رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السادس والعشرون 26 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السادس والعشرون 26 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السادس والعشرون 26 هى رواية من كتابة روز امين رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السادس والعشرون 26 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السادس والعشرون 26 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السادس والعشرون 26

رواية انا لها شمس فؤاد وايثار بقلم روز امين

رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السادس والعشرون 26

متمردة،عنيدة، شرسة ومستفزة،أنانية ولا تهتم سوى بحالها،شعارها المرفوعُ دائمًا فليذهب الجميع إلى الجحيم ما دُمتُ أنا بخير،ألقابٌ حَصِلتُ عليها ويعلم الله أني بريئةٌ من جميعها،ولو أنهم تأنوا وغاصوا بأعماقي لوجدوا فتاةً صغيرةً  تحتضن حالها وتحتويها بساعديها الضعيفين،نظراتها المرتعبة تجول هُنا وهناك بهلعٍ  مترقبةً للأخطار المحيطةِ بها دومًا،بجوارها سيفًا حادًا صنعته من صبرها وسنتهُ بسعيها لحماية قلبها الموضوع بين الضلوع،من تسول له نفسه  بمجرد الإقتراب منه تبادر بهجومها الضاري بمنتهى الشراسة لتظهر روح المحاربة الكامنةُ بداخلها،هي لا تحمي حالها ولا تهتم من الأساس،جُل ما يعنيها هو قلبها البرئُ وفقط،ذاك المتمثلُ بصغيرها"يوسف" هذا هو قلبها الساكن بالضلوع والمحاط بسياجٍ حديدي صنعته بكامل قوتها لحمايته.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي«روز أمين»
أتى الصباح واشرقت الشمس لتعلن عن ميلاد يومًا جديدًا بأملٍ جديد للجميعِ إلا من تلك الحزينة ذات الحظ السئ حيث فاقت باكرًا بعينين ذابلة وجفونٍ منتفخة بفضل بكائها الحاد ليلة أمس فهي من الأساس لم تغفو سوى ساعتين فقط،أمسكت هاتفها وتحدثت إلى عزة وطلبت منها الصعود وبغضون دقائق معدودة كانت تقف أمامها لتسألها بفضولٍ وإصرار بعدما رأت ملامح وجهها المنطفأة،زمجرت الاخرى وأبت لكنها أضطرت لإخبارها تحت إصرار الأخرى القوي،لتهتف عاتبة بحدة بعدما استمعت لكامل ما حدث:
-غلطانة يا إيثار،وأنا قولت لك قبل ما تتحركي إنك لازم تستأذنيه قبل ما رجلك تخطي برة القصر،ده جوزك يا بنتي وده حقه عليكِ وإنتِ بنت أصول
رمقتها بنظراتٍ شديدة اللوم قبل أن تسترسل بكلماتٍ لازعة لكنها الحقيقة المؤلمة:
-ومتزعليش مني، اللي عملتيه معاه مفهوش ريحة الأصول
تنهيدة حارة خرجت من صدرها لتنطق بنبرة بائسة:
-عدى وقت الكلام ده يا عزة، وأنا حقيقي تعبانة ومش هقدر أتحمل أي كلمة فيها لوم أو عتاب من أي حد
واسترسلت بنبرة خافتة وجسدٍ هزيل وهي تتجه صوب الخزانة لتشير لها نحو الحقيبة:
-طلعي الشنطة يلا ولمي معايا الهدوم بسرعة خلينا نمشي،وأنا هقوم يوسف وألبسه علشان نوصله للمدرسة في طريقنا
-مش هتقولي له؟!...نطقتها عزة باستفهام لتنطق الأخرى نافية بحدة وشراسة ترجع لشعورها المرير بالإهانة الملازم لها منذ الأمس:
-طبعاً لا
ابتلعت غصة مريرة لتسترسل وهي تدفن نظراتها بطيات الثياب التي تجمعها كي لا تلمح الأخرى عينيها التي اغرورقت بدموع الألم والشعور بالتدني:
-استعجلي خلينا نخرج من هنا،وكفاية إهانة لكرامتنا لحد كده
كان يقف أمام مرآة الزينة يعقد ربطة عُنقه بملامح وجه مكفهرة نتيجة ما حدث بينهُ وبين تلك الجميلة، انتهى من الربطة ليمسك بقنينة عطره ويقوم بنثر بعضًا من الرذاذ فوق عنقه وذقنه وبعد أن انتهى أعاد القنينة لمكانها برتابة ليُلقي بنظرة أخيرة على هيئته المنمقة واضعًا أصابع يده تتخلل شعره الأسود الفحمي،تنهد بضيق وهو ينظر لملامحه العابسة ووجهه الذابل جراء ما حدث بينه وبين مالكة الفؤاد بالأمس،برغم غليان جسدهِ مما فعلته تلك العنيدة من حماقة كبيرة إلا أنهُ تألم لأجلها ولام حاله كثيرًا على غضبه المبالغ به وحديثه الحاد المهين لها،حُجتهُ الشرعية هي هلعه الذي أصابه عندما قص عليه الحارس ما حدث والذي لولا ستر الله عليهما لتعرضت لما لا يعلمهُ سوى الله وحده،زفر بعمقٍ ليخرج من صدره ناره المشتعلة منذ الأمس ثم تحرك صوب الباب بعدما التقط حقيبة عمله، توقف أمام باب غرفتها بعدما عقد النية على ألا يذهب إلى عمله قبل أن يقوم بتقديم الاعتذار لها كي لا يدعها للحزن يسيطرُ عليها ويدمي قلبها، دق بابها فأتاه صوت عزة الاذن بالدخول، فتح الباب لتجحظ عينيه وهو يراها تقف أمام صغيرها الواقف فوق الفراش تساعده بإلباسه كامل ثيابه،ليحول بصره سريعًا نحو "عزة"حيث كانت تفرغ ما بداخل خزانة الثياب وتضعها بتلك الحقيبة الكبيرة الموضوعة فوق الفراش، إبتلع لعابهُ وارتجف جسدهُ حين استشف ما يحدث ليتساءل بصوتٍ خرج حادًا رغمًا عنه:
-إنتِ بتعملي إيه يا إيثار؟!
-زي ما أنتَ شايف،بنلم هدومنا وماشيين...نطقت كلماتها باقتضاب وهي تتابع مساعدة صغيرها على استكمال ارتدائه لملابسه دون عناء النظر إلي وجهه ليسألها من جديد بصوتٍ جاد:
-يعني إيه ماشيين دي؟!
انتهت من إلباس الصغير الذي نظر إلى فؤاد وغمرهُ بابتسامة جعلت من قلبه يسعد رغم ما يشعر به من ارتياب، لتحول بصرها عليه وتجاوبه بعدما ثبتت عينيه بخاصته بقوة وكبرياء يرجع لإحتفاظها بكرامتها:
-راجعين شقتنا،أظن كفاية لحد كدة، إحنا تقلنا عليكم زيادة عن اللزوم وكان لازم نمشي قبل كدة بكتير
زفر بقوة ثم حول بصرهِ لتلك التي تباشر وضع الملابس داخل الحقيبة بملامح وجه حزينة ليتحدث إليها بتودد:
-خدي يوسف وانزلي بيه تحت يا عزة علشان عاوز أتكلم مع المدام لوحدنا
كادت أن تتحرك لولا صوت إيثار التي هتفت بحدة وهي ترمقها بشراسة:
-خليكي مكانك وكملي اللي بتعمليه يا عزة
ثم حولت بصرها إليه لتستطرد بنبرة جافة:
- مفيش كلام ممكن يتقال تاني بعد اللي اتقال إمبارح يا سيادة المستشار
زفر بهدوء محاولاً كظم غيظه من تلك العنيدة التي ستصيبهُ بجلطة لا محال،فقد فعلت معه ما لم يتجرأ بشرًا على الإطلاق فعله ومع ذلك يتمنى نول الرضا منها، ولتتدلل كيفما تشاء فدلالها كالعسل المُصفى بالنسبة له وهواها أشبه بالترياقِ للعليل،أشعلت نيرانه بحديثها الحاد ليهتف بحدة وهو ينظر لتلك التي تابعت ما تفعل وكأن حديثهُ والعدمِ سواء:
-هو أنا مش قولت لك تاخدي الولد وتنزلي؟!
