رواية اكل الذئب زينب الفصل السادس عشر 16 بقلم امل نصر
رواية اكل الذئب زينب الفصل السادس عشر 16 هى رواية من كتابة امل نصر رواية اكل الذئب زينب الفصل السادس عشر 16 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية اكل الذئب زينب الفصل السادس عشر 16 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية اكل الذئب زينب الفصل السادس عشر 16
رواية اكل الذئب زينب الفصل السادس عشر 16
دلف اليه بداخل الشرفة، بعدما بحث عنه في ارجاء المنزل ، ليجده الاَن جالسًا بترقب، يدخن سجائره بنهم وعصبية، حتى صار الدخان يغطي الأجواء من حوله، ليعلق حامد بعد ان سعل متأثرًا:
- خبر ايه يا واد ابوي، انت بتدخن ولا عاملها حريجة؟
زفر ضاحي، قائلًا بقنوط:
- دي حاجة بطلع فيها غلي يا حامد، اجعد انت اجعد.
جلس الاخير على الكرسي المقابل له، ليطل من الشرفة نحو الجهة المقصودة، وهي منزل مطاوع القفاص، المكشوف معظمه امام ابصارهم من هذا العلو.
فقال بغيظ مكتوم:
- انت لساك برضو بتبص على بيتهم، ايه يا عم؟ لدرجادي الشوق واخدك؟
زم ضاحي شفتيه، يخرج دخان من انفه واذنيه، وهو يطفأ سيجارته في المطفأة:
- انا فعلا الشوق جاتلني، بس عشان اربيها، اخليها تتعلم الادب من اول وجديد، جزاء عملتها اللي عملتها فيا .
تطلع اليه بعدم تصديق يعقب باستهجان:
- مين اللي عمل في مين؟ انت اللي مسجطها يا واد ابوي، وهي اللي خسرت الجنين بسببك......
قاطعه بحدة:
- لا بسببها هي.... عشان لو كانت خبرتني من الاول انها حامل، انا كنت عملت حسابي ومأذيتهاش، انا مستني الخبر ده بفروغ الصبر، جوم هي تخبي عليا وتخلي ضياعه يبجى على يدي، تخلي ضياع الواد على يدي يا حامد.
سمع منه الاخير، ليزفر ماسحًا على شعر رأسه بضجر ، يزيح ابصاره عنه، كي يستجمع افكاره المتشتتة،قبل ان يعود اليه سريعًا، وينتقده:
- بصراحة انا كد ما متعاطف معاك، بس برضو مش جادر اديك الحق ولا اجيب اللوم عليها، عشان اسلوبك نفسه مينفعش، ربنا جال الجواز مودة ورحمة، مش غالب ومغلوب، ولا سيد وخاضع، هي مهمها كان غلطها، برضو مينفعش التعامل معاها كدة وفي الاخر كمان تجيب اللوم عليها .
- جلبي محروق ع الجنين اللي راح يا حامد، ولو اطول اخنجها بيدي دلوك مش هتأخر.
- استغفر الله العظيم .
تمتم بها حامد ردًا على شقيقه، ليستطرد معترضًا:
- والله الخلفة دي رزج من عند ربنا، ومدام انت شايفها كدة مش معدولة معاك...... ممكن تطلجها وتجيب اللي تخلفلك بالعشرة كمان .
خرجت منه الاخيرة، يعبر عما بداخله بعدم سيطرة، ليتجمد الاخر في النظر اليه لحظات باستنكار لا يخفيه، ثم قال بتحدي:
- مش هيحصل يا حامد، انا مش هتجوز غيرها، وهي مجبرة تخلفلي العيال اللي عايزهم، الكلام دا مفيهوش رجوع.
لاح على وجه الاخير، نظرة غير مفهومة، يرد على قول شقيقه:
- انت حر يا سيدي، نشف راسك واعمل اللي انت عايزه، يعني انا هكرهلك الخير.
