عند تلك النقطة، وبدون ذرة من الرحمة نزعت "ملاذ" لتدفعها للخلف بعنف، فكادت "ملاذ" أن تتعثر و تسقط لولا توازنها!!!!
نظرت لها بصدمة، و قلبها يأن ألماً، ليعلو صوت "براءة" وهي تقول بنبرة كريهة:
- بطلي عبط بقا وفوقي، بتتأسفي على أيه؟!!! أنا أول مرة اشوف حد معندوش كرامة اوي كدا، أنتِ فعلاً مشي عليكي دور الأخت الندمانة على اللي عملته، تبقي هبلة لو صدقتي كلمة من اللي قولتلها لما كنت بكلمك، عارفة أنا قولتلك كدا ليه وقتها، عشان أوقع بينك وبين ظافر، وتكرهيه، و تجيلي زي مـ عملتي دلوقتي، عارفة عملت أيه كمان يا ملاذ، عرفت أوصل لمكان الحب القديم!!! ايوا ريان الجندي!!!! وبعتله حرامي يخطف أبنه، وكنت عارفة أن الشخص اللي بعتُه ده هيتمسك، عارفة قولتله لما تتمسك تقول أيه!!! قولتله قول أن ملاذ هي اللي باعتاك عشان تنتقم من ريان وتخطف أبنه وتحرق قلبه عليه!!! أيه رأيك بقا في المفاجأة دي!!!
زاغت أبصارها، و تشوشت الرؤية أمامها بالكاد ترى، قلبها متكوراً منكمشاً، تشعر بجلدات من سوطٍ قاسي يسقط على جسدها، كانت عيناها مثبتة عليها، فقط عيناها تذرف دموع ساخنة كمياه متدفقة، و هي تقسم في تلك اللحظة أن قلبها كاد ان يتوقف بدون مبالغة، ألتفتت بعيدة عنها دون أن تنبس ببنت شفة، لتسير تائهة خارجة من الغرفة، تنظر أمامها دون وعي، دون روح، دون حديث، لتخرج من الشقة مستندة على الحائط حتى لا تسقط منهارة، وعندما وصلت للمصعد، ضغطت عليه بأصابعها الباردة، ثم دلفت له، و فور دخولها المصعد، لم تشعر بنفسها سوى والظلام يحتويها من كل مكان، فارداً ذراعيه لها، فسقطت بها مستسلمة، و أنقطع الكهرباء في المصعد فجأة، لتبقى "ملاذ" ممدة على أرضية المصعد، مغشياً عليها، وسط ظلامٍ موّحش!!!!
• • • •
أنفجرت "براءة" في البكاء، و هي تشعر بألم حقيقي يختلج صدرها، فـ مشهد "ملاذ" وهي تتحرك من أمامها كشخصٍ فقد الحياة لا يذهب من عقلها، تآوهت بألمٍ وكأن سكيناً أنغرز في صدرها، فـ دلفت "فتحية" بهلعٍ، تهدر وهي تقترب منها منحنية نحوها:
- يا ساتر يارب، براءة يابنتي!! أيه اللي حصل، وملاذ فين!!!!
تحدثت "براءة" وهي تمشي، للخارج بصوتٍ متقطع و أنفاس لاهثة:
- ألحقيها والنبي يا دادة، شوفيها فين و لو ظافر تحت خليه ياخدها، أنا إنسانة بشعة، ربنا ياخدني عشان ترتاحوا!!!!
لم تستطيع "فتحية" السيطرة على نفسها، لتقبض على كتفيها بقسوة:
- قولتي للبت أيه يا براءة!!! قولتلها أيه، قوليلي أنتِ جايبة قسوة القلب دي منين!!! حرام عليكي يا شيخة دي كانت جاية وفرحانة أنك كلمتيها، أنتِ أيه معندكيش دم!!! أتقي الله بقا دة محدش هيحبك أدها!!!
بكت "براءة" أكثر، فتركتها "فتحية" تنظر لها بإشمئزاز:
- أنتِ تستاهلي تفضلي لوحدك، هتعيشي وتموتي وانتِ لوحدك!!!!
تآوهت ببكاء شديد، فـ ركضت "فتحية" للخارج لتسحب أقرب وشاح، ثم لفته على رأسها بعشوائية، لتذهب تجاه المصعد، ضغطت على الزر عدة مرات ولكنه لا يستجيب، فـ أخذت تضربه براحة كفيها، وهي تصرخ بصوتٍ عالي:
- اللي سايب الأسانسير مفتوح يقفله!!!
ولكنها لم تسمع رداً من أحد، فـ ركضت للداخل نحو هاتفها لتهاتف البواب، الذي سرعان ما أجاب قائلاً:
- اؤمريني يا هانم!!!
- الأسانسير مش شغال يا عم محمود، في حد فاتحه تحت من عندك؟!!!
- لاء يا هانم، أخر حد طلع فيه كانت المدام ملاذ، و بعدين منزلتش تاني!!!!
ضربت على صدرها بعينان جاحظتان، تقول بهلع:
- يا نهار أسود، يا نهار أسود!!!!
هلع قلب البواب ليقول بصوتٍ مهتم:
- في أيه يا مدام فتحية، المدام ملاذ بخير!!!!
ألتقطت أذني "ظافر" ما قاله "البواب" وهو جالس بسيارته، فـ سقط قلبه بقدميه ليترجل من السيارة سريعاً، ثم ركض نحوه ليأخذ الهاتف، قائلة بنبرة جهورية:
- في أيــه!!!! ملاذ فين!!!
كأنه جاء نجدةً لها، لتسرع قائلة ببكاء:
- ملاذ نزلت يا أستاذ ظافر، بس الأسانسير واقف مش راضي يشتغل، وتقريباً هي جواه!!!!
صرخ بقوة، وعيناه جاحظتان مُخيفة:
- أيـــه!!!!
ألقى بالهاتف أرضاً، ليركض ناحية المصعد ثم ضرب عليه بقبضتيه بعنف صارخاً بحدة:
- مــلاذ!!!!!
أتى البواب ركضاً يردف بقلق:
- الظاهر أنه مش واقف هنا يا باشا، لازم نطلع ونعرف هو واقف فين، وانا هكلم خدمة الصيانة!!!!
لم ينتظره "ظافر" ليصعد درجات السُلم مهرولاً، ظل يصعد ولم يتوقف حتى لكي يلتقط أنفاسه، فـ كيف سيتنفس هو هُنا وهي تصارع بالداخل، و هو يعلم أنها تعاني من ضيق في النفس، ركض حتى وصل للطابق الحادي عشر فوجد "فتحية" تقف أمام المصعد، فهدر بغِلظة:
- أزاي تسيبوها تنزل لوحدها!!!
- والله يابني نزلت من غير مـ تقولي، الله يسامحها براءة!!!!
ألتفت لها بملامحٍ لا تبشر بالخير، فتحولت عيناه النارية لاخرى مظلمة، قائلاً بقسوة:
- حسابها معايا بعدين!!!!
صعد طاقم صيانة المصاعد، لم يُطيلوا بالوقت مراعاة إلى "ظافر" الذي أنفلتت أعصابه، وفجأة فُتح المصعد،فـ أنقبض قلب "ظافر" وهو يزيحهم بعيداً عن مدخل المصعد، فوجدها مرتمية على الأرضية، شفتيها شبه زرقاء ووجهها شاحب كالموتى!!!!
أرتجف جسده بأكمله من شدة الذعر ليهمس بصوتٍ خافت من شدة صدمته:
- مــلاذ!!!!!
↚
ضربت "فتحية" على وجنتيها مصعوقة، خرجت "براءة" من الشقة لترى تلك الجلبة التي تحدث، ثم حولت أنظارها داخل المصعد، لتحدق بـ أختها بصدمة، ولم يقوى لسانها على التحدث، وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع!!!، فـ دلف "ظافر" إلى المصعد ثم سريعاً أنحنى نحوها ليحمل جسدها الضئيل بكلتا ذراعيه المفتولين، فـ أسندت هي رأسها على صدره دون قصدٍ منها، وقبل أن ينغلقا بابي المصعد على بعضهما، ألقى نظرة مرعبة على "براءة" لترتد للخلف بخوف، فـ أندفعت "فتحية" للداخل قائلة برجاءٍ وقلبٍ يدمي:
- هاجي معاكوا يا ظافر باشا، خليني أبقى جنبها أرجوك!!!
حدّق بوجه "ملاذ" الشاحب، ثم هتف بجمود:
- أطلعي برا الأسانسير فوراً!!!!
أنتحبت ببكاء وهي تقول متوسلة إياه:
- انا بس عايزة أبقى جنبها عشان خاطري آآآ..
قاطعها صارخاً بصوتٍ قوي هزّ ارجاء المصعد:
- بــــــرا!!!!!!
أرتدت للخلف بصدمة من صراخه عليها، ووقف الجميع متعجباً مما يمكله هذا الرجل من جبروت، ولكن لم يكن أمامهم سوى الصمت، لتخرج "فتحية" متهدلة الكتفين، فـ أسرع هو بالضغط على الطابق الأرضي بصعوبة، ثم نظر إلى وجهها الشاحب، ليضم جسدها البارد إلى صدره، يحاول نقل دفء جسده لها، مقبلاً جبهتها، يردف بصوتٍ ظهر به الحسرة:
- أنا اللي جيبتك هنا، أنا!!!!!
فُتِح المصعد ليضع أقدامه خارجه، ثم أتجه نحو سيارته غير عابئاً بنظرات الأستغراب من حوله، ثم فتح السيارة بمفاتيحه، ليدلفها للمقعد جواره ثم أنتقل إلى مقعده بسرعة شديدة، ليُشعل محرك السيارة، مناظرا للرياح في سرعته!!!!
• • • •
واقفاً أمام زجاج الغرفة والذي يُظهرها له، مكبلاً يداه خلف ظهره، شامخاً الظهر، و إن كان قلبه منحنياً، فـ هي ترقُد بالداخل، ساكتةٌ بطريقة مُفزعة، أغمض عيناه قابضاً على جفنبه بقوة، وألم قلبه لا يوصف، أخذ نفساً عميقاً، يحاول أن يبقى قوياً لأجلها، حتى لا تضعف هي، فـ المواجهة الأكبر بما حدث..ستكون عندما تفيق وتستعيد ذاتها، وتتذكر ما حدث والذي موقن أنه شئ سئ للغاية، أصتك على أسنانه غضباً من تلك التي أوصلتها لتلك الحالة، أبتسم بألمٍ عندما تذكر لهفتها على رؤية أختها، وضحكاتها السعيدة التي تُغمره عندما علمت أنه سيسمح لها برؤيتها، أقسم بداخله أن لو رأت "براءة" ما تفعله "ملاذ" من أجلها لبكت ندماً، زفر بقنوط شديد، متذكراً تشديده على جميع من بالمشفى _الخاصة بعائلته_ أن لا تفشي خبر وجودهم هُنا حتى بين أنفسهم، فالصحافة يتصيدون الاخبار و الفضائح، فـ هو حتى لم يخبر أحداً بما صار، و يطمئن والدته بأنه في إحدى شققهم في القاهرة لكي تبقى "ملاذ" جوار أختها، رفع عيناه الزيتونية التي تبرق وكأنه على مشارف البكاء، لينظر لسكونها التام، و دقات قلبها التي تنبض بالجهاز، ليخرج الطبيب فجأة، فـ أقترب منه "ظافر" قائلاً بهدوء، ينافي النيران الموقودة داخله:
- هي كويسة صح؟!!!
أومأ الطبيب قائلاً برسمية، وبنبرته المُهذبة، فـ هو يتحدث مع حفيد عائلة الهلالي، و أكثرهم شدةٍ وقسوةٍ:
- كويسة يا ظافر بيه، مُجرد إغماء بسيط نتيجة لضيق في التنفس لأن هي عندها ربو زي مـ حضرتك عارف، أو تعرُضها لصدمة قوية أثرت عليها، هي هتفوق خلال دقايق، ونطمن بعد كدا على كُل مؤشراتها الحيوية!!!
كان منتبهاً لكل كلمة تخرج منه، ليردف قائلاً برزانة:
- تمام..!!
ودون حتى أن يسأله، تجاوزه ليدلف داخل الغرفة، فـ رفع الطبيب كلتا حاجبيه، ثم تنهد بقلة حيلة، فـ لا أحد يستطيع منعه عن شئ، ليُكمل سيره!!!
داخل الغرفة التي تقطن بها "ملاذ"، دلف للداخل، بخطوات وئيدة للغاية، وكأنه خائف من الأقتراب منها، أخذ مقعد جلدى، ثم وضعه جوارها، ليجلس بمحاذاتها، ثم مدّ كفيه ليمسك بكفيها، بين راحتيه الدافئتين، يقبله بعشقٍ خالص، ليقول بصوتٍ دافئ، لا يظهر سوى وهي معه:
- ملاذ!!!
فُتحت عيناها اللامعة ببطئ، لترمش بأهدابها أكثر من مرة، مطالعة السقف فوقها، وبدون قصدٍ منها شددت على يداه بكفها، فـ رفع عيناه لها سريعاً، لينتفض جالساً على الفراش جوارها، محاوطاً وجهها بكفيه، يتأمل عيناها التائهة، وملامحها الذابلة بندمٍ!!!
جالسة جواره في السيارة، والهدوء يسود المكان، لم ينبُث أياً منهما بكلمِة، وكأنهما في عالمين مستقلين بعيداً عن بعضهما، عيناها الشاردة وهي تنظر إلى أوجه المارة، و كفه المشدد على المقود وكأنه يعاني حرباً ما داخله،
أسندت "رهف"رأسها على المقعد خلفها، تنظر أمامها بحُزن شديد حاولت ألا يظهر على محياها حتى لا تكُن ضعيفة أمامه، ولكن تفكيرها بما حدث لم يتوقف، عندما طلب منها وبمنتهى البرود تحضير حقيبتها ليذهب بها إلى أمه، لم تنسى ألم قلبها عندما أدركت أنها ستبتعد عنه، وربما لن تراه سوى كل فترة، أفاقت من شرودها على رائحة الدخان الذي ينبعث من سيجارته، فـ أختنقت من تلك الرائحة التي لطالما كرهتها، لتسعل بقوة واضعة يدها على معدتها، ثم أخرجت وجهها للخارج، فـ ألقى "باسل" بالسيجار من النافذة يبتلع ريقه مخفياً قلقه عليها، هدأ سعالها ولكنها ظلت تنظر للطرقات دون أن تلتفت له، نظرت إلى كفها الذي حلّت عن الشاش منذ عدة أيام، لتعود بعيناها إلى الطريق، وصلا للقصر، ليتجاوز البوابة، ثم صف السيارة بعشوائية، وظل صامتاً ينظر أمامه منتظراً نزولها، و بالفعل ترجلت من السيارة دون أن تنظر له، ثم فتحت الباب الخلفي لتأخذ حقيبتها والتي كانت خفيفة، فهي لم تأخذ ملابسها بأكملها حسب طلبه هو لأنها لن تبقى هُنا طويلاً، و فور أن أغلقت الباب، أنطلق بسيارته سريعاً فـ أرتدت هي للخلف بصدمة، ثم تنهدت بضيق، لتجذب الحقيبة خلفها، خطت نحو الباب الضخم للقصر، لتطرق عليه طرقات رغم ضعفها إلا أن "رقية" سمعتها، لتفتح الباب مبتسمة ببشاشة، قائلة وهي تجذبها لأحضانها:
- وحشتيني يا بتي!!!
أحتضنتها "رهف" وقاومت رغبة قوية في البكاء، ثم جلست معها قليلاً يتسامرون، و عندما لاحظت "رقية" شعورها بالتعب، طلبت منها الصعود لغرفتها لكي تستريح، فصعدت بالفعل لجناحهم، ولكن فور دخولها له، هجمت الذكريات على رأسها بقوة مفترسة ما تبقى منها من قوة، ظلت واقفة على عتبة الباب، مُثبتة عيناها على الأرضية، هي نفسها التي تكورت بخوف فوقها عندما أنهال عليها بالضربات، شعرت بوخز في قلبها لا يُحتمل، لتضع كفها على فمها تكتم شهقاتها عندما تذكرت عُنفه معها، وسبُها بأسوأ الألفاظ، عِند تلك النقطة تحديداً صفعها، و هُنا ضرب رأسها بالأرض حتى أُغشي عليها، في تلك البُقعة أتهمها في شرفها، وفي تلك اللحظة سقط قلبها صريعاً لم تستطيع "رهف" السيطرة على بكاءها و أنتفاضة جسدها، لتعود للخلف تهُز رأسها نفياً بألم، فـ أتت "رقية" على صوتها، قائلة بقلق:
-رهــف!!! مالك يابتي!!!
ألتفتت لها "رهف" مشيرة للداخل قائلة وهي تهدر بهيستيرية، بنبرة ليست واعية:
- أنا مش عايزة أقعد هنا، مش عايزة أقعد هنا!!!
وضعت كلتا كفيها على أذنيها صارخة بصوتٍ تجلى الألم به:
- أنا كرهته أوي!!!!
اشفقت عليها "رقية" لتربت على كتفيها قائلة وهي تحاول تهدأتها:
- خلاص يابتي اهدي، متقعديش هنا محدش يجدر يچبرك على حاجة!!! تعالي يا حبيبتي نامي معايا في أوضتي!!
جذبتها من ذراعها لتنظر "رهف" للجناح خلفها بأسى، ثم سارت معها وجسدها بأكمله يرتجف كما لو أنها بـ وسَط القطب الجنوبي!!
أخذتها "رقية" لغرفتها لتجعلها تنام جوارها و هي تسُب "باسل" في سرّها على ما فعله ليجعل تلك المسكينة تصل لهذه الحالة!!!، ظلت جوارها تضمها لصدرها الحنون، حتى نامت " رهف" فـ أبتعدت عنها "رقية" لتخرج خارج الغرفة، ثم أخذت هاتفها من فوق السفرة، لتضغط على شاشته، ثم وضعته على أذنها، أنتظرت ردّه فأتاها صوته البارد بعد ثوانٍ و هو يقول:
- في حاجة يا أمي؟!!!
خرجت نبرتها قاسية، وصوتها حزين على ما آلت إليها عائلتها:
- أنت معندكش دم يا واد؟!! يعني بدل مـ تحِب على راس مرتك و تحاول تعوضها عن الجرف "القرف" اللي عملته معاها، چايبها إهنه وبعدتها عنك جال يعني إكده بتصلح كل حاچة، ومخطرش على بالك أن وچودها إهنه عيفكرها بكُل حاچة عملتها، أنت كدا بتزيد الفچوة بيناتكوا يابني، وصدجني البُعد بيعلم الچفا، وجلب الست لو إنكسر، عُمره مـ هيرچع زي الاول!!!!!
أنقبض قلبه عندما تذكر أن جلوسها في القصر سيجعلها تتذكر ما فعله، وهو نسى تلك النقطة تماماً، ليبتلع ريقه وهو يقول بغصة في حلقه:
- حاولي يا أمي متخليهاش تدخل الجناح بتاعنا، أقفليه بالمفتاح خالص!!!
زمت شفتيها و هي تقول بحسرة:
- بعد أيه!!!، مـ هي دخلته وأفتكرت كل حاچة واللي حُصل حُصل، و أنا بغبائي جولتلها أطلعي للجناح و نسيت اللي حُصُل!!!!
صف "باسل" سيارته جانباً، ليضع كفه على رأسه يُدلكها ليخفف من حدة صداعه، قائلاً بنبرة أوضحت عما به من نيران مستعرة:
- عملت أيه؟!!!
جلست "رقية" على الأريكة مسترسلة بتأثر:
- والله يابني لو تشوفها وهي بتبكي و بتجول مش عايزة أجعد هنا، كان جلبك أتجطع عليها!!!
أُعتصر قلبه من شدة الألم، ليُغمض عيناه و هو يتخيل ردة فعلها التي ستمزقه أشلاء، ليسمع والدته وهي تتابع حديثها بنبرة حادة:
- تيچي بكرة وتصالح مراتك يا وِلدي، و تحب على إيدها وراسها كُمان عشان تسامحك، كفاية بجا يابني دة العُمر مافيهوش حاچة، صدجني هتعرف قيمتها بعد مـ تختفي من حياتك، هتتمنى لحظة واحدة ترچع وتشوفها، هتتمنى إنك مستغلتش كل دقيقة وهي چارك "جنبك"!!!!
أسند رأسه على المقود، يلعن نفسه تحت أنفاسه، ليتحرك بالسيارة عائداً بها من طريق آخر، قائلاً بحسم:
- أنا جاي!!!
• • • •
فُتحت عيناها اللامعة ببطئ، لترمش بأهدابها أكثر من مرة، مطالعة السقف فوقها، وبدون قصدٍ منها شددت على يداه بكفها، فـ رفع عيناه لها سريعاً، لينتفض جالساً على الفراش جوارها، محاوطاً وجهها بكفيه، يتأمل عيناها التائهة، وملامحها الذابلة بندمٍ!!!!
مال عليها ليُقبل رأسها قبلة عميقة، دفن ذراعه أسفل جزعها العلوي ليرفعها يضمها لصدره، حاوطت "ملاذ" عنقه بذراعيها، دفن أنفه بعنقها يحاوط خصرها بإشتياق، ليبتعد عنها ممسكاً وجهها بين يداه، ليردف بنبرة حانية:
- ملاذ،أنتِ كويسة؟! قلقتيني عليكي!!!
أغرورقت عيناها بالدموع عندما جاء على بالها ما حدث فـ أسرع قائلاً و هو يمسح دموعها بأنامله، قائلاً:
- لاء يا ملاذ متعيطيش، مش عايز أشوف دموعك!!!
ألقت برأسها على صدره محاوطه خصره، قائلة بصوتٍ مرتجف ضعيف:
- كان عندك حق يا ظافر، ياريتني مـ روحتلها، ياريتها مـ كانت أختي أصلاً!!!
ضمها له بحنان، واضعاً كف أسفل عنقها، والأخر يصعد ويهبط على ظهرها، يقول بنبرة قوية ولكن حنونة:
- متخليش حاجة تكسرك يا ملاذ، مـ عاش ولا كان اللي ييجي جنب مرات ظافر الهلالي!!
أرتجف جسدها في أحضانه فـ شدد على أحتضانها أكثر، لتتنهد "ملاذ" محاوطة خصره أكثر أسفل حِلته السوداء، قائلة والدموع تنهمر من عيناها:
- أول مـ دخلت عندها، حضتنها!! كانت وحشاني بطريقة مش طبيعية، حضنها كان واحشني أوي، أنت عارف أنا بقالي سنة محضنتهاش، أخر مرة خدتني في حضنها لما كنت سخنة جداً و تعبانة، كانت فكراني نايمة، بس أنا كنت صاحية يا ظافر، فرحت أوي وقتها، عارف أول مـ حضنتها النهاردة عملت معايا أيه؟!! بعدتني عنها كأني هوسخها، بصتلي بصة أنا عُمري مـ هنساها، وقالتلي كلام هيفضل محفور في دماغي، قالتلي أنا كلمتك بس عشان أوقع بينك وبين ظافر، وأنا زي الغبية أتخانقت معاك وعملتلها اللي هي عايزاه، ظافر أنا مش عايزة أشوفها تاني، لو شوفتها هفتكر كل اللي حصل، بس عارف؟! أنا أصلاً مش هعرف أنسى، دة حتى الجرح اللي في إيدي واللي هي السبب فيه بيفكرني بيها!!، مش هقدر أنسى الوجع اللي سببتهولي!!!!
كل كلِمة تخرج من فمها، يتبعها شهقة باكية تنتفض على أثرها جسدها، فيحتويها هو بين ذراعيه أكثر،تمتلأ عيناه بالدموع، ترك المجال لها لتتكلم أكثر دون أن يقاطعها، ممسكاً بكفها يُقبله، فأكملت "ملاذ" مغمضة عيناها بقوة، تتشبث بقميصه الاسود، قائلة بنبرة مُهتزة:
- ظافر..أنا.. أنا مليش غيرك دلوقتي، متسبنيش!!!
رفع وجهها الأحمر لها، لينظر لعيناها المتورمة بعينان حمراء من شدة الحزن، قائلاً و هو يقبل وجنتها:
- عُمري مـ هبعد عنك، حتى لو على جثتي!!!
صُدمت "ملاذ" عندما وجدت دمعة تشُق طريقها عبر وجنته، فـ مسحتها بأناملها النحيفة قائلة بحنان:
- ظافر أنت بتعيط!!! متعيطش يا حبيبي، خلاص أنا مش هعيط عشان متزعلش!!!
ضمها "ظافر" لصدره أكثر واضعاً رأسه على كتفها لتنهمر الدموع على وجنته أكثر، متنهداً بثقلٍ على قلبه، فـ مسحت "ملاذ" على خصلاته بحنان، و هي تعلم أنه يبكي، فهي شعرت بدموعه تبلل كنزتها، قبّلت جانب عنقه محاوط بذراعيها منكبيه العريض، مربتة على ظهره بحنو شديد، وكأنه طفل يبكي عندما وجد أمه تبكي، هي تعلم "ظافر" لا يبكي أبداً ولا تسقط دمعة واحدة من عيناه سوى لشئ يستحق، وتعلم أن لحظات ضعفه تلك لا تظهر إلا معها، لا يبكي أمام غيرُها، تنهدت بحزن وهي تحاول تهدأته، فـ رغم أن بكاءه يخرج دون صوت، ولكن رجفة جسده تشعر بها، شددت على عناقه كما فعل هو، لتردف بلُطف، وصوت رقيق:
- حبيبي أهدى، عشان خاطري يا ظافر أنا أول مرة أشوفك كدا!!!
لم يترك خصرها المشدد عليه، ولم يهدأ أبداً، فـ تركته يخرُج مكنون قلبه، تربت على ظهره برفق ساندة رأسها على كتفه، مرت دقائق دون حديث، فقط هو يسند جبهته على كتفها، وهي تعانقه بأقوى ما لديها، ليبتعد "ظافر" عنها، فـ أنقبض قلب "ملاذ" عندما رأت عيناه شديدة الإحمرار، لتكُوب وجهه بحنان، مُقبلة وجنتيه المزينان بذقنٍ خفيفة، ليمسك كفيها يحاوطهما بكفيه، مقبلهما، قائلاً بصوتٍ متحشرج:
- أنا اسف، أسف على أي حاجة وحشة عملتها معاكي، أسف على أي كلمة أذيتك بيها، أو فعل متهور وجعك، سامحيني يا ملاذ، وعد مني عُمري مـ هزعلك يا حبيبتي، خليكي عارفة دايماً إني جنبك، مش هسيبك أبداً، لو الدنيا كلها سابتك أنا مش هسيبك، لو حد وجعك بكلمة هاكله بسناني، لو حد بس فكر يأذيكي همحيه من على وش الأرض، قوليلي يا ملاذ أنك مسمحاني!!!
تأثرت بحديثه، لتلقي بنفسها في أحضانه، مستشعرة دفئه قائلة سريعاً وبدون تردد:
- مسامحاك يا حبيبي والله!!!
تنهد براحة، ليردف بقلق و هو يبعدها عنه محاوطاً وجهها:
- تعبانة يا حبيبتي، حاسة بأيه؟!! راسك وجعاكي صح!!!
-شوية..!!!
هتفت وهي تشعر بالصداع يهلك رأسها، نهض لينحني حاملاً إياها بخفة، فـ اسندت رأسها على صدره، قائلة بحرج وهي تتشبث في حِلته:
- ظافر أنا هقدر أمشي!!
هتف بإبتسامة جميلة قائلاً:
- تمشي و أنا موجود، دة حتى عيب في حقي!!!
تحرك خارج الغرفة فـ قابلته الممرضة التي نظرت له بتوتر:
- ظافر باشا مينفعش تاخدها هي لسة تعبانة وآآآ...
تحول وجهه إلى جمود شديد، يهتف ببرود أذهل "ملاذ":
- حاجة متخصكيش!!!!
أبتلعت الممرضة باقي العبارات داخل جوفها منكسة رأسها للأسفل بحرج، فـ سار "ظافر" بها في ممر المشفى، لتنظر له"ملاذ" بدهشة، فـ هو عندما يتعامل مع أحد دونها يكون قاسي، بارد، ولكن عندما يتعامل معها يعود كـ طفل صغير يركض لأمه، لم تلاحظ أنها ظلت تنظر له كثيراً، فـ توقف "ظافر" عن الحركة قائلاً وهو ينظر لها بخبث:
- عارف إني حلو بس مش للدرجة دي!!!
تنحنحت "ملاذ" بخجل، ولكنها قالت بضيق:
- ليه أحرجت الممرضة كدا يا ظافر حرام عليك!!!
تابع السير بوجهٍ جامد قائلاً:
- أنا مبحبش حد يتدخل في حياتي يا ملاذ، وبعدين يعني هي هتخاف عليكي أكتر مني؟!!
كادت أن ترُد ولكنها لاحظت
أنظار من بالمشفى لهم، منهم الحاقد والحالِم، لتدفن وجهها في عنقه بخجل شديد، أبتسم نصف أبتسامة متجاهلاً نظرات من حوله، ثم خرج من المشفى، ليتجه نحو سيارته، فتح السائق الباب الخلفي لهما، ليضعها "ظافر" على الأريكة الجلدية برفق، ثم جلس جوارها يضمها لصدره بحنان فـ أنطلق السائق بالسيارة!!!
• • • •
لم يذهبا إلى القصر حتى لا يعلم أحد عن تعبها، وظلا بشقته في القاهرة، بعد أن حملها إلى باب الشقة، واضعاً إياها على الفراش، نازعاً عنها الجاكيت الثقيل الذي كانت ترتديه، أستلقى جوارها ثم أخذها في أحضانه، ليحاوطها بذراعيه، ممسداً على خصلاتها برفق، و رأسها مُسند على صدره، لتغمض "ملاذ" عيناها بألمٍ، تشعر بأن قلبها يُعتصَر من شدة الألم، حاولت أن تخفي أرتجاف جسدها عنه حتى لا يعلم أنها تبكي، ولكنه كان يشعر بكُل حركة تصدرها، ليُبعدها عنه قائلاً بقلق:
- ملاذ!! متعيطيش يا حبيبتي!!!
فركت عيناها ببكاء كالأطفال، قائلة بحزن:
- مش عارفة لو مكنتش في حياتي، كنت هعمل أيه لوحدي في الدنيا دي!!!!
نهض جالساً ليجذبها معه، مدّ أنامله ليمسح دموعها برقة، قائلاً بحنان:
-أنا اللي مش هعرف لو كنتي جنبي كنت هكمل حياتي أزاي!!!
قرّب وجهها لوجهه، مسنداً جبينه على جبينها، لتغمض عيناها كما فعل هو بالمثل، قبّل أرنبة أنفها الحمراء، ثم لثم شفتيها في قبلة رقيقة، شعرت "ملاذ" بأنه يداوي جراحها بطريقته الخاصة، أرتعش كامل جسدها عندما مرر يدها على ذراعيها بطريقة جعلتها تُرخي جسدها المشدود، كان وكأنه يُمحي جراحها بحنانه، بل ويطبع قبلة على كل جرح نفسي داخلها، فـ حنانه معها كان كالدواء الذي شفاها، تفنن في لطفه معها، وأغدق عليها بحنوٍ ليس له مثيل!!!!
• • • •
يجلس جوارها على الفراش، مسنداً رأسها على كفه يراقب أصغر حركة تصدُر منها، متأملاً جمال ملامحها، شفتيها المزمومة والتي أختطف قبلة منهما بشوقٍ وحنان عيناها المغمضة، و أهدابها التي علقت بها بعض الدمعات، فأزالها بشفتيه، سقط بأنظاره لبطنها المتكورة، فـ أبتسم بحنان ليضع كفه عليها متحسساً صغيرته بالداخل، ثم أمسك كف "رهف" يتلمسه بإبهامه، تململت "رهف" بنعاس، لتضع كفها الأخر على يده دون وعيٌ منها، ثم سحبتها لتضمها له فـ أبتسم هو بلُطف، مقبلاً أنفها، قطبت "رهف" حاجبيها عندما شعرت بململس يده الدافئة والتي تعلمها، فتحت عيناها بفزع، لتراه أمامها، شهقت واضعة يدها على قلبها بخضة، لتبتعد عنه تاركة كفه، ولكنه في لحظات كان يُقربها منه مجدداً محاوطاً خصرها، يميل على وجهها حتى بات لا يفصلهما سوى بعض الإنشات، نظرت له بحدقتيها المفزوعتان، قائلة وهي تضع كفيها على صدره لكي تبعده:
- أنت بتعمل أيه هنا؟!!!
نظر لها بشوق، ولم يمنع نفسه من تقبيل جبيينها، لتبرد أطراف جسدها، عندما نظر لعيناها بطريقة أذابتها وصوته الدافئ جعل قلبها يخفق بجنون:
-وحشتيني، مقدرتش أبعد عنك!!!!
أنفرجت شفتيها بصدمة، ولكن عندما لاحظت نظراته المصوبة على ثغرها، أطبقت عليهم وكأنه تعلم أنه سيُقبلها، فـ ضحك "باسل"، ليُحرر شفتيها بإبهامه، ينظر لعيناها برومانسية، تدفق الأدرينالين بدمائها، ولكنها جمعت أشلاءها، قائلة بضيق:
- بس أنا مش عايزة أشوفك!!!
قرّب ثغره من شفتيها ليتلامسا دون أن يقبلها قائلاً بخفوت شديد، ونظرة خبيثة محببه نبعت من عيناه:
- مبتعرفيش تكدبي!!!
أغمضت عيناها بقوة، عندما بدأ بتقبيلها بحنو شديد، تريد أن تبعده عنها، وبنفس الوقت لا تقوى على هذا، ولكنها حسمت أمرها لتدفعه من صدره بعيداً ولكن ليس بقسوة، فمن الأساس تحمد ربُها بأن ذراعيها أستطاعا الأرتفاع عن جانبها و إبعاده، لتردف بأنفاس لاهثة، قائلة وهي تضع يداها على صدره لكي تطمئن أنه لن يقترب:
- جيت ليه يا باسل!!!
تلمس وجنتيها بإبهامه و كأنه قاصداً أن يُضعفها، قائلاً وعيناه تتلألأ كالنجوم:
- والله يا رهف مقدرتش أبعد عنك، أول م سيبتك ومشيت حسيت فجأة أن قلبي واجعني وصداع هيفرتك دماغي، فـ رجعت، بس غريبة!! أول مـ جيت وشوفتك الصداع كله راح!!!
لا تعلم لما شعرت بضعف ذراعيها على صدره، فـ بدأوا بالأرتخاء تدريجياً ليبتسم "باسل" ممسكاً كفها يثبته على صدره، قائلاً بمكر:
- أثبتي على موقفك!!!
توسعت عيناها لتتخضب وجنتيها بإحمرار شديد، فأبتسم على شكلها الطفولي، عندما شعرت بقُرب إستسلامها له، قررت أن تجعله يتألم، و تجرحه بكلماتها، فـ أردفت بنبرة قاسية:
- أنت أيه مش بتفهم؟! أنا جاية هنا أصلاً عشان مش عايزة أشوفك، ومش طايقة أبُصلك، عشان كل مـ بشوفك بفتكر اللي حصلي بسببك!!!
وبالفعل تحقق ما رغبت به، عندما أعتلى الألم عيناه، ولكنه بدّله سريعاً بالجمود، لينهض مبتعداً عنها يوليها ظهره، فـ شعرت "رهف" بقلبها يؤلمها، ولكنها نهضت من على الفراش، لتقف خلفه قائلة وهي تزداد في الصغط على جرحه:
- واجهني يا باسل، متبقاش جبان، تقدر تقولي مين سبب اللي أنا فيه دة، مين اللي دمّر حياتي، أنت متعرفش أنا حسيت بأيه لما دخلت الجناح، كل اللي حصل أتعاد قدامي، و أنا بترجاك تسمعني وأنت مش شايف غير إني خاينة وكدابة مستحقش حتى أدافع عن نفسي، لما عرفت إني حامل وقولت دة مش مني، أنا المفروض أحرمك من بنتي للأبد، و أعاقبك على كل اللي عامله فيا، عشان تشرب من كاس الوجع اللي شربت منه، بس أنا مش هعمل كدا، عشان عندي رحمة، مش زيك!!!
ألتفت لها فجأة بعينان غاضبتان، فـ أرتدت للخلف خطوة بذُعر، ليقترب منها قابضاً على ذراعيها دون أن يشدد عليهما حتى لا يؤلمها، ولكن ورغم الألم الذي يشعر به في قلبه من قسوة كلماتها، إلا أنه ظل محتفظاً بهدوءه، حتى وهو يقول بنبرة مالت إلى الحزن:
- كفاية عذاب فيا أكتر من كدا يا رهف، صدقيني أنا شربت من الكاس دة لما بعدتي عني 3 شهور بحالهم، مكنتش بنام، كل يوم كنت ألف ف الشوارع بالعربية وأنا بدور عليكي، ومليون سيناريو في دماغي، قلبي بيوجعني لمجرد إني أحس إنك مش في أمان، أن حد خطفك ولا بيعمل فيكي حاجة إنتِ وبنتي، وأنا حاسس إنك ممكن تبقي قاعدة في الشارع مش لاقية مكان تروحيه، و إحساس إني ظلمتك كان بيقطع قلبي، كنت بعاقب نفسي إني أفضل نايم في الجناح عشان أفتكر كل اللي عملته فيكي و أوجع قلبي أكتر،كنت بعيط كل يوم وأنا ماسك لبسك وبحضُنه عشان أحس إنك جنبي حتى أسألي أمي، كنت بدعي ربنا أنك تبقي كويسة، انا كنت بتعاقب كل يوم وانتِ بعيدة عني، ولما لاقيتك، كأني روحي رجعت ليا، حسيت إني عايز أفضل حاضنك ويقف الزمن على كدا، مش عايز حاجة غير كدا خلاص، لما عرفت إنك سقطتي بنتي بسببي، كأن في حاجة ماتت جوايا، والله العظيم يارهف أنا أتعلمت درس صعب أوي، مش هنساه طول حياتي، خلاص بقا، كفاية يا رهف!!
قال كلامه الأخير وهو يترجاها بعينان غارقتان في الدموع، فـ أنتفض قلب "رهف" لهذا الألم المرتسم في عيناه لتدمع عيناها تأثراً بحديثه ورجاءه لها، والدموع التي رأتها في عيناه وهو ينظر لها، تراه يبكي للمرة الأولى، فـ أنفطر قلبها، ليرتعش جسدها بقوة، ولم تستطيع منع نفسها من ضمه لها، فـ حاوط هو خصرها بشدة، يرجوها بصوتٍ جسّد ألمه:
- سامحيني يارهف وخلصيني من العذاب دة!!!!
مسحت على ظهره مغمضة عيناها والدموع تنهمر فوق وجنتيها، فهي لأول مرة تراه بهذا الكم من الألم، ليردف مشدداً على خصرها، بصوتٍ تمزق قلبها له:
- أنا خايف أخسرك، خايف تبعدي عنه!!!
هدأته "رهف" و هي تربت على ظهره، لتجلسه على الفراش، ليضع رأسه على صدره، يفرك عيناه بشدة ليزيل الدموع عنهم، فـ مسدت هي على خصلاته، تقبل جبينه والذي برزت العروق منه من شدة الإنفعال، حتى غفى "باسل" بأحضانها، فـ قبلته "رهف" من جبينه، حتى نامت هي الأخرى من شدة التعب!!!
• • • •
جلست "هنا" على الفراش تضم "عمر" إلى صدرها، تدغده بـ معدته، لتصدر منه ضحكات ملئت غرفته، فـ أتى "ريان" على أثر ضحكاتهم، مبتسماً بشغف وهو ينظر إلى حركاتها الطفولية، جلس جوارهم، فـ أنقض "عمر" بأحضان أبيه، صارخاً بصوته الطفولي:
- بـــابــي!!!!
أحتضنه "ريان" يعبث بخصلاته، ليقول بمزاح:
- يا واد أنشف شوية، قول أبويا!!!
شهقت "هنا" بصدمة، لتسرع قائلة:
- عمر حبيبي متسمعش كلام بابي، هو بيهزر معاك!!!
أومأ "عمر" بـ لا مبالة، ليهمس "ريان" في أذنه قائلاً:
- سيبك منها، أنا ابويا وهي أمي!!!!
ألتفت "عُمر" إلى "هنا" قائلاً وهو يمد ذراعيه لها قائلاً بإبتسامة:
أُمــي!!!!
أنفجر "ريان" في الضحك عائداً برأسه للخلف عندما رأى تعابير وجه "هنا" المذهولة، فشاركه "عمر" في الضحك دون أن يعلم السبب، أبتسمت "هنا" سريعاً وهي ترى ضحكاتهم، وضحكاته الرجولية الجميلة، وضعت كفها أسفل ذقنها تراقبه بإبتسامة، لينظر لها بعيناه اللامعتان، يغمز لها قائلاً:
- أنا بضعف قدام النظرة دي على فكرة!!!!
ضحكت ولم تعقب، فـ نظر لهما "عمر" قائلاً ببراءة:
- بابي انا سعلان منك!!!!
ألتفت له "ريان" قائلاً بسُخرية:
- سعلان؟! ليه يا عمر باشا!!!
- عسان أنت مس بتوديني الملاهي!!!
قال زاماً شفتيه بحُزن، فـ قلدته "هنا" وهي تضم ذراعيها لصدرها زامة شفتيها قائلة بحزن زائف:
- و أنا كمان سعلانة!!!
جذبها "ريان" جواره، ليقول مبتسماً:
- طب يلا عايزين تروحوا أمتى؟!!
أندفع "عمر" قائلاً:
- دلوقتي دلوقتي!!!
نظر "ريان" في ساعته فوجدها الثامنة، ليردف بجدية:
- تمام، يلا أجهزوا!!!!
• • • •
تحسست الفراش جوارها دافنة وجهها في الوسادة، فوجدت مكانُه بارد، فتحت عيناها بإستغراب ثم إلتفتت حولها ولكن لم تجده، أنتفضت فزعة لترتدي قميصه الأبيض تستُر به جسدها، لتنهض عن الفراش راكضة على الأرضية بقدميها الحافية و الخلخال يرِن بهما، نزلت عدة سلالم لبهو الشقة و لم تجده أيضاً، ولكنها سمعت صوتاً يأتي من المطبخ، فذهبت نحوه على الفور، وضعت يداها على قلبها لتهدأ من نبضاته الخائفة عندما وجدته يقف مرتدياً بنطالٍ أسود وصدره عاري، نظرت لما يفعله فوجدته يطهو طعام شهي للغاية، أبتسمت "ملاذ" ثم سارت على أطراف أصابعها لتقف خلفه تكتم ضحكاتها، كادت أن تفعل حركة تفزعه بها ولكن صدمها صوته عندما قال بخبث وهو لازال مولياً ظهره لها:
- صباح الخير!!!
لم يعطيها فرصة لكي تستوعب أنه علِم بوقوفها وراءه، ليلتفت محاوطها خصرها فـ أرتطمت بصدره رافعة عيناها الواسعتان له، أبتسم بمكرٍ وهو يتفرسها في قميصه الأبيض والذي أصبح أنثوي بحت عندما أرتدته، أنكمشت في جسدها بخجل من نظراته، لترفع أصبعها بوجهه قائلة بضيق:
- أنت عرفت إزاي إني واقفة وراك؟!!
لمس ظهرها بأصابعه، ثم أخذ أصبعها ليقبله قائلاً وهو ينظر لها وإبتسامة جميلة تحتل ثغره:
- أولاً أنا بحس بيكي لما بتبقي جنبي، دة غير صوت الخلخال وريحتك!!!
أبتسمت "ملاذ" لتحاوط عنقه قائلة بصدق:
- لما بتبقى جنبي بردو بحس بيك، حتى لو كنت بعيد!!!
مال "ظافر" نحوها بطوله الفارع، ليطبق بشفتيه على شفتيها برقة أذابتها، ليحملها من خصرها واضعاً إياها على الرُخام، ينظر لها برغبة ممسكاً كفيها، ليتأفف بضيق قائلاً بمزاح:
- ملاذ أيه اللي جابك!! مـ أنا كنت واقف بعمل الفطار!!!!
أبتسمت له بشقاوة تنظر له ببراءة قائلة:
- هو أنا عملت حاجة دلوقتي!!!
مدّ إبهامه متلمساً شفتيها برقة، ثم جذب ذقنها، و همّ بتقبيلها، ولكنها هتفت سريعاً:
- الأكل هيتحرق!!!
ألتفتت إلى الطعام ثم أكمل طهيه بقلة حيلة، لتأرجح "ملاذ" قدميها في الهواء قائلة بإستفهام:
- ظافر هو أنت ليه بتعمل الفطار النهاردة؟!!!
- و أيه المشكلة؟!!
قال بغرابة، تهز كتفيها مسترسلة:
- غريبة..!!!
أطفئ على الطعام ثم وقف أمامها، فـ وقفت هي حركة قدميها، حاوط "ظافر" خصرها قائلاً بحنو شديد:
- بقيتي كويسة يا حبيبتي صح!!!!
ضمت كفيها معاً بطفولية، ثم أومأت وهي تنظر له بإبتسامة مطمئنة، كاذبة، هي لن تعود مثل الأول، لن تستطيع نسيان ما حدث بهذه السهولة، و رغم أن أبتسامتها له كانت مقنعة، ولكنه قطب حاجبيه بضيق قائلاً:
- بتكدبي يا ملاذ!!!
أستسلمت نظراتها له، لتتنهد بيأس، ثم أسندت رأسها على صدره دون أن تعانقه، ودون أن تنبث ببنت شفة، فحاوطها هو مربتاً على خصلاتها، و هو يشعر بألمٍ مريع يتغلغل داخله، وكأن الضربة جائت له هو، هو من تألم وهو من يعاني أضعاف معاناتها الأن، فـ لا يوجد أصعب من أن ترى حبيبك يعاني وأنت عاجز عن إراحته، أغمض عيناه و قلبه أصبح ممزقاً عندما سمع شهقة بكاء تصدر منها، ليحتويها بذراعيه أكثر، هامساً بأذنيها:
- شششش أهدي يا حبيبتي، أهدي!! أنا عامل حساب زعلك لولا كدا كنت هحاسبها على كل دمعة نزلت من عيونك بسببها!!!
أبتعدت عنه سريعاً قائلة برجاء، و عيناها الدامعة كالسم الذي يقتله ببطئ:
- لاء يا ظافر متعملش حاجة لو سمحت، هي مهما كان أختي!!!!
حاوط وجهها ثم مسح دمعاتها بأنامله، قائلاً بصوتٍ أخافها بعض الشئ:
- عشان هي أختك يا ملاذ أنا مش عايز أقربلها، صدقيني لو كانت غير كدا أنا كنت هخليها تندم على اليوم اللي أتولدت فيه!!
↚
أرتجف جسدها خوفاً من تهديداته على أختها، ليُقبل كفيها وقد عادت نبرته للحنان، يهتف بصوتٍ دافئ:
- ملاذ أنتِ نقطت ضعفي، ظافر الهلالي اللي كان مبيتلويش دراعه، بقيتي أنتِ دراعي اللي بيتلوي!!!
لو حد قرّبلك أنا ببقى زي المجنون، بفقد السيطرة على نفسي، يعني دلوقتي وانا شايفك كدا هاين عليا أروح لأختك أطلع روحها في إيدي، بس أنا ساكت عشانك!!!
رمشت بأهدابها غير مصدقة ما يقوله، ألتلك الدرجة هي مُهمة لديه!!، نظرت له بعنان لامعتان، ثم حاوطت عنقه بذراعيه تعانقه بقوة فـ دفن هو أنفه في مكان نبضُ عنقها يطبع عليه عدة قبلات، ظلت "ملاذ" متشبثة به كالطفلة الي تخاف فقدان والدها، و هو لم يتركها أبداً، وضعت كفها خلف عنقه، لتردف بنبرة حانية، و صوتٍ مثقل بالعاطفة:
- ظافر أنا بحبك أوي!!!!!!
شدد على خصرها، مقبلاً خصلاتها، قائلاً بنبرة متيمة:
- و أنا بموت فيكي!!!!
أبتعدت عنه لتنظر له بعينان تبرُق من شدة الفرح، فـ هو الوحيد القادر على محو حزنها ووضع أبتسامة على ثغرها في دقيقة!!
ألتقط ثغرها في قبلة عميقة دامت لدقائق، تحولت لعدة قبلات على وجهها بإشتياقٌ لها، ليحملها من خصرها متجهين إلى غرفتهم، لتتعلم على يداه أبجدية العشق، غارقين في بحور شغفهم، في عالم خاص بهم!!!
• • • •
دلفت "ملك" مقتحمة غرفة "ياسمين"دون إستئذان، فـ أنتفضت "ياسمين برعب لتُخفي الهاتف أسفل الوسادة، ثم نهضت لتقف أمامها تصيح بجنون:
- أنتِ أتجننتي أزاي تدخلي أوضتي بالشكل دة!!!
تنهدت "ملك" بصبر، ثم هتفت بهدوء:
- عايزة أتكلم معاكي شوية!!!
نظرت لها "ياسمين" بدهشة، ولكنها عادت مقطبة حاجبيه قائلة بنبرة مستفزة:
- وأنا مش عايزة، أتفضلي بقا أطلعي برا عشان مش فاضيالك!!!!
شعرت بغضب يهُز جسدها، لتقترب منها قائلة بغضب شديد ولكنها حاولت قدر الإمكان خفض صوتها:
- أومال فاضية لأيه يا ياسمين، للمرقعة وقلة الأدب، مش مكسوفة من نفسك وأنتِ بتتكلمي مع ولد ومستنية أخوكي ينزل عشان تاخدي راحتك في الكلام معاه، طب ومامتك المسكينة دي معملتيش حساب ليها؟!
فرغت شفتيها بصدمة شديدة، لتجحظ عيناها بعدم أستيعاب، جالسة على الفراش خلفها مصعوقة، قائلة والدموع تنهمر من عيناها:
- عرفتي أزاي!!!
لانت نظراتها نحوها، لتجلس جوارها مربتة على كتفيها بشفقة، قائلة برفق:
- متخافيش يا ياسمين، أحنا نقدر نحل الموضوع دة من غير مـ حد يعرف، و أنا أوعدك مش هقول حاجة لحد!!!!
نظرت لها "ياسمين" بعينان حمراوتان، لتنهض كمن لدغتها عقربة، صارخة بها بقسوة:
- ملكيش دعوة بحياتي، أنا مطلبتش منك مساعدة، ولو فاكرة أنك كدا بتذليني أو بتكسري عيني يا ملك تبقي غلطانة، و لو عايزة تروحي تقولي لـ جواد ولا ماما قوللهم، أنا ميفرقش معايا!!!
نهضت "ملك" لتمسكها من كتفيها تهزها بقوة قائلة بإنفعال شديد:
- أنتِ أتجننتي، عارفة لو جواد عرف بحاجة زي دي هيعمل فيكي أيه؟!!، مش بعيد يقتلك!!!، فوقي يا ياسمين أنتِ كدا بتضيعي نفسك، سيبيلي أنا الموضوع دة و أنا هحله!!
نفضت ذراعيها عنها صارخة بحقد:
- طبعاً، لازم تطلعي البطلة الشجاعة والطيبة دايماً، عايزة تنقذيني ليه رغم أنك عارفة أن لو جواد عرف إنك عرفتي الموضوع دة وخبيتي عليه هيقلب عليكي؟!!!
- أنا مش عايزة أطلع البطلة ولا حاجة، أنا بس عايزة أشيلك من اللي أنتِ فيه دة قبل مـ تحصل حاجة وحشة، وصدقيني جواد مش هيعرف أي حاجة، خليني أساعدك يا ياسمين لو سمحتي!!!
قالت "ملك" بنبرة شبه راجية، لتنظر لها "ياسمين" بتردد، فـ أسرعت "ملك" قائلة بحزن:
- عارفة جواد قالي أيه النهاردة؟!! قالي أنه حاسس أن هو مقصر في حقك أوي من ساعة مـ عمو أتوفى، وأنه هيحاول يعوضك عن وجوده بأي طريقة!!!
رفعت "ياسمين" عيناها بصدمة، لتمتلئ عيناها بالدموع قائلة وهي تمسك يدها:
- بجد يا ملك؟!!! بجد قالك كدا!!!
أشفقت "ملك" عليها، لتقترب منها تجذبها لأحضانه، قائلة بنبرة متأثرة:
- والله قالي كدا يا حبيبتي، بس لو عرف باللي بتعمليه هتبقي خسرتيه العُمر كله يا ياسمين!!!
أنفجرت "ياسمين" في البكاء بأحضانها، لتتشبث بملابسها قائلة بحزن:
- غصب عني أنا حبيته أوي، وهو عوضني عن الفراغ اللي كنت عايشاه!!!
تنهدت "ملك" مربتة على ظهرها قائلة بحنان:
- هو بيحاول يعوضك عن النقص اللي عندك في موضوع الأهتمام دة، لحد مـ تبقي في إيده، وياخد اللي هو عايزه ويمشي!!!
- لاء، لاء يا ملك هو مش كدا، أنا هخليه ييجي يتقدملي من جواد و هتجوزه!!
هتفت ببكاء، ف أبعدتها "ملك" عنها قائلة بعقلانية:
- هو عُمره مـ هيتجوزك، عارفة ليه؟ عشان أنتِ بالنسباله واحدة خانت ثقة أهلها وبتكلمه من وراهم، عشان كدا مش هيآمن على نفسه و على شرفه لما تتجوزيه، عارفة هيقول أيه؟ هيقول زي مـ كلمتني قبل الجواز وبعتتلي صورها هتكلم حد تاني بعد الجواز وهتخوني معاه، صدقيني هو دة تفكيرهم!!!
طالعتها بذهول لتمسح دموعها بصدمة قائلة:
- معقول!!!
- طبعاً، حتى جربي تفاتحيه في موضوع الجواز وتقوليله يبجي يتجوزك، هتلاقيه طلعلك بألف حجة، مرة يقول لسة بكون نفسي ولسة لما أخلص دراستي، بلاش يا ياسمين الطريق اللي أنتِ ماشية فيه ده، أنا خايفة عليكي!!!
نظرت لها بحيرة ثم هتفت كالطفلة التائهة:
- طيب أعمل أيه دلوقتي!!!
- أنا هقولك!!!
أجلستها على الفراش، ثم أخذت هاتفها لتجعلها تفتحه، قرأت المحادثات بينهم، لتتوسع عيناها بصدمة، وهي تنظر للصور المبعوثة له لـ "ياسمين" بشعرها وبملابس لنقول عليها فاضحة!!!!
نظرت لها "ملك" بصدمة، واضعة كفها على فمها، فـ نكست "ياسمين" رأسها بخجل، لتردف الأخيرة بعصبية:
- يا نهار أسود أزاي تبعتيله صورك كدا!!! ليه كدا يا ياسمين، أدعي بقا أن ربنا يسامحك!!!!
بكت "ياسمين" بقهر، فـ نهضت "ملك" لتردف بضيق:
- أعمليلُه block حالاً من كل حاجة حالاً، وانا هنزل أشتريلك خط جديد قبل مـ جواد يرجع!!!
• • • •
صف "ريان" سيارته خارج الملاهي، ليركض "عمر" خارج السيارة مع "هنا"، صفق "عمر" بحماس، ليدلفا ثلاثتهم للملاهي، أشار الصغير على أحد اللعب التي تناسب عمر، فألتفتت "هنا" إلى "ريان" وسط الإزدحام، ولكنها وجدته جوارها، يحاوط خصرها قائلاً بتحذير:
- المكان زحمة أوي، خليكي جنبي ومتبعديش عني..!!!
نظرت له بصدمة لترمش بأهدابها، أخفت إبتسامته عنه، ليذهبا معاً يقفا أمام "عُمر" المستمتع باللعب كثيراً، بينما "هنا" كانت مستمتعة بوجودها جواره، قريبة منه لتلك الدرجة، ورائحته تدغدها، أرتعش جسدها عندما حاوط كتفيها ليضمها لصدره بتملك، أرتكزت رأسها على صدره، و السعادة تكاد تقفز من عيناها، كل خلية بجسدها تحفزت لتحاوط خصره، ولكن حياءها منعها من ذلك، أبتسمت وهي ترى فرحة صغيرها، لتلتفت إلى "ريان" فوجدت وجهه يعتليه الجمود، قطبت حاجبيها قائلة :
- في حاجة يا ريان، شكلك مضايق؟!!!
لانت ملامحه عندما نظر لها، ليُردف بهدوء:
- مافيش حاجة ،أنا هروح أعمل مكالمة ضروري، وأنتِ خليكي هنا مع عمر و أوعي تتحركي، خدي بالك من نفسك وانا مش هتأخر!!!
أومأت بقلق، فـ نبرته لم تُريحه، وكأن كارثة على وشك الحدوث، رأته وهو يذهب من بين الناس حتى أختفى عن مرمى عيناها، زفرت بقلق، ثم ألتفت إلى "عُمر" فوجدته كما هو يصرخ بضحكاتٍ عالية كحال باقي الأطفال، ظلت واقفة بضع دقائق بتوتر، ولكن أنتفض جسدها برجفة عنيفة عندما وجدت يد نحيفة توضع على خصرها لتجذبها للخلف في حركة سريعة لم يُلاحظها الآخرون وسط ذلك الإزدحام، وُضع كف غليظ على شفتيها ليكتم صرخاتها المستغيثة، لم تستطيع حتى أن ترى ملامحه ولكن صوته بدى مألوفاً له:
- لو فاكرة إني هسيبكوا تبقوا غلطانين، أنا بس مش واخد أوامر إني أخطف أبنك دلوقتي، لكن صدقيني هبقى زي ضلك، هتلاقيني معاكي في كل حتة، حتى في أوضة النوم!!!!
نعم!!! هو!! صوته الكريهه، ذلك الحرامي الذي أقتحم بيتهم، تشنج وجهها من كلماته الحقيرة، حاولت دفعه من الخلف ولكنه أحكم بذراعه عليها، و رُغم ضعف بنيانه، إلا أنها كانت الأضعف!!!
أقترب منها ليهمس بأذنها من الخلف، وبصوتٍ ذو مغزى، ونبرة مقززة:
- مـ هو بصراحة حرام الجمال دة يتهنى بيه ريان باشا بس، ولا أحنا ملناش نفس!!!!
شددت على كفه على فمها لتغرز أسنانها بجِلده بعنف فـ صرخ بقوة جعل من حولهم يلتفت لهم بإستغراب، فـ أبتعد عنها هو سريعاً وهو ينظر لها بتوعد، قبل أن يختفي من أمامها، حاولت "هنا" السيطرة على أنتفاضات جسدها، ثم همت بالذهاب نحو "عُمر" لتطمئن عليه، فـ هذا الحقير قد أخذها بعيداً عنه تماماً، لم تخطو سوى خطوتين لتعودهم سريعاً وهي تجد "ريان" يذهب نحوها بخطواتٍ كالإعصار، أمسك ذراعها بعنف ليجذبها نحوه قائلاً بصوتٍ حاد:
- كنتي فين!! و أزاي تسيبي عمر لوحده!!!!
أرتبكت معالم وجهها، لتقول بتوتر:
- أنا آآآ!!!
قاطعها ليردف بقسوة:
- أبنك يا أستاذة نزل من الملاهي و دور عليكي ملاقكيش، وطبعاً قعد يعيط لولا أني جيت فجأة كان ممكن يتخطف ولا يحصله حاجة!!!!
نظرت له بصدمة، لتندفع قائلة وقلبها ينتفض بين ضلوعها:
- يا حبيبي، طيب هو فين؟!!!
نظر لها بجمود، ثم جذبها خلفه بطريقة عنيفة، فـ سارت ورائه مستسلمة تنظر حولها تتمنى ألا يكون ذلك الحقير يراقبهم فـ يُلاحظه "ريان"، ولكنها بالفعل وجدته يقف بين حشود الناس، ينظر لها نظرات أرعبتها، و جعلت جسدها بأكمله بارد كالثلج، حتى خطواتها لم تكُن متزنة، ولكنها شددت على كف "ريان"، لعلها تستمد قوتها منه، ذهبت معه للسيارة فوجدت "عمر" جالس مع السائق، تركت "ريان" لتركض نحو صغيرها ثم حملته لأحضانها تطمئن عليه بقلبٍ ملتاع، تقول و هي تنهار في البكاء مما حدث معه ومعها:
- عُمر حبيبي أنت كويس؟!! أنا أسفة يا عمر والله غصب عني!!
مسح "عُمر" دمعاتها بأصابعه الصغيرة، قائلاً بحنان:
- خلاص يا مامي متعيطيس، أنا كويس!!!!
وزعت قبلات سريعة على وجهه لتضمه لها، ثم ألتفتت إلى "ريان" الذي كان يقف واضعاً كفيه بجيبه، ينظر لها بنظرات تخبرها أنه لن يمرر الموضوع مرور الكِرام، ليقترب منهم ثم مدّ ذراعه يفتح باب السيارة، مشيراً لها بعيناه لكي تصعد، وبالفعل أستقلت "هنا" و كفلها السيارة، ليصفع "ريان" الباب بقسوة شديدة جعلت جسدها ينتفض من الخوف، تجزم أنها تكاد أن يغشى عليها، حتى "عمر" لاحظ وجهها الشاحب والبارد، وكفيها المثلجتان، ليردف ببراءة:
- مامي إنتِ ساقعة أوي!!!
جلس "ريان" جوارهم ثم أشار للسائق بالتحرك، فـ ألتقطت أذناه ما قاله "عمر" ليلتفت لها فوجدها شاحبة بطريقة مُريبة، و الإرهاق جلياً على وجهها، فـ أخذ "عمر" منها ليجعله يجلس بالأمام جوار السائق، ثم ألتفت لها بكامل إهتمامه، ليردف بشكٍ:
- في أيه!!!
نظرت له لتمتلء عيناها بالدموع، تتمنى لو ترتمي بأحضانه وتخبره ما حدث، ولكنها تعلم أنه لربما يقتل ذلك المقيت، وهي لا تريد خسارة "ريان" أبداً!!!
أنقبض قلبه عندما شاهد دموعها، ليمسك بكفها متيقن أن شئٍ ما حدث، ولكنه نظر لها بصدمة عندما وجد كفيها في غاية البرودة، تلمس وجهها و عنقها فوجد نفس البرودة، ليسرع قائلاً للسائق يشعل المدفأة في السيارة ففعل، نزع عنه چاكت ثقيل كان يرتديه ليحاوطها به، ثم ضمها له ليمسح على ظهرها بحنان، حاوطت "هنا" خصره تدفن وجهها في قميصه، تمنع نفسها من البكاء بصعوبة، أمسك هو بكفيها بين راحتيه يفركهم سريعاً لينقل دفئ جسده لها، أنغمست "هنا" بأحضانه مغمضة عيناها، و إحساس الأمان والدفئ يتغلغل لها، هو فقط القادر على بث تلك الأحاسيس بها!!!
حاوطها بذراعيه المفتولين، ثم قبل جبينها ليستشعر برودته فوجدها دافئة، زفر براحة، ولكنه لم يُبعدها عنه، و رُغم قلقه وخوفه من أن يكُن حدث لها شئ بغيابه ولكنه فضّل الحديث في وقت آخر، سقط ببصره نحوها ثم مسح على خصلاتها هامساً بأذنها في خفوت:
- بقيتي كويسة؟!!!
أومأت وهي لازالت مغمضة العينان، تحاوط خصره أكثر، فـ أسند ذقنه على رأسها يمرر كفه علواً وهبوطاً على ظهرها بحنان!!!
• • • •أفاق "باسل" يفتح عيناه، فوجد نفسه بين أحضانها، ذلك المكان الذي تمنى لو أن يظل به باقي حياته، تحاوطه بذراعيها القصيرتان، رفع عيناه لها فوجدها نائمة بعمق، تذكر "باسل" ما حدث، و إنفجاره بها بكلماتٍ كان يطويها خفيةً، ولكنه يقسم لو كانت أخذت قرار بالإبتعاد عنه سيكون بمثابة الحكم بالإعدام له، أنزّل جسدها برفق لمستواه، ثم ضمها هو له مقبلاً جبينها بشوق، يتمنى لو تنهض وتخبره أنها تسامحه، وأنها ستنسى أفعاله الغبية، و ردود أفعاله المتهورة، ستنسى كل ما بدر منه من سوء، وستبقى جواره إلى نهاية المطاف، تململت "رهف" بين أحضانه، لتفتح عيناها ببطئ فوجدت الظلام يحيط بالغرفة، أرتعبت عندما وجدت نفسها في أحضان ولم تتذكر ما حدث بالأمس، لتصرخ بفزع تصيح وهي تحاول إبعاده:
- مــيــن!!!!
إندهش "باسل" ولكنه سيطر على ركلاتها ليحاوط كتفيها قائلاً بصوتٍ حنون يهدئها:
- إهدي يا حبيبتي، دة أنا!!!
وبالفعل هدأت تماماً عندما سمعت صوته يتغلغل إلى أذنها، متذكرة ما حدث بالأمس، فوجدته يفتح ضوء خفيف من جواره، ليلتفت لها مجدداً يسند جسده بمرفقه، قائلاً وهو ينظر لها بتركيز، ونبرة صوته قلِقة:
- رهف..سامحتيني مش كدا!!!
طال صمتها، وهي تنظر له بجمودٍ، نظرات جعلته يعلم ردّها قبل أن تتفوه به حتى، ليُغمض عيناه بأسى، يشعر بقلبه أنقسم إلى أشلاء مبعثرة، ولكنه سمِع ما جعله يفتح عيناه بصدمة، ينظر لها بعدم تصديق عندما قالت تتشبث بذراعه الموضوع جوارها:
- أيوا، مسامحاك!!!
رفرف قلبه من شدة الفرح، و أرتعش كامل جسده من شدة الفرحة التي ظهرت جلية في عيونه، فـ نظرت له "رهف" بحنان، و أبتسامة زينت ثغرها، لينقض "باسل" عليها مقبلاً كل إنش في وجهها لتتصاعد ضحكاتها الفرِحة، فهتف محاوطاً وجهها يقبل ثغرها عدة قبلات سريعة:
- حرام عليكي نشفتي ريقي!!!
أبتسمت بشقاوة، فـ قبّل جبينها بحنان يُطيل في قبلته، يروي شوقه منها، ثم سقط بثغره لمعدتها يقبلها هامساً لصغيرته:
- ماما سامحتني أخيراً!!!
أبتسمت "رهف" لسعادته، ليعود لها "باسل"، ليسند جبهته على جبينها، ممسكاً بوجهها بين راحتيه، وعيناه مغلقتان، تنهد براحة وكأن حجرٍ ثقيل أزاحته هي بكلمة منها من فوق صدره، ليسترسل بصوتٍ مُثقل بالعاطفة:
- يآآآه يا رهف، أخيراً، أنا مش عارف أوصفلك أد أيه فرحان، أنا كأن أتكتبلي عُمر جديد!!!!!
حاوطت عنقه لتضمه لها برفق، تربت على ظهرها بلُطف مُقبلة جانب عنقه، فـ حاوط هو خصرها يدفن أنفه بخصلاتها، همس جوار أذنها بصوتٍ جاد وهادئ:
- أوعدك عُمري مـ هزعلك تاني أبداً، والله أنا أتعلمت درس مش هنساه أبداً!!!
هتفت "رهف" بصوتٍ حزين:
- أنا مكنتش أعرف أن هيجرالك كل دة والله، أنا عذبتك أوي يا باسل!!!!
أبعد وحهه عنها ليبقى في مواجهتها، ثم حاوط وحهها سريعاً قائلاً بلهفة:
- معذبتنيش ولا حاجة يا عُمري، أنا أستاهل أصلاً اللي جرالي، أنا اللي كنت غبي ومعرفتش قيمتك!!! بس دلوقتي يا رهف مستعد أخسر أي حاجة بس أنتِ مش هستحمل أخسرك!!!!
أرتجف قلبها بين ضلوعها لتنظر له بحُزن، فـ جذبها لأحضانه مستلقياً جوارها، ثم همس بصوتٍ خافت:
- مش عايز أشوفك زعلانة تاني أبداً، تعالي ننسى كل اللي حصل ونبدأ من الأول خالص!!!
أومأت دون أن تتحدث وهي محاوطة خصره تستنشق عبير رائحته التي حُرِمت منها شهور، و حنانه الذي أشتاقت له، ليهمس لها وهو ينظر لها بخبث:
- نبدأ من الأول خالص بقا!!!
أطلقت ضحكة لتضربه على صدره، ليُقضيا أجمل ساعات معاً، وكلاً منهم أجتمعا في عالم خاص بهم!!!
• • • •
عندما وصلا المنزل، و "هنا" لم تتحدث أبداً، فقط جالسة على فراشهم أسفل الغطاء، فـ أخذت الدادة "عُمر" ليُبيت معها في شقتها بالأسفل بأمرٍ من "ريان"، الذي أتجه نحوها جالساً أمامها، يقول بصوتٍ هادئ:
- أحكي كل حاجة من أول مـ سيبتكوا!!!!
لم تلتفت له، ولكنها قالت في صوت لا حياة به:
- طيب ممكن أنام دلوقتي ولما أقوم نتكلم!!!
- لاء مش ممكن!!!!
هتف بحدة، ثم زفر يضيق، لينهض و هو يقول:
- أنا لازم أعرف أيه اللي حصل بالظبط، و ليه كنت خايفة أوي كدا وأحنا في العربية، تعبِك وبرودة جسمك دي كانت من أيه، عايز أعرف أيه اللي خلاكي تسيبي عمر لوحده في مكان زي دة وتبعدي عنه!!!
كان يتحدث وهو يسير ذهاباً و إياباً، فـ نظرت له "هنا" بحُزن شديد، و هي تتذكر تلك اليد القذرة التي لمستها، و ذلك الصوت المقرف والتي لازال يرّن بأذنها، وفور تذكرها ما حدث أنفجرت بالبكاء تخفي وجهها بكفيها، فـ توقف "ريان" عن الحديث متسمراً بالأرض، ليلتفت لها بقلق، ثم ذهب نحوها ليجلس أمامها على الفراش يُبعد كفيها عن وجهها الأحمر، أعتصر قلبه عندما رآها بتلك الحالة، ليكوب وجهها بين كفيه، يقترب منها أكثر هامساً بجزع:
- في أيه يا هنا!!! قولي يا بابا متخافيش، أنا متأكد أن في حاجة كبيرة حصلت!!!!
نظرت له بحُزن، لتنظر إلى كفيها تفرُك أصابعها بإرتباك، ليمسح دمعاتها بحنان، ثم رفع وجهها له مجدداً يردف وهو يحاول أن يطمئنها:
- ردي عليا يا هنا، أيه اللي حصل، متسيبيش دماغي تودي وتجيب كدا!!!!
نظرت لعيناه بمقلتين مهتزتان، فـ وضع خصلاتها خلف أذنها يومأ لها برأسه يحُثها على الحديث، فـ تلعثمت "هنا" وهي تقول بنبرة مهزوزة:
- أنا هقولك!!!، لما كنت واقفة مع عمر لمحت ولد كدا صغير ... كان هيُقع من اللعبة، فـ لما روحت ومسكته جات مامته آآآ و زعقتلي عشان فاكرة إني جاية أخطفه، و آآ قالتلي كلام وِحش كدا، فـ أنا لسة متأثرة شوية بيه!!!!
أعتلى الغضب ملامحه، ليتركها قائلاً بضيق:
- دي واحدة زبالة مبتعرفش تفرق بين ولاد الناس والحرامية، يعني دة منظر واحدة تخطف طفل!!!!
قال وهو يشير عليها، فـ زفرت "هنا" براحة، فـ هي كانت تتوقع عدم تصديقه لها، لم تجيبه، فـ هتف بإنفعال وهو يجلس أمامها:
- وبعدين و أنتِ تتأثري بكلامها ليه دي مجنونة، بدل مـ تشكرك إنك أنقذتي أبنها بتتهمك أنك بتخطفي أطفال، دي واحدة ماعندهاش دم و آآآ
قاطعته عندما أرتمت بأحضانه في حركة كانت صادمة له، حاوطت خصرها بذراعيها تدفن رأسها في صدره، لتنتحب ببكاء وهي تشدد على قميصه، سرعان ما حاوطها "ريان" بذراعيه المفتولين، فـ أختفت "هنا" بين ثنايا صدره، وجسدها عاد يرتجف من شدة البكاء، أخذ يمسح على خصلاتها القصيرة وظهرها، يُقبل رأسها بلُطف، فـ أستسلمت "هنا" لذلك الإحساس، ليهدأ بكاءها، وتختفي رعشة جسدها تدريجياً أسفل لمساته الرقيقة، و تغلغل لها الشعور بالأمان مجدداً، و أن لا يمكن أبداً لأي شخص أن يؤذيها أو يؤذي صغيرها، تنهدت بحرارة فـ مال عليها "ريان" ليسند ذقنه على كتفها، ثم قبّل عُنقها قبلة عميقة أستغرقت وقتاً ليس بقليل، أغمضت عيناها و قد تخضبت وجنتيها من مجرد قبلة، تصاعدت شفتيه لفكها، فـ قبله بحنان، ثم تلك الشامة الموضوعة جوار ثغرها، حتى وصل إلى شفتيها، فتح عيناه لينظر إلى وجهها الأحمر، وجسدها المتراخي لولا ذراعيه اللذان يُسنداها، أبتسم نصف أبتسامة، وعيناه تلتمع بـ بريق فريد، وقبل أن يطبق بشفتيه على شفتيها صدح صوت الصغير يردف وهو يقف عند مقدمة الغرفة:
- مامي عايز أنام جنبك عسان خايف!!!!
أغمض عيناه يسُب أبنه في سره، يعُض على شفتيه السفلى بغيظ، ليفتح عيناه فوجدها تسربت من بين يداه، متجهة إلى "عُمر" بخطوان مرتبكة، لتحمله قائلة بحنان:
- تعالي يا حبيبي!!!!
حاوط "عمر" عنقها، ولكن وقعت عيناه على أبيه، فشهق بخضة قائلاً:
- مامي هو بابي وسه أحمر ليه كدا!!! هو مضايق؟!!!
كتمت "هنا" ضحكاتها وهي تنظر لوجه "ريان" المكتوم بحُمرة مغتاظة، لتوجه له نظرة متشفية، قائلة بنبرة ذات مغزى:
- لاء يا حبيبي، دة بابي هينفجر بس، أصل أنت قطعت عليه حاجة مهمة!!!
نهض "ريان" متجهاً لهم، لتتحول ملامحه من غضب إلى مكر، ليقترب منهم قائلاً وهو يجذب "هنا" من خصرها، ينظر إلى طفله بخبث:
- أصل أنت مشوفتش أمك يا عمر كانت عاملة أزاي من شوية، كانت خلاص بتسلم نِمَر !!!!
تصاعدت الدماء لوجهها بخجل شديد، لتنكزه بكتفه، ثم ذهبت إلى الفراش لتنام على جانبها الأيمن، واضعة "عمر" بأحضانها، وكادت أن تغمض عيناها لولا ذراعه الذي ألتف على خصرها، شدد على معدتها ليُقربها منه، ثم أسند جانب وجهه على وجنتيها، طابعاً قبلة صغيرة على عنقها..
تسارعت نبضات قلبها من شدة الأرتباك، لتغمض عيناها بنعاس، ولكنها شهقت تكتم ضحكتها التي كادت أن تصدح بالغرفة عندما دغدغ معدتها بأنامله، ألتفتت له بوجهها فقط لتطالع الأبتسامة التي أعتلت وجهه، فقطبت حاجبيها غيظاً، ثم هتفت بضيق زائف:
- يا ريان نام بقا!!!
أستغل أن وجهها قبالة وجهه، وشفتيها أمام شفتيه، ليُطبق بشفتيه عليهم يلُفها له بعد أن تأكد أن "عمر" ذهب في ثُباتٍ عميق، أستسلمت "هنا" له، ولم تبدي أية أعتراض، ولكن وفجأة قفز إلى عقلها ما قاله هذا الرجل، وأنهم مُراقبون حتى في غرفة نومهم، لتدفع "ريان" إلى الخلف من صدره بدون مقدمات، فـ أندهش الأخير يردف:
- في أيــه!!!!
ألتفتت حولها برعب، ومقلتيّها تدورا في كل أنحاء الغرفة، لينكمش جسدها عندما نظرت إلى الشرفة المغلقة وهي تتخيل أنه يقف خلفها، ولكن ما أخرجها من تهيؤاتها "ريان" الذي أدار وجهها له ممسكاً بذقنها، يُردف بـ شك ملحوظ:
- هنا أنتِ فيكي حاجة؟!!
تسارعت أنفاسها من شدة الرعب لتنهض من فوق الفراش تغلق الشرفة جيداً، ثم سدلت الستائر عليها، قطب حاجبيه من أفعالها الغريبة، ليجدها ذهبت له ثم أستلقت جواره، لتدس رأسها في صدره محاوطة خصره وجسدها بأكمله يرتجف، حاوطها "ريان" بذراعيه السمراوتين، ليربت على ظهرها، و هو تيقن تماماً أن هناك شيئاً حدث، وسيعلمه ولكن ليس الأن حتى لا يضغط عليها، مسح على خصلاتها حتى غفت بأحضانه، فـ نام هو أيضاً، ولكنه عقله بقيّ يفكر فيما أصابها وهو بعيداً عنها!!
بللت قطرات العرق وجهها بأكمله، جسدها يتلوى على الفراش، تشعر بيدٍ قاسية قابضة على عنقها، حاولت المقاومة ولكن لم تستطيع، فـيداه الغليظة كانت تثبتها بقسوة، ضربت بقدمبها الهواء وهي تهمس بخفوت:
- سيبني، أبعد عني!!!!!
سمعت صوته القلق ينتشلها مما هي به، لتفتح عيناها سريعاً وهي تنظر حولها كالتائهة، وجسدها بأكمله يرتجف من الرُعب، عندما وجدته أمامها أسرعت مُرتمية بأحضانه تجهش في بكاء مرير، محاوطة عُنقه بخوف قائلة بدون وعيٌ منها:
- خليه يسيبني يا ريان، أنا خايفة اوي!!!!
حاوط "ريان" خصرها بذراعيه يحاول التحكم بأعصابه لكي لا يُخيفها، فزوجته تحلم بشخص في منتصف الليل يطاردها، وهو لا يعلم شئ عن الأمر، سارت يداه علواً وهبوطاً على ظهرها، ليهدأ بصوته والدافئ وهو يرتل أيات قرآنية على مسامعها لتهدأ، وبالفعل أرتخت تماماً ولكنها لازالت متشبثة بكنزته ترفض تركه، تلتفت حولها لربما يكون واقفاً في الزاوية وعلى شفتيه أبتسامة شيطانية يرمقها بنظراتٍ متوعدة، وعندما تكونت تلك الصورة في مخيلتها أغمضت عيناها تدفن رأسها في عنقه، وبدأت بالأنتحاب مجدداً، أبعدها "ريان عنه قليلاً ليحاوط كلتا وجنتيها يُزيل دمعاتها، قائلاً بهدوء:
- ششش أهدي يا هنا، في أيه، مالك!!! أحكيلي يا بابا وصدقيني محدش يقدر يأذيكي ولا ييجي جنبك و أنا موجود!!!
نفت برأسها عدة مرات قائلة:
- مش هينفع أقولك، مش هتسكت وهتتهور، وأنا مش عايزة أخسرك يا ريان!!!
أغمض عيناه يغرز أسنانه في شفتيه يقاوم رغبة في الصراخ بوحهها و إرغامها على قول ما يجعلها بتلك الحالة، ولكنه هدأ من روعة وهو يقول مطمئناً إياها:
- متخافيش مش هتهور، قولي بس!!!
- مش هينفع آآآ
هتفت بخفوت فقاطعها هو صارخاً بحدة وهو ينهض ملقياً من فوق المزينة أحدى زجاجات عطره:
- أنطقي يا هنا!!!!
أنتفض جسدها لصراخه المفاجئ بوجهها لتنظر له كالطفلة عندما صرخ أبيها عليها، أنهمرت الدموع من عيناها، لتصدر شهقات باكية بخفوت، فـ غضب هو أكثر ضارباً المزينة بكفيه مزمجراً:
- من أمبارح وأنتِ مش طبيعية، وأنا سيبتك عشان مضغطش عليكي وكنت هعرف بردو، بس دلوقتي وصلت أنك تحلمي بكوابيس و أنا هنا نايم ع ودني معرفش مراتي فيها أيه ولا مين اللي بيهددها وبيرعبها بالشكل دة!!!
أنتفض جسدها من صوته الغاضب لتدفن وجهها في راحتيها ترفض النظر له وهو بتلك الحالة، أستمعت لـ أنفاسه الهائجة والحادة، ليزداد خوفها منه أكثر، تحمُد ربّها أن "عُمر" مع الدادة في شقتها حتى لا يراهما بتلك الحالة، سمعت صوت خطواته تأتي نحوها فرفعت رأسه به بخوف وظنت أنه سيضربها _رغم أنه لم يفعلها أبداً بحياته ويرفع يده عليها_ اخفت رأسها بيديها لتحمي نفسها من بطشه، صُدم "ريان" من خوفها الغير مبرر، فهل تظنه بتلك الدنائة وسيضربها حقاً!!!، لانت مِحياه لينحنى أرضاً جالساً على إحدى ركبتيه، ثم أبعد ذراعيها بلطف، ليتحول فجأة من رجُل مسعتداً لأن يهدم كل شئ حوله من شدة غضبه، لآخر راكعاً امام زوجته يحدثها بحنو شديد:
- هنا؟!! متخافيش يا حبيبتي أنا مش هضربك!!!
ولشدة ذُعرها لم تنتبه لكلمة حبيبتي التي خرجت من فمه، لتُبعد ذراعيها عن رأسها بتردد تنظُر لفيروزتيه، فـ حاوط هو وجهها يُزيل دموعها قائلاً برفق:
- أنتِ متعرفيش لما بتعيطي كدا أنا بحِس بـ ايه!!!
فـ ممكن متعيطيش!!!
نظرت له بمقلتي لامعتا الدموع بها، حاوط كلتا كفيها بكفيه قائلاً بهدوء:
- في أيه يا هنا، أحكيلي، أوعدك مش هتهور، بس قوليلي ايه اللي مخوفك بالطريقة دي!!!
أنكست نظراتها أيضاً، فهي حقاً ترغب بإخباره، ولكنها متوجسة خيفة مما سيفعله، ورغم ذلك حسمت أمرها في إراحة قلبه وقلبها، لتقُص عليه ماحدث بنبرة مهزوزة، تشُد على كفيه الممسكان براحتيها، راقبت تعابير وجهه بعد أن أنهت حديثها ولكن لم تجد سوى الجمود، فـ محياه غامضة لا تخبرك بشئ، ولكن سرعان ما ألتمع بريق ناري بعيناه، فـ سارعت "هنا" بالقول ترجوه:
- ريان أنت وعدتني مش هتتهور، عشان خاطري بلاش تعمل حاجة تندم عليها!!!
هدأت نظرات عيناه الفيروزية، ليردف بهدوء مشدداً على قبضته على كفيها بلُطف:
- متخافيش يا هنا!!!
نظرت له ببراءة قائلة بحُزن:
- يعني أنت مش زعلان مني صح؟!!!
قال بهدوء و هو يضع خصلة ساقطة على وجهها خلف أذنها:
- لاء، بس اوعديني متخبيش عليا حاجة تاني..!!!
أسندت رأسها على كتفه ليربت على خصلاتها القصيرة، مقبلاً أياهم، لتُردف هي بصوتها الرقيق:
- أوعدك..!!
• • • •
وقفت أمام نافذة زجاجية كبيرة، تراقب جمال باريس من أعلى، شاردة في اللاشئ، تاركة لخصلاتها العنان في السقوط على كتفيها، أنتفض جسدها بخضة عندما حاوط "مازن" خصرها من الخلف بإحدى ذراعيه المفتولين، أبعد خصلاتها عن عنقها الطويل، ليطبع عليه قبلة رقيقة، ثم أسند ذقنه على كتفها، فأبتسمت "فريدة"واضعة ذراعها على ذراعه دون حديث، هي تتأمل جمال المنظر أمامها، وهو يتأمل جمالها!!!
أغمض عيناه يستنشق عبير رائحتها المُسكرة، لا يُصدق أنه و أخيراً أصبح معها، تنهد بعمق وكأنه سار ملايين الأمتار باحثاً عنها، ووجدها أخيراً، لفّها له فـ باتت ملتصقة بصدره، متأملاً ملامحها البريئة، وهي أيضاً كانت تنظر له مبتسمة، و إزدادت أبتسامتها أتساعاً عندما هتف بعشقٍ خالص لها هي فقط:
- عارفة يا فريدة .. أنا كنت شخص مالوش لازمة، كنت بأذي كل اللي حواليا، حتى أنتِ أذيتك، بس مكنتش اعرف إني كنت بأذني نفسي معاكي، حياتي كانت مملة، بايخة، لحد مـ شوفتك، فاكرة أول مرة أتقابلنا؟!! فاكرة الكلام اللي قولتيه، أنتِ كنتي أول حد يُقف في وشي، ويواجهني بحقيقتي اللي كنت رافضها، لما فتحت عيني وشوفتك بتعلقيلي المحلول، حبيتك من غير مقدمات، و أتجوزتك عشان حبيتك مش عشان أنتقم منك، الأنتقام دة كنت بوهم نفسي بيه، حتى معاملتي ليكي رغم أنها كانت جافة، بس أنا مكنتش بطيق الهوا فيكي، أنا يمكن كنت بعاملك كدا عشان محسش إني ضعيف، و إني فعلاً حبيتك، حبيت كل تفصيلة فيكي، ضحكتك عيونك شعرك، دمك الخفيف و روحك الحلوة، جنانك وعصبيتك، تمرُدك و وقوفك قدامي و أنتِ بتدافعي عن نفسك، بحبك جداً يا حبيبتي!!!
عيناها اللامعة ببريق عاشق، تنظر له بعدم أستيعاب، فأثر كلماتها على قلبها وروحها ووجدانها كان كبيراً، وقفت على أطراف أصباعها لتحاوط وجهه بأصابعها النحيلة، ثم وبرقة شديدة أطبقت بشفتيها على شفتيه، تُقبله بحنان مغمضة عيناها، صُدم "مازن" مما فعلته، ليبادلها قبلتها بشوق، يضُمها له أكثر، ولكن صوت "يزيد" قطع لحظاتهم الرومانسية تلك عندما قال بغضب ناري:
- ديـــدا!!!!
أنتفضت "فريدة" مبتعدة عنه لتزيل أثار قبلته من فوق شفتيها قائلة بصوت مهزوز و أنفاس عالية:
- يزيد!!!!
أغمض "مازن" عيناه وفكه ينبض من شدة الغضب، لازال يعطيهم ظهره العريض ليخرج إحدى سجائره من جيب بنطاله ثم أشعلها يحاول تنفيث غضبه بها، لتذهب "فريدة" نحو أخيها ذو القامة القصيرة لتنحني نحوه قائلة بإبتسامة متوترة:
- عايز حاجة يا حبيبي؟!!!
كتف ذراعيه بغضب قائلاً و هو ينظر لها بغيظ:
- عايز أنام جنبك النهايدة (النهاردة)!!!!
قاومت ضحكة كادت أن تفلت منها وهي تجزم أنها ستشم الأن رائحة أحتراق "مازن" وليست السيجارة التي بيده، وبالفعل ألتفت الأخير بصدمة، لتتحول عيناه إلى أخرى حادة وهو يهتف بـ "يزيد" بغضب:
- نام في أوضتك يا يزيد!!!!
تشبث الصغير بأقدام "فريدة" قائلاً وهو يخرج لسانه له:
- لاء هنام جنب ديدا وأنت هتنام برا يا عمو مازن!!!!
لم تستطيع "فريدة" مقاومة ضحكاتها، فـ نظر لها "مازن" بحدة لتضع كفها على فمها سريعاً تمنع ضحكاتها البلهاء، ليهتف الأخير بنبرة مُغتاظة:
- فريدة هتنام جنبي أنا يا أستاذ يزيد، عشان هي مراتي، وأنت هتنام في أوضتك زي الشاطر!!!!
تركهم "يزيد" بكبرياء ليتحرك نحو فراشهم ثم صعد فوقه ليجلس ثم فتح ذراعيه الصغيرة لآخرها قائلاً إلى "فريدة" بإبتسامة بريئة:
- تعالي يا ديدا نامي في حُضني!!!!
- نعم يا روح أمك!!!!
هتف بها "مازن" غاضباً لتسرع "فريدة" واضعة كفها على فمه قائلة وهي على مشارف الضحك:
- أسكت يا مازن دة طفل!!!
أبعد كفها قائلاً بعصبية:
- طفل مين دة أنتِ اللي طفلة جنبه يا هانم مش شايفة قاصد يغيظني أزاي!!!
نظرت له بدهشة قائلة:
- يا حبيبي هو ميقصدش!!!
أبعدها "مازن" ليتجه نحو "يزيد" الذي سرعان ما أختبأ أسفل الغطاء عندما شعر بالخطر قادم له، ليبعد "مازن" الغطاء ثم حمله ذاهباً لغرفته، بكى "يزيد" صارخاً به:
- أنا عايز أنام جنب ديدا!!!
ركضت "فريدة" نحوه قائلة برجاء:
- سيبه يا مازن عشان خاطري!!!
نظر لها "مازن" ببرود، ثم قال بتحذير:
- والله؟!!!
نظرت له بحنان لتأخذ منه "يزيد" قائلة بهدوء:
- يا حبيبي أهدى بس، هو هينام النهاردة جنبنا بس بكرة هينام في أوضته صح يا يزيد؟!!!
حاوط عنقها بذراعيه قائلاً:
- لاء هنام جنبك كل يوم وتحكيلي حدوته!!!
نظر لها "مازن" بجمود، لتضرب جبينها بكفها فـ من ناحية أخيها الصغير ومن ناحية أخرى زوجها، لتقول بطفولية وهي تحاوط خصر "مازن" مستندة برأسها فوق صدره:
- أنا حاسة أن عندي طفلين في البيت!!!!
أبتسم ليحاوطها بذراعه وهو ينظر إلى "يزيد" بإنتصار، ليرمقه الصغير بنظرات غاضبة، و أنتهى بهم الأمر بـ "مازن" الذي حاوط "فريدة" التي عانقته مع "يزيد" نائمين على الفراش بسلام!!!
• • ••
جالس على مقعده الجلدي أمام مكتبه بالشركة، منكباً على أوراق صفقة جديدة يدرُسها، طُرِق الباب، لتدلف مساعدته قائلة بتهذيب:
- جواد بيه، الظرف دة وصل لحضرتك من شوية!!!
رفع عيناه الجذابة لها قائلاً:
- من مين؟!!!
نكست رأسها خجلاً فـ مجرد النظر لعيناه يجعل كيانها بأكمله يتبعثر، لتردف بنبرة مهتزة:
- مش عارفة يا فندم، واحد من الـ security هو اللي جابه..!!!
- تمام!!!
هتف بصوته الرجولي، لتلتفت هي لتخرج من المكتب، واضعة يدها على قلبها تحاول تهدأته، بينما هو مدّ يده ليفتحه، وليته لم يفعل، فـ قد كان يحتوي على صور لشقيقته ترتدي ملابس أقل ما يُقال عنها لا تناسب سوى الساقطات، أتسعت عيناه بعدم تصديق لينهض من فوق الكرسي بعصبية فأرتد المقعد للخلف مرتطماً بالحائط، أخذ يُقلب في الصور مصعوق، ليضعها مجدداً في الظرف ثم خرج من مكتبه مسرعاً في خطواته وملامحه لا تدل سوى على جحيم قادم، نظرت له "لينا" المساعدة بقلق، ليخفق قلبها بشدة خوفاً عليه!!!!
ترجل من المصعد ليذهب نحو أحد أفراد الأمن ممسكاً به من تلابيبه صارخاً به بصوتٍ هزّ أرجاء الشركة:
- مين ابن الـ ****** اللي خدت منه الظرف دة، رُد يا حيلة أمك!!!
أنتفض الأخير رعباً، وهو يقول:
- والله يا بيه معرفهوش هو أداني الظرف ومشي ومقالش اسمه!!!!
تركه "جواد" ليتجاوزه مبتعداً متحهاً لسيارته، ثم أخرج هاتفه ليهاتف "لينا" بعصبية شديدة:
- لينا أدخلي مكتبي دلوقتي و شوفي كاميرة المراقبة اللي موجودة في مدخل الشركة، و أعرفيلي مين الـ *** اللي بعت الظرف دة، فــاهمة!!!!
- حاضر حاضر!!!
هتفت برعب ليغلق بوجهها، ثم أنطلق بسيارته ينافس الرياح في سرعته، يشعر بلكمة قاسية وُجِهت لقلبه، و طعنات متتالية مزقت روحه، و الأسوأ أنها تأتي من أقرب الناس له!!!!
• • • •
سار في بهو الشقة لتقابله والدته التي أرتعبت من حالته المريبة، لم ينظر لها حتى ليصعد إلى الدرج ثم أتجه لغرفتها، فتح الباب ليجدها مستلقية على الفراش في ثُبات عميق، دنى لها ليجذب خصلاتها بقبضة فولاذية، صرخت "ياسمين" بخضة وهي ترى أخيها يسحبها من خصلاتها على الأرض و ينزل بها الدرج غير عابئاً بمنحنيات الدرج التي ترتطم بأجزاء متفرقة من جسدها، دفعها من يده بعد أن أنهى سلالم الدرج، لتسقط في بهو القصر، لطمت "إيناس" على وجنتيها بعدم تصديق لما يفعله أبنها، حاولت مناجاة صغيرتها ولكنه صرخ بصوته الجهوري:
- سيبيها يا أمي متلمسيهاش!!!!
بكت "ياسمين" بشدة و جسدها بأكمله يرتجف، اقترب منها وهو يشمر قميصه الأسود، ثم أنحنى نحوها ليخرج الظرف من جيبه، أخذ الصور منه منه ثم ألقاهم عليها هادراً بإستحقار:
- بقا الوساخة دي تطلع منك إنتِ، تطلع من أختي اللي مربيها بنفسي و عارف أخلاقها، دي لو واحدة جاية من الشارع مش هتبقى رخيصة كدا!!!
صُدمت "ياسمين" من الصور ومن كلماته التي كانت كالسهام السامة تغرز بقلبها، بينما أنحنت الأم لترى الصور بعينان جاحظتان، لتجلس على المقعد تبكي بصمت، لا تصدق ما تراه بعيناها!!!!
أنهالت الصفعات على "ياسمين" من قِبله لترُج صرخاتها المتألمة القصر!!!
أستفاقت "ملك" من نومها، لتفرك عيناها بنعاس، ولكن صوته الذي زلزل القصر وصرخات "ياسمين" المستنجدة جعلتها تقفز من فوق الفراش لتخرج من الغرفة ثم نزلت من فوق الدرج صارخة بإرتعاب من حالة زوجها الهيستيرية:
- في أيـــه!!! جــواد!!!!
ذهبت نحوه ثم وقفت أمامه تحاول إبعاده عن تلك المسكينة ولكنه كان كالثور الهائج لم يراها بالأساس، لتجلس "ملك" جوارها تحتضنها بقوة لتُحميها من بطشه، قائلة ببكاء:
- لو هتضربها أضربني معاها!!!
صرخ بها "جواد":
- أطلعي فوق يا ملك!!!!
هزت راسها نفياً تشدد على "ياسمين" التي خبئت نفسها بأحضانها تنظر لها برجاء ألا تتركها، أمسك جواد ذراع "ملك" ليسحبها بقوة بعيداً عن "ياسمين" ولكنه لم ينتبه أنه شدد على ذراعها حتى شعرت ملك بأنه سيتحطم بيداه، ورغم الألم الذي شعرت به لم تترك "ياسمين" التي تشبثت بها، فـ صرخ "جواد" بقوة ليضرب بقدمه إحدى المقاعد هادراً بزوجته:
- أنا بقول أطلعي فوق، حالاً!!!
لم تهتز "ملك" لتصرخ به أيضاً:
- أنت أتجننت!!!، عايزني أطلع واسيبك تموتها!!! أنت فاكر أن كل حاجة لازم تمشي هنا بأمرك، عايزنا نشوف الغلط ونسكت عليه!!!
ساد الصمت، ولم يُسمع سوى صوت بكاء "ياسمين" و صوت أنفاسه العالية، وكأنه على وشك أن ينقض على فريسته ويوسعها ضرباً، اقترب منهم لينحني ممسكاً بخصلات شقيقته يشدد عليهم فحاولت "ملك" أن تبعده ولكن لم تستطيع، ليردف هو بتحذير:
- أوعي تفتكري أنها هترحمك مني، أنتِ متعرفيش انا هعمل فيكي أيه لسة!!!
نظرت له "ياسمين" بإنكسار ذبحه، لتبتعد عن "ملك" المصدومة قائلة بخفوت وصوت مشنج متقطع:
- سيبيني.. سيبيني يا ملك أنا أستاهل اللي هيحصلي!!!
نظرت لها "ملك" بشفقة، لتوجه نظرات نارية إلى "جواد" قائلة:
- سيبها يا جواد!!! لو هتعاقبها يبقى عاقبني أنا كمان، عشان أنا كنت عارفة و مقولتلكش!!!!
↚
وكأن الصدمات قاصدة إياه وحده، شعر بالصقيع داخله وكأن هُناك من ألقى بـ دلواً بارد عليه، ليبتعد "عن ياسمين" التي شهقت بصدمة وهي ترى غضب أخيها الذي سيودي بالجميع، تراجع "جواد" خطوتان بعيداً عنهم، فـ حتى "ملك" خانت ثقته بها، حتى هي جعلته أحمق أمام نفسه، أنتفضت "ملك" تقترب منه و قد هزّها تلك النظرة التي بعيناه، وكأنه يقول لها: حتى أنتِ!!!!
حاوطت وجهه بكفيها قائلة بتوسل:
- أسمعني يا جواد عشان خاطري، أديني فُرصة أشرحلك اللي حصل!!!!
أبعد يداها، ثم نظر لها ببرود ثلجي، ليُبعدها من طريقه متجهاً إلى "ياسمين" المنبطحة أرضاً، ليمسكها من ذراعيها ثم سار بها لأعلى، صرخت "ملك" برعب لتركض خلفه ولكنه دفعها بعيداً فسقطت على الأرض، دلف "جواد" لغؤفة "ياسمين" المستسلمة بيداه، ليغلق الباب بالمفتاح، وقفت الأخيرة خلف الباب تطرقه وهي تبكي صارخه بهذا الذي من المُحال أن يكون نفس الشخص الذي عشقته هي:
- جواد أفتح الباب، سيبها والنبي يا جواد حرام عليك، جـواد!!!!
لم يجيبها سوى صوت صرخات "ياسمين" و صوت حزامه و هو يسقط على جسد المسكينة، وكأنه يجلدها هي، لتتوالى الذكريات أمام عينان "ملك" عندما كانت هي في نفس موضع "ياسمين" و أبيها ينهال عليها ضرباً بالحزام لمجرد أنها تدافع هي و أخوتها عن أمها من ضربه لها، كان ينهال عليهم بأكملهم جلداً حتى تنزف أجسادهم، لم تتحمل "ملك" الوضع، فـ صوت صرخات "ياسمين" يُذكرها بصرخاتها، أنهارت "ملك" صارخة بقوة وكأنها هي من تُضرب ليغشي عليها فـ أرتطم جسدها بقوة في الأرض!!!!!
أفاقت "إيناس" التي كانت شاحبة كالأموات تنظر أمامها على صوت الصرخات التي ملئ القصر، سرعان ما استوعبت ما يحدث لتصعد لربما تنقذ أبنتها من ولدُها، ولكنها وجدت "ملك" مرتمية على الأرض، لتصرخ بفزع ضاربة الباب بقوة صارخة بـ "جواد":
- ألحق مراتك يا جواد!!!!
توقفت يداه الممسكة بالحزام عن ضرب "ياسمين" التي شبه فاقدة للوعي، ليلقي به أرضاً ثم فتح الباب فوجد "ملك" على الأرض ووجها شاحب، وشفتيها زرقاوتين كأنها تختنق، ذهبت "ايناس" لأبنتها لتصرخ بفزع عندما رأتها بتلك الحالة، جلس "جواد" جوارها سريعاً ثم امسك بوجهها البارد ليفتح فمها، ثم وضع شفتيه أمام شفتيها ليُنفخ داخله، عدة مرات لكي تستعيد أنفاسها، وبالفعل سعلت "ملك" وهي تشهق بقوة لتأخذ اكبر قدر من الأكسجين، أغمض "جواد" عيناه يحمد ربه، ليرفع رأسها له يضمها لصدره دون أن ينبث ببنت شفة، فـ هو كان على وشك فقدانها للأبد!!!فتحت عيناها لتستوعب ما حدث، أبتعدت عنه لتنظر له بخذلان، وكأنها ترى أبيها به، هو الذي كان تهرب من الجميع وتختبأ بأحضانه، كان مصدر أمانها من بطش أبيها، أصبح هو مصدر رُعبها، نهضت دون أن تتحدث معه ثم دلفت إلى غرفة "ياسمين" صرخت بجزع عندما رأت جسدها ينزف، وأمها جوارها تبكي، وضعت كفيها على فمها تمنع بكاءها، لتردف قائلة وهي تجلس حوارها تربت على خصلاتها بحنان:
- ياسمين!!! متخافيش يا حبيبتي أنا جنبك!!!
نظرت لها "إيناس" قائلة ببكاء:
- بنتي بتضيع مني يا ملك!!!
أسرعت "ملك" قائلة لتطمأنها:
- متخافيش يا طنط هتبقى كويسة!!!
دلفت للمرحاض لتأخذ صندوق الأسعافات الاولية، ثم أتجهت للباب ولم تجد "جواد"، لتصفع الباب بشدة غاضبه منه، ثم عادت لهم لتعاونها "ايناس" في تبديل ملابسها الملطخة بالدماء، عقمت "ملك" جروحها التي كانت شبه غائرة، ثم لفت ما أستطاعت بالشاش الأبيض، ليجعلوها ترتدي منامة ثقيلة، دثروها جيداً بعد أن نامت، لتجلس "إيناس" جوارها قائلة بصوتٍ مكسور:
- ليه تعملي فينا كدا يا ياسمين!!! دة أنا ولا كأني ربيت خالص!!!! ليه يا بنتي توجعي قلوبنا كدا!!!
حاولت "ملك" مواساتها وهي تربت عليها:
- ياسمين كانت محتاجة حنان وحب، و للأسف جواد مقدرش يعمل دة، بيعاملها ببرود طول الوقت، و انا عارفة ان ياسمين متعودة على الأهتمام دايماً من باباها ولما فقدته بالشكل المفاجئ دة عملت اللي هي عملته، بس والله انا خبيت على جواد عشان ميعملش اللي هو عمله دة، حتى أنها قطعت كل طُرق التواصل بينها وبين الزفت دة، بس للأسف الكدب مالوش رجلين!!!
تنهدت "ايناس" ودموعها تنهمر على وجنتيها، تردف بحنو:
- مش عارفة كنا هنعمل أيه من غيرك يا ملك، لولا أنك اتدخلتي ومنعتيها كان الله اعلم ايه اللي هيحصل، متشكرة يابنتي، جميلك دة مش هعرف اردهولك أبداً!!!!
أسبلت عيناها بحُزن قائلة:
- جِميل أيه بس يا طنط دي أختي، أنا بس مصدومة من اللي جواد عمله، هو حتى مسمعهاش، مسمعنيش انا ع الاقل، انا حاسة انه مش هو دة اللي انا حبيته واتجوزته!!!!
- هو جواد طول عُمره كدا، لما بيغضب بيتحول لشخص تاني، انا نفسي بحس إني معرفهوش!!!
تنهدت "ملك" بضيق، لتطلب منها "إيناس" الذهاب لغرفتها للأرتياح فذلك اليوم كان شاق عليهم جميعاً، رفضت "ملك" قائلة:
- لاء يا طنط أنا هقعد معاكي لحد م أطمن على ياسمين، أنا أصلاً مش عايزة اشوفه..!!
هتفت "إيناس" قائلة:
- لاء يا حبيبتي روحي أرتاحي ومتقلقيش عليها، و ألتمسيله العُذر يا ملك، أي حد في مكانه كان هيعمل كدا!!!
هتفت بعصبية طفيفة:
- عُذر أيه بس دة كان هيموت اخته!!!
- بعد الشر يارب مشوفش فيكم أي حاجة وحشة، انا عارفة جواد مستحيل يوصل للدرجة دي، وانا عارفة أنه دلوقتي عايز ييجي يطمن عليها بس مش قادر، متزوديهاش عليه يا ملك يابنتي، يلا يا حبيبتي روحي أرتاحي!!!
نهضت "ملك" بعدم أقتناع بما قالته، ثم ذهبت لغرفتها، وجدته جالس على إحدى المقاعد واضعاً رأسه بكفيه، تجاهلته تماماً لتذهب إلى فراشها، متدثرة اسفل الغطاء، ولكنها سمعته يقول بصوتٍ لمس قلبها:
- مش كُنتي عايزاني اسمعك، أنا سامعك!!!
نهضت جالسة، تقول ببرود:
- بجد؟!! دلوقتي حضرتك اتكرمت عليا وعايزني احكيلك اللي حصل!!! بعد أيه!!! أنت مستحيل تكون جواد اللي أنا حبيته!!!
نظر لها بعيناه الخضراوتان، لتنهض واقفة أمامه قائلة بعينان تبرقان من الدموع:
- جواد الي كنت بترمي في حُضنه و انا صغيرة عشان خايفة من بابا، جواد اللي كان دايماً حنين عليا و عُمره مـ أذاني، مستحيل تكون انت نفس الشخص!!!!
النهاردة فكرتني بـ بابا لما كان يحبسني و يضربني بالحزام وانا لسة طفلة صغيرة، عارف ليه؟!، عشان دايماً كان بيضرب ماما، و كل اخواتي كانوا يقفوا في وشه، وكان يحبسنا كلنا وينزل فينا ضرب معادا ظافر، عشان ظافر كان بيعمله مصالحه، و ظافر هو اللي كان بيخرجنا من الاوضة دي، كان بيشيلني من تحت إيده و أنا غرقانة في دمي، كنت بصرخ نفس صراخ ياسمين، حاسة إني شايفة بابا قدامي، مش جواد، بابا اللي إيده متلطخة بالدم، بقيت زيُه بالظبط!!!!!
انهارت باكية فأسرع نحوها "جواد" يضمها لأحضانه، يُقبل خصلاتها قائلاً بحنان:
- أهدي يا حبيبتي، ششش أهدي!!!!
أبعدته عنها قائلة وهي تحاوط جسدها بذراعيها:
- ملكش دعوة بيا، سيبني!!!!
هدر "جواد" بألم نبع من صوته:
- أنتِ متعرفيش انا حسيت بأيه لما شوفت الصور دي، كأن حد ضربني بالقلم، وأنا شايف أختي متصورة صور قذرة بلبس زبالة وجيالي على مكتبي، عايزاني أعمل أيه يعني، اجي اطبطب عليها و اقولها متعمليش كدا تاني، ملك انتِ مجربتيش قبل كدا أحساس الطعنة من أقرب حد ليكي، و في الأخر جاية تقوليلي إني شبه أبوكي، بتقارنيني بواحد معندوش ضمير ولا قلب عشان يعمل كدا في أطفال، أنا اللي عملته دة ردة فعل للي هي عملته، و أنتِ غصب عنك دلوقتي هتقومي وهتقوليلي ايه اللي حصل بالظبط!!!!
صوته المتألم و نبرته المجروحه جعلتها تقترب منه لتحاوط خصره تحاول أن تهدأ من روعه، سمعت هدير أنفاسه لتحاوط لتربت على ظهره بيداها الرقيقتان، تمنع بكائها على حالته، قائلة برفق:
- طيب ممكن ترتاح دلوقتي وبكرة نتكلم!!!
حاوط خصرها قائلاً وهو يدفن أنفه بعنقها، وبصوت لخّص ألمه:
- أنا مش مكتوبلي الراحة أبداً!!!
ابتعدت عنه لتكوّب وجهه قائلة بصوتٍ على مشارف البكاء:
- متقولش كدا يا جواد عشان خاطري.. تعالى يا حبيبي!!!
أخذته من يده وجعلته يستلقى على الفراش، ثم نزعت عنه حذاءه، وحررت بعض ازرار قميصه لكي يستطيع ان يتنفس، مالت نحوه لتمسح حبات العرق من فوق جبينه، فـ أمسك بيداها قائلاً و هو مغمض العينان :
- ملك!!!
اسرعت قائلة بحنان:
- أنا جنبك يا حبيبي!!!
أستلقت جواره ثم ضمت رأسه لأحضانها لتدثره جيداً مقبلة خصلاته تعبث بهم حتى غفى، ولكن للأسف لم يزور النوم عيناها خوفاً عليه، وظلت مستيقظة طوال الليل جواره!!!!
• • • •
جلست "رهف" على الأريكة في شقتهما، جوارها العديد من الحلويات المتنوعة، وبيدها قطعة كبيرة الحجم من الشيكولاتة، تشاهد إحدى الأفلام الأجنبية الكوميدية لتنفجر بالضحك تصفق بكفيها، سمعت صوت "باسل" خلفها يقول بخوف زائف:
- والله أنا خايف تقومي تاكليني!!!!
نظرت له "رهف" و فمها ملطخ بالشيكولاتة تقول وهي تشير للفيلم:
- الفيلم دة حلو اوي يا بسلة تعالى أتفرج معايا!!!!
نظر لمظهرها المضحك ليضرب كفاً بآخر ثم تحرك نحوها ليجلس جوارها، اخذ قطعة من الحلوى ليلوكها بفمه، فهتفت "رهف" وهي تنظر له بقلق:
- باسل انا بؤي متلحوس صح؟!!!
نظر لفمها قائلاً وهو يحاول منع ضحكاته:
- دة متلحوس بشكل!!!!
هتفت مسرعة وهي تشير جواره:
- طب هات منديل من جنبك اللهي تنستر!!!!
أبتسم بخبث ليقترب منها اكثر قائلاً بمكر:
- و ليه منديل يا حبيبتي مـ انا موجود!!!
قطبت حاجبيها بعدم فهم فـ قرّب ثغره من شفتيها التي تحولت للون البني، لتتراجع عنه بخجل نظرت "رهف" له وقد تخضبت وجنتيها خجلاً لتأكل الشيكولاته مجدداً تحاول ألا تلتفت لنظراته،قهقه عليها ثم أحاطها "باسل" بذراعيه من كتفيها طابعاً قبلة حنونة على جبينها، ليردف قائلاً:
- رهف هو مش المفروض الست الحامل بتتوحم على أكل، بس أنتِ متطلبتيش مني أجيبلك حاجة لحد دلوقتي، أطلبي يا حبيبتي انا مش بخيل والله!!!
أبتلعت غصة بحلقها لتردف قائلة بصوتٍ خافت:
- الوحم بيبقى في أول شهور الحمل، اللي أنا قضيتهم لوحدي!!!!
أغمض عيناه يقاوم الألم الذي شعر به في قلبه فور سماع كلماتها، ليعود يفتح عيناه مجدداً ليضمها له أكثر بكلتا ذراعيه هذه المرة، ثم هتف بنبرة حاول أن يجعلها طبيبعية حتى لا تحزن:
- طيب مش نفسك في أي حاجة عايزة تاكليها، قولي اي حاجة هتلاقيها عندك!!!
سرعان ما نست حُزنها لتردف بحماس قائلة:
- عايزة كشري بالكبدة!!!!
قطب حاجبيه بإستغراب قائلاً:
- ايه كشري بالكبدة دة أول مرة اسمع عنه!!!
نظرت له بلؤم قائلة:
- دة معروف أوي!!!
نهض قائلاً وهو يرتدي الچاكيت الثقيل الخاص به:
- تمام هنزل أجيبهولك!!!!
أبتسمت بخبث محبب قائلة:
- بس الساعة 12 يا حبيبي مش هتلاقي محلات فاتحة!!!
هتف بجدية:
- لاء هلاقي ان شاء الله!!!
وبالفعل غادر الشقة بعد ان اخذ مفاتيح سيارته، لتصفق "رهف" تهتف بتوعد:
- والله يا باسل لـ هوريك النجوم في عز الضهر أصبر عليا بس!!!
عاد "باسل"بعد نصف ساعة حاملاً أكياس بيداه، فـ نهضت "رهف" قائلة بإبتسامة:
- جبت الحواوشي يا حبيبي!!!
نظر لها بصدمة قائلاً:
1. - حواوشي!!! أنتِ مش قولتي عايزة كشري بالكبدة، دة انا لفيت محلات الكشري كلها عشان اجيبهولك!!!
قطبت حاجبيها بإستغراب قائلة:
- أنا قولت كشري بالكبدة؟!! انا أصلاً مش بحب الكشري يا باسل!!!
زمت شفتيها بحزن قائلة:
- أنا عايزة حواوشي!!!
هتف بعد أن قبل ارنبة انفها:
- حاضر يا حبيبتي!!!
غادر مرة أخرى ليعود بعد ربع ساعة بأكياس تفوح منها رائحة شهية للغاية، لتصفق "رهف" بحماس ثم أخذت منه الأكياس، أخرجت شطيرة من الحواوشي ثم همت باكلها، ولكنها عند أول قضمة منها نهضت مسرعة وهي تهوي بيداها امام فمها قائلة بغضب:
- أيه دة يا باسل بيحرق أوي، انت متعرفش ان الفلفل غلط عليا!!!!
توسعت عيناه قائلاً ببراءة:
- بس أنا خليته ميحُطش فيه فلفل خالص!!!
أخذ منها الشطيرة وقضمها، ليجدها تخلو تماماً من اي مذاق حار، ليهتف قائلاً:
- مش بيحرق خالص يا رهف!!!
كتفت ذراعيها أمام صدرها قائلة بحزن:
- يعني أنا بكدب يعني، بقولك بيحرق!!!
أبتسم ليضمها لصدره قائلاً بصبر:
- طب خلاص متاكليش منه يا حبيبتي، عايزة أيه اجيبهولك طيب؟!!!
نظرت له بضيق قائلة:
- خلاص نفسي أتسدت!!!
أبتسم "باسل" ليُقبل ثغرها قبلة سريعة قائلاً:
- لاء أفتحيها تاني وقوليلي عايزة تاكلي أيه.!!!
أبتسمت "رهف" لطريقته معها لتحتضنه من خصره قائلة بمكر:
- طيب عايزة مانجا، نفسي فيها أوي!!!
- مانجا في الشتا!!!
هتف مصدوماً، لتومأ برأسها له ببراءة، نهض مجدداً قائلاً:
- عنيا يا حبيبتي!!!
نظرت له بعشقٍ تراقب مغادرته للشقة، لتنهض متجهة نحو النافذة، فتحتها لتراه ولكنها فوجئت بهواء شديد البرودة يعصف بها، لتشهق بصدمة فهي جعلته يذهب للمرة الثالثة في تلك البرودة القارسة، رأته يغادر بالسيارة لتبحث عن هاتفها لكي تهاتفه حتى يعود، ولكنها وجدت هاتفه على الأريكة، لمعت عيناها بالدموع تلعن غباءها، لتقف أمام الباب تنتظر دخوله لها، مرت عليها الدقائق كالسنوات حتى بكت بحُرقة فـ هي هُنا دافئة في بيتها وهو بالخارج يجلب لها ما تريده، جلست على المقعد ولازالت تبكي، سمعت الباب يفتح فوجدته يدخل حاملاً الأكياس بيداه، وفور أن رآها تبكي وقع قلبه أرضاً قائلاً بقلق شديد:
- في أيه يا حبيبتي بتعيطي ليه!!!!
ركضت نحوه "رهف" لتغلق الباب سريعاً ثم تفقدت حرارة جسده بيديها فوجدته بارد للغاية، وقفت على أطراف قدميها لتحتضنه محاوطة عنقه قائلة ببكاء وهي تربت على ظهره لعله يدفء:
- حبيبي أنا أسفة نزلت 3 مرات في الجو دة، باسل والله أنا مكنتش أعرف أن الجو برد كدا!!!
أبتسم على براءتها ليحاوط خصرها مقبلاً عنقها يهتف بحنان:
- بس يا عبيطة و أيه المشكلة يعني هو أنا عندي كام رهف!!!!
أبتعدت عنه بتنظر له بندم، ثم أنفجرت في البكاء مسترسلة مرتمية في أحضانه مجدداً:
- والله يا باسل أنا بحبك أوي!!!!
ضحك "باسل" على بكاءها في كل الأوقات ليهتف بدفئ:
- و انا بموت فيكي بس كفاية عياط بقا!!
ابتعدت عنه مجدداً قائلة وهي تضع كفيها على وجهه:
- يعني أنت مش بردان!!!
كاد أن ينفي حديثها ولكنها هتفت مسرعة:
- لاء وشك متلج أهو!!!!
قلَب عيناه مبتسماً ثم أمسك بكفها يُقبله قائلاً:
- تعالي يا رهف ربنا يهديكي!!!
أخذها ليجلسها على الأريكة ثم أخذ المانجا ليغسلها جيداً، ليعود لها بطبق ممتلئ قائلاً:
- يلا كُلي بالهنا والشفا، بس متكتريش فيها عشان كُترها غلط!!!
أومأت بإبتسامة قائلة:
- طب وأنت مش هتاكل؟!!!
جلس جوارها قائلاً بهدوء:
- لاء يا حبيبتي انا مش جعان بالهنا والشفا ليكي!!!
أومأت لتبدأ بأكل المانجا بشراهة، ليتأملها "باسل" بعشق، أنهت حباتان ثم نهضت لكي تغسل يديها وفمها، لتعود له مجدداً فاركة عيناها كالأطفال قائلة:
- أنا نعست يا باسل!!!!
نهض ليقترب منها ثم أنحنى نحوها ليحملها بخفة بين ذراعيه، شهقت "رهف" بتفاجأ قائلة:
- باسل نزلني أنا بقيت تقيلة مش زي الأول!!!
هتف "باسل" بهدوء قائلاً:
- فين التُقل دة، أنا حاسس إني شايل ريشة!!!!
أبتسمت "رهف" محاوطة عنقه قائلة:
- بجد؟!!!
أومأ لها قائلاً:
- اه والله!!!
وضعها على الفراش برفق كالماسة يخاف أن تنكسر، ثم دثرها بالغطاء ليستلقي جوارها، مدّ يده أسفل رأسها ليضمها له مقبلاً عيناها المغمضة ليغمض هو الأخر عيناه!!!
( يارب واحد زي باسل كدا!❤)
• • ••
دلف "ريان" إلى الشركة التي كان يعمل بها سابقاً مع "ظافر" ليتجه لمكتبه، ثم دلف له دون أستئذان لينظر الأخير إلى الوقح الذي دلف لمكتبه بتلك الطريقة، لم يرمش له جفن عندما وجده، ليقترب "ريان" من مكتبه ضارباً بكفه عليه قائلاً:
- خلي مراتك تبعد عن مراتي و ابني يا ظافر، عشان اللي هيمس شعرة بس منهم هخليه يتمنى الموت وميطولوش، أياً كان مين!!!!!
نظر له "ظافر" ببرود قائلاً:
- ايه الهبل دة، ملاذ مالها ومال مراتك و أبنك!!!
أستشاط غضباً ليردف بإستحقار:
- مراتك بعتالي عيل ابن **** عشان يخطف أبني، والظاهر انك نايم على ودانك متعرفش حاجة!!!!
نهض "ظافر" هادراً بنبرته الجهورية:
- ريــان!!! متقولش كلام هتندم عليه بعدين!!!!
أقترب منه "ريان" حتى وقفا وجهاً لوجه، ليسترسل "ريان" بجمود:
- الندم الحقيقي انتوا لسة هتشوفوه، و الواد الـ**** هجيبه وصدقني مش هيطلع عليه نهار!!!
• • • •
دلف لشقتهم بالمعادي، ليصفع الباب غضباً، ثم نزع عنه سِترته، بحث عنها بعيناه فأستمع لصوتها بالمطبخ، أتجه نحوها ليجدها تقف أمام المشعل واضعة سماعات الأذن
تدندن بكلمات أغنية أجنبية، نزع "ظافر" السماعة فـ شهقت بخضة قائلة وهي تضع يدها على قلبها:
- يا ظافر خضتني!!!!
نظرت لملامحه الجامدة بعض الشئ، فقطبت حاجبيها قائلة بقلق وهي تضع يدها على كتفه:
- في حاجة ياحبيبي؟!!!
أطفأ على الطعام الموضوع على الموقد، ثم أخذها من يدها بلُطف ليجلسها على الأريكة، جلس على مقعد أمامها لتردف هي بتوجس:
- في أيه؟!!!
قصّ لها ما حدث بهدوء تام، فهو متيقناً أنها لن تفعل شئ كهذا، ولكنه فقط يريد أن يفهم من الذي أستخدم أسمها في شئ وضيع كهذا!!!
صُدمت "ملاذ" من الأمر برمته، لتستعيد حديث "براءة" في ذهنها، لتلتفت إلى "ظافر" قائلة بعينان دامعتان:
- براءة، براءة هي اللي عملت معايا كدا، بعتت واحد لبيته عشان يخطف أبنه ويقول أن انا السبب!!!
توسعت عيناه "بعدم تصديق لحقارة شقيقتها، لتُكمل وهي تنفجر في البكاء:
- تخيل أختي تعمل فيا كدا!!، كل مرة بتتفنن في تعذيبي اكتر!!!
نهض ليجلس جوارها، جذبها لصدره يُهدأها، فتشبثت هي بقميصه قائلة بحُزن:
- أنا بقيت بكرهها أوي يا ظافر!!! مش طايقة أسمع سيرتها والله!!!
قبّل خصلاتها بحنو، فـ حاوطت خصرها لترفع عيناها له، ثم هتفت:
- طيب قول لريان على الحقيقة، عشان ميفتكرش أن انا اللي عملت كدا!!!
لم تنتبه لعيناه التي أظلمت فجأة، فـ هو حتى بمجرد ذكر أسمه من بين شفتيها يجعله كالنيران المشتعلة، حاول تهدأة نفسه حتى لا يُخيفها، ثم هتف بهدوء:
- مش فارق معايا أبررله حاجة أساساً، بس أنا هقوله عشان يعرف أن مش مرات ظافر الهلالي اللي تعمل كدا!!!
عانقته أكثر تُغمض عيناها بوهن، مستسلمة ليده التي بدأت تعبث في خصلاتها، لتغفى بأحضانه، حملها "ظافر" ليضعها على الفراش برفق، ثم دثرها جيداً ليخرج من الغرفة، أمسك بهاتفه ليُهاتف "ريان"، وقبل أن ينطق الأخير بكلمة اردف "ظافر" بنبرة نارية:
- اللي بعتلك الواد دة براءة مش مراتي، ابقى أتأكد الأول قبل م تتهم حد أتهامات ****!!!!
↚
ألقى "ريان"بالهاتف على الأرض لتنفصل أجزاءه، ثم جلس على الأريكة قدماه يهتزا من شدة الغضب، لتأتي "هنا" راكضة عندما سمعت صوت تحطيمه لهاتفه، لتردف بقلق:
- في أيه ياريان!!!
هتف الأخير بنزق:
- أطلعي برا يا هنا!!!
رفعت حاجبيها بدهشة لتقترب منه تنحني نحوه لتربت على كتفه قائلة برفق:
- أيه اللي حصل؟!!
أبعد يداها صارخاً بوجهها:
- قولت أطلعي برا!!! مبتفهميش!!!
أرتدت للخلف بصدمة من صراخه، أغرورقت عيناها بالدموع، لتلتفت مغادرة الغرفة لتذهب إلى غرفة "عمر" النائم ثم أستلقت جواره على الفراش الصغير، حاولت كبح دموعها ولكن لم تستطيع، لتبكي بخفوت شديد!!!!
• • • •
نهضت "فريدة" على يدٍ صغيره تحاول إفاقتها، فتحت عيناها نصف فتحة لتنظر إلى "يزيد" قائلة بنعاس:
- نام يا يزيد شوية كمان!!!
صرخت بفزع على صوت "مازن" الذي دلف للغرفة صارخاً به بمرح:
- قومي يا فريدة البيت بيولع!!!!
أنتفضت ناهضة من فوق الفراش لينفجروا بالضحك عليها، نظرت له بضيق قائلة:
- بترُدهالي يعني؟!!
هتف وهو يقاوم ضحكاته، قائلاً:
- احنا بقالنا ساعة عايزين نقومك مش عارفين، بس أنا اللي غلطان عايز أفسحك في باريس شوية بس واضح كدا أنك فقرية!!!!
كادت ان تذهب للمرحاض ولكنها توقفت عندما سمعت ما قاله، لتلتفت نحوه راكضة له صارخة بحماس:
- بــجــد!!! هتوديني فين يا أحلى مازن في الكوكب!!!
ركض نحوه "يزيد" أيضاً ببراءة:
- أيوا هتودينا فين يا عمو مازن!!!!
أبتسم قائلاً:
- هنتعشى في مطعم بيعمل أكل حلو جداً!!! يلا اجهزوا!!!!
صفقت بفرح لتركض نحو المرحاض مردفة بجعلة:
- انا 5 دقايق وهبقى جاهزة، ويزيد مُهمتك أنت تلبسُه!!!
كاد أن يعترض ولكنها صفعت باب المرحاض سريعاً، فـ زفر بضيق زائف ثم سحب "يزيد" من ملابسه قائلاً:
- تعالى يا أخرة صبري!!!
• • • •
وقف "مازن" في بهو الشقة مرتدياً بذلة سوداء الفخامة تُقطر منه، جواره "يزيد" يرتدي أيضاً بذلة صغير، كلاً منهما ينظروا لساعتهم، ليتأفف "مازن" قائلاً:
- يا أخي البنات دول ملهومش حل، قالت 5 دقايق وبقالها ساعة بتلبس!!!
هتف"يزيد" بسأم هو الأخر:
- اه والله ملهومس حل!!!
كاد أن يتحدث ولكن عيناه تعلقت بالباب الذي فُتِح، لينظر لقدميها التي خطت خارج الغرفة مرتدية حذاء ذو كعب عالي باللون الأحمر، صعدت عيناه المندهشة لأعلى، ليجدها ترتدي ثوب أسود طويل يصل للأرض ذو أكمام شفافة منفوخة، وتنتهي بضيق من عند رسغها، يُبرز قوامها الرشيق ضيق من عند الخصر، ممسكة بـ حقيبة سواريه صغير باللون الأحمر، خصلاتها الناعمة اطلقتها للعنان، و جمال ملامحها التي أبرزتها بمستحضرات تجميل خفيفة!!!!
أبتسمت "فريدة" قائلة وهي تفرد ذراعيها:
- ايه رأيكوا؟!!!
حكّ أنفه ليقترب منها محاوطاً خصرها، فـ وصلت لكتفيه فـ رُغم ارتداىها كعب عالي ولكنها لم تصل لطوله، قربّ ثغره من اذنها هامساً:
- تعالي نسرب الواد يزيد وبلاها خروج خالص!!!
توسعت عيناها لتبتعد عنه قائلة بعصبية:
- لاء هنخرج انا بقالى ساعة بحهز نفسي!!!
ركض نحوهم "يزيد" قائلاً بإنبهار:
- الله أنتِ جميلة أوي يا ديدا، شبه الأمييات (الاميرات) اللي بييجوا في الكايتون (الكارتون)!!!
قاطعه "مازن" بنرفزة:
- ما خلاص أنت مـ صدقت!!!!
أطلقت "فريدة" ضحكة انثوية، لتتعلق بذراع "مازن" ممسكة بيد "يزيد" قائلة:
- يلا بقا!!!
نظر "مازن" لـ "يزيد" ليمد يده له قائلاً:
- تعالي أمسك إيدي أنا وسيبها!!!
ضحك "يزيد" ببراءة ليمسك بيده، ذهبوا ليستقلوا السيارة، متجهين لأحد أفخم المطاعم في باريس!!!
• • • •
دلفا للمطعم الذي يطغى عليه الرُقي، ليشير لهم النادل الذي تعلقت عيناه بجمال "فريدة" إلى إحدى الطاولات، حاول "مازن" التحكم في أعصابه ليلتفت حوله فوجد المطعم ليس مزدحماً بكثير من الناس، حمد ربه ثم جلسوا على الطاولة، فجلست "فريدة" أمامه، طلبوا الطعام ليبدأوا بالأكل، ولم تُخفي عن أنظار "مازن" نظرات النادل، ليوجهه له نظرة وكأنه يقول: سأقتلع عيناكَ إن جاءت عليها مرة أخرى!!!
وسريعاً أنزل النادل عيناه ليذهب من أمامهم رعباً منه!!!
تأمل "مازن" طريقة "فريدة" بالأكل، لم يستطيع إزاحة عيناه عنها لشدة جمالها، فـ رفعت عيناها به قائلة:
- مش هتاكل؟!!!
اسند وجهه على ذقنه، اشار لها لتقترب، ف أقتربت بوجهه ليهمس هو قائلاً بخبث وهو يغمز لها:
- أنا مستني لما أروح البيت عشان أكلك، أصلي مبحبش النواشف دي!!!!
جحظت عيناها من وقاحته لتضربه على كتفه قائلة بهمس:
- في احلامك يا مازن!!!، قلة الأدب بتاعتك دي متنفعش و يزيد موجود!!!
أمسك بكفها ليُقبله قائلاً بمكر:
- يزيد هينام يا حبيبتي، و محدش هيرحمك مني، وساعتها هتشوفي قلة الأدب على أصولها!!!!
عادت للخلف لتنظر لـ "يزيد" فوجدته يأكل ولا يهتم بهم، ولكنه سرعان ما رفع رأسه إلى "فريدة" ليردف ببراءة:
- ديدا أكليني أنتِ!!!
نظر "مازن" له قائلاً بدهشة:
- وتأكلك ليه م أنت بتعرف تاكل!!!
نفى برأسه قائلاً بمكر طفولي:
- لاء مس بعرف!!!
أمسكه من تلابيبه قائلاً بعصبية ولكن صوته خافت:
- وحياة أمك أومال مين اللي كان حاطط وشه في الطبق دلوقتي وبياكل!!!
أبعدت "فريدة" أخيها عن زوجها المجنون قائلة بضيق:
- أنتوا مش هتبطلوا خناق بقا!! تعالى يا يزيد هأكلك!!!
أخرج "يزيد" طرف لسانه إلى "مازن" ليغيظه، وبالفعل أغتاظ الأخير لينظر إلى "فريدة" التي كانت تطعمه بفمه، أراد لو ينهض ويمسك بـ "يزيد" ليلقي به لأخر مكان في فرنسا باكملها، عندما شعرت "فريدة" بغضب "مازن" أمسكت بمعلقتها لتملئها بحبات الأرز، ثم وضعتها امام فمه، قائلة بحنان:
- كُل يا حبيبي..!!!
نظر لها بجمود قائلاً:
- لاء مش عايز!!!
فتحت فمه لتجبره على التناول فـ تناولها بالفعل، لكي يُغيظ "يزيد" الذي نظر له بغضب طفولي، تنهدت "فريدة" من أفعالهم الطفولية، لتطعم "يزيد" أولاً ثم "مازن" الذي كان يُطعمها هو الأخر، بعد أن انهوا طعامهم نهضت "فريدة" لتقول:
- هروح التويلت!!!
نهض معها "مازن" قائلاً:
- هاجي معاكي!!!
- طب ويزيد؟!!
قالت وهي تشير لأخيها، فـ أشار "مازن" إلى النادل يُحدثه بالفرنسية ان تبقي أعينه عليه!!!، ليحاوط خصر"فريدة" قائلاً وهما يذهبا للمرحاض:
- هو هياخد باله منه!!! يلا
تذمرت وهي تذهب جواره قائلة:
- هو أنا طفلة يا مازن!!!
لفّها له قائلاً بنبرة حادة:
- مش طفلة يا فريدة بس أنتِ مش واخدة بالك أنك حلوة زيادة عن اللزوم فـ مستحيل اخليكي تبعدي متر واحد عني!!!
برقت عيناها بخجل ليجعلها تدخل إلى المرحاض النسائي قائلاً:
- يلا ومتتأخريش!!!
همت بالدخول ليمسك ذراعها قائلاً بخبث:
- مش محتاجة مساعدة طيب!!!
ضربت كتفه قائلة بخجل:
- والله أنت قليل الأدب!!!
أبعد خصلاتها عن وجهها قائلاً بإبتسامة:
- أنا جوزك يا هبلة!!!
تركته لتدلف للمرحاض فـ لم تجد به أحد، وقفت أمام المرآة لتتأكد من مظهرها، ثم وضعت أحمر الشفاه مجدداً، لتبتسم لنفسها بالمرآة، همت بالخروج ولكنها وجدته يقتحم المرحاض ليغلق الباب بالمفتاح، شهقت بخضة قائلة:
- بتعمل أيه يا مازن!!!
نظر لها بخبث قائلاً وهو يحاوط خصرها:
- أخيراً هستفرد بيكي بعيد عن العيل الغتت أخوكي!!!
حاولت إبعاده عنها قائلة بصدمة:
- مازن أحنا مش في بيتنا متهزرش!!!!
أنهال على وجهها بقبلات متفرقة فـ حاولت إبعاده ولكنه كان مقيد ذراعيها، لتردف بتوتر:
- مازن هتفضحنا!!! سيبني والنبي!!!
قبّل جانب شفتيها قائلاً بمكر:
- هسيبك على شرط!!!
هتفت سريعاً:
- أيه هو!!!
مسد على وجنتيها الغض، قائلاً وهو ينظر لشفتيها :
- بوسيني وأنا هسيبك تطلعي!!!
شهقت بخجل لتتلوى بين ذراعيه قائلة وهي تحاول مقاومته:
- أنت أتجننت اكيد!!!
- بقا كدا!!! طيب هوريكي الجنان على أصله دلوقتي!!!
قال وهو يقبل وجهها نزولاً لعنقه فـ هتفت "فريدة" تردف بإستسلام:
- طيب.. خلاص أبعد عني بقا!!!
أبتعد عنها بعينان لامعتان ليقول بمكر:
- يلا!!!
تنهدت وهي تكاد تبكي من الموقف الذي وضعها به، لتُقبله قبلة سريعة على شفتيه، ولكنه ثبت وجهها وتعمق بالقبلة أكثر، ضربته "فريدة" على صدره بحقيبتها لكي يبتعد عنها ولكنه لم يفعل، ظل يُقبلها بشوق شديد، فـ استسلمت له "فريدة"في نهاية المطاف، لتحاوط عنقه بذراعيها، في قيلة دامت لدقائق، ليسمعوا طرقات قوية على الباب هلعت "فريدة" مبتعدة عنه واضعة كفها على شفتيها وعيناها جاحظتان، هدأ "مازن" أنفاسة اللاهثة، ليفتح الباب فوجد "يزيد"هو من يطرق ينظر لهم غاضباً، حمله "مازن" من ثيابه لتضحك فريدة بشدة..
• • • •
طرقات رقيقة على الباب، جعلت "ظافر" الذي كان جالس في مكتبه يخرج ليفتح الباب، صدمة شلت لسانه عن الحديث، ليتسمر بمكانه وهو يرى "براءة" على مقعدها منكسة رأسها و تبكي بندم، تقف جوارها "فتحية"، أعتلى الغضب وجهه ليردف بنزق:
- أيه اللي جابك هنا!!!!
رفعت عيناها له قائلة بحُزن:
- عايزة اشوف ملاذ لو سمحت!!!!
رفع حاجبيه بسُخرية قائلاً بصوتٍ عالي:
- أنتِ جايبة بجاحتك دي منين!!، عايزة تعملي فيها أيه أكتر من كدا!!!
أغمضت عيناها باكية أكثر من صوته العالي، لتهتف الدادة "فتحية" مسرعة:
- براءة جاية عشان تتأسف لملاذ يابني!!!!
حاول التحكم في أعصابه قائلاً بقسوة:
- كتر خيرك بصراحة، وفري اسفك لنفسك!!!
كاد أن يغلق الباب ولكن منعته "فتحية" قائلة برجاء:
- يابني طيب على الأقل أعملي أنا حساب، دة أنا ست كبيرة و أد والدتك!!!!
فتح الباب مجدداً ليتنهد بضيق، ثم تنحى جانباً ليدلفا لبهو الشقة، تركهم "ظافر" ليدلف إلى "ملاذ" ثم جلس جوارها، مسح على خصلاتها قائلاً بنبرة حنونة:
- ملاذ، قومي يا حبيبتي..!!!
تململت في نومها هامسة:
- هممم..
هتف برفق يمسح على وجنتيها:
- ملاذ قومي!!!
فتحت عيناها قائلة بقلق:
- في حاجة؟!!
أحتار أيخبرها أم يتركها تخرج وتعلم بنفسها، ولكنه قال بهدوء مستعداً لأي ردة فعل قد تفعلها:
- براءة برا، عايزة تتكلم معاكي!!!!
وكأن لسانها قد كُبل بمكابل من حديد، ليرتجف جسدها قائلة بجمود:
- بس أنا مش عايزة أشوفها!!!
هتف بعقلانية قائلاً:
- لو عايزاني أخليها تمشي مافيش مشكلة، بس أنا رأيي، أسمعيها شوفي هتقول أيه!!!
- تمام
قالت وهي تنهض مبعدة الغطاء عنها كادت أن تخرج لولا يد "ظافر" التي أمسكت بذراعها قائلاً بتحذير:
- خليكي قوية، أوعي تضعفي!!!!
أومأت بنظرات خاوية، لتخرج لهم، فور رؤيتها لمظهرها الشاحب والضعف يتملك منها، وجهها الملطخ بالدموع جعلاها تبتلع ريقها تقاوم الرغبة في أحتضانها، لتذكر نفسها بأنها عندما كانت تبكي أمامها لا يهتز رمش لها وتطردها من بيتها!!!!
أزداد قلبها ضغينة منها، لتردف قائلة بصوتٍ يخلو من الحياة:
- خير، عايزة أيه؟!!!
أقتربت منها "براءة" بالمقعد الخاص بها، وهي تنظر لأختها التي تحولت نظراتها من قلق وخوف عليها، إلى كُره ونفور منها..وهي السبب في ذلك، رفعت أناملها لتلتمس يداها، ولكن "ملاذ" فوراً ارتدت خطوتان للخلف وكأنها ستلوثها، لتبقي كفيّ "براءة" معلقان في الهواء، أنزلتهم على قدميها، لتردف بصوتها المتحشرج بالبكاء:
- انا عارفة إني كنت أخت وحشة أوي ليكي، وإني أذيتك كتير، أنا اسفة يا ملاذ، سامحيني أرجوكي، أنا كنت غبية ومبفهمش، كل مرة كنتي بتحاولي تقربيلي فيها كنت بصُدك، كان الكُره عاميني، بس انا عارفة إنك طيبة وهتسامحيني، صح يا ملاذ؟!!!
أبتسمت بسُخرية وهي تنظر لها قائلة بصوتٍ متهكم:
- أسامحك؟!! أسامحك على أيه ولا على أيه!!! أسامحك على المشاكل اللي بتعمليهالي، ولا على أنك بتحاولي تكسريني وتدمريلي حياتك، أطلعي برا حياتي يا براءة، كفاية لحد كدا، صدقيني أنا مش طايقة أبُص في وشك بفتكر كل اللي أنتِ كنتي بتعمليه معايا!!!
قالت بدون أن تذرف دمعة واحدة، لتتجه إلى الباب ثم فتحته لتردف:
- أطلعي برا!!! و اوعي تفكري تكلميني أو تيجي هنا تاني!!
على صوت بكاءها، لتخرج من الشقة خلفها "فتحية" التي نظرت لـ "ملاذ" بشفقة، فهي أيضاً عانت كثيراً بسبب شقيقتها!!!
أغلقت "ملاذ" الباب، فخطى "ظافر" نحوها يقف أمامها ممسكاً بكتفيها، وكأنه يعلم أنها ستنهار، وهو لن يسمح لأنهيارها سوى بأحضانه!!!
بكت "ملاذ" بحُرقة ليضمها له مغمضاً عيناه، فـ هو لا يتألم سوى عندما تتألم هي، حاوكت خصره قائلة وصوت بكاءها يمزق قلبه:
- مش هعرف أسامحها يا ظافر، مش هقدر!!!
↚
ضمها أكثر له يحاول التخفيف عنها قائلاً:
- هتسامحيها يا ملاذ، أنا عارف أنك هتسامحيها يا حبيبتي، يمكن مش دلوقتي بس هييجي اليوم وهتسامحيها على كل حاجة عملتها!!!
ابعدها عنه ثم تابع وهو يمسح دموعها:
- متفكريش في الموضوع، ومش عايزك تعيطي أبداً!!!
هتفت ببراءة طفولية:
- صعبت عليا أوي لما شوفتها بتعيط، كان نفسي أحضنها و أقولها إني مسامحاكي!!!
أبتسم على براءتها، ليعانقها مقبلاً جبينها، ثم حملها بين يداه ليدلف بها للغرفة، جلس على الفراش وهي لازالت بأحضانه متشبثة بقمييصه، تهتف بحُزن:
-ظافر خليك جنبي، ممكن؟!!
ضمها له ليضع الغطاء عليهم ثم هتف وهو يقبل جبينها بحنان:
- مين قالك إني هسيبك أصلاً!!!
نامت "ملاذ" بأحضانه، بينما هو ظل مستيقظ لم يجد النوم طريقاً لجفونه!!!
فتحت عيناها الناعسة عندما شعرت بسخونة أسفل ذقنها، لترفع وجهها عن وجهه، فوجدته شديد الأحمرار يتصبب العرق منه، شهقت بفزع وهي تجده يشدد على الغطاء يهمهم بكلمات غير مفهمومة رفعت وجهه لها قائلة بلهفة:
- جواد مالك يا حبيبي..!!!!
لم يكن واعياً لِما يحدث حوله بتاتاً، فنهضت هي محاوطة وجهها بكفيها قائلة بحيرة:
- أعمل أيه يا ربي!!!
خرجت من الغرفة لتركض على الدرج متجهة للمطبخ، سكبت ماء مثلج في إناء، لتأخذ منشفة بيضاء صغيرة، ثم صعدت له، دلفت الغرفة لتغلق الباب خلفها، لتجلس جواره ثم وضعت المنشفة بعد أن أغرقتها بالماء وعصرتها على مقدمة رأسه، جلست أمامه على ركبتيها لتُبعد الغطاء و حررت أزرار القميص واحداً تلو الأخر لتبعده عن صدره حتى يستطيع التنفس براحة، تنهدت بحُزن شديد فهي لأول مرة تراه بهذا الضعف والهوان، أعتادت عليه قوي وقاسي لا يهزمه أحد ولا يضعفه مخلوق، منعت نفسها من البكاء حُزناً عليه، لتسند رأسها على رأسه الذي قبع بأحضانها، وبكفها الأخر تنقل المنشفة من جبينه لوجنتيه ثم لعُنقه، وهو لا يُبدي ردة فعل، فقط مُغمض العينان وهي تعلم أنه غائب عن الواقع، عبثت بذقنه لتُقبل جبينه، ظلت على حالها أكثر من ساعة حتى عادت حرارته لطبيعتها نوعاً ما لتتفاجأ به يمسُك كفها الصغير ليُقربه لثغره ثم قبله بهدوء، لتنهض نُصف جالسة قائلة بدهشة:
- جواد أنت صاحي!!!
- صاحي يا حبيبتي..
هتف وهو ينظر لها، لتجلس أمامه تتفقد حرارته مرة أخرى، ليردف هو يمسد على إحدى وجنتيها بكفٍ واحد قائلاً بحنان:
- أنا كويس متخافيش..
ذبلت عيناها لتحتضن وجهه بكفيها قائلة وهي تميل نحوه:
- بجد؟!!
أومأ لها بتأكيد، فـ قبلت وجنته قائلة بحنان:
- طيب انا هجهزلك الحمام تاخد شاور دافي اتفقنا؟!
جذبها نحوه برقة ليحاوطها بذراعيه المفتولين، قائلاً بإبتسامة خفيفة ليغمز بوقاحة:
- موافق بس تبقي معايا..!!!
رفعت حاجبيها من تغير مزاجه فجأة، لتضرب كفاً على آخر قائلة بقلة حيلة:
- والله أنت فايق ورايق!!!
ضمها لصدره لتحاوط خصره هي بدورها، ربت على خصلاتها هامساً:
- حد يبقى متجوز القمر دة وميبقاش رايق!!!
أبتسمت لترفع رأسها له ثم قبلت فكه الحاد، لتعود تدفن رأسها في صدره، فـ عبث بخصلاتها هكذا دقائق، ثم قال بجدية:
- ملك.. عايز أعرف كل اللي حصل!!!!
أغمضت عيناها تعُض على شفتيها، فهي كانت خائفة من هذا السؤال، لتنهض جالسة أمامه، ففعل هو المثل بعد أن أبعد قطعة القماشة عن جبهته، ينصت لها بإهتمام شديد، لتبدأ "ملك" بقّص ما حدث على مسامعه، تراقب تغبيرات وجهه خائفة من أن يعود ويغضب مرة، ولكنها تفاجأت به يقول بجمود:
- و هي عاملة أيه دلوقتي؟!!
أبتسمت داخلها على سؤاله عليها، لتقول بعقلانية:
- كنت هطمن عليك وهروح أشوفها، بس أنا عارفة انها مش كويسة، والله يا جواد ياسمين بتحبك اوي، عشان خاطري يا حبيبي إديها فُرصة تانية..!!!
نظر لها بسُخرية قائلاً:
- فرصة تانية؟! دة عشم ابليس في الجنة، خلاص يا ملك الثقة اللي كانت بينا أتكسرت وهي المسئولة عن دة، انا ورحمة ابويا هخليها متشوفش الشارع، حتى الجامعة هتروحها على الأمتحانات بس وأنا بنفسي هوديها وهجيبها!!!
زفرت بقلة حيلة، ثم قالت تحاول أن تستميله لشقيقته:
- طيب مش عايز تشوفها؟! عايز تشوف تهورك و ضربك اللي معلمين في جسمها يا جواد، لو شوفتها قلبك هيتقطع عليها، وهتقول أن مستحيل أن أنا عملت فيها كدا
وبالفعل كلماتها جعلت الألم يمتلك قلبه حتى وإن لم يظهر ذلك عليه، لم يُجيبها لينهض من فوق الفراش ثم دلف للمرحاض يصفع الباب خلفه، لتنظر "ملك" في الفراغ مسندة وجنتها على إحدى كفيها!!!
• • • •
وقفت "رهف" تُحضر الطعام في المطبخ بعد خروج "باسل" للشركة، فـ هو طيلة تلك الفترة كان جانبها يرفُض تركها وحدها، دندنت بكلمات أغنية مصرية تُطهي بمهارة أكتسبتها من على الأنترنت، مرتدية منامة شتوية ثقيلة لتحميها من الطقس البارد، سمعت طرقات على الباب، عقدت حاجبيها بإستغراب فـ من الذي سيأتيهم الأن، تركت الملعقة التي كان تُقلِّب بها، ثم أتجهت إلى الباب واقفة خلفة تقول بحذر:
- مين؟!!
- أنا يا رهف، أمك يا حبيبتي!!!
أعتلت البسمة شفتيها بعدم تصديق أن الباب وحده من يفصلها عن امها بالخارج، فتحته سريعاً بإشراقة ملئت وجهها، وكادت أن تحتضنها ولكنها بُهتت فجأة عندما رأته يقبع خلفها، أكثر شخص تمقتُه بحياتها، ارتعش جسدها من رؤية وجهه بعد تلك المدة، وسماع صوته البغيض وهو يقول بخبثٍ:
- أزيك يا رهف!!! وحشتيني..!!!
أغمضت عيناها بتقزز، لتحتضنها والدتها غافلة عن نظرات الإشمئزاز التي توجهها له، وتفحصه لها بوقاحة معهودة منه، عانقت أمها التي قالت بفرحة شديدة وهي تلمس معدتها المنتفخة:
- يا حبيبتي يا بنتي، كدا تبقي حامل ومتقوليليش!!!
أبتسمت لها "رهف" بإصفرار قائلة:
- أنا والله يا ماما كنت هاجيلك مع باسل، بس أنا حياتي كانت متلخبطة شوية الشهور اللي فاتوا!!!
هتفت والدتها "سميرة" وهي تجذبها للداخل جالسين على الأريكة:
- ولا يهمك يا ضنايا، اومال فين جوزك!!!
نظرت بطرف عيناها إلى زوج امها "ناصر" الذي جلس على الأريكة أمامهم واضعاً قدمٍ على أخرى ينظر لها بتحدي، منتظر جوابها على أحر من الحمر، لتلتفت إلى أمها قائلة:
- في الشغل يا ماما، بس جاي كمان شوية!!!
قالت هكذا لإخافته، وبالفعل ظهر الرعب على وجهه، ليعود واضعاً كلتا قدميه على الارض، لتنهض "رهف" قائلة بجمود:
- ثواني يا ماما هعملك حاجة تشربيها!
نهضت والدتها سريعاً تردف بلهفة:
- لاء يا حبيبتي خليكي متتعبيش نفسك، انا جاية أقعد معاكي مش جاية أتضايف!!
هتفت سريعاً بتوتر:
- لاء مافيش تعب ولا حاجة متخافيش عليا!!!
ذهبت مسرعة قبل أن تعترض، لتدلف للمطبخ واضعة كفها على قلبها الذي حقاً أصبح يؤلمها، نظرت لهاتفها فوجدته على الرُخام، أخذته سريعاً ثم ضغطت على شاشته، لتهاتفه، وضعته على أذنها وهي تردُف بشفتين مرتجفتين:
- رُد يا باسل!!!
وكأنها سمع أستنجادها به، ليرُد بنبرة مرِحة:
- لحقت أوحشك؟!!!
ألتمعت عيناها بالدموع، لتردف بهمس قائلة برجاء:
- باسل سيب اللي في إيدك وتعالي بسُرعة!!!
قطب حاجبيه مستشعراً صوتها الباكي يردف بتوجس:
- في أيه؟!!!
انهمرت الدمعات فوق وجنتيها قائلة وهي تتمسك بالهاتف بكلتا كفيها كأنها تتمسك به:
- ماما وجوزها هنا، وأنا..أنا خايفة أوي!!!
أنتفض من فوق كرسيه الذي ذهب بعيداً، ليأخذ مفاتيح سيارته وسترته، قائلة وهو يصرخ بغضب يخرُج من المكتب:
- وهما عِرفوا المكان إزاي!!!!
لم تجيبه فقط تبكي بخفوت، ألقى بسترته بالسيارة ليقودها بسرعة قائلاً وهو يضرب على المقود بعصبية من سماع صوت بكائها الذي يمزق قلبه:
- أسكتي يا رهف متعيطيش خايفة من أيه ميقدرش يقرب منك دة أنا كنت طلعت روحه في إيدي!!!!!
إرتجف جسدها من صراخه، لتصمت سوى من شهقاتها الخافتة، مسح على وجهه يهدأ نفسه ثم هتف بحنان مسترسلاً:
- ششش بس يا حبيبتي إهدي، طيب أنتِ في الأوضة؟!!
غمغمت وهي تُزيل دموعها:
- لاء في المطبخ
- تمام خليكي فيه ومتطلعيش وانا خلاص دقيقتين وأبقى عندك، أنا معاكي أهو ع الفون مش هقفل لحد م أوصل تمام يا حبيبي؟!
قال محاولاً طمأنتها، لتُردف بخفوت:
- تمام!!!!
حاول أن يُنسيها الأمر رغم صدره الذي يحترق، ورغم عيناه المُتقدة بشُحنة من الغضب سيُفرغها به فورما يراه، فتلك هي فُرصته للفتاك به، فقال بمرح زائف:
- بس تصدقي الساعة اللي غبت عنك فيها دي وحشتيني فيها جداً!!!
أبتسمت بتوتر قائلة وأطرافها ثُلجت:
- اممم..
صف السيارة بعشوائية قائلاً وقد عاد لهدوءه، بنبرة لا تبشر بالخير أبداً:
- أنا تحت خلاص..!!
أغلق معها ثم صعد على الدرج بخطوات سريعة متفادياً المصعد، دفع باب شقته الذي كان شبه مفتوح، فوجده يقبع على أريكة بيته، وبمنتهى البرود، ألقى "باسل"بمفاتيحه، لتظهر أبتسامة ليس بها ذرة من المرح، ثم شمّر عن ساعديه مقترباً منه بهدوء، ليقف الأخير مذعوراً، لتقف "سميرة" أيضاً بإبتسامة طيبة، نظر له "باسل" موجههاً له نظراته لو كانت تقتل لجعلته يسقط جثة هامدة، ليمسك بتلابيب قميصه، قائلاً بصوتٍ عنيف، ونبرة كالجحيم:
- جيت بـ رجليك، دة أنا كنت مستنيك من زمان!!!!
خرجت "رهف" لتجذب والدتها المندهشة نحوها، فـ كوّر "باسل" كفيه، وبغل شديد وجه له ضربة قاسية كادت أن تحطم فكه، وجعلته يسقط أرضاً في لمح البصر، ليزحف للخلف وسط بكاء "رهف" و لهفة "سميرة" التي أبعدت أبنتها عنها بقسوة ممسكة بثياب "باسل" تصرخ به:
- أنت مجنون بتضربه ليه!!!
نظر لها بجمود قائلاً بسُخرية:
- ضرب؟! الضري لسة جاي!!!
نظرت له بصدمة لتلتفت إلى "رهف" تقول بحدة:
- أتكلمي يا رهف في أيه، هو احنا جايين عشان نتبهدل هنا!!!
أقتربت "رهف" منه ممسكة ذراعيه قائلة برجاء:
- خلاص يا باسل سيبُه!!!
أزاحها بلُطف خلفه وهو ينظر لذلك القذر القابع أسفل أقدامه، لتهرع "سميرة" نحو زوجها قائلة بغضب شديد:
- قوم يا ناصر أنا أسفة إني جيبتك هنا، وانتِ يا هانم مش عايزة اشوف وشك تاني فاهمة!!!!
تشبثت بقميصه من الخلف بكفها، وهي تنظر إلى والدتها بعينان ملئتهما الدموع، ملئتهما الخذلان، فـ نهض "ناصر" يمسح الدماء من جانب ثغره، ولم يستطيع رفع عيناه به، كاد أن يتحرك جوار "سميرة" ولكن أوقفته يد فولاذية أمسكت برسغه، ليردف "باسل" بنظرة خبيثة، ونبرة جعلت الرعب يتمكن منه:
- حسابنا لسة مخلصش، وأنت لسة متعرفش باسل الهلالي حسابه عامل أزاي!!!
نظر له بجلل، ليتركه "باسل" فـ سحبته "سميرة"خلفها وهي تمتم بإمتعاض، ثم صفعت باب الشقة خلفها لتنتفض "رهف" من أثر الصفعة، ألتفت لها "باسل" ليحاوط كتفيها مقربها منه عندما شعَر أنها حتماً ستبكي الأن..ولكنها لم تبكي، هي فقط تحاوط خصره مغمضة العينان، مسّد على خصلاتها برفق، منتظراً أنفجارها بالبكاء ولكن لم يحدُث، وكأنها أصبحت متبلدة لا تشعر بشئ، أبعدها عنه بلُطفها ثم رفع وجهها له بأناملة ينظر لعيناها الفارغة والخالية من أية مشاعر، ربت على وجنتيها الباردة يُردف بحنان:
- متزعليش نفسك يا حبيبتي..
لم تتغير نظراتها الجامدة نحوه، ولا تحرك تيُبس جسدها، فـ قلق "باسل" ليمسك بكتفيها قائلاً بهدوء:
- رهف..
أبعدته عنها بهدوء، ثم ألتفتت لتسير إلى غرفتهم بجسد ذهبت الروح منه، فـ ذهب هو وراءها يراقب حركاتها بنظرات ثاقبة، وجدها تستلقى على الفراش متدثرة بالغطاء بهدوء، دنى هو نحوها بعد أن أشعل الضوء، ليجلس كالقرفصاء أمامها حتى يكُن في مستواها، ثم هتف بلُطف:
- رهف قومي نتكلم..!!
- سيبني لوحدي يا باسل..!!!
هتفت بهدوء وهي تجذب الغطاء لأعلى رأسها، فـ أمسك به ليزيحه قائلاً بحدة طفيفة:
- أزاي يعني أسيبك لوحدك وأنتِ كدة!!!
لم تجيبه لتلتفت إلى الناحية الأخرى متجاهلة إياه، فـ زفر هو ماسحاً على وجهه بضيق، ثم نهض ليلتفت لها مستلقياً جوارها، فـ كان في مواجهتها، دسّ ذراعه أسفل ظهرها ليجذبها إلى صدره فـ أستسلمت له "رهف" لتدفن وجهها في عنقه متشبثة بقميصه، ليهمس هو برفق:
- متشيليش جواكي حاجة يا حبيبتي، ومتكتميش في نفسك كدا!!
لم تجيبه ولكنها حاوطت خصرها قائلة بنبرة تجلى الالم بها:
- باسل خليك جنبي أنا تعبانة جداً..!!!
قبّل مُقدمة رأسها ليمسح على خصلاتها يُردف بصدق:
- لو كنت أقدر كُنت أخدت كُل الألم اللي جواكي وأحطه جوايا!!!
ليُتابع وهو ينظر لوجهها قائلاً:
- طيب تيجي نُخرج أفسحك شوية؟!
نفت قائلة بطفولية وهي تحتضنه بقوة:
- لاء أنا عايزة أفضل في حُضنك..
قهقه على براءتها ليضمها له ينثر قبلاتها على خصلاتها ووجهها فصدحت ضحكاتها لتُخفي وجهها بين يداها عن مرمى ثغره ولكنه عاد يُبعد كفيها يُقبل كل إنش في وجهها وأصابعه تتخلخل إلى معدتها لتدغدها، لينهوا ضحكهم بقُبلة رقيقة على شفتيها جعلتها تنسى حُزنها بأكمله..!!!
• • • •
يضع كفه أسفل ذقنه يتأملها في نومها، شفتيها المزمومة وعيناها المغمضتان بأهدابها الكثيفة، خصلاتها المشعثة على وجهها وذراعيها العاريتان، أبتسم لينثنى نحوها يُطبع قبلة طويلة على شفتيها، لتبتسم برقة وهي لازالت مغمضة العينان وكأنها تشعر به لتحاوط كفه بكفيها ثم أخذتهم أسفل وجهها مغمغمة بنعاس:
- ظافر..!!!
وضع وجهه مُقابل وجهها، حيث كانا الإثنان يضعان وجنتيهم على الملاءة، ليقول بصوته الرجولي ذو البحة المميزة:
- قلبُه!!!
أبتسمت مجدداً دون أن تفتح عيناها، لتقترب منه تُلصق أنفها بأنفه، محاوطة عنقه دون أن تعي، قائلة برقة:
- بحبك..!!!
نظر لها "ظافر" نظرات عاشق، ثم رفع إبهامه لشفتيها ليمسح عليهما قائلاً بوله:
- بعشقك..!!!!
وقبل أن تُجيبه كان مُحتضناً شفتيها بشفتيه، مثبتاً كفيه جوار الفراش، يوزع عدة قبلات على كامل وجهه بحنو شديد جعلها تدرك أنها لست بحلم جميل، إنما هو الواقع تعيشه معه، سقط بشفتيه لعُنقها الطويل، ليدفن أنفه به يستنشق حُسن عبيرها، وصدره يتأجج بنيران عاشق متلهف..!!!
• • • •
أخذته قدميه لها دون أن يشعر، ليدلف لغُرفة صغيره بخطوات بطيئة حذِرة، فوجدها نائمة جوار "عمر" تحتضنه بين ذراعيها، ذهب نحوها ليجلس على الأرض جوارها، ليمد أنامله لخصلاتها يعبث بهم، شارداً بها، لماذا تجذبه لهذه الدرجة، لماذا تجعله يبغض بُكائها الذي يمزق قلبه، لماذا وهو ذو القلب القاسي يلين جوارها، تنهد بحيرة، ليقترب منها أكثر هامساً:
- هنا، صاحية؟!
عندما شَعر بإنتظام أنفاسها تأكد أنها نائمة، ليتذكر ما فعله فأنبه قلبه على صراخه بوجهها في لحظة غضب أهوج ليس لها ذنب به، لينهض ثم أبعد "عُمر" عنها برفق، ودثره مقبلاً جبينه، ليضع يده اسفل ركبتيها والأخر على ظهرها، ثم حملها بخفة ينظر لرأسها التي أسندتها على صدره بعفوية لرفضتها تماماً لو كانت واعية، ذهب بها لغرفتهم ثم دفع الباب بقدمه، وضعها على الفراش بخفة، ثم جلس جوارها، وكاد أن يُفيقها ولكنها أستفاقت بالفعل تُفرك عيناها، وعندما أدركت انه جوارها في غرفتهم، أشتعل صدرها غضباً لتندفع مبتعدة عنه ثم نهضت حتى كادت أن تخرج من الغرفة بخطوات عنيفة ولكنه نهض سريعاً ليجذبها من ذراعيها قائلا بهدوء:
- رايحة فين!!!
نفضت ذراعيها عنه بنزق قائلة بضيق:
- ملكش دعوة!!!
رفع حاجبيه بتهكُم، ثم شدد على ذراعيها يُردف بهدوء مُرعب:
- أعدلي لسانك يا هنا!!!
نظرت له بتحدي سافر، لتردف بإستهزاء:
- مش هعدله يا ريان، واللي عندك أعمله، انا خلاص مبقاش فارق معايا..!!!
- والله؟!!
هتف وهو يتركها ثم أتجه إلى الباب ليوصده بالمفتاح، ثم وضعه بجيبه، ليلتفت لها، فـ ظلت "هنا" ساكنة كما هي، رغم إرتعاب قلبها منه، ليتقدم منها قائلاً وهو يُعيد خصلة متمردة وراء أذنيها:
- مش هتطلعي من الأوضة دي غير لما نتصالح..
نظرت له بدهشة تحولت لغضب شديد لتضربه في صدره بإحدى كفيها بلكمة لم تؤثر به على الإطلاق، تُردف بصوتٍ عالٍ:
- نتصالح!!؟، يعني أنت تزعق وتشخُط وتُنطر وفي الأخر عايزني اسامحك بالسهولة دي!!!
أبتسم بمكرٍ وهو يحاوط خصرها يُقربها منه قائلاً:
- انا عارف كويس إزاي أخليكي تسامحيني!!!
شردت في عيناه الفيروزية، ولكنها أبعدته عنها بكفيها قائلة بإستفزاز:
- فارق معاك اوي أسامحك؟!!
هتف بهدوء:
- ايوا..!!
كتفت ذراعيها قائلة وهي تقترب منه خطوتان وكأنها تحاصره بأسئلتها:
- ليه؟!، ليه فارق معاك أوي كدا..!!
وبالفعل أوقعته في شباكها، فهو حتى لا يعلم لما يتألم قلبه لتلك الدرجة لمجرد حُزنها منه، أبتعد عنها ليلتفت يوليها ظهره قائلاً بثبات:
- عادي يعني..
أقتربت منه وملامحها جدّية للغاية، لتردف بهدوء:
- ريان..
كم يعشق أسمه عندما يخرج من شفتيها، وكأن الأسم لأول مرة يرّن بأذنيه، ليهمهم وهو ينظر لها:
- نعم؟!!
حاولت إبعاد عيناها عن نظراته التي تضعفها، لتردف بصوتٍ جامد، ولم تعلَم أثر جملتها على قلبه:
- عايزة أتطلق!!!
↚
جمدت تعابير وجهه فجأة، لتظلم عيناه بطريقة أرعبتها، وجعلتها تعود خطوتان للخلف، ليُقربها هو منه ممسكاً بعضديها بقسوة، تآوهت "هنا" بألم وهي تتلوى بين يداه، ليغرز أظافره في ذراعيها وصدره يهتاج بعنف صارخاً بها:
- مش قولت قبل كدا متجيبيش سيرة الطلاق دي على لسانك، أعقلي بقا وبطلي شغل العيال دة، اي زفت مشكلة تقولي عايزة اتطلق أيه هي لبانة في بُقك، أوعي تفتكري أنك كدا بتلوي دراعي، أنا كل حاجة هنا تمشي بأمري، بمزاجي عايز أطلقك هطلقك مش عايز يبقى تفضلي قاعدة هنا في بيتي تربي أبني وبس!!!
كلماته كانت كالصفعات التي هوّت على وجنتيها، ملئت الدموع عيناها وشعرت بقلبها أُعتصر حتى نزف دماً، سقطت أنظارها لذراعيها ترى غرس أظافره الحادة ببشرتها الرقيقة، لترفع نظراتها لعيناه القاسية، و من شدة صدمتها وألمها الجسدي والنفسي، شعرت بالأرض تُميد بها، لتُغمض عيناها، أرخى كفيه عن ذراعيها عندما وجدها بتلك الحالة، ليُسندها من خصرها فتحولت نظراته من غِلظة شديدة إلى قلق أشد، لم تشعر "هنا" سوى بثقل جسدها يسقط بأحضانه فاقدة وعيُها..بين ذراعيه!!!
• • • •
أمسكت بإختبار الحمل بسعادة شديدة بعد أن ظهر عليه علامتان باللون الأخضر، لتضع يدها على قلبها تُهدأ نبضاته الفرحة، وأخيراً ستكون أُم، وقفت أمام مرآة المرحاض، تنظر لعيناها اللتان يلمعان بفرحة ثم ألقت بالإختبار في السلة لتخرج من المرحاض تبحث بعينيها عن "مازن" في الغرفة ولكن لم تجده، لتخرج فوجدته يجلس مع أمام التلفاز، فعلِمت أن "يزيد" نائم، بغرفتها، أقتربت منه لتجلس جواره، تنظر له بغبطة شديدة، ليلتفت لها قائلاً بإستغراب:
- بتضحكي كدا ليه يا فريدة أتهبلتي ولا أيه؟!!!
أزدادت أبتسامتها أتساعاً فضرب هو كفاً بأخر يضحك عليها، ثم كاد أن يتحدث ولكنها أمسكت بذراعه لتجعله يقف، وقفا بالفعل في مواجهة بعض، لتمسك "فريدة" بكف "مازن" الغليظ، ثم وضعتها على معدتها ببطئ، فـ نظر لها بصدمة، أزدادت عندما قالت بفرحة شديدة:
- هتبقى أب يا مازن!!!
توسعت عيناه بسعادة، ليبتسم تلقائياً ثم حملها من خصرها ليدور بها صارخاً بفرحٍ، حاوطت"فريدة" عنقه بقوة وصدحت ضحكاتهم الشقة بأكملها، ثم أنزلها قائلاً بسُرعة:
- لاء مينفعش أشيلك و أدوخك كدا، أنتِ تقعدي ترتاحي وأنا هعمل كل حاجة، أنا بجد مش مصدق يا فريدة!!!
كادت أن تقفز من فرحتها، ليوقفها هو يصرخ بها:
- يخربيتك أنتِ هتتنطتي!!! أثبتي كدا!!!
ضحكت بشدة قائلة:
- أنا فرحانة أوي بجد!!!
ضمها له يُقبل جبينها بعشق، لتعانقه هي الأخرى بإبتسامة زينت ثغرها..!!!
• • • •
جالس على الأريكة واضعاً رأسه بين كفيه، بينما الطبيبة أمامه تفحصها بدقة، ليرفع هو عيناه ينظر لشحوب وجهها، ليزداد شعور تأنيب الضمير لديه، ألتفتت له الطبيبة ثم هتفت بعملية:
- واضح أن المدام هنا أتعرضت لصدمة أدت لفقدان الوعي، أنا أدتها منوم عشان جسمها يرتاح..
نهض قائلاً بهدوء:
- هتفوق منه أمتى؟!
أسترسلت الطبيبة بجدية:
- مش قبل 3 ساعات..
أومأ لها لينادي على الدادة لكي تصلها إلى باب الشقة ففعلت مُسرعة، أقترب من الفراش ليجلس جوارها ثم أمسك بكفها ليُقبله بعُمق، نظر إلى أثار الجروح التي تركها في ذراعيها، فأغمض عيناه يسُب نفسه على حماقته، مكوراً قبضتيه بغضب، ولكن أرتخت فور رؤية "عُمر" يركض نحوه قائلاً بصوتٍ شبه باكي:
- بابي هي مامي مالها!!!
حمله ليجلسه بأحضانه قائلاً برفق:
- متخافش يا حبيبي مامي كويسة، هي بس محتاجة ترتاح شوية، أيه رأيك نسيبها تنام؟!!
أومأ له "عُمر" وهو يمسح عيناه الباكية، ثم أقترب من "هنا" ليُقبل إحدى وجنتيها ببراءة طفولية، ثم أشار لوالده قائلاً بإبتسامة:
- تعالى يا بابي بوسها عسان تبقى كويسة..!!!!
أقترب "ريان" منها ثم مال عليها ليسند كِلتا كفيه جوار رأسها، ليسقط بثغره يُقبل وجنتها بعُمق وكأنه يتنفسها، ثم أبتعد عنها ليُدثرها جيداً، وأخذ "عمر" وخرجا..
فور خروجهم هتفت الدادة بقلق:
- الدكتورة قالتلك أيه يا ريان بيه؟!!
هتف "ريان" يُطمأنها:
- متخافيش يا مدام نادية، هي كويسة بس داخت شوية عشان مكلتش من الصبح..!!!
زفرت براحة ثم قالت بإبتسامة:
- ربنا يخليكوا لبعض يابني.!!!
وجه لها إماءة بسيطة مبتسماً، ثم هتف قائلاً:
- أنا همشي دلوقتي بس مش هتأخر، خلي بالك من عُمر ولما هنا تصحى كلميني على طول..
أماءت له تُخبره ألا يقلق، ليخرج "ريان" من الشقة يقف منتظر المصعد، فرك عيناه مبتلعاً ريقه يشعر بشئ يجثو على صدره، وصل المصعد ليستقله، ثم بعدها ترجل منه ليخرج من البناية بأكملها، أستقل سيارته ليذهب بها نحو إحدى المناطق النائية بالصحراء، وقفت السيارة في مكان يسوده الظلام سوى من ضوء سيارته، أمامه تقف سيارة أخرى، ليترجل "ظافر" منها، ثم أمر حراسه بإشارة من أصبعه ليخرجوا ذلك الحرامي الذي أعتدى على بيت "ريان" وهو نفسه من هدد "هنا" وجعلها تعيش أسوأ الكوابيس، أبتسم "ريان" بخبث ألتمع بعيناه وهو يرى ذلك القذر يقف بإرتعاد شديد وسط تلك الرجال مفتولين العضلات، أقترب "ريان" من "ظافر" يبتسم أبتسامة ليست نابعة من قلبه، فبادله "ظافر" نفس الأبتسامة، ليُخبره بهدوء:
- جيبتهولك لحد عندك عشان تعمل فيه اللي أنت عايزه!!!
- أنا مطلبتش مساعدتك أساساً، فـ ليه عملت كدا!!
هتف "ريان" بجدية وملامحه لا توحي بشئ، فـ قال "ظافر":
- عشان زي مـ قولتلك أن اللي باعته أخت مراتي، يعني حد يُخصني، فـ دوّرت عليه وجبتهولك!!!
وضع "ريان" كلتا كفيه في جيب بنطاله ثم أبتعد عن "ظافر" الذي هتف ساخراً:
- أيه؟! مافيش شكراً!!!
ألتفت له "ريان" مبتسماً ببرود:
- لاء، عشان أنا كنت هعرف أجيبه بيك او من غيرك!!!
لاحت على شفتيه أبتسامة جامدة، ليسترسل وهو يهم بالصعود لسيارته:
- سلام يا ريان!!!
غادر "ظافر" بسيارته خلفه سيارة حراسه، لينظر الرجل إلى "ريان" برعب، ثم كاد أن يركُض في تلك الصحراء الشاسعة ولكن أمسك به "ريان" من ملابسه صارخاً به بقسوة:
- رايح فين يا روح أمك!!!
أنهال عليه بالضرب في مختلف مناطق جسده، حتى تقيئ الأخير دماً ليسقط أرضاً فلطخ الدماء والتراب وجهه، لينحني نحوه "ريان" ممسكاً خصلاته بقسوة:
- أتهجمت على بيتي و أتحايلت عليا زي النسوان عشان أسيبك وسيبتك، لكن يا حيلة أمك تهدد مراتي لاء!!! ورحمة ابويا لهخليك هنا للكلاب تنهش في لحمك!!!
وبالفعل تركه في وسط الصحراء بعد أن أخرج غضب اليوم بأكمله به، ليتركه في وسط الصحراء المظلمة، ثم تركه وذهب ليصعد سيارته ثم مسح الدماء من كفيه بالمناديل الورقية، ليذهب بالسيارة منطلقاً بعيداً عنه!!!
• • • •
طرقات عنيفة على باب شقتهم، جعلتها تنتفض من نومها لتبحث حولها فـ لم تجده، ولكنها سرعان ما تذكرت أنه أخبرها بضرورة ذهابة للشركة، لتفيق مجدداً على الطرقات التي لا تأتي سوى من شخصٍ أهوج، نهضت لترتدي إسدالها ثم لفّت الحجاب حول رأسها، لتذهب نحو الباب قائلة بغضب:
- براحة شوية في أيه!!!
فتحت الباب وكادت أن تستكمل صراخها على الشخص المجهول، ولكن جُحظت عيناها مصعوقة، ليسقط كفها من فوق مقبض الباب ولم تستوعب ما تراه، فخرجت كلماتها مهزوزة من صدمتها:
- مريم!!!!
أرتسمت على ثغر "مريم" أبتسامة خبيثة وهي تشاهد صدمتها، لتدلف للداخل دون حتى أن تستأذن منها، صفعت "ملاذ" الباب بغل، لتلتفت إلى "مريم" الجالسة على الأريكة قائلة بحدة:
- خير، أيه اللي جابك..؟!!!
أبتسمت "مريم" قائلة وهي تشير للمقعد أمامها قائلها بلهجة صعيدية:
- أجعدي يا ضُرتي!!!!!
صُدمت "ملاذ" من اللقب الذي أطلقته عليها، لتصدح ضحكتها الخالية من ذرة مرح والمتهكمة لتردف:
- ضُرتك مين يا حبيبتي، أنتِ ناسية أن ظافر طلقك ورماكي من زمان، ولا يمكن الصدمة لسة مأثرة على نافوخك!!!!
ضحكت "مريم" هي الأخرى ولكنها كانت ضحكة سعيدة، شامتة بها، لتنهض واثبة أمام "ملاذ" التي نظرت لها ببرود، لتردف الأخيرة قائلة بصوتٍ يتقافز من السعادة:
- يا جلبي عليكي هو ظافر مجالكيش؟!!أصل ظافر ردِني تاني جبل (قبل) فرحكوا بـ يوم واحد بس!!!!! مجدرش على بعادي!!!!
أرتدت للخلف بصدمة ظهرت جلياً على وجهها، قلبها يُعتصر بقسوة، لا تصدق الذي سقط على مسامعها كالقنبلة، لم تستطيع إخفاء علامات الذهول من فوق صفحات وجهها، مما جعل "مريم" تضحك بشماته، لتقترب منها بخطوات بطيئة متروية، قائلة بنبرة حاقدة:
- هو ظافر إكده، أناني، مبيحبش غير نفسه، بيحب يكوش على كله !!!!
نظرت لها وهي تكور كفيها بشدة، قائلة بثبات:
- أنتِ كدابة، لو فاكرة إني هصدق كلامك دة تبقي أتجننتي!!!!!
تنهدت مريم لتُخرج من حقيبتها ورقة، ثم مدّتها إلى "ملاذ" قائلة بخبث:
- كنت عارفة إنك مش هتصدجيني، عشان إكده چبتلك قسيمة الچواز، شوفي بنفسك!!!
أخذتها من يداها لتنظر لها تقرأ أسمه المدوّن جوار أسمها، بعينان جاحظة من شدة الصدمة، أرتجفت يداها لتسقط الورقة منها على الأرض!!!
لم تستطيع تمثيل القوة امامها، فـ شحب وجهها، و تساقطت دموع لهيبية تِباعاً فوق وجنتيها، مغمضة عيناها بألم تمّكن منها، لتسمع تنهيدة "مريم" تقول بحُزن زائف:
- متزعليش يا ملاذ..!!!
سقطت "ملاذ" على الأريكة تضع يدها على قلبها بقوة، لتشهق ببكاء صدح بالشقة، تقدمت منها الأخيرة تستمتع بصوت بكائها لتقول بإستفزاز:
- أيه رأيك نجسم (نقسم)الأسبوع أنا و أنتِ؟!!، يعني مثلاً أنتِ حد واتنين وتلات، وانا اربع وخميس وچمعة، والسبت أچازة!!!
قالت كلماتها لتنهيها بضحكة رقيعة، فـ ألتمعت عينان "ملاذ" بشرر سيُنهي "مريم"، رفعت عيناها له تُطالعها بإحتقار، ثم نهضت تجرُها من ذراعيها لتفتح باب الشقة قائلة بإشمئزاز وصوتٍ متحشرج:
- أطلعي برا، بــرا!!!
دفعتها "مريم" بعيداً لترتد "ملاذ" حتى كادت أن تسقط لولا توازنها، لتصرخ بها "مريم" غاضبة:
- خارچة من غير م تُطرديني!!!
خرجت بالفعل صافعة الباب خلفها، لتسقط "ملاذ" على الأرضية لتجهش ببكاءٍ مرير، تضرب الأرض بكفيها، قلبها ينزف وروحها تُدمي، أطلقت آهات متألمة ليرتجف جسدها من قوة البكاء، ظلت على حالها ساعة، ساعتان حتى شعرت بصداع أهلك رأسها، نهضت متحاملة على نفسها، مستندة على الأريكة، لتقف وهي تشعر أن قدميها رخويتان، سارت لغرفة نومهم، ثم دلفت للمرحاض، لتقف أمام المرآة وعيناها لم تتوقف عن هدر الدموع، وجهها ذابل وعيناها منطفئة، وكأن كل إنش بجسدها حزين على حالها، على ما آلت إليه، فتحت الصنبور لتهدر المياه كهدر دموعها، أمسكت بالماء بين كفيها ثم رشّت به وجهها، أعادت الكرة مرة أخرى، ثم أغلقت الصنبور، لتجفف وجهها، خرجت من الغرفة لتقف أمام الخزانة ثم أخرجت ما رأته أمامها، إرتدته سريعاً ثم أخذت مفاتيح سيارتها، لتخرج من الشقة..
• • • •
جالساً جوارها على الفراش، مُمسكاً بين كفيه كفُها الصغير، يُلصق شفتيه به وينظر لها، ينتظر إستفاقتها من نومها الذي طال، ينتظر عيناها البرّاقة تُفتح، ينتظر فمها الصغير يتحرك ليؤنبه عن الترهات التي هتف بها، ينتظر جنونها وشغفها، طفوليتها وبراءتها التي تُسحره، حنانها الذي تُغمره به رغم قسوته، هدوءها رغم غضبه، تنهد مُغمض عيناه، ليفتحها مُسرعاً عندما شعر بكفها يتحرك داخل كفه، مال نحوها ليحاوط إحدى وجنتيها قائلاً:
- هـنـا..!!!
فتحت عيناها ببطئ، للتنظر لعيناه التي تتفحصاها بقلقٍ، مكبلاً وجنتيها بكفيه، ولم تشعر بنفسها سوى وهي تضربه في صدره بقسوة، لتُبعده عنها منتفضة من فوق الفراش تنظر له بحدة، ليُغمض عيناه يمرر أصابعه داخل خصلاته، ثم فتحهما مجدداً، وهمّ بالاقتراب منها ولكنها صرخت بهيستيرية:
- أبعد عــنــي!!!! إياك تقرب..!!!
لم يُلقي بالاً لكلماتها، فـشاغره الأقوى الأن أن يحتضنها بين ذراعيه، ويتأسف مراراً عن حماقته، وبالفعل أقترب منها لتبتعد "هنا" من أمامه ثم كادت أن تخرج من الباب ليقبض على خصرها من الخلف مثبتاً ظهرها بصدره بذراعيه المفتولين، حاولت تحرير نفسها منه ولكنها لم تفلح، دفن أنفه بعُنقها مغمض العينان، يُقبله بلُطف، ظلت تنظُر للأمام نظرات خاوية، باردة، ولكنها أغمضت عيناها تُغرز أظافرها بقسوة في ذراعيه دون وعيٌ منها، أسند مقدمة رأسه على كتفها متنهداً بعُمق، ليُردف بصوتٍ خافت حنون:
- أنا أسف، كل اللي أنا قولته كلام مالوش لازمة، متمشيش يا هنا، وجودك بيفرق معايا جداً، مجرد إني أتخيل أنك هتبقي مش في حياتي بحس إني في كابوس، وهفوق منه على صوتك وألاقيكي جنبي، أنا مش عارف أنتِ عملتي فيا أيه، كل مرة بحاول أبعد عنك مش بقدر، كنت في الأول بقول يمكن أتعودت على وجودك في حياتي، مُجرد تعود، كنت بضحك على نفسي عشان أنا فعلا حبيتك!!!!
خفّت غرس أظافرها عن ذراعه، ثم فتحت عيناها بصعوق، لتجحظ أمامها بعينان متوسعة، شعرت بصعقات كهربية تمر خلال جسدها، فـ رفع رأسه ليلُفها لها ممسكاً بذراعيها بلُطف، يواجه عيناها التي وقع عاشقاً بهما، وملامح وجهها التي سرعان ما نزعت قلبه من بين ضلوعه من كثرة خفقانه، ثم أقترب منها حتى بات لا يفصلهما سوى بضع إنشات، حاوط وجهها بكفيه، ليُقرب ثغره من ثغرها، هامساً أمام شفتيها بنبرة ذوّبتها:
- بحبك!!!!
أنتفض قلبها من بين ضلوعها لكلمة مكونة من أربع حروف، حدقتيها ترمُش بعدم تصديق، قلبها هوى في قدميها، تنظر لعيناه الفيروزتان، وكأنه تستشف صدقه منهما، وبالفعل وجدتهما يبرُقان بطريقة جعلتها ترتجف فـ طبع شفتيه فوق شفتيها يُقبلها بشغف، لم تستطيع "هنا" إستيعاب ما يحدث، ولكنها أدركت أنه وأخيراً أعترف لها وبتلك الطريقة، أغمضت عيناها لتلُف ذراعيها حول عُنقه تُبادله قُبلته بسعادة أخفتها عنه، أبتعد عنها ليحملها بين يداه، ثم وضعها على الفراش، ليشعر كلاً منهما أنهما محلقان في السماء من فرط سعادتهم!!!
• • ••
وقفت أمام باب مكتبُه، ثم أدارت المقبض بعنف لتدفعه، رفّع "ظافر" عيناه بغضب وهو على أهُبة الأستعداد لكي يطرد من فعل تلك الحركة، ولكن إرتخت ملامحه عندما وجد "ملاذ" واثبة أمامه، وقف مبتسماً ثم أبتعد عن مقعده ليقترب منها قائلاً بدهشة:
- ملاذ!!! أيه المفاجأة الحلوة دي يا حبيبتي!!!
أعتلت السُخرية صفحات وجهها، لتتقدم منه قائلة بتهكُم:
- عجبِتك؟!!
رغم أستغرابه لطريقة حديثها الفاترة، ولكنه أمسك كفيها ليُقبلهما قائلاً بتأكيد:
- طبعاً!!!
قطبت حاجبيها بنفور منه، ثم أبتعدت عنه، لتنظر له بدقة، تخبر نفسها، ما اللذي جعلها تتورط معه هكذا، لماذا حتى بعدما حدث قلبها يؤلمها عندما تفكر بتركُه، لماذا لا تستطيع الأبتعاد عنه!!!، أفاقت على صوته وهو يقول:
- في أيه يا ملاذ؟!!
تنهدت بعُمق ثم هتفت بجمود شديد:
- ظافر أنت حبيتني؟!!
أنعقد ما بين حاجبيه بغرابة، ليقترب منها مجدداً ثم حاوط خصرها قائلاً بصدق، وصوت جعلها تريد لو أن تُصفع "مريم" عما قالته:
- حبيتك دي كلمة قليلة صدقيني، أنا عديت مرحلة الحُب معاكي!!!
نظرت لعيناه تحاول أن تستشف الصدق بعيناه، فـ لم تجد نظرة بها ذرة كذب واحدة، عيناه تنبع بعشقه لها، ودقات قلبه تهتف بإسمها، تشتت لأبعد حد، ماذا تفعل أتُخبره بما حدث، أم تصمُت و تدعس على كرامتها لتبقى معه، أغرورقت عيناها بالدموع وهي تنظر له، وكأنها تعاتبه، لتبتعد عنه ضاربة المكتب بكفيها تصرخ به:
- طب ليه عملت معايا كدا!!! لـيـــه!!! أنا عملت فيك أيه عشان تعاقبني بالطريقة دي!!!
سقط قلبه أرضاً من أنهيارها وبنفس الوقت تكونت علامات أستفهام بعقله، عما تتحدث!، أقترب منها ليمسك بكفيها الأحمر من ضربها للمكتب، ثم حاوطهما بكفيه قائلاً وهو يحاوطها بذراعيه:
- ششش أهدي يا حبيبتي، في أيه؟!! أنا زعلتك في حاجة؟!!
أبتعدت عنه لتلتصق بالحائط خلفها تضع كفيها على أذنها:
- كفاية!!! كفاية تمثيل، مش عايزة أسمع كلامك دة، مش قادرة أتخيل أنك تعمل معايا كدا!!!
نفذ صبره ليقف أمامها ضارباً الحائط خلفها يُردف بصوته الجهوري:
- عملت فيكي أيــه!!!
أنكمش جسدها أكثر وهي مُحاصرة بين ذراعيه، فـ هي الأن تعتبره شخص جديد عليها كُلياً، ليس هو من أحبته ووثقت به بعد الخذلان الذي تعرضت له بحياتها، لترفع عيناها لعيناه الخضراوتان، قائلة بصوتٍ مبحبوح أثر صراخها:
- لما أنت بتحبها ورديتها.. ليه أتجوزتني، ليه علّقتني بيك،عشان تكسرني؟!! لسة بتنتقم مني مش كدا؟!!!
كلماتها مُبهمة بالنسبة له، علاوةً على بكائها الذي يُبعثره، ولكنه أدرك أنها تقصد "مريم"، حاول أن يُهدأ من أنفعالاتها، ليكوّب وجهها رافعاً إياه له ثم هتف برفق:
- ممكن متعيطيش عشان نعرف نتكلم، أرُد مين؟!! مريم؟!!!!
أستشعرت حنان كفيه لثواني معدودة، فـ رُبما ستكون تلك المرة الأخيرة التي يحاوطها بتلك الطريقة، حتى لو كان تمثيل منه، أبعدته عنها مجدداً مسترسلة بضيق من تمثيله الذي لا ينتهي:
- عامل نفسك متعرفش حاجة مش كدا!!، الهانم جاتلي النهاردة وورتني بكل بجاحة قسيمة جوازكوا الجديدة، تاريخها قبل فرحنا بيوم واحد!!! أزاي قدرت تكدب وتمثل عليا كُل المدة دي!!، طب ليه أصلاً أتجوزتني، دة أنا عُمري مـ شكيت فيك لحظة واحدة يا ظافر، أنت كنت مصدر الأمان بالنسبالي، أبويا و جوزي و حبيبي!!!، مش هقول غير منك لله!!!
تساقطت كلماتها فوق رأسه كـ صدمات متتالية، لتجحظ عيناه من أتهامها له بتلك الطريقة دون حتى أن تسمعه، و رغم صدمته العظيمة، إلا أنه أحتفظ بملامحه هادئة، وهذا ما جعلها تتيقن من صدق حديث "مريم" لتقبض على تلابيبه بقسوة تقف على أطراف أصابع قدميها، تنظر له نظرات قاسية، نظرات أمرأة فقدت الثقة بكُل من حولها، نظرات رغم قوتها إلا أن هو وحده من يعلم أن تلك القوة تتوارى خلفها طفلة تبكي في الزاوية!!!
خرجت نبرتها مُحملة بأحزان خفية، شبه مترجية:
- أتكلم!!! دافع عن نفسك، قول أن كل كلامها غلط، وأنك جوزي أنا لوحدي، قولي أنها كدابة يا ظافر!!!
نظر لها بسُخرية، ليقبض على كفيها قائلاً وهو يبعدها عنه:
- عايزاني أدافع عن نفسي ليه؟!!، أنتِ صدقتيها وكدبتيني أنا!!!! يبقى أيه فايدة إني أقولك أنها كدابة!!!
نظرت له بعدم أستيعاب ليُكمل بجمود:
- واحدة مكانِك كانت متصدقش الكلام دة على جوزها لو جابولها مليون إثبات!!!!
ألتفت يوليها ظهره، مغمضاً عيناه بألم حقيقي:
- أطلعي برا يا ملاذ!!!
نفت برأسها عدة مرات بهيستيرية، لتضع كفها على فمها خوفاً من أن تكون ظلمته، وألقت اللوم عليه بلا وجه حق، أقتربت منه ببطئ، ثم وقفت أمامه لتنظر للألم الذي أحتل وجهه، فركت أصابعها ببعض قائلة بتوتر وعيناها لازالت تدمع:
- يعني..يعني هي بتكدب!!!!
فتح عيناه يُطالعها بتهكم، ثم أخرج هاتفه من جيب بنطاله، ضاغطاً على أزراره، ليفتح مُكبر الصوت، يقول بصوته القوي:
- أزيك يا حج!!
أتاه صوت يبدو عليه الكبر يقول بلهجة صعيدية:
- أهلاً يا ظافر باشا، أنت أيه أحوالك!!!
نظر داخل عينان "ملاذ" يُردف بجمود:
- أنا كويس، بس واضح أن بنتك مش عايزة تجيبها البرّ!!!
أتاه صوت الرجل مفزوعاً يقول:
- مريم!! عملت أيه تاني!!!
نظرت له تفرك أصابعها ببعض عندما قال وهو يزال ينظر لها:
- جات لمراتي النهاردة وجايبالها ورقة مزورة على أساس أنها قسيمة جوازنا الجديدة، وقالتلها أن أنا رديتها لعصمتي!!!!!
أرتعد صوت الأخير قالاً بعدم تصديق:
- معجول (معقول)!!! هي حُصلُت!!!!
أبتسم ساخراً وهو يقول مشدداً نظراته على "ملاذ":
- بس طبعاً مراتي مصدقتهاش، هي واثقة فيا وعارفة إني مستحيل أعمل كدا!!!!
أنهمرت الدموع من عيناها تُغمضهما رافضة مواجهة عيناه التي تؤنبها، غارسة أسنانها في شفتيها، تمنع شهقاتها من الخروج!!!
أكمل الرجل قائلاً بخجل:
- أنا أسف يابني على اللي بنتي جالتُه، صدجني أنا مش هسكُت على الي حُصُل!!!
هتف "ظافر" قائلاً بتحذير:
- لولا أني عارف أنك راجل مُحترم و صاحب أبويا الله يرحمه من زمان، صدقني كنت هتعامل معاها بطريقتي، لأن مش ظافر الهلالي اللي يسكت عن حقُه!!!
هتف الأخير مُسرعاً خوفاً على أبنته وأفعالها من "ظافر"
- لاء يابني متتعبش نفسك إنت خليك چنب مرَتك وأنا هتصرف!!!
أغلق معه بعد أن ودعُه بإحترام فهو ليس له ذنب بأفعال إبنته، ليلقي بالهاتف على المكتب، ينظر للندم الذي تشكل على عيناها، ونظراتها التي كانت تتهرب منه، إزدردت ريقها لترفع عيناها نحوه، فوجدته ينظر لها بجمود شديد، حاولت التحدث ولكن لسانها مربوط بسلاسل حديدية، فـ أبتعد "ظافر" عنها يقف أمام النافذة التي تطُل على مناظر طبيعية خلابة تُحبس الأنفاس، يوليها ظهره واضعاً كِلتا يداه في جيبه، ليردف بهدوء:
- أخرجي يا ملاذ!!!
أغمضت عيناها وقلبها يُعتصر بقسوة، ثم فتحت عيناها تنظر له قائلة بتلعثُم:
- ظافر أنا.. أنا مقدرتش أفكر وقتها، حُط نفسك مكاني!!!
ألتفت نحوها ليتقدم منها بسرعه كهبوب العاصفة، ثم دفعها من ظهرها للحائط خلفها لتتآوه بألم لم يؤثر به صارخاً بوجهها وهو يُشدد على ذراعيها:
- لو كنت مكانك وواحد جه قالي مراتك بتخونك مكنتش هصدقه، كنت هخلي حياته جحيم لأنه فكر أنه يخوض في شرفك، أنا بثق فيكي لأبعد حد ممكن تتخيليه، و بأمِنك على كل حاجة رغم كُل اللي عملتيه زمان واللي أنا أصلاً نسيتُه خلاص!!!
بكت بصوتٍ عالي على كلماته التي تذبحها، فشدد أكثر على ذراعيها متابعاً بنفس النبرة الجحيمية:
- و أبسط مثال على دة ريان اللي كان ممكن أصدق إنك فعلاً خليتي حد يروح يخطف أبنه عشان تنتقمي منه، بس أنا مصدقتش، وجيت أتكلمت معاكي بمنتهى الهدوء، عشان أنا عارف أن مراتي متعملش الحركات الـ **** دي، أنما ظافر يعمل أكتر من كدا في نظرك طبعاً!!!!
أمسكت بملابسه قائلة برجاء باكي:
- كفاية يا ظافر!!!
نفض يداها عنه بغضب شديد ليُكمل:
- ملاذ روّحي البيت دلوقتي!!!
نفت برأسها سريعاً لترتمي بأحضانه باكية وهي تقول:
- لاء مش هسيبك لوحدك!!!
زفر بإستياء حقيقي ولم يُطاوعه قلبه وُيبعدها عن أحضانه، ولكنه أيضاً لم يحاوطها بذراعيه!!!
بكت أكثر دافنة وجهها في صدره تحاوط خصره بأقوى ما لديها، فأغمض هو عيناه يحاول التماسك حتى لا يلين و يواسيها، فـ بُكاءها الشئ الوحيد الذي يضعف أمامه، أخذت تُربت على ظهره بكفيها قائلة بحُزن شديد:
- أنا أسفة يا حبيبي!!!!
لم يُجيبها بل نظر لإرتعاشة جسدها وأنتفاضته من البكاء، لترفع وجهها الشاحب له، قائلة بشفتين ترتعشان:
- ظافر ممكن تُحضني، أنا بردانة جداً!!!
رفع الراية البيضاء ليلُف ذراعيه حولها بقوة، يُحرك كفيه على ظهرها لكي يبُث الدفء به، ليأخذها على الأريكة يجلسها عليها، بينما هي تحاوط كتفيها بذراعيها و البرودة تعصف بجسدها، نزع عنه سترته الثقيلة ليحاوط بها كتفيها ثم أغلق النافذة جيداً و أشعل المكيف على وضع المدفأة، ليخرج من الغرفة يقول لمساعدته:
- ألغي كُل مواعيدي النهاردة، مش عايز إزعاج خالص!!!
لم ينتظر ردها ليغلق الباب، ثم عاد لتلك التي ترتجف من البرودة ليجلس جوارها يضُم جزعها العلوي لصدره يُحرك كفيه على ذراعها مُقبلاً جبينها بحنان، فحاوطت هي خصره تستمع لنبضات قلبه، ورغم أنها لم تعُد تبكي، ولكن لا يزال جسدها ينتفض من شهقاتها الخالية من البكاء تماماً كالأطفال، فأبتسم على براءتها لينزع عنها الحجاب يمسح على خصلاتها الناعمة، تنهدت "ملاذ" وقلبها وعقلها يُعنفوها لظُلمها له، رفعت عيناها له ببراءة، ثم هتفت بصوتها الرقيق:
- مش زعلان مني..صح؟!!
- مقدرش أزعل منك!!!
قال وهو يضع رأسها على قلبه، يحاوطها بذراعيه..
أبتسمت بفرحٍ لتحتضنه اكثر، ليبقوا على تلك الحالة، هو يُشدد على عناقها يمسح على خصلاتها الطويلة حتى غفت بأحضانه، وهو أيضاً أسند رأسه على رأسها ثم نام بعمق..!!
• • • •
أستفاقت وهي بأحضانه، لترفع وجهها له تتأمله وهو نائم، مبتسمة بعشق، ولكنها ذُعرت عندما وجدته يفتح عيناه لتصرخ واضعة يدها على قلبها قائلة:
- حرام عليك كنت هموت من الخضة، أيه يا باسل نايمة مع عفريت!!!
↚
قهقه عليها ثم ضمها له قائلاً وهو يغمُز لها:
- طب بذمتك في عفريت هيبقى بالحلاوة دي؟!!
أمسكت طرف أنفه قائلة وهي تقوم بتقليده ساخرة، ثم هتفت كاذبة:
- على فكرة أنت عادي متاخدش مقلب في نفسك!!!
توسعت عيناه بدهشة، ثم أشرف عليها يضع كِلتا كفيه جوار وجهها قائلاً بغرور:
- أنا عادي!!!، دة أنا كل البنات كانوا بيرموا نفسهم عليا كدا!!!
أنطلقت الشرارات من عيناها لتكتف ذراعيها قائلة بغيرة:
- والله؟!!!
دفن أنفه في عُنقها مهمهماً وهو يُدغدها بأنفه:
- اممم..
أبعدته عنها تقاوم نوبات الضحك التي كادت أن تتلبسها، ثم نظرت له بعيناها الواسعة قائلة بحُزن:
- بقا كدا يا باسل؟!!
طبع قبلة سطحية على شفتيها قائلاً بحنو:
- و أختارتك في الأخر يا هبلة، هُما أساساً مايتقارنوش بيك يا قمر أنتَ!!!
قال جملته الأخيرة بمزاح، فأبتسمت وهي ترفع أنفها بغرور:
- مـ أنا عارفة..!!
ضحك قائلاً:
- يا واد يا واثق أنتَ!!!
شاركته الضحك لاسيما عندما دغدغها ثم أنتهى به الأمر يُقبل معدتها قائلاً لأبنته:
- والله أمك دي مجنناني..!!!
أبتسمت له لتداعب خصلاته، فأرتفع لمستواها مجدداً قائلاً بجدية فجأة ظهرت في نبرته:
- رهف هي أمك عرفت المكان إزاي!!!
نظرت له بدهشة تبعها توتر، وهي تقول:
- أيه اللي فكرك بالموضوع دلوقتي يا باسل!!!
جلس على الفراش بجانبها قائلاً بنبرة هادئة، تُشبه هدوء ما قبل العاصفة:
- أنا منسيتش أصلاً!!!
إزدردت ريقها لتجلس مُلتفتة له ثم قالت بتوجس:
- هقولك بس متتعصبش!!!
أومأ لها بصمت قائلاً:
- متخافيش..
تجرأت لتقول:
- بصراحة يا باسل أنا كنت بكلم ماما دايماً عشان كانت بتوحشني أوي، بس مقولتلهاش إني حامل عشان متصممش تيجي، بس والله هي اللي طلبت مني عنوان البيت عشان تيجي تطمن عليا وأنا أديتهولها، مكنتش أعرف ان الحيوان دة هييجي معاها والله!!!
قالت وهي تستشف تعبيرات وجهه فوجدته هادئ، لتتفاجأ به يجذبها لأحضانه قائلاً:
- ماشي يا حبيبتي!!!
حاوطت خصره لتردف بدهشة:
- مش زعلان مني؟!!
قال بحنان:
- هزعل منك ليه؟!! دي أمك وأنا مقدرش أمنعك عنها، أما بالنسبة للـ *** انا عارف هتعامل معاه إزاي!!!
أنتفضت فزِعة تقول:
- لاء يا باسل ملكش دعوة بيه بلاش تودي نفسك في داهية عشانه!!!
قبّل خصلاتها قائلاً بهدوء:
- متخافيش يا حبيبتي، أنا مش هوسّخ إيدي عشان كلب زي دة، أنا بس هقرُص ودنه!!!!
قلق قلبها لما سيفعله به، ولكنها تثق بأنه رغم أندفاعه ولكنه حكيم، يزِن الأمور..
• • • •
هبطت الطائرة الخاصة في مطار القاهرة، ليترجل "مازن" ممسك بزوجته التي أمسكت بـ أخيها، أستنشقت "فريدة" هواء مصر التي أشتاقت له، لتنبعث الراحة في خلايا جسده، راقبها "مازن" عن كثب ثم هتف مشدداً على يدها وهو مشيراً للدرج بعيناه:
- براحة وأنتِ بتنزلي!!!
أبتسمت وهي تتذكر الإجراءات الإحترازية التي يمارسها عليها منذ خروجهم من باب الشقة في فرنسا..!!
مدّت ذراعيها حوله عنقه قائلة بغنج:
- طب شيلني بقا عشان أنا تعبت!!!
تجمعت الأنظار حولهم ولكنه لم يُبالي، ليُشير لأحد حراسه بأخذ "يزيد" للسيارة، وفاجأها بحملها بين ذراعيه دون أن يخجل، لتشهق "فريدة" قائلة بفزع:
- يخربيتك يا مازن نزلني أنا كُنت بهزر!!!
نظر أمامه قائلاً وهو يتجاوز الدرج:
- متهزريش معايا في الحاجات دي، أصل أنا انتهازي ومـ بصدق!!!
تشبثت في عُنقه لتدفن رأسها في صدره بخجل لكي تتوارى عن أنظارهم:
- مازن المطار كُله بيبُص علينا!!! نزلني عشان خاطري!!
ظل كما هو يسير بثقة، فـ دفنت وجهها بعنقه أكثر تسُبه بخفوت، وقف على بوابة المطار وقبل أن يطلبوا منه جواز السفر علِموا هويته، ليفسحوا المجال له والظابط يقول بسرعة:
- أتفضل يا باشا..!!
رفعت "فريدة" رأسها له بعد أن تجاوزهم بهدوء، ثم قالت وهي تُغمز له:
- دة أنا طلعت متجوزة حد مهم أوي!!!
ألتفت لها بإبتسامة قائلاً:
- عيب عليكي!!!
وصلوا للسيارة التي كانت تنتظرهم، ليفتح أحد الحراس الباب الخلفي له فوضع به "فريدة" ثم جلس جوارها و "يزيد" بالأمام، فسألته "فريدة" بحماس:
- هنروح الصعيد صح؟!
أومأ لها ممسكاً بهاتفه يُتابع أخبار شركته بفرنسا عن بُعد، فأقتربت منه بفضول قائلة وهي تنظر لهاتفه:
- بتعمل أيه؟!!
ولكنها تذمرت بضيق عندما وجدته يعمل قائلة:
- شغل تاني!! أيه يا مازن أحنا لحقنا..!!
نظر لها قائلاً ليُراضيها:
- والله حاجة مهمة ياحبيبتي هخلصها على طول..
- طيب..
هتفت بحُزن لتبتعد عنه في آخر السيارة تُتابع السيارات التي تسير ذهاب وعودة، والوجوه الدافئة التي أشتاقت لها، سمعته يتحدث مع أحدهم عن تأجيل العمل لوقتٍ لاحق، وفور إنهاء المكالمة جذبها له ليُدخلها بأحضانه قائلاً بحنان:
- حبيب قلبي زعلان ليه!!!
حمدت ربها للفاصل الزجاجي المطلي بالأسود لكي يمنع "يزيد" والسائق لرؤية أو سماع ما يحدث بينهم، لتكتف ذراعيها تزُم شفتيها بعبوس كالأطفال:
- خليك في شُغلك وشركتك يا مازن وملكش دعوة بيا!!!
ضحك على طفوليتها ليقول وهو يُقبل أرنبة أنفها:
- يولع شُغلي و شركتي باللي فيها بس متزعليش!!!
أبتسمت بشقاوة لتعانق خصره قائلة وهي تنظر له:
- بجد؟!!
- طبعاً.. كله إلا زعلك..!!
أستطرد وهو ينظر داخل عيناها بصدق، لتدفن رأسها في عُنقه بخجل مُحبب:
- ربنا يكرمك..!!!
قهقه بشدة ليردف وهو يرفع وجهها له:
- ربنا يكرمك!!! دة أيه شغل المتسولين دة!!!
تشاركا الضحك معاً لتندفع هي تُعانق خصره قائلة:
- أنا هنام شوية ولما نوصل صحيني..
- نامي يا أخرة صبري نامي!!!
قال بقلة حيلة وهو يربت على خصلاتها حتى نامت..
• • • •
وصلا بالفعل بعد أكثر من ساعة، فـ نكس رأسه لكي يُفيقها وهو يعبث بخصلاتها قائلاً:
- فريدة، قومي يا حبيبتي وصلنا..
نهضت بعد محاولات عديدة منه، لتنظر له بشعرها البني المشعث، محاوطة خصره قائلة بنعاس:
- لاء أنا نعسانة خلينا هنا شوية..!!
هتف برفق وهو يُعيد ترتيب خصلاتها الناعمة:
- طب أبقي نامي فوق..
زمت شفتيها بحزن قائلة:
- لاء مش عايزة..
لم يجد مفراً سوى من حملها لخارج السيارة، فـ شهقت بإحراج:
- نزلني يا مازن..!!
- أنا حذرتك..
قال بإبتسامة سلبت قلبها، ليذهب و "يزيد" يركض خلفهم قائلاً ببراءة:
- سيلني (شيلني) أنا كمان يا عمو مازن..
نظر له ببرود لكي يُغيظه:
- لاء أنا بشيل فريدة بس..!!
أبتسمت "فريدة" لتحاوط عنقه ساندة رأسها على صدره، وعندما وصلوا إلى الباب ترجته أن يُنزلها وفعل، طرق على الباب لتفتح الخادمة التي شهقت بدهشة:
- مازن باشا!!!
ثم صاحت تُنادي على رقية:
- يا هــانــم، مازن بيه وصل!!!
نزلت "رقية" من فوق الدرج بصدمة، لتركض إلى أبنها تحتضنه بشوق فبادلها عناقها قائلاً بحنو:
- وحشتيني يا أمي!!!
بكت "رقية" قائلة:
- و أنت يا ضنايا اتوحشتك جوي!!!
ثم عانقت "فريدة" و أخيها، لتعاتب عليهم لغيابهم تلك كل الفترة، جلسا معاً ثم أكلوا في جو لا يخلوا من الضحك والفرح، ولا يخلوا أيضاً من وقاحة "مازن" وهو ييضع قدمه على أقدام "فريدة" أسفل الطاولة لكي يُدغدغها، لتنظر له بصرامة تجعل إبتسامة متحدية ترتسم على ثغره، أخذت "رقية" الصغير لكي تترك لهم فرصة الجلوس معاً، ليصعدوا لجناحهم، وفور أن أغلق "مازن" باب الغرفة أنفجرت "فريدة" في غضب:
- مش هتبطل قلة الأدب دي يا مازن، أحرجتني أوي والله!!!
أقترب منها ببطئ يبتسم بمكر لتبتعد هي بتوجس:
- دة أنا قلة الأدب بتمشي في دمي، وبعدين أنتِ مراتي محدش ليه عندي حاجة!!!
أبتعدت عنه لتجلس على الفراش فـ مال نحوها، مستنداً بكفيه جوارها ليُحاصرها بذراعيه، فهتفت بتلعثم يتلبسها عندما تكُن قريبة منه:
- حتى لو كدا عيب وميصحش و آآآ.!!!
قاطعها وهو ينثني نحوها أكثر لتنكمش بجسدها، فهتف بخُبث:
- وأخيراً بقينا لوحدنا من غير زن أخوكي الغتت!!!!
رمشت بعيناها عدة مرات، لتردف بنبرة مهزوزة:
- هتعمل أيه؟!!
ضحك ملئ فمه ثم سرّق من شفتيها قُبلة أذابتها، ليغمز لها قائلاً:
- تحبي أوريكي؟!!
حاولت الخروج من حصاره لها ولكنه أعادها مكانها بذراعه ليهتف بنبرة شريرة مُحببة:
- تعالي رايحة فين، مافيش مفر النهاردة!!!
نظرت له بطفولية قائلة ببراءة:
- تهون عليك ديدا حبيبتك؟!!
نظر لها بُجرأة قائلاً:
- طب أنا أهون عليكي أبقى في أوضة واحدة مع الجمال دة كُله و أسيبُه؟!!
ضحكت برقة فـ وضع يده على قلبه كمشهداً درامياً وهو يقول:
- آآه قلبي هيُقف مش قادر، شكلي هعمل عملية تاني، أصل أنتِ متعرفيش الضحكة دي بتعمل فيا أيه!!!!
كانت تلك أخر كلماته قبل أن ينغمساً معاً في بحور عشقهم..!!!
• • • •
أستفاقت من نومها على ألم فظيع بمعدتها المتكورة، لتضع يدها عليها تُطلق صرخات مُتألمة جعلت "باسل" ينتفض من نومه صارخاً بفزع وهو يتفحصها:
- رهف!! في أيه!!!
تمسكت بملابسه قائلة وسط صراخها:
- بولِد يا باسل ألحقني هموت!!!!
حملها " باسل" سريعاً بين يداه والساعة شارفت على الثالثة فجراً، أستقل سيارته وسط صراخها المستغيث بها ثم ذهب بسرعة كالرياح لمشفى الهلالي..
وقف أمام غرفة العمليات مستنداً على الحائط خلفه مغمض العينان يَدعي خالقه لكي تعود له سالمة، لتأتي العائلة بأكملها بجانبه "ملاذ" و "ظافر" و "وجواد" و "ملك" وبالطبع "مازن" وزوجته، جلسوا جميعاً على أحر من الجمر، بينما هو يقف يستمع لصراخها ليضرب الحائط بكفه بقسوة قائلاً:
- ليه سايبينها تصرّخ كدا!!! أنا عايز أدخُل عندها!!!
لم ينتظر ردّ أحد ليذهب مرتدياً زي العمليات، ثم دلف للغرفة ليقترب من الفراش ينظر لوجهها الشاحب وعروق جبينها التي تبرُز من كثرة العصبية، تُصرخ بألم مزقه، ليحاوط كفها يُقبله يُزيل العرق المتصبب من مقدمة رأسها، عندما أستشعرت وجوده فتحت عيناها لتردف بنبرة ضعيفة:
- باسل!!!
أنحنى نحوها ليهتف وهو يُقبل جبينها:
- قلب وروح باسل!!!
أنهمرت الدموع من عيناها تقول وهي تنظر له بوهن:
- خليك ماسك إيدي كدا، وجودك جنبي بيقويني!!!
ألتفت إلى الطبيبة ليقول بعصبية:
- ليه مش واخده مُخدر!!!
هتفت الطبيبة بإرتباك:
- واخدة يا فندم والله، بس الولادة صعبة و أكيد هتحس بنغزات!!
أبعد أنظاره عن الطبيبة ثم ألتفت لمعشوقته ليتحسس وجنتيها قائلاً برفق:
- أهدي يا حبيبتي أنا جنبك..!!!
تشبث بذراعه لتصرخ بقوة مما جعله يُغمض عبناه و قلبه وأذنيه يرفُضان صراخها بهذا الكم من الألم، لتصدح صرخات صغيرتُه مما جعله يعتدل واقفاً ينظر لأبنته بعينان لامعتان، كما فعلت "رهف" لتمُد ذراعيها لها قائلة بلهفة:
- هاتيها، عايزة أشوفها!!!
لفتها الطبيبة بغطاء ثقيل ثم أعطتها لـ "رهف" التب أحتضنتها لصدر بحنان أموي، لينحني "باسل" لصغيرته وعيناه تشُع حُباً يقول بإبتسامة:
- نُسخة منك!!!
مسد على خصلات "رهف" يُقبل جبينها، فـ نظرت له قائلة بسعادة غامرة:
- لاء واخدة رسمة شفايفك، ومناخيرك!!
أبتسم لها ثم جلس جوارها لتُمدها له قائلة بحنو:
- سمي بالله وشيلها يا حبيبي!!!
تلقاها منها بحذر شديد لينظر لوجهها الصغير يمسح على رأسها، جائت قطعة منه ومنها، جائت لكي تجمع بين صفاتهم في شخص واحد، مال بثغره ثم قبّل جبهتها بعُمق مغمض العينان يستشعر ذلك الإحساس الذي لا يوصف!!!
دلفت العائلة بأكملها بسعادة يُهنئوا ويباركوا لتمتلئ الغرفة بالضحك، فـ صدح صوت "مازن" يقول بإبتسامة:
- هستغل اليوم دة والفرحة اللي أحنا فيها هتبقى فرحتين، فريدة حامل!!!
توجهوا الجميع لـ "فريدة" يُباركوا لها، لتردف رهف" بضعف:
- مبروك يا حبيبتي!!!
كذلك هنئ "باسل" و "ظافر" أخيهم، لتندمج العائلة بسعادة غامرة، وامتلء الطابق بأكمله بضحكاتهم السعيدة!!!
• • • •
جالسة على مقعدها الذي سئمت منه، ممسكة بيدها تقرير طبي جوار نتيحة تحاليل، دموعها لم تجف على وجنتيها، فهي أكتشفت قبل ذهابها إلى "ملاذ" بأنها مصابة بـ سرطان الدم، لذلك حاولت أن تجعلها تسامحها ولكن لم تستطيع، حرّكت المقعد ثم أوقفته أمام المرآة، نظرت لهيئتها بوجهها الذابل، والهالات السوداء أسفل عيناها، نظرت لخصلاتها التي ستنحرم منهم قريباً، شعور جعل قلبها يوخزها، رموشها المبللة بالدموع والتي شارفت على السقوط، بكت على حالها البائس، لتقذف محتويات المزينة بأكملها على الأرض صارخة بجنون، لتأتي "فتحية" تحاول تهدأتها ولكن لم تفلح، حتى سقطت "براءة" من فوق مقعدها مرتطمة بالأرضية صارخة بعنف، أسندتها "فتحية" لتجلسها على فراشها تتلو أيات من الذكر الحكم لعلها تهدأ، وبالفعل هدأت "براءة" لتدخل في سبات عميق، فتحركت من جوارها "فتحية" ثم ذهبت ناحية هاتفها لتهاتف "ملاذ"..
على الجانب الأخر، خرجت "ملاذ" من غرفة المشفى لترد على "فتحية"، ثم وقفت بممر المشفى تُجيب بهدوء:
- أزيك يا دادة؟!!
أجابت الدادة بصوتٍ مهزوز:
- ملاذ براءة محتاجاكي!!!
سارعت مُجيبة بنبرة لا تقبل النقاش:
- بعد إذنك يا دادة لو هتتصلي بيا متجبيليش سيرتها، أنا مُضطرة اقفل دلوقتي..!!!
أغلقت معها "ملاذ" بأسف، لتجلس على أحد المقاعد مُحاوطة كتفيها بذراعيها، تتنهد بعُمق، لتنتفص فزعاً عندما وضع "ظافر" كفه على كتفها، فهدأها وهو يجلس جوارها:
- متخافيش يا حبيبتي دة أنا..!!
اسندت رأسها على كتفه، فنظر لها قائلاً بهدوء:
- كُنتي بتكلمي مين؟!!
هتفت بشرود وهي تنظر للأمام:
- دادة فتحية!!!
زفر بضيق قائلاً بعصبية:
- عايزة أيه تاني..!!!
لم تنتبه لنبرته الغاضبة، لتحاوط ذراعه تُردف:
- قالتلي براءة محتاجاكي ، بس أنا قولتلها إني مش عايزاها تجيب سيرتها معايا!!!
وضع كفه على كفها قائلاً بحدة طفيفة:
- ياريت متروديش عليها تاني اصلاً..
نظرت له قائلة مستندة بذقنه على كتفه:
- مش هينفع يا حبيبي، انا بحب دادة فتحية جداً وبعتبرها زي ماما..!!
حدق بها يقول بهدوء:
- أعملي اللي يريحك يا ملاذ...
• • • •
- هتسموها أيه؟!!
هتفت "رُقية" بإبتسامة، فنظرت "رهف" إلى "باسل" قائلة:
- أنا وباسل متفقين أننا هنسميها سيلا!!!
أبتسمت "ملاذ" بعذوبية قائلة:
- حلو أوي!!!
ضمت "رهف" إبنتها إلى صدرها بحنان، تنظر لملامحها الطفولية، وحاجبيها المقطبان بإنزعاج فأستند "باسل" على كتفها قائلاً بمزاح:
- شكلها هتطلع نكدية زيك يا حبيبتي!!!
ضربته على صدره ليضحك الجميع عليهم، ثم خرج "باسل" مع "مازن" ليشتروا طعام جاهز، فـ أقتربت "ملاذ" من رهف" قائلة بإستحياء:
- ممكن أشيلها؟!!!
أومأت لها "رهف" قائلة:
- طبعاً يا حبيبتي..
مالت "ملاذ" لتلتقط الصغير بين ذراعيها بحذر شديد، ليرتعش جسدها ما إن حملتها، أعتدلت بوقفتها لتنظر لها بإبتسامة ملئت ثغرها وقلبها يخفق بقوة، هل ستعيش تلك اللحظة وهي تحمل قطعة منها بين ذراعيها تُطعمها و تُدللها، إزدردت ريقها بعينان بارقتان لتنثنى بثغرها نحوها تُقبل وجنتيها الناعمة جداً، لم ينتبه أحد إلى دمعاتها التي سقطت على وجنتيها، فـ هُم كانوا يتسامروا دون أن ينتبهوا لها، سواه فقط، هو من كان ينظر لها، لتقترب "ملاذ" منه وهي تحملها قائلة بعاطفة أمومية:
- شايف يا ظافر أد أيه حلوة؟! أنا فرحانة أوي و أنا شايلاها كدا!!.
نهض "ظافر" ليحاوط كتفيها ينظر لـ "سيلا" التي تثائبت بنعاس، فضحكت "ملاذ" على حركتها، لتنظر لـ "ظافر" ودموعها لازالت على وجنتيها، ليُزيلهم بكفه قائلاً بحنان:
- بتعيطي ليه يا حبيبتي؟!!!
هتفت بتأثُر:
- حاسة إني مش هعيش اللحظة دي!!!!
أرتفع حاجبيه بإندهاش قائلاً بلهفة:
- هتعيشيها طبعاً، وهتُحضني بنتك زي مـ أنتِ حاضنة سيلا كدا، متقوليش كدا يا ملاذ..!!
أومأت له بصمت، لتسند رأسها على كتفه تُداعب الصغيرة بحنو..
• • • •
عادا "جواد" و "ملك" إلى القصر، لتردف "ملك" بسعادة:
- هبقى عمتو يا جواد.. فرحانة أوي!!!
أبتسم "جواد" ثم جلس على الفراش يُطالع حركاتها الطفولية، ولكن تشنج وجهه بغضب عندما نطقت بـ:
- مش ناوي تشوف ياسمين؟!!
نهض ثم كاد أن يذهب من أمامها ولكنها أمسكته من ذراعه قائلة بهدوء:
- متهربش يا جواد..
نظر لها بجمود فتابعت هي برجاء:
- عشان خاطري شوفها، والله هي تعبانة أوي ومحتاجاك، أنت عاقبتها متطلعش برا البيت الفون واللابتوب اتسحبوا منها، فـ بلاش تعاقبها أكتر من كدا، بلاش القسوة دي يا جواد!!!
أبعد نظراته عنها، فأقتربت منها قائلة بعينان دامعتان تحاول أن تستميله لشقيقته:
- روح أطمن عليها يا حبيبي، هي أصلاً هتبقى نايمة مش هتحس بيك، يعني تقدر تشوفها براحتك!!!
فكر لثواني، ثم هتف وهو يخرج من الغرفة:
- تمام..!!!
• • • •
خطى داخل غرفتها بخطوات ثقيلة، فوجد جميع الأنوار مغلقة، أغلق الباب خلفه بهدوء، ثم أشعل ضوء خافت، ليُمضي نحوها، وجدها نائمة على الفراش متدثرة، و قطرات الدموع عالقة بأهدابها، وجهها شاحب إلى حدٍ ما، تتنفس بإنتظام فتيقن أنها نائمة، وثف أمامها ليتفحصها بعيناه، ونظرات كالصقر، أبعد الغطاء عن جسدها ببطئ، ثم رفع كنزتها قليلاً ليُغمض عيناه بعنف عندما وجد أثار ضربُه لها لازالت على جسدها، مرر أصابعه في خصلاته الناعمة بشراسة، رغم ما فعلته، ولكن الندم يتآكله، أنثنى على صغيرته، ثم مسح على خصلاتها البنية بحنان، ثم أزال الدمعات من عيناها برفق، تنهد بحُزن ظهر في نبرته:
- ليه يا ياسمين، ليه تعملي في أخوكي كدا!!!
ألتمس وجهها لكي يتأكد من حرارتها ولكنه وجدها طبيعية، دثرها جيداً ثم قبّل جبينها بعُمق، ليخرج من الغرفة يُغلق الباب خلفه..
• • • •
عادت "رهف" مع "باسل" إلى القصر حتى تبقى "رُقية" جوارها في غيابه، ولكنها صُدمت بأن الجناح الذي عاشت به اسوأ لحظات حياتها قد بُدِل تماماً، كل شئ به بدلوه، الأثاث والدهان، كل قطعة قديمة لم يكُن لها أثر، لتلتفت إلى "باسل" المستندة عليه، تقول بصدمة:
- أنت اللي عملت كدا!!!
هتف بجدية وهو ُيحاوطها من خصرها ثم جعلها تستلقي نائمة على الفراش:
- أيوا!!!
أمسكت بـ ثيابه قائلة بدهشة:
- طب ليه!!!
مال نحوها يُقبل مُقدمة رأسها بحنان:
- و أيه المشكلة، دة اللي كان لازم يحصل من الاول!!!
أبتسمت له، لتدلف الدادة مُمسكة بـ "سيلا" النائمة لتضعها جوار "رهف" ثم خرجت، أستلقى حوارهم "باسل" يُداعب شفاه صغيرته بسبابته لتنظر لهم "رهف" تحمُد ربها على وجودهم بحياتها!!!
• • • •
جالسة أمام التلفاز تُتابع إحد المسلسلات التركية التي تعشقه، وعلى قدميها وعاء من الشيكولاتة الذائبة، تأكلها بالملعقة لتُغمض عينها بتلذُذ رهيب، أكلت الكثير بشراهة ليأتي "ظافر" مندهشاً مماً تفعله، وقف أمامها ليُعيق مشاهدتها للتلفاز واضعاً كِلتا كفيه بجيبه يكتم ضحكاته عندما شاهد أنفها وحول فمها مُلطخ بالشيكولاتة، حتى أصابعها تخضبت بها، كانت لازالت مُغمضة عيناها تستمتع بذلك الطعم في فمها لأقصى حد، ليُميل "ظافر" نحوها يُحاصرها بذراعيه المستندة خلفها على ظهر الأريكة، عندما شعرت "ملاذ" بأنفاس لهيبية تضرب بشرتها لتفتح عيناها فزعاً عندما قابلت عيناها تلك الغابات الخضراء، لم تتسنى لها الفُرصة حتى تتأمل تلك العيون ليميل بثغره يُقبل ثغرها ، فأغمضت عيناها ووجنتيها أشتعلت الحرارة بهما، أبتعد عنها مُغمضاً عيناه هامساً :
- مممم!!!!
فتحت عيناها بخجل فـمدّ إبهامه يُزيل البقايا العالقة بشفتيها، مما جعلها تتنحنح بإحراج قائلة وهي تمُد معلقة مملوءة بالشيكولا تُعرضها عليه ببراءة:
- تاكُل؟!!
غير مسار الملعقة ليجعلها تفتح فمها ثم أدخلها به، قائلً بحنان:
- بالهنا والشفا يا حبيبتي!!!!
أبتسم وهي تستطعمها، ولكن فجأة أنقلبت ملامحها لتلتفت حولها يميناً ويساراً وكأن الخطر يحدق بها، فأستغرب أفعالها لتهمس ووجهها يُقابل وجهه، وبصوت خافت جداً:
- أنا بقيت أكُل أي حاجة بشوفها قدامي يا ظافر، في حاجة غلط!!!
تصنع الأهتمام ليُجاريها:
- أيوا فعلاً عندك حق أنتِ ناقص تاكليني، وحاسس إنك تخنتي شوية؟!!
شهقت بصدمة لتُبعد الطبق من عليها قائلة وهي تضع كفها على ثغرها، قائىة وتعابيرها مُتأث،ة بالفعل وكأنها على وشك البكاء:
- قول والله؟!!!
على صوت ضحكاته بالشقة ليحاوط وجهها بكفيه ثم أنهال بالقبلات على وجهها لتضحك هي كطفلة صغيرة يداعبها أبيها، ولكن فجأة تقلصت ملامحها، و ألمتها معدتها، وراودها شعور بالتقيئ، أرتجف جسدها وبرد فجأة لتُبعد "ظافر" بإندفاع مهرولة للمرحاض، ثم أستندنت على الحوض لتُخرج ما بجوفها، أمسك بها "ظافر" من كتفيها بقلق يُبعد خصلاتها عن وجهها، حتى أنتهت "ملاذ" لتتآوه بألم، فتح الصنبور ثم ملأ كفه بالماء ليمسح على وجهها برقة مُقبلاً خصلاتها، لفّها نحوه لتقع برأسها على صدره مُحاوطة خصره، فـ ضمها له بقوة قائلاً بهدوء:
- حاسة بـ أيه دلوقتي؟!!
اطلقت شهقة باكية جعلته يرتعد هاتفاً وهو يبعدها عنه:
-ملاذ!!!!
نطقت بصوتٍ ضعيف وعينان زائغتان:
- بطني وجعاني يا ظافر..
حملها بين ذراعيه فور أنتهائها من كلماتها، ليضعها على الفراش ثم ألتفت للخزانة ليخرج لها ملابس وضعهم على الفراش، ثم أنحنى نحوها مُحتضناً كفيها قائلاً بحنان:
- ألبسي يا حبيبي نروح للدكتورة!!!
أومأت له بضعف، فهتف بجدية:
- تحبي أجيبها هنا؟!!
أومأت له سريعاً ثم أبعدت كفيها عن كفيه لتستلقى على الفراش ضامة ساقيها لصدرها:
- ياريت، عشان أنا بجد تعبانة ومش قادرة أروح في حتة!!!
دثرها بالغطاء جيداً ثم قبّل جبينها بحنان، ليهاتف الطبيبة حتى تأتي..
• • • •
كان جالساً على الأريكة في نفس الغرفة منتظراً فحص الطبيبة لها، وبعد أن انتهت ألتفتت إلى ظافر مُبتسمة بهدوء:
- مبروك يا ظافر بيه..المدام حامل!!!
صُدم "ظافر" لينهض من فوق الأريكة، كما شهقت "ملاذ" بفرحة لتنظر لـ "ظافر" بسعادة غامرة، شكر "ظافر" الطبيبة ثم أوصلها للخارج، ليعود لها فوجدها تنهض جالسة على الفراش، تُردف بحماس:
- أخيراً يا ظافر هبقى أم..!!!
جلس أمامها "ظافر" بتعابير جامدة بعض الشئ، فـ إزدردت ريقها قائلة بقلق:
- أنت..مش مبسوط؟!!
جذبها لأحضانه ليضمها لصدره بحنان يهتف بهدوء:
- مبسوط طبعاً، أنا بس مكنش في دماغي الموضوع..
حاوطت خصره لترفع عيناها له قائلة بإبتسامة زينت ثغرها:
- أنا بقى كان في دماغي جداً، من ساعة مـ شوفت سيلا..
↚
• • • •
خطت بإستحياء لغرفة المكتب الخاص بأخيها، تُفرك أصابعها ببعض، ثم طرقت على الباب بخفة، فأرتعد جسدها على صوته الجهوري وهو يسمح للطارق بالدخول، أخذت نفساً عميقاً ثم فتحت الباب فـرفع رأسه التي كانت مُنكبة على الأوراق أمامه، تجمهرت محياه لينظر لها بإستياء مُقطباً حاجبيه، يُردف بصوتٍ قاسي:
- عايزة أيه؟!!
نظرت "ياسمين" أرضاً ولم تستطيع أن تُحرك لسانها، وكأنه كُبل برُباط غليظ، إزدردت ريقها ثم هتفت بصوتٍ خافت بالكاد سمعه:
- عايزاك تسمعني..!!!
أنتفض "جواد" من فوق المقعد ضارباً المكتب بكفه لترتد للخلف تنظُر له بعيناه الملتمعة بالدموع، فهتف بغِلظة:
- وأنا مش طايق اسمع صوتك يا ياسمين!!!
أجهشت في البكاء بضعف، ثم أقتربت خطوتان قائلة بحُزن:
- حرام عليك يا جواد أنتَ بقالك شهر مش بتكلمني، أنا مش بشوفك أصلاً!!!
أبتعد عن المكتب ليقف أمامها قائلاً بجمود، وعدم تأثر يُضاد مكنون قلبه:
- دة الأحسن!!!!
أمسكت كفه الغليظ لتحاوطه بكفيها الرقيقتان راجيةً:
- أنا خلاص خدت عقابي، كفاية عليا كدا أرجوك!!!
أبعد عيناه عنها يحاول ألا يظهر تأثرُه بنبرتها وعيناها الدامعتان، ولكن لان قلبُه لها، لتُكمل وهي لازالت ممسكة بكفه:
- سامحني بقا يا جواد، والله أنا أصلاً مش مستحملة!!!
أنهت كلامها وهي تشهق ببكاء يُمزق نياط القلب، لانت تعابير وجهه وهو ينظر لها، ليقترب منها يُقربها من صدره، يضُمها بين ذراعيه المفتولين مربتاً على خصلاتها بحنان، لتتشبث "ياسمين" في قميصه تبكي فقط دون حديث، ليردف "جواد" بنبرة ليّنة:
- ششش أهدي، كفاية عياط!!!
رفعت عيناها المبللة بقطرات الدموع قائلة:
- يعني سامحتني؟!!
- سامحتك!!!
هتف بها وهو يمسح على ظهرها بحنان، فأبتسمت وهي تأخذ نفساً عميقاً، ثم ضمته بقوة..!!
• • • •
بعد مرور خمس سنوات...
"ملاذ" و "ظافر"
رزقهم الله بطفلة جميلة ذات عينان خضراء كأبيها، و بشرة بيضاء كأمها، أخذت عِناد أمها، و قوة شخصية أبيها، لتندمج صفاتهما بصغيرتهم!!!
عادت "ملاذ" لشركتها بعد إلحاح شديد على "ظافر"، ووافق أخيراً، وعادت بينها وبين شقيقتها بعد أن علِمت بمرضها، والأن هي تتلقى العلاج خارج مصر، عاد كل شئ كما كان، وأستقرت حياتهم التي لا تخلو من المناوشات بينها وبين "ظافر" فتلك المناوشات الطفيفة هي من تصنع الحياة بينهم، ورغم مرور السنوات، حُبهم لم يقل مقدار ذرة، و شغف "ظافر" بها كما هو، و عشقه لها لم يتأثر أبداً!!!
ركضت "ملاذ" حافية القدمين خلف أبنتها الشقية مُمسكة بـ طبق به طعامها المُفضل، تصرخ بها بجنون أكتسبته عندما رُزقت بطفلة، ولكن لم تخاف الصغيرة من صراخ أمها، لتلتفت لها بقامتها القصيرة، واضعة يدها على خصرها مُخرجة لسانها لها، فشهقت "ملاذ" بصدمة، ثم تابعت الركض خلفها وهي تهتف:
- بقا كدا يا ليال؟!! طب والله لأقول لأبوكي ييجي يشوف حل معاكي!!!
فُتح باب الشقة ليدلف "ظافر" بهيبتُه، قائلاً وهو يضحك على مظهر زوحته:
- أبوها جيه أهو!!!!!
ألتفتت ليال إلى أبيها لتصرخ راكضة نحوه بحماس طفولي:
- بـابـي!!!
أنحنى نحوها ليُحملها يُقبلها بشتى أنحاء وجهها، قائلاً يحنان:
- قلب بابي!!!
أتت "ملاذ" غاضبة وهي لازالت مُمسكة بالطبق، قائلة بصوتٍ عالي:
- شوف حل في بنتك يا ظافر أنا أتخنقت منها واعصابي تعبت!!!
نظرت لها "ليال" ببراءة قائلة:
- أنا عملت حاجة يا مامي؟!!!
ضحك "ظافر" برجولية ثم ضم "ملاذ" التي تنظر لـ "ليال" بضيق، مطوقاً خصرها ثم سرق قُبلة من إحدى وجنتيها، ليلتفت إلى "ليال" قائلاً بتحذير:
- لو زعلتي ماما تاني هزعل منك يا ليال..!!
كتفت الصغيرة ذراعيها وهي تزُم شفتيها بحُزن قائلة:
- هي عايزة تأكلني كُل الكوين فييكس (كورن فلكس) وانا سبعت!!!
تنهدت "ملاذ" قائلة بحنان:
- عشان تكبري يا حبيبتي!!!
نظرت أرضاً بضيق، ليُقبل "ظافر" وجنتيها الحمراوتين قائلاً:
- متزعليش يا لي لي..!!
- والله؟! وانا أتفلق يعني؟!!!
هتفت "ملاذ" مبتعدة عنه تُطالعه بغيرة، ليجذبها "ظافر" نحوه مجدداً يُقبل وجنتيها بعُمق قائلاً برومانسية:
- و أنا أقدر يا قمر!!!
ثم تابع بلؤم:
- أنا بس مستني لما نبقى لوحدنا عشان بوسة الاخوات دي متنفعش معايا!!!
أبتسمت له لتضربه على صدره بخجل، ضحك وهو يضُم الأثنين ليتوسدوا صدره..
• • • •
جالساً أمام التلفاز واضعاً قدميه على الطاولة أمامه، على قدميه طبق كبير للغاية مملوء بحبات الفشار، يحاوطه من اليمين صغيرُه "أوس" ممسك بخصره، و جواره "يزيد" ينظُر للفيلم بتركيز و هو يأخذ حبات الفشار يلوكها بفمه، صرخ "يزيد" بفزع عندما أتى مشهدا مُرعب فأنتفض "مازن" ليقع الطبق على الأرض مفترشاً السجادة، فشهق الثلاثة بصدمة جلية، وكأن "فريدة" شعرت بما حدث، لتأتي قائلة:
- في أيـه!!!
شهقت بحدة وعينان متوسعتان وهي ترى حبات الفشار منثورة على السجادة النظيفة، و الوسادات على الأرض أختبأ "اوس" و "يزيد" في حُضن "مازن" صارخين بفزع مما ستفعل بهم "فريدة"، بينما إزدرد الأخير ريقه يُردف وهو يشير لها لكي تهدأ:
- هنلمُه حالاً، أبوس إيدك أهدي يا فريدة!!!!
صكت على أسنانها بعنف صارخة بهم وهي تضرب الأرض بقدميها:
- حرام عليكوا بقا هو أنا كل شوية هنضف!!!!
نهض "مازن" ممسكاً بأذنيهم صارخاً بهم بغضب زائف:
- لموا الفشار اللي وقعتوه منك ليه يالا، لو شوفت واحدة بس في الارض هعلقكوا في المروحة!!!
↚
مال الأثنين ليجمعوا الفشار، فغمز لها قائلاً بغرور:
- أي خدمة، خليتهم يلموه زي الكلاب!!!
ضيقت عيناها وهي تنظر نحوه بغضب، ثم أخذت إحدى الوسادات لتُلقيها على وجهه فتلقاها هو قبل أن تصل إليه، ثم ذهب ركضاً خلفها إلى غرفتهم صائحاً:
- استني يابت!!!
دلفت للغرفة ثم وقفت بمنتصفها تُكتف ذراعيها ملتفته له تقول بحدة:
- عايز أيه؟!!
أغلق الباب بالمفتاح ثم أقترب منها غامزاً لها بوقاحة قائلاً:
- مـ تجيبي بوسة؟!!
نظرت له بفتور زائف قائلة:
- دة أنت قليل الادب !!!
حاوط خصرها هامساً أمام شفتيها بشغفٍ:
- دي بوسة بريئة!!!
حاوطت عُنقه متغنجة وهي تقول:
- لاء أنا زعلانة عشان الفشار اللي وقعته وأنا لسة منضفة!!!
قرّبها منه ثم قبّل جانب شفتيها هامساً بحنان:
- لاء متزعليش!!!
- تؤ تؤ زعلانة..!!!
هتفت وهي تنظر له بعيناها الواسعتان ببراءة، فـ طبع شفتيه على شفتيها بقُبلة دامت لدقائق، ثم أبتعد عنها مغمغماً:
- طب وكدا؟!!
أغمضت عيناها ثم دفنت أنفها بعُنقه، تهمس برقة:
- ممم كدا ماشي..
تغلغلت أنامله خصلاتها قائلاً بإبتسامة:
- طب م تيجي نطلع عشان أنا مش مطمن لهدوء العفاريت دول!!!
أبتعدت عنه هامسة بخفوت وحذر:
- انا كمان والله..
خرجا بالفعل فوجدوا الأثنان يشاهدون الفيلم محتضنين بعضهم حتى لا يخافوا، فـ أبتسم "مازن" على شكلهم الذي يجعله يكاد ينفجر من الضحك..، جواره "فريدة" تحتضن خصره وتضحك هي الأخرى عليهم!!!
• • • •
فتح عيناه ببُطئ، فوجدها نائمة جواره ورأسها مستنداً على راحة كفه، سارت أبتسامة خفيفة على شفتيه ليتأمل وجهها، ثم أبعد خُصلة متمردة ساقطة على وجنتيها ليضعها خلف أذنها، ثم مال ليُقبل إحدى وجنتيها الغضّة، فتململت "رهف" ولكنها لم تصحو، سمع "باسل" صوت طرقات خفيفة على الباب تليها دخول "سيلا"، دلفت الصغيرة ليجلس "باسل" على الفراش يمُد ذراعيه لها ليحملها قائلاً بلُطف:
- تعالي يا حبيبتي..!!
أخذها ثم وضعها بينهم على ذراعه، لتلتفت الصغيرة إلى أبيها تنام في أحضانه قائلة بطفولية وبصوتها الرقيق:
- بحبك يا بابي..وبحب مامي اوي!!!!
أبتسم "باسل" مُقبلاً خصلاتها يُردف بحنو:
- وأحنا بنحبك أوي يا حبيبة بابي!!!
أستفاقت "رهف" ثم فركت عيناها لتنظر لهم، ولكنها سُرعان ما وجدت "باسل" أيضاً يضُمها له، لتستند على ظهر "سيلا" قائلة بنعاس:
- سيلا نامي عشان الحضانة..
ألتفتت "سيلا" لها لتُحاوط عنق "رهف"، قائلة بحنان وهي تُربت على ظهرها:
- ماسي (ماشي) يا مامي!!!
حاوطتها "رهف" بذراعيها، لتنظر إلى "باسل" هامسة بتأثُر حقيقي:
- طالعة حنونة اوي!!!
- زي أبوها!!!
هتف بها "باسل" وهو يضمهم لها، فهتفت "رهف" بلُطف وهي تعبث بخصلاته:
- طبعاً يا بسلة!!!
• • • •
دلفت على أطراف أصابعها لغرفتهم، خلفها "عمر" و "ليلى" ألتفتت لهم ثم همست بصوت خافت:
- أول لما أقول هجوم تهجموا عليه و نهريه زغزغة، أتفقنا؟!!
أومأ الأثنين، ثم أقتربوا من الفراش، لتنظر "هنا" إلى "ريان" المستلقي على معدته بصدرٍ عاري، يُخفيه غطاء ثقيل، فأزاحت هي الغطاء من فوق جسده، ثم صرخت بصوتٍ شديد العلو جعله يُقطب حاجبيه بإنزعاج مغمض العينان:
- هـجـوم!!!!!
أنقض "عُمر" فوق الفراش يُدغدغه من معدته وظهره، بينما "ليلى" صعدت على الفراش ثم أمسكت بكفه لتغ،ز أسنانها الصغيرة بهم قائلة بغضب:
- أصحى بقا يا بابي حيام "حرام" عليك!!!
لم يتحرك بل ظل ساكناً فقط يتوعد لهم بسبابات حادة، لتتذمر "هنا" قائلة وهي تبعثر خصلاته على وجهه لتضايقه:
- كمان مش عاجبك وبتشتم، أيه نوم أهل الكهف دة قوم بقا!!!!
جذبها من ذراعها لوقعها على السرير فشهقت "هنا" بصدمة جعلتها لا تنطق، فهي الأن ستتلقى عقابه، صرخ "ريان" بعنف بأطفاله:
- عُمر خد اختك وأطلع برا!!!
صاحت "هنا" برجاء:
- لاء يا عُمر هتبيع ماما حبيبتك!!!
ضحك "عمر" ببراءة قائلاً وهو يسحب "ليلى" معه إلى الخارج:
- لحد بابا يا ماما معرفكيش، ربنا معاكي هدعيلك أنا وليلى!!!
هتفت "ليلى" الصغيرة:
- متخافيس يا مامي أنا هدافع عنك بس هيوح "هروح" أكُل و أجيلك!!!
ضحك "ريان" بشر، لتصيح بهم:
- بقا كدا يا ولاد ريان؟!!!
لم تسمع سوى صوت الباب يُغلق، فنظرت إلى "ريان" الذي طالعها لها بمكرٍ، لتُردف وهي تهز راسها له عله يتركها:
- طب نتفاهم حتى!!!
نفى برأسه قائلاً بخُبث:
- أتحملي بقا نتيجة افعالك!!!!
- ريـان أصبر!!!
بتر عبارتها وهو يُعانق شفتيه بشفتيها يُقبلها بلُطف، قُبلة حانية جعلتها تذوب بالفعل، لتُغمض عيناها محاوطة عنقه بذراعيها، مستسلمة لعقابه!!!!!!
• • • •
أجتمع الجميع بقصر "الهلالي" وسط ضحكات صدحت بالقصر فجعلته مملوء بالبهجة رُغم القتامة التي كانت طاغية عليه بالماضي، وسط مسامرات "رُقية" و "إيناس" والدة "جواد"، و "ملاذ" و "رهف" و "فريدة" و "ملك" و "ياسمين" أيضاً، أجتمعوا بغرفة وردية، "ملاذ" واضعة ماسك، و "ملك" تُمشط خصلاتها أمام المزينة، بينما "فريدة" و "رهف" مع "ياسمين" يتمايلون على الموسيقى التي صدحت بالغرفة..!!! لتدلف "أماليا" ذات الخصلات البُنية الفاتحة كأمها تتجه نحو "ملك" قائلة بلهفة:
- مامي مامي بابي عايزك برا!!!
قطبت "ملك" حاجبيها قائلة:
- عايزني في أيه؟!!
رفعت كتفيها بعدم معرفة، فنهضت "ملك" لترتدي إسدالها، ثُم خرجت لـ "جواد" الذي كان متواجد بجناحهم السابق، أقتربت منه قائلة بإستغراب:
- في حاجة يا جواد؟!!!
أبتسم لها ثم أمسك بكفها ليُقبله، قائلاً:
- وحشتيني!!!
رفعت حاجبيها قائلة بدهشة:
- محسسني إني كنت مسافرة دة أنا لسة كنت معاك؟!!!
أبعد حجابها لتتحرر خصلاتها، ليُردف بنبرة عاشق:
- معرفش بس حسيت إني عايز أشوفك!!!
أبتسمت له ثم توسدت صدره تُربت على ظهره، فضمها هو له بحنان..!!!
• • • •
أجتمع الجميع في بهو القصر، يتبادلون الأحاديث والضحكات، تجلس "ملاذ" جوار "ظافر"الذي يحوطها بذراعه وعلى قدمه تجلس "ليال" تعبث بكفه الغليظ، جوارهم "فريدة" جالسة بجانبها أخيها، و "أوس" نائماً بأحضان أبيه، بالمثل مع "جواد" الذي يُعانق "ملك" و صغيرته!!! ليسود جو من المرح على العائلة بأكملها، أحاديثهم التي لا تنتهي، و ضحكاتهم التي لا تنقطع!!!