ليسترسل بعينين تطلق سهامًا نارية تنذر بنشوب حربٍ شرسة:
-الكلام مبيتسمعش ليه؟
ارتعب داخل عزة من نظراته النارية لتسرع إلى إيثار تبسط زراعيها لحمل الصغير عن تلك التي رفضت في البداية لتسلمها إياه لتتراجع مستسلمة بعدما رأت زمجرت ذاك الغاضب مع رمقهِ لها بنظراتٍ تحذيرية أرعبت داخلها،هرولت عزة بالصغير للخارج لتغلق الباب خلفها،تحرك صوبها بعد خروج عزة ليقف مقابلاً لها واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله ليسألها بنظراتٍ عاتبة وصوت حبيبٍ لائم خرج بنبرة خافتة برغم اشتعال روحه:
-ينفع اللي بتعمليه ده؟!
واسترسل بعيني تشعُ حنانًا وبنبرة هادئة أشبهُ بإعتذارٍ:
-هو أنا علشان اتنرفزت عليكِ شوية تقومي تلمي هدومك وعاوزة تسيبي بيتك؟!
1
أجابته بنبرة منكسرة ونظرات عيناي أظهرت كم ألمها:
-بيتي!،بس ده مش بيتي يا سيادة المستشار، أنا عارفة حدودي في البيت ده كويس قوي،أنا هنا ضيفة، مجرد ضيفة، وضيفة تقيلة كمان
تعمقت بمقلتيه لتسترسل تأكيدًا على حديثه المهين ليلة أمس:
-وعلشان عرفت حدودي وقيمة نفسي قررت أرجع شقتي وأصون كرامتي أنا وإبني
-وهي كرامتك مش متصانة هنا يا إيثار؟!... سؤالاً وجههُ لها بعينين معتذرتين لتهتف بعدما اغرورقت عينيها بدموع الألم الممتزجة بالخجل والإنكسار:
-أنا عمري ما حسيت بالإهانة زي ما حسيتها في كلامك ليا إمبارح
تنهد بثقل لرؤيتهُ لغيمة دموعها، اقترب منها ممسكًا بكف يدها ليهتز جسديهما معًا لذاك الشعور الذي أصاب كليهما وأربكهما ليتحدث هو متحاملاً على حاله:
-متخليش موقف عابر يأثر عليكِ ويخليكِ تاخدي قرار غلط في وقت غضبك
واستطرد موضحًا سبب ثورته عليها بالامس:
-أنا ما اتنرفزتش غير لما عرفت إنك خرجتي لوحدك ومن غير حراسة،إترعبت عليكِ لما الحارس بلغني، مجاش في بالك إن ممكن نصر يكون متابعك ويأذيكِ؟!
إقترب عليها أكثر ليتابع بمراوغة أراد بها الإستحواذ على مشاعرها كي ينال استرضائها:
-الاستاذة شكلها نسيت إنها بقت مراتي وبالتالي لازم تستأذنيني قبل أي خطوة تخطيها برة القصر؟!
ابتلعت لعابها من قُربه ورائحة عطره المُسكرة التي تسللت عبر أنفها لتحارب شعورًا عارمًا إجتاحها يطللبها بقوة بإغماض عينيها والإرتماء داخل أحضانه لتتنعم بحنانه الذي تستشعرهُ من خلال أشعة عينيه ليسترسل هو مداعبًا إياها للتخفيف من وطأة حزنها:
-وبعدين هي كل واحدة جوزها يقولها كلمتين وهو متنرفز تلم هدومها وتسيب البيت؟!
ارتجف قلبها بقوة من حديثهُ المتودد وابتسامته الخلابة التي أسرت لُبها وما كان منها سوى إبتسامة ساحرة ارتسمت فوق ثغرها هاج قلبهُ على أثرها وطالبهُ بالتحرك الفوري لإنقاذ دقاته المتسارعة،امتثالاً لذاك المتيم بسط كف يدهُ يتلمس بهِ وجنتها التي توهجت بفعل كلماته ومازاد من اشتعالها هي لمساته الحنونة تلك ونظرات عينيه الأسرة لقلبها الذي فتح له بابه على مِصْراعيه،شعورًا هائلاً تملك منه ولن يشعر بحاله سوى وهو يميل على شفتيها ليلتقطهما بين خاصتيه ويذوبُ داخلهما بنعومة جعلت تلك الرقيقة تُغمض عينيها وتذوب مستسلمه لقُبلته التي بادلتهُ إياها وارخت بجسدها مستسلمة، شعر بارتخائها بين يديه كقطعة شيكولاتة ذائبة داخل كوبًا من القهوة الساخنة مما جعل قلبهُ يرفرف من شدة حبورهُ فزاد من تعمقه بالقُبلة وضم جسدها بقوة إليه تحت استحسانها ورغبتها،تسللت يدها خلف رأسه لتداعب أناملها خصلات شعره الناعمة بحركة عفوية جعلت من خلايا جسده تتصلب بالكامل ليبتعد قليلاً لاهثًا ينظر لعينيها متلهفًا ليجد ما تمناهُ منها وانتظره طويلاً، كان صدره يعلو ويهبط تأثرًا باللحظة،داعب وجنتها بأصابعه بنعومة وتحدث بنبرة حنون تحت خجلها:
-أنا عندي شغل مهم قوي ولازم أتحرك فورًا،هتأخر فيه لحد الساعة ثمانية بالليل،بس هنكمل اللي بدأناه ده لما أرجع
ثم مال بجانب أذنيه هامسًا بنعومة أذابت جسدها:
-عاوز أرجع من شغلي ألاقي مراتي مستنياني في أوضتنا،سمعاني يا إيثار، أوضتنا وعلى سريرنا
ليبتعد برأسهِ للخلف قليلاً ويرفع فكها ليحسها على النظر بعينيه هامسًا بنعومة أذابت قلب كليهما:
-إتفقنا يا حبيبي؟
شعرت بأنفاسها تكاد تنقطع لشدة خجلها وسعادتها معًا،"حبيبي"يا لها من كلمة ساحرة تأسرها وتسحبها لعالمٍ خاص لم تطأ قدميها داخله سوى مع ذاك الوسيم وفقط،اكتفت بهزة رأسها بإيمائة اشعلت بها قلب ذاك الملتاع الذي طبع قُبلة رقيقة فصلها سريعًا خشيتًا التعمق بها ليتحدث بصدرٍ يعلو ويهبط من شدة الإشتياقِ والإحتياج:
-إبقى خلي عزة تيجي تبات هنا مع يوسف علشان ميقلقش لوحده، وأنا هخلي سعاد تجهز لنا الجناح،وشوفي لو محتاجة أي حاجة معينة قولي لها تجهزها وتطلعها لنا
أومات بخجلٍ جعل من وجنتيها محمرتان كجمرة نار،تنفس بصعوبة ليهرول متحركًا للخارج مجبرًا قبل أن يضرب بعملهِ عرض الحائط ويبقى ويجذبها داخل أحضانه ليكملا ما بدأه معاً ويسبحا بجنتيهما المترقبة
أغلق خلفهُ الباب ومازالت تلك الهائمة تنظر لأثره وحالة من الولع الشديد تسيطر على كامل كيانها، تنهدت باستمتاع وهي تتلمس موضع شفتيه فوق خاصتها لتبتسم مغمضة العينين بحالمية هائلة، تحركت صوب الفراش لتلقي بجسدها عليه باستسلام وهي تعيد بذاكرتها ما حدث للتو وقلب الاوضاع رأسًا على عقب،كانت مبتسمة شاردة قطع تفكيرها عدة طرقات فوق الباب لتدلف بعدها عزة التي تعجبت تسطحها فوق الفراش بهذا الإسترخاء لتسألها بلهفة:
-هكمل تقفيل الشنطة ولا هنعمل إيه يا بنتي؟
-رجعي كل حاجة زي ما كانت يا عزة،إحنا قاعدين خلاص... نطقتها بصوتٍ مسترخي ليسعد داخل السيدة لرؤية إيثار بتلك الحالة من الهدوء والرضا والإسترخاء لتكمل بابتسامة:
-طب قومي غيري هدومك علشان أجيب لك الفطار
قاطعتها وهي تتمطأ بدلال:
-مش عاوزة أفطر، أنا نعسانة قوي وعاوزة أنام
-يوسف راح المدرسة؟... قالتها بنعاسٍ لتجيبها الاخرى:
-أه، الاتوبيس جه وأنا سلمته بنفسي للمشرفة
أومأت برأسها لتقول وهي تنظر إلى الحقيبة الموضوعة بجانبها:
-نزلي الشنطة واركنيها واقفلي لي الستاير والنور،ولما أقوم من النوم نبقى نرجع الهدوم مكانها
ابتسمت عزة وفهمت ما حدث،فعلت ما أملته عليها وجذبت الغطاء وفردته على جسدها بعناية بعد أن أوصتها الأولى برعاية الصغير وألا تغفل عنه،طمأنتها ثم تحركت تاركة إياها لتنعم بنومها التي سقطت بداخله على الفور ويرجع ذلك لعدم استطاعتها النوم ليلة أمس بفضل حزنها الكبير لكن الأمر اختلف كلياًّ الأن
                                     *******
داخل منزل نصر البنهاوي
كان يقف بمنتصف غرفته يرتدي جلبابه الفلاحي ليستعد للخروج لمباشرة أملاكه الهائلة،فتح الباب لتلج منه إجلال وهي تتطلع عليه بترقبٍ كترقب الذئب بفريسته ثم نطقت بنبرة جادة:
-الفطار جاهز يا نصر والكل قاعد على السفرة مستنيك
تطلع عليها ثم تحرك ليقف أمام مرآة الزينة قبل أن يقول متهكمًا وهو يصفف شعر شاربه بعناية:
-البيه إبنك نزل ولا لسة نايم فوق زي النسوان؟
زفرت بحدة لاستغلال نصر نقطة ضعفها ألا وهي عمرو ليتهكم عليها في محاولاته الدائمة للضغط على أعصابها وإظهارها فاشلة بتربيته لتهتف بنبرة حادة:
-صاحي وقاعد برة،وياريت بلاش تقطم فيه قدام إخواته ونسوانهم، سيبه في حاله
زمجر بها بحدة:
-ماله حاله، مش كل اللي هو فيه ده بسبب عمايلة السودة وجريه ورا الحريم، خليه يشرب
ثم ضيق عينيه ليسألها بتوجسٍ:
-البيه مقالكيش كان طافش فين اليومين اللي فاتوا؟!
