رواية بحر ثائر الفصل الاول 1 بقلم ايه العربي
رواية بحر ثائر الفصل الاول 1 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل الاول 1 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل الاول 1 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل الاول 1
رواية بحر ثائر الفصل الاول 1
( المرأة في بلاد العرب مثبطة الأفكار ، ليست كمثيلتها الغربية ، بل يبدو أن ذلك الشيء الذي تضعه على رأسها بذريعة الستر قد حجب عنها الذكاء فباتت تسمع وترى ولكنها لا تعقل )
ثائر ذو الفقار
رواية ( ما لم نسعَ لمعرفته)
كانت هذه ترجمة ما كتب بالفرنسية أسفل منشوره عبر تطبيق الانستجرام الخاص به وقد أرفق معها صورة امرأة عربية محجبة مجهدة الملامح، تقوم بالتنظيف أسفل الأغنام .
نفخت أوداجها وشعرت بالدماء تغلي داخلها وظلت تبحث عن إجابة مناسبة ترد بها على كلام هذا الكاتب الفرنسي عربي الأصل بل مصري الجنسية ولكنها لم تستدل على ردٍ قوي يمكنه أن يؤثر في ذلك الشخص البغيض ، فقد رأت بعض التعليقات المؤيدة لمنشوره والبعض الآخر يعترض ولكنه يتعمد استفزاز من يعترض أيضًا ويفحمهم بردوده التي أغاظتها بشكلٍ مبالغٍ به .
بالرغم من أنها لم تهتدِ لارتداء الحجاب بعد إلا أنها متيقنة من وجوبه ، كذلك تحمل انتماءً عظيمًا لبلدها ولبلاد العرب عامةً ولا تقبل أن يقلل شخصًا منهم ، ربما لو كان إنسانًا غربيًا ستتقبل تفكيره ولكن عربي ومسلم ومصري ؟ هذا أكثر ما أغضبها .
- بتعملي إيه يا ديما ؟
انتفضت من فوق مقعدها حينما استمعت لصوت زوجها المفاجئ لذا التفتت تطالعه فوجدته يتجه على الفور نحو سريره ليرتد عليه ، يطالعها بنزق قائلًا بملامح متجهمة :
- بردو هتفضلي قاعدة ع الزفت ده ؟ وبعدين مالك وشك جاب ألوان كدة ليه وريني كدة ؟
زفرت ونهضت تتجه نحوه وتجلس بجواره متجاهلة أسلوبه الفظ معها وقالت وهي تعرض عليه المنشور بعدما قامت بترجمته تلقائيًا :
- أبدًا ، كنت بقلب في الانستا لقيت البني آدم ده ، المفروض إنه فرنساوي بس أصله مصري ومسلم بس تقريبًا كل منشوراته ضد بلده وضد المرأة العربية وخصوصًا المسلمة ، تقول معقد .
ابتسم ساخرًا بعدما قرأ ما دوّن وتحدث وهو يهز منكبيه بسخرية :
- مهو معاه حق ، واحد متجوز فرنسية عايزاه يعجب بالعربية ؟ وبعدين مهما الستات كلهم زي ما قال كدة ، دماغهم فاضية ومش فاضيين غير للتفاهة .
اغتاظت من كلماته السامة وتحدثت بشموخ أنثى :
- اللي هي إيه التفاهة دي ممكن تقولي ؟ وبعدين بتجمع ليه كل الستات في خانة واحدة وإنت عارف إن التعميم لغة الجهلاء ؟ وآه العربية أحسن من الفرنسية مليون مرة .
باغتها بنظرة ثاقبة وتجاهل الجزء الثاني من حديثها يجيبها بعنجهية كاذبة :
- التفاهة دي زي البتاع اللي في إيدك ده ، شوفتي جوزك جه المفروض وزي ما الدين قال ترميه خالص وتقومي تشوفي طلبات جوزك مش قاعدة عليه ليلك زي نهارك كدة .
هذا الحديث تحديدًا يصيبها بالضغط فتصبح على وشك الانفجار لذا نطقت بنبرة محذرة قائلة ببعض الهدوء :
- كمال بلاش الطريقة دي لو سمحت وانت عارف كويس إني مش كدة ، ماترميش كل المجهود اللي بعمله في الأرض علشان خاطر تثبت إنك صح .
تملكته الذكورية واستطرد بنبرة قاسية و هو يشير حوله :
- نفسي أفهم مجهود إيه ده ؟ بتشيلي الحيطان مثلًا وبتبنيها تاني ؟ أومال لو جربتي تشتغلي شغلنا إحنا بقى هتعملي إيه ، كل مافي الأمر هو لقمة بتطبخيها وبيت بيتكنس .
نظرت له بخيبة دومًا ما يتعمد استصغار ما تفعله بقلة تقديره لها لذا باتت لا تفضل المناقشة معه ، أومأت مرارًا ونهضت بعدما التقطت منه هاتفها قبل أن يبدأ بالبحث والتنقيب فيه عن ثغرات ينشب به عراكًا لن تتحمله منه لذا استرسلت بيأس وهي تتحرك تغادر الغرفة :
- لا اشتغل شغلك ولا تشتغل شغلي كل واحد ربنا سبحانه وتعالى حطه في مكانه وبيعمل اللي عليه حسب ضميره ، أنا هروح اجهزلك الغدا .
تركته وغادرت ليتمدد هو على الفراش بأريحية ينتظرها لتجلب له الطعام متجاهلًا نداء والدته المريضة التي ترعاها ديما مثلها كمثل طفلٍ حديث الولادة ولكن الفرق والمجهود يفوق قدرتها ومع ذلك لم تشتكِ أو تعترض بل تصبر لأجل صغيريها .
اتجهت نحو المطبخ تشعل الموقد لتسخن له الطعام فأتاها صغيرها البالغ من العمر خمسة سنوات يقول ببكاء مشتكيًا شقيقته :
- ماما رؤية أخدت مني الألعاب بتاعتي .
التفتت تطالعه وقد خانتها دمعة سقطت من قوة الضغط والحزن اللذان تمر بهما لذا جففتها سريعًا وتنفست بقوة كبيرة ثم نظرت لطفلها وانحنت نحوه تملس على وجنته قائلة بحنان :
- حبيبي ماتعيطش ، إنت عارف إن رؤية صغيرة وبعدين الألعاب بتاعتكوا إنتوا الاتنين سوا ، العب معاها دلوقتي ولما بابا ينام هاجي العب معاكو .
شعر الصغير بالرضا وأومأ لها خاصة وأنه لاحظ دمعتها لذا مد كفه يمسحها قائلًا بحنان يغمرها به دومًا فيعينها على تحمل متاعبها :
- حاضر يا ماما خلاص ماتزعليش .
ابتسمت له بحبٍ بالغ وتمسكت بكفه تقبله عدة قُبل ثم أشارت له أن يذهب واعتدلت تطالع أثره بشرود ، تعلم جيدًا أنه إن ظل يبكي ربما عنفه والده لذا دومًا تسرع إلى مراضاة صغيريها فهما استثمارها الحقيقي في الحياة ولن تقبل بتعنيفهما أبدًا .
عادت حماتها تنادي على ابنها لذا زفرت واتجهت عائدة لغرفتها فوجدته يعبث بهاتفه متجاهلًا نداء والدته لذا تحدثت بغيظ :
- ماترد على مامتك يا كمال ! بتنادي عليك من إمتى .
زفر بضيق يلازمه دومًا وتحدث بانزعاج وهو يشير بيده إلى رأسه :
- إنتِ عارفة إن أمي عقلها بقى على قدها وهروح أكلمها هتمسكني بقى تحكيلي عن جدودها اللي ماتوا ، روحي شوفيها وقوللها إني لسة ماجتش .
- بس هي عارفة إنك هنا .
- يووووووه ، أقوم امشي واسيبلكو البيت ؟
نطقها بنزق لذا زفرت واتجهت لترى حماتها التي ترقد على فراش في غرفة مجاورة لا حول لها ولا قوة فتطلعت عليها ديما بشفقة متسائلة :
- نعم يا ماما بتنادي على كمال ليه ؟
نظرت لها السيدة المسنة نظرة طفولية بعدما أصابها مرض الزهايمر وتحدثت باستعطاف :
- بنده عليه علشان يطلع من الشمس ، الدنيا حر دلوقتي خليه يطلع يا عايدة .
تنفست ديما بقوة وطالعتها بحزن بعدما فقدت هذه السيدة عقلها ، فهذه المسماة بعايدة هي في الحقيقة شقيقتها التي تقطن بعيدًا عنها لذا أومأت ديما واسترسلت مسايرة :
- حاضر هخليه يطلع ، ارتاحي إنتِ بس ولما يطلع هيجيلك .
تحركت خطوة لتعاود السيدة النداء بصوتٍ عالٍ كما لو كانت تعاني من فزعٍ لذا التفتت ديما تطالعها مجددًا وتابعت بتروٍ :
- فيه إيه بس يا ماما أنا جنبك أهو !
نظرت لها واسترسلت بنبرة ملحة وهي تشير بيدها للجوار :
- تعالي اقعدي جنبي عايزة اتكلم معاكي ، الناس اللي أنا شارية منهم البيت عايزين يزودوا السعر عليا ، تعالي علشان ابعتك ليهم واقولك تقوللهم إيه .
مسحت ديما على وجهها مستغفرة وأردفت ببعض الضيق وهي على حالها :
- طيب هجيلك أهو اصبري بس عليا ربع ساعة وجيالك تاني .
تحركت تغادر فباتت السيدة تصرخ عليها وتبكي .
هي لم تعد تستطيع الحركة لذا نهض كمال بملامح محتدة غاضبة يتجه نحوها ثم قال بنبرة هجومية بعدما بات لا يحتمل أفعالها وصراخها :
- في إيه يا ماما ؟ بيت إيه وعايدة مين ؟ ركزي الله يصلح حالك مش ناقصين خلل ، ده بيتنا ودي ديما مراتي ، ماشي ؟
اومأت له والدته بفزع من قسوته ثم ابتسمت له وتحدثت وهي تشير إليه :
- تعالى يا كمال إنت جيت إمتى ؟ تعالى يا حبيبي جنبي هنا علشان المروحة الدنيا حر عليك .
زفر يستغفر ثم تطلع إليها ، دومًا كانت هي نقطة ضعفة وقوته التي كان يستقوي بها على ديما في بادئ زواجهما ، كانت دومًا مصدرًا لإشعال الفتن بينهما ، هي من جعلته يظن أن الرجل أولًا وأخيرًا إلى أن أصيبت وباتت قعيدة تعاني من مرض الزهايمر فلم تعد نقطة قوته ولم تعد حتى نقطة ضعفه ، تحرك نحوها وجلس مجاورًا لها يقبل رأسها فابتسمت وباتت تربت على ساقه وأردفت بحنان فطري :
- أقول لعايدة تحضرلك الأكل ؟
أجابها وقد بدأ يندمج معها :
- بتحضره يا ماما اهي .
أومأت له ثم بدأت تحك ظهرها من أثر النوم لتستطرد بترقب :
- طيب أنا عايزة استحمى يا كمال .
عاد الضيق يلتهمه فقال وهو ينهض مجددًا ويستعد ليغادر :
- ماشي يا ماما ديما هتحطلي الغدا وتيجي تحميكي .
اومأت له بطاعة كأنها تخشى الاعتراض أمامه وتحرك هو عائدًا إلى غرفته يجلس بها لتأتي ديما بصينية الطعام وتضعها على الطاولة في الغرفة وتناديه بعدما عاد ينشغل بهاتفه قائلة :
- يالا يا كمال قوم .
قالتها وكادت أن تجلس لتتناول طعامها معه فهي لم تأكل وانتظرته ولكنه نهض يقول وهو يتقدم من الطعام ولم يبالِ بها :
- أمي عايزة تستحمى يا ديما ، هو إنتِ ماغيرتلهاش النهاردة ولا إيه ؟ مانتِ عارفة إني هاجي تعبان من الشغل وهي هتفضل تزن .
نظرت له نظرة حادة وأردفت باستفاضة :
- لا لسة ماغيرتلهاش يا كمال ، مستنياك تساعدني مش هقدر أغير لها لوحدي .
مد يده يتناول ملعقته واسترسل وهو يستعد للطعام :
- اساعدك ليه ما إنتِ بقيتي تغيرلها لوحدك خلاص ، مهو لو كنتِ غيرتلها قبل ما اجي بدل ما تمسكي الموبايل وتقرئي منشورات الأجانب كنا ارتاحنا من وجع الدماغ ده ، اهي هتفضل تنادي ومش هتسكت .
بدأ يأكل طعامه وجلست تطالعه وسبحت للبعيد بأفكارها التي ودت لو تجسدت أمامه ولكمته في كل مرة يتحدث بكلمات تتسبب لها بهذا الكم من الضيق والضغط .
❈-❈-❈
صوت إذاعة القرآن الكريم صدح في ورشة عمله الخاصة بتصليح السيارات ، يحب دومًا سماع صوت القرآن الكريم أثناء عمله .
منذ أن تخرج من كلية الهندسة الميكانيكية ولم يجد عملًا مناسبًا لم يجلس مكتوف الأيدي ، خاصةً بعدما تركهم والدهم وتزوج بأخرى ، بل سعى وكافح حتى فتح ورشته الخاصة منذ ثلاث سنوات ، حبه لشقيقتيه يفوق الحدود وبالأخص ديما ، تعد هي صديقته التي يلجأ لها كلما شعر بالضيق برغم أنه لا يحب زوجها ويراها كثيرة عليه ولكنها دومًا تقنعه أن كمال رجلٌ جيد ولم يقتنع ، فهل يكذّب عينيه وإحساسه ويصدق كلمات شقيقته التي تكذّبها عينيها ؟
دلف ورشته بعد أن تناول غداءه مع والدته وشقيقته الصغرى يلقي السلام على الصبية الذين يعملون معه فردوا عليه فتساءل بترقب واهتمام :
- اتغديتوا ؟
قالها وهو ينظر للطعام الذي أرسله إليهم فلم يجد سوى العلب الفارغة لذا تابع ساخرًا بعدما أومأوا :
- أنا بسأل ليه دا كان ناقص تاكلوا العلب ، ياواد براحة منك ليه هتتخنوا وشغلكوا هيقل وهعلقكوا على باب الورشة .
ضحك الصبية الثلاث عليه وليقول بلية وهو يملس على معدته :
- مهو أكل الحاجة حلو أوي يا باش مهندس داغر ، داحنا بتنخانق عليه .
لم يعقب على كلام بلية لأنه يعلم جيدًا لذة طعام والدته واتجه نحو السيارة التي كان يعمل عليها قبل ذهابه وأردف لأحدهم وهو يمد يده ويستعد لتكملة إصلاحها :
- هات يا دقدق مفك صليبة وتيش وصامولة وتعالى جنبي يالا .
أسرع دقدق يلبي طلبات داغر بمهارة والآخر قد افترش الأرض ليتابع عمله بدقة ، دومًا عُرف بمهارته وضميره في عمله ويأتي إليه الناس من هنا وهناك ليقوم بتصليح سياراتهم .
عُرف بشهامته وجدعنته لذا جميع من في المنطقة يحترمونه ويحبونه عدا زوج شقيقته ديما ومن هم على شاكلته .
عاد ينادي بنبرة شامخة تبعث الرهبة في من يسمعها مسترسلًا :
- قوم يا بلية جري على حسن الوالي هات من عنده سير 10 سم وواير وقوله داغر هيبقى يعدي عليك .
- هوا يا هندسة .
قالها بلية وهو يركض نحو الخارج ملبيًا فبات جميعهم يعملون على قدمٍ وساق بينما هو تمدد أسفل السيارة يستمع إلى تلاوة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ويردد خلفه :
- الله الله الله الله .
❈-❈-❈
نهض من على السفرة يحمد الله بعد إنهاء طعامه ثم نظر لزوجته وتحدث بودٍ :
- تسلم إيدك يا حبيبتي ، الأكل تحفة .
لا تستمر العلاقات بالحب فقط ، لا تستمر بشغف المشاعر فقط ، بل تشتد وتقوى بالتقدير ، فكلمة واحدة بإمكانها فتح أبواب قلبك للآخر على مصراعيها وكلمة أخرى قادرة على تشييد سدًا من الجفاء بينك وبين قائلها .
استطاع نثر السعادة على وجهها العابس باستمرار فطالعته بعيون لامعة وتحدثت وهي تنهض وتقابله :
- بألف هنا يا حبيبي ، مش هشوفك إلا الصبح صح ؟
رفع كفيه يحاوط وجهها ثم دنى يقبل رأسها ونزل نحو شفتيها يطبع عليهما قبلة رجلٍ عاشقٍ محب واسترسل بنبرة لينة :
- لو عليا مش عايز اخرج خالص بس هعمل إيه ، أسبوع كدة وأسبوع كدة ، تحبي تيجي معايا ؟
كان كفيها موضوعان على صدره لتتنهد مستنشقة رائحته وتجيبه بنبرة هادئة رزينة :
- لا لا مش هينفع يا دياب هاجي أعمل إيه في المطار مش عايزة يحصل معاك مشاكل بسببي ، يلا يا حبيبي اتوكل إنت على الله وأنا هتواصل معاك دايمًا ولو زهقت هتكلم مع ديما .
ابتسم برضا فهي تعينه على حاله دومًا وتبسط له جناح الهدوء حتى لو عبرت أحيانًا عن حزنها الناتج من مسألتهما الأساسية ألا وهي عدم الإنجاب .
تحرك يأخذ أغراضه وأردف مستعدًا للمغادرة :
- تمام يا حبيبي ، ولو حبيتي تطلعي مع ديما شوية مافيش أي مشكلة .
تحركت معه نحو الباب وهي تربت على ظهره واسترسلت بنبرة محبطة بعلمٍ مسبق :
- جوزها مش هيوافق يا دياب ، هنتكلم في الموبايل أحسن .
- اعملي اللي يريحك يا يسرا وماتتعبيش نفسك في شغل البيت ، وعالله آجي الاقي حاجة منقولة من مكانها هعاقبك عقاب من إياهم .
ابتسمت تطرق رأسها بحبٍ وخجل ثم عادت تطالعه وتحدثت بنبرة مبطنة بالحزن الذي تسعى لتطرح عليه أوشحة المرح :
- اللاه طب هعمل إيه بس ماطول الوقت مافيش حاجة اعملها ! يمكن اغير مكان الانتريه .
قالتها بخبثٍ تعمدته حتى لا يحزن فابتسم لها وتحدث وهو يميل برأسه عليها وينطق بهمس :
- على فكرة ممكن ماروحش الشغل عادي جدًا وادخل اعاقبك دلوقتي ، اسمعي الكلام يا يسرا .
- حاضر خلاص مش هعمل حاجة ، الأفضل تروح على شغلك قبل ما يبعتولك جواب رفد .
قالتها وهي تدفعه بخفة خاصةً وأنه يعطيها انطباعًا بأهميتها بدلًا عن عمله ليزفر ويقول بنبرة متكلفة تزيد من ثقتها :
- طب ياريت يعملوها وأنا اطول اقعد جنب حبيب قلبي من غير لا شغلة ولا مشغلة .
نطقها بعبثية لا تظهر لسواها لتضحك عليه وتعاود دفعه بخفة حتى تحرك خارج الشقة فودعته تلوح بيديها وتبتسم وهي تغلق الباب أمامه ليتنهد بعمق وراحة ويلتفت متجهًا إلى عمله .
لتقف بعدها تستند على الباب وتتنفس حبه ، تعشقه منذ سنوات وكل يومٍ يزيد من منسوب حبه داخل قلبها ، كانت تظن أن بعد زواجها منه سيتوه الحب وسط الحياة والمعاشرة مثلما قال البعض ولكنه أتى ليثبت لها شيئًا واحدًا فقط أن الحب لا يموت أبدًا إن أرادا هما ذلك ، فمنذ خمس سنوات مدة زواجهما لم ترَ منه إلا كل الحب والتقدير والاحترام ولكن ؟
يجلسان في شرفتهما بعدما بلغ الكبر منهما وأخذ العمر حقه من ملامحهما وأجسادهما ، لم يجدا ونيسًا ولا أنيسًا سوا بعضهما البعض ، ولكنها دومًا تحن لولديها وتشتاق لرؤيتهما ، تشتاق لعناقٍ يشبع عاطفتها ، أحدهما لم تره منذ عامين والآخر لم تره منذ اثناعشر عامًا .
قلبها ملتاع على رؤية صغيرها وتخشى أن تموت دون رؤيته ، تراه فقط من خلال أجهزة التواصل اللعينة التي تمنعها من ضمه داخل صدرها واستنشاق أنفاسه كما كانت تفعل في صغره وصباه .
عادت عينيها تلتمع أمامه كما تفعل بشكلٍ يومي ليترك فنجانه ويمد يده يربت على ساقها ثم تحدث بنبرة مستكشفة :
- يظهر كدة إنك حالفة كل يوم تشربي قهوتك بدموعك يا علياء .
زفرت بقوة ثم طالعته وتحدثت بنبرة يسكن بها الشوق والحنين :
- وحشوني أوي يا أمجد ، وثائر وحشني أوي أوي ، ماتسفرني ليه يا أمجد أشوفه وأحضنه ، خايفة أموت من غير ما اشوفه ، اتناشر سنة يا أمجد محرومة منه حتى ابنه كبر من غير ما اشيله ولا ادلعه ، يرضي مين ده بس ؟
زفر بقوة وأطرق رأسه يعاود حمل فنجانه ثم استرسل بنبرة تخفي في طياتها الكثير :
- ماينفعش يا علياء تسفريله ، هو اختار حياته بعيد عننا ، واحمدي ربنا انك قادرة تشوفيه وتتواصلي معاه ، لكن سفر مش هينفع صدقيني .
شعرت بالقهر والعجز يتملكانها ، دومًا يجيبها بنبرة صلدة حينما يتعلق الأمر بثائر ، كيف لها أن تتحمل مرور كل تلك السنوات دون رؤيته ؟ لقد بلغ الشوق منها مبلغه .
تنهيدة حارة خرجت من جوفها ولم تتمالك نفسها أكثر بل أصبحت تبكي بفطرة واسترسلت :
- لا ينفع هو ينزل مصر ولا ينفع أسافرله وانكتب علينا أنا وهو مانتقابلش أبدًا ، فوضت أمري ليك يارب ، فوضت أمري ليك إنت وبس .
حدق بها لثوانٍ ثم التفت ينظر أمامه يرتشف قهوته بصمت وعقله يصارعه في حلبة أفكار لا أحد يعلم عنها شيئًا .
انتبها لرنين هاتف علياء فحملته لتجده ابنها الأكبر أحمد لذا كفكفت دموعها وتحمحمت ثم أجابت على المكالمة المرئية تنظر لصورة ابنها قائلة بحبٍ وابتسامة هادئة تخفي حزنها عنه :
- أزيك يا أحمد ، عامل إيه يا حبيبي ومراتك وأولادك عاملين إيه ؟
ابتسم أحمد لها ابتسامة هادئة وتحدث مستفسرًا :
- ازيك إنتِ يا ماما عاملة إيه ؟ وسيادة اللوا أمجد عامل إيه ؟ .
نظرت علياء لزوجها الجالس بشرود كأنه لم يستمع إلى المكالمة وعادت تنظر إلى ابنها قائلة بإيماءة بسيطة :
- كويسين يا حبيبي ، بابا بيشرب قهوته جنبي أهو ، طمني على سها وسامر ولوليتا عاملين إيه ؟
التفت أحمد ينادي بصوتٍ عالٍ على زوجته سها التي كانت تتحدث عبر الهاتف وأتت على صوته تحادثه بنزق بعدما أنزلت الهاتف عن أذنها :
- في إيه يا أحمد عايز إيه ؟ معايا مكالمة .
أشار برأسه نحو الحاسوب واسترسل بثقب :
- طيب اقفلي لو سمحتِ ونادي على الأولاد وتعالوا كلموا ماما عايزة تسلم عليكوا .
نظرت له بغرابة ثم ابتسمت بتهكم ساخرة وهزت رأسها بلا مبالاة ثم التفتت تعود لغرفتها متجاهلة حديثه لذا ابتلع لعابه بحرج أمام والدته ولكنه تجازوه بسرعة اعتاد عليها وبات ينادي هو على أولاده اللذان لم يجيباه لذا تحدثت علياء ترفع عنه الحرج :
- خلاص يا أحمد معلش يمكن مشغولين ابقى اكلمهم وقت تاني ، بس قولي مش هتنزل مصر قريب ؟
تجهمت ملامحه وتحدث بضيق من أفعال زوجته التي تتعمد إحراجه وأفعال أولاده فصب غضبه في حديثه ونبرته قائلًا :
- انزل مصر اعمل إيه بس يا ماما ؟ إنتِ عارفة إن شغلي كله هنا في دبي ونزولي مش هيفيد بحاجة .
كأنه طعنها بسكين في قلبها المنفطر على رؤيتهما لذا تحدثت بنبرة هجومية بعدما طفح كيلها :
- تنزل اشوفك ، تنزل تشوفنا ، ولا مالناش حق عليك ؟ هتبقى إنت واخوك ؟
عند ذكرها شقيقه احتدت نبرته أكثر وتحدث بملامح متجهمة :
- أنا ماليش دعوة بخويا ، ده واحد بايع ورمى كل حاجة ورا ضهره وراح دور على نفسه وبس ، وماهموش المشاكل اللي حصلت معانا بسببه ، كفاية إني لحد دلوقتي بتعاير بسببه .
قطبت جبينها بعدما نطق الأخيرة باندفاع لتتساءل بشك :
- بتتعاير بسببه ؟ مين ده اللي بيعايرك باخوك يا احمد وليه ؟ هو إنت ماتعرفش ثائر ؟ دانتو اتربيتو في بيت واحد 30 سنة وربيناكم على الحب والود والرضا ، ليه يابني ده مهما كان اخوك .
-
- قوليله هو الكلام ده يا ماما ، ومعلش أنا هقفل علشان نازل أنا والولاد ، ابقي سلمي على بابا .
أغلق قبل أن تستوعب ليزيد من حزنها ، افترق الأخوة بعدما كان يجمعهما بيتًا واحدًا تعالت فيه الضحكات والمودة ، افترقا وأصبح لكلٍ منهما دربًا خاصًا به اختاره بإرادته .
تحدث أمجد وهو يطالعها بطرف عينه بعدما أنهى قهوته :
- ارتاحتي كدة ؟ 100 مرة قلتلك ماتفتحيش مع أحمد سيرة ثائر ، أحمد متعبي من أخوه ، منها لله سها بنت اخوكي .
تنفست بقوة لتدعم رئتيها بعدما شعرت بالضيق ولكنها أومأت مقتنعة بحديث زوجها ، تعلم أن سها زوجة أحمد وابنة شقيقها قد دست سمومها في نفس أحمد حتى بات لا يحتمل سيرة شقيقه الأصغر .
❈-❈-❈
جلست على أريكتها القريبة من مطبخها تتصفح هاتفها وتتابع أخباره بفضول لا تعلم مصدره ، ربما أرادت أن تراه يعلن عن ندمه لما فعله بها وبأولادها ، وربما أرادت أن تُرضي فضولها في البحث والمعرفة عما يعيشه ويمر به ، وربما لتُرضي غرورها الذي يؤكد لها كم هو كاره لحياته الحالية .
لا تعلم سببًا محددًا ولكنها تعلم أنها مخطئة فيما تفعله ، مخطئة للحد الذي يجعلها تلوم نفسها دومًا ، تعيش داخل شخصيتين متناقضتين إحداهما تكرهه وتريد أن تنتقم منه والأخرى تريده أن يعود إليها معترفًا بذنبه نادمًا .
انتفضت فجأة حينما هدرت ابنتها دينا من خلفها بصوتٍ تجلت فيه الصدمة :
- إنتِ بتعملي إيه يا ماما ؟
ارتبكت منال وانسحبت الدماء من وجهها خاصة وهي ترى ابنتها تطالعها بصدمة وقد رأت ما تفعله لذا قالت بتلعثم واضح :
- أبـ أبدًا يا دينا كـ كنت بقلب في الموبايل وظهرلي البوست ده .
انتشلت دينا الهاتف من يد والدتها تتأكد مما تراه لتجحظ بعدما تأكدت لذا نظرت لوالدتها بخيبة واسترسلت بعدم استيعاب :
- ماما حضرتك اللي باحثة عن اسمه ؟ إزاي تعملي كدة يا ماما بعد كل اللي عمله ؟ فهميني لسة منتظرة من إنسان زي ده إيه ؟
نهضت منال تواجهها وتحاول تبرير موفقها ولكن خانها لسانها فبأي تبرير ستردف وهي بالأساس لا تعلم ولكنها أردفت بتوتر تشعر أن أصابع الاتهام مصوبة نحوها :
- أيوة بحثت بس مش علشان حاجة صدقيني يا دينا ، باباكِ أنا خرجته من قلبي ومن حساباتي من زمان ، اوعي تفكري إني ممكن اسامحه على جوازه عليا واللي عمله معايا ومعاكم ، بس أنا نفسي اشوفه ندمان ، نفسي اشوف حقي بيرجع منه ، صدقيني يا دينا هو ده اللي بيخليني ابحث وادور على صفحته .
تعلقت بذريعتها وهي تنظر في عيني ابنتها التي تدينها لتسترسل دينا وهي تهز رأسها نفيًا :
- لا يا ماما ، مش مبرر ، ندمه من عدمه مش هيفيدنا بحاجة ، الإنسان ده مافيش بينا وبينه أي شيء بعد ما راح اختار حياته ونفسه ودمرنا وسابنا ، حضرتك محتاجة إيه ؟ لو على الفلوس داغر مش مخلينا محتاجين أي حاجة ، ولو على الونس إحنا حواليكي ومعاكي علطول ، ولو على الكلام تقدري تتكلمي معايا في أي وقت أو مع ديما بس علشان خاطري ماتعمليش في نفسك كدة .
ارتدت منال على المقعد تضع رأسها بين كفيها بحزن فحديث ابنتها وضعها أمام المرآة ، جردها من ثوب اللا مبالاة الذي تعيشه ، ابنتها محقة ولكن تلك العنيدة بداخلها دومًا تخبرها بعكس ذلك وخاصة في الليل حينما تختلي بنفسها .
اتجهت دينا تجلس قبالتها وتعمدت ألا تتوقف وتابعت تضع كل سيئاته أمام والدتها على طاولة التفاوض :
- حضرتك نسيتي اللي عمله مع ديما لما غصبها تتجوز كمال وتسيب دراستها ؟ نسيتي تعنيفه لداغر علشان مايكملش تعليمه ويساعده في المصاريف ولولا تصميم داغر كان زمان مصيره زي ديما كدة ؟ لو سمحتِ يا ماما لو إنتِ حابة تظلمي نفسك مرة تانية بلاش تظلمينا .
رفعت منال رأسها تطالع ابنتها بعيون باكية وهزت رأسها تردف بعزيمة بعدما تلبستها روح الاعتزاز بما تبقى منها :
- لا يا دينا ، مانستش أي حاجة عملها معاكو ولا معايا ، مانستش جوازه عليا من غير سبب ، مانستش ظلمه لينا أول ما اتجوز ، ولا نسيت اللي عمله في ديما ولا عمري هنسى ، اعتبريها غلطة مني ومش هتتكرر تاني .
زفرت دينا تسعى للبحث عن الهدوء ثم حدقت في والدتها فلمحت الخزي لذا نهضت تتجه نحوها ثم جلست على مخدع الأريكة تعانقها وتابعت بنبرة جعلتها لينة :
- حقك عليا ، أنا بس أي حاجة فيها سيرته بتعصبني ، وبعدين أنا كنت جاية ابلغك خبر حلو جدًا ونسيت .
تنبهت حواس منال لتسمع أخبار ابنتها بترقب بعدما جاهدت لتندمج معها لذا تساءلت :
- خير يا دينا قولي .
زفرت دينا تطرد الغضب والحزن بعيدًا ثم أردفت بنبرة فرحة طفولية :
- أنا اتقبلت في الشركة الصينية اللي في العاصمة الإدارية ، هما عايزين شباب وبنات متخرجين جديد ، وبكرة إن شاء الله هروح اقابل المدير .
هذا هو العوض ، هذا الخبر باستطاعته ضرب ذكرى ذلك الرجل بعرض الحائط ، نظرت لابنتها بعيون يملؤها الفخر وتساءلت لتتأكد :
- صحيح يا دينا ؟ يعني بجد اتقبلتي وهتشتغلي ؟
أومأت لها دينا تجلس بفخر وتباهٍ مردفة :
- هل عندك شك في قدرات بنتك ولا إيه يا منال هانم ، حضرتك أنا الأولى على دفعتي وكنت لبلب في الصيني .
تملكها الامتنان وتابعت بحنين :
- بصراحة لو قعدت عمري كله اوفي دين داغر عليا عمري ما هقدر ، ربنا يخليكو ليا .
فتحت لها منال ذراعيها لتستقبلها في عناقٍ آخر معربة عن سعادتها وفخرها بابنتها الصغرى دينا التي كانت محظوظة بما يكفي على عكس ديما التي نالت من المعاناة جزءًا كبيرًا ومع ذلك تجدف بقاربها ضد تيار الحياة على أمل الوصول لبرٍ آمن .
أنهت جميع المهام المطلوبة منها ، حتى والدة زوجها نالت نصيبها من النظافة والرعاية ككل يوم .
كذلك طفليها وبيتها ومطبخها ، الشيء الوحيد الذي لم تستطع تلبية نداءه هو حقه الشرعي ، لم تستطع فعلها بعد التعب الذي لم يكلف نفسه ويمد لها يد العون حتى لو بكلمة طيبة ، لم تستطع أن تفصل بين معاملته وحقوقه لذا فضميرها يتأرجح بين ذنبٍ وعدمه ، خاصةً وأنه خاصمها قبل ذلك بعدما أخبرها كم أن الملائكة تلعنها وأنها خارج حدود الرحمة لعدم تلبيتها حقوقه الشرعية .
في بادئ الأمر كانت تبكي وتخشى أن تلعنها الملائكة حقًا لذا كانت تذهب إليه مرغمة ولكن بعد سنوات اعتادت فيها على قسوته وباتت تشعر بثقل يفوق طاقتها لذا لم تعد تبالي .
انتظرته حتى ذهب في سباتٍ عميق وبعدما نام صغارها اتجهت تجلس في ركنٍ خاص بها وتناولت هاتفها وعادت تدون ما يجول في خاطرها ، تكتب خواطرًا تعبر بها عن الألم القاطن داخلها ، وعن الألم الذي تعيشه ، وعن الثقة واليقين والحب الذي لم تحظَ به .
تنفث بهذه الخواطر ما يعتليها فتصبح بعدها على استعداد لاستقبال جولة أخرى معه ، الكتابة تجعلها تستقبل الأيام بعازل ضد الألم والسأم واليأس وهذا ما تفعله ، لم تتخلَ يومًا عن ابتسامتها وتوزيع الأمل والتفاؤل عن كل من يعرفها لذا فهي محبوبة كثيرًا للدرجة التي تجعله يغار من هذا الحب ويتعمد تحطيم ثقتها بنفسها ولكن عبثًا يحاول .
دونت ما تشعر به وجلست تتنهد بارتياح ، ابتسمت فسطعت الشمس على ملامحها الجميلة التي ورثتها عن أمها ، جميلة بعيونٍ لامعة وبشرة راقية وابتسامة عرفت بها دومًا .
اتجهت لموقع الانستغرام الخاص بها لتدون عليه خاطرة تتحدث عن الأمل والثقة بالله ولكن لفت انتباهها منشورًا آخر لذلك المدعو ثائر ذو الفقار .
نصًا آخر من كتابه يعبر فيه عن استياءه من العرب وتصرفاتهم وخاصة مصر حيث دوّن
( بلد أفريقي يفتخر شعبها بحضارة من آلاف السنين ويعيش على أنقاضها ويتباهى بها ويسجل ذلك عبر الهاتف الذي اخترعه الغرب ، ألم يكن من الأفضل أن يخترعوا بأنفسهم آلة يسجلون بها افتخارهم بجدودهم المزعومين بالعظمة مع أنني لم أرها أبدًا )
شعرت بالدماء تغلي مجددًا في عروقها ، من أي ملة هذا الرجل؟ لا تستوعب أنه مصري مسلم .
بالرغم أنها اعتادت منذ برهة من الزمن على الثبات الانفعالي ولكن عند ذكر بلدها بسوء لا تعرف ثباتًا ولا نباتًا بل تصبح أكثرهن شراسة لذا أسرعت تدون تعليقًا بالعربية برغم أنها تتقن قليلًا من الفرنسية ولكنها فضلت أن تدونها بلغتها فكتبت :
( كيف لك أن تكون كاتبًا مشهورًا ولا تعلم أن الخوارزمي ( عراقي الأصل ) كان هو السبب في صناعة الكمبيوتر والإنترنت ونظام الإلجوريزم الذي يعتمد عليه النظام العالمي الآن وأطلق عليه الخوارزميات نسبة له ، ألا تعلم ان ابن الهيثم ( العربي) هو الذي اكتشف الجاذبية الأرضية قبل نيوتن ب 600 عام ؟ ابحث عن علماء العرب والمسلمين أولًا قبل أن تتباهى بالغرب سارقي الحضارات ولتعلم أن مكتبة العراق تمت سرقتها ومكتبة الإسكندية تمت سرقتها وأحرقوا الحقيقة كي ينبهر بكذبهم أمثالك ) .
أرسلت تعليقاها وجلست تتنفس بقوة تحاول أن تهدأ ولكن رنين هاتفها أخذها من جولة الغضب لتجده والدها ، خرجت من دائرة غضبٍ لتدخل دائرة غضبٍ أخرى ، لمَ يهاتفها الآن وماذا يريد ؟
ولكنها لم تعتد تجاهله برغم كل ما فعله لذا فتحت الخط تجيبه بنبرة خافتة :
- أيوة يا بابا ازيك ، فيه حاجة ولا إيه ؟
تحمحم والدها وتحدث بنبرة مباشرة :
- أزيك يا ديما ، عاملة إيه ، كنت محتاج منك خدمة .
ترقبت السمع تنتظره ليتابع بنبرة مترددة وزوجته تجاوره تشجعه على الحديث فقال :
- يعني لو تكلمي كمال يشوفلي 50 ألف جنيه سلف وهردهملوا في خلال شهرين .
سكنت تستوعب ما يقوله واتشحت ملامحها بالصدمة ليتابع والدها مترقبًا :
- سمعاني ؟
- مش هعرف أكلم كمال في حاجة زي دي يا بابا .
- طيب 30 ألف ؟
نطقها مسرعًا لتعاود الرفض بنبرة أعلى وهي تشعر أن قلبها سيخرج من مكانه :
- مش هعرف يا بابا ، شوفلك مكان تاني .
نظر والدها لزوجته بتجهم لتقابله بملامح مكفهرة قبل أن تشير له بأن يغلق الخط وبالفعل تحدث بجمود قبل أن يغلق :
- تمام متشكرين .
أغلقت وجلست تتنفس بقوة وتحاول أن تهدأ ، تسعى لتنتشل الهدوء ، ربما لو كانت تمتلك ذلك المبلغ لكانت أعطته له ولكنها لن تطلب من زوجها شيئًا كهذا أبدًا فهي تعلم جيدًا ردة فعله على هكذا طلب .
حاولت أن تنتشل نفسها من هالة الضيق التي تحاوطها لذا عادت تفتح الموقع لتقرأ تعليقها متباهيةً به ولكنها لم تجده .
بحثت عنه بين التعليقات ولم تجده لذا اتسعت عينيها وأردفت بهمس :
- حذفه ؟ معقول ؟
عادت تلكم رأسها معنفة نفسها تستطرد :
- حذفو إيه ؟ فكرك إنه قاعد مستني تعليقك ؟ تلاقيكي نسيتي تبعتيه ، يالا أحسن بلاش وجع دماغ مع واحد غبي زي ده .
❈-❈-❈
بعد ساعة
في فرنسا تحديدًا العاصمة باريس
يقف ينظر بانتشاء لخصمه الذي أبرحه ضربًا ، إلى الآن يصعب على أحدهم الوقوف في وجهه صامدًا ومع ذلك يرفض بشكلٍ قاطع الدخول في مبارزات رسمية ، كل ما يفعله هو التنفيس عن شيءٍ ما لا يدركه سواه .
ابتسم ساخرًا من نفسه ، متناقضًا بشكلٍ يثير الفضول ، كيف لكاتب يعبر عن المشاعر أن يتحول في جزءٍ من اليوم إلى ملاكم لايهتم لمشاعر أحد .
لهذا يلقبونه بالبحر ، لا أحد يدركه ولا أحد يفهمه ، تجده في لحظة هادئًا يلهمك التأمل وفي اللحظة الأخرى ثائرًا يبعث الخوف داخلك بينما أعماقه لا يدركها سوا الله .
انتهت الجولة بفوزه كالعادة ليجفل على نداء ابنه معاذ الذي صرخ بحماس وفخر ولغة فرنسية :
- أجل أبي أنت بطلي .
التفت له ثائر يطالعه بابتسامة صادقة ثم تحرك ومال قليلًا ليعبر بلياقة من بين الحبال ثم نزل إليه واتجه يلكمه بخفة في معدته وبملامح منكمشة ونبرة قوية نطق :
- ما رأيك في والدك يا ولد ؟
- إنه الأفضل على الإطلاق
قالها معاذ بحماس ليزفر ثائر ويحدق في ابنه لثوانٍ ثم تحدث وهو يحثه على التحرك :
- هيا تعال معي .
تحركا خطوة فأوقفهما نداء شخصٍ ما فالتفت ثائر ليراه لتتحول ملامحه إلى الجمود وهو يرى هذا الرجل يتقدم منه حتى وقف أمامه قائلًا بنبرة خبيثة :
- جولة جيدة ، كنت أراهن عليك .
باغته ثائر بنظرات مبهمة ثم تنفس وأردف بنبرة مغلفة بالغموض حتي لا يلاحظ ابنه :
- لا تراهن سيد توماس اور ليان ، لا تراهن أبدًا حتى لا تخسر الرهان .
تحرك بعدها مع ابنه حيث الغرفة المخصصة لتبديل الملابس وأسرع ثائر يبدل ثيابه ويتساءل بترقب متجاهلًا ما حدث عن عمد :
- هل هاتفتك والدتك ؟
أومأ معاذ وأردف وهو يخرج هاتفه من جيبه :
- نعم أبي هاتفتني أكثر من عشر مرات ولكني لم أجبها .
ابتسم ثائر وأومأ بعدما ارتدى ثيابه ثم مد يده يعبث بخصلات ابنه مسترسلًا بتشفي واضح :
- هيا لأوصلك ، ربما الآن أصيبت بالجنون وهناك احتمالًا كبيرًا أن تقتل والدها .
- فلتفعل .
نطقها معاذ ليضحك ثائر ثم أشار له بالتحرك وتحركا سويًا نحو الخارج يستقلان السيارة لينطلق ثائر وعينه على الطريق يفكر في ما يريده توماس أور ليان منه وما يسعى له معه .
ليأخذه عقله سريعًا إلى ما حدث قبل ساعة وقبل أن تبدأ الجولة بثوانٍ حينما قرأ ذلك التعليق الذي كتبته امرأة مصرية وقام بحذفه قبل أن يراه أحد .
يتبع...