اومأ ضاحي بتصميم مرددًا:
- طبعا هعمل اللي انا عايزه، ونظامي معاها هيمشي من النهاردة،..... انا من شوية جابلت ابوها جبل ما اوصل البيت، وشددت عليه يرجعها الليلادي، كفاية عليها خمستاشر يوم في بيت ابوها تتعالج. انا مش هصبر عليها اكتر من كدة .
❈-❈-❈
والى زينب التي انهت صلاتها بالسلام على الجهتين، ف انتبهت لدخول والدتها، لتقف وتطوي السجادة، متمتمة ببعض الأذكار قبل ان تخلع عنها الاسدال وتجلس بجوارها على التخت تخاطبها:
- نعم ياما، دخلتك كدة بتجول انك جاية على حاجة.
فركت عزيزة كفيها بحرج، لتتمتم بتعلثم:
- خير يا بتي ان شاء الله، هو بس اا... جوزك يعني....
تجهمت ملامح زينب، مرددة خلفها:
- جوزي ماله ياما، اتكلمي على طول عشان انا معنديش حيل للمناهتة ولا التخمين.
ترددت والدتها قليلًا، قبل ان تستجمع شجاعتها تخبرها:
- طلب من ابوكي تروحي على بيتك النهاردة، وابوكي قال امين .
تطلعت لها بصدمة:
- جال امين من غير ما ياخد شورتي ياما؟ ولا يعترض من نفسه اني لسة عيانة ومحتاجة الراحة، هي دي كمان عايزة تنبيه؟
جادلتها عزيزة في محاولة منها للتبرير:.
- يا بتي ما هو دا الطبيعي ، راجل وعايز مرته مينفعش نجوله لا.
- طبعا ولا ينفع تعاتبوه ولا تجيبوا حقي منه لانه ميصحش اساسًا، دا جوزك يا بتي.
خرجت الكلمات منها بقهر وصل لعزيزة التي واصلت بأسف:
- دا الحال في الدنيا كلها، واحنا مينفعش نتحدى ولا نغلطه، لأن جوزك مش هين، دا غير انه جايب الغلط عليكي عشان خبيتي عليه خبر الحمل، ودا اللي مزعله.
اومأت توافقها بدموع تهدد بالسقوط:
- اه صح فكرتيني، دا حاطط في مخه ان الحق معاه، وابويا راجل غلبان ميجدرش يعارضه ليأذيه.
صمتت عزيزة ولم تعلق، لتستطرد زينب:
- روحي ياما دلوك وسبيني في حالي، عايزة اجعد لوحدي.
افتر فاهها، تهم بالكلام، ولكن زينب اوقفتها؛
- وصلت خلاص ياما اطمني، انا ميرضنيش أذية ابويا.
سمعت عزيزة لتغادر على الفور، مفضلة الهروب من جلد ابنتها لها، وهي لا حول لها ولا قوة.
وعادت زينب رأسها للخلف تعتصر عينيها بألم، تعلم ما ينتظرها على يد زوجها الذي أوجعته خسارة الطفل على يده، واخذها كصفعة منها له.
تستعيد بذهنها ما حدث منه، في عيادة الطبيبة النسائية المختصة، التي قامت بعمل اللازم بعد سقوط الجنين، لتفتح عيناها على وجهه ، وقت ما فاقت من المخدر.
يرمقها بأعين قاتمة وعروق نافرة من فرط الغضب، يخاطبها بتوعد؛
- حمد الله ع السلامة يا زينب، اخيرا صحيتي يا غالية.
كانت بنصف وعي حتى افاقها يهدر بفحيح وملامح توحشت فجأة:
- تبجي حامل وتخبي عني يا زينب، تشربي نعناع وتستفزيني اطلع عليكي غضبي، عشان تسجطي، واتحمل انا المرين يا زينب.
دنى فجأة يحاصرها بذراعيه، يضغط بيداه على الفراش من الجانبين، ليزيد من بث الرعب بقلبها:
- وحياة امك لدفعك تمنها دي، العيل اللي راح مش هيكفيني عشرة منك جباله، هتفضلي كدة تكفري عن ذنبك بالخلفة لحد انا ما استكفى، سامعاني؟
هتبجى دي شغلتك ف الايام الجاية، بس ترضيني وتخلفيلي، لا احول ايامك سواد انت وعيلتك يا زينب ، انتي وعيلتك.
لم تكن لها مقدرة على الصراخ ، كانت فقط تناظره بأعين تملأها الدموع، والفزع منه يكاد ان يوقف قلبها، ليزيد على الامها الجسدية بفعله، وهو من فرط غضبه يود الفتك بها،
ليتوقف كل ذلك مع سحبه بعنف من قبل شقيقه، الذي دلف الغرفة فجأة، ليصعق بالمشهد ، فصار يزجره بانفعال محذرا:
- انت ايه ياخي معندكش رحمة، البت هتخلص في يدك وهي فيها اللي مكفيها، بعد عنها وسيبها في حالها، سيبها في اللي هي فيه.
صرخ به ضاحي:
- والنار اللي بتاكلنى اطفيها كيف؟ الواد اللي راح بسببي ارجعه كيف؟ انا اللي حايشني عنها حالتها دلوك، لكن لو بصحتها، والله ما كنت سيبتها.
- طب وتجعد جبالها ليه؟ ما تغور وتسيبها في اللي هي فيه، اطلع برا الاوضة يا ضاحي، خلص يلا روح.
صار يدفعه بعنف حتى تمكن من إخراجه من باب الغرفة بقوة، ليتجه نحو زينب يطالعها بإشفاق وقلب يتمزق لدموعها وحالتها تلك، ف اقترب بأسف يخاطبها؛
- متزعليش يا زينب، انا طلعتهولك اها، عايزة حاجة تاني اعملهالك؟
أومأت بضعف، وصوت بالكاد يخرج؛
- وديني عند امي، مترجعنيش البيت معاه تاني.
ابتلع غصته، يراضيها بقوله:
- حاضر يا زينب هروحك على بيت ابوكي، بس الاول ابعت للدكتورة تاجي تشوفك.
اسرعت على الفور تناجيه، قبل ان يشرع في الذهاب.
- لا متسبنيش وتطلع، لا ياجي تاني ويدخلي.
صمت للحظات لا تعرفها، ليرد بنبرة لأول مرة تسمعها منه:
- اطمني يا زينب، انا جاعد جمبك، يعني مش هخليه يجرب منك ولا يأذيكي واصل.
عادت من شرودها واحتدت عينيها بتصميم، مقررة انهاء الأمر، وهذا قرار لا رجعة فيه.
❈-❈-❈
في المساء
وقد علم بقدومها من جدته، دلف لداخل الجناح بخطوات واثقة مغترة، وقد أتى تهديده مفعوله، لتأتي اليه راكعة.
بحث بعيناه عنها، حتى وجدها الاَن جالسة في انتظاره امام شاشة التلفاز العملاقة المعلقة بالحائط، لتلتف له، فتقف في استقباله بوداعة.
وقف يتأملها جيدًا، بزينة وجهها التي اضافت له بعض المساحيق التجميلية، والشعر الناعم المسترسل على الجانبين، ثم هذه المنامة النصف العارية، والتي تغطي عليها بالمئزر الشفاف، فبدت فتنة خالصة امام عينيه، لتبزغ ابتسامة جانبية على طرف فمه، يعلق بلؤم:
- حمد الله ع السلامة يا زينب ، نورتي بيتك.
اومأت بهز رأسها مرددة بصوت خرج بصعوبة:
- الله يسلمك.
انتفضت داخلها حينما وجدته يقترب بخطواته البطيئة نحوها، لتبتلع ريقها بتوتر تحاول بيأس السيطرة عليه،
حتى وقفت امامه للحظات ، ثم امتدت يده تقبض على شعرها من الخلف مرددًا:
- وحشتيني يا زينب، ووحشني كل حاجة فيكي، انا كمان وحشتك ولا لاه؟
اغمضت عينيها بألم، متمتمة بضعف:
- شعري يا ضاحي، انا طالعة من دور تعب اساسًا.
غمغم بأسف مصطنع،:
- اه صح دا انا نسيت انك مخسرة ولدي، سامحيني يا جلبي.
قالها بهدوء ترتخي يداه عنها، ثم ما لبث ان يرفعها فجأة من خصرها ليستطرد بغل:
- بس عارفة طبعا ان دورك دلوك تعوضيني ع اللي راح؛ بعيال كتيرة زي ما اتفجنا مش عيل واحد.
اومأت رأسها بدمعة محتجزة، فتابع بتشديد يقارب الجنون:
- وهتحبيني يا زينب زي ما انا بحبك، وأكتر كمان .
حينما صمتت بذهول من فعله هزهزها بعنف:
- جولي حاضر .
- حاضر
رددت بها سريعًا ترضيه، ليحتجزها على الفور فوق صدره بضمة قوية ، كادت ان تكسر عظامها مغمغمًا بهذيان وصوت انفاسه الحادة ، يخترق اسماعها بصورة تزيد من بث الرعب بقلبها:
- جدعة يا زينب جدعة.
تمتمت بألم ترجوه، وقد كانت على وشك الانهيار:
- طب سيبني اتعشى الاول معاك دلوك، دنا جعانة بجالي مدة وجاعدة مستنياك.
- وانا كمان جعان يا جلب ضاحي.
زفر انفاسه القوية يفك اسرها، ليتابع بأعين تطل بها الرغبة:
- هدخل اغير بسرعة على ما حضرتي، نبروا نفسنا الاول زي ما جولتي، عشان ليلتنا طويلة.
وضعت يدها على صدرها تحاول السيطرة على خفقان قلبها المتسارع، فور ان استدار عنها، تناجي الله القوة في هذه اللحظات، فما ينتظرها ليس بالهين .
❈-❈-❈
بعد قليل
اجتمع الاثنان على طاولة السفرة ، كان هو يتناول بنهم ويرتشف من زجاجة العصير الطازج كعادته، وهي تلوك الطعام بفمها بصعوبة، ولحظات من الترقب تمر عليها كالدهر .
حتى اذا انتهى اخيرا نفض كفيه ببعضهما يطالعها بنظرات مفهومة:
- لمي الأكل وتعالي ورايا انا مستنيكي.
اومأت بطاعة ونهض هو على الفور ، لتلملم من خلفه الاطباق بتمهل، تأخذ وقتها في الذهاب والإياب الى المطبخ، حتى انتفضت على صيحته:
- اخلصي يا زينب.
ابتلعت تجسر نفسها وتتمتم بالادعية، لتضع اخر طبق في البراد، ثم تذهب اليه داخل غرفة النوم، بخطوات مترددة، حتى اذا وقفت بمدخل الغرفة تفاجأت بعدم وجوده، ولكن سرعان ما خرجت شهقتها، تزامنا مع زمجرة خرجت من حلقه، وقد فاجئها من الخلف، يرفعها من خصرها :
- ايه رأيك في المفاجأة دي
- انت كنت مدسي فين
- في البلكونة يا زينب.
هتف بها وهو يضمها اليه، يشدد ذراعيه عليها بعنف، وقبلات قاسية تعلم انه يفرغ غضبه بها، ولكنها تتمنى الخلاص، استمر يسير بها نحو التخت، حتى اصابها اليأس وفقدت الأمل، لتسيل دمعاتها بقهر، ولكن وفور ان سقط بها على الفراش ، وجدت نفسها تتحرر منه، وقد ارتخت ذراعيه عنها، ليتكيء بجانبه على مرفقه ، يفرك كفه الحرة على جبهته، وعينيه تفتح وتغلق باستمرار ، لتنهض هي من جواره سائلة ببارقة نور تلوح امامها:
- ايه مالك؟ لتكون تعبت؟
غمغم بعدم تركيز:
- مش عارف.... بس حاسس اني دايخ، والصورة في عيني مغبشة.
نفض رأسه يحاول النهوض مرة ثانية ولكن وفور ان اعتدل بجذعه سقط مرة اخرى ، ليردد بذهول :
- وه، انا ايه اللي حصلي؟ جسمي كله سايب وراسي تجيلة.
حينما استمر على حالته واستمرت هي على صمتها، تراقب وفقط ، رفع رأسه إليها سائلًا بارتياب وانفاس غير منتظمة:
- انتي مالك ساكتة ليه؟ لتكوني انتي السبب؟
خرج صوتها اخيرًا حينما تأكدت من قرب الوصول:
- ما انا اللي حطتلك في الأكل سم.
برقت عيناه بشر لينهض متحاملا بصعوبة على ذراعيه:
- بتجولي ايه، دا انا اااا..... انااااا
صار يردد بتقطع ، واقدامه تتقدم خطوة ثم تقف لعدم المقدرة ، وهي تتراجع الى الخلف، حتى خارت قواه ليسقط بثقله على الارض، حتى احدث اصابه بجبهته، والدم اصبح يسيل منها.
ووقفت هي تراقبه للحظات بجمود، ثم غمغمت بحسرة:
- ياريته كان سم صح.
تحركت بعد ذلك تبدل ملابسها، وترتدي فوقهم عباءة سوداء، ثم الشال الاسود، كي يغطي على رأسها وجميع وجهها ، لتتسحب بعدها في هدوء الليل ، وتتخذ طريقها من باب الخدم ، فتركض نحو الجبل حيث الطرقات خالية من البشر، غير ابهة بخوف ولا اي شيء، المهم هو ان تذهب الى وجهتها.
لتصل بعد اقل من ساعة وتطأ اقدامها العلو من فوق التلة، لتعيد التاريخ مرة اخرى ، ولكن هذه المرة هي على أتم الاستعداد.
لهثت وتعبت وافترشت جالسة بملابسها السوداء في انتظاره، من يراها الاَن من مسافة بعيدة، يجزم انها شبح فعلي.
لقد اخذت القرار ولن تترك مكانها اليوم .
مر الوقت رويدا رويدا، حتى استفاقت على رؤيته امامها، يطالعها من الظلام بعيناه التي كانت تلمع بخطورة، مكشرا بأنيابه الحادة ،
ابتلعت بخوف غريزي، لكن سرعان ما استعادت بأسها لتخاطبه بقوة وعزم،
- واجف ليه؟ جدم ومتستناش، تعالي واغرز انيابك وكسر العضم، كيف ما بيكسر ابوي عود الجصب في موسم الحصاد، شبع جوعك من اللحم،
اهضم لحد ما تتوه اشلائي في معدتك وبعدها اتساوى بالتراب اللي واجف عليه،
مستني ايه ما تجرب، انا جاية ومسلماك امري ، يمكن اخلص من عذابي ومن عجدة الذنب اللي وجفت عليها حياتي .
حينما ظل واقفًا دون حراك ، وكأن حديثها شتته، صرخت به:
- جرب بجولك، وخلصني، هو انا هترجاك فيها دي كمان؟
اتت صرخاتها بنتائجها على الفور ، حينما كشر الذئب مرة أخرى كاشفا عن كل انيابه، ليتقدم بخطواته المدروسة امام صمتها ، فاستسلمت هي مغمضة عيناها للنهاية، تتمتم بالاستغفار وان يقبل الله توبتها، لتبدء بالعد بعد ذلك، تترقب الهجمة الاولى منه على اي جزء من جسدها،
حينما وصلها صوت انفاسه الشرسة زادت بالتمتمة تفتح نصف عين فصدق ظنها حينما وجدته أمامها تماما،
ليرتعش جسدها من الرأس حتى اطراف الاصابع استعداد للقاء الخالق بأصعب الطرق، لتجفل فجأة بصوت طلق ناري، تنهى الأمر على الجانبين.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وبداخل المشفى المتخصص ، كانت صرخاته تصل لاخر الرواق، رغم اصابة رأسه التي التفت بالأربطة الطبية.
- يعني ايه محدش لاجيها؟ هي ايه فص ملح وداب يا حامد؟
زفر المذكور يجيب بسأم :
- هو دا اللي حاصل يا ضاحي، انا مسلط الرجالة تجلب عليها الدنيا ولحد دلوك ما حد جاب نتيجة، ابوها نفسه بيلف معانا ويدور عليها زي المجنون، ولسان حاله يتهمنا بوضوح اننا مخبيينها عنه.
صاح به بانفعال:
- هو كمان اللي بيتهم، دا بته من فجرها جالتهالي بخشمها، انا حطيتلك السم في الوكل. .
- بس هو مكانش سم، وانت شوفت بنفسك الدكتور لما جال انها مادة منوم بتأثير قوي، هي اللي خلتك تجع من طولك وتتصاب راسك، يعني هي كان كل غرضها انها تهرب منك وبس.
شدد حامد على الاخيرة ليزيد من حنق الاخر، والذي دمدم بغل:
- فاكرة نفسها خلصت مني، بكرة اجيبها تحت رجلي، وهتشوف بنفسك، البلد في يدي والمحافظة وكل المسؤولين، دا انا نائب مجلس.
قلب حامد عينيه بسأم، ليعقب بلوم:
- تاني برضو عايز تجبرها؟ ما انا جولتلك يا واد ابوي، مش كل حاجة تاجي بالشدة، دا غير ان الدنيا مفتوحة جدامك.
فهم ضاحي على مقصد اخيه، ليردف بتصميم:
- حتى لو كانت مفتوحة جدامي، برضو مش هحلها، ولا هخلي حد يشيل عيالي غيرها.
- انت حر.
غمغم بها حامد ينهي الجدال العقيم، ليطرق احد الرجال على باب الغرفة، ثم يدلف بعد ان يأذن له بالدخول، فتقدم نحو حامد يحمل كيس بلاستيكي، اخرج منه شال اسود وخف منزلي، ليهتف ضاحي بانتباه:
- دا شبشب زينب وشالها، لجيتهم فين يا واد .
اجابه الشاب على الفور:
- جماعة مزارعين، طار عليهم الشال من فوج التلة، ولما طلعوا لجيو الشبشب ، واثر زحف لجسم كبير على التراب، ولما سألوا وانتشر الخبر راح رجالتنا مع مطاوع الجفاص اللي جعد يصرخ ويجول دي حاجة بتي، ومرته عاملة جنازة في بيتهم دلوك.
صاح به ضاحي بنفاذ صبر:
- يعني ايه يا واد انت ؟ انا مش فاهم .
خرجت اجابة الرجل بأسف امام ترقب الرجلان:
- يعني الخبر اللي شايع دلوك في البلد، هي ان الست زينب طلعت التلة والديب جرها وكلها زي المرحومة اختها.
- بتجول ايه يا زفت الطين انت؟
ردد بها ضاحي بأعين جاحظة بالذهول وعدم تصديق، ليحسم حامد الجدل بقوله:
- روح ياض وجمع من الرجالة على كد ما تجدر، تجلبوا التلة من الجهتين وتدورو على اي اثر ليها متهمدوش.
❈-❈-❈
بعد شهر من البحث المضني وتناقل الاقأويل وتأولها والاشاعات العديدة ، حتى تيقن الجميع ان مصير زينب ببطن الذئب، كما حدث لشقيقتها قديما، لتتجدد احزان العائلة الملكومة وقد اصبحت محط انظار الجميع، مع افتقادهم لزوج من البنات وبنفس النهاية، الأولى هي الطفلة مريم والثانية هي العروس الجميلة زينب ، والتي كانت محط حسد الجميع بزواجها بسيادة النائب ابن العائلة الكريمة، والذي لم يتواني حتى الاَن في البحث خارج وداخل البلدة .
اما مطاوع، والذي فقد الاحساس بكل شيء من حوله مع تجدد الحزن، فقد انتفض اخيرا من كبوته، ليتحرك ويذهب بنفس الطريق الذي ذهب به منذ عدة سنوات، كي يبحث في الجهة الوحيدة المتبقية الاَن.
توقف في نفس النقطة التي وقف سابقًا، ليفاجأ بسيارة تقترب منه لنقله وكأنها كانت في انتظاره.
سارت به بعد ذلك لتقف بجوار نفس المنزل الذي دخله سابقًا في هذه الواحة.
- يا اهلا بيك يا حج مطاوع ، نورت الواحة .
هتف بها الشيخ ذو اللحية البيضاء، بترحاب مبالغ فيه ، قابله مطاوع بكل مودة ، وقبل ان يفتر فاهه، يشرع بالسؤال الملح، كان الشيح نعمان هو الاسبق.
- روح مع الرجال وهو راح يوصلك ويجيب على سؤالك.
بالفعل تحرك مطاوع بعدم فهم، يتبع الرجل حتى توقف به امام فصل مدرسة اهلية، اطفال يستمعون لشرح المعلمة بتركيز، والتي عرفها مطاوع من ظهرها، حتى كاد ان يسقط بقدميه على الأرض لرؤيتها، لولا ذراعي الرجل البدوي، الذي أسنده بدعم، قبل ان تلتفت اليه المرأة متمتمة بدموع :
- أبوى.
بعد قليل، وبعد أن استوعب مطاوع المفاجأة، كان النقاش الدائر بينه وبين ابنته، بعدما حكت له عن كل ما حدث، وكيف تم انقاذها وقتل الذئب من قبل رجال الواحة التي كانت تمر بالصدفة بسيارتهم في هذا الوقت:
- ليه مبلغتيش حد فينا؟ هان عليكي امك وابوكي يا زينب؟
رددت بتأثر:
- عمركم يا بوي ما تهونوا علي، بس انا كان ليا ظرفي اللي انت عارفه زين، ضاحي لو شم خبر بس هيجلب الدنيا فوق راسي وراسك، وانا ما صدجت اخلص منه .
عبس والدها بجمود معقبًا:
- ويعني دلوك هيسيبك؟ ما انتي لساتك على زمته، بس يشم خبر بوجودك هيطربجها وهيرجعك تاني ليه.
- ومين هيسيبه؟
هتف بها الشيخ المسن وهو يلج بداخل الغرفة الفسيحة، لينضم معهما في النقاش متابعًا:
- متأخذناش يا حج مطاوع، بس انت عارفنا وعارف طبعنا، زينب استجارت بينا، واحنا لا يمكن نخذلها، هنجف في ضهرها لحد ما نطلجها منه، ولو رجال بصحيح يورينا هيقدر يعمل ايه معانا واحنا جبيلة تسد عين الشمس.
بملامح متجهمة، صار يتطلع اليهما بعدم رضا ، ليتسائل بحيرة :
- وليه تدخل نفسك في مشاكل يا حج نعمان انت في غني عنها، والاهم من دا كله، عرفتوا تنجدوا زينب ازاي من انياب الديب؟
جاءه الرد من زينب بنبرة لائمة:
- نفس ما عملوا ما اختي يا بوي، مش برضك الشيخ نعمان حكالك زمان عن مريم وكيف لجيوها في الصحرا بعد ما تاهت في الجهة التانية من التلة وهي بتدور على حد ينجد اختها الغمرانة........
قالت الأخيرة وأصبحت تبكي بحرقة، وتردد بصوت مبحوح:
- ليه خبيت عني يا بوي وسيبتني اعيش واتعذب بذنبها، خليتني افتكر ان الديب كلها ، والحقيقة انها ماتت من السخونة والدور اللي صابها من برد الصحرا، زينب اللي اعرفها ضاعت بسبب الذنب ده يا بوي، ليه خبيت عني حرام عليك .
امتقعت ملامح مطاوع بغضب واسف، ليرد بدفاعية:
- انا معرفتش غير بعديها بسنة واسألي الشيخ نعمان ، كان هيبجى فايدته ايه الكلام ، ما في الحالتين ماتت.
تدخل الشيخ نعمان يدلي بدلوه:
- معلش يا بنتي، يمكن ابوكي ما انتبهش عليها دي، واحنا كمان كان لازم ندور اكتر على اهل مريم، انشغلنا في تعبها وكان همنا نعالجها، لكن ربنا خد أمانته جبل ما نعرف ولا نوصل لابوكي، نصيب .
التقطت زينب الاخيرة لتكفكف دمعاتها، ثم تردد بتصميم؛
- وعشان هو نصيب، انا بجى متمسكة بالفرصة يا شيخ نعمان، ابوي حن عليك ما تخبر حد بمكاني ولا اني عايشة اصلا، لحد ما ياجي الميعاد المناسب، واظهر للناس عشان اطلق من ضاحي، انا عارفة زين انه ممكن يرجعني بمركزه، ولا سلطة اخوه المسيطر على بلدنا والبلاد اللي جمبينا، وعشان كمان تبجى انت في مأمن منهم.
والدها لم يكن غبيا حتى لا يفهم مقصدها ، لذلك عبر على الفور بما يدور برأسه :
- يعني انتي لقيتي السند اللي يحميكي ويساندك ضد ضاحي ، ماشي يا زينب.
نهض مغمغما قبل ان يستأذن للمغادرة:
- هعمل المطلوب ومش هتكلم، على الله ربنا ينصرك، ومدوريش بعد كدة على سند تاني، غير ابوكي واهل الواحة.
غادر مطاوع لتقف به السيارة في نفس النقطة التي أخذ منها، وعاد ادراجه سيرًا على الاقدام، حتى تفاجأ بسيارة اخرى تعترض طريقه، ثم خرج منها الداهية الأكبر كما يلقبه دائما مطاوع ، بهيبته الطاغية ونظراته الحادة كالصقر، يبادره الحديث :
- عامل ايه يا عم مطاوع؟ وراجع من فين كدة في عز الجيالة والدنيا الحر.
- انا زين وعال العال يا حامد بيه، ولو على السؤال، انا راجع من الجبل ، كنت بدور كالعادة يمكن الاجي أثر.
تمتم بها مطاوع ردا له، ليزوم حامد، يهرش بسبابته على طرف ذقنه، فيسأله مباشرة:
- وعلى كدة بجى ملجيتش حاجة تدلك ولا تعرفك ان كانت عايشة ولا ميتة؟
صمت مطاوع لحظات يطالعه بنظرات اختلطت ما بين الشك والريبة ، قبل ان يجيبه اخيرًا :
- لا طبعا يا حامد بيه، شكل كدة زي الكل ما خمن، ان اللي حصل مع مريم هو نفس اللي حصل مع زينب، كلها الديب هي التانية....... عن اذنك بجى.
انصرف من أمامه لينظر في اثره حامد ويظل محتفظًا بملامحه الجادة الحازمة، ثم ترتخي رويدا رويدا حتى تبزغ ابتسامة صافية، ابتسامة غير مفهومة، ابتسامة ذئب .
ليتناول هاتفه يضغط على رقم يعرفه، وفور ان وصله الرد تتمتم قائلًا:
- ايوة يا شيخ نعمان انا معاك.
...... تمت.........
تفتكروا ايه علاقة حامد بالشيخ نعمان؟
طيب مصير زينب هيبقى مع مين؟ هتطلق ولا هيرجعها ضاحي تاني ليه؟
تتوقعوا هتفرح ولا هتعيش طول عمرها في الحزن.