تنهدت بضيق لتجيبه بأسى:
-كان قاعد في المركز عند واحد صاحبه يفك عن نفسه شوية،
واستطردت بتعاطف:
-ده يا حبة عيني من ساعة ما رجع إمبارح الصبح وهو نايم،اللي يشوفه يقول ما داقش ريحة النوم ليه إسبوع
هز رأسه باستسلام ليقول باستياءٍ وتوجس:
-يا خوفي منه، حاسس إن نهايتي ونهاية كل اللي عملتها طول عمري هتبقى على إيده
هتفت بقوة وحدة:
-فال الله ولا فالك يا نصر،إجدعن إنتَ بس ورجع له يوسف والحرباية بنت منيرة وهو حاله هيتصلح وهيبقى زي الفل
عدل من ياقة جلبابه ليقول بثقة عالية:
-أديني رفعت القضية عند أكبر محامي في مصر،والراجل مطمني وقال لي إن الحضانة من حقنا والقضية مضمونة طالما الهانم اتجوزت
خرجا معاً لينضموا إلى الجميع حول الطاولة وبدأوا بتناول الطعام،نطقت سُمية بنبرة هادئة موجهة حديثها إلى نصر:
-بعد إذنك يا عمي،أنا هروح المركز النهاردة مع أمي علشان أكشف عند الدكتورة،أصلي تعبانة شوية
رمقها بحدة لينطق بكلماتٍ لازعة:
-ما أنتِ زي القرد أهو وصحتك تهد جبال
-والله تعبانة يا عمي...قالتها بوجهٍ حزين كي تبتز تعاطفهم لتسترسل بإيضاح:
-رايحة لدكتورة النسا والتوليد
رفع نصر بصره يتطلع عليها ليسألها بلهفة:
-إنتِ حامل؟
ابتسمت بخيبة أمل لتحول بصرها إلى زوجها الجالس بجانب والدته بوجهٍ عابس يقلب بصحنه ويتناول منه القليل بدون شهية لترد متهكمة:
-وده هيحصل إزاي يا حسرة وإبنك سايبني وطافش برة البيت طول الوقت،واليلة اللي ربنا بيهديه وينامها في البيت بينامها لوحده في شقة بنت غانم
هتفت إجلال بشراسة وهي ترمقها باستنكار وازدراء:
-إتحشمي يا بت وإنتِ بتتكلمي قدام الرجالة، ولا أمك معلمتكيش يعني إيه خشى؟
قاطعها نصر بحدة ليقول بنبرة غاضبة:
-بدل ما تقولي لها اتحشمي فهمي إبنك إن اللي بيعمله ده حرام
-والله الحرام هو إن بنت الـ.... دي... نطقها عمرو وسبها بأبيها ليسترسل وهو يرمقها باشمئزاز ونفور:
-تفضل قاعدة في بيتي وعلى ذمتي لحد الوقت، أنا مش فاهم أنتَ ليه مُصر إني مطلقهاش، واحدة مش طايق حتى ابص في وشها،بأي عقل تفضل على ذمتي، لا وكمان بتطلب مني أعاملها كزوجة واديها حقوقها
هب واقفًا واستطرد وهو يوجه لومه لأبيه:
-ولعلمك بقى،لولا إصرارك ده كان زمان مراتي وإبني في حضني من زمان
صاح بكامل صوته وهو يشير عليها باشمئزاز:
-إيثار رفضت ترجع لي علشان مطلقتش الحرباية دي
صاح نصر باستنكار ونظراتٍ كالصقر:
-عَليِ صوتك كمان على أبوك يا عمرو بيه وإرمي عليا خيبتك وفشلك
واستطرد بنبرة ساخطة رامقًا إياه بنظراتٍ تملؤها خيبة الأمل:
-بنت منيرة طفشت من دناوة نفسك ومشيك العوج، وبعدين مرات مين يا موكوس، كل شوية تصرخ لنا زي العيال مراتي مراتي، مراتك سابتك وراحت لوكيل النيابة يا بقف،
ختمتك على قفاك إنتَ واخواتها ونشنت على الراجل اللي هيعرف يقف للكل بمنصبه ومنصب أبوه
واستطرد بابتسامة ساخرة:
-والله برافوا عليها بنت غانم، طلعت بنت أبوها بجد ونشنت والنشان صاب
احتدت ملامحه وامتلئت بالغضب والقسوة وما كان منه سوى الهرولةِ إلى الخارج كبركانٍ ثائر كي لا ينفجر بوجه أبيه
احتدمت ملامح إجلال لترمق نصر بنظراتٍ توعدية جعلته يبتلع لعابه رعبًا،أما سمية فكانت تجلس بقلبٍ سعيد لرؤيتها لفوران عمرو بتلك الطريقة بعد توبيخ أبيه له،تحدثت ياسمين زوجة طلعت كي تهدأ من حدة تلك الاجواء المحتدمة:
-تعالي معايا النهاردة يا سُمية إنتِ وخالتي ناصرة،طلعت هيوديني للدكتورة اللي بتابع معاها
هتف نصر بنبرة غاضبة تنم عن مدى سخطه على حال أبنائه:
-ربنا ينفخ في صورتك المرة دي وتجيبي لنا حتت واد بدل ماسورة البنات اللي فتحتيها علينا
اجابهُ طلعت بنبرة واثقة:
-بعون الله هيطلع واد المرة دي يا حاج
ليسترسل بنبرة اظهرت كم حقده على الصغير لما يحظى به من حب واهتمام من والديه:
-وهجيب لك يوسف بدل إبن عمرو اللي طار مع أمه
تحولت ملامح نصر لحادة ليدق بكفه بقوة فوق الطاولة مما أرعب الجميع لينطق بصرامة لا تقبل المناقشة:
-البيت ده مفهوش غير يوسف واحد، وقريب قوي هجيبه وينور بيت جده ويعيش فيه عيشة الملوك.
ارتعبت أوصال الجميع والتزم الجميع الصمت تحت حقد طلعت الدفين لذاك الصغير الذي لا ذنب له سوى برائته وطهارة قلبه.
                                     *******
داخل منزل غانم رحمة الله عليه
نزلت منيرة من فوق الدرج بعدما أطعمت الطيور فوق السطوح لترى نسرين تعدل من وضعية كيسًا كبيرًا مليئًا بحبوب القمح بينما تقف نوارة بالمطبخ تجلي الاواني،تطلعت عليها  لتسألها مستفسرة لاعتقادها انهُ هدية من أحدهم:
-مين اللي جايب لنا القمح ده يا نسرين؟
-عزيز هو اللي جابه ورجع تاني على الارض... نطقتها بلامبالاة لتسألها من جديد:
-رجع يجيب باقي القمح يعني؟
ردت عليها ببرود:
-لا يا مرات عمي،عزيز مجابش غير الشوال ده وباع الباقي كله
اتسعت عيناي منيرة لتصيح بها بحدة وعدم استيعاب:
-باع خزين البيت؟!
لتسترسل باعتراضٍ حاد:
-ومنه لنفسه كده من غير ما يقولي؟،وهنقضي باقي السنة إزاي من غير خزين؟!
ولا هتاكلوا طوب بدل العيش؟!
مالت بخصرها بطريقة خالية من الإحترام لوالدة زوجها لتقول ببرود:
-وكنتي عوزاه يعمل إيه، باعه علشان يصرف على العيال بعد ما بنتك راحت اتجوزت من وراكم ووطت راسكم،وقفلت باب الرزق اللي كان هيفتحه لنا الحاج نصر
هتفت منيرة بملامح وجه مشتعلة لتعدي تلك الحقيرة عليها بالحديث المقلل لكرامتها:
-إوعي تجيبي سيرة بنتي على لسانك لاقطعهولك
بنبرة متهكمة تحدثت:
-بدل ما تقطعي لي لساني روحي ربي بنتك، وعلى فكرة، عزيز مش هيدخل محصول الارض في البيت تاني،عيالك الاتنين بيقبضوا وعلى قلبهم قد كده، خليهم يشتروا قمح وذرة لأكلهم هما وعيالهم
نطقت كلماتها الحادة وصعدت الدرج وهي تقول:
-إبقى إعملي الغدا إنتِ ونوارة ونضفوا البيت علشان انا مش قادرة النهاردة
اشتعلت عيناي منيرة لتهتف بقوة:
-ماشي يا نسرين، إن ما خليت عزيز يربيكِ على كلامك ده ما أبقاش أنا منيرة
إستدارت لتجيبها بابتسامة مستفزة أحرقت قلب الاخرى:
-كلامي ده أوامر عزيز ليا يا مرات عمي،هو اللي قالي كده وقالي كمان اللي مش عاجبه الباب يفوت جمل
نطقت كلماتها التي املاها عليها عزيز بعدما اتفقا سويًا بأن يأخذ أموال محصول الارض لحاله مما شجع نسرين على فرض سيطرتها وهيمنتها هي الاخرى على المنزل وعلى منيرة بذاتها بما أنها أصبحت زوجة كبير المنزل الحاكم الأمر.
أما نوارة فكانت تتوارى خلف حائط المطبخ تشاهد ما حدث بقلبٍ مهموم وصمتٍ كعادتها المسالمة،فقد تجبر عزيز وزوجته بعد وفاة غانم، وباتت نسرين تأمرها وتحملها جميع متطلبات المنزل لكنها لم تتوقع أن تتجبر على والدة زوجها هي الأخرى، تنهدت بثقل وهي تهمس بين حالها بنبرة متوجسة:
-ده ذنب المسكينة إيثار اللي كلنا شاركنا في ظلمها، ولسة ياما هيحصل فينا بذنبها
                                         *******
فاقت من غفوتها وقد تخطت الساعة الحادية عشر ظهرًا،تمطأت لتفرد ذراعيها بدلالٍ ووجهٍ ضاحك حين تذكرت وعد حبيبها لها،نفضت الغطاء وتحركت إلى الحمام بنشاط وقامت بأخذ حمامًا،خرجت بعد قليل مرتدية "البورنس"لتتحرك صوب خزانة ملابسها لتختار بعض الملابس،انتقت كنزة من اللون الازرق وبنطالٍ أبيض وحجابًا من نفس اللون بعد كلام عزة اللائم لها عن عدم جواز ارتدائها للأسود المتوشحة به منذ وفاة والدها وأيضًا إتباعًا لأوامر ديننا الحنيف بعدم جواز إرتداء المرأة للزي الأسود"الحداد" ما فوق الثلاثة أيام ،استمعت لطرقات خفيفة على الباب لتدخل عزة التي توسعت عينيها وهي تردد بسعادة:
-الشمس نورت يا ست البنات، عين العقل إنك قلعتي الإسود،الحزن في القلب وعمره ما كان باللبس أبدًا
ابتسمت بسعادة لتتطلع بتمعن على تلك الباقة الرائعة من الزهور وعلبة الشيكولاتة المرصوصة بعناية ودقة داخل طبق كريستالي فخم ومغلف بورق السيلوفان الشفاف، لتتذكر عزة وتقترب عليها قائلة بمزاحٍ لطيف:
-الباشا بيصبح
-فؤاد هو اللي باعتهم؟... قالتها بسعادة وهي تتناول باقة الزهور وتميل عليها تشتم رائحتها العطرة لتجيبها الاخرى بمشاكسة:
-العاشق الولهان بيصالحك بورد وشيكولاتة زي بتوع الافلام،الحارس قالي إنهم مبعوتين لمدام فؤاد باشا
شعرت بسعادة الدنيا تغمرها من حبيبها الذي لا يترك مناسبة إلا ويثبت بها أنها إمرأته التي تخصه،وضعت الباقة فوق الفراش واقتربت على عزة لتزيل ورق السيلوفان وتخرج إحدى حباة الشيكولاتة وتزيل غلافها لتتناولها،أغمضت عينيها تتذوقها بتلذذ واستمتاع،فقد كانت من النوع السادة المحبب لديها،ذابت بنعومتها بفمها ومازالت مغمضة العينين مبتسمة تحت سعادة عزة لتفتح عينيها عندما استمعت لصوت رنين الهاتف،امسكت هاتفها لتجده فارسها المغوار حيث نطق بنبرة حنون بعد انسحاب عزة للخارج:
-الشيكولاتة عجبتك؟!
-طعمها حلو قوي، تسلم إيدك...نطقتها بسعادة ليسترسل بذات مغزى ووقاحة:
-ولسه هيبقى أحلا لما أكلها لك بنفسي
ابتسمت وتنهدت براحة ليسترسل بنبرة جادة:
-إيثار، ممكن اللي حصل إمبارح ده ما يتكررش تاني
واستطرد مرتابًا:
-إنتِ ليه مش مقدرة حجم الخطر اللي إنتِ فيه، أنا كنت هموت من رعبي عليكِ إمبارح، مقدرتش أنام طول الليل كل ما أتخيل إن لا قدر الله كان ممكن يحصل لك حاجة وأنا مش جنبك
بنبرة أشبه بالهمس نطقت بكلماتٍ أذابت بها قلبه:
-أنا أسفة يا فؤاد،أوعدك اللي حصل إمبارح مش هيتكرر تاني
تنهد لينطق من جديد:
-وموضوع خروجك من البيت ورجوعك لشقتك القديمة ده تنسيه وتشليه من دماغك نهائي،حتى لو زعلنا مع بعض،إنتِ خلاص بقيتي مراتي، يعني ده بيتك اللي مش هتخرجي منه غير بعد عمر طويل
-حاضر...كلمة أثارته بها لتسترسل مستوضحة:
-طب أنا كنت عاوزة أسألك على موضوع رجوعي للشركة، هرجع امتى أنا كده إتأخرت قوي وتقلت على الباشمهندس أيمن
أخذ نفسًا عميقًا ليجيبها بغموض:
-خلي كل حاجة لوقتها،نتكلم في الموضوع ده بعدين
-ما أنا عاوزة أعرف.... قاطعها بنبرة متوسلة لينطق بقلبه قبل لسانه:
-حبيبي،خلينا مبسوطين النهاردة ومنفكرش في أي حاجة غير في اللي هيحصل بينا وبس، أنا عاوزك تبقى ليا بكل ما فيكِ النهاردة حتى عقلك
خجلت ليستمع هو لطرقاتٍ فوق باب مكتبه لينطق سريعًا:
-أنا مضطر أقفل علشان عندي تحقيق مهم،خلي بالك من نفسك وحاولي تستجمي على ما أجي لك
-حاضر...نطقتها برضوخٍ أنثوي أثار حواسه لينطق بنبرة تهيمُ عشقًا:
-بحبك يا إيثار... قالها بكل ما فيه من هيام ليغلق الهاتف ويتركها سارحة في ملكوت عشقه
بعد قليل هبطت إلى الاسفل لتجد فريال تجلس ببهو القصر تطعم صغيرها اتجهت إليها لتتحدث بوجهٍ مبتسم مشرق في محاولة منها للتودد لها رغم تحفظ الاخرى بمعاملتها:
-صباح الخير
تطلعت عليها بعينين متفحصة لتتعجب، فقد كانت مختلفة كليًا إبتداءًا من تخليها عن الأسود مرورًا بنور وجهها المشرق وابتسامتها الرائعة الدالة على راحتها النفسية،أجابتها بهدوء:
-صباح النور
لتسترسل لخلق حديثًا بينهما:
-صاحية متأخرة النهاردة؟
ابتسمت الاخرى لاهتمامها لتجيبها وهي تجلس بمقابل مقعدها كنوعٍ من مجاراة الحديث:
-منمتش كويس بالليل
توقفت عن إطعام صغيرها لتنظر إليها بجبينٍ مُقطب وهي تسألها باهتمامٍ ملفت للنظر:
-ليه؟
ضيقت الاخرى عينيها متعجبة من ذاك السؤال لتسترسل الاخرى سريعًا لتعديل صيغة السؤال:
-اقصد يعني إيه اللي ماخلاكيش تنامي كويس، كنتي تعبانة ولا..
صمتت تحت استغراب إيثار من فضولها المثير للجدل ليقطع صمتهما دخول العاملة التي تحدثت قاصدة بحديثها إيثار:
-صباح الخير يا مدام إيثار، سيادة المستشار وصاني أول ما حضرتك تصحي أجهز لك الفطار واطلعهولك برة في الجنينة
-تمام يا.. صمتت لتسألها بابتسامة مشرقة:
-هو أنتِ إسمك إيه؟
إسمي انتصار يا هانم... نطقتها بوجهٍ بشوش لتجيبها الاخرى بعدما وقفت استعدادًا للتوجه للخارج:
-أوكِ يا انتصار، طلعي الفطار وانا خارجة حالاً
ثم حولت بصرها لتلك التي تستمع الحديث باشتعالٍ بقلبها لتتحدث بوقار:
-بعد إذنك
أومات بابتسامة مصطنعة لتتحرك الأخرى صوب الباب الخارجي لتستقر بعد قليل فوق مقعدًا أمام حمام السباحة لتأتي العاملة بعد قليل حاملة صينية بين يديها لترص ما بها فوق الطاولة وتنسحب للداخل تاركة تلك التي بدأت بتناول الطعام بشهية مفتوحة ووجهٍ ضاحك كلما تذكرت كلمات ذاك الذي غمرها بعشقه وأفرط في دلالها بطريقة راقية،انتهت من تناول الإفطار لتأتي العاملة وترفع الأواني وبعد قليل أتت عزة حاملة قدحاً من القهوة لتنطق بحبورٍ ودلال:
-قهوة ست البنات
ابتسمت بسعادة وبسطت يدها لتتناول قدح القهوة قائلة باستمتاع:
- ميرسي يا عزة، تسلم إيدك
نطقت بسعادة بالغة:
-بالهنا والشفا يا حبيبة قلبي
اطالت النظر بعينيها لتسترسل بمشاكسة:
-شكلنا هنستقر هنا وست البنات هيكون مكانها في جناح الباشا قريب
اتسعت عيني إيثار وتوردت وجنتيها لتتحدث بابتسامة خجلة:
-إيه اللي بتقوليه ده يا عزة، عيب كدة
ضحكت لتتحدث بمداعبة:
-هو إيه ده اللي عيب كفانا الشر، ده جوزك حلالك اللي بيموت فيكي
قطبت جبينها تتطلع عليها لتقول بنبرة ساخرة:
-بيموت فيا مرة وحدة، ودي عرفتيها لوحدك ولا حد قالها لك يا أم العريف؟
ضحكت لتجيبها بتأكيد:
-وهي دي محتاجة حد يقولها لي، طب ده الجدع إتفزع وقلبه كان هيخرج من صدره أول ما دخل الصبح ولقانا بنلم حاجتنا في الشنط، لولا الملامة كان جري عليكِ وأخدك في حُضنه واترجاكي ما تسيبيه
ابتسمت إيثار بسعادة لتسترسل الاخرى بملاطفة:
-العيون بتفضح الحبيبة، مهما خبوا عنيهم بتفضحهم، وسيادة المستشار عيونه فضحته، والنبي الراجل دايب في جمالك يا ست البنات
اكتسى وجهها بحمرة الخجل لتنزل بصرها للاسفل مبتعده عن مرمى عيني تلك المراقبة لتغيراتها بسعادة قطع تلك اللحظة إقبال فريال التي تحدثت بنبرة جادة إلى عزة:
-إعملي لي فنجان قهوة لو سمحتي يا عزة
-من عنيا يا ست هانم، حالاً هيكون عندك أحلا فنجان قهوة...نطقت كلماتها لتنسحب للداخل في حين تحدثت فريال بابتسامة مصطنعة:
-تسمحي لي أشرب قهوتي معاكِ؟
-أكيد طبعاً إتفضلي... نطقتها باشارة من كف يدها للجلوس، جذبت المقعد وجلست لتقابلها ثم تحدثت بنبرة جادة:
-هو إنتِ مش هترجعي لشغلك تاني؟
اجابتها بهدوءٍ:
-هرجع أكيد
لتستطرد بحرج ظهر بعينيها:
-المسألة مسألة وقت مش أكتر
هزت رأسها بتفهم لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بنبرة مترددة:
-عاوزة اتكلم معاكِ شوية بخصوص فؤاد يا إيثار
نظرت لها إيثار بتمعن لتتنفس الأخرى بعمقٍ قبل أن تسألها بعينين مترقبة:
-هو أنتِ نمتي في أوضة فؤاد إمبارح؟
قطبت جبينها بعدم إستيعاب لسؤالها لتسترسل الأخرى بتفسيرٍ أشمل:
-حصل بينك وبينه حاجة يعني
اتسعت عيني إيثار لتستطرد الاخرى بجرأة تصل لحد الوقاحة:
-من الأخر كدة انا شفتك إمبارح بالليل وإنتِ داخلة أوضته
لتسألها مستفهمة:
-إنتِ نمتي معاه؟
إحتدم داخل إيثار من وقاحة تلك مفتقرة الأدب لتهتف بنبرة حادة:
-من فضلك،مينفعش تكلميني بالطريقة دي
واستطردت بنبرة صارمة وعيني تشتعلُ من شدة غضبها:
-ثم إنتِ مش شايفة إنك بتدخلي في أمور خاصة وميصحش تسألي فيها؟!
إلى هنا واشتعل داخل فريال لتهتف بنبرة صارمة وعينين حادة كشرت بهما عن أنيابها:
-كل حاجة تخص فؤاد تخصني أكتر مما خيالك يصور لك
فؤاد أخويا الوحيد ويهمني أمره...نطقتها بعينين حادتين لتغمض عينيها وتطلق زفيرًا يهديء من حدتها لتفتح أهدابها من جديد وتحدثها بعدما تحولت نظراتها لهادئة:
-إسمعيني كويس يا إيثار، أنا زي ما خايفة على أخويا فأنا كمان خايفة عليكِ، إنتوا متنفعوش لبعض،ده غير إنك ست عندك ولد ومحتاجة حياة مستقرة،على الأقل علشان إبنك يستقر نفسيًا بدل ما انتِ بتتنقلي بيه من بيت لبيت
نزلت كلماتها المهينة كنصلٍ حاد لسكينٍ مدبب الأطراف غُرس بقلبها بكل جبروت ليقطر دمًا،بقلبٍ يأنُ ألمًا وصوتٍ خافت سألتها:
-أنا مش فاهمة إنتِ تقصدي إيه بكلامك ده؟!
أخذت نفسًا عاليًا قبل أن تتحدث بما قضى على أمال تلك معدومة الحظ:
-إحنا عارفين حقيقة جوازك من فؤاد،وعارفين إن فؤاد عمل كدة شهامة منه علشان يحميكِ من إخواتك اللي كانوا عاوزين يرجعوكِ لطليقك غصب عنك
اتسعت عينيها بهلع لتسترسل الاخرى كذبًا بما جعل قلب الاخرى يتلوى قهرًا:
-فؤاد قال لنا على العقد المزور اللي وراه لإخواتك وحكى لنا كمان إنه أول ما وصل بيكِ القاهرة أخدك وراح عند مأذون شرعي وكتب كتابه عليكِ علشان لو إخواتك قدموا فيه بلاغ يكون جاهز وكل شيء قانوني
بصعوبة أخرجت كلماتها بتخبطٍ أوضح تشتتها:
-فؤاد هو اللي قالك الكلام ده؟ 
أجابتها مؤكدة بزيفٍ،فقد قصى فؤاد على والده ما حدث أما فريال فقد علمت من والدها وليس من فؤاد كما تدعي:
-أيوة،في اليوم اللي جابك فيه على البيت إنتِ وإبنك،بعد ما طلع معاكم فوق نزل وحكى لنا أنا وبابا وماما
واسترسلت بقلبٍ حزين صدقًا لأجلها بعدما رأت شتاتها:
-أنا مش ضدك يا إيثار، بس مش عوزاكِ تبني أحلام وتتأملى إنها هتتحقق وفي الاخر تتصدمي لما تكتشفي إنها مجرد أوهام، وتبقى زي اللي بنى بيته على الرمل وفرح بيه لحد ما جت أول موجة ومحت أي أثر ليه
إغرورقت عينيها بدموع القهر والألم لتتابع الأخرى بصوتٍ متأثر:
-مش عوزاكِ تزعلي مني، أنا حبيت أقصر عليكِ الطريق وأفوقك قبل ما تصحي تلاقي نفسك غرقانة في حكاية هتطلعي منها خسرانة كتير
لتستطرد بتأكيد:
-من الأخر كدة فؤاد أخويا لا بتاع حب ولا جواز،أنا وبابا وماما لينا سنين بنحاول معاه وهو رافض،مش حابب يعيد تجربة الجواز مرة تانية
تحاملت على حالها واستندت بساعديها على جانبي المقعد لتقف فارده ظهرها وتحدثت بصوتٍ لإمرأة مهزومة:
-أنا مش زعلانة منك، بس حابة أوضح لك طبيعة العلاقة بيني وبين سيادة المستشار، كل اللي قولتيه أنا عرفاه وعارفة حدودي كويس سواء في علاقتي معاه أو حدودي هنا في البيت،
تعمقت بعينيها لتسترسل:
-ومتقلقيش، أنا مش مطولة هنا،وأول ما ظروفي تتحسن هاخد إبني وأرجع لشقتي وشغلي وأمارس حياتي بشكل طبيعي، أنا قاعدة هنا بشكل مؤقت لحد ما طليقي واخواتي يزهقوا ويخرجوني من حسباتهم
أومأت فريال برأسها بجمود لتتحرك الأخرى في طريقها لدخول المنزل لكنها سرعان ما استدارت لتتحدث بصوتٍ قوى لإمرأة شامخة:
-على فكرة يا مدام فريال، أنا كنت رايحة أوضة سيادة المستشار علشان هو كان باعت لي بخصوص خروجي من غير حراسة إمبارح، ومكملتش عشر دقايق ورجعت على أوضتي نمت مع إبني
أنزلت فريال بصرها للأسفل لتتحرك إيثار صوب الداخل ومنه إلى الاعلى لتغلق عليها باب الغرفة مطلقة العنان لدموعها التي انهمرت بقهراً على ما وصلت إليه،تنفست بقوة لتنوى الرحيل عقب استقرار الوضع وذلك بعد كل ما تعرضت إليه من إهانات داخل ذاك المنزل 
أمسكت الهاتف لتطلب من عزة انتظار صغيرها لحتى العودة من مدرسته والصعود به مباشرةً وذلك بعدما شعرت بحاجتها لضمة صغيرها لتستمد منه قوتها وصمودها
                                     *********
بعد عدة ساعات
عاد فؤاد من عمله عندما حل المساء ليصعد سريعًا لجناحه على أمل أن يملي عينه برؤية من ملكت القلب، أمسك مقبض الباب وفتحه بقلبٍ يرتجف ويكادُ ينخلع ليسبقه إليها من شدة سعادته،تطلع للمكان بعينين متشوقتين لكن سرعان ما اختفت البسمة حين وجد المكان مظلمًا وخالي من أميرته،ضغط على زِر الإضاءة ليستكشف ما إذا كانت نائمة تنتظره بفراشه  فانهدمت أماله عندما رأى الفراش مرتبًا ليحول بصره سريعًا نحو باب الحمام ليجدهُ مظلمًا أيضًا ليتأكد من عدم زيارتها لجناحه من الاساس،فكر بأن يذهب لغرفتها ليستدعيها فلربما يكون الخجل هو من منعها من الحضور، هز رأسهُ باقتناع ودخل سريعًا إلى الحمام ليختفي خلف بابه بعدما قرر بأخذ حمامًا دافئًا يرخي به عضلات جسده المتشنجة نتيجة العمل،خرج بعد قليل يلف منشفته حول خصره وذهب لغرفة الملابس اختار تيشرت بيتي من اللون البيچ وبنطال مريح من القطن بلونٍ أسود، صفف شعره بعناية ونثر رذاذ عطره الفواح وابتسم برضى وهو يلقي على حاله نظرة أخيرة بانعكاس المرأة قبل أن يتحرك بقلبٍ متلهف نحو حُجرتها، دق بابها وبعدما استمع لصوتها دخل على الفور يبحث عنها بعيونٍ زائغة متشوقة، وجدها تتوسط الفراش مُمسكة بكتيبٍ لإحدى قصص الأطفال تقص منه لصغيرها القابع فوق ساقيها يستمع لما تقص بإنصات،هلل الصغير عندما رأه فتحدث مبتسمًا وهو يتجه نحوه:
-ازيك يا چو
الحمدلله يا انكل...نطقها بابتسامة واسعة عبر من خلالها عن ارتياحه لشخص فؤاد،ارتبكت حين جاورها الجلوس فوق فراشها ليسحب الصغير من فوق ساقيها ويضمه لاحضانه، تعجبت بعدما رأت صغيرها قد لف ساعديه حول عنقه ليشدد من عناقه،كيف لصغيرها الخجول والغير مندمج مع الاخرين أن ينجرف بمشاعره ويطلق لها العنان في التعبير عنها لذاك الفؤاد، تنهدت بألم لعلمها ما ينتظرها وصغيرها بعلاقتهما معه، نظر لها فوجد ملامحها مشتتة فتحدث مبتسمًا وهو يربت على ظهر الصغير الذي أراح برأسه فوق كتفه باسترخاء:
-استغربت لما رجعت ملقتكيش في جناحي زي ما اتفقنا
تلبكت لتتحدث بنظراتٍ زائغة بعيدًا عن مرمى عينيه:
-انا قاعدة مع يوسف زي ما أنتَ شايف، مكنش ينفع اسيبه لوحده
رد على حديثها بابتسامة لطيفة:
-مش إحنا إتفقنا إن عزة هتنام معاه هنا؟
-عزة تعبانة... نطقتها متهربة من عينيه المتفحصة لملامحها ليسألها بجبينٍ مُقطب:
-تعبانة إزاي؟
أجابته بتلبك:
-عندها صداع ومرهقة
وضع قُبلة فوق وجنتي الصغير الذي مازال محتضنًا إياه ليتحدث إليها من جديد:
-أنا هتصل بـ رقية تطلع تبات معاه، هي عندها خبرة في تربية الأطفال وهتعرف تتعا... قطعت حديثهُ بحدة قائلة برفضٍ تام:
-ملوش لزوم تتعبها معانا
ابتسم ليتحدث بعدما بسط ذراعهُ يتلمس به وجنتها بنعومة جعلت القشعريرة تسري بكامل جسدها لتنتفض على اثرها:
-مفيش تعب ولا حاجة،ثم إن ده شغلهم
شغلهم لأصحاب البيت يا سيادة المستشار، مش للضيوف... قطب جبينه مستغربًا حديثها ليسألها:
-طب ما انتِ من أصحاب البيت يا إيثار
بلاش نضحك على نفسنا بكلام ومصطلحات مش صحيحة... نطقت جملتها بحدة وهي تسترجع بداخل عقلها كلمات شقيقته عن أنهُ قص لهم ظروف زواجهما وكشف سترها أمام عائلته لتسترسل بذات معنى وهي تتمركز بمقلتيها بخاصتيه:
-أنا وإنتَ عارفين كويس أوي ظروف جوازنا، فياريت نتعامل مع بعض على أساس إن الموضوع مؤقت ومسيره ينتهي وكل واحد فينا يرجع لحياته الطبيعية.
شعر بحدتها فأخذ يتطلع إليها عدة لحظات طويلة بصمت متفحصًا أياها بأعين متعجبة ليسألها بهدوء:
-إنتِ كويسة، حصل حاجة أنا معرفهاش زعلتك؟
تحدثت بثقة ونبرة جادة أرادت بها الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها:
-خالص
لتستطرد متسائلة باستخفاف:
-إيه اللي بيخليك تقول كدة؟
أصل كلامك معايا الوقت مختلف جداً عن كلامنا مع بعض الصبح، يعني حسيت... قاطعته بحدة ناهرة:
-غلطة يا سيادة المستشار، كلامنا كان نابع من لحظة ضعف عيشناها كراجل وست قربوا من بعض وحسوا بتوتر وشوية أحاسيس مكنتش لازم تتحس، وللأسف إنجرفوا ورا رغبة،
لتنظر بعينيه قائلة بقوة وتأكيد:
-مجرد رغبة، والحمدلله إني فوقت لنفسي قبل فوات الأوان
كلماتها كانت أشبه بطعناتٍ ضربت بها نصف قلبه فتناثرت دمائه النقية على أثرها، إبتلع غصة مريرة ليتحدث بصوتٍ ظهر حاد إمتثالاً لكرامة الرجل الذي بداخله:
-أنا كمان شايف كده
نظر للصغير ولرأسه المرتخية فوق كتفه ليتفاجيء بغفوته وكأنهُ وجد سلامه النفسي بأحضان ذاك الحنون فاستسلم ودخل بسباتٍ عميق، أنزله بين يديه بهدوء واشار لها كي تعدل الفراش وبالفعل جذبته ليُنزل الصغير برفقٍ ويعدل من وضعية رأسه فوق وسادته ثم يدثرهُ بمساعدتها بالغطاء الوثير ليميل فوق وجنته واضعًا قُبلة حنون، لا يعلم ما يحدث له بكل مرة يقترب فيها من ذاك الملاك، فقد استطاع ببراءته أثر قلب ذاك القوي ليحولهُ للين،بقلبٍ يأن ألمًا وعينين مغرورقتين بالدموع كانت تطالعهُ،كم تمنت أن تجد لصغيرها صدرًا حنون يحتويه ليشعرهُ بالأمن والأمان ويكون لهُ السند الذي افتقده بغياب ذاك الاناني الذي لم يضعه بحسبانه وانجرف خلف شهواته،بصعوبة إبعد شفتاه عن وجنة الصبي لينتفض واقفًا وتحرك سريعًا صوب باب الغرفة ليقف فجأة متحدثًا بصوتٍ صارم دون الاستدارة:
-عاوزك تنسي طلبي اللي بلغتك بيه الصبح،تمحيه من ذاكرتك نهائي لأنه زي ما قولتي، ناتج عن رغبة من راجل لست
واستطرد مؤكدًا على حديثها بطريقة ساخرة:
-مجرد رغبة
نطقها وانطلق بسرعة البرق ليختفي خلف الباب حيث اغلقهُ برفقٍ لتجنب إزعاج الصغير، اطلقت العنان لدموعها الغزيرة فور خروجه، شعرت بمرارة حلقها لتنظر لصغيرها الغافي، كم تمنت لو كان صادق الوعد واثبت حسن نيته بمساندتها، تنهدت بألم لتسأل حالها باستغراب:
-ولما الاستغراب إيثار، ما الذي فعله كي يثبت أنهُ ينظر لكِ كزوجة محترمة يريد مشاركتها لمشوار حياته،ماذا كنتي تنتظرين من رجل من الوهلة الاولى التي رأكِ بها طلب الزواج منكِ بعقدٍ عرفي،آواعيةً أنتِ،كان يريدكِ إمرأةً في الظل،هكذا هي نظرته لكِ منذُ البداية، إذاً فلا داعي لما تفعلين
أما عن ذاك العاشق فقد ولج لحجرته كمحارب مهزوم يجر أذيال خيبته،ألمًا ساكنًا بثنايا قلبه،ذهب وكلهُ أمل أن يعود بها لتدفيء فراشهُ البارد وتشاركه ليله الطويل،عاهد حالهُ أن يتخذ منها سكنًا وسكينة ويحيا معها إلى نهاية العُمر، لكنها وللأسف ضربت بأحلامه عرض الحائط
كان يدور حول نفسه كالأسد الحبيس، يجذب خصلات شعره الناعمة بعصبية مفرطة منفسًا بتلك الطريقه عن غضبه الحبيس الذي لو خرج لاحرق بطريقهُ الأخضر واليابس، بات يراجع حديثهما صباحًا، هل تحكم به عشقها الملعون لدرجة جعلته يتخيلها توافق على تلميحاته بتسليمه حالها،نفض رأسهً معترضًا ليراجع حاله،لا لم يكن تلميحًا بل كان تأكيدًا بالموافقة على طلبه الصريح بأن يعاملها معاملة الأزواج، نعم لقد رأى استجاباتها بل انسجامها مع كلماته ونظراته الجريئة التي كانت تتحرك بجرأة فوق شفتيها وعينيها تحت سعادتها التي رأها بأم عينيه،هو ليس بأَرْعَن كي لا يستطيع قراءة عيني إمرأة راغبة ورغبتها نابعةً من عشقها، نعم لقد رأى شغف عشقها بمقلتيها،
دار حول حاله بجنون،يا الله سيجن، مالذي حدث وأبدل الحال هكذا،ظلا هكذا لوقتٍ غير معلوم بالنسبة لهما،لقد عاشا وقتًا صعبًا، جلس كلاً منهما يترقب الوقت ويتمنا داخله بأن تنتهى تلك الليلة الطويلة الحالكة والتى إختفى قمرها ليزيدها سوادًا.
********
إنتهت عتمة الليل وشق نور الصباح ليسدل الستار على يومٍ عصيب لا زالت توابعهُ قابعة بقلبي كِلا العاشقين،ارتدى ثيابه البيتيه الهادئة، بنطال من القطن وكنزة نصف كم باللون الابيض صفف شعره وهندم شعر ذقنه ونثر عطره ليتحرك إلى الأسفل للحاق بتجمع العائلة حول مائدة إفطار يوم الجمعة وهو اليوم الوحيد التي تجتمع به الاسرة بتلك الوجبة،خرج من حجرته وكاد ان يتجه صوب الدرج لكنه توقف وهو يرى عزة تخرج من حجرة محطمة اماله حاملة الصغير فوق صدرها،تحرك إليها ليبتسم للصغير مداعبًا وجنتهُ الرقيقة بأصابع يده ليبتسم ذاك البريء،نظر لها متسائلاً باستفسار:
-المدام نزلت تحت يا عزة؟
لتجيبه بنفيٍ:
-الست لسة في أوضتها يا باشا،طلبتني وقالت لي أنزل يوسف وأفطره واخليه يلعب في الجنينة علشان ميزهقش
سألها من جديد:
-وهي منزلتش ليه؟
أجابته بهدوء:
-مش عارفة يا فؤاد باشا، بس هي شكلها كدة مزمزئة شوية
قطب جبينه لعدم فهمه للمصطلح لتستطرد مفسرة:
-شكلها داخلة على دور برد
تحدث وهو يتحرك لغرفتها:
-خدي الولد نزليه تحت وانا هدخل لها
ابتسمت بسعادة ودق هو الباب، تعجب من عدم ردها ليفتح الباب ويدخل ليتفاجيء بخروجها من الحمام، أخذ يتطلع إليها متفحصا أياها بنظراتٍ مبهمة فقد كانت ترتدي قميصًا بيتيًا قصيرًا يكشف عن سيقانها المتناسقة والناصعة البياض ليمرر بصره للأعلي حيث ذراعيها العاريين مرورًا بفتحة صدره الذي كشفت عن بداية نهديها بينما كانت ترفع شعرها لفوق بكعكة عشوائية لتتناثر منه بعض الخصلات الشاردة فوق عنقها المرمري،قبض على فكيه ليتماسك أمام كل هذا السحر وتلك الانوثة المكتملة لإمراة بعمر السابعة والعشرون،تحمحمت بخجل وباتت تغلق من فتحة صدرها بعدما رأت عينيها وهي مثبتة فوقها دون حياء، عاد لرشده سريعًا ليتحدث بنبرة صوت رخيمة:
-صباح الخير
بصوتٍ متحشرج متأثرًا باللحظة أجابته وهي تتهرب من عينيه:
-صباح النور
منزلتيش ليه علشان تفطري مع العيلة...نطقها بجدية لتهمس بصوتٍ خجول:
-أنا هخلي عزة تطلع لي الفطار هنا، يعني علشان اسيبكم على راحتكم
ابتلعت لعابها بمرارة لشعورها الدائم انها عبيء على أهل المنزل وأنهم أجبروا على وجودها الذي فرضه فؤاد على الجميع:
-إنتوا عيلة وأكيد عندكم أسراركم وخصوصياتكم اللي حابين تتكلموا فيها يوم الاجازة، وجودي مش هيبقى لايق
تحدث بنبرة جادة وملامح وجه صارمة:
-يظهر إن مدام إيثار ناسية إنها بقت فرد من العيلة وإن مبقاش فيه أسرار عليها،
واسترسل بغصة متذكرًا حديثها ليلة أمس:
-على الأقل طول الفترة اللي هنقضيها كزوجين،يلا غيري هدومك علشان تنزلي معايا... نطقها بجدية وملامح مبهمة لتتحدث بنفس اللكنة الخجلة:
-ارجوك سيبني على راحتي،أنا مبحبش أكون تقيلة على حد أو أكون موجودة في مكان غير مرغوب بوجودي فيه
قطب جبينه ليسألها بلهجة حادة بعدما تحولت نظراته لقاتمة:
-فيه حد من أهل البيت قال لك أو حتى لمح لك إن وجودك مش مرغوب فيه؟
هزت رأسها سريعًا لتجيبه نافية:
-لا خالص، بالعكس، الكل بيبتسم في وشي وعمرهم ما حسسوني إني عالة عليهم أو إنهم مجبرين على وجودي وسطهم
ضيق عينيه ليهتف باستياء:
-عالة عليهم ومجبرين! إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده
ليستطرد بقوة زرعت بداخلها الثقة:
-لازم تعرفي إنك موجودة هنا بصفتك مرات فؤاد علام زين الدين،والبيت ده بيتك زيك زي ماما وفريال وليكِ فيه زي اللي ليهم بالظبط،وياريت تسيبك من الحساسية الزايدة عن اللزوم دي
لم تدري لما تملك منها ذاك الشعور الهائل بالسعادة الذي شملها، ليكمل هو بعدما رأى بنظراتها شعورًا بالرضى والحبور:
-أنا مستنيكِ قدام الباب على ما تغيري هدومك علشان ننزل مع بعض
اومأت بابتسامة شاكرة ليخرج وينتظرها بالخارج لتهل عليه بعد قليل بمظهرها الخلاب الذي خطف لُبه، أشار بكف يده نحو الدرج ليهبطا منه سويا متجهين صوب غرفة الطعام، وقبل دلوفهما من الباب مد كف يده ليحاوط خاصتها تحت انتفاضة جسدها جراء المفاجأة، لتنظر له لتجده ينظر لها بطمأنة ليتحرك للداخل وبصوتٍ هاديء وملامح وجه بشوشة تحدث:
-صباح الخير
التفت الجميع صوبه لتتفاجأ فريال بضمته لكف تلك التي تتحرك بجانبه والخجل يعتريها، رد الجميع التحية ليتحدث علام مستفسراً:
-إيه التأخير ده كله يا سيادة المستشار، موتنا من الجوع وكنا لسة هناكل ونسيبكم
ابتسم لوالده ليتحدث وهو يسحب المقعد للخلف لتجلس عليه كأميرة:
-أنا أسف يا باشا،نمت إمبارح متأخر علشان كدة أخدت وقت على ما فوقت نفسي
-ولا يهمك يا حبيبي،محصلش حاجة دول كلهم عشر دقايق...كلمات هادئة نطقت بها والدته لتسترسل وهي توجه بصرها لتلك المتلبكة بابتسامة:
-إزيك يا إيثار
أخرجت صوتها لتتحدث بخجل:
-الله يسلمك يا دكتورة
-عاملة إيه يا إيثار،يارب تكوني مرتاحة في البيت وإتأقلمتي عليه بسرعة...كلماتٍ نطقها والده لتبتسم له بسعادة ليتحدث ذاك الذي جاورها الجلوس بالمقعد المجاور:
-أكيد إتأقلمت يا باشا،فيه حد بيستغرب بيته وميرتاحش فيه
جعلتها كلماته واهتمامه بها تشعر بوغزة اقتحمت قلبها، أبعد ما أخبرته به ليلة أمس وتلك المعاملة الجافة مازال يغمرها باهتمامه المبالغ به، لقد أثبت بالفعل أنه رجل بكل ما تحمله الكلمة من معني، لقد توقعت ثورة عارمة من غضبه ستطولها بعدما هدمت امنياته وصدته وهي التي جعلته يتأمل ويمني حاله بامتلاكها والدخول بها كزوجة شرعيه حتي تأمل واستعد نفسيًا وعلى حين غرةٍ صفعته بقوة برفضها الصريح له،وعت على صوته وهو يسألها ممسكًا بشوكتين بين يديه:
-تاخدي جِبن؟
أومأت بابتسامة سعيدة لم تستطع حجبها عن عينيه ليضع بصحنها بعضًا من أنواع الجُبن ثم أمسك بالخبز ليضعه أيضًا داخل صحنها تحت نظرات فريال المتفحصة لتلك النظرات المتبادلة بين شقيقها وتلك الدخيلة، تنهدت بريبة وعدم راحة بقلبها
                              ********
بعد انتهاء اليوم
صعدت لتغفو بغرفتها وكعادتها منذ أن أحضرها فؤاد إلى هنا أخذت صغيرها داخل أحضانها ليغفوا، فهي تخشى عليه لذا لا تأمن وجوده إلا بأحضانها،وأثناء ما كانت تغط بنومٍ عميق دق بابها بخفة لكنها لم تشعر لشدة أرقها،فتح الباب بهدوء كي لا يزعج الصغير ونظر عليها ليرى وجهها عبر الضوء الخافت المُضئ من ذاك المصباح الكهربائي المعلق بالحائط،كانت الإضاءة باللون الأحمر الخافت مما انعكس على ملامح وجهها وأعطاها مظهرًا مثيرًا للغاية،إبتلع لعابهُ عندما اقترب ليقف بجانبها ورأى شعر رأسها الحريري شديد السواد مفرودًا فوق وسادتها البيضاء،أما شفتاها المكتنزة فحدث ولا حرج،ابتلع لُعابه وأغمض عينيه ليأخذ نفسًا عميقًا حاول به تهدأة ثورة مشاعره الكامنة،وضع كفه فوق كتفها العاري فقد كانت ترتدي منامة بحمالات رفيعة من اللون الأزرق الذي أظهر بياض جسدها،هزها بحنان وهو يهمس بنبرة خرجت رغمًا عنه حنون:
-إيثار
استمعت لصوته الحنون لتبتسم تلقائيًا لتخيلها أنه يراودها بأحلامها،انتفض جسده وهو يستمع لهمهماتها الحالمة:
-إمممم
هامت روحه وما شعر بحاله إلا وهو يتلمس شعرها بنعومة ليتابع محاولة إيقاظها قائلاً بهمس:
-إيثار،إيثار
قاومت نعاسها وبدأت بفتح أهدابها رويدًا رويدا إتباعًا لندائه باسمها وما أن استعادت وعيها ورأته يقف بجوار الفراش حتى انتفضت لتهب جالسة وبحركة تلقائية وضعت كفيها فوق فتحة صدر المنامة في محاولة منها لمداراة جسدها عن عينيه، شعر بخجلها العارم فاتجه صوب المقعد والتقط مأزرها ليعود به يناولها إياه وهو يشيح ببصره بالجهة الأخرى، تناولته بلهفة لترتديه على السريع وما أن إنتهت لتسأله بنبرة حادة بعدما تطلعت بالهاتف لتجد الساعة الثالثة فجرًا:
-خير يا سيادةالمستشار،إيه اللي جايبك في الوقت المتأخر ده؟!

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا