رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السادس عشر 16 بقلم سعاد محمد سلامه
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السادس عشر 16 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامه رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السادس عشر 16 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السادس عشر 16 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السادس عشر 16
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل السادس عشر 16
عبرالهاتف
تضايقت فايا من حديث ذلك الحارس لها ، أغلقت الهاتف وسُرعان ما قامت بإتصال آخر وتحدثت سريعًا بإستهجان:
صحيح معدات الحفر إتكسرت.
شعر من نبرة إندفاعها أنها غاضبه فحاول تهدئتها قائلًا:
صباح الخير يا فايا.
بإندفاع عاودت سؤالها:
بقولك إيه اللى حصب لمعدات الحفر كمان إزاي يحصل هجوم عالموقع وأنا معرفش بيه.
تنهد بهدوء محاولًا امتصاص غضبها، قائلًا بصوت ثابت:
فايا، لو سمحتي ادي نفسك لحظة تهدي الأول. كل حاجة تحت السيطرة، والهجوم تم في وقت متأخر وإحنا بلغنا الجهات المختصة.
قاطعته بتسرُع وتهكم :
إيه اللى تحت السيطرة؟ المعدات اتحطمت، يعني تأخير كبير في الشغل! أنت متخيل حجم الخسائر دي؟.
رد بنبرة جادة:
أنا مقدر غضبك، بس دلوقتي الأهم نحل المشكلة بدل ما نلوم بعض فريق الصيانة شغال على تقييم الوضع، وأنا على اتصال دايم بالموقع أول ما أوصل لأي مستجدات، هبلغك.
صمتت قليلًا، تحاول استجماع نفسها، ثم قالت بنبرة أخف حدة:
ماشي، بس عايزة يوصلني تقرير كامل النهارده، وفاهمني لو في حاجة محتاجة قرارات فورية.
أجاب بحزم:
أكيد، هبعتلك التقرير قبل نهاية اليوم. بس فايا، خلي بالك إن الشغل ده مليان تحديات، محتاجين نكون أقوى من أي أزمة.
أغلقت المكالمة دون رد، لكنها جلست تفكر في كلماته، تحاول أن تهدئ من روعها وتبحث عن حلول بدلاً من الغضب الذي سيطر عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمكتب فراس شعر بشئ ناقص، كآن غياب تلك الحمقاء ومشاغبتها آثر على طاقته، فكر قليلًا ثم تبسم فلا مانع من بعض المشاغبات من بعيد فتح الهاتف وقام بالأتصال تفوه بمرح لكن ذو نبرة جادة:
الاستاذة مجتش الشُغل النهاردة ليه،ا إعملي حسابك كده الشغل هيضاعف عليكِ.
على الطرف الآخر، جاء صوتها مترددًا لكنه يحمل نفحة من السخرية والغضب:
حضرتك عارف إني مريضة.
إبتسم بمرح قائلًا:
وليه مقدمتيش عذر، وقولتي إنك مش جايه، كده إتسببتي فى تأخير العمل.
تضايقت بضحر مستهزأة:
آخرت العمل إزاي،انا مجرد إدارية!.
ضحك فراس بخفة وهو يتكئ على مكتبه، يعبث بقلم بين أصابعه:
أيوة إدارية بس كمان الادارة لها مهام لازم تخلص كمان حسيت إن المكتب ناقص شوية ناقص إزعاجك المعتاد.
تضايقت وردت بنبرة جريئة :
لو على الإزعاج سهل، أجي مخصوص أزعجك وأرجع.
ابتسم فراس، يدرك أنها تحاول كبح كسلها المعتادة:
لا، كده هتبذلي مجهود زيادة عليكِ.. خليكِ مرتاحة، عشان تخفي بسرعة بس بعد كده مفيش غياي من غير عذر… وتبلغيني بيه من قبلها.
تنهدت بضجر قائله:
حاضر لما أتعب بعد كده هستأذن منك الأول.
ضحك قائلًا:
تمام مش فاضي للرغي، بس ده آخر تحذير لكِ.
تفوهت ببعض الغضب بصوت هامس لم يسمعه، لكن ضحك من تلك الهمسات
وأنهى المكالمة مبتسمًا، ينظر إلى شاشة الهاتف قبل أن يضعه جانبًا. في داخله، أدرك أن تلك المشاغبة التي كان يتظاهر بالضيق منها، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من يومه… ظلت الإبتسامة معلقة على شفتيه… أسند ظهره على المقعد ينظر إلى الأوراق المبعثرة على مكتبه،تنهد وهو يحاول نفض التفكير فى تلك الحمقاء والتركز في عمله، لكن ذهنه كان يهرب دومًا إليها يتذكر حُنقها ونبرتها الغاضبة الكسولة… تنهد وهو يجذب حاسوبه، لكن
فجأة، إستقام برأسه ونظر نحو باب المكتب الذي فُتح ودخلت فايا بإندفاع ، فنهض سريعًا يسأل:
فايا خير فى ايه؟.
أجابته بتسرُع:
مش خير،المشروع الجديد ده واضح مشاكله هتبقي كتير،الحارس اللى على الموقع بلغني إنهم لقوا المعدات بتاع الحفر متكسرة وأماكن كانت محفورة اتردمت،وطبعًا معروف مين اللى عمل كده.
تعجب فراس قائلًا:
وحارس الموقع كان فين وإزاي مبلغش الشرطة فى وقتها.
أجابته فايا:
الحارس أكيد خاف،هو قال إن اللى حصل ده تم وقت صلاة الفجر وهو كان بيصلي في جامع قريب من الموقع ولما رجع شاف عربية نص نقل وعليها رجالة وهربت بسرعة، وبلغ المهندس فى وقتها وإتصلوا بالشرطة بس إنت عارف إن المنطقة قريبه من البدو والشرطة نفسها بتخاف تعمل معاهم مناوشات، وواضح إن اللى عمل كده عنده ثقة إن الموضوع مش هيبقي فية عقاب قانوني.
صمت فراس قليلًا يُفكر ثم تحدث:
بس ده معناه إن الشغل كله هيتأخر والميزانية هتزيد، ولو البدو هم فعلًا ورا الموضوع، يبقى لازم نتكلم معاهم بشكل مباشر.
اومات فايا بآسف:
إنت عارف إن التعامل معاهم مش سهل، وده غالبًا،إستغلال تصفية حسابات بينهم وبين بعض وإحنا واقعين فى النص.
نظر فراس إليها بحسم قائلًا:
ماينفعش نسكت أول خطوة، لازم نتأكد إن المعدات الجديدة هيبقى عليها حراسة كويسة، ومش هنسيب الموقع من غير أمن.. ثانيًا، لازم نعرف البدو عايزين إيه بالظبط. يمكن لما نتحاور معاهم نحل المشكلة
ردت فايا بتردد:
أنا مش واثقة إنهم هيقبلوا يتكلموا، بس لازم نحاول.
إقترب فراس من فايا وضع يده على كتفها قائلًا:
المشروع ده مش مجرد بناء،ده حِلم تاج، مستقبلنا ومستقبل ناس كتير، مش هنسمح لحد يوقفنا.
اومأت فايا قائله:
أنا فكرت حد فينا يروح لهناك، كمان تاج أكيد هتتصل علينا وهتسأل عالشغل، بلاش نقولها غير لما نشوف حل.
اومأ فراس بموافقة:
تمام أنا هسافر الموقع، وفعلًا تاج مش لازم تعرف سبيها تتفسح مع جاسر تاخد هدنة شوية تفصل وتستمتع بحياتها.
وافقت فايا فراس لكن إعترضت قائله:
لاء أنا اللى هسافر للموقع وهاخد معايا أونكل خليل هو بيعرف يتصرف مع المشاكل دي بطريقة أفضل.
وافق فراس قائلًا:
تمام بس بلاش تتعصبي وتندفعي زي عادتك وأنا هباشر الشركة هنا،طبعًا الاستاذ آسر منفض دماغه وقارفنا بالغبية ميسون والله عندي يقين إنه طرف فى مشاكل المشروع.
أجابته فايا:
وأنا كمان عندي نفس الشك عشان كده مبلغتش آسر وقتها هتنفرد علينا وتهز من الثقة،خلينا نحل المشكلة فى هدوء بعيد عنهم.
اومأ لها متفاهمً،كذالك هي،لكن صمت الإثتين بعد أن سمعا صوت طرق على الباب من ثم دخول تلك السمجة…نظر لبعضهما وأخفيا بسمتهما بصعوبه بينما تضايقت ميسون من نظراتهم وسألت:
روحت مكتب تاج ملقتهاش فيه،قولت يمكن هنا عند فراس فى الحسابات.
تفوهت فايا بعناد:
تاج مش هنا ولا فى مصر،تاج سافرت مع جاسر فى رحلة إستجمام،أظن من حقها،الفترة اللى فاتت هي اللى كانت شايلة الادارة كلها،وبعدين كنتِ عاوزاها فى إيه.
شعرت ميسون بغضب ساحق وتوترت قائلة:
طبعًا لازم تاخد إستجمام،مش مهم الموضوع اللى كنت عاوزاها فيه،لما ترجع هبقي أكلمها،واضح إني قطعت عليكم كلامكم مع بعض هستأذن عندي شغل مهم هروح مكتبي أخلصه.
أومأ لها الإثنين بصمت،حتى غادرت إنفجر الإثنين بالضحك.
بينما غادرت ميسون بغضب يطحن عقلها، تاج دائمًا تفوز بالمُقدمة حتى مع ذلك الجاسر الذي أخطأت حين ضغطت على آسر وباع له نصف المزرعة وبعض الأسهُم، يبدوا أنه كان إتفاق مُسبق بينهم وهي سهلت له ذلك… لكن لن تتخذ مقعد المُتفرجين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسبانيا
صدمة قوية انعكست على ملامح جاسر، التي غدت شاحبة ومنهكة. عقله يثور بلا هوادة، مستنكرًا فعل هالة. كيف لأخته أن تفعل ذلك؟ كيف لها أن تُخبر روزالينا، وهي تعلم جيدًا أنها ستأتي فقط لإفساد كل شيء؟
لطالما عرف مدى مقت هالة لتاج، لكن لم يتخيل أبدًا أن تصل بها الكراهية لهذا الحد.
الأمر يتجاوز الحقد على تاج؛ إنها لا تبالي بسعادته أيضًا. جاسر يدرك ذلك جيدًا. هي تعرف أن فعلتها لن تفسد تلك الرحلة فحسب، بل قد تُدمِّر زواجهما بالكامل.
قلبه يمتلئ بالغضب، بالحزن، وبعجز لم يعهده من قبل. لم يكن قادرًا على استيعاب الكراهية التي باتت هالة تكنها له ولتاج معًا، وكأنها تقف أمامه حاجزًا يحجب عنه الأمان والسعادة…
صمت جاسر كان فرصة روزالينا حين رفعت رأسها ورأت تاج تقف خلف زجاج تلك الشُرفة… بقصد منها إقتربت من جاسر وكادت تُقبله لكن هو عاد للخلف بغضب ونهرها ثم قال بأمر:
غادري المزرعة روزالينا ويكفي سبق وقولت كل شئ بيننا إنتهي،حتى العمل إنتهي،…ولا تحاولي تجاوز الحدود بيننا.
صوته كان حادًا وكلماته مثل السهام.
تراجعت روزالينا بخطوة، لكنها لم تستسلم بسهولة، نظرت إليه بنظرة مغرورة وقالت بنبرة متسلطة:
أنت تعرف جيدًا أنني لا أستسلم بسهولة، جاسر. وما بيننا لن ينتهي بمجرد كلمات.
قبل أن يرد عليها، خطف بصره ظل تاج خلف الزجاج، وجهها متجمد وصامت، وكأنها لوحة تعكس خليطًا من الصدمة والغضب
شعر جاسر بغصة في حلقه، لكنه تشبث بقراره، فاستدار نحو روزالينا وأشار نحو بوابة المزرعة بحزم:
قلت غادري الآن، ولا تعودي مجددًا.
ارتفع حاجباها في تحدٍ، لكنها أدركت أنه لا جدوى من العناد، فاستدارت وغادرت بخطوات بطيئة متعمدة، كما لو أنها تريد ترك أثرها في المكان.
وقف جاسر للحظة يحاول التقاط أنفاسه، ثم نظر نحو الشرفة حيث كانت تاج، لكنه وجدها قد اختفت أسرع إلى الداخل بحثًا عنها، وهو يشعر بالذنب وكأنه يحمل جبلاً فوق صدره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرت تاج بغضب وغِيرة ولم تستطيع تحمل رؤية ذلك، فكرت للحظات ثم إتخذت القرار ستعود لـ مصر، بالفعل جذبت هاتفها وبحثت عن بين ارقام شركات الطيران وقامت بالاتصال على إحداها وطلبت تذكرة سفر للقاهرة.
بذلك الوقت دخل جاسر وسمع نهاية حديثها
أغلقت الهاتف ولم تُبالي بدخول جاسر الى الغرفة وذهبت نحو خزانة الثياب وجذبت تلك الحقيبة بدأت بجذب بعض الثياب وضعتها بالحقيبة، إستغرب جاسر ذلك وإقترب منها
حين إستدارت كان بوجهها سائلًا:
بتعملي إيه يا تاج؟.
حاولت أن تُحايده لكن لف يده حول خصرها رفعت نظرها ونظرت الى عيناه بلا مبالاة:
زي ما أنت شايف برجع هدومي للشنطة تاني وأكيد سمعت كلامي وبتفهم أسباني كويس.
تنهد جاسر بعمق وهو ينظر إليها بعينين مترددتين بين الحزن والغضب، وحاول تهدئة صوته وهو يقول:
تاج… روزالينا مشيت من هنا، هنكمل رحلتنا زي ما كنا متفقين.
لكن تاج لم تمنحه الفرصة لتوضيح موقفه، نفضت يده عن خصرها وقاطعته بعصبية وإستهزاء يفضح ألمها المكبوت:
آه، ما أنا شوفتك بتبوسها من شوية! يمكن كانت قُبلة الوداع.
ذهبت نحو الحقيبة وضعت الثياب ثم شدت سحابها بعنف وهي تحاول التماسك، لكنها شعرت بأن كلماتها ارتدت على قلبها كما ارتدت على وجهه لمح جاسر لمعة الدموع في عينيها، تلك الدموع التي كانت تحاول بكل الطرق ألا تسقط.
تقدم خطوة نحوها، واضعًا يده بلطف على ذراعها، لكن صوتها انفجر كالبركان:
“متقربش مني يا جاسر! متفكرش إني هصدق أي حاجة هتقولها بعد اللي شوفته، كفاية إنت أكيد مش جايبنا هنا وصدفه تجي كمان مراتك الاولانيه، أكيد زي ليلة زفافنا لما سافرنا وبعدها أكتشف إنها رحلة عمل فى المقام الأول طبعًا، أنا نازلة مصر و…
حاول أن يحتفظ بثباته، لكن الغضب بدأ يتسرب إلى صوته وقاطعها :
أنتِ اللي مفكرة إنك فاهمة كل حاجة، لكن الحقيقة إنك ما بتديش نفسك فرصة تسمعي…
تراجعت تاج خطوة للخلف، ورفعت يدها أمامه كأنها تحاول منعه من الاقتراب أكثر:
أسمع إيه؟ مبررات ايه؟
رفع جاسر يده في الهواء وكأنه يريد أن يضرب الجدار غضبًا، لكنه في النهاية أطلق زفرة ثقيلة وتحدث بصوت هادئ:
لو ده اللي شايفاه، لو شايفاني متعمد أجيبك هنا غيظ تبقي غلطانه
صمت للحظه ثم نظر إليها حاول الهدوء عكس ثورة أحساسه قائلًا بصدق :
لو عاوز أغيظك تفتكري كان صعب أجيبها مصر.
نظرت له بصمت سُرعان ما تحول لإصرار قائله بأستبياع:
طبعًا مش صعب،بس اللقاء هنا أفضل،عالعموم
مش هتفرق يا جاسر إعمل اللى إنت عاوزه أنا راجعة مصر النهاردة.
تعصب جاسر وجذبها من يدها بقوة لتقبع بين يديه ليشدد قبضة يديه على عضديها ينظر لها بغضب إصطكت أسنانه شرزًا وهو يحاول تبرير ما حدث لكن هي تصم أذنيها وتصر على ما برأسها، قوتها بهذه اللحظة واهية يبدوا أن قسوة الغضب آثرت بقوتها البدنية حين قبض جاسر على عضديها وجذبها له بقوة شعرت بدوخة
رغم محاولته تبرير موقفه، كآن كلماته تتطاير في الهواء بلا أي تأثير على جدار عنادها رفضت أن تنصت، أن تصدق، وأغلقت أذنيها عن كل تبرير. لكن حين إشتدت قبضة يديه أكثر، شعرت بشيء مختلف.. ليس فقط الألم النفسي بل دوخة غريبة تسللت إلى رأسها
عينيها تراجعتا قليلًا، وشفتيها نطقتا همسًا قبل أن تخور قوتها:
جاسر… كفاية…
شعر بانهيار جسدها بين يديه، وسرعان ما تحول غضبه إلى صدمة وقلق.. حين ترنحت بين يديه، نبض قلبه بجنون وهو يراقب شحوب وجهها. لم يكن يتوقع أن تنهار بهذه الطريقة.. تلك الفتاة التي عرفها دومًا قوية وعنيدة، تبدو الآن ضعيفة وهشة كريشة عصفور يتلاعب بها الريح. همس اسمها بخوف واضح:
تاج
ترك عضديها بسرعة ليمسك بكتفيها برفق، يهزها قليلاً وهو ينادي اسمها:
تاج! مالك افتحي عينيكِ.
لكنها كانت قد استسلمت للدوار، تاركة جاسر في قلق وهلع ماذا أصابها فجأة.. أحاط خصرها بذراعيه ليمنعها من السقوط، بينما استقرت رأسها على صدره.. حاول أن يخفف قبضته،
رفع يده المرتجفة وربت على وجنتها برفق محاولًا إفاقتها
لكنها لم تستجب، ظلت عيناها مغمضتين،دفعه خوفه إلى النظر حوله بقلق، كأنما يبحث عن حل لا يمكنه أن يتحمل فكرة أنها قد تتأذى
حملها بين ذراعيه وضعها فوق الفراش برفق، ثم انحنى أمامها، يُبعد خصلات شعرها عن وجهها وهو يهمس باسمها
راقبها للحظة، ثم هرع لإحضار قنينة العطر ثم عاد، يحاول إفاقتها الى أن بدأت تستجيب له وفتحّت عينيها بصعوبة، نظرتها كانت مشوشة وضعيفة، لكن شيئًا من العتاب ظهر وخوار عيون بينهم… تتسائل بعتاب:
ليه يا جاسر ليه بتضغط عليا بالشكل ده.
تراجع قليلًا،يشعر بآسف حاول أن يجيب، لكن صوت عقله اختنق. أخذ نفسًا عميقًا، ثم جلس بجانبها على الفراش
وأجابها بصوت ممتلئ بالألم:
أنا مش عارف أتعامل معاكِ إزاي يا تاج مش عارف أسيبك أو أقرّب منك. عنادك بيقتلني، وأنتِ… إنتِ دايمًا شايفاني الغلطان.
رغم تعبها، لم تتحمل تلك النظرة من عينيه حاولت أن تقاوم الضعف في جسدها ورفعت رأسها قليلًا لتنهض لكن منعها جاسر قائلًا بأمر:
تاج إنت…
قبل أن يسترسل حديثه شعرت بغثيان رغم وهن جسدها لكن تحملت ونهضت حسب قوة جسدها لكن كاد جاسر أن يمنعها، وضعت يدها فوق فمها تقول برجاء:
سيبني يا جاسر.
لاحظ وضعها ليدها على فمها فإستغرب ذلك ولم يتركها، لكنها إبتعدت مُسرعة نحو حمام الغرفة، تردد جاسر فى الدخول خلفها
لكنه لم يستطع تجاهل قلقه وقف أمام باب الحمام يناديها بقلق:
تاج… إنتِ كويسة؟
لم تُجبه، واستمر صوت الماء المنسكب في الحوض يُخفي صوتها، فازداد توتره ورفع صوته قليلاً وكاد يدخل لكن طرق على الباب قائلًا:
تاج، لو مش قادرة افتحي الباب وقوليلي.
بعد لحظات خرجت تاج وهي تُمسك بمنشفه بيدها، ملامحها شاحبة لكنها حاولت الابتسام لتطمئنه:
أنا كويسة… يمكن تعب مفاجئ بس.
اقترب منها بخطوات سريعة يُمسك بكتفيها برفق، يُحدّق في عينيها بقلق:
تعب مفاجئ إيه؟ شكلك مش طبيعي هخلي مانويل يجيبلك دكتور.
هزت رأسها بإصرار وهي تقول بنبرة ضعيفة:
لا… ما فيش داعي، مجرد دوخة… أنا هرتاح وهبقى تمام.
لكن نظراته المُصرّة كانت كفيلة أن تُخبرها بأنه لن يقتنع بسهولة، فأمسكت بيده وهي تقول برجاء:
صدقني يا جاسر، أنا بس محتاجة شوية راحة… مش أكتر.
ظل ينظر لثوانٍ، وكأنه يحاول قراءة الحقيقة خلف كلماتها، لكنه أخيراً تنهد وقال بهدوء مشوب بالقلق:
طيب تعالى أرتاحي عالسرير، لو حسيتِ بأي حاجة تانية تقوليلي فورًا.
أومأت بصمت، وذهبت معه نحو الفراش تمدد لجوارها يُزيح خصلات شعرها عن جبينها بينما هي أغمضت عينيها تشعر بحِيرة وعذاب مازال مُستمر منذ سنوات، يعود الى رأسها الذكريات
[بالعودة بعد أن إتفقت مع قاسم على الطلاق]
كانت تظن أن تعود السعادة لحياتها،قررت ولن تنتظر سوف تسترد جاسر مرة أخري،تبسمت لـ خليل وهو يقف معها بالمطار يشعر بالقلق قائلًا:
أنا مش واثق من قاسم المفروض گان يطلقك زي الإتفاق لكن ده مر كام يوم ولسه منفذش وعده.
تنهدت تاج قائله:
فعلًا انا كمان معنديش ثقة فيه بس هو مستحيل يلعب معايا بدناءة مرة تانيه،خلاص قاسم بالنسبة لى إنتهي ومتأكدة أنه بتلاعب بالوقت كنوع من الكيد أو لإثبات أنه ما زال يقدر يتحكم في حياتي، بس لا هو ولا غيره هيقدروا يخلوني أضعف أو أرجع خطوة لورا. أنا خلاص فهمت لعبته، وعرفت حجمه الحقيقي.
توقفت تاج للحظات ثم إستطرد وحديثها بثقة :
دلوقتي قاسم ملوش مكان في حياتي، ولا حتى في تفكيري. أنا اللي هتحكم في مصيري، ومش هسمح لأي حد يحاول يوقعني تاني…وأنا اللى وأنا اللي هكتب بدايتي بإيدي، مش بإيد حد تاني هبدأ من جديد، وهفضل أقوى من أي تحدي قاسم خلاص انتهى دوره في حياتي دلوقتي، أنا اللي هبني مستقبلي على طريقتي، وهواجه الدنيا من غير خوف ولا ضعف.
إبتسم لها خليل بمؤازة، بنفس الوقت سمعا النداء الداخلي بالمطار وتنبية بذهاب الركاب الي الطائرة إبتسمت لـ خليل الذي عانقها قائلًا:
لما توصلي لـ جاسر إبقي كلميني.
إبتسمت له بشُكر قائله:
شكرًا لك يا أونكل إنت اللى حبت لى عنوان صاحب المزرعة اللي بيشتغل فيها جاسر.
أومأ لها مُبتسمّا مُتمنيًا لها العثور على سعادتها المفقودة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الجانب الآخر بـ أسبانيا
شهور مضت وأضحت تجارة مانويل تعود وتزدهر والفضل يعود الى ذلك الفارس الذي كان مُحطم القلب يواسي حاله بالعمل لمدة طويلة فيعود وهو يشعر بالإنهاك كي لا يُفكر لكن تظل “تاج” مستحوذة على قلبه وعقله اللذان لا ينسان أبدًا سبب مآساتهم… لكن فكر بعد نصائح من مانويل كذالك خاصرته روزالينا وظلت تُطارده ليس من أجل العمل فقط، بل أيضًا هنالك مشاعر بداخلها ربما رفضه يُثير بداخلها التحدي والعناد، أقنعته بالعمل كعارض بالإعلانات وافق بعد نُصحه مانويل أن ذلك عمل مؤقت جوار عمله بالخيول، يُدر عليه مال أكثر، تطورت علاقته مع روزالينا التي ظنت أنه بدأ يتجاوب معها ويميل لها،وهو ظن ذلك أيضًا بعدما كان يصل له أن تاج تعيش بسعادة ورخاء كما كانت سابقًا،لم ييأس قلبه لخظة من عشقها لكن ربما أراد مُسكن أن يُهدئ آلم ذلك السهم المغروس بقلبه،اصبح هنالك تآلف بينه وبين روزالينا التى تقترب منه بغية قضاء ولو ليلة واحدة بين يديه تتذوق الغرام معه، بالفعل بدأ يلين، لكن هو لن يفعل شئ مخالف لمبادئه، بخطأ منه طلب الزواج من روزالينا وهي بسعادة بالغة وافقت،بدا التجهيز لـ عُرسهما الذى كان مفاجأة
تزينت حديقة منزل مانويل لإستقبال حفل إشهار زواج جاسر وروزالينا، بعدما وثقا عقد زواج مدني
بنفس الوقت ترجلت تاج من سيارة الأجرة نظرت الى ذلك المنزل الكبير،وتلك الزينة لم تُفكر،وهي تدخل الى الحديقة كان هنالك حضورًا لحشد لا بآس به كذالك عدسات مصورين…فكرت ربما مناسبة خاصة بصاحب المنزل،دلفت بقلب ينبض بتسارع،وعقلها مشغول كيف ستُخبر جاسر أنها آتت من أجله وانها شبة أصبحت حُره وتحكي له عن سبب زواجها المقيت من قاسم،كذالك تخبره أنها إحتفظت بنفسها ومازالت عذراء وأنها لم تخون عهد العشق…لكن وقفت مصدومة
تشعر كآنها صنمًا فقط دموع عينيها هي ما تدُل على انها مازالت تحيا
صدمة أخري وهي ترا جاسر يقوم بتقبيل تلك الفتاة ربما ليس هو من بدأ بالقبلة لكنه لم يرفضها،قُبلة علانية تُعلن زواج
جاسر من أخري وهي تشعر بآلاف الرماح تخترق كل خلية من جسدها…
شعر جاسر بالنفور من تلك القُبلة بعدما فاق من وهم عاشه أن من يُقبلها هي تاج، إبتعد عنها ورفع وجهه إنصدم بوجود تاج، فى البداية ظن أنه وهمًا، لكن أغمض عيناه وفتحها وتيقن أنها ليست وهمًا بل حقيقة أمامه، لم تنتظر حين شعرت أنها لو ظلت للحظة قد تنهار أمام عيناه
فرت هاربه تحمل مآساة قلبها لم تنتبه الى من إنصدمت بها أثناء هرولتها، كذالك لم تهتم بنداء جاسر وهي تركض بلا هوادة.
🏹🏹🏹
سارت تاج بخطوات متعثرة، كأن الأرض تضيق من تحت قدميها، والألم يفتك بقلبها كآنها تسير فوق رؤوس سهام مُدببة تغرس بقدميها،فتُدمي قلبها تُأجج وجع قلبها بلا هوادة انهمرت دموعها بغزارة، لم تبالِ بنداء جاسر الذي تردد خلفها بصوت مخنوق بالحِيرة والقلق رفعت يدها بإشارة عشوائية لإحدى سيارات الأجرة، وكآنها تهرب من كل شيء.
صعدت إلى السيارة وأمرت السائق بلهجة يائسة:
إنطلق بسرعة أرجوك.
تحركت السيارة، تاركة وراءها أثرًا من الألم والشوق المتقد.
وصل جاسر إلى المكان بعد لحظات، لكن الوقت كان قد فات سير السيارة كآنه ضاع منه كل شيء، حتى قلبه تسمر في مكانه، أصابعه تشد خصلات شعره بغضب ويأس سؤال واحد اجتاح عقله كعاصفة:
لماذا جاءت تاج الليلة بالذات؟
توقف عقله كمن فقد بوصلته بوسط الصحراء عيناه معلقتان بالطريق الذي اختفت فيه سيارة الأجرة قلبه ينبض بعنف، ليس فقط لأنه فقدها مرة أخرى، بل لأنه شعر بأن هناك شيئًا أكبر يخفى عنه.
تردد في عقله صدى ندائها الأخير بإسمه، وكآنها طعنات متكررة قبض يده بقوة على قلبه في محاولة للسيطرة على مشاعره المتفجرة.
“تاج…”
همس باسمها وكآن النداء سيعيدها لكنه كان يدرك، في أعماق نفسه، أنها لا تهرب منه فقط، بل تهرب من نفسها أيضًا.
في تلك اللحظة، أيقن أنه لن يتخلى عنها هذا الهروب الذي تُجيده تاج لن يُثنيه عن ملاحقتها، ليس من أجل إيقافها فحسب، بل من أجل أن يمنحها الطمأنينة التي تخشى أن تصدق بوجودها.. استدار بعزيمة جديدة، عاقدًا العزم على ألا تكون هذه المرة هي الأخيرة التي يراها فيها وهي تبتعد.
بينما تاج مازالت دموعها تسيل وهي تنظر الى خارج السيارة تائهة حتي سألها السائق عن المكان التي تود الوصول إليه…فكرت هي لم تحجز بأي فُندق حتى حقيبة ملابسها،نظرت جوارها لم تجدها أين تركتها فى سيارة الأجرة الأخري أم بذلك المنزل،لا تتذكر،طلبت من السائق أن يصلها الى المطار مباشرةً
بالفعل بعد وقت قليل كانت بالمطار ذهبت مباشرة الى إدارة المطار وطلبت تذكرة عودة لـ مصر على أول طائرة،أخبرها أنها بعد أربع ساعات…إحتارت أين ستمكُث بهذا الوقت،هل تظل فى المطار،كانت تلك هي الفكرة الصائبة
جلست بقاعة الإنتظار،تشعر وكآنها على حافة الهاوية، كل دقيقة تمُر تغرقها في مشاعر متضاربة، قلبها يعصف به الألم، كآنها تنزف من الداخل، ليس فقط بسبب الجراح القديمة التي لم تلتئم، بل لأن مشاعرها تجاه جاسر كانت تعني أكثر مما كانت قادرة على تحمله
دموعها لم تكن فقط تعبيرًا عن الحزن، بل عن ضياعها وسط مشاعرها المتناقضة… وهي تتذكر جاسر حين رأها عروس لغيره هل كانت مشاعرهُ مُدمرة مثلما هي الآن، إذن هي تستحق ذلك الوجع القاسي.
مرت الساعات كأنها سنوات، وكل دقيقة كانت تزيد من شعور تاج بالوحدة والألم داخل الطائرة، كان قلبها يخفق بشدة، والألم التي تشعر به وكآنه لا ينتهي. كانت تتأمل السماء، لكنها كانت تشعر بأن الأرض قد ضاقت بها، وكأنها تهرب من شيء أكبر من مجرد الحزن، تهرب من نفسها، من مشاعرها، من جرح لا تعرف كيف سيلتئم.
أما جاسر، بتلك الشقة التى كان من المفروض أن تكون عِش الزوجية، يشعر كآنها قفص فارغ… ينظر الى تلك الحقيبة الصغيرة التي تركتها تاج وراءها كانها تذكيرًا حيًا بكل شيء كان بينهما، وكل شيء فقده في لحظة. نظر إليها بصمت، وهو يحاول أن يلتقط الخيوط المفقودة من تلك الليلة التي خرجت فيها من حياته مرة أخرى.
-لماذا جاءت؟.
تردد السؤال في ذهنه، يبحث عن إجابة داخل ذلك الفراغ الذي خلفته وراءها
جلس على الأريكة وهو يشعر بأن أي محاولة لفهم ما حدث ستكون عبثًا، لكن قلبه كان يصرخ من الداخل يشعر بأن كل شيء قد ضاع مع لحظة اختفائها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيام تمضي والحياة تأخذنا الى طُرق مجهولة، بعضها يحمل الفرح، وبعضها الآخر يحمل الألم… نكتسب خبرات وتجارب تشكلنا وتغيرنا، وكل لحظة تنقضي تترك أثرًا قد لا يُمحى.
بتلك الشقة التى تعيش بها والدتها وأخويها
بعدما عادت من أسبانيا شعرت بوعكة صحية رقدت على إثرها أيام بالفراش،حاول جميعهم فهم ما سبب عودتها بهذا الشكل بعدما كان لديها حماس وقت سفرها عادت بعد ساعات مريضة،ولكن جملة قالتها بمرارة:
جاسر إتجوز.
جعلتهم يصمتون بشعور الشفقة..لكن ذلك البغيض قاسم مازال يراوغ بالطلاق حسب إتفاقهم..أيام من اليأس إنتهت وقررت البدء من جديد ربما فقدت قلبها وأصبحت بلا قلب وعليها المُضي نحو هدف بحياتها والعمل قد يُنسيها أنها الخاسرة الوحيدة، ولابد من بداية جديدة بلا مشاعر تُضعفها، قررت إنهاء الزواج أولًا لن تمنح قاسم فرصة أخرى للعب بمصيرها.
ذهبت الى قاسم بالشركة،دلفت مباشرةً الى مكتبه دون إستئذان ،رفع رأسه ونظر نحو باب المكتب سُرعان ما قهقه قائلّا بسخرية:
الملكة تاج رجعت من أسبانيا بعد ما راحت ترجع حبيب القلب،إيه رجعتي بسرعة،واضح إنه رفض ياخد بقايا غيره، رغم إني عمري ما حبيته بس أول مرة يعجبني.
تعصبت تاج عليه بغضب ولم تستسلم لاستفزازه قائله بحِدة:
إفتكر الصور لسه عندي إتفاقنا عالطلاق ليه بتراوغ
ابتسم قاسم ابتسامة مريبة، ثم قال ببرود:
الصور! يا ترى لسه هتفيدك إزاي بعد كل اللي حصل افتكري يا تاج أنا كمان عندي أوراقي وأسراري، ومش هسمحلك تلعبي بيا كده.
تقدمت تاج نحوه بخطوات واثقة، وهي تحاول السيطرة على أعصابها، وردت بصوت أكثر ثباتًا:
قاسم، خلص اللي بينا من غير مشاكل عارف كويس إني لو فتحت النار عليك، محدش هيقدر يوقفها، لا أنت ولا شريكتك في النصب والتدليس اللي اسمها ميسون.
ضحك قاسم بسخرية، ثم وقف من خلف مكتبه ليواجهها مباشرة وقال:
إنتِ فاكرة نفسك قوية، بس الحقيقة إنك ضعيفة. أنتِ بتحاولي تلعبي دور الملكة، بس أنا اللي بحرك اللعبة تاج.
نظرت إليه بعينين يتطاير منهما الشرر، وأردفت بحزم:
أنت غلطان يا قاسم… ملك الشطرنج دايمًا آخر قطعة بتقع في اللعبة، بس اللي قدامك مش مجرد ملكة، أنا اللعبة كلها… قدامك يومين بالظبط لو ورقة طلاقي موصلتنيش هطلع للإعلام وهظهر الصورة وهتبقي حديث الساعة ومعاك خطيبة إبن أخوك وتبان العجوز المُتصابي اللى عايش دور زير النساء وهو للآسف آخره…
توقفت للحظة ثم أكملت بتصريح:
آخره الحبوب والمنشطات اللى بياخدها عشان يقدر يـ….
توقفت مرة أخري بعدما فهم تصريحها ثم أكملت:
أوعي تفكر إنى مشوفتش المُنشطات اللى محتفظ بها عندك، عشان تعرف إنى كنت بقرف منك دايمًا، شخص مجرد هيكل فاضي، غشاش وحقير، ده آخر إنذار لك يا قاسم، أنا زي ما أنت قولت خسرت كل حاجه ومبقاش شئ يهمني، هنتظر ورقة طلاقي أكيد عارف عنوان الشقة اللى أنا عايشه فيها مع ماما وأخواتي، وصدقني أي حركة غدر تانيه منك إنت اللىةهتدفع تمنها.
غادرت تاج بعدما أرهب حديثها قاسم، لكن لن يستسلم قبل أن يجعلها تدفع ثمن تلك الشجاعة… شعر بنغزات قوية فى قلبه، جلس سريعًا خلف مكتبه أخرج علبة دوائيه وتناول أحد الاقراص، شعر بتحسُن قليل، فجذب هاتفه وقام بإتصال حتى أتاه الرد فتحدث بإختصار
عاوزك تضيف بند فى الوصية ويكون شرط واجب التنفيد والا ثروتي كلها تروح للجمعيات الخيرية.
أغلق الخط بعصبية، وألقى الهاتف على سطح مكتبه عيناه توهجت بإحمرار الغضب والخوف في آن واحد يعلم أن تاج لا تهدد عبثًا، وأنها قادرة على تنفيذ تهديداتها لكن فكرة خسارته كل شيء بفضل امرأة يرفض أن يقبلها..
إضجع على النقعد ، يخطط في صمت، ورأسه يعج بالأفكار الشيطانية كان يعلم أن الوقت ليس في صفه، وأن تاج، الملكة التي تحدته، قد تكون خصمه الأصعب في حياته.
بالفعل ما هي الا أيام وكانت صدمة للجميع وفاة قاسم إثر أزمة قلبيه، وللآسف لم يتم طلاقه من تاج، لم تحضر أي مراسم سواء دفنة أو عزاء، ولم تهتم بذلك فقد بدأت تتأقلم مع عذاب قلبها، لكن تفاجئت بذلك الإتصال من المحامي الخاص بـ قاسم يخبرها بأن هنالك وصية خاصة، لم تهتم فقط قبلت الحضور من أجل الفضول لا أكثر.
ــــــــــــــــــ
بينما جاسر
تعقدت حياته بزوجة كانت خطأ جسيم منه يلوم نفسه..
أردت مُسكن فقتلك، زواج ربما تم جميع أركانه بعدما وقع بفخ روزالينا التى هيمنت على مشاعره بلحظة ضعف أتم زواجهما، ليشعر بالنفور من ذاته بعد ذلك…
علم أن قاسم قد توفي لم يشمت بذلك، لكن ربما أمل جديد تسرب بإسترداد تاج، بالفعل غصبً أنهي زواجه من روزالينا بعد إتفاق بينهما على العمل كعارض فقط، وافقت بغية أن مع الوقت قد تعود وتسترده بعدما يفيق من غشاوة غرامه لـ تاج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداخل مزرعة آل مدين
عادت تاج
ترفع رأسها بثقة، وعينيها أصبحت أكثر عزيمة،تُعلن أنها لن تسمح لأي شئ يُعرقل طريقها مرة ثانية، ذهبت الى مكانها المُفضل هو إستطبل الخيل، إمتطت إحد الخيول، مازالت ماهرة تحاول نسيان كل الماضي والمُضي بشخصية أكثر قوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداخل غرفة المكتب
نظر آسر الى ساعته قائلاً بتذمر:
بقالنا ساعتين تقريبًا منتظرين
أظن كده كفايه، يا حضرة المحامى ياريت تفتح الوصيه و….
قاطعه المحامى قائلاً:
مقدرش أفتح الوصيه قبل حضور الطرف الثالث اللى هى زوجة المرحوم عمك
ومعتقدش هننتظر كتير، لأنها خلاص وصلت.
نظر أمامه ناحية باب المكتب
تفاجئ بزيها التى ترتديه
كانت ترتدى زى “الفروسيه”شبه يُجسم جسدها الرشيق
تذكر بالآمس إذن كانت هى من تمتطى ذاك الحصان وإستطاعت السيطره عليه الآن فسر سر إختفاء الحصان سريعًا.
بينما هى دخلت بشموخ تصاحبها هالة خاصة وجلست صامته تستمع.
شعرت ميسون بالغضب من نظرة آسر المبهورة بـ تاج، بينما تبادلت هي وتاج نظرات الإشمئزاز من بعضهن..
نظر لها المحامى الثلاث قائلًا بتوضيح:
أولاً الوصيه موثقه من جانب المرحوم قاسم فى الشهر العقارى وواجب تنفيذ بنودها بالكامل أى بند هيترفض تنفيذه من بنود الوصيه وقتها هيكون فى شرط قصاد رفض البند ده.
نظرت بهدوء نحو المحامى وأومأت برأسها صامته.
كذالك ميسون وآسر الذى قال بنفاذ صبر:
تمام إتفضل إقرى الوصيه.
قرأ المحامى بعض بنود الوصيه التى ليس لها أهميه فهى تخص بعض العمال لديه
نظر المحامى نحو تاج ثم نظر لـ آسر،
قائلاً كذالك ميسون بترقُب قائلًا:
الوصية بتنص على تقسيم مُمتلكات السيد قاسم بالنسب كالتالي
خمسة وأربعين فى الميه من أملاكه لـ السيدة تاج فريد مدين، ومقدار نفس النسبة لـ السيد آسر، والباقي من نصيب السيدة ميسون.
لمعت عين ميسون بطمع لكن حين صدر ضحكة لافته من تاج نظرت لها تبادلا النظرات
تاج بتعالي وكبرياء وإزدراء ذات مغزي فهمته ميسون أن تاج دائمًا هي ذات القيمة العالية هي لم تدفع أي ثمن لتنال تلك النسبة العالية من ممتلكات قاسم وإن كان بالأحق أن يكون أكثر من نصف أملاك قاسم حق والدها الذي أختلسه قاسم بالتدليس والسطو على املاك والدها، لكن تلك النسبة تُعتبر شبة مُساوية لما إختلسه
تفوة المحامى:
فاضل أهم شرط فى الوصيه
بصمت أمائت للمحامى
الذى تحدث بتوضيح:
الشرط بيقول
إن كل ما تبقى من أملاك المرحوم يوزع بنسبه ثلاثيه بين أرملته وإبن أخيه بنسبة متساوية
بشرط زواج
السيده /تاج فريد مدين
والمهندس/آسر .
بشرط أن يستمر الزواج لمدة سنه على الأقل.
إنتفض آسر قائلاً برفض:.
أكيد ده جنان ومستحيل يحصل لآنى خاطب، وبحب خطيبتى ومستحيل أتجوز غيرها.
بينما هى ظلت صامته… هادئه كآن الآمر لا يعنيها.
بينما ميسون رغم تفاجئها لكن بداخلها إنشرح قلبها من رفض آسر، لكن…
عاود المحامى قوله:
ده شرط حصولكم على الميراث لأن لو رفضت الشرط يبقى أملاك المرحوم هتبقى كل أموال المرحوم هتروح للجمعيات الخيرية
تعجب آسر بغباء قائلاً:
أنا هطعن فى الوصيه دى
قال هذا ثم أكمل حديثه وها ينظر لها بإزدراء: وبعدين إنتِ ساكته ليه ما تتكلمي ولا إنت خارسه، أنا أساسًا معرفش أيه السبب اللى يخلى واحده تقبل تتجوز من راجل عمره ضعف عمرها، أكيد السبب معروف الطمع.
ردت أخيرًا وقالت:
أنا موافقه أنفذ شرط الوصيه، وفعلاً اللى خلانى اوافق على الجواز من راجل عمره ضعف عمري هو حقي اللى هو سرقه بمساعدة…
توقفت بعدما تبادلت النظرات مع ميسون التى لوهله إرتعبت أن تبوح تاج بتلك الصورة أمام آسر،لكن لاحظت تاج غطرسة آسر،فتيقنت أنه يستحق تلك العاهرة لكن تخدثت بخبث:
مش أنا اللى إطمعت فيه، هو اللى إطمع فى شبابي، وبسهوله تقدر ترفض تنفيذ الوصيه إنت مش مُلزم بتنفيذها.
تهكم قائلاً بذهول:
أرفض تنفيذ الوصيه ووقتها كل أموال عمي تضيع.
تنهدت تاج بهدوء قائلة:
خلاص أعتقد سنه من عمرك مش كتير قصاد الميراث اللى هتحصُل عليه، فى إيدك متخسرش حاجه لو وافقت على تنفيذ الوصيه، الجزء اللى هتاخده من أملاك عمك يستحق التضحيه زى ما أنا سبق وضحيت بشبابى مع راجل عمرهُ ضعف عمري.
كان آسر يحدّق فيها بشك وازدراء، كأنه يحاول سبر أغوار هذا القرار العجيب. كيف يمكن لامرأة مثلها أن تقبل بزواج كهذا؟ بل وما الغاية من هذا الشرط الغريب في الوصية؟ أخذ نفسًا عميقًا محاولاً استعادة هدوئه، ثم قال بحدة:
كل اللي شفته دلوقتي إنك وافقتي عشان طمع، زي ما أنا قلت بالضبط.
ردت بهدوء لم ينل منه ازدراؤه:
يمكن تكون شايف كده، لكن دا ما يهمنيش. اختياري كان بناءً على واقع فرضته الحياة عليّ، وأنا أخدت قراري زي ما قلتلك. وبعدين، أنا مش طالبة منك موافقة على الوصيه إنت حُر.
تجاهل المحامي الحوار الذي اشتد بينهما، وأعاد توجيه الأنظار إلى الأوراق أمامه، مقاطِعًا بجديّة:
بغض النظر عن آرائكم الشخصية، ده الشرط المكتوب، ويا أما توافقوا عليه، أو يتم التنفيذ بالشكل التاني اللي وصّى بيه المرحوم.
نظر آسر إلى المحامي وقد تلاشت الحدة من عينيه وظهرت مكانها نظرة تردد وضياع، ثم التفت نحوها مرّة أخرى، محاولاً قراءة وجهها، لكنه لم يرَ سوى برود وثبات.
نظر نحو ميسون التى رغم غيظها لكن الثروة تستحق فاومأت رأسها بتوافق لـ آسر الذي إستغرب ذلك منها لكن تفوه:
تمام حضرتك ممكن تسيبني افكر وهرد عليك.
أومأ المحامى قائلًا:
تمام بس ياريت بسرعة.
بعد أيام
الطمع لدي ميسون جعلها توافق على زواج آسر من تاج لمدة عام، لثقتها وسيطرتها على آسر، كذالك إتفاق بين آسر وتاج على زواج صوري فقط.
مر الوقت وها هو اليوم المُحدد لعقد القران كان بظهيرة حفل إعلان الزواج مساءً
تم عقد القران…
بعده بوقت قليل، كانت تاج بغرفتها تشعر أنها تائهه مثل قوس إنطلق بلا هدف هائم بالفضاء بلحظة قد يسقُط أرضًا أو يصتطدم بحجر، أخرجها من ذلك التوهان رنين هاتفها، جذبته ونظرت الى الشاشة، إزداد نزيف قلبها وعي ترا هاوية المُتصل…
خفق قلبها ينطق بإسمه… جاسر
لم تستطيع الرد
على الجهه الاخري شعر جاسر بالأسي من عدم رد تاج علي إتصالته بالفترة الأخيرة كذالك رسائله التى يعلم أنها تقرأها، فقام بإرسال رسالة مُختصرة
“تاج أنا راجع مصر كمان إنفصلت عن روزالينا”
تهكمت وهي تقرأ الرسالة التي أصبح لا قيمة لها.
مساءً
توقفت تاج بأعلى السلم، تنظر من خلف وشاحها الأزرق الشفاف الذي ينسدل من القبعة المثبتة على رأسها. تلتقط أنفاسها، وتستشعر نظرات الترقب من المعازيم المتجمعين في البهو الواسع، لكنها كانت تحمل بداخلها ترددًا عميقًا؛ شيء في قلبها كان يصرخ ويحثها على الهروب:
“ارجعي، اهربي.”
بينما عقلها يقسو عليها، يذكّرها بواقعية الأمور:
“خسرتي كل حاجة، جاسر بقى لغيرك، فكري في مصلحتك وبس.”
في الأسفل، شعر خليل بترددها وحيرة قلبها. شفقة عميقة ملأت عينيه، تمنّى لو تتراجع، لو تتمكن من الخلاص من هذا الزواج. وبالرغم من ذلك، مدّ يده نحوها، متمنّيًا أن تتجاهلها، لكنه لم يملك إلا أن يواسيها بهذه اللفتة.
تاج نظرت إلى يده الممدودة، وترددت لحظات، لكنها حسمت قرارها ورسمت ابتسامة واهنة خلف وشاحها الشفاف الذي يُخفي نصف وجهها. وضعت يدها في يده، فتبسّم مُجبرًا، ثم انحنى ليقبل جبينها من فوق الوشاح، كأنها لامستها لمسة برد تسري في عروقها.
أمسك بيدها وأثنى ذراعه، لتضع يدها بين ثنايا يده، وهي تغالب نفسها وتضع يدها بتردد.
مع كل خطوة وهما ينزلان الدرجات، كان جسدها يبدو كأن روحه تتفلت منه، وصوت جاسر يتردد في أذنيها يعلن قبوله الزواج من امرأة أخرى. كانت تمقت قاسم، الذي حتى بعد رحيله لا تزال تجربته تلاحقها، تقودها إلى زواج آخر من رجل يحمل نفس السلسلة، نفس الانتهازية. داخلها كانت تلعن القدر الذي أعادها إلى هذا المكان، حيث كانت تتمنى لو بقيت تلك الفتاة التي لم تكن تملك سوى جوادها وقوسها، بلا هموم.
عندما وصلا إلى نهاية الدرجات، وقف خليل أمام آسر، متبسمًا في تصنع وهو يسلم يد تاج إلى يد آسر الممدودة. أخذ آسر يدها ورسم ابتسامة كاذبة على وجهه، ثم رفع الوشاح عن وجهها. لم يحاول تأمل ملامحها؛ ربما كان ذلك أفضل، فهي لم ترغب أن يرى الجمود البادي على وجهها. كاد أن يقبّل جبينها، لكنها رفعت رأسها ونظرت له نظرة تحذير، متذكرة الاتفاق الذي بينهما، فلا مجال للتجاوز.
تجاهل آسر ذلك التحذير الخفي، وأمسك بيدها، فيما كانت البرودة المنبعثة منها تصفحه بتصنع. وقف إلى جوارها، يبتسم أمام عدسات الكاميرات والهواتف التي توثّق اللحظة.
بعد قليل، أحضر آسر علبة مخملية صغيرة وفتحها أمام العدسات، أخرج العقد ووضعه حول عنقها، ثم قدم لها سوارًا، وخاتمًا وضعه في إصبعها، وكان هناك خاتم آخر بين المجوهرات، مدّ يده ليأخذه، لكنه سقط من بين أصابعه على الأرض، فتدحرج حتى استقر أسفل قدم شخص كان شاهدًا على هذا الزفاف القاتل.
الشاهد لم يكن سوى جاسر، الذي كان يراقب المشهد بقلب مثقل، فهذه المرة الثانية التي يقف فيها ليشهد زواج حبيبته من غيره. أدرك حينها أن الأحلام انتهت، والملكة لن تكون إلا لمن هو وريث للعرش، وليس لخادمها.
انحنى جاسر ببطء وأخذ الخاتم من الأرض. سار بخطوات مرتجفة نحو تاج، وعندما وقف أمامها، نظر إلى عينيها بعيون مليئة بالعذاب، ثم مدّ يده بالخاتم، وقال بصوت متحشرج:
“مبروك يا تاج…” وتوقف قبل أن ينطق لقبها القديم “تاج الياسمين”، الذي طالما كان يخصها به.
لم تحتمل عيناه ما رأته في عينيها من ألم، ولا الصمت الذي لف المكان حولهما، لكن آسر تدخل سريعًا، أخذ الخاتم ووضعه في إصبعها، معلنًا نهاية الجولة الثانية.
ولكن السؤال بقي معلقًا في الهواء:
هل انهزم الجاسر وفاز الآسر بـ تاج؟.
شعرت تاج بكل خطوة كأنها توقيع على عقد سرابٍ مؤلم، عقدٌ فرضته الأقدار وظروفٌ لم تختَرها تقدّمت نحو المصير، وقلبها يتمنى العودة للوراء، تتحرر من ذلك، بعيدًا عن هذا القيد الذهبي المزيف.
تأملت وجه آسر المتجمد، وابتسامته المتكلفة، فانعكس عليه قناع لا حياة فيه، تمامًا كزواج يتزين بالمظاهر ويخلو من أي دفء هي تبتسم بامتثال، لكنه امتثال لا يخلو من تمردٍ مكتوم، تمرد يتأجج داخليًا كأنها تنسج خيوط ثورة على واقعٍ فرض عليها، ثورةٍ قد لا تُعرف ملامحها ولا موعد انفجارها.
لحظات مرت كأنها دهور، بينما عيناها تراقب جاسر، الذي ينسحب ببطئ كآنه ظل يتلاشي، وجوده هنا كان جرحًا عميقًا للإثنين.. وقفت عاجزةً عن كبح عينها التي اختلست النظرات نحو عينَيه الحزينتين، لامست بعمق جرحهما المشترك، ذلك الوجع الذي حمله كلاهما
يسأل الآخر
“لماذا اخترتِ البعد عني، تاج؟”
كلماته تسللت إلى أعماقها، تهز جدران قلبها المتماسك بصعوبة. حاولت أن تتمالك نفسها، لكن عينيه كانتا كمرآة، تعكس شوقه وغضبه في الوقت نفسه. شعرت وكأنها عالقة بين الماضي الذي يطاردهما والحاضر الذي يفرض عليهما مسافة مستحيلة.
أجابت بصوت متردد، وكأنها تخشى أن تنهار:
أنا مختارتش البُعد يا جاسر… الظروف أو القدر فرض نفسه علينا
اقترب منها خطوة، حتى أصبح بإمكانها سماع نبض قلبه، وقال بصوت أكثر هدوءًا لكنه مليء بالحزن:
الظروف ولا القدر ولا غرورك تاج؟ أنا ما زلت هنا، لم أتغير… لكنكِ أنتِ اخترتِ الهروب.”
تحركت شفتيها لتجيب، لكن الكلمات علقت في حلقها، وخانتها دمعة حارقة كادت تنزلق من عينيها.
سيطرت عليها لتتحجر بين مُقلتيها
كان جاسر يرمقها بنظرات تفضح ألمه، كآنهما يلتقطان آخر لحظات الأمل الضائع، كانت العيون تتحدث فيما الصمت يقبض على حناجرهما، وفي عقلهما ألف سؤال معلق:
لماذا؟ وهل سيظل هذا الجرح مفتوحًا للأبد؟.
مع تلاشي جاسر من أمام عينيها إنتبهت الى يد آسر بصعوبة وثُقل بيدها رفعت يدها وضعتها بيد آسر تنظر بجمود إلى تلك العدسات التي تلتقط لحظات لا تعني لها شيئًا، ورفعت رأسها بقوة مصطنعة، وكأنها تعلن للعالم كله أنها مازالت صاحبة الكبرياء..
لكن داخلها كان يشتعل، يعدّ كل خطوة إلى أن يأتي يوم تجد فيه السبيل للتحرر، وتجد القوة لتدافع عن قلبها وحقها في السعادة الحقيقية.
[عودة]
-السعادة الحقيقية
-أين تلك السعادة.
لماذا دائمًا تخذلها السعادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور يومين ورفض جاسر القاطع لعودة تاج الى مصر
صباحً
كانت تاج تجلس بحديقة منزل مانويل الذي شعر بآسف وهو يرا عبوس وجه تاج تنهد وهو يقترب منها وبسط يده لها قائلًا:
تسمح لي جميلتي بإصطحابها بنُزهة خاصة.
فكرت لحظات ثم وافقت ربما تلك النُزهة تُبدل من تلك المشاعر التى تتملك منها…
بعد قليل دلف بها الى ذلك الإستطبل الكبير
تسألت تاج باستفسار!
لماذا جئت بنا هنا مانويل.
إبتسم مانويل الى تاج ثم بدل نظره ناحية تلك الساحة الكبيرة مجاوبً:
انتظري قليلًا وستعلمين جميلتي.. من الجيد أنا جاسر بعيدًا الآن ولن يسمع مدحي لك فهو غيور عليكِ جدًا…يتبدل كثيرًا حين يمدح أحدً جمالك.
تهكمت بحسرة وتفوهت بهمس لنفسها بآسف:
مش غِيرة دي تحكُمات.
إبتسم مانويل قائلًا:
أنظري عزيزتي ها هو الفارس الجاسر.
نظرت نحو تلك الساحة الواسعة إندهشت عينيها بعدما تتبعت نظرات مانويل، لترى جاسر يمتطي جواده يركض به بمهارة ليست مُستجدة عليه، بمشهد مهيبًا من إنعكاس ظلال الشمس ؛ جسده القوي فوق ظهر الجواد، وتلك النظرات الحادة التي تحمل مزيجًا من القوة والحنان بدا كأنه وُلد ليكون فارسًا.
ضحك مانويل بخفة من نظرات إفتتان تاج الواضحة بـ جاسر:
أردت أن أريكِ ما لا ترينه دائمًا جاسر ليس فقط زوجًا غيورًا أو فارسًا في مزرعتي هو بطل، وتلك الساحة شاهدة على شجاعته وإخلاصه لمن يُحب.
شعرت تاج بشيء يضيق صدرها، كآن كلمات مانويل فتحت نافذة جديدة لـ جاسر في قلبها، والتي حاولت دائمًا تفسير ذلك الشعور، كلما إقتربت النهاية ينفتح طريق آخر يصل بينهما إبتلعت ريقها وقالت بهدوء:
يمكن عندك حق… لكن ده مش بيمنع إنه عصبي وأوقات بياخد الأمور على أعصابه.
أردف مانويل بنبرة حكيمة:
أحيانًا من يحب بعمق يخاف بعمق والغِيرة هي الوجه الآخر للخوف من فقدانكِ.
مالت نحو مانويل وهمست بعيون عاشقة، وكآنها تخفي سرًا عن العالم كله:
جاسر مش مجرد فارس… هو قدري.
نظر مانويل إليها بتفهم، وابتسم بحنان وهو يضع يده على كتفها قائلاً بهدوء:
وإذا كان قدركِ، فلماذا لا تثقين به أكثر؟ الحب يا تاج يحتاج لثقة بقدر ما يحتاج لشغف.
تنهدت تاج وهي تتابع جاسر في الساحة، يقترب بخطواته الثقيلة وابتسامته الجانبية المميزة شعرت كآن قلبها يهتز، مزيج من الحب والارتباك:
أنا بحبه مانويل، بس مش عارفة أنسي ولا هو ينسي الماضي.
رد مانويل بصوت عميق، وكأنه يرسم الطريق أمامها:
إذا أردتِ أن يكون فارسًا في حياتكِ، اتركيه يرى أنكِ لستِ فقط الملكة، بل المرأة التي تثق به لن تتخلي عنه.
شعرت تاج بكلمات مانويل تخترق أعماقها، كأنها تُضيء زاوية مظلمة في قلبها رمقت جاسر مرة أخرى، الذي بات على مقربة، ينظر إليها بنظرة تحمل تساؤلاتٍ وألف شعورٍ دفين.
استدارت إلى مانويل وهمست بشيء من التردد:
الماضي مكنش سهل مانويل… بس إزاي نرجع من تاني وكآن مفيش حاجة حصلت.
ابتسم مانويل ابتسامة هادئة، وقال بنبرة حانية:
الجزء التعيس من الماضي لازم يختفي، اللي يقدر يهزم قسوة الماضي هو قوة الحب اللي بينكم دلوقتي لو تمسكتم به، مش هيكون فيه ماضي يقدر يقف بينكم.
تفهمت تاج فحوى نصيحة مانويل وقبل أن ترد، وصل جاسر للمكان وقف مُسيطرًا على ذلك الجواد، أمامها مباشرة نظر إليها نظرة طويلة، وكآن العالم كله اختفى من حولهما، ثم خرج صوته من أعماق قلبه يحمل دفئًا وعتابًا في آن واحد:
ليه بتبعدي عني يا تاج.
شعرت تاج بأن الكلمات تقيد حنجرتها، لكنها تمكنت من الرد، بصوت خافت ومليء بالتردد:
جاسر… أنا…
تدخل مانويل بخفة، وهو يخطو للخلف بابتسامة ماكرة:
أعتقد أنني سأترك الساحة للفارس وملكته الآن يبدو أن لديكما الكثير لتقولاه.
نظر جاسر إليه شاكراً، قبل أن يعود بعينيه إلى تاج، وكأن لا شيء آخر يهمه سوى إجابة سؤال قلبه.. ومد يده لها إشارة منه لها لتصعد خلفه على الجواد
ارتعشت أناملها دون وعي رفعت يدها تحاول التمسُك بيده،جذبها لتصعد أمامه إبتسم وهو يحتضنها بقوة حين أصبحت تجلس أمامه على الجواد كما كان يحدث بالماضي لكن لم يكُن بهذه الحميمية…
يضمها بتملُك
إنعدم الفراغ بينهما، شعرا بخفقات قلبيهما بتصريح غير مباشر
كآن كل منهما يُعطي للآخر تفويض صامت انه مازال مالك قلب الآخر.