رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السابع 7 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السابع 7 بقلم روز امين


رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السابع 7 هى رواية من كتابة روز امين رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السابع 7 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السابع 7 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السابع 7

رواية انا لها شمس فؤاد وايثار بقلم روز امين

رواية انا لها شمس فؤاد وايثار الفصل السابع 7

«ليت كل أشياءنا الجميلة تبقى بدايات»
«روز أمين»
1
داخل أحد المراكز التجارية الضخمة،وبالتحديد داخل الحلبة الخاصة بلعبة السيارات الاصطدامية،تقف عزة خارج الحلبة وهي تقوم بالتصفيق وتشجيع «يوسف» الجالس بجوار إيثار ممسكًا بطارة السيارة بينما تساعده هي بقيادتها لحمايته من الإصتدام،تطلعت عزة بعينين متلألأتين بالدموع وهي ترى ضحكاتها العالية التي تصدح بالمكان وهي تداعب صغيرها،كانت تبذل كل ما في وسعها تعويضًا لذاك الملاك كي لا تشعره بغياب الأب والعائلة،لذا فكانت تحتويه وتمنحهُ أقصى درجات الحنان والعطف لكي لا يشعر ولو قليلاً بمرارة ما قاسته بمشوار طفولتها المعذبة حيث ذاقت من خلال قساوة والدتها الأمرين،هي من حُرمت من حنان والدتها، هي التي لم تتذوق لضمة أحضان الأم طعمًا،لذا فقد كانت دائمة الحرص على تعويض حالها بغمرة أحضان ذاك الصغير لتجد من خلالها الملاذ وتكسر قاعدة«فاقد الشيء لا يعطيه»
تنهدت عزة حين تذكرت ليلة شتوية عاصفة ممطرة خيم عليها الظلام لانقطاع التيار الكهربائي،حيث جلستا ببهو المنزل تحتضنهما الأريكة القطيفية المريحة بعد أن صنعت عزة كوبان من مشروب الشيكولاتة الساخنة لتحتسيهما سويًا،تطلعت لصغيرها الغافي فوق صـ.ـدرها لتتنهد براحة وهي تجذب الغطاء الوثير لتغمر جـ.ـسده الصغير وتُدفأهُ للحماية من صقيع يناير القارص، وضعت قُـ.ـبلة حنون فوق جبينه وباتت تتلمـ.ـس شعر رأسه الحريري بلمساتٍ تقطرُ حُنُو قبل أن تتنهد وتبدأ بسرد قصتها على مسامع تلك الحنون التي وجدت بأحضانها كل ما انتزعته منها تلك القاسية التي تربت على يديها،كانت تخبرها بدموع عينيها ما قاسته، لم تكن طفولتها كأي فتاة،تذكرت حينما كانت بالسابعة من عمرها عندما أتاها والدها بدُمية كهدية تحفيذية بعد نجاحها بالصف الثاني الإبتدائي لتحتضنها وتشعر معها بالسعادة التي لم تكتمل حين اقتحمت منيرة جلوسها وهي تلهو بدُميتها لتنتزعها بدون رحمة وتقوم بتمزيقها وتحويلها لأشلاءٍ وهي تخبرها بكل حنقٍ أنها أصبحت فتاة كبيرة ولا ينبغى التصرُف كالصغيرات،لتجذبها بقوة من رسغها لتلقي بها بحجرة المطبخ وتأمرها بغسل الأواني لتتعلم المهارات المنزلية التي ستعود عليها بالنفع بدلاً من تبديد وقتها بتلك المهاترات،مر بذهنها دموعها الغزيرة التي انهمرت وهى تُسرد ألامها النفسية التي خرجت بها من طفولتها ولازمتها إلى الأن
تنهدت عزة بأسى لتبتسم بسعادة وهى تراها تمرح وتلهو مع صغيرها وكأنها تشاركهُ طفولته كتعويضًا لها عما مضى،انتهى الوقت المحدد للعبة لتتوقف السيارات ويبدأ الجميع بالترجل لاعطاء الأطفال المنتظرين أدوارهم،حملت صغيرها وخرجت لتستقبلهما عزة بملامح متهللة وهي تفتح ذراعيها على مصراعيهما لتلتقط الصغير لاحضانها،تحركوا إلى المطعم ليتناولوا طعام غدائهم بسعادة ومذاقٍ شهي،لتتحدث عزة إلى الصغير وهي تجفف لهُ فمه بالمحرمة الورقية:
-كده يا چو بهدلت نفسك كاتشب،عمالة أقولك خليني أأكلك
تذمر الصغير لتقول إيثار بنبرة حنون وهي تتحـ.ـسس شعر رأسه بحنو:
-سبيه براحته يا عزة
لتبتسم لذاك الملاك الذي حول بصره يتطلع عليها بإبتسامة شُكر لتسترسل بعينين تقطرُ حنانًا:
-كل براحتك واعمل كل اللي إنتَ عاوزه يا قلبي
ضحك لها الصغير لتسترسل سريعًا بعدما لمحت اعتراض تلك الحازمة:
-الكلام ده ينطبق على النهاردة وبس يا چو، مش عاوزين نكسر قواعد عزة
-أيوا كده اظبطي الكلام بدل ما تبوظي لي حتة الواد اللي تعبت في تربيته وتخليني أقلب عليكِ...نطقتها بمشاكسة لتضحك الاخرى وهي تقول بملاطفة:
-وأنا لا قد قلبتك ولا لوية بوزك يا ست عزة
هتف الصغير بوجهٍ متهلل وهو يُشير إلى ثيابه التي يرتديها:
-مامي،أنا عاوز ألبس الطقم ده وأنا رايح بكرة عند بابي
وقفت غصة مرة بحلقها وبلحظة تبدلت ملامحها من مستكينة هادئة لغاضبة مستاءة،زفرت عزة لتسألها بحدة:
-إنتِ هتخليه يروح بكرة عند أبوه بجد؟
أجابتها متأثرة:
-غصب عني يا عزة،مش عاوزة أدخل الولد في مشاكلنا علشان نفسيته ماتتأثرش،ما أنتِ عارفة هو متعلق بيهم قد إيه
واسترسلت بإبانة:
-نصر البنهاوي إتصل بالمحامي النهاردة وطلب منه يستأذني ياخده بكرة علشان بباه عاوز يشوفه
سألتها بحذر وهي تنظر للصغير:
-هو رجع من السفر؟
علمت أنها تقصد بخروجه من سرايا النيابة لتقول:
-محامي أيمن بيه قال لي إنه رجع إمبارح بعد ما خِلصوا الأربع أيام
لتسترسل بحذر وهي تراقب صغيرها المنشغل بتناوله للطعام:
-أبوه جاب له أكبر محامي في البلد،أخد شهر مع إيقاف التنفيذ وغرامة ألف جنية في المحضرين
لوت عزة فاهها لتقول وقد ارتسم عدم الرضا والاستياء على ملامحها:
-بعد كل اللي نيله ده ياخد شهر وكمان ميتحبسهوش؟!
زفرت إيثار لتسترسل الاخرى بنبرة يائسة:
-عليه العوض ومنه العوض
نظرت للأمام لتتحدث بقوة وصلابة:
-مش مهم المدة قد ما مهم إنهم عرفوا إني مش هسكت بعد كده، وإن عندي اللي يساعدني واللي نصر بجبروته مقدرش على تخطيتهم
-مامي أنا عاوز أيس كريم شيكولا...ابتسمت لتجيبه:
-كمل البيتزا بتاعتك وبعدها نروح ناكل الأيس كريم
عبس وجه الصغير وابتعد مهرولاً عن مقعده ليدق الأرض بقدماه معلنًا عن إعتراضه ليخرج صوته بضجر وهو يعقد حاجبيه بضيق:
-بس أنا شبعت وعاوز أيس كريم
كادت ان تنهره أوقفتها عزة التي هبت واقفة لتجاور ذاك العنيد قائلة:
-أنا خلصت أكل، كملي إنتِ أكلك وأنا هروح أجيب له
زفرت باستسلام لتنطق بنظراتٍ لائمة:
-إفضلي إنتِ كده دلعي فيه لما هتخليه يتنمرد علينا وبعد كده مش هيسمع لواحدة فينا كلام
ابتلعت ما تبقى بجوفها من حديث بعدما شاهدت تصفيق الصغير بحماس تحت سعادة كلتاهما لتنسحب عزة بعدما حملته بينما تابعت هي تناول طعامها،استمعت لرنين هاتفها الموضوع جانبًا فوق الطاولة لتضيق عينيها بعدما وجدت الرقم مخفي لتتذكر ذاك المغرور، أمسكت محرمة سريعًا لتنظيف يدها ثم التقطت الهاتف وهي تُجيب باستحسان بنبرة جادة:
-مواعيدك مظبوطة بالدقيقة يا سيادة المستشار
وصلها صوته المتعالي وهو يقول بزهوٍ:
-فؤاد علام كل حاجة في حياته مظبوطة مش بس مواعيده
شعرت بالضجر من غروره البالغ فأخذت تحرك عينيها يميناً و يساراً بملل،لم تبغض شيئًا بحياتها أكثر من الغرور وأهله، فدائمًا يذكرها بتلك الـ "إجلال"سيدة الغرور الأولى بالعالم بالنسبة لها، لتزفر بنفاذ صبر وهي تسألهُ بصوتٍ صارم متجاهلة جملتهُ التي تقطرُ تباهيٍ:
-أنا حجزت لحضرتك الميعاد،الساعة واحدة يناسب حضرتك؟
لمس ضجرها بنبرة صوتها الجادة ليبتسم بتسلي وهو يتخيل ملامح وجهها الصارمة ليقول:
-ميعاد مناسب جدًا
واسترد بمشاكسة أصبحت تلازمه كلما جمعه حديثًا مع تلك الأنثى المتمردة والتي من الواضح أن كبريائها قد جذبهُ إليها وكلما نفض تفكيره بها ليبتعد خطوة يجد القدر يقربه أكثر ويضعها بطريقهُ ليلتقيا من جديد:
-ياترى غيرتوا البُن المغشوش بتاعكم ولا أجيب معايا البُن بتاعي
أخذت تقلب عينيها بضجر تلعن غرور هذا الرجل بسريرتها،لقد كان مستفزًا لدرجة جعلتها تريد غلق الهاتف لتنهي تلك المحادثة السخيفة لكنها تحاملت على حالها لتنطق بحنقٍ وصل له من خلال نبرتها:
-تقدر تجيب البن بتاع حضرتك معاك، لأننا مبنغيرش ثوابتنا علشان نرضي أي حد
-بس أنا مش أي حد يا أستاذة،وتقدري تسألي مديرك...خرجت كلماته بحدة بعض الشيء لتشعر ببعضًا من الإنتصار وبأنها قد استطاعت استفزاز ذاك المغرور لتبتسم وهي تقول بمراوغة كي لا تثير حفيظتهُ أكثر:
-مش محتاجة أسأل حد يا سيادة المستشار،إسم جنابك يكفي
ضم شفتاه المكتنزة لتخرج إبتسامة جانبية ساخرة بعدما علم مكرها ليقول لاستدعاء ضجرها من جديد:
-كويس إن الشخص يبقى على عِلم بقيمة ومركز اللي قدامه تجنبًا للمشاكل اللي ممكن يوقع نفسه فيها
اقبلت عزة حاملة أكواب مثلجات الشيكولاتة ليقترب الصغير ويقف بجانب والدته ليهتف بعدما رأى تعابير وجهها السائمة وهي تقلب عينيها ضجرًا:
-مامي، إنتِ بتكلمي شرشبيل؟
صدمتها كلمات صغيرها التي اخترقت أذن فؤاد لقرب مسافة ذاك المشاكس من الهاتف مما جعله يقطب جبينه متعجبًا لتنطق هي بكلماتٍ متقطعة لشدة تلبكها:
-إسكت يا چو علشان معايا تليفون شغل
-شغل إزاي،أنا سمعت صوت شرشبيل وهو بيقول لك إنه هيتصل بيكِ الساعة ثمانية...قال كلماته التي جعلت وجهها شاحبًا كما الأموات ليستطرد وهو يُشير بأصبع السبابة على ساعة الحائط المعلقة بالمكان:
- والساعة أهي ثمانية
4
رمقته بنظرة نارية لتسرع إليه عزة وتجذبهُ من رسغه قائلة بتعنيف:
-تعالى يا لمض وسيب ماما تتكلم،تعالى يا جلاب المصايب
-أنا أسفة يا افندم....قالتها بصوتٍ معتذر ليهم بالحديث ليوقفه صوت ذاك الصغير ويضم بين عينيه لإصراره العجيب حيث هدر بصوتٍ مرتفع قائلاً بتأكيد:
-سبيني يا زوزو علشان أحمي مامي من شرشبيل،أنا متأكد إنه هو، أنا سمعت صوته من فون مامي وهو بيقول لها هتصل بيكِ الساعة ثمانية تكوني شوفتي المواعيد
-إبنك باين عليه لذيذ قوي...نطقها باستحسان لتقف مبتعدة عن طاولتهم قبل أن تصاب بذبحة صدرية من تصميم ذاك الأخرق على كلماته،بصعوبة أخرجت صوتها متلبكًا مما جعل فؤاد يشكك بالأمر:
-متشكرة يا افندم وأسفة لو كان أزعجك بلماضته
-بالعكس،باين عليه فطن ومتحدث لبق،تقريبًا وارث صفاته منك...رفعت حاجبيها متعجبة حديثه المثني عليها ليباغتهُ صوتها الناعم وهي تسأله بدلالٍ لا تعلم كيف انفلت منها:
-أعتبر ده مدح من جناب المستشار؟!
-وتستحقيه وبجداره...نطقها بثقة جعلت الإبتسامة تشق طريقها لشفتاها التي انفرجت على مصراعيهما ليخرج صوتها هادئًا معلنًا عن بلوغها لدرجة ليست بالقليلة من الطمأنينة في حضرته:
-ميرسي.
تبسم بتعالي بعدما أيقن ببداية انجذابها له وهذا ما جعله يشعر بالتفاخر،لتنهي هي المحادثة للعودة لمجالسة صغيرها وبداخلها طمأنينة لا تعلم من أين مصدرها.
________________________
صباحًا
كان ينزل من فوق الدرج بكامل أناقته استعدادًا للذهاب لعمله،ابتسم على صغيرة شقيقته التي تجلس ببهو القصر تشاهد أفلام الكرتون الخاصة بالأطفال عبر شاشة العرض الكبيرة، اقترب عليها ليميل بطوله الفارع طابعًا قُبـ.ـلة حنون فوق وجنتها:
-حبيبة قلب خالو عاملة إيه
تبسمت الصغيرة لتقول وهي تركز بعينيها على الشاشة:
-كويسة
خرجت فريال من المطبخ حاملة صحنًا به بعضًا من الشطائر وبيدها الأخرى كأسًا من الحليب الطازج لتضعهما أمام صغيرتها وهي تقول مرحبة بشقيقها:
-صباح الخير يا فؤاد
أجابها مرددًا:
-صباح النور يا حبيبتي
تحدثت:
-بابا وماما مستنيينك على الفطار في الجنينة
قطب جبينه ليسألها متعجبًا:
-هي بيسان بتفطر لوحدها ليه؟!
زفرت لتجيبه مستسلمة:
-بتتفرج على الكرتون بتاعها يا سيدي
ابتسم ليقول بعدما تذكر أن اليوم هو الأحد يوم عطلتها المدرسية:
-بقى بدل ما تستغلي يوم أجازتك الوحيد في انك تفطري مع جدو وبابي تقضيه قدام التلفزيون؟
ابتسمت له وهي تقضم قطعة من الشطيرة لتجيبه شقيقته:
-ريح نفسك مش هترد عليك، يلا بينا علشان نفطر
خطى بساقيه بطريقه للخارج ليتوقف بجبينٍ مقطب حين استمع لصياح ابنة شقيقته وهي تهتف بصوتٍ مرتعب:
-شرشبيل
لتسترسل بتنبيه:
-حاسب يا سنفور شرشبيل وراك.
التفت إليها متذكرًا طفل إيثار وهو يكرر ذاك الإسم عدة مرات بالامس ليقبل على الصغيرة متسائلاً عن أصل ذاك الإسم:
-مين شرشبيل ده يا بيسان؟
-ده يا خالو... نطقتها وهي تُشير بأصبعها لتلك الشخصية الكرتونية،دقق النظر ليجد رجلاً ذو صلعة ويمتلك أنفًا طويل يوحى لمدى شره لتسترسل الفتاة:
-ده شرشبيل الشرير اللي بيحارب السنافر
قطب جبينه وبدأ بربط الخيوط وترتيب الكلمات ليهز رأسه مبتسمًا وهو يحك ذقنه بأصابع يده بتسلي.
أخرجته من شروده شقيقته التي صاحت باسمه لتستعجله
________________________
ظهرًا
بمحافظة كفر الشيخ وبالتحديد بمنزل نصر البنهاوي،يجلس فوق فراشه ممسكًا بين أصابعه إحدى لفائف التبغ يدخنها بشراهة مما عبيء الغرفة بسحابات الدخان الكثيفة،ولجت سُمية للداخل لتتحرك صوبه وتجاوره الجلوس:
-وبعدين معاك يا حبيبي،هتفضل حابس نفسك كتير كده في الأوضة؟
هتف بنبرة حادة بوجههِ الذي مازال متصبغًا بالإحمرار نتيجة ما تلقاه من ضربات عنيفة على أيادي الخارجين عن القانون أكثر من مرة داخل الحجز:
-قولت لك سبيني واطلعي برة يا سُمية
ليستطرد بصوتٍ هادر رامقًا إياها باشمئزاز:
-إنتِ إيه،مابتفهميش؟!
احتدت ملامحها بالغضب الحاد وهي تهتف قائلة بسخطٍ:
-هو خدوهم بالصوت ليغلبوكم،ولا علشان أنا بنت أصول وبحاول أقف جنبك في المصيبة اللي وقعتك فيها بنت الكلـ.  دي يبقى ده جزائي؟!
ما أن قامت بسب مالكة لُبه حتى ألقى بلفافة تبغه بالمطفأة لينقض عليها كثورٍ هائج لا يري أمامه،أمسكها من أحد ذراعيها وقام بليه خلفها وصرخ بها هادرًا:
-لسانك الو.... ده لو سمعته مرة تانية بيجيب سيرة إيثار بخير ولا شر هقطعهُ لك،إنتِ فاهمة
قال الأخيرة بتحذيرٍ وبدأ بالضغط على لي ذراعها بقوة حتى كاد أن يكسر لتجحظ عينيها وهي تشعر بألم يكاد يفتك بروحها لتحاول المقاومة والإفلات من قبضته الفولاذية وهي تقول بتذلل:
-سيب إيدي يا عمرو،إيدي هتتكسر
هتف ليخرسها:
-خليها تتكسر علشان متنسيش تحذيري
حررت ذراعها من قبضته لتنهض سريعًا وتستدير لتطالعه هاتفة بصرامه وهي تنظر له بعينين حادتين ممتلئتين بالشر:
-كل ده علشان قولت كلمة على الهانم من حرقة قلبي من البهدلة اللي شفتها اليومين اللي فاتوا على إيديها؟!
لترمقه بنظراتٍ ازدرائية قائلة:
-مش كفاية إني اتخرست ومافتحتش معاك موضوع مرواحك لبيتها في انصاص الليالي؟!
-ده شيء مايخصكيش...نطقها بحدة لتهتف بصراخٍ وجنون:
-كلك على بعضك تخصني يا عمرو،أنا مراتك
هب واقفًا ليقترب من وقوفها ثم دنى منها ليهمس بفحيحٍ من بين أسنانه:
-وهي قريب قوي هترجع هنا علشان تنور بيتها من جديد، وهتبقى ستك وست الكل
مش هيحصل يا عمرو،على جثتي بنت منيرة تخطي بيتي برجلها...قالتها بنظراتٍ تتطاير شررًا ليهتف بابتسامة ساخرة:
-بيتك! ما بلاش الكلام الكبير ده علشان لو وصلت لكدة يبقى هدخلها على جثتك بجد بعد ما اطلع روحك على إيدي
هنشوف،هنشوف يا عمرو...نطقت كلماتها واندفعت للخارج كحممٍ بركانية أوشكت على الإنفجار، تنهد بضيق ليعود لفراشه ملقيًا بجسده المنهك فوقه ليستند بظهره للخلف ونظر أمامه في نقطة اللاشيء ليعود بذاكرته للماضي وهو يلعن حاله على الإنجذاب لتلك الشيطانة التي ولجت لحياته فأفسدتها وانتزعت حبيبته وصغيره الغالي من بين أحضانه لتلقى بروحه بين غيابة الجُب ومنذ ذاك الحين وروحه حبيسة ماضيه الجميل
«إنتباااااه»
«عودة لما حدث بالماضي»
ارتدت ثيابها كاملةً لتخرج بخطواتها من منزلها بطريقها للطريق الخارجي وإذ بها تُفاجيء بسُمية حيث كانت تنتظرها أمام باب منزلها، شملتها باستغراب حيث كانت ترتدي بنطالاً من الچينز ضيقًا للغاية تعتليه كنزه مفصله على جـ.سدها لتبرز معالمه ومفاتـ.ـنها أما وجهها فحدث ولا حرج،فقد كان ملطخًا بعدة ألوان من الزينة من يراها يعتقدها ذاهبة لحضور زفاف ليلي وليس لطلب العِلم،هتفت بتملل:
-كل ده بتلبسي،نموسيتك كُحلي،يلا إتأخرنا
قالت كلماتها على عجالة لتجذب رسغ تلك المذبهلة وتسحبها خلفها لتقول إيثار باستفهام:
-إنتِ واقفة هنا من بدري؟
-أنا ليا أكثر من ساعة إلا ربع مستنياكِ... سألتها متعجبة:
-طب وليه مدخلتيش
هتفت على عجالة وهي تسرع بخطواتها كأنها تسابق الزمن:
-بطلي رغي وسرعي خطوتك شوية، الراجل زمانه مستنينا من بدري، ليزهق ويمشي
تعجبت لأمر صديقتها وغرابة أفعالها وفضلت الصمت حتى وصلا لبداية الكوبري لتجد ذاك العاشق يتطلع بعينيه الزائغة باحثًا بين البشر عن من ملكت فؤاده وتربعت بعرش قلبه،ارتجف قلبه وبدأت دقاته تعلو وتنتفض عند رؤياها التي باتت تُشبع روحه وتُبلغها السكينة،لمحته من بعيد لتبتسم تلقائيًا لنظراته الهائمة التي يشملها بها،لقد وصل لحد الهيامُ وبات غرامها يتملك لُب فؤاده، كانت تشعر بالرضى وهي تتحرك صوب موقف السيارات بينما يحترق داخل تلك التي تجاورها بعدما رأت نظرات ذاك الثري لصديقتها التي تصفها دائمًا بالبلهاء، فكيف لبلهاءٍ كتلك سرقة عقل شابٍ فاحش الثراء والوسامة كـ عمرو بينما هي التي تحاول جاهدة لم تعثر على الأقل منه بكثيرًا إلى الأن
هتفت بصوتٍ خرج حاد رُغمًا عنها:
-تعالي نسلم عليه ونقف جنبه على ما أي ميكروباص ييجي
لتسترسل بتذمر:
-مش كان جاب عربيته علشان ناخد راحتنا أكتر،أنا مش فاهمة إيه الهبل اللي هو فيه ده
التفت لجانبها تطالعها بذهولٍ وهي تقول باستياء:
-إيه اللي إنتِ بتقوليه ده يا سمية،ازاي تفكري إني ممكن أركب معاه عربيته
-مش هيبقى خطيبك...قالتها باستخفاف لتهتف الاخرى مستنكرة:
-أولاً هو لسة مبقاش خطيبي،وحتى لو بقى أنا لا يمكن أركب معاه عربية لوحدنا
-خليكي بتفكيرك أبو طربوش ده لحد مايزهق منك ويروح يدور على واحدة فاكة وفرفوشة...نطقتها بازدراء لتزفر الأخرى بضيق وتفضل الصمت،وقفت بعيدًا عن ذاك الذي يتابعها بعيناه متلهفًا لنظرة من عينيها التي ابعدتهما عنه وهي تنظر أمامها بخجل،بينما انطلقت الاخرى لتقتحم وقوفه وهي تمد يدها لمصافحته قائلة بكل جرأة:
-ازيك يا أستاذ عمرو
تطلع إليها باستغراب لتقول بعينين متلهفتين تحت ذهول إيثار التي تتابعها من بعد:
-أنا سمية صاحبة إيثار
تعجبت لأمره كيف ينظر لها بهذا الاستغراب ألم يراها وهي تجاورها، بحقيقة الأمر هو لم يراها فكل الكون يصبح شفافًا بحضرة أسرت لُبه، بسط لها كفه ليصافحها متحدثًا ونظراته مثبتة على إيثار مما أثار حِنق الأخرى:
-أهلاً وسهلاً
هتفت للفت الإنتباه:
-على فكرة إيثار كلمتني عنك كتير، أصل أنا صاحبتها الوحيدة وهي مبتخبيش عني أي حاجة
عند ذكرها لتلك النقطة لم يستطع الصمود فالتف سريعًا لها ليسألها متلهفًا:
-بجد إيثار كلمتك عني؟!
احترق قلبها بنار الحقد لما تراه من لهفة وعشق بعيني ذاك الثري لتلك الحقيرة لترسم ابتسامة مصطنعة وهي تجيبه بصوتٍ ناعم ونظراتٍ جريئة تعجب لها عمرو:
-طبعاً كلمتني،أصل إنتَ متعرفش أنا أبقى إيه بالنسبة لإيثار،دي ماتعرفش تخطي خطوة واحدة من غيري،اصلها على نياتها ومعندهاش خبرة في أي حاجة
كلمات ملتوية نطقتها بنظراتٍ جريئة لتجذبه إليها في محاولة منها لاستقطابه داخل براثنها، ابتسم داخله بسخرية على تلك البلهاء وهي تتبع إسلوب الإيقاع بالفريسة، رمقها بازدراء فمثلها كأخرياتٍ كُثر ممن يرتمين تحت قدماه لنول رضاه والإستفادة بمال أبيه الذي لا حصر له،تجاهلها وعاد بنظره لملاكه ليجدها ترمقهما بضيق ليبتسم داخله بعدما رأى غيرتها الواضحة ليتجدد الأمل بقلبه، توقفت سيارة فأسرع هو ليبتعد الجميع مفسحين له الطريق مع تعجبهم لذاك الثري الذي ترك سيارته الخاصة ليشارك الفقراء وسيلة تنقلهم،إختار المقعد الأخير بالسيارة ليحيل بنظره إلى تلك الغريبة لتستقل المقعد المجاور للنافذة لكنها سرعان ما جذبت يد إيثار لتقحمها بمقدمة السيارة قائلة:
-خلي إيثار تدخل الأول،أصلها بتحب القاعدة جنب الشباك.
قطب جبينه ونظر للأخرى التي رفعت كتفيها باستسلام لتستقل مقعدها لتجاوها الأخرى ويليهم هو بالأخير، انطلقت السيارة فنظر هو لها متلاشيًا تلك المتطفلة ليقول مبتسمًا بصوتٍ حنون:
-إزيك يا إيثار
ابتسمت لترد بخجل جعل من وجنتيها كثمرات التفاح في موسم حصادها:
-الحمد لله
سألها متلهفًا:
-فكرتي في الموضوع اللي فاتحتك فيه؟
همت بفتح فمها لتقاطعها سُمية قائلة بعدم حياء:
-هي المواضيع دي بتتاخد على الدوغري كده يا عمرو
ضيق بين عينيه متعجبًا اقتحامها الحديث والسماح لحالها بقول اسمه بدون ألقاب لتسترسل  بعينيها وحاجبيها وكتفاها كفتيات الليل:
-إحنا نروح الوقت نقعد في كافيتريا ونتكلم مع بعض وبعدها نخرج في أي مكان مفتوح، علشان إيثار تعرف تاخد قرار بعدها
رمقتها بحدة لتهتف باعتراضٍ حاد:
-إيه الكلام اللي إنتِ بتقوليه ده يا سمية
واستطردت وهي تهز رأسها بنفي:
-أنا مش هخرج في أي حتة، وبعدين أنا عندي محاضرات مهمة ولازم احضرها
وجه حديثه بحسمٍ إلى إيثار بعدما فهم نظرات تلك اللعوب وعلم أنها تبغض حبيبته وتريد انتزاعه منها:
-إنتِ وعدتيني الاسبوع اللي فات إنك هتفكري وهتردي عليا النهاردة يا إيثار
ليستطرد بعينين متأملتين تنطق بالغرام:
-وأنا عاوز رأيك الوقت.
ابتلعت لعابها وهي ترى هيأتهُ العاشقة،مشاعر متعددة هاجمتها،ارتياب على شعورًا بالراحة مصحوب بالخوف من القادم لكنها بالنهاية تشعر بالطمانينة كلما نظرت بعينيه،سحبت بصرها تتطلع لصديقتها التي هزت رأسها وعينيها تحذرها وتأمرها بالرفض التام،تنهدت براحة لتعود ببصرها إليه من جديد تحت دقات قلبه المتسارعة وكأنها تنتظر حكمًا سيغير مجرى الحياة إما بالتنعم داخل أحضانها الدافئة أو الموت البطيء في ابتعادها،ابتسمت خجلاً لتقول بصوتٍ ناعم:
-أنا موافقة
شهقة عالية خرجت منه وكأنه كان يكظم أنفاسه انتظارًا لردها ليهتف متناسيًا تلك التي تتوسط جلوسهما وهي تحتك بجـ.ـسده بلا حياء أو خجل متأمله إثـ.ـارته عله ينتبه لوجودها ويتم تبديلها بصديقتها البلهاء:
-وأنا هعيشك معايا أسعد أيام حياتك، مش هخلي الدموع تعرف طريق لعنيكي، هحطك جوة عنيا وأقفل عليكِ برموشي علشان نسمة الهوا ماتجرحكيش
تطلعت إليه بعينين سارحتين بحديثه المعسول، فتلك المرة الاولى التي تسمح لأحدهم بالتقرب منها، شعرت بتحرر مشاعرها التي كبحتها أعوامًا ككبت حياتها، ابتسمت لتسحب عنه بصرها وتنظر لكفاها وهي تفركهما ببعضيهما من شدة خجلها وتوترها بينما سمية على وشك بالإصابة بسكتة دماغية من شدة حقدها مما حدث للتو.
قطع شروده طرقات خفيفة فوق الباب ليهتف بنبرة حادة عبرت عن مدى الغضب الكامن بداخله:
«إنتبااااه»
«عودة للحاضر»
-مش قولت لك مش عاوز أشوف خلقتك النهاردة
فُتح الباب لتطل منه والدته وهي تقول بابتسامة:
-فيه حد عاوز يشوفك
هتف بحدة ومازال ينفث لفافة التبغ بشراهة:
-مش عاوزة أشوف حد،خدي الباب في إيدك وإنتِ نازلة
-حتى لو كان يوسف حبيبك...نطقتها بملاطفة ليظهر الصغير من خلفها وهو يقول بابتسامته الصافية:
-وحشتني يا بابي
وكأن بصوته وهيأته الملائكية ترياقًا لحياة تلك البائس، تبدل حاله بلحظه لينظر للصغير بسعادة وهو يسرع إليه متلهفًا ليقوم بحمله وادخاله داخل أحضانه مشددًا بضمته بقوة وكأن بأحضانه سحرًا فقد تبدل حزنه لسعادة بالغة،أبعد وجهه ليهتف وهو يلـ.ـثم وجنتيه وكل إنشًا يقابلهُ بوجهه باشتياقٍ جارف:
-وإنتَ وحشتني قوي يا حبيبي
ابعد الصغير وجهه ليضع كفه الرقيق فوق عين ابيه المنتفخة ليقول مستفسرًا:
-إيه اللي في عينك ده يا بابي
تبدلت ملامح عمرو لحزينة لتهتف إجلال التي تنظر لنجلها بقلبٍ متألم:
-دي حادثة يا يوسف،بابا عمل حادثة بالعربية
-يا حبيبي يا بابي...نطقها الصغير وهو يلـ.ـثم عين أبيه المنتفخة ليدخله عمرو بأحضانه،بعد مدة كان يجلسه فوق ساقيه وتجاورهما إجلال فوق الفراش، يطعمه كل ما لذ وطاب حيث امرت إجلال الخادمة بإحضار الطعام وبعض الحلوى والفاكهة التي يحبذها الصغير،هتف الصغير بصياحٍ طفولي:
-عارف يا بابي، مامي أخدتني الملاهي إمبارح أنا وعزة واكلنا بيتزا وأيس كريم، ودخلت سباق العربيات ولعبت في بحر الكور كمان، كان يوم حلو قوي
لوت إجلال فاهها لتهتف بغلٍ ظهر بين بصوتها:
-ليها نفس تخرج وتاكل بنت منيرة بعد اللي عملته
لتسترسل وهي تُمسك خصلة من شعرها بين أصابعها لتقول بوعيدٍا:
-بس وحياة ده ولا يكون على ستهم، إن ما خليتها تيجي زاحفة تحت رجلي وتطلب مني الرحمة والسماح ليها ولأهلها
قطب الصغير جبينه لعدم فهمه لما تفوهت به جدته ليهتف عمرو من بين أسنانه بحدة:
-وبعدين معاكِ يا أما،إيه اللي بتقوليه ده
ليسألها الصغير ببرائة:
-هو إنتِ بتتكلمي عن مين يا تيتا؟
زفرت بضيق لتربت على ظهر حفيدها الغالي وهي تقول بصوتٍ حنون يرجع لمكانته العالية بقلبها:
-دي واحدة قليلة أصل متعرفهاش يا حبيبي
المهم،كل وخلي بابا يخلص أكله كله علشان هخلي جدك يوديك الملاهي اللي في المركز، وهخليه يشتري لك كل الالعاب واللبس اللي نفسك فيهم
-وهخدهم معايا يا تيتا ولا هيفضلوا هنا زي كل ألعابي... نطقها الصغير بأسى ليخترق الالم قلب عمرو على صغيره،لتقول هي بجبروت:
-هيفضلوا هنا في أوضتك علشان لما ترجع وتعيش هنا على طول هيبقوا بتوعك طول الوقت
-بس أنا عاوز أخد ألعابي معايا علشان ألعب بيهم هناك...نطقها بعينين حزينتين لتهتف بتحريض للصغير:
-خلاص، زن على ماما وخليها تجيبك وترجعوا تعيشوا هنا من جديد وكل ده هيبقى تحت إيدك طول الوقت، ومش بس كدة، ده أنا هاخدك كل يوم وأنزل أشتري لك ألعاب ولبس جديد
مال برأسه وبصوتٍ راجي همس الصغير بعينين متوسلتين يلينُ لهما الحجر:
-طب خليني أخد العربية الكبيرة اللي بابي جابها لي المرة اللي فاتت،عاوز مامي وعزة يشفوني وأنا بسوقها
وكأن تلك القاسية لم تُخلق بقلبٍ كباقي البشر، فقد أُنتزعت الرحمة من قلبها لتقوم باستغلال ذاك البريء للضغط على إيثار وإجبارها للرضوخ والقبول بعودتها لنجلها عن طريق ملاكها الصغير،فهي من أجبرت نصر والجميع على عدم إرسال مال ليحيا الصغير حياة الأثرياء كأبيه،واكتفت بارسال المبلغ الزهيد التي حددته المحكمة والذي لا يكفي حتى لشراء ما يحتاجه الصغير من خبزٍ يسد جوعه،كل هذا كي يزيد من الضغط عليها واستسلامها لكنها أبت فهي تقطع من قوتها لتأمن حياة كريمة للصغير من مأكل وملبس إلى مصاريف دراسته بالمدرسة الخاصة التي ألحقته بها لتأمين مستقبل دراسي أفضل، هتفت بقوة وصرامة:
-قولت لك مش هينفع يا يوسف، الحل عند ماما، خليها ترجع تعيش هنا وأنا هعيشك عيشة الملوك
عبس وجه الصغير ونكس رأسهِ للأسفل، أما عمرو فلم يعد لديه القدرة على التحمل لإذلال صغيره بتلك القسوة، أي عقل يستوعب هذا وأي قلبٍ يتحملُ،أنزل صغيره من فوق ساقيه ليهرول للخارج هاربًا من نظرات طفله القـ.ـاتلة لتزفر إجلال وتلحق به بعدما طلبت من الصغير إكمال طعامه وعدم الخروج، خرجت لتجده يجوب بهو مسكنه الخاص مع سُمية ذهابًا وإيابًا ويبدوا على ملامحه الغضب الحاد، اقتربت منه ليصيح بغضبٍ عارم:
-قولي لي لحد إمتى هقدر استحمل اشوف ابني وهو بيتذل بالطريقة دي قدام عنيا وانا ساكت
لحد ما يحصل المراد...نطقتها ببرودٍ ولا مبالاة ليهتف بوجهٍ مكفهر:
-هو ابني مبيصعبش عليكِ؟!
-السؤال ده يتسأل لـ أمه مش ليا أنا...نطقتها برأسٍ شامخ لتسترسل بقوة:
-لو كانت بتحبه بجد كانت رجعته لعز أبوه وجده،لكن دي واحدة قادرة عاوزة تعيش على كيفها من غير حاكم
واستطردت وهي ترمقه باشمئزاز:
-كان يوم إسود لما وافقتك على جنانك وخطبت لك واحدة قليلة الاصل،وادي النتيجة...قالتها بنظراتٍ لائمة ليهتف بقوة:
-إيثار عمرها ما كانت قليلة الأصل،دي كانت أحلى حاجة حصلت لي،مدوقتش السعادة والراحة غير في حضنها
ليسترسل بألم ظهر بعينيه:
-ومن يوم فراقها الدنيا كلها فارقتني
هتفت لائمة:
-إنتَ بتكلمني زي ما أكون أنا السبب في إن البرنسيسة سابتك ومشيت،ماهو كله بسبب صاحبة عمرها الزبالة التانية اللي روحت بليتنا بيها
لتستطرد بازدراء:
-حظك زفت في الجوازتين،قال وأنا اللي كنت راسمة أجوزك بنت وزير ولا حتى بنت عضو في مجلس الشعب زي أبوك
 
لم يتحمل حديثها ليهتف بصوتٍ أشبه بصارخ:
-ارحميني بقى من كلامك اللي ليكي سنين بتسمعيه لحد ماحفظته...ليسترسل بنبرة ساخطة:
-ياريت تسبيني أنا وابني لوحدنا وتنزلي تشوفي مملكتك
زفرت بضيق لما توصل له نجلها لتنسحب بهدوء إلى الاسفل كي لا تضغط عليه أكثر.
________________________
دقت الساعة لتعلن عن الواحدة ظهرًا، كانت تعمل بمكتبها مرتدية نظارتها الطبية وبدلتها العملية ليقطع اندماجها صوت "هانيا" السكرتيرة وهي تقول:
-سيادة المستشار فؤاد علام برة وطالب يقابل أيمن بيه
وقفت لتتحرك أمامها لاستقباله قائلة بنبرة عملية:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار
اكتفى بهزة من رأسه لتشير هي للداخل بنبرة جادة:
-الباشمهندس أيمن في إنتظار حضرتك
أسرع بخطاه ليقترب منها قبل أن تفتح الباب ويقول بعدما مال بطولهُ عليها ليقترب من أذنها:
-إبقي قولي ليوسف إن شرشبيل الشرير باعت له السلام
تسمرت بوقفتها لتستدير تطالعهُ بأعين متسعة لتقول بارتباكٍ ظهر بعينيها وصوتها المهزوز:
-شرشبيل مين، أنا مش فاهمة حضرتك تقصد إيه؟
مرر لسانه فوق شفـ.ـته السفلى بتسلي لينطق بعينين متفحصتين لخاصتها مستمتعًا بارتجافة جـ.ـسدها التي باغتتها:
-شرشبيل، اللي كان ميعاده معاكِ الساعة ثمانية إمبارح،واللي واقف قدامك حاليًا
ابتلعت لعابها ليسترسل بمشاكسة:
-بس تصدقي طلع فيه شبه مني،حتى شعره شبه شعري... نطق الأخيرة وهو يمرر كف يده على شعره ليغمز لها بإحدى عينيه وهو يبتسم بتسلي،تسمرت بوقفتها وشحب وجهها وكأن الدماء انسحبت منه ليخرجها من حالتها وهو يُشير لها إلى الباب:
-أيمن بيه في انتظاري
هزت رأسها لتستوعب ما حدث وأقحمت به حالها لتسحب بصرها سريعًا تتقدمه وهي تفتح الباب لتقول بمهنية:
-سعادة المستشار وصل يا أفندم
دخليه بسرعة يا إيثار... قالها وهو يتحرك ليستقبله بنفسه كنوعٍ من التقدير لشخصه ليسترسل وهو يبسط ذراعه للمصافحة:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار، في ميعادك بالظبط
-أهلاً بيك يا أيمن بيه... نطقها ليقول بعملية:
-أنا عارف إن وقتك بحساب، علشان كدة ياريت نقعد علشان نتكلم في المفيد
نظرت لـ أيمن لتقول بصوتٍ مازال متأثرًا بما حدث:
-هبعت لحضرتك البوفيه حالاً، بعد إذنكم
تحركت ليوقفها صوته حين قال أمرًا:
-ياريت تطلبي لنا قهوة إحنا التلاتة وتيجي لأني محتاج لك معايا يا أستاذة
ارتبكت بوقفتها لتشير بيدها على حالها باستغراب:
-محتاج لي أنا؟!
أومأ بعينيه وهو يضع كفي يداه بجيب بنطاله مع ابتسامة مستفزة أرعبتها وظنت أنه شيشتكيها لرئيسها، بعد مرور حوالي نصف ساعة كانت تنظر إليه بانبهار، فقد تغيرت نظرتها كُليًا خلال تلك الدقائق واكتشفت مدى إنسانية ذاك المستشار، تحدثت بنبرة ظهر بها الإعجاب:
-أنا حقيقي مبهورة بتفكير حضرتك الإنساني يا سيادة المستشار
رفع احد حاجبيه يطالعها لتسترسل متحاشية غروره:
-لو كل واحد في إيده فرصة يتطوع بيها ويعمل مبادرة يحقن بيها دمـ.ـاء ناس كتير كان حالنا إتغير للافضل
هز رأسه شاكرًا ليقول أيمن مثنيًا على تصرفه النبيل:
-أنا مش عارف أشكر حضرتك إزاي يا سيادة المستشار،سمعت كتير عن نبل أخلاقك وإخلاصك في عملك بس مكنتش متخيل إنك إنسان للدرجة الكبيرة دي
ليستطرد بعيناي شاكرة:
-إنتَ مش متخيل الحمل اللي شيلته من على قلبي،أنا مكنتش بنام بسبب الموضوع ده
اردف بنبرة جادة:
-أنا معملتش غير واجبي تجاه المسؤلية اللي أنا متحملها يا أيمن بيه،وإن شاء الله كلها يومين والموضوع هيكون منتهي
تهللت اسارير أيمن ليهتف بحماس:
-لو الموضوع ده تم على خير هعمل حفلة ضخمة وسعادتك هتكون ضيف الشرف فيها،وهعلن فيها للصحافة عن التصالح اللي تم بيني وبين صلاح عبدالعزيز،وكمان هنتفق على صفقة بينا توثق العلاقة أكتر
تمام،حلو قوي كده...كلمات مقتضبة نطقها ليهب واقفًا فاردًا ظهره ليقول وهو يغلق زرار حلته برتابة:
-أستأذن أنا علشان تشوف شغلك
-متشكر جدًا يا جناب المستشار...قالها بعينين تفيضُ شُكرًا لتتحرك ويتبع خطواتها، توقفت ببداية مكتب هانيا لتقول بعملية وهي تودعه:
-شرفت يا افندم
متنسيش اللي قولت لك عليه...ضيقت عينيها تطالعه باستفهام ليردد بإبتسامة مستفزة:
-تبلغي يوسف سلام شرشبيل الشرير
قالها واستدار متحركًا بالممر لتخرج ابتسامة ساحرة توقفت على الفور لتجحظ عينيها وهي تستمع لحديثه وكأنه يراها:
-حلوة ابتسامتك على فكرة
نطقها مواليًا ظهره لها لتبتلع لعابها وظلت تتابعه حتى اختفي عن عينيها لتتنهد وتنسحب عائدة لمكتب أيمن.
________________________
بباطن الجبل ليلاً وقد تخطت الساعة الحادية عشر ليلاً،يقف عزيز وشقيقه وجدي بصحبة طلعت يباشرون حفر العمال وهم يستمرون بالتنقيب بباطن الأرض بحثًا عن الأثار حسبما أخبرهم الساحر المرافق لنصر البنهاوي بكل أعمال التنقيب السابقة،هتف عزيز بحدة مخاطبًا الرجال:
-ماتشد حيلك يا أخويا منك ليه،أسبوعين بتفحتوا في حتة أرض ومش عارفين تجيبوا أخرها، لو على شغلكم الرايق ده مش هنوصل بعد شهر
هتف أحد الرجال متذمرًا:
-ما تهدى علينا شوية يا عزيز،ما احنا شغالين فحت على أخرنا أهو
طالعه وجدي بعتاب ليقول بنبرة رحيمة:
-بالراحة على الرجالة يا عزيز، دي ناس شقيانة طول النهار في شغلها وبتيجي تكمل بالليل هنا عشان تقدر تأكل عيالها
-خليك على جنب بقلبك الحنين ده يا وجدي وسيب عزيز يشوف شغله، ده صنف نمرود ميجيش إلا بالعين الحمرا...نطقها طلعت مشيدًا بطبع عزيز القاسي ليشعر عزيز بالإفتخار بذاته مما زاده جبروت ليهتف بصوتٍ اعلى لائمًا الرجال،باغته صوت نصر القوي الذي اتى من خلفهما حين قال باقتضاب:
-عزيز
التفت للخلف لتنفرج أساريره وقبل أن يهلل بتملق كعادته قاطعه صوت نصر الصارم حين قال بملامح وجه مكفهرة:
-خد أخوك وروح واعتبر الاتفاق اللي بينا ملغي لحد ما ترن عليا وتقول لي إن أختك في بيتك والمأذون والشهود جاهزين،غير كدة ملكش عندي شغل لا أنتَ ولا أي حد من طرفك
كان يتحدث بغلٍ يمليء قلبه لتلك الفتاة التي اظهرته بصورة صاغرة امام زوجته المتجبرة وأنجاله وأمام عائلة غانم،وبعد تفكير عميق دام لأيام لم يجد أمامه سوى أن يُلغي باتفاقه مع  الشابان اللذان لم يستوعبا ويصدقا حاليهما حينما اخبرهما قبل الثلاثة أسابيع أنه يريدهما بالعمل معه في التنقيب والبحث عن الاثار وسيعطي كلاً منهما خمسون ألفًا من الجنيهات المصرية مما ادخل الرجلان في حالة من الذهول والفرحة العارمة ويرجع هذا لعدم حصولها على مبلغ كهذا بطيلة حياتهما،كل هذا كان مخططًا من إجلال التي اقترحت عليه بالقيام بهذا العرض كي تجعل الشابان بقبضة يديهم والضغط بالمال ليبذلا أقصى جهدهما في الضغط على شقيقتيهما للرضوخ لأمر العودة من جديد كزوجة لنجلها المدلل الذي سرى عشق تلك الفتاة بشرايينه ولم يستطع التخلص من غرامها وأيضًا لعودة حفيدها الغالي لحضن عائلته.
إنتهى الفصل

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا