رواية بحر ثائر الفصل السادس 6 بقلم ايه العربي
رواية بحر ثائر الفصل السادس 6 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل السادس 6 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل السادس 6 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل السادس 6
رواية بحر ثائر الفصل السادس 6
لم يكن صمتي خيارا
ولم يكن غموضي قرارا....
كلاهما كانا إجبارا...
في حين صمَتت أوجاعي
واتَّخَذَتِ الغموض ستارا.....
باحت كلماتي
وروت عن غموضي سطورا
******************
صمتي لم يعني يوما أني بلا ألم...
لكنه ربما عَنَى أني بلا أمل....
بحر ثائر كلي عُقَد
لن تفهمني امرأة مثلك بلا عُقَد....
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
يقود متجهًا إلى صالة الملاكمة ويجاوره معاذ الذي يحب دومًا الذهاب معه ورؤية جولاته بحماس .
شاردًا في الطريق يفكر في عدة أمور ليخرجه معاذ بحديثه حينما قال بنبرة طفولية ذكية :
- أبي ، ليلة أمس كنت ألعب في الحديقة وحينما صعدت غرفتي وجدت جدي يعبث بأغراضي ، لا أعلم لِمَ فعل ذلك ولكني لم أرتح لفعلته .
لم يحرك ثائر ساكنًا سوى حينما نطق بغموض :
- لا تبالغ معاذ ، ربما كان يبحث عن شيء ضائع ولم يجده .
ابتسم الطفل ساخرًا ثم نظر لوالده يردف :
- أبي حتى أنا لا يمكنني تصديق ما تقوله ، لمَ سيبحث جدي عن أغراضه في غرفتي ، هل هناك شيئًا تخفيه عني ؟ أخبرني تعلم أنك يمكنك الوثوق بي .
التفت ثائر ينظر إليه بفخر ثم مد يده يملس على وجنته وعاد يتطلع نحو الطريق ويسترسل :
- بالطبع أثق بك جدًا ولكن حقًا لا أعلم لمَ فعل ذلك .
أومأ الصغير فاسترسل ثائر بنبرة مترقبة :
- هل أعطيته الكتاب الذي اقتنيناه له من يومين ؟
- نعم أبي أعطيته إياه وسعد به كثيرًا وأخبرني أنه يحب الأدب الروسي وخاصة ديستويفسكي ، حتى أنه فتحه وقرأه على الفور .
تعجب ثائر وشرد يفكر في أمرٍ ما فسأله معاذ بفطنة :
- أبي هل هناك خطب ما ، أشعر أنك تخفي شيئًا عني .
انتبه ثائر للصغير ومد يده يعبث بخصلاته ويجيبه بنبرة تحمل مرحًا خاصًا به :
- نعم ، الليلة الجولة ليست عادية ، الخصم هذه الليلة ليس بهين ، وإن تغلبت عليه ستواجهني في الحلبة .
قفز معاذ بحماس وهو يكور قبضته ويضرب الهواء بها مردفًا بحماس :
- أجل هذا هو .
ابتسم على طفله وقاد يفكر في كل شيءٍ يحدث حوله ، أعداءه وابنه وطليقته ووالدها ، والدها الذي استطاع بنفوذه إبعادها عن أي شكٍ أو اتهامٍ خاص بموضوع إلوا الذي قيد على أنه حادث وزورت الدلائل والتقارير كالعادة .
❈-❈-❈
منذ أسبوع وهي تحاول الوصول إليه بشتى الطرق ولم تستطع .
ذهبت إلى محل عمله ولم تجده ، حاولت الاتصال عليه مرارًا وتكرارًا وهاتفه مغلق ، تتلوى على صفيحٍ ساخن وتتوعد ألا تتراجع عما نوت ولكن ليظهر ، علمت من العمال أن والدته توفت لذا هدأت قليلًا ولكنها لا زالت تحاول الوصول إليه عبر الهاتف برسائل واتصالات .
لعنت وصفعت باب غرفتها وهي تغادرها فلمحتها والدتها لذا قالت بتوبيخ :
- براحة ع الباب ياهانم ، بدل ما يتخلع في إيدك ومانعرفش نصلحه .
نبرتها حملت سخرية فنظرت لها زينة بغيظ وأردفت محتدة :
- بلاش كلامك ده دلوقتي أنا على أخري .
اتجهت والدتها تجلس على الأريكة وتساءلت بترقب :
- ليه بس ؟ هو بردو ماردش عليكي ؟
زفرت باختناق واتجهت تجلس جوارها وتسترسل بشرود :
- موبايله مقفول ، يفتحه بس وهتشوفي .
تنهدت والدتها وربتت على ساقها تردف بنبرة نصوحة :
- بلاش السكة دي يا زينة ، ده واحد متجوز وشكله مش سهل بردو .
ضحكت زينة عاليًا والتفتت تحدق في والدتها ثم أجابتها بثقة وتأكيد :
- بالعكس ، كمال مكشوف بالنسبالي واللي زيه أعرف كويس ازاي أتعامل معاه ، أوعي تفكري إنه هيبقى زي الموظف الكحيان اللي كنت متجوزاه لاااااء ، وبعدين هو مش مرتاح مع مراته ، يعني أنا مش هخرب بينهم هي كدة كدة مخروبة من قبل ما اقابله ، سبيني بس يا ماما وبلاش ضميرك اللي بيغطس ويقب ده الله يسترك ، عاجبك يعني وضعنا والدنيا اللي مديانا ضهرها دي ؟
نظرت والدتها حولها ثم زفرت بقوة وأردفت بنبرة مبطنة بالاقتناع :
- ربنا يجيب اللي فيه الخير .
- هيجيبها خير بإذن الله أنا مش بعمل حاجة غلط ده جواز .
❈-❈-❈
يقود متجهًا إلى زبونه الذي اعتاد التردد عليه بعدما أتاه اتصالًا منه يخبره بعطله الذي واجهه أثناء عودته من عمله .
الطريق مزدحم لذا يقود بهدوء حتى لا يصطدم بأحدهم ، انعطف يمينًا حسب العنوان فلمح الرجل يقف أمام سيارته ينتظره .
توقف داغر وترجل يتجه إليه ثم رحب به وأردف وهو يتجه ليفتح غطاء السيارة :
- قلتلك نغير البطارية علشان ماتعطلش تاني .
ضحك الرجل وأجابه باستفاضة :
- معلش بقى العين بصيرة والإيد قصيرة ، اصبر عليا لما أقبض الشهر ده وربنا يسهل ، ظبتهالي بس مؤقتًا كدة .
أومأ داغر واتجه نحو سيارته يحضر عدته ويردف بترقب :
- هنشوف أهو .
عاد للسيارة يفحصها والآخر يقف يطالعه ولكن اعتدل داغر يزفر ويطالعه قائلًا :
- مش هينفع يا طارق ، لازم تروح الورشة ولازم البطارية تتغير .
ظهرت غيوم الهموم في عين طارق وتنهد يفكر كيف سيدبر ثمن البطارية الآن ولكن جاء حديث داغر كالغيث يبخر همومه حينما استرسل :
- هركبلك بطارية من اللي عندي ولما تقبض نتحاسب .
نظر له طارق بامتنان يساوي العالم فزفر داغر بضيق وابتعد يحضر حبلًا من سيارته ، لا يحب التباهي بخيرٍ يفعله بل إن الشهامة باتت جزءًا لا يتجزأ منه ، انتشل سلسالًا آخره خطاف واتجه يناوله إلى طارق ويردف برصانة :
- امسك ده أنا هطلع قدامك وانت اشبك العربيتين في بعض وهسحبك لحد الورشة .
اومأ طارق واتجه ينفذ بينما استقل داغر السيارة وتحرك بها للأمام وتوقف منتظرًا طارق .
في تلك الأنثاء كانت بسمة تترجل من شركة صديق والدها بعدما أتت لزيارته ، وصلت الى الشارع وكادت أن تستقل سيارتها ولكنها لمحت داغر يمكث في سيارته ، وقفت متعجبة تتفحصه ثم هبت رياح كلمات ماجد على عقلها لذا تملكها الغضب واتجهت إليه تطرق زجاج سيارته فالتفت لها وحينما رآها توقف عقله للحظات يستعيد هويتها لذا فتح الزجاج يطالعها بتعجب فتحدثت بانزعاج :
- ممكن أفهم بتعمل إيه هنا ؟
- نعم ؟
قالها بعدم فهم فزفرت بضيق وتابعت باندفاع لا يمت لها بصلة :
- إنت بتراقبني ؟
تجلت الصدمة على ملامحه وفي نبرته حينما أردف :
- براقبك ؟!
كادت أن توبخه لولا مجئ طارق من جوارها يطالعها بتعجب ثم تجاهلها ونظر إلى داغر يردف :
- يالا يا داغر أنا ربطت العربيتين أهو .
نظر له وأومأ يقول :
- تمام اركب عربيتك يالا .
اتجه طارق يستقل سيارته فشعرت بسمة بالإحراج وودت لو تنشق الأرض وتبتلعها ولاحظ داغر شحوب ملامحها ثم همست بخجل وهي تطرق رأسها لاعنة تسرعها هذا :
- أنا أسفة ، أنا بس فهمت الأمور غلط .
أومأ وتعمق فيها يحاول استكشاف ماهيتها بعدما أثارت فضوله لذا أجابها بمغزى :
- كدة مرتين بتفهم غلط ، المرة الجاية هفكر إنك مستقصداني .
ابتلعت لعابها بحرج وعادت تعتذر وهي تعيد خصلاتها خلف أذنها بتوتر :
- بجد أسفة ، عن اذنك .
تحركت من أمامه تستقل سيارتها وتغادر على الفور ليزفر بقوة ثم بدأ يتحرك هو الآخر ساحبًا خلفه سيارة طارق الذي يجلس متعجبًا منهما .
قادت تعنف نفسها على اندافعها الغريب عليها فقد عُرفت متزنة وعملية ولكن يبدو أن الصراع الذي تعيشه هذه الأيام هو الذي دفعها لهذه الأفكار .
أما داغر فيقود بتعجب منها ، اتضح له أنها تعاني من انعدام الثقة فيمن حولها ، هل ظنته يتبعها ؟ لَِ سيفعل ؟
❈-❈-❈
إن الانسان لكنود ، يعبث دومًا بسكينته على أمل العثور على الأفضل ، أولم يخبرنا تعالى في كتابه ( عسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم ) ؟
وقفت تودعه كعادتها فقبلها بحبٍ وامتنان ثم ابتعد يردف :
- لو احتجتي أي حاجة كلميني وهبعتهالك .
تحمحمت تجيبه بتوتر بدىَا عليها :
- لاء سلامتك بس لو سمحت تخلص وتيجي علطول علشان عايزة أروح أنا وأنت مشوار .
قطب جبينه بتساؤل ونطق بترقب :
- مشوار إيه يا يسرا ؟
ابتلعت لعابها ثم تعمقت بنظراتها فيه مسترسلة :
- الدكتور اللي كلمتك عنه ، جه من ألمانيا وأنا تواصلت معاه على الانترنت وحجزت .
نظر لها بخيبة وحزن ثم أردف بتعجب :
- حجزتي ؟ يعني تواصلتي معاهم وحجزتي من غير ما ترجعيلي ودلوقتي بتحطيني قدام الأمر الواقع مثلًا ؟ مش كنا قفلنا على الموضوع ده ولا إيه ؟
تبدلت ملامحها تجيبه بانزعاج ولم تعد تشعر بالراحة :
- ماينفعش الموضوع ده بالذات تقفل عليه يا دياب ، ماينفعش أبدًا ، أنا مش مرتاحة كدة ، فيها إيه لو جربنا الدكتور ده مش يمكن يكون كويس !
مسح على وجهه يستغفر حتى لا يظهر غضبه وضيقه أمامها ثم عاد يطالعها ويردف بتأنٍ :
- ماشي يا يسرا ، هاجي معاكي ، بس علشان مايحصلش زي كل مرة لو الدكتور ده قال نفس الكلام اللي سمعناه مليون مرة قبل كدة أوعديني تتقبلي الحقيقة ومانفتحش سيرة الموضوع ده تاني .
توترت نظرتها وأردفت وهي تعاتبه :
- ليه بتعمل كدة يا دياب ؟ هو إنت مش نفسك يكون عندنا طفل ؟ مش ربنا سبحانه وتعالى طلب مننا السعي ؟ ليه دايمًا بتحبطني من ناحية الموضوع ده ؟
رفع كفيه يحيط وجهها وتابع موضحًا :
- أبدًا ، مش بحبطك بالعكس أنا بخاف جدًا على زعلك ، وعارف إن كل مرة بتبني قصور من رمال يا يسرا ومش بتتحملي الحقيقة .
- لإني عندي أمل ، خليني اتأمل يا دياب مش هيبقى لا حقيقة ولا خيال .
نطقتها بحزن فتنهد بقوة يستدعي الصبر والتحمل وصمت لبرهة ثم استغفر وسحبها يعانقها ثم أومأ يردف بنبرة لينة كي لا يحزنها :
- تمام يا يسرا خلاص روقي ، هخلص بدري واجي نروح .
عانقته بقوة بل اعتصرته داخلها تستشعر الأمان والسكينة وهي تومئ له ثم ابتعدت عنه تطالعه بحب مردفة بنبرة معذبة :
- أنا بحبك أوي ، وأمنيتي إن يبقى عندنا طفل ويكون شبهك ، فاهمني ؟
- فاهمك جدًا ، وأنا كل اللي بتمناه من الدنيا هو إنتِ وطبعًا لو ربنا رزقني بطفل منك يبقى بالدنيا ومافيها .
نطقها بصدق لتشعر بالراحة وهي تبتسم لذا قبل جبينها وودعها وتحرك يغادر وهو يدعو الله أن يسمعا أخبارًا سارة هذه المرة لأجلها فقط .
❈-❈-❈
مساءًا
خرج كمال من عزلته يجلس مع صغاره وزوجته في الصالة .
كان الصغيران يلعبان بالكرة ويضحكان وكان يطالعهما بشرود ، البيت ينبض بالحياة بسبب ضحكاتِهما ، نظر حوله لبرهة ، لم يعد هناك صراخ والدته باسمه ويمكنه بسهولة الاسترخاء دون أن توتره ولكنه اشتاق لها .
اشتاق لرؤيتها وهي تدافع عنه بشراسة ، اشتاق لها وهي تبث فيه العزيمة والقوة ليكمل حياته بهيبة ورجولة تكمن في نبرته العالية وتوبيخه على أخطاء ديما .
جاءت ديما من مطبخها تحمل صينية محملة بالمقرمشات والتسالي واتجهت تضعها أمامه ثم نادت على صغارها بهدوء قائلة :
- يالا يا مالك يالا يا رؤية تعالوا كلوا .
تقدم الطفلان نحو الطاولة يأكلان من التسالي التي ناولتهما لهما ديما وتمسكت بصحنٍ تعبئه لزوجها ثم ناولته له واتجهت تجلس جواره وتبتسم متسائلة بترقب :
- عامل ايه دلوقتي ؟
تنفس بعمق ثم تناول منها الصحن ووضعه على ساقه يلتقط منه القليل ويلوكهم في فمه ثم أردف بشرود :
- كان زمانها عمالة تصرخ دلوقتي .
- الله يرحمها ويغفر لها .
نطقتها ديما بصدق ثم تابعت بتريث :
- افتح موبايلك يا كمال وانزل شغلك ، هون عن نفسك شوية .
أومأ مؤيدًا يردف وهو يلتقط إحدى المقرمشات :
- صح ، كفاية كدة ، لازم أنزل الشغل بقى .
زفرت بقوة تود إخباره بما تريد لذا أردفت بنبرة قلقة :
- كمال عايزة آخد رأيك في حاجة .
التفت يحدق بها وتساءل بترقب :
- خير ؟
ابتلعت لعابها وأجابته بتوترٍ ملحوظ وهي تفرك كفيها :
- إنت عارف إني بحب الكتابة ونفسي من زمان آخذ الخطوة دي وأجرب أكتب روايات وكدة وقلت آخد رأيك .
- اسمها تستأذنيني يا ديما مش تاخذي رأيي .
نطقها بنظرات ثاقبة لتتنفس بعمق وهي تومئ له مؤيدة وتجيبه :
- استأذنك ، إيه رأيك لو أجرب ، وماتقلقش مش هجرب أنشر ورقي خالص دلوقتي ، هكتب روايات إلكترونية وأشوف نفسي الأول ، إنت عارف إني بكتب خواطر وبنزلها وناس كتير جدًا بيعجبها كلامي .
انزعج من تصريحها الذي قالته بنية صافية أو ربما أرادت أن تثبت له تميزها ولكنه تجهم وتساءل بنبرة أنانية مغلفة بالغيرة :
- ناس مين ؟ أوعي يكونوا رجالة ؟
- لاء لاء ، كلهم ستات ، اطمن يا كمال هو إنت مش عارفني ولا إيه ؟
أومأ بصمت ثم بحث عن شيء يحبطها به فتابع :
- وافرضي الكتابة دي عطلتك عن بيتك واولادك وعني ، يبقى ليه وجع الدماغ ده ؟
تحلت بأقصى درجات الهدوء حتى يقبل وأردفت بنبرة هادئة مقنعة :
- مش هتعطلني يا كمال ، ومش وجع دماغ بالعكس دي بتحسن مزاجي ، وأنا هعرف أنظم وقتي كويس ولو لاحظت مني أي تقصير وقفني .
أومأ بقبول فها هي تقدم له الحجج على طبقٍ من ذهب لذا زفر وأردف بنبرة مبطنة بالكذب :
- ماشي ، اكتبي ربنا يوفقك ، وبعدين أنا افرح لك بردو لما تعملي حاجة بتحبيها .
ابتسمت وتنفست بارتياح ولكنه تذكر شيئًا ما لذا تساءل :
- بس هتكتبي على إيه ؟
توترت مجددًا وقررت مصارحته لذا نطقت وهي تدعو الله ألا تنقلب الأمور رأسًا على عقب :
- موبايل داغر لسة معايا يا كمال مارجعتوش .
كان يعلم ذلك ويلاحظ جيدًا ولكنه لم يعقب على الأمر ومع ذلك التفت يطالعها بنظرة حادة ويردف بهدوء مبهم :
- ماشي ، بس خدي بالك دي أول غلطة أهي في الصفحة الجديدة ، هعديها بمزاجي .
ها هو يؤكد لها أنه مخادع ، لم ولن يتغير أبدًا لذا نهضت تتجه نحو المطبخ لتستدعي الهدوء بينما هو أردف بحدة :
- واد يا مالك ، روح هات لي موبايلي من الدرج .
ركض الصغير يطيع والده وبالفعل عاد ومعه الهاتف فتناوله كمال وفتحه ليرى مستجدات غيابه ولكنه تفاجأ بكم رسائل نصية ومكالمات وصلته من تلك الزينة والتي يسجل رقمها باسم مستعار .
نظر نحو المطبخ ليتأكد من غياب ديما ثم نظر نحو صغاره فوجدهما يلعبان لذا بدأ يفتح الرسائل ويقرأها وعلى ثغره ارتسمت ابتسامة من وقع كلماتها ولكنه أجفل على صوت ارتطام أتى من الداخل لينهض ويتجه نحو المطبخ فوجد ديما تقف تنظر نحو كأسًا متهشمًا فسألها بتعجب :
- إيه اللي حصل ؟
رفعت نظرها تطالعه حيث جالت على عقلها مقولة ثائر فابتسمت وأردفت بغموض :
- وقع غصب عني .
❈-❈-❈
بعد مرور شهر
الإرادة
كلمة ليست مباحة للجميع ولا يمتلكها إلا أصحاب السمو والفخامة
لا يفقهها رجلٌ تعهد أن يغير سلبياته وفشل ، ولا تدركها امرأة قررت اتباع حمية غذائية ولم تفعل .
نحن نريد ولكن لا نتملك الإرادة . ( بقلمي آيةالعربي )
تعهد بالتغيير ولكن تغييره كان ظاهريًا فقط ، نقده على الهفوات لم ينتهِ ، رفضه على اللاسبب مستمر ، ضربه بالكلمات قائم ، ما تغير فقط هو اتباعه لأسلوب جديد بعيدًا عن الغضب ، أسلوب البرود والاستفزاز ولكن من المؤكد بروده لن يدوم فهو مثل البركان لا يُعرف موعد ثورانه .
أما هي فباتت تخرج طاقتها في الكتابة والنشر ، تكتب الروايات وتنشرها وتحدد اقتباسات راقت لها ثم تقوم بعرضها عبر الانستجرام ، حصدت الكثير من الإعجابات والمتابعات من داخل مصر ومن خارجها ، نساء راقت لهن كلماتها ، لمست داخلهن شيئًا تخفيه كلٍ منهن خلف رداء القوة والكبرياء .
نساءً ادعين الشموخ والنجاح والتعافي ولكنهن أبعد ما يكون عن ذلك ، كلماتها كانت مرآة لهن ، بل أنها أحيانًا تجردهن من هذا الشموخ فتقعن في فخ الوحدة والخذلان .
ذكورًا لم يكونوا رجالًا داسوا على قلوبهن ولم يبالوا ، ذكورًا لم يأخذوا من الإسلام سوى اسمه ، اتخذوا من الكتاب سطرًا وتركوا سطرًا آخر ليشبعوا فقط رغباتهم .
بخطٍ حزين كتبت على صفحتها عبر انستجرام .
( انقلبت موازين الطبيعة رأسًا على عقب وارتدى الخداع ثوب الفضيلة وأضحى الحق مدنسًا بعدما نجح الكذب في الوصول إلى العرش)
كان هذا آخر منشور دونته منذ ساعة قبل أن تنهض وتعد طعام الغداء ، اليوم ستذهب لترى أسرتها وتجلس بينهم ، تحتاج إليهم وتحتاج إلى ساعة فقط تحسن فيها مزاجها لذا ستعد الطعام له كما أخبرها وستذهب .
أطفأت الموقد ثم حملت هاتفها وهاتفت شقيقها الذي أجابها على الفور قائلًا :
- أيوة يا ديما ؟
تنفست وقالت بترقب :
- داغر ممكن تيجي تاخد الولاد وتوديهم عند ماما لحد ما أخلص !
كان يجلس يتحدث مع صالح ويحتسيان الشاي في استراحة قصيرة ولكنه نهض يردف برحابة صدر :
- هعدي عليكي أهو يالا جهزيهم .
أغلق معها ثم اتجه يغسل يده جيدًا وتحرك نحو الخارج يردف موجهًا حديثه إلى صالح الذي نهض ليعود للعمل :
- مشوار لحد بيت اختي وراجع يا صالح .
أومأ صالح وتحدث بنبرة هادئة :
- الله معك يا باش مهندس .
❈-❈-❈
يجلسون حول مائدة الطعام وتجلس بينهم صامتة ، تشعر بالغربة كعادتها دومًا ولكنها تتصنع التأقلم .
قطع الصمت عمها الذي تحدث بنبرة جادة وهو ينظر في صحنه :
- جهزوا نفسكوا كمان يومين هنطلع رحلة لشرم ، في هناك منتجع سياحي شركتنا هتتولى إدارته ، هنروح كلنا نشوفه ونقعد هناك كام يوم .
تحدثت زوجته تجيبه بملامح منفرجة وحماس :
- أنا عن نفسي مستنية الرحلة دي من أسبوع من وقت ما قلتلي ، وأكيد ماجد ماعندوش مانع .
نظر إلى ابنه وتساءل بهدوء مبطن بنبرة آمرة :
- أكيد يا ماجد جاي معانا مش كدة ؟
رفع ماجد نظره إليهما ثم نظر نحو بسمة التي تأكل بصمت وتترقب القادم بانزعاج داخلي ليتنفس بعمق ثم قال :
- مادام شغل يبقى جاي ، بس ماقولتش يعني يا بابا إننا هنروح!
- مانا بقول أهو ؟
نطقها بجمود فتابعت بسمة صمتها الذي ضايقهم لذا تساءل موجهًا حديثه إليها :
- ساكتة ليه يا بسمة ؟
توقفت عن مضغ الطعام ورفعت نظرها تطالعه بنظرات مبهمة ثم ابتسمت وتحدثت بهدوء :
- لإني مش جاية معاكوا يا أونكل .
نظرات كسهامٍ حادة باغتها بها لتردف زوجته بحدة :
- ليه بقى إن شاء الله ؟ أومال عايزة تقعدي هنا لوحدك ؟ لا لا لا لاء مش هينفع الكلام ده خالص .
قالتها وهي تلوح بيدها فزفرت بسمة بضيق وتركت مافي يدها ثم صوبت نظراتها نحوها تردف بتأنٍ :
- حضرتك روحي وانبسطي وماتشليش همي خالص ، مافيش أي مشكلة إني اقعد لوحدي هنا .
اغتاظت ونظرت لزوجها الذي تحدث بنبرة صلدة :
- مش عايزة تيجي ليه ؟ قوليلي سبب مقنع ، وبعدين ده شغل تبع الشركة مش رايحين نلعب .
ابتسمت له وأجابته بثبات :
- علشان كدة بالضبط يا عمو ، لو كنا رايحين نلعب يمكن كنت فكرت بس ده شغل يبقى الأوْلى أخليني هنا وآخد بالي من الشغل هنا لحد ما ترجعوا .
نظر ماجد لوالده الذي صمت لبرهة وأردف بترقب :
- خلاص يا بابا مش مشكلة أنا ممكن أفضل هنا مع بسمة نتابع الشركة وحضرتك وماما تروحوا .
- لا أنت هتيجي معانا .
نطقها بصرامة وعاد يأكل ليشعر ماجد بالضيق ولكنه رضخ لأمره بينما ابتسمت بسمة تشعر بالانتصار خاصة ونظرات زوجة عمها لها تعبر عن مدى استيائها مما يحدث .
❈-❈-❈
تحب التحديات خاصةً حينما يكون التحدي بينها وبين نفسها ، تعهدت ألا تنحل من حوله أبدًا ، سيصبح لها وانتهى الأمر .
لتكن متفوقة عليه في تلك النقطة ، فهي تمتلك إرادة حتى لو كانت تديرها بشكلٍ عكسي ولكنها تتقن جيدًا استعمال أسلحتها لتوقع به .
لم يكن ذاك الرجل الذكي ليستشف مكرها ، بل أن عصابة عينيه جعلته يرى بها ما لا يراه بزوجته ، أنوثة طاغية ، دهاء ثعلبي ، عبارة عن لوحة ملونة بعدة ألوان جميعها تجذبه بينما لا ترى عينيه في زوجته سوى لون النقاء الذي يشعره بالملل .
ذهبت إليه في محل عمله ومن هيأتها استشف أنها تبكي ، نظر لها بقلق وهي تخطو وتجلس أمامه فتحمحم ونظر للعمال بضيق ، أخبرها ألا تأتي إلى هنا ، ليكن حديثهما في الهاتف فقط ولكنها أتت .
زفر ونظر لها فعاودت البكاء ونظرت له بضعفٍ وانكسار أتقنت صنعهما وتحدثت بنبرة متحشرجة :
- أنا عارفة إن أنت منعتني أجيلك هنا بس أنا مخنوقة وقلت أخرج أشم هوا لقيت رجلي جيباني لعندك .
اندمج معها وتجاهل نظرات العمال من حوله وتساءل باهتمام :
- إيه اللي حصل يا زينة ؟
- طليقي عايز يرجعلي ، والمصيبة إن أمي عمالة تضغط عليا أوافق أرجعله .
نطقتها بملامح مصدومة ليدرك إحساسها فتعجب متسائلًا :
- تضغط عليكي إزاي ؟ وإنتِ ليه توافقيها أصلًا ؟
دققت النظر فيه واستطردت بنظرات مبهمة :
- أنا مش هوافق طبعًا ، أوافق إزاي وأنا قلبي متعلق بحد تاني ومش عارفة أطوله .
توترت نظرته فابتعد ينظر حوله وحينما اطمأن عاد إليها يطالعها بعيون متفحصة ويتساءل بترقب :
- اللي هو مين ؟
- إنت طبعًا .
نطقتها بثقة وتأكيد فتحمحم يشعر بالهيمنة والتباهي ثم نفش كتفيه يردف بنبرة تغلفت بالحدة :
- يبقى تفهمي أمك الكلام ده ، واللي إنتِ محتجاه هيوصلك ، واصبري عليا لما أزبط أوضاعي وهجيلك أنا ماتجيش إنتِ هنا .
شعرت بانتصار عظيم ، منذ شهر وهي تتواصل معه وتستقطبه بأساليبها المتعددة ، ترسل له الأشعار والمدح في تصرفاته وملامحه وتفاصيله ، شهر وهي تعطيه الشعور بالتميز والانفراد وكم أنها وجدت فيه الهيمنة والرجولة التي لم تجدها في غيره ، والآن باتت على عتبة تحقيق الأهداف .
امعنت النظر فيه وبابتسامة اختلطت بدموعها المسرحية أردفت :
- بجد يا كمال ؟ يعني أنت مش بتضحك عليا ولا بتستغلني ؟
اتسعت عينيه وأجابها بذهول مسرحي :
- استغلك ؟ عيب يا زينة مش كمال الوراق اللي يعمل كدة ، أنا الكلمة اللي بتطلع مني سيف على رقبتي .
قالها وهو يصفع رقبته بيده فابتسمت له تطالعه بنظرة فخرٍ وتابعت بثقة :
- عارفة إنك كدة ، بس الشيطان شاطر ، وأنا حبيتك واتعلقت بيك في وقت قصير وساعات بخاف تكون يعنــــــــــــي ....
- لا ماتخافيش ، يالا قومي روحي وهكلمك أنا في الموبايل .
ظلت جالسة تطالعه بعيون هائمة فابتسم يهز رأسه ثم مد يده ينتشل محرمة ورقية ويناولها إياها مردفًا باهتمام :
- خدي امسحي دموعك وبطلي عياط بقى علشان مازعلش منك .
مدت يدها تلتقط منه المحرمة ولكنهما تجمدا حينما وجدا أمامهما ديما ، دلفت حاملة الطعام ليسد جوعه ، لتتفاجأ به يجفف دموع امرأة أخرى .
وقفت متجمدة هي الأخرى تطالع زوجها بنظرات مستفسرة ، لا تتذكر على مر السنوات التي تزوجته بها أنه حاول مرة إزالة دموعها .
لم يتألم قلبها بل طُعنت روحها للمرة التي لم تعد تحصيها ، روحها المنهكة من أفعاله والتي لا تنقصها خيانة .
لم تتألم من مشاعره تجاه أخرى بل تتألم لمشاعرها التي يتعمد تجاهلها ، حياتها التي يدوسها ، تضحيتها التي تراها تذهب سدى .
نهض من مكانه يتجه إليها ويتساءل بتوتر توغله :
- أومال الولاد فين ؟
لم تشح عينيها عن تلك الجالسة تشعر بالتوتر أيضًا بل أجابته وهي تطالعها بنظرات مشمئزة :
- عند ماما .
نهضت زينة تلملم تشتتها وتحدثت بمغزى :
- طيب أمشي أنا بقى يا أستاذ كمال وابقى ابعت العمال ياخدوا الحاجة زي ما اتفقنا .
أومأ لها يردف بنبرة متعجلة من شدة توتره :
- تمام يا مدام زينة هبعتهملك بالعربية ومش هنختلف في السعر .
أومأت له وتحركت خطوة حتى وقفت مقابل ديما تحدق بها بنظرات مبهمة لم يصعب على ديما تفسيرها واسترسلت :
- عن إذنك يا مدام .
تخطتها ورحلت وتركته يقف بجانبها عاجزًا عن الكلام ، لم يزل توتره بل زاد حينما وجدها صامتة وشاردة .
دام صمتها للحظات ثم تحركت خطوة تضع ما في يدها على المكتب ثم التفتت تطالعه بعمق مردفة :
- جبتلك الغدا قبل ما اروح عند ماما ، قلت أكيد جعان .
ابتسم لها وأردف بنبرة لينة غير معتادة :
- شكرًا يا حبيبتي ، طب اقعدي كلي معايا !
بعيون يملؤها الاتهام والنفور أردفت :
- اتغديت ، انا ماشية .
تحركت لتغادر وقلبها يخبرها بالركض ، يود الهرب ، يود الابتعاد عن هذا الرجل وعن محيطه ، يود كل شيء وأي شيء عدا أن يكون معه .
أما الآخر فقد لملم نفسه سريعًا بعدما استشعر النفور في نظرتها ونبرتها لذا ناداها قبل أن تغادر فالتفتت تطالعه فوجدته ينظر لها نظرة ثاقبة وأردف بجمود :
- ماتتأخريش ، أرجع ألاقيكي .
لم تجبه بل التفتت تكمل سيرها وتغادر قبل أن تتجمد الدماء في عروقها وتخر صريعة أمامه فهو لم يعد حبيبًا ولم يكن يومًا، لقد أصبح زوجًا خائنًا .
❈-❈-❈
ألا تدركين أنني أتألم ؟ ألا تشعرين بي حبيبتي ؟ كيف وأنا أخشى عليكِ من أنفاسي ؟ ألا يمكنكِ التوقف عن الضغط على الجرح الذي أُخفي نزيفه عنكِ ؟
تجاوره في السيارة تنظر أمامها بشرود و ملامح متجهمة لا تصدق ما قاله الطبيب لهما بعد المتابعة .
يقود بشرودٍ مماثل ، هو أيضًا لا يصدق ما قاله ولكن أُضيئت داخله شرارة أمل خاصة بعدما أكد له أنه لا يعاني من أي مشكلات تنمعه من الإنجاب كما قيل له من قبل .
أراد أن يتحدث معها ويشاركها ما يشعر به خاصةً وأنه لا يدرك ما بها لذا تحدث بترقب :
- يسرا ؟ بتفكري في إيه ؟
آنت فرصتها لتتحدث لذا نطقت بضيق :
- يظهر إن كان معاك حق يا دياب ، ماكنش لازم نتابع مع الدكتور ده ، واضح إنه مش فاهم أي حاجة ، إزاي يعني بعد شهر من المتابعة قول إن الوضع طبيعي ؟
شعر بالغضب الذي دومًا يكظمه في حضورها لينطق بعدها بتريث :
- بالعكس أنا اللي شايف إن كان معاكِ حق لما تابعنا معاه ، الدكتور عمل اللازم كله وفعلًا أنا حاسس إن الوضع طبيعي ومافيش حد مننا عنده مشاكل غير بس المشكلة البسيطة اللي عندك واللي هتروح مع الأدوية زي ما قال .
نبش عش الدبابير داخل عقلها فهاجت وتحدثت باندفاع بات جزءًا لا يتجزأ من شخصيتها :
- يعني إيه الكلام ده يا دياب ؟ أنا فعلًا موضوع التكيس ده اتعالجت منه من زمان ، ودكتور محب قال إني بقيت زي الفل وإن المشكلة عندك إنت .
قبل أن تغلق فمها كان الندم يلتهمها على ما تفوهت به ليتوقف عن سيره جانبًا ويلتفت يطالعها بصدمة وحزن دام لثوانٍ ثم أردف باستنكار حزين :
- دلوقتي كلام دكتور محب جه على هواكِ ؟ مانا ياما قلتلك اسمعي كلامه وكنتِ رافضة ، ولا علشان الدكتور ده قال إن ماعنديش مشاكل ؟ للدرجادي إنتِ بقيتي أنانية يا يسرا ؟ هو المهم مين فينا عنده مشاكل ولا إننا نحلها ؟ أنا مابقتش فاهمك بجد .
اغرورقت عينيها بالدموع وأرادت أن تعتذر ولكن الصراع الذي يلتهمها داخليًا جعلها تبتلع لعابها وتلتزم الصمت بحسرة على أملٍ ودت إحياؤه عند ذلك الطبيب وانهدم فوق رأسها ، كيف يخبرها أن كل شيء بينهما طبيعي ؟ إذا لمَ إلى الآن لم تحمل بجنين داخل أحشائها ؟
حينما صمتت قرر الصمت مثلها وعاد يكمل قيادته وكلٍ منهما يأكله الحزن بسبب عدم تفهم الآخر له .
❈-❈-❈
يعجبها كونها تبدو للجميع قوية، صامدة، ذات أسسٍ وتيدة كبرج إيفل ولكن ما تخفيه داخلها كان عظيمًا
جلست تستمع لشكوى شقيقتها عمّا يحدث مع والدتها وعلى الجهة الأخرى تجلس والدتها تبرر لها بملامح حزينة من اتهامات ابنتها .
حولها الصغيران يلعبان و داغر يستحم في الحمام الجانبي ليزيل تعب يومه ، زفرت وفردت ذراعيها نحوهما تتحدث بنبرة حكيمة :
- ممكن تهدوا ؟
التفتت تنظر نحو دينا وتحذرها بعينيها حتى لا تزيدها على والدتها مردفة بتوبيخ لين :
- مايصحش كدة يا دينا دي ماما مش صاحبتك علشان تتكلمي معاها كدة .
التفتت نحو والدتها تستكمل :
- وانتِ يا ماما ماتبرريش حاجة أنا عارفة وفاهمة تفكيرك ، بس إنتِ قيمتك أغلى من كدة وأغلى من إنك تفكري فيه ، للأسف بابا خسر نعمة كبيرة أوي واختار طريق يشبهه ، إنتِ مش شبهه خالص يا ماما ولازم تحبي نفسك أكتر من كدة ، مش هو الإنسان اللي يفترض يشغل وحدتك ولو ثانية واحدة .
تحدق فيها وتبتسم ، تعشق أسلوبها اللين معها على عكس اندفاع دينا ، تعلم أن ابنتها محقة في كل كلمة لذا تنفست بعمق ونطقت بفخر :
- إنتِ اللي قيمتك غالية أوي يا ديما ، ربنا يكملك بعقلك .
اغتاظت دينا ونهضت تنتفض مردفة وهي تتجه نحو غرفتها :
- أيوة أصل أنا المجنونة اللي عمايلها لا تطاق يا ست ماما ، تعالوا يا ولاد لما أعلمكم كلمتين صيني تقولوهم لابوكوا لما تروحوا لما يسألكوا عملتوا إيه عند تيتة .
ركض الصغيران خلفها يهللان بسعادة بينما خرج داغر من حمامه يرتدي سروالًا وتيشيرتًا قطنيًا وحول عنقه منشفة ثم سلط عينيه على ديما التي تضحك على كلمات صغارها الصينية يقلدان خالتهما .
ابتسم واتجه يجاورها ونهضت منال تتجه نحو مطبخها ليردف وهو يرنو منها :
- عاملة إيه ؟
ضحكت مجددًا ولفت وجهها عنه ، تفهمه جيدًا وتفهم مغزى نظراته وسؤاله لذا أردفت بعفوية :
- أهلًا ، سيادة المحقق كونان .
مد يده يلف وجهها له ثم دقق النظر في عينيها فأبعدت يده تخفي ملامحها عنه ليسترسل مستفسرًا حينما تأكد من ظنونه :
- هتفضلي كدة كتير ؟ يابنتي اتكلمي معايا طيب ؟
زفرت بضيق وباغتته بنظرة حانقة تردف باستنكار :
- اتكلم في إيه يا داغر اللا ؟ أقوم أرقص يعني علشان ترتاح ؟
سمعتها دينا فخرجت من غرفتها تتمايل ويجاورها الصغيران يقلدانها في رقصتها وهي تردف بالصينية :
- أجل هيا لنرقص .
نزع منشفته وألقاها عليها ثم نهض يحمل الصغيرة التي تتمايل مثل دينا وقبض عليها ويدنو يقبلها مرددًا من بين صرخاتها :
- بترقصي يا بنت كمال ؟ إنتِ عارفة لو روحتي لأبوكي وقولتيله أنا رقصت عند تيتا هيقول عننا إيه ؟
- داغر ؟
نادته ديما محذرة بعينيها فأنزل الصغيرة بعدما قبلها مجددًا واعتدل يزفر ثم عاد إليها وجلس فتابعت :
- إنت كدة بتنبهها لحاجات هي مش واخدة بالها منها .
أومأ لها ثم حك رأسه يستطرد باستنكار :
- عمايل جوزك هي اللي بقت تنبهكم لأقل حاجة ، سيبك بقى واحكيلي عملتِ إيه في موضوع الكتابة ؟
انتعشت وتناست جُل ما بها وهي توضح له باستفاضة ولمعان عينيها يعبر عن حماسها :
- بكتب وبنزل على صفحتي ولقيت ناس كتير أوي بتشجعني وبأمانة فرحت جدًا ، وكمان اتعرفت على بنات من برا مصر وعجبهم كلامي عن المرأة وناس كتير منهم فكروا إني دكتورة نفسية .
قالت الأخيرة تدعي التباهي فأدرف داغر مشجعًا إياها بارتياح :
- كملي بقى يا ديما وأنا متأكد إنك هتقدمي أحسن حاجة ، ولو عايزة كتب تستعيني بيها أنا ممكن أجبلك كتب الهندسة بتاعتي .
نطقها ساخرًا بمرح لترفع بذقنها وتردف بتعالٍ :
- هه ، كتب هندسة مين يا بابا ، أنا بقرأ لنخبة كتاب من جوة وبرا مصر إنت أصلًا ماسمعتش عنهم .
- زي مين مثلًا ؟
- تعرف ثائر ذو الفقار ؟
لا تعلم لمَ هو الذي ذكرته بالتحديد من بين جميع من تقرأ لهم ، ربما لأنها وجدت في كتابه غموضًا أثار فضولها ، فبرغم من كون كتابه من الكتب القيمة بالنسبة لها إلا أنها إلى الآن لا تستطيع تفسير كرهه لبلده ونساءها ، كان يجب أن تكرهه ولكنها لم تفعل ، هل هذه خيانة كونها تحب بلدها أكثر من أي شيء آخر ؟
قطب جبينه يفكر ثم تساءل بفضول :
- ثائر ذو الفقار ؟ ده منين ده ؟
تحمحمت تجيبه بعجالة دون الدخول في تفاصيل :
- ده كاتب مصري بس عايش في فرنسا بقالو سنين ، سيبك من الكتب وقولي بقى مش ناوي تكمل نص دينك ؟
التوى جانب شفتيه بابتسامة ولف نظره يتطلع أمامه ويجيب بسخرية :
- وأجيب منين النص التاني يا ديمو ؟ أنا عايز بنت من اللي وشها بيحمر لما بيتقالها كلام حلو ، عندك فكرة ألاقيها فين دي ؟
جارته في حديثه وتكتفت تجيبه :
- صعب يا بني ، وبعدين هو لسة فيه حد بيقول كلام حلو أصلًا ! دي الرجالة كلها بقت جلفة .
باغتها بتجهم ثم اقترب يردف موضحًا وعلى محيّاه ابتسامة لعوب :
- أخوكِ رومانسي بس عاينها للي تستاهلها .
ضحكت من قلبها معه وضحك هو الآخر على ضحكاتها التي يعلم جيدًا أنها لا تظهر سوى معهم هنا
❈-❈-❈
فرنسا لم تكن بلدًا ثانٍ لي ، بل هي بلدي الأفضل على الإطلاق والتي قدمت لي الكثير والكثير من الحب والعطاء الذي لم أحصل عليهما من غيرها وستظل دومًا هي الأقرب لقلبي .
كتب هذا المنشور وأرفق معه صورة خاصة به وهو يجلس على نافذته يحتسي قهوته ويظهر من خلفه برج إيفل .
استل هاتفه وجلس يتصفحه ويرى كم الإعجابات التي انهالت على منشوره وصورته وكالعادة يجلس مترقبًا أي تعليق معارض كي يقوم بالرد عليه بنبرة جليدية مستفزة للآخر يحمي بها قلاعه الصامدة .
عاد بذاكرته إلى نظرات والد طليقته له ، كان يباغته بين الفينة والأخرى بشكٍ لا يعلم مصدره ، فهو لم يفعل أي شيء يستدعي هذا .
رن الهاتف في يده فتناوله يجيب بابتسامة هادئة :
- كيف الحال معاذ ؟ هل أنت بخير ؟
أجابه الطفل بخمول :
- نعم بخير ، ما رأيك أن نلتقي ؟ أنا ضجرٌ جدًا .
- حسنًا هيا بدّل ثيابك وسأمر عليك بعد نصف ساعة .
أغلق واتجه يبدل ثيابه ليذهب لصغيره ، هو الوحيد الذي يستطيع مده بالطاقة اللازمة ليكمل دربه لذا فهو يزرع فيه كل ما يستنكره ظاهريًا ، يغذيه بالصفات التي يدعي غيرها وأهمهم الإيمان .
❈-❈-❈
يصعد درجات منزله وهو يتحدث معها عبر الهاتف ، ظن أن زوجته لم تعد بعد لذا كان يتحدث بأريحية ولكنه تفاجأ بحذائها مرتكزًا أمام الباب لذا زفر وأردف بنبرة خافتة :
- طب اقفلي دلوقتي يا زينة والصبح نتكلم علشان أنا داخل البيت ، يالا سلام .
اخترق صوته مسامعها ليفتح الباب ويتفاجأ بها تجلس في ركنها محتضنة نفسها على الأريكة .
الإضاءة خافتة وفي يدها كتابًا تقرأه ، حدجها بنظرة غير مبالية ثم ألقى السلام هو يغلق الباب ويتحرك للداخل قائلًا بانتقاد لاذع :
- الثقافة مقطعة بعضها أوي ، ياترى بقى هدومي اتكوت زي ما طلبت ولا الباشكاتبة انشغلت في القراءة ؟
أطبقت الكتاب ووقفت تطالعه وشردت فيه بحيرة غير مسبوقة تفكر هل تسأله عن تلك التي كانت معه نهارًا وعما سمعته قبل أن يدخل ؟ لتقرر سريعًا ألا تتطرق إلى هذا الحديث أبدًا لذا ابتسمت قائلة :
- كويت اللي هتلبسه يا كمال .
خيبت ظنونه فقد كان يريد أن يشب بينهما عراكًا ليبرر لنفسه ما يفعله لذا شعر بالغيظ وبدلًا من شكرها قرر مهاجمتها بما طرأ على عقله قائلًا :
- وبتقوليها من غير نفس كدة ليه ؟ هو أنا مش جوزك يابنتي وليا عليكِ حقوق ؟ ولا إنتِ بتتفضلي عليا وأنا ماعرفش ؟
وقفت جامدة تدرك قلبه للطاولة جيدًا لذا بسطت له ما يريد سماعه قائلة ببرود ينافي نيرانها الداخلية :
- ريح نفسك يا كمال أنا ست ناقصة وإنت تستاهل الأحسن مني ، أنا مش عارفة اعملك اللي يريحك .
توقف مصدومًا من ردها عليه ، تريحه بطريقة لم تستعملها من قبل ليحاول سريعًا قذفها بالكلمات لذا استطرد بتعجب :
- طب وليه ماتطوريش من نفسك ؟
هزت رأسها بلا وابتسمت مسترسلة وما ابتسامتها إلا سهامًا تصيبه :
- مش هعرف ، مش هعرف أطور من نفسي ولا هعرف أكون الست اللي إنت عايزها .
وجد نفسه عاجزًا أمام إجابتها وشعر بالضيق والغيظ ليبحث سريعًا عن تهمة جديدة فقال :
- وولادك دول ذنبهم إيه ؟
ابتسمت بألم تجيبه بأنفاس بطيئة متعبة :
- ذنبهم إن أمهم كدة ، قدرهم بقى هتعمل إيه ؟
وقف يحدق بها وهي تتلوى بين أنياب الألم ولكن ملامحها تشبه الروبوت ليزفر وينزع نفسه نحو الحمام ويتركها تطالع أثره بنفورٍ تام تملك منها حتى امتلأت وارتدت على الأريكة تنهج بتعب بعدما خلعت قناع الجمود .
❈-❈-❈
بعد حوالي ساعة
وبعد أن تناول طعامه تحاملت على نفسها لتتقدم وتنام جواره بنفسٍ غير راضية ولكنها فعلتها حينما شعرت بدخوله في النوم .
تمددت تحاول سحب النوم إليها بصعوبة بالغة ولكنها تسعى ألا يلاحظا صغيريها هذا الشرخ بينهما ، لم ترد أن تجعلهما يعيشان ما كانت تعيشه حينما تنظر في وجه والدتها ليلًا تجدها باكية .
ما إن راودها النوم وغفت عينيها حتى شعرت بلمسة يده تسبح على جسدها لذا جحظت تنتفض تحت لمسته وهي تواليه ظهرها ليزفر بضيق ويهمس بتحشرج وانتشاء مختلطان بالغضب :
- إيه فيه إيه اتخشبتي كدة ليه ؟ أنا عايزك .
لم تستطع أن تجاريه هذه المرة ، لم تستطع أبدًا أن تغض الطرف عمّا رأته وما سمعته لذا ابتلعت لعابها وأردفت تجيبه بما تشعر :
- أنا تعبانة يا كمال ، سيبني النهاردة .
نفضها بغضب والتفت يواليها ظهره ويردف بتجهم :
- ده بقت عيشة تقرف ، إيه البرود اللي إنتِ فيه ده ؟ أنا جبت أخري منك ؟ إنتِ بقيتي لا تطاقي يا شيخة .
نزع نفسه من الفراش واتجه ينام في الغرفة التي كانت تنام بها والدته أما هي فتأثرت بكلماته للدرجة التي جعلتها تفكر ربما هو محق ، من المؤكد جميع كلماته ليست ظالمة ، ربما هي حقًا امرأة بصورةٍ غير مكتملة .
من كثرة تعبيره عما بداخله ومن كثرة كتمانها لما بداخلها باتت تظن أنه محق وباتت تشعر أنها لم تعد زوجة جيدة .
❈-❈-❈
في الإمارات
أعاد كوبين إلى المطبخ واتجه ليرى ولديه ، وجد ابنه قد غفى فأغلق غرفته وتحرك نحو غرفة ابنته التي لم تنم بعد .
طرق الباب فسمحت له بالدخول فدلف ليجدها تجلس تتصفح الهاتف ولم تعره اهتمامًا بل عينيها مسلطة على ما تفعله ليقول بضيق :
- اقفلي بقى الموبايل ونامي ألما الوقت اتأخر .
بنبرة متسلطة أجابته بانزعاج :
- بابي انت عارف إني كنت نايمة ودلوقتي مش جايلي نوم.
زفر بضيق وتمعن بها ولم يجد ما يقوله خاصة وأنها لم تكلف نفسها عناء النظر إليه لذا تحرك يغادر ويغلق الباب ويتجه عائدًا إلى غرفته بخيبة تسكنه خاصة وأنهم ينتزعون منه سلطته التي نشأ عليها .
دلف غرفته ليجد والدتها تشبهها أو العكس صحيح ، فها هي تجلس نفس جلسة ابنتها وتتصفح الهاتف في مشهدٍ مماثل أمام عينيه..
اتجه يتمدد جوارها ويردف بانزعاج خافت :
- بتعملي إيه ؟
لم تسمعه حيث حواسها جميعها في الهاتف ، تتصفح آخر أخبار ثائر ومنشوره عن فرنسا .
زفر بضيق وانسدل لينام ورفع الغطاء عليه لتلاحظه أخيرًا وترنو منه ثم مدت يدها تملس على طول ذراعه هامسة بنبرة مترقبة :
- أحمد ؟ إيه رأيك لو نسافر نغير جو كام يوم بما إنك الأسبوع ده أجازة ، أنا وانت بس والولاد هيفضلوا هنا مع الدادا .
التفت برأسه يطالعها بتعجب ثم تساءل :
- نسافر ؟ نسافر فين يا سها ؟
تحمحمت واستمرت يدها في التلاعب على ذراعه وكفه ثم دنت عند أذنه أكثر تقبلها وهمست :
- باريس ، لسة حالًا شايفة عروض سياحية روعة ، خلينا نروح أنا وإنت بس ، من زمان ماسافرناش مكان .
تعلم أنها تؤثر عليه بحركاتها وتتلاعب على رجولته ولكنها نسيت أنه أحمد ذو الفقار لذا تساءل بشكٍ :
- اشمعنى باريس ؟
ابتلعت لعابها وتوترت لذا اعتدلت تتحمحم وتردف موضحة بخبث :
- عايزة اشتري شوية حاجات من هناك عجبوني ، إنت عارف إني بعشق أزياء باريس .
باغتها بنظرة تشكيكية ثم أبعد يدها عنه واستطرد بنبرة يصارع بها نفسه :
- اللي عايزاه اطلبيه أون لاين يا سها ، أنا لو حبيت أسافر هروح مصر ، تصبحي على خير .
التفت يرفع الغطاء عليه وينام مستشعرًا بالراحة التي انتزعت منه وتركها خلفه تواجه أعاصير الغضب كي لا تغضب وتفسد الأمور برمتها .
❈-❈-❈
بعد وقت
لم يرحمها النوم قط ، بل رحل عنها وحلت محله الأفكار السامة ، تسمع صوت أنفاسه العالية وهو ينام في الغرفة المجاورة وتجلس تتحسر على حالها .
لم تعد كما كانت ، تعترف أنها أهلمت نفسها في الآونة الأخيرة ، جسدها ، ملامحها ، حالتها المزاجية ولكن لماذا ؟
حقًا لا تعلم سببًا لهذا الإهمال الذي عم عليها بالرغم من أنها لم تُعرف يومًا إلا بالالتزام والمسؤولية .
هل يمكن أن يكون محقًا فيما قاله عنها ؟ هل هي بالفعل زوجة مهملة غير مسؤولة ؟ هل بالفعل يتحمل فوق طاقته معها ؟ هل أوصلته بيدها إلى سبيل الخيانة ؟
هكذا جعلها تشعر بأنها السبب في جل ما يحدث وأنه رد فعلٍ على تصرفاتها .
صوت عقلها يحاول التحرر من قيوده ، يخبرها أنها تفعل جُل ما بوسعها معه لتبقى معلقة بين عقلها ونرجسيته وجال على عقلها ارتجالًا أرادت أن تدونه قبل أن تنساه لذا استلت هاتفها وعبث به تفتح صفحتها عبر الانستجرام وتدون :
( فلتقل خيرًا أو لترحل ، نفذ مستودعي لك من الصبر والصمت ، ارحل قبل أن يثور طوفاني ونغرق سويًا فلن يحتمل قلبي مشاركتك حتى في الموت )
لم تنشره بل حفظته في مسودتها وقبل أن تغادر صفحتها رأت منشورًا جديدًا له بعدما قررت متابعته ولكن ما تقرأه الآن أتى ليكمل أركان صدمتها .
يتباهى ببلدٍ غربية ويعيب على بلده ؟
ذكرها بمن ينام في الخارج حينما كان يبتسم نهارًا إلى من تقف معه وحينما لمحها تجهمت ملامحه ، يحملان نفس الخسة والندالة لذا لم تستطع منع يدها من كتابة تعليق له عبارة عن كلمة واحدة بالعربية :
( خاين )
ألغت متابعته وأغلقت هاتفها وعينيها وأمرت دموعها بألا تهطل ولكن منذ متى وهي تطيعها